علم الكتاب المقدس

الفصل السادس



الفصل السادس

الفصل
السادس

الأنبياء
والنبوة والتنبؤ
فى العهد
الجديد

 

1- المعنى اللغوى والكتابى:

1- وردت كلمة “نبى”:

فى
العهد الجديد فى صيغتها اليونانية
“Prophetes” حوالى 144
مرة، 37 مرة فى الإنجيل للقديس متى، و29 مرة فى الإنجيل للقديس لوقا، و30 مرة فى
سفر أعمال الرسل، و6 مرات فى الإنجيل للقديس مرقس، و14 مرة فى الإنجيل للقديس
يوحنا، وتعنى فى اللغة اليونانية والعهد الجديد:

أ
“ينادى”،
“يشرح علانية”.

ب-
“الذى يتنبأ”.

ج-
“الذى يعرف الماضى”.

د-
و”يعرف ما فى القلوب”.

أى
أن النبى هو الذى ينادى بالدعوة والرسالة الإلهية الموحى بها من الله، والذى يشرح
ويفسر معنى كلمة الله بالروح القدس، والذى يتنبأ بما يكون وما سيحدث فى المستقبل،
كما يعرف الماضى ويعلم ما فى القلوب بالروح القدس الساكن فيه والذى يتكلم على
لسانه. وقد وردت كلمة “نبية” مرتين عن حنة النبية التى تنبأت عن الفداء
الذى سيتم بالمسيح (1)، وإيزابل رمز الشر فى سفر الرؤيا(2)، كما يذكر القديس بولس نساء أخريات كن فى الكنيسة وكانت
لهن موهبة النبوّة(3).

 

2– كما ورد الفعل “يتنبأ Propheteuo“:

حوالى
28 مرة، ويعنى فى اللغة اليونانية والعهد الجديد:

أ-
“ينادى”.

ب-
“يشرح علانية”.

ج-
“يكشف ويعلن ما سيكون فى المستقبل”.

د-
“يعلن ويكشف الخفيات “.

ه-
“له موهبة النبوة”.

و-
“يمجد الله أى ينادى ويتكلم بالأقوال الإلهية، الإعلان الإلهى والرسالة
الإلهية، المعطاة بالروح القدس”.

v “كل
رجل يصلى أو يتنبأ وله على رأسه شئ يشين رأسه. وأما كل امرأة تصلى أو تتنبأ ورأسها
غير مغطى تشين رأسها” (1كو 4: 11،5).

v “لأننا
نعلم بعض العلم ونتنبّأّ بعض التنبؤ” (1كو
9: 13).

v “اتبعوا
المحبة ولكن جدوا للمواهب الروحية وبالأولى أن تتنبأوا
. وأمّا من
يتنبّأُ فيكلم الناس ببنيان ووعظ وتسلية. من يتكلم بلسانٍ يبنى نفسهُ. وأمّا من
يتنبّأُ فيبنى الكنيسة
بالأولى أن تتنبأوا. لأن من يتنبّأُ
أعظم مّمن يتكلم بألسنة
حتى تنال الكنيسة بنياناً فماذا
أنفعكم أن لم أكلمكم إما بإعلان أو بعلم أو بنبوّة أو بتعليم
إذاً أيها
الأخوة جدُّوا للتنبّوء” (1كو1: 14،3-6،39).

ويشرح
علانية ويفسر كلمة الله ويعلم وينصح ويعزى ويذكر:

v “وأما
من يتنبّأ فيكلم الناس ببنيان ووعظ وتسلية
لأنكم
تقدرون جميعكم أن تتنبأُوا واحداً واحداً ليتعلم الجميع وليتعزى الجميع(4)“. كما يعنى الفعل “يتنبأ” أيضا يكشف
ويعلن ما سيكون وما سيقع وما سيحدث فى المستقبل “وقام واحد منهم أسمهُ أغابوس
وأشار بالروح أن جوعاً عظيماً كان عتيداً أن يصير على المسكونة(5)“.
وهذا ما يدل عليه استخدام الفعل فى الآيات التالية:

v “إمراؤون
حسناً تنبأ عنكم أشعياء النبى قائلاً” (متى 7: 15؛ مر 6: 7).

v “وامتلأ
زكريا أبوه من الروح القدس وتنبأ قائلاً” (لو 67: 1).

v “قيافا
إذ كان
رئيس الكهنة فى تلك السنة تنبّأ أن يسوع مزمع أن يموت عن الأمّة. وليس عن الأمّة
فقط بل ليجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد” (يو 51: 11،52).

v “الخلاص
الذى فتش وبحث عنهُ أنبياء. الذين تنبأُ واعن النعمة التى لأجلكم باحثين أىُّ وقت
أو ما الوقت الذى يدل عليه روح المسيح الذى فيهم إذ سبق فشهد بالآلام التى للمسيح
والأمجاد التى بعدها” (1بط 10: 1،11).

v “وتنبأ
عن هؤلاء (الأشرار) أيضا أخنوخ السابع من آدم قائلاً هوذا قد جاء الرب فى ربوات
قديسيه ليصنع دينونة على الجميع” (يو 14: 1،15).

v “فقال
(الملاك) لى (للقديس يوحنا) يجب أن تتنبأ أيضا على شعوب وأمم وألسنة وملوك
كثيرين” (رؤ
11: 10).

ويعن
الفعل أيضاً الذى يكشف الخفيات ويعلم ما فى القلوب وما فوق القدرات البشرية بروح
الله الساكن فيه. يقول الكتاب فلما رأى الفريسى الذى دعا المسيح يتعامل مع المرأة
الخاطئة “تكلم فى نفسه قائلاً لو كان هذا نبياً لعلم من هذه المرأة التى
تلمسهُ وما هى أنها خاطئة(6)“. وأثناء محاكمة السيد
المسيح كان الجنود الرومان “يبصقون عليه ويغطون وجهه ويلكمونه ويقولون له
” ساخرين “تنبأ(7)“، “تنبأ لنا أيها
المسيح من ضربك(8)“، كما يعنى الفعل أيضا معرفة
الماضى إذ أنه لمل كشف السيد المسيح ماضى المرأة السامرية وقال لها “كان لك
خمسة أزواج. والذى لك الآن ليس هو زوجك
قالت له المرأة يا سيد
أرى أنك نبى(9)“، ويعنى من له موهبة النبوّة
“وكان لهذا “فيلبس المبشر) أربع بنات عذارى كن يتنبأن(10)“. وأيضا الذى يتنبأ باسم المسيح “كثيرون
سيقولون لى فى ذلك اليوم يا رب يا رب أليس بأسمك تنبأنا”.

 

3- أما كلمة “نبوّة” أو “نبؤه”، “Propheteia“:

فقد
وردت فى العهد الجديد بشكل عام حوالى 19 مرة، وتعنى فى اللغة اليونانية والعهد
الجديد بصفة علمة “دعوة النبى”، “المقدرة على إعلان إرادة
الله”، “المناداة بكلمة الله”، “موهبة النبوة ذاتها”.

v “ولكن
لنا مواهب مختلفة بحسب النعمة المعطاة لنا. أنبوّة فبالنسبة إلى الإيمان. أم خدمة
ففى الخدمة. أم المعلم ففى التعليم” (رو 6: 12،7).

v “فأنه
لو أحد يُعطى بالروح كلام حكمة ولآخر كلام علم بحسب الروح الواحد
ولآخر عمل
قُواتٍ ولآخر نبوّة” (1كو 8: 12،10).

v “فالآن
أيها الأخوة إن جئت إليكم متكلماً بألسنة فماذا أنفعكم إن لم أكلمكم أمّا بإعلان
أو بعلم أو بنبّوة أو بتعليم” (1كو
6: 14).

v “لا
تهمل الموهبة التى فيك المعطاة لك بالنبوّة مع وضع أيدى المشيخة” (1تى 14: 4).

v “وسأعطى
لشاهدى فيتنبأن
هذان لهما السلطان أن يغلقا السماء حتى لا
مطراً فى أيام نبوّتهما” (رؤ 3: 11،6).

v “..
السر الذى كان مكتوماً فى الأزمنة الأزلية. ولكن ظهر الآن واعلم به جميع الأمم
بالكتب النبوية” (رو 25: 16،26).

v “وعندنا
الكلمة النبوية وهى أثبت التى تفعلون حسناً أن أنتبهتم إليها كما إلى سراج منير فى
موضع مظلم… عالمين هذا أولاً أن كل نبوّة الكتاب ليست من تفسير خاص. لأنهُ لم
تأت نبوّة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح
القدس” (بط 19: 1-21).

كما
تعنى “النبؤة” أيضا التنبؤ، كشف وإعلان، بما سيكون وما سيقع وما سيحدث
فى المستقبل:

v “حسناً
تنبأ عنكم أشعياء النبى” (متى
7: 15).

v “فقد
تمت فيهم نبوّة أشعياء النبى القائلة تسمعون سمعاً ولا تفهمون ومبصرين لا تبصرون
ولا تنظرون” (متى
14: 13).

v “طوبى
للذى يقرأ وللذين يسمعون أقوال نبوّة هذا الكتاب لأن الوقت قريب” (رؤ 3: 1).

v “فإن
شهادة يسوع هى روح النبوّة” (رؤ
10: 19).

v “وقال
لى (الملاك) لا تختم على أقوال نبوّة هذا الكتاب لأن الوقت قريب” (رؤ
18: 22).

v “وإن
كانت لى نبوّة وأعلم جميع الأسرار وكل علم” (1كو
2: 13).

 

2- العهد الجديد وأنبياء العهد القديم:

يذكر
العهد الجديد وبصفة خاصة الإنجيل بأوجهه الأربعة معظم أنبياء العهد القديم مثل
إبراهيم وموسى وصموئيل وداود وإيليا وإليشع وأشعياء وأرمياء ودانيال وهوشع ويوئيل
ويونان بأسمائهم ويقتبس من أسفار هوشع وعاموس وميخا وحبقوق وزكريا وملاخى دون ذكر
أسمائهم، كما أشير إلى أخنوخ السابع من آدم وبلعام بن بعور.

 

1- الأنبياء هم فم الله ولسانه الناطق الذى تكلم من خلالهم وبفمهم
وعلى لسانهم وبواسطتهم، بروحه القدوس:

v ” كما
تكلم الله بفم أنبيائه القديسين الذين هم منذ الدهر” (لو 70: 1).

v “كان
ينبغى أن يتم هذا المكتوب الذى سبق الروح القدس فقال له بفم داود عن يهوذا”
(أع16: 1).

v “وأما
الله فما سبق وأنبأ به بأفواه جميع أنبيائه أن يتألم المسيح قد تتمه هكذا”
(18: 3).

v “أزمنة
رد كل شيئ التى تكلم عنها الله بفم جميع أنبيائه” (أع 25: 4).

v “حسنا
كلم الروح القدس آباءنا بأشعياء النبى” (أع
5: 28).

v “الله
بعدما كلم آباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة” (عب 1: 1).

وقد
تكررت عبارات “لكي يتم ما قيل من الرب النبى القائل(11)“،
“لكى يتم ما قيل بالأنبياء(12)“، “لكى
يتم ما قيل بأشعياء النبى(13)“، “حينئذ تم ما
قيل بأرمياء النبى(14)“، “فكان هذا كلهُ لكى
يتم ما قيل النبى القائل(15)“، “أما قرأتم ما
قيل لكم من قبل إله القائل(16)“، “لكى يتم ما
قيل بالنبى(17)“، “ما قيل لها من قبل الرب(18)“، “كما قيل أن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم(19)” 14 مرة، وكلها تعنى ما قيل من الله “ما قيل
لكن من قبل الله”، “ما قيل من الرب” بواسطة الأنبياء أو بفم
الأنبياء وعلى لسانهم.

 

2- الأنبياء يدونون ويكتبون أقوال الله فى كتب وأسفار بالروح القدس:

استخدم
العهد الجديد كلمة “مكتوب” 110 مرة فى 77 آية، وتشير فى معظمها لما هو
مكتوب فى أسفار موسى الخمسة وأسفار الأنبياء والمزامير، ويستخدم عبارات
“مكتوب(20)“” “هكذا مكتوب(21)“، “هكذا هو مكتوب(22)
“لأنه مكتوب(23)“، “هو مكتوب(24)“، “كما هو مكتوب(25)“،
“فأنه مكتوب(26)“، كما استخدم كلمة
“الكتاب” 34 مرة فى 21 آية لتدل معظمها على كتب الأنبياء من موسى النبى
إلى ملاخى النبى، وأشهر العبارات التى وردت فيها كلمة “الكتاب” هى: “فتم
الكتاب(27)“، “وتم الكتاب(28)“،
“ليتم الكتاب(29)“، “كما قال الكتاب(30)“، “ألم يقل الكتاب(31)“،
“يعرفون الكتاب(32)“، “يقول الكتاب(33)“، “لأن الكتاب يقول(34)“،”الذى
فى الكتاب(35)“، “والكتاب إذ سبق فرأى(36)“، “الكتاب نفسه(37)“،
“درج الكتاب(38)“، “حسب الكتاب(39)“، “يتضمن أيضا الكتاب(40)“.
ويسبق هذه العبارات أو يليها اقتباس آيات كثيرة من جميع أسفار العهد القديم. ثم
يختم القديس بولس هذا كله بقول الروح “كل الكتاب” أى كل أسفار العهد
القديم “هو موحى به من الله(41)“.

ثم
يحدد أسماء كثير من أسفار العهد القديم بالاسم: “كتاب موسى(42)“، “مكتوب فى سفر أقوال أشعياء(43)“،”فدفع إليه سفر أشعياء(44)“،
“داود نفسه يقول فى كتاب المزامير(45)“،
“مكتوب فى كتاب الناموس(46)“، “ما هو
مكتوب فى الأنبياء(47)“، “مكتوب فى سفر
المزامير(48)“، “مكتوب عنى فى ناموس موسى
والأنبياء والمزامير(49)“، “مكتوب فى الناموس
والأنبياء(50)“.

 

3- أنبياء العهد القديم والسيد المسيح:

شهد
السيد المسيح وتلاميذه لكل أنبياء العهد القديم وكل أسفارهم وكل نبوّاتهم وما
سبقوا أن تنبأوا به ودونوه عن السيد المسيح، كما بينا فى الفقرتين أعلاه، كما أكد
السيد المسيح وتلاميذه أيضا على ثلاث حقائق جوهرية متعلقة بهؤلاء الأنبياء:

(1)
حتمية إتمام كل ما سبق وتنبأ به هؤلاء الأنبياء سواء عن المسيح أو عن الأمم.

(2)
أن هؤلاء الأنبياء جميعاً أشتهوا أن يروا المسيح “الحق أقول لكم لأن أنبياء
وأبراراً كثيرين أشتهوا أن يروا ما أنتم ترون ولم يروا وأن يسمعوا ما أنتم تسمعوا
ولم يسمعون(51)“.

(3)
أن المسيح نفسه بالرغم من أنه جاء بمفهوم روحى سماوى لكلمة الله فى العهد الجديد،
وتمم كل ما سبق أن تنبأ به عنه الأنبياء ودونوه فى أسفار العهد القديم بالروح
القدس، وبالرغم من أنه أبطل كل الشرائح الطقسية التى كانت ترمز إليه وتنتهى عنده
وبمجيئه مثل الذبائح وطقوس تقديمها التى كانت تتم فى خيمة الاجتماع ثم فى الهيكل
بعد ذلك، إلا أنه لم يلغى كلمة الله فى العهد القديم أو ينقضها، إنما جاء ليكملها
“لا تظنوا أنى جئت لأنقض الناموس والأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل(52)”، ويتمم كل ما سبق أن كتب عنه “لابد أن يتم
جميع ما هو مكتوب عنى فى ناموس موسى والأنبياء والمزامير(53)“،
ولذلك فقد كانت أسفار العهد القديم هى كتاب الكنيسة المسيحية المقدس الأول إلى
جانب تعليم السيد المسيح وما يتكلم به الروح القدس على أفواه التلاميذ والرسل
وأنبياء المسيحية، لذا يقول القديس بولس بالروح “مبنيين على أساس الرسل
والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية(54)“،
ويعبر عن إيمانه بالقول الموحى به أنه كان “مؤمناً بكل ما هو مكتوب فى
الناموس والأنبياء(55)“، ويقول القديس بطرس بالروح
“لتذكروا الأقوال التى قالها سابقاً الأنبياء القديسون ووصيتنا نحن الرسل
وصية الرب والمخلص(56)“.

ونتيجة
لإيمان الكنيسة هذا الذى استلمته من السيد المسيح فقد أقتبس الرسل فى العهد الجديد
250 اقتباسا مباشراً من العهد القديم، منها آيات مثيرة وفقرات كثيرة اقتبست أكثر
من مرة، وذلك إلى 2500 إشارة إلى آيات وروايات أقوال الله التى أشير إليها ولم
تقتبس منها مباشرة. وكان يسبق هذه الاقتباسات أو الإشارات أو يليها العبارات التى
ذكرناها أعلاه، فى بندى 1و2، مثل “مكتوب” و”لكي يتم”
و”حينئذ تم” و”يقول الكتاب” و”مكتوب فى الناموس”
و”مكتوب فى سفر أقوال أشعياء”
الخ.

ومن
هذا الإيمان والمنطلق كان التلاميذ والرسل وأنبياء المسيحية يبدأون الكرازة بالسيد
المسيح، للعالم كله بصفة عامة ولليهود بصفة خاصة مبتدئين بأقوال الله على فم أنبيائه
فى العهد القديم وخاصة التى تنبأوا فيها عن المسيح الموعود والآتى لفداء وخلاص كل
البشرية، كقول الروح على فم القديس بولس “وأنا لا أقول شيئاً غير ما تكلم
الأنبياء وموسى أنه عتيد أن يكون أن يؤلم المسيح يكن هو أول قيامة الأموات مزمعاً
أن ينادى بنور للشعب وللأمم(57)“، ويقول القديس
بطرس بالروح “له (المسيح) يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه
غفران الخطايا(58)“، وأيضا “وأما الله فما سبق
وأنبأ به بأفواه جميع أنبيائه أن يتألم المسيح قد تممه هكذا
. فإن موسى
قال للآباء أن نبياً مثلى سيقيم لكم الرب إلهكم
وجميع
الأنبياء أيضا من صموئيل فما بعده جميع الذين تكلموا سبقوا وأنبأوا بمجيئ هذه
الأيام(59)“.

وكما
ذكرنا فقد ذكر العهد الجديد معظم أنبياء العهد القديم ومعظم ما جاء به من أحداث
وروايات وأقوال إلهية، سواء بالاقتباس المباشر أو بالإشارة، وخاصة ما تنبأ به وما
كتبه الأنبياء بالروح القدس عن السيد المسيح. فقد ذكر نوح 22 مرة، وإبراهيم 73 مرة،
وإسحق 19 مرة، ويعقوب 69 مرة، ويوسف 36 مرة، وسبط يهوذا 3 مرات، وأخنوخ السابع من
آدم 3 مرات، موسى 80 مرة، ويشوع بن نون 3 مرات، والقضاة ككل 3 مرات، وكل من القضاة
جدعون وباراق ويفتاح وشمشون مرة واحدة، وصموئيل 3 مرات، وداود 59 مرة، وإيليا 30
مرة، وإليشع مرة واحدة، وأشعياء 21 مرة، وأرمياء 3 مرات، وكل من دانيال وهوشع
ويوئيل مرة واحدة، وميخا مرتين، ويونان 46 مرة، وناحوم 17 مرة، وزكريا 11 مرة،
وبلعام العراف 3 مرات، وسليمان 12 مرة، كما أقتبسوا من أسفار ناحوم وحبقوق وحجى
وملاخى، دون ذكر لأسماء هذه الأسفار ولكن بالمقدمات المعروفة “مكتوب”.

 

4- الأنبياء الذين وجدوا وقت ميلاد المسيح “أنبياء وما قبل
المسيحية:

يذكر
الإنجيل للقديس لوقا كل من زكريا الكاهن وزوجته أليصابات وسمعان الشيخ وحنة بنت
فنوئيل كأربعة أنبياء أمتلأوا من الروح القدس وتنبأوا عن المسيح، وتنبأ زكريا عن
المسيح وعن نبوة يوحنا المعمدان. يقول الكتاب أنه بعد أن بشر ملاك الرب زكريا بأن
زوجته ستحبل وتلد أبناً وهى فى شيخوختها ظل صامتاً إلى أن ولدت، ثم يقول
“وامتلأ زكريا أباه من الروح القدس وتنبأ قائلاً”. وتكلم عن الفداء الذى
سبق أن وعد به الله “بفم أنبيائه القديسين” عن مجيء المسيح، كما تنبأ عن
كون يوحنا نبياً للرب “وأنت أيها الصبى نبى العلى تدعى لأنك تتقدم أمام وجه
الرب لتعد طرقه(60)“. ولما دخلت العذراء مريم على
أليصابات بعد بشارة الملاك لها بالحبل بالمسيح وأيضا بحبل أليصابات، يقول الكتاب
“فلما سمعت أليصابات سلام مريم أرتكض الجنين بابتهاج فى بطنها وامتلأت
أليصابات من الروح القدس”، وتكلمت عن حبل العذراء بالمسيح “الرب”
وقالت “مباركة أنت فى النساء ومباركة هى ثمرة بطنك. فمن أين لى هذا أن تأتى
أم ربى إلى(61)“.

عند
ختان الطفل يسوع فى اليوم الثامن فى الهيكل “كان (هناك) رجل فى أورشليم أسمه
سمعان. وهذا الرجل كان باراً تقياً ينتظر تعزية إسرائيل والروح القدس كان عليه.وكان
قد أوصى إليه بالروح القدس أنه لن يرى الموت قبل أن يرى مسيح الرب. فأتى بالروح
إلى الهيكل” وحمل الطفل “على ذراعيه وبارك الله وقال الآن تطلق عبدك يا
سيد حسب قولك بسلام لأن عيينى قد أبصرتا خلاصك الذى أعددته قدام وجه جميع الشعوب.
نور إعلان للأمم ومجداً لشعبك إسرائيل(62)“، وفى
نفس الوقت كانت هناك امرأة بارة وتقية ومسنة دعاها الكتاب ب “نبية”،
“نبية حنة بنت فنوئيل”، هى أيضا “وقفت تسبح الرب وتكلمت عنه
(المسيح) مع جميع المنتظرين فداء فى أورشليم(63)“.

 

5- يوحنا المعمدان:

دعى
يوحنا المعمدان منذ ميلاده بالنبى كقول أبيه “وأنت أيها الصبى نبى العلى
تدعى”. وكان العهد القديم قد أعلن أن نبياً سيسبق المسيح الآتى ليعد طرقه وقد
وصف فى سفر أشعياء ب “صوت صارخ فى البرية أعدوا طريق الرب(64)”،
وفى سفر ملاخى بقوله “هأنذا أرسل ملاكى فيهيئ الطريق أمامى(65)“، و”هأنذا أرسل إليكم إيليا النبى قبل مجيء
يوم الرب(66)“.

وعندما
بشر الملاك زكريا أباه بولادته قال له أنه سيتقدم أمام الرب “بروح إيليا
وقوته ليرد قلوب الآباء إلى الأبناء والعصاة إلى فكر الأبرار لكى يهيئ للرب شعباً
مستعداً(67)“، وقال عنه السيد المسيح أنه ليس مجرد
نبى عادى، بل وأفضل من نبى وأعظم مواليد النساء وأنه هو نفسه إيليا الذى أعلن عنه
الروح القدس بفم ملاخى النبى لأنه جاء بروح إيليا وفكره وأسلوبه وحتى طريقة لبسه.
“ماذا خرجتم لتنظروا. إنساناً لابساً ثياباً ناعمة
أنبياً نعم
أقول لكم وأفضل من نبىّ. فإن هذا هو الذى كتب عنه ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكى
الذى يُهيئّ طريقك قدامك. الحق أقول لكم لم يقم من بين المولودين من النساء أعظم
من يوحنا المعمدان
جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبأوا.

وإن
أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليا المزمع أن يأتى(68)“.
وبعد التجلى وظهور كل من موسى وإيليا مع المسيح أمام التلاميذ على جبل التجلى، سأل
التلاميذ السيد قائلين “لماذا يقول الكتبة أن إيليا ينبغى أن يأتى أولاً.
فأجاب يسوع وقال لهم أن إيليا يأتى أولاً ويرد كل شئ. ولكنى أقول لكم أن إيليا قد
جاء ولم يعرفوه بل عملوا به كل ما أرادوا
حينئذ فهم
التلاميذ أنه قال عن يوحنا المعمدان(69)“.

أ-
كان يوحنا المعمدان آخر ممثل لأنبياء العهد القديم ومكملاً لسلسلتهم حسب قول السيد
المسيح “لأن جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبأوا(70)“،
“كان الناموس والأنبياء إلى يوحنا(71)“. وقد
تنبأ مثلهم عن المسيح “يأتى بعدى من هو أقوى منى الذى لستُ آهلاً أن أحمل
حذاءه. هو سيعمدكم بالروح القدس ونار(72)“.

وكان
الفرق بينه وبينهم هو أنهم تنبأوا عن المسيح قبل مجيئه بأزمنة وقرون، أما هو فقد
وجد فى أيامه وجاء ليعد الطريق أمامه ويشهد له “كان إنسان مُرسل من الله اسمه
يوحنا. هذا جاء للشهادة ليشهد للنور لكى يؤمن الكل بواسطته. لم يكن هو النور بل
ليشهد للنور(73)“، وقال عن نفسه ما سبق أن أنبأ به
عنه أشعياء النبى “صوت صارخ فى البرية قوموا طريق الرب كما قال أشعياء النبى(74)“. كما قال أيضا “لست أنا المسيح بل أنى
مُرسل أمامه(75)“، وقد عرف عند الشعب أنه نبى
“لأن يوحنا كان عند الجميع مثل نبى(76)“،
و”بالحقيقة نبى(77)“، و”واثقون بأن يوحنا
نبى(78)“، وكان هيرودس الملك، كما يقول الكتاب
“أنه رجل بارّ وقديس وكان يحفظهُ(79)“.

ب-
كان أسلوب يوحنا المعمدان وطريقة دعوته وتوصيله لكلمة الله مثل أنبياء العهد
القديم؛ يقول الكتاب “كانت كلمة الله على يوحنا بن زكريا فى البرية فجاء إلى
جميع الكورة المحيطة بالأردن يكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا(80)“. وواجه هيرودس الملك بخطيئته قائلاً “لا
يحل أن تكون لك امرأة أخيك(81)“، وذلك بنفس الأسلوب
الذى واجه به صموئيل النبى شاول الملك(82)، وناثان النبى
عندما واجه داود الملك(83)، وكذلك إيليا عندما واجه اخآب
الملك(84)، وكان اسلوبه حاداً ونارياً مثل إيليا النبى
فقد جاء بأسلوبه وروحه وقوته وحتى فى طريقة ملابسه، فقد كان إيليا “رجل أشعر
متنطق بمنطقة من جلد على حقويه(85)“، وكان رداء
يوحنا المعمدان من “وبر الإبل ومنطقة من جلد على حقويه(86)“.

ج-
وكما أضطهد بنو إسرائيل الأنبياء وقتلوا بعضهم، كما قال السيد المسيح “جلدوا
بعضاً وقتلوا بعضاً ورجموا بعضاً(87)“، وأيضا
“لذلك ها أنا أرسل إليكم أنبياء وحكماء وكتبة فمنهم تقتلون وتصلبون ومنهم
تجلدون فى مجامعكم(88)“، “إذ تشهدون وترضون
بأعمال آبائكم لأنهم هم قتلوهم وأنتم تبنون قبورهم(89)“،
وقال القديس استيفانوس فى مجمع لليهود “أى الأنبياء لم يضطهده آباؤكم وقد
قتلوا الذين سبقوا فأنبأوا بمجيئ البار(90)“،وقال
بولس الرسول “قتلوا الرب يسوع وأنبيائهم واضطهدونا نحن(91)“،
هكذا أيضا قتلوا يوحنا المعمدان عندما قطع هيرودس الملك رأسه إرضاء لهيروديا امرأة
أخيه التى تزوجها بعد أن قتل زوجها(92).

 

6- السيد المسيح هل كان نبياً؟

السيد
المسيح هو “صورة الله(93)“، “صورة الله
غير المنظور(94) وصورة الله هو الله “الذى إذ كان
فى صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون مساوياً لله(95)“،
“الذى وهو بهاء مجده ورسم جوهره(96)“، أي بهاء
مجد الله وصورة جوهره. كلمة الله الذى هو الله “ويدعى اسمه كلمة الله(97)“، “فى البدء كان الكلمة وكان الكلمة عند
الله وكان الكلمة الله(98)“، وقوة الله وحكمة الله
“بالمسيح قوة الله وحكمة الله(99)“،
“المسيح يسوع صار لنا حكمة من الله وبر وقداسة(100)“،
“المدخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم(101)“،
وهو ابن الله الوحيد الذى من ذات الله الآب وفى ذاته “الله لم يره أحد قط
الابن الوحيد الذى هو فى حضن الأب هو خبر(102)“،
لذا قال “أنا والآب واحد(103)“، وأنه موجود
سابقاً قبل العالم والخليقة “والآن مجدنى أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذى
كان لى عندك قبل كون العالم
لأنك أحببتنى قبل إنشاء العالم(104)“، وهو الذى خلق العالم “كل شئ به كان
وبغيره لم يكن شئ مما كان. فيه كانت الحياة
كان العالم
وكون به العالم(105)“، “فإنه فيه خلق الكل ما
فى السموات وما على الأرض ما يُرى وما لا يُرى سواء كان عروشاً أم سيادات أم
رياسات أم سلاطين الكل به وله قد خلق(106)“، هو
خالق الكل و”رب الكل(107)“، والذى يسجد له
الكل “لكى تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن فى السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض(108)“، “وأيضا متى أدخل البكر إلى العالم يقول
ولتسجد له كل ملائكة الله(109)“. وهو الديان الذى
يدين الخليقة بالعدل ويجازى كل واحد بحسب أعماله “فإن ابن الإنسان سوف يأتى
فى مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازى كل واحد حسب عمله(110)“،
“الرب يسوع المسيح العتيد أن يدين الأحياء والأموات عند ظهوره وملكوته(111)“. وهو الجالس على العرش الإلهى فى السماء
“ثم أن الرب بعد ما كلمهم ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله(112)”، “المسيح جالس عن يمين الله(113)“، “جلس فى يمين العظمة فى الأعالى(114)“، “جلس فى يمين عرش العظمة فى السموات(115)“، “جلس إلى الأبد عن يمين الله(116)“.

وباعتبار
أن المسيح هو ابن الله وكلمة الله وصورة الله الذى هو الله خالق الكون ومدبره
وديانه فهو رب الكل وإله الكل وفوق الكل ولكنه فى ملء الزمان ظهر فى الجسد
“ولما جاء ملء الزمان أرسل الله أبنه مولوداً من امرأة(117)“،
و” الكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوء
نعمة وحقاً(118)“، “الذى إذ كان فى صورة الله
لم يحسب خلسة أن يكون مساوياً لله لكنه أخلى نفسه أخذاً صورة عبد صائراً فى شبه
الناس وغذ وجد فى الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب. لذلك رفعُ
الله أيضا وأعطاهُ اسماً فوق كل أسم لكى تجثوا باسم يسوع كل ركبة ممن فى السماء
ومن على الأرض ومن تحت الأرض. ويعترف كل لسان أن يسوع هو رب لمجد الله الآب(119)“. جاء فى الجسد “يسوع المسيح
جاء فى
الجسد(120)“، ظهر فى الجسد “عظيم هو سر التقوى
الله ظهر فى الجسد(121)“، وكان مجرباً “مثلنا
فى كل شئ بلا خطية(122)“.

وبتجسد
السيد المسيح ومجيئه إلى العالم وظهوره فى الجسد أعلن عن ذات الله الآب وإرادته
بصورة أكثر إيضاحاً من جميع الأنبياء لأنه تكلم فيما له وأعلن أن بتجسده ونزوله من
السماء إلى العالم قد قدم بذاته الإعلان الأخير كقول الكتاب “الله بعدما كلم
الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة كلمنا فى هذه الأيام الأخيرة فى أبنه
الذى جعلهُ وارثاً لكل شئ الذى به أيضا عمل العالمين الذى وهو بهاء مجده ورسم
جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته بعد ما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا جلس فى
يمين العظمة فى الأعالى(123)“.

ولأن
السيد المسيح جاء إلى العالم ظاهراً فى الجسد فقد أتخذ طبيعة الإنسان وصفاته فدعى
ب “ابن الإنسان الآتى من السماء والذى نزل من السماء الجالس عن يمين العظمة
فى الأعالى والديان المسجود له من جميع الخلائق “ومتى جاء ابن الإنسان فى
مجده وجميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس على كرسى مجده. ويجتمع أمامه جميع
الشعوب فيميز بعضهم عن بعض(124)“، “أقول لكم
من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء(125)“، “وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذى نزل
من السماء ابن الإنسان الذى هو فى السماء(126)“،
“فإن رأيتم ابن الإنسان صاعداً إلى حيث كان أولاً(127)“.

ومن
ثم أتخذ ألقابا كثيرة كان من ضمنها لقب النبى. فلماذا لقب المسيح بالنبى؟ والإجابة
ببساطة لأنه جاء فى الجسد وأتخذ صورة العبد وظهر فى الهيئة كإنسان وعمل أعمالاً
إلهية قديرة لا تحصى ولكنه أخفى لاهوته ولم يشر إلى لاهوته صراحة إلا فى مرات
قليلة، وإن كانت معظم أعماله وأقواله تؤكد حقيقة جوهره وكونه الإله المتجسد. لذلك
أعتقد الناس أنه كان نبياً “فقالت الجموع هذا يسوع النبى الذى من الناصرة(128)“، “فلما رأى الناس الآية التى صنعها يسوع
قالوا أن هذا هو بالحقيقة النبى الآتى إلى العالم(129)“،
“فكثيرون من الجمع لما سمعوا هذا الكلام قالوا هذا بالحقيقة هو النبى.. آخرون
قالوا هذا هو المسيح(130)“، فقد تحيرت الجموع فى
أمره وتصور هيرودس أن يوحنا المعمدان قام من الأموات ولذلك تعمل به القوات. قال
آخرون أنه إيليا. وقال آخرون أنه نبى (أو) كأحد الأنبياء(131)“،
وحتى عندما سأل هو تلاميذه “من يقول الناس أنى أنا. فأجابوا. يوحنا المعمدان
وآخرون إيليا وآخرون واحد من الأنبياء(132)“، ويقول
الكتاب انه “كان عندهم مثل نبىّ(133)“، وقالت
له المرأة السامرية “يا سيد أرى أنك نبى(134)“،
وكذلك قال عنه المولود أعمى بعد أن شفاه “أنه نبى(135)“،
وتصور تلميذا عمواس نفس الشيء “يسوع الناصرى الذى كان إنساناً نبياً مقتدراً
فى الفعل والقول(136)“، أما المسيح نفسه فلم يطلق
على ذاته لقب “نبى” على الإطلاق إلا فى مجرد إشارتين عابرتين تعطيان
معنى عام لا يخص المسيح وحده وذلك فى قوله “ليس نبى بلا كرامة إلا فى وطنه
وفى بيته(137)“، وينبغى أن أسير اليوم وغداً وما
يليه لأنهُ لا يمكن أن يهلك نبى خارجاً عن أورشليم(138)“.

ولكنه
تكلم عن نفسه باعتباره ابن الله الوحيد الذى من ذات الآب وفى ذاته “أنا والآب
واحد(139)“، “الابن الوحيد الذى فى حضن الآب
هو خير(140)“، “أنا فى الآب والآب فى(141)“، وأكد على هذه الحقيقة جيداً عندما أجابه
القديس بطرس على سؤاله “من يقول الناس أنى أنا؟” فأجاب بطرس “أنت
هو المسيح ابن الله الحى” فمدحهُ قائلاً “طوبى لك يا سمعان بن يونا. أن
لحماً ودماً لم يُعلن لك لكن أبي الذى فى السموات(142)“،
وقد تكرر فى العهد الجديد لقب “ابن الله” و”الابن الأكبر”
و”ابن الله الوحيد” و”الابن” حوالى 87 مرة منها 4 مرات مرتبطة
بصفة “الوحيد”. وتكرر لقب “ابن الإنسان” 83 مرة ارتبطت معظمها
بصفات المسيح الإلهية كالديان والجالس على العرش عن يمين العظمة فى السماوات
والنازل من السماء والموجود فى السماء والعائد إلى السماء إلى حيث كان أولاً
والآتى على سحاب المجد مع ملائكته ورب السبت والذى له السلطان على غفران الخطايا
الخ.

ومع
ذلك فقد مارس السيد المسيح عمل النبى ووظيفة النبوّة والتنبؤ، وقام بكثير من
الأعمال التى قام بها الأنبياء ولكن بسلطان إلهى نابع من كونه الإله المتجسد وكلمة
الله الآتى من السماء، فلم يقل مثل الأنبياء “هكذا يقول / أو قال الرب”
وإنما أستخدم أقواله الإلهية، فقد كرر عبارة “الحق أقول لكم” 62 مرة،
وعبارة “الحق الحق أقول لكم” 25 مرة، وعبارة “وأنا أقول لكم”
6مرات، وعبارة “وأمّا أنا فأقول لكم” 6مرات أيضا وذلك فى المقارنة مع ما
“قيل” فى شريعة موسى فى القديم(143). كان
كلامه نابع من ذاته “أنا” وقوله هو الحق لأنه هو ذاته الحق. وكان يرى
رُؤى كقوله “رأيت الشيطان ساقطاً من السماء مثل البرق(144)“،
وكشف بالتفصيل عن ملكوت الله الوشيك الحدوث(145)، وشرح
بالتفصيل دمار أورشليم والهيكل القادم(146)، بل وبكى على
أورشليم لما كانت ستلاقيه وستعانيه وقت حصارها ودمارها(147)،
وتكلم عن مجيئه الثانى والدينونة بالتفصيل(148)، بل وشرح
الأحداث التى ستسبق المجيء الثانى بصورة تفصيلية دقيقة لا كمجرد نبوّات أو تنبؤات،
كما يتصور البعض، وإنما باعتباره كلى العلم والمعرفة، العالم بكل شئ الذى وصف كل
ما سيحدث بقة مذهلة، وذلك بناءً على معرفته السابقة وعلمه السابق وتدبيره للأحداث..
وحتى عندما سأله تلاميذه عن ذلك سألوه بصيغة العالم بكل شئ والذى يعرف ما سيحدث
بالتفصيل كمعرفة نابعة من ذاته “قل لنا متى يكون هذا وما هى العلامة عندما
يتم جميع هذا(149أ)“. كان سؤال لصاحب الأمر، وكانت
الإجابة من صاحب الأمر كما نادى بالتوبة وقام بأعمال رمزية مثل دخوله الأنتصارى
لأورشليم وتطهير الهيكل ولعن شجرة التين، هاجم العباد الشكلية مثل أنبياء العهد
القديم ويوحنا المعمدان. ولكن كان كلامه بسلطان إلهى وكانت أعماله بسلطان إلهى
نابع من ذاته كقوله “دفع إلى كل سلطان فى السماء وعلى الأرض(149ب)“، “فبهتوا من تعليمه لأن كلامه كان بسلطان(150)“، وكان يغفر الخطايا بسلطان إلهى نابع من ذاته(151)، “فتحيروا كلهم من كلامه حتى سألوا بعضهم بعضاً
قائلين ما هذا التعليم الجديد لأنه بسلطان يأمر حتى الأرواح النجسة فتطيعه(152)“، وأعطى تلاميذه ورسله “سلطاناً”
ليدوسوا “الحيات والعقارب وكل قوة العدو ولا يضركم شئ(153)“،
بل وكان له “سلطاناً على كل جسد ليعطى حياة أبدية(154)“،
وهو جالس الآن “فى السماويات. فوق كل رياسة وسلطان وقوة وسيادة
وأخضع كل
شئ تحت قديمه(155)“.

ولأن
السيد المسيح ظهر فى الجسد وصار من نسل إبراهيم وداود بحسب الجسد كقول القديس بولس
بالروح “ومنهم المسيح حسب الجسد الكائن على الكلى إلهاً مباركاً إلى الأبد(156)“، هكذا تنبأ موسى النبى عن المسيح أنه سيكون
نبياً مثله “يقيم لك الرب إلهك نبياً من وسطك من إخوتك مثلى
أقيم لهم
نبياً من وسط اخوتهم مثلك وأجعل كلامى فى فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به(157)“، وقوله من وسطك يقصد من بنى إسرائيل، ومن أخوتك
أى من سبط أخر غير سبط لاوى الذى منه موسى النبى، كان المسيح نبياً مثل موسى بحسب
الجسد ومن سبط يهوذا بحسب الجسد كقول الوحى الإلهى “فأنه واضح أن ربنا طلع من
سبط يهوذا الذى لم يتكلم عنه موسى شيئ من جهة الكهنوت(158)“،
ووصف المسيح ب “الأسد الذى من سبط يهوذا أصل داود(159)“.
كان المسيح أهل ومصدر إبراهيم وداود كقول الوحى “أصل يسى(160)”،
وقول المسيح ” قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن” و”أنا وأهل وذرية
داود(161)“، ومع ذلك جاء من نسلهم بحسب الجسد. هكذا
كان المسيح إله ورب موسى والفرق بينه وبين موسى كما يقول الكتاب هو الفرق بين صاحب
البيت، المسيح، والخادم فى البيت،موسى(162). ومع ذلك فقد
جاء المسيح نبياً مثل موسى ولكن حسب الجسد، قال القديس بطرس فى عظتهُ فى الهيكل
“فأن موسى قال للآباء أن نبياً مثلى سيقيم لكم الرب إلهكم
أنتم أبناء
الأنبياء والعهد الذى عاهد به الله آباءنا قائلاً لإبراهيم وبنسلك تتبارك جميع
قبائل الأرض. إليكم أولاً إذ أقام الله فتاه (يسوع) يبارككم برد كل واحد منكم عن
شروره(163)“، وأشار إلى هذه النبؤة أيضا القديس
استيفانوس(164). حقاً لقد جاء المسيح من نسل إبراهيم
وداود بالجسد كان نبياً مثل موسى بالجسد ولكنه هو نفسه الإله المبارك “ومنهم
المسيح حسب الجسد الكائن على الكل إلهاً مباركاً إلى الأبد(165)“.

 

7- أنبياء المسيحية:

يذكر
الكتاب الأنبياء، أنبياء المسيحية بعد حلول الروح القدس، ضمن قادة الكنيسة
المسيحية الأولى مع الرسل والتلاميذ فيقول:

v “وفى
تلك الأيام أنحدر أنبياء من أورشليم إلى إنطاكية” (أع 27: 11).

v “وكان
فى إنطاكية فى الكنيسة هناك أنبياء ومعلمون برنابا وسمعان الذى يُدعى نيجر ولوكيوس
القيروانى ومناين الذى تربى مع هيرودس رئيس الربع وشاول” (أع
1: 13).

v “فوضع
الله أناساً فى الكنيسة فى الكنيسة أولاً رسلاً ثانياً أنبياء ثالثاً معلمين ثم
قوات وبعد ذلك مواهب شفاء أعواناً تدابير وأنواع ألسنة” (1كو 28: 12).

v “وهو
أعطى البعض أن يكونوا رسلاً والبعض أنبياء والبعض مبشرين والبعض رعاة
ومعلمين” (أف 11: 4).

v “ويهوذا
وسيلا إذ كانا هما أيضا نبيين وعظا الأخوة” (أع 32: 15).

v “انحدر
من اليهودية نبى أسمه أغابوس” (أع
10: 21).

v “أما
الأنبياء فليتكلم اثنان أو ثلاثة وليحكم الآخرون” (1كو 29: 14).

v “أن
كان واحد يحسب نفسه نبياً أو روحياً فليعلم ما أكتبهُ إليكم هو وصايا الرب”
(1كو37: 14).

كان
أنبياء المسيحية قادة فى الكنيسة الأولى، وكانت قيادتهم روحية تعليمية رعوية فى
إطار الجماعة المسيحية نفسها بالدرجة الأولى. فقد كان شاول، بولس الرسول، وبرنابا
وسيلا ويهوذا ضمن أنبياء المسيحية.

وكان
الروح القدس يقودهم ويوجههم لمهام روحية خاصة، يقول الكتاب “وبينما هم يخدمون
الرب ويصومون قال الروح القدس افرزوا برنابا وشاول للعمل الذى دعوتهما إليه(167)“، وتنبأ أغابوس النبى بالمجاعة الآتية(168)، وتنبأ بولس الرسول بالشدائد والسجن والاضطهادات التى
ستواجهه(169)، وكان يوحنا الرسول والرائى أيضا نبياً
ودعا سفره ب “كتاب النبوّه”، “طوبى لمن يحفظ أقوال نبوة هذا
الكتاب” (رؤ 7: 22).

 

(1) لو 38: 1

(2) رؤ 20: 2

(3) 1كو 4: 11،5

(4) 1كو 3: 14،13

(5) أع 28: 11

(6) لو 39: 7

(7) مر 65: 14

(8) متى 68: 26؛ لو 14: 22

(9) يو 18: 4،19

(10) متى 22: 7

(11) متى 22: 1؛ 5: 2؛ 35: 13؛
4: 21؛ 35: 27

(12) متى 23: 2

(13) متى 14: 4؛ 17: 8؛ 17:
12؛ 4: 21

(14) متى 17: 2؛ 4: 21

(15) متى 4: 21

(16) متى 31: 22

(17) متى 35: 27

(18) لو 45: 1

(19) عب 7: 4

(20) متى 5: 2

(21) متى 4: 4،6،7،10؛ 3: 21،13؛
1: 26

(22) متى 24: 26

(23) رو 11: 14؛ 1كو 19: 1؛
9: 3؛ غل 13: 3؛ 27: 4

(24) لو 1

(25) يو 31: 6؛ 14: 12؛ أع
23: 13؛ رو 17: 1؛ 24: 2؛ 1كو 9: 10؛ 2كو 15: 8

(26) غل 22: 4

(27) مر 28: 15

(28) يع 23: 2

(29) يو 18: 13؛ 12: 17

(30) يو 48: 7

(31) يو 42: 7

(32) يو 9: 20

(33) رو 3: 4؛ 2: 11؛ 2: 3؛
30: 4

(34) رو 11: 10؛ 1تى 18: 5؛
يع 5: 4

(35) رو 27: 2

(36) غل 8: 3

(37) عب 19: 9

(38) عب 7: 10

(39) يع 8: 2

(40) 1بط 6: 2

(41) 2تى 16: 3

(42) مر 26: 12

(43) لو 4: 3؛ أع 32: 8-35

(44) لو 17: 4-20

(45) لو 42: 20

(46) غل 10: 3

(47) لو 31: 18؛ يو 6: 45؛
أع 42: 7؛ 15: 15

(48) أع 20: 1

(49) لو 44: 24

(50) أع 14: 24

(51) متى 17: 13؛ لو 24: 10

(52) متى 17: 5

(53) لو 44: 24

(54) أف 20: 2

(55) أع 14: 24

(56) 2بط 2: 3

(57) أع 22: 26،23

(58) أع 43: 10

(59) أع 18: 2-24

(60) لو 67: 1-76

(61) لو 36: 1،42،43

(62) لو 25: 2-32

(63) لو 36: 2-38

(64) أش 3: 40

(65) ملا 1: 3

(66) ملا 5: 4

(67) لو 17: 1

(68) متى 9: 11-13

(69) متى 9: 17-13

(70) متى 13: 11

(71) لو 16: 16

(72) متى 11: 3

(73) يو 6: 1-8

(74) يو 23: 1

(75) يو 28: 3

(76) متى 5: 14؛ 6: 21

(77) مر 32: 11

(78) لو 6: 20

(79) مر 20: 6

(80) لو 2: 3

(81) مر 17: 6-18

(82) 1صم 10: 15-13

(83) 2صم 1: 12-3

(84) 1مل 17: 21-19

(85) مر 6: 1

(86) 2مل 8: 1

(87) متى 35: 21

(88) متى 34: 23

(89) لو 48: 11

(90) أع 52: 7

(91) أش 15: 2

(92)

(93)

(94)

(95)

(96)

(97)

(98)

(99)

(100)

(101)

(102)

(103)

(104) يو 5: 17،24

(105) يو 3: 1،4،10

(106) كو 18: 1

(107) أع 36: 10

(108) فى 10: 2

(109) عب 6: 1

(110) متى 27: 16

(111) 2تى 19: 4

(112) مر 19: 16

(113) كو 1: 3

(114) عب 3: 1

(115) عب 1: 8

(116) عب 12: 10

(117) غل 4: 4

(118) يو 18: 1

(119) فى 5: 2-11

(120) 1يو 2: 4

(121) 1تى 16: 3

(122) عب 5: 4

(123) عب 1: 1-4

(124) متى 31: 25،32

(125) متى 64: 26

(126) يو 13: 3

(127) يو 62: 6

(128) متى 11: 21

(129) يو 14: 6

(130) يو 40: 7،41

(131) مر 14: 6،15

(132) مر 27: 8،28

(133) متى 46: 21

(134) يو 19: 4

(135) يو 17: 9

(136) لو 18: 24

(137) متى 5: 14

(138) لو 33: 13

(139) يو 30: 10

(140) يو 18: 1

(141) يو 10: 14

(142) مت 16: 16،17

(143) متى 21: 5-44

(144) لو 18: 10

(145) متى 7: 10،8،23؛ 39: 23؛
مر 15: 1؛ 1: 9؛ 28: 13،29

(146) متى 61: 26؛ 40: 27؛
مر 2: 13؛ لو 6: 21

(147) لو 41: 19-44

(148) متى 27: 16؛ 32: 10-33؛
40: 12؛ 37: 27-39

(149أ) مر 3: 13

(149ب) متى 8: 28

(150) لو 2: 4

(151) لو 24: 5

(152) مر 37: 1

(153) لو 19: 10

(154) يو 20: 17

(155) لو 32: 4

(156) رو 5: 9

(157) تث 15: 18،17

(158) عب 14: 7

(159) رؤ 5: 5

(160) أش 10: 11

(161)

(162) رؤ 16: 22

(163) عب 1: 3-6

(164) أع 22: 3،25

(165) أع 37: 7

(167) أع 1: 13-3

(168) أع 28: 11

(169) أع 11: 21

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى