علم المسيح

121- ابن داود كيف يكون ربَّه؟



121- ابن داود كيف يكون ربَّه؟

121- ابن داود كيف يكون ربَّه؟

هكذا
وفجأة أراد المسيح أن يضرم هذه القضية اللاهوتية وهو يعلِّم في الهيكل والكتبة
يسمعون، وهي أن داود النبي في المزمور (1: 110) يقول: “قال الرب لربي: اجلس
عن يميني، حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك. فداود نفسه يدعوه ربًّا. فمن أين هو
ابنه؟” (مر 12: 36و37). والمعنى الذي يقصده المسيح من سؤاله أنه إن كان داود
يتكلَّم عن المسيَّا موضِّحاً أنه ربه فمن أين يكون هو ابنه؟ وقالها ليرد على مَنْ
هو المسيَّا الآتي، ابن مَنْ؟ فالمعروف أنه سيكون ابن داود. ومن هنا نشأ السؤال
فإن كان ابنه فكيف يدعوه ربه؟ أي أن المسيح ينطلق من الجزء المعروف في التقليد أن
المسيَّا هو ابن داود إلى الجزء غير المعروف عن شخصه المبارك أنه رب! وبذلك يبدو
أنه أراد الارتفاع بأفكار الذين ينتظرون المسيَّا إلى المستوى الذي يدركون فيه
ربوبيته المساوية لله، كابن الله. وذلك تمهيداً لذهنهم لكي يفهموا لماذا يقول
ويعيد القول دائماً إن الله أبوه وأنه ابن الله؟ حتى يفهموا أنه إنما يعني بذلك
أنه المسيَّا- على أن الجلوس عن يمين الله هي درجة مساواة. والكلام في مجموعه عن
ابن داود، ثم رب داود، أو الجلوس عن يمين الله؛ إنما يعبِّر عن أمور لا تجوز
لإنسان بأي حال من الأحوال. وبهذا يتواجه لقب ابن داود بالمفهوم الجسدي مع لقب رب
داود بالمفهوم الإلهي تواجهاً مضاداً يحتاج إلى حل تركه المسيح دون الإشارة إليه،
لأن هذا اللقب نبوَّة عن المسيح، وفيه وحده تمَّت بصورة فائقة عن العقل أو المنطق
أو أي حلّ بشري. وقد كان هذا اللقب وظلَّ في العهد القديم في إطار النبوَّة فقط.
ولكن بعض النبوَّات الأخرى جاءت لتلقي على هذا اللقب ضوءًا يُدخلها في العهد
الجديد كنبوَّة تحقَّقت: “ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه
عمّانوئيل” الذي تفسيره الله معنا (إش 14: 7، مت 23: 1)، أو “لأنه يولد
لنا ولد ونُعطى ابناً وتكون الرياسة على كتفه، ويُدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً
قديراً..” (إش 6: 9)، حيث اجتمع معاً الابن البشري والإله القدير. وفي
الموضع الآخر يحمل اسمه” الله معنا”. كل هذه النبوَّات أدخلتنا
العهد الجديد، والأصبع يشير بشدَّة على المسيح في ولادته البشرية مع استعلانه
الإلهي بآن واحد.

والمسيح
بإثارة هذه القضية يضع أساساً يصلح كعتبة للفكر اللاهوتي القادم، فهو يشير إلى
استعلان واقع كامل حادث لم يُستعلن بعد بالقدر الكافي، وكأنما من خلال ستارة
يحسُّهُ الإنسان ولا يراه.

 

122- أعطت
الأرملة كل ما عندها

هي
مفارقة شديدة الوقع على النفس عندما كان المسيح يتكلَّم عن الكتبة الذين يأكلون
بيوت الأرامل ولعلَّة يطيلون الصلوات. ثم بعدها مباشرة، إذ كان جالساً في مواجهة
الخزانة التي توضع فيها صناديق العطايا نظر كيف يلقي الجميع نحاساً في الخزانة،
وكان أغنياء كثيرون يلقون كثيراً، وجاءت امرأة فقيرة وألقت فلسين قيمتهما ربع،
عبَّر عنها المسيح أنهما يمثِّلان كل ما عندها!! فنادى تلاميذه وقال لهم:
“الحق أقول لكم: إن هذه الأرملة الفقيرة قد ألقت أكثر من جميع الذين ألقوا في
الخزانة، لأن الجميع من فضلتهم ألقوا. وأمَّا هذه فمن إعوازها ألقت كل ما عندها،
كل معيشتها” (مر 12: 43و44). وهكذا يقارن المسيح بين قلب كاتب ينهب بيوت
الأرامل ويقف يصلِّي، وقلب أرملة تعطي كل ما عندها عطية للرب. ثم يعود ويقارن
أغنياء يعطون من فضلة حياتهم، وأرملة تعطي كل معيشتها. فهنا قياس العطية ليس بالكميَّة
والعدد، بل بمقدار حاجة الإنسان إليها. فالذي يعطي ما لا يحتاجه، ليس كمن يعطي كل
ما يحتاجه. فالأُولى عطاء مال، أمَّا الثانية فبذل نفس!!

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى