اللاهوت الروحي

الباب الأول



الباب الأول

الباب الأول

مفهوم قبول المسيح في القلب

أولاً: التوبة

الواقع
أن هناك علاقة وثيقة بين التوبة وقبول المسيح في القلب، وضحها قداسة البابا المعظم
الأنبا شنوده الثالث فيما يلي:

(1)
[إن الله المحب بدافع من محبته لأولاده يدعوهم للتوبة..، والله يقبل
التائبين.. من يقبل إليَّ لا أخرجه خارجا (يو6: 37) بل أكثر من هذا، أن الرب هو
الذي يقف على الباب ويقرع منتظرا من يفتح له (رؤ3: 20) فإن كان يفعل هذا
فبالحري يفتح لمن يقرع أبواب رحمته الإلهية]

(كتاب
حياة التوبة والنقاوة 17و21)

(2)
[الله يقرع على بابك ويشتهيك مسكنا له، هو يريد أن يعيش في قلبك]

مقالات ذات صلة

 (كتاب
حياة التوبة والنقاوة 39)

(3)
[عجيب أن الله الحنون يسعى وراء الإنسان، والإنسان يرفض الله. الله العظيم يسعى
إلى التراب والرماد، والتراب والرماد يغلق قلبه أمام الله. الله يتكلم وينادي وهذا
المخلوق يسد أذنيه ويسد قلبه، ويرفض أن يفتح للرب. الله يقرع على الباب..
والإنسان يغلق بابه.. إنها قساوة قلب
.. أن يقسو الإنسان على الله نفسه فهذا
كثير.. ولكن ليست كل القلوب هكذا، فهناك قلوب طيبة لا تحتمل طرقة الله على
بابها
، فتقوم لتفتح له بلا إبطاء حالما تسمع صوته الإلهي]

(كتاب
حياة التوبة والنقاوة ص 134)

فنرى
من هذا أن مدلول قبول المسيح هو التوبة، بمعنى الندامة على تركنا للمسيح

والرغبة
في قبوله داخل قلوبنا
.

 

ثانياً: الرجوع إلى الله

مدلول
آخر لقبول المسيح هو الرجوع إلى الله. وهذا ما وضحه قداسة البابا شنوده الثالث إذ
قال:

(1)
[الخطية في كلمة واحدة هي الانفصال عن الله.. الحل الوحيد هو الرجوع إلى الله..
وتكوين علاقة حقيقية قلبية معه.. وحسن في هذا الرجوع أن تأتي المبادرة من
الله.. ما معنى “ارجعوا إلي فأرجع إليكم” (ملاخي 3: 7).. يقصد بهذا أن
يقول: إن رجوعي إليكم مضمون، المهم أن ترجعوا أنتم.. أنا في كل وقت تطلبونني فيه
تجدونني معكم. بل أنا واقف على أبواب قلوبكم أقرع لكي تفتحوا لي
(رؤ3: 20)

 

 إنما
المشكلة تأتي من جهتكم أنتم، “فإن سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل إليه”.
لذلك أقول “ارجعوا إليَّ” أي افتحوا أبواب قلوبكم المغلقة دوني..
“فأرجع إليكم” أي أدخل إلى هذه القلوب التي أخرجتموني منها،
برفضكم إياي
في خطاياكم..].

(كتاب
الرجوع إلى الله ص35 45)

 (2)
[لذلك ارجع إلى الرب.. وبهذا يتجدد مثل النسر شبابك (مز103: 5) وتشعر بالعزاء في
حياتك الروحية.. وتشعر أن الله داخلك، وأنه معك، وتذوق ملكوته، وتختبر
حلاوة العشرة معه
..]

(كتاب
الرجوع إلى الله ص 50)

 هكذا
قد رأيت أيها القارئ العزيز أن مدلول قبول المسيح هو الرجوع إلى الله. وسترى أيضا
مدلولا آخر فيما يلي.

 

ثالثاً: اللقاء مع الله

من
المدلولات المباشرة لقبول المسيح مدلول اللقاء مع الله، فقد أوضح ذلك قداسة
البابا شنوده الثالث ذلك فيما يلي:

(1)
[العلاقة بالله هي علاقة قلب بقلب، تشعر بوجود الله في قلبك، وتشعر بوجودك
في قلب الله.. وهذا ما نسميه اللقاء بالله.. وفي هذا اللقاء نعرف الله
معرفة حقيقية عملية، ونختبره ونحبه ونلتصق به..]

 (مقال
اللقاء مع الله جريدة وطني 16/5/1996)

 

(2)
خاطب الرب إذن وقل له: أريد يارب أن ألقاك، أريد أن أشعر بك في حياتي.. كما
دخلت عقلي أن تدخل قلبي أيضا
، وكما أقتنع بك فكريا أن أختبرك عمليا..]

 (مقال
اللقاء مع الله جريدة وطني 16/5/1996)

 

(3)
[إذن الالتقاء بالله معناه الشعور بالله في حياتك. وكذلك تقول أنت يارب في
داخلي، أنت معي..]

 (مقال
اللقاء مع الله، جريدة وطني 16/5/1996)

 

 من
هذا قد اتضح لنا مدلول قبول المسيح أنه هو المقصود باللقاء مع الله.

 

رابعاً: تجديد عهد المعمودية

من
مدلولات قبول المسيح أيضا: تذكر عهد المعمودية وتجديد هذا العهد.

 

(1)
فقد قرر [مجمع قرطاجنة أن التوبة معمودية ثانية]

 (كتاب
أسرار الكنيسة السبعة حبيب جرجس ص 103)

 أي
تجديد عهد المعمودية
كما ذكر قداسة البابا شنوده الثالث فيما يلي:

 

(2)
[ينبغي أن تذكر نذورك التي نذرتها لله في المعمودية.. حينما نذرت أن تجحد
الشيطان
وكل أعماله الردية، وكل شروره وكل حيله. وقتذاك بدأت بداية طيبة،
وولدت من الله، ولبست المسيح (غل3: 27) وخلعت الإنسان العتيق، وعشت في جدة الحياة
(رو6: 4و6) وصرت نقيا من كل خطية.. وشيئا فشيئا نسيت نذورك، ونسيت بنوتك لله،
وتركت نقاوتك، وانفصلت عن الله، وتود الآن أن ترجع إليه.. ولكي ترجع إلى
الله، اذكر أنك ملك له (أي اذكر عهد المعمودية)..]

(الرجوع
إلى الله ص 48)

 

 من
هذا رأيت أيها المحبوب أن قبول الرب يسوع المسيح في القلب هو تذكر وتجديد لعهد
المعمودية من جحد للشيطان وإقرار للإيمان، لبداية مسيرة جديدة مع الرب.

 

خامساً: استجابة الإرادة

 ويوجد
أيضا مدلول هام لمفهوم قبول المسيح هو استجابة الإنسان بإرادته الحرة لصوت الرب
الذي يقرع على الباب. فإن الله لا يجبر إنسانا ولا يرغمه على الدخول إلى قلبه بل
ينتظر رغبته هو. وهذا واضح جدا في تعليم قداسة البابا شنوده الثالث، كما نرى فيما
يلي:

(1)
[أتريد أن تعطيه قلبك؟ وأن تعطيه حبك؟ وأن تعطيه وقتك؟ وتقول له في كل ذلك
“من يدك أعطيناك”]

(كتاب
الله وكفى ص 12)

 

(2)
[النعمة لا تترك أحدا في الوجود دون أن تعمل فيه. غير أن الأمر يتوقف على مدى استجابة
الإنسان
. النعمة واقفة على الباب تقرع. غير أن هناك من يفتح لها، فتدخل
(رؤ3: 20)؛ والبعض قد لا يشاء أن يفتح، وبكامل إرادته يضيع الفرصة، ولا
يستفيد من عمل النعمة معه!]

(كتاب
النعمة ص 14)

 

(3)
[لذلك علينا أن نستجيب للنعمة، ونشترك معها، ونقبل عملها فينا، ولا نغلق
قلوبنا
، ولا نقسِّيها]

(كتاب
النعمة ص 19)

 

(4)
[إن الله يريدك أن تصل إليه بكل رضى قلبك. لذلك كان قبولك للرب، أمرا هاما في
الحياة الروحية
. إنه الخطوة الأولى في طريق الخلاص، يقول الكتاب، “وأما
كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله” (يو1: 12). إن قبولك
يدل على استجابتك لعمل النعمة
.. هؤلاء الذين قبلوه، إنما قبلوه بالإيمان به
وأيضا قبلوا عمل النعمة في أسرار الكنيسة المقدسة.]

(كتاب
النعمة ص 20)

 

(5)
[كثيرون رفضوا عمل النعمة، بل رفضوا ربنا يسوع المسيح نفسه، الذي
قيل “.. وأما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا” (يو1: 17) هذا الذي قيل
عنه “إلى خاصته جاء، وخاصته لم تقبله” (يو1: 11). وفيما لم نقبله لم
نقبل نعمته أيضا
]

(كتاب
النعمة ص 21)

 

(6)
[ولكن سعى النعمة لخلاصنا، ليس معناه أن نتكاسل، أو أن نترك الله واقفا
خارج الباب يقرع دون أن نفتح له..
لأن هذا قد يعرضنا إلى فترات تتخلى فيها
النعمة عنا وربما تتركنا إلى حين، كقصة عروس النشيد التي لم تفتح لحبيبها، وإذا
بها تقول “حبيبي تحول وعبر. نفسي خرجت حينما أدبر. طلبته فما وجدته، دعوته
فما أجابني..” (نش5: 6)]

(كتاب
النعمة ص 22)

 

(7)
[الله يريد أن جميع الناس يخلصون، ولكن بإرادتهم، بقبولهم ورضاهم. ولا يرغمون
على الخلاص إرغاما!
لقد أعطانا الرب على الصليب خلاصا مجانيا، كما قال الكتاب
“متبررين مجانا بنعمته، بالفداء الذي بيسوع المسيح، الذي قدمه الله كفارة
بالإيمان بدمه” (رو3: 24و25). وهكذا قال أيضا “لأنكم بالنعمة مخلصون
بالإيمان، وذلك ليس منكم، هو عطية الله” (أف2: 8) ومع ذلك، فكثيرون لم ينالوا
هذا الخلاص المجاني!! نعمة الله قدمته لهم، ولكنهم رفضوه، بإرادتهم!!

 هنا
نرى عدم تجاوب الإرادة البشرية مع نعمة الله التي تقدم خلاصا مجانيا. هوذا المخلص
قد جاء إلى خاصته، وخاصته لم تقبله! (يو1: 11).. فلماذا؟ لأن قلوبهم كان لها اتجاه
آخر، اتجاه مضاد.. إن النعمة تحمل إليك الخلاص، ولكن عليك أن تقبله]

(كتاب
النعمة 84و85)

 

(8)
[البعض من حماسهم لأهمية النعمة، أنكروا العمل البشري!! وركزوا على النعمة
قائلين (الكل بالنعمة)! وجعلوا موقف الإنسان سلبيا، كما لو كانوا يشجعون
على الكسل، متحدثين عن العمل بكل تحقير! ومن غير المعقول أن ننكر أهمية العمل،
لأنه دليل على تجاوب الإنسان مع عمل النعمة واشتراكه معها. والبعض من حماسه
للعمل، يتناسى أو يتجاهل عمل النعمة!! وكثير من هؤلاء لا يتحدثون عن النعمة! ولا
يستخدمون هذه الكلمة في عظاتهم أو في كتبهم. وأمثال هؤلاء وبخهم القديس بولس
الرسول بقوله “.. سقطتم من النعمة” (غل4: 4)]

(كتاب
النعمة ص 88و89)

 

(9)
[كم قرعت النعمة، ولكن الأبواب لم تفتح لها!!.. وكم من أناس زارتهم النعمة،
فلم يشعروا بها، أو شعروا وأهملوا!!.. “إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله”
(يو1: 11). أنت بلا عذر أيها الإنسان، فالنعمة تأتيك.. ولكن الأمر يتوقف عليك.
تدرك مجيئها أو لا تدرك، تقبلها أو لا تقبل، تفتح لها قلبك أو لا تفتح،
تعمل معها أو لا تعمل، إن أمرك في يدك. لك الحق أن ترفض. ولكنك قد تندم،
وتقول “حبيبي تحول وعبر، نفسي خرجت عندما أدبر”]

(كتاب
النعمة ص 94و95)

 

سادساً: البدء في الحياة الروحية

 إن
مفهوم قبول المسيح يعني: الخطوة الأولى في طريق الحياة الروحية. وفي هذا قال قداسة
البابا شنوده الثالث:

 

(1)
[اجعل الله هدفا لك، وتقدم نحوه خطوة خطوة.. طبيعي أنك لا تستطيع أن تبدأ حياتك
الروحية
بالكمال، وأن يكون الله هو الكل بالنسبة إليك. ولكن ابدأ بأن تعرف
الله، على أن تنمو في هذه المعرفة، وأن تحب الله، وتنمو في هذا الحب، وتعطي
الله من قلبك
، وتنمو في الإعطاء، وتفتح داخلك لله ليسكن فيه،
وتوسع مكان سكناه]

(كتاب
الله وكفى ص 75)

 

(2)
[كن كالبذرة التي تصير شجرة، ثم تنمو وتنمو.. قال السيد الرب “هكذا
ملكوت الله، كأن إنسانا يلقي البذار على الأرض، وينام ويقوم ليلا ونهارا، والبذار
يطلع وينمو وهو لا يعلم كيف، لأن الأرض من ذاتها تأتي بثمر، أولا نباتا، ثم سنبلا،
ثم قمحا ملآن في السنبل” (مر4: 2628). هكذا طبيعة النمو: بذرة، عشب، نبات،
سنبل، ثمر
..]

(كتاب
الله وكفى ص75و76)

 

(3)
[لكن لعلك تسأل: ما حدود هذا النمو؟ إن شئت الصراحة لا حدود.. أنت اصطلحت مع الله
بالتوبة، وكونت معه علاقة في النقاوة، وسرت في طريقه بالمحبة، عاشرته وصادقته
وأحببته. وماذا بعد؟ يقول الرسول: “ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم.
وأنتم متأصلون ومتأسسون في المحبة، حتى تستطيعوا أن تدركوا مع جميع القديسين، ما
هو العرض والطول والعمق والعلو، وتعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة، لكي تمتلئوا
إلى كل ملء الله” (أف3: 19)]

(كتاب
الله وكفى ص77)

 

 (4)
[كيف ينحل الإنسان من رباطات الشهوات والرغبات؟ ينحل منها بمحبة أقوى، تستطيع إن
دخلت القلب
، أن تحل محل كل محبة أخرى، وتطردها إذ هي أعمق منها. ولا توجد
محبة أقوى من محبة الله الحقيقية
. إنها تحرر الإنسان من كل رغباته، فينحل من
الكل ليرتبط بهذه المحبة الواحدة]

(كتاب
الله وكفى ص17)

 

سابعاً: إيقاظ المسيح النائم في السفينة

من
مدلولات قبول المسيح كذلك هو هذا المعنى: إيقاظ النائم في سفينة حياتنا.

 فقد
دوَّن القديس مرقس البشير هذه الحادثة عن السيد المسيح في السفينة: “قال لهم
في ذلك اليوم لما كان المساء لنجتز إلى العبر، فصرفوا الجمع وأخذوه كما كان في
السفينة. وكان أيضا معه سفن أخرى صغيرة. فحدث نوء ريح عظيم فكانت الأمواج تضرب إلى
السفينة حتى صارت تمتلئ، وكان هو في المؤخرة على وسادة نائما. فأيقظوه
وقالوا له يا معلم أما يهمك أننا نهلك. فقام وانتهر الريح وقال للبحر اسكت. ابكم.
فسكنت الريح وصار هدوء عظيم. وقال لهم ما بالكم خائفين هكذا؟ كيف لا إيمان لكم..
” (مر 4: 35 40)

 هذه
الحادثة تشبه حياتنا تماما، فحياتنا كالسفينة التي بها المسيح منذ المعمودية،
ولكننا وضعنا له وسادة في مؤخرة اهتماماتنا لينام، حتى نتصرف نحن في شئوننا كما
يعن لنا.

وبالرغم
من وجود المسيح في سفينة الرسل إلا أنها كادت تغرق لأنهم اعتمدوا على أنفسهم وكأنه
غير موجود
. وهكذا أيضا بالنسبة لحياتنا فإننا نتعرض للهلاك رغم وجود المسيح
فينا بالمعمودية إن نحن اعتمدنا على أنفسنا وانفصلنا عن المسيح،
وينطبق علينا
قول معلمنا بولس الرسول “لأن كثيرين يسيرون ممن كنت أذكرهم لكم مرارا والآن
أذكرهم أيضا باكيا وهم أعداء صليب المسيح. الذين نهايتهم الهلاك”
(فيلبي3: 18و19)

الحل
الوحيد الذي أنقذ سفينة الرسل هو أنهم أيقظوه وسلموه قيادة السفينة، وهكذا
نحن عندما نقبل المسيح فهو يقود حياتنا وينقذنا من الهلاك. وهذا هو مفهوم
قبول المسيح، أي قبول قيادته لحياتنا.

 

ثامناً: المعرفة الاختبارية

مدلول
آخر لقبول المسيح هو المعرفة الاختبارية للرب بالقلب، وليس مجرد المعرفة العقلية
السطحية. وعن ذلك يقول قداسة البابا شنوده الثالث:

 (1)
[هل تعرف الله؟ ما عمق هذه المعرفة؟

قد
يبدو السؤال غريبا
. فكل إنسان يظن أنه يعرف الله، وربما يقصد
معرفته أنه يوجد إله. ونحن لا نقصد مطلقا هذه المعرفة العقلية السطحية.
فالشيطان أيضا يعرف أنه يوجد إله.. فهل أنت تعرف الله هذه المعرفة العقلية وكفى؟
وهل معرفتك مصدرها الكتب، أو مجرد سماع العظات والتعليم؟ دون أية معرفة
اختبارية في حياتك، في داخل قلبك؟
.. أسوأ ما في المعرفة العقلية، أن
تكون معرفة بلا علاقة! لذلك فهي لا يمكن أن تكفي.. إنها تشير إلى الله من بعيد،
ولكن يبقى أن تقترب إلي الله، وتعرفه عن طريق الخلطة والمعاشرة والحياة معه. وهكذا
تعرف الله الذي يسكن فيك
، وليس مجرد الله الذي في الكتب. فهل تشعر بوجود الله
فيك ومعك؟ هل الله له وجود عملي واضح في حياتك؟ هل الله بالنسبة إليك هو مجرد
فكرة؟! أم له كيان حقيقي تشعر به، وله وجود في حياتك؟ ما مدى إحساسك بالله ووجوده
وفاعليته فيك؟.. ما هو الله في مفهومك؟ وما نوع العلاقة التي تربطك به؟]

(كتاب
الله وكفى ص 10و11)

(2)
[كيف أريد شيئا من العالم، بعد أن أشرق على قلبي هذا النور العظيم، وبعد أن
تعرفت على الرب، الذي هو أسمى من كل شيء، الذي وهبته قلبي، فصرت أنا
كلي له، وصار هو لي.]

(كتاب
الله وكفى ص 52)

 

(3)
[كثيرون رفضوا عمل النعمة، بل رفضوا ربنا يسوع المسيح نفسه، الذي قيل عنه
“.. وأما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا” (يو1: 17) هذا الذي قيل عنه
“إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله” (يو1: 11) وفيما لم تقبله لم تقبل
نعمته أيضا.. ليتنا في حياتنا جميعا نختبر عمل النعمة. كثير من الناس لم
يختبروا عمل النعمة بعد!!.. لم يختبروا نعمة الله
، ولم يسلموها حياتهم لتعمل
فيها.. ولعل واحد يسأل: أنا لم أر هذه النعمة التي تعطى! أنت لم ترها لأنك لم
تختبرها.. ولم تختبرها لأنك لم تطلبها.. ولم تطلبها لأنك لا تشعر حتى الآن بقيمتها
في حياتك من كل ناحية]

(كتاب
الله وكفى ص 21و66)

 

تاسعاً: تكوين علاقة مع الله واختبار حلاوة
العشرة معه

من
مدلولات قبول المسيح أيضا هو تكوين علاقة مع الله واختبار حلاوة العشرة معه. وفي
هذا الخصوص قال قداسة البابا شنوده الثالث:

 (1)
[ما معنى الرجوع إلى الله؟

معناه
باختصار: تكوين علاقة حقيقية قلبية معه.. أقول علاقة، وليس مجرد مظاهر
خارجية أو ممارسات.. البعض يظن أن الرجوع إلى الله، معناه برنامج في الصلاة والصوم
والتداريب الروحية، والقراءات الروحية والاجتماعات والمطانيات.. كل هذا حسن وجميل،
ولكن هل فيه علاقة قلبية مع الله أم لا؟ هل فيه حب لله أم لا؟ بدون هذه
العلاقة القلبية، وبدون هذا الحب،
لا تكون قد رجعت إلى الله، مهما كانت لك
صلاة وأصوام وقراءات ومطانيات.. إنما بالعلاقة مع الله وبالحب، تأخذ كل هذه
الوسائط الروحية فاعليتها وقوتها.. فالقلب أولا، ومنه تصدر هذه الممارسات]

(كتاب
الرجوع إلى الله ص 35و36)

 

(2)
[ارجع إلى الرب.. ارجع إلى النور.. ارجع إلى الروح.. ارجع إلى الحياة.. وبهذا
يتجدد مثل النسر شبابك.. وتشعر بالعزاء في حياتك الروحية، وتدب الحرارة في حياتك،
ويصير لحياتك طعم، ويصير لها هدف، وتشعر أن الله داخلك، وأنه معك، وتذوق ملكوته، وتختبر
حلاوة العشرة معه،
وتعرف معنى عبارة “الالتصاق بالرب” (مز73: 28)]

(كتاب
الرجوع إلى الله ص 50)

(3)
[الذي يكون الرب نصيبه يجد متعة في الله ولذة. إنه يفرح بالرب ويجد متعة في الجلوس
معه، ولذة في محادثته.. وفرح الإنسان بالله، يدفعه إلى أن يخصص لله وقتا أكثر، وأن
يدخله في العمق، عمق قلبه، وعمق حبه، وعمق تفكيره واهتماماته.. ما هي علاقتك
بالله؟ هذا إن كانت لك علاقة به فعلا.. وأين الله منك؟ ما مدى وجوده فيك؟

 هل
هو على هامش حياتك؟ أم هو في صميم حياتك؟ كن صريحا مع نفسك، ولا تخدع ذاتك.. أقول
هذا، لأن البعض قد يصلي، والله على جانب حياته، وليس في العمق. وقد يصوم هذا
الإنسان، ويتناول، ويمارس كل الوسائط الروحية، ومع ذلك لا يزال الله على جانب
حياته!

 فمتى
يصير الله هو حياته كلها؟ ومتى نقول مع بولس الرسول: “لي الحياة هي
المسيح” (في1: 21)]

(كتاب
الله وكفى ص 34و35)

(4)
[أنت تريد أن تكون سعيدا في حياتك. وللسعادة أسباب. فهل الله هو سبب سعادتك وهو
مصدرها؟ أم أن هناك أسبابا تسعدك بدلا من الله]

(كتاب
الله وكفى ص 64)

قبول
المسيح هو التمتع بخبرة حلاوة العشرة معه.

 

عاشراً: سكنى الله في القلب

قبول
المسيح أو اللقاء مع الله هو أن يسكن الله في القلب. هذا ما وضحه قداسة البابا
شنوده الثالث بقوله:

(1)
[.. يارب أنت لي كل شيء، ليس لي سواك، منذ أن التقيت بك لم أعد أعرف أحدا سواك..
بهذا يفرغ الإنسان قلبه من كل شيء ليصير قلبه مسكنا لله. فهل قلبك أنت أيضا
مسكن لله؟
أم أجرته من الباطن لآخرين؟ وهل إذا قال لك الرب: با ابني اعطني
قلبك، تقول له: لقد جئت يارب متأخراً سبق آخرون وأخذوه.. لو كان قلبي شاغرا لقدمته
لك، ولكن للأسف مشغول]

(مقال
اللقاء مع الله جريدة وطني 16/5/1996)

 

(2)
[.. كل واحد يقول لله: لا أريد محبة أخرى تشغلني عن التفرغ لك، فليس لي سواك، أنت
الذي تشغل فكري وقلبي، وتشغل حياتي ووقتي، وتشغل حواسي وعواطفي. أنت شغلي الشاغل، قلبي
ملآن بك،
ولا يعوزه أحد غيرك. لا يوجد فيه فراغ يتسع لأحد غيرك]

(كتاب
اليقظة الروحية ص 26)

(3)
[هوذا الله ينظر إلى قلبك ويقول: “ها هو موضع راحتي إلى أبد الأبد، ههنا
أسكن
لأني اشتهيته” (مز132: 14)]

(كتاب
الرجوع إلى الله ص 89)

 

(4)
[إن الفضيلة ليست هي الهدف. فالهدف هو الله ذاته.. وإن سرت في حياة الفضيلة والبر،
فلا يكن ذلك لكي تكبر ذاتك في عينيك، أو في أعين الناس.. وإنما لكي بهذا البر
ترتبط بالله أكثر، ويصبح قلبك أهلا لسكناه]

(كتاب
الرجوع إلى الله ص 89)

 

(5)
[وفرح الإنسان يدفعه إلى أن يخصص لله وقتا أكثر، وأن يدخله في العمق، عمق قلبه،
وعمق حبه، وعمق تفكيره واهتماماته
..

ما
هي علاقتك بالله؟ هذا إن كانت لك علاقة به فعلا.. وأين الله منك؟ ما مدى وجوده
فيك؟
]

 (كتاب
الله وكفى ص 34)

 

(6)
[إن كان الله نصيبك، فإنه يكون داخلك.. هل أنت ثيئوفوروس، أي حامل الله؟
هكذا تلقب القديس أغناطيوس الأنطاكي، وهكذا كل مؤمن حقيقي يسكن الله في قلبه،
ويشعر بسكنى الله فيه، حيثما أقام وحيثما ذهب، إنه حامل الله]. ليتك تصلي
إذن، وتقول للرب: .. اعطني ذاتك.. أنا أريدك أنت وحدك.. فأحبك أنت الإله الساكن
في قلبي
، وليس مجرد الله الذي أقرأ عنه في الكتب]

 (كتاب
الله وكفى ص 41و42)

قبول
المسيح في القلب هو أن يسكن الله في داخل قلبك.

 

حادي عشر: إدراك وجود الله في الداخل

مدلول
آخر لقبول المسيح هو إدراك لوجود الله في قلبك.

يقول
قداسة البابا الأنبا شنوده الثالث:

 (1)
[أنت تنادي وتقول: أمين تعالى أيها الرب يسوع (رؤ22: 20) تعالى يارب واسكن فيَّ،
سأفتح لك الأبواب كلها، فيجيب الرب في حب: ينبغي أن أمكث اليوم في بيتك
(لو19: 5) إذن اللقاء بالرب هو لقاء في الداخل، وليس في الخارج. كثيرون
يبحثون عن الله هنا وهناك، بينما الله في داخلهم وهم لا يشعرون!

 الله
موجود في كل مكان حواليك وبداخلك (على المستوى اللاهوتي) وأنت لا تشعر. ولما
أدرك
أوغسطينوس هذه الحقيقة (ولم يكن قد تعمد بعد) قال عبارته المشهورة:
كنت يارب معي ولكنني من فرط شقاوتي لم أكن معك]

(مقال
اللقاء مع الله جريدة وطني 16/5/1996)

 (2)
[ارجعوا إليَّ فأنا موجود معكم، ولكنكم لا تشعرون بوجودي.. حقا لقد صدق
القديس أوغسطينوس حينما قال: كنت يارب معي ولكنني أنا لم أكن معك.. الله معنا،
يعمل لأجلنا، حتى ونحن في عمق خطايانا. يبحث عنا وقد شردنا من حظيرته،
وينادينا: ارجعوا إليَّ.

 ما
معنى إذن رجوعه إلينا إن رجعنا إليه؟

 معنى
رجوعه إلينا، هو أن نحس نحن بوجوده معنا..

 ليس
رجوع الله هو الذي نفتقده. إنما الذي يلزمنا هو إحساسنا بوجوده معنا، فإن رجع
إلينا هذا الشعور، نشعر أن الله رجع إلينا.]

 (كتاب
الرجوع إلى الله ص 45)

(3)
[إن رجعت إلى الله تنحل كل مشاكلك.. تحيا في سلام، سلام مع الله، وسلام مع نفسك
وداخل قلبك.. وتشعر بالعزاء في حياتك الروحية، وتدب الحرارة في حياتك، ويصير
لحياتك طعم، ويصير لها هدف، وتشعر أن الله داخلك، وأنه معك، وتذوق ملكوته،
وتختبر حلاوة العشرة معه..]

 (كتاب
الرجوع إلى الله ص 45)

 

(4)
[العلاقة بالله هي علاقة قلب بقلب. تشعر بوجود الله في قلبك. وتشعر بوجودك
في قلب الله.. وهذا ما نسميه اللقاء بالله حيث تكون بيننا وبين الله عشرة
وعاطفة
. وفي هذا اللقاء نعرف الله معرفة حقيقية عملية. ونختبره ونحبه
ونلتصق به
. ونصير واحدا مع الله في الحب وفي المشيئة]

(مقال
اللقاء مع الله جريدة وطني 16/5/1996)

 (5)
[إذن الالتقاء بالله معناه: الشعور بالله في حياتك، وكأنك تقول: أنت
يارب في داخلي
، أنت معي، أما أنا فينقصني الحس والإدراك، تنقصني الحواس
المدربة التي أستطيع بها أن أرى الله. وأن أحسه في حياتي
. لذلك افتح يارب عيني
الغلام فيرى (2مل6: 17).. فكثيرون كان الرب معهم ويكلمهم، ولم يشعروا به ولا
عرفوه!
مثلما حدث مع تلميذي عمواس (لو14: 15و16).

 الله
إذن موجود في حياتك.. وأنت لا تعرف.. وأنت لا تشعر..
وحواسك غير مدربة على
الشعور بوجود الله..
ليتك تدرب نفسك على الشعور بيد الله في حياتك.. وفي
الأحداث.. حينئذ تقول في أعماقك: قد وجدته، ورأيته، تقابلت معه في كل ما يحدث.]

 (مقال
اللقاء مع الله جريدة وطني 16/5/1996)

 (6)
[أيسألك أحد إذن: ما هو الله بالنسبة إليك؟

 ولعلك
تقول: هو الحبيب الذي “شماله تحت رأسي ويمينه تعانقني” (نش2: 6) هو
العشرة التي لا يمكنني الاستغناء عنها، لأن بها أوجد وأحيا وأتحرك.. وهو ليس
فكرة، ولكنه كيان يسري في روحي وفي دمي وفي فكري.
هو بالنسبة لي كل شيء]

 (كتاب
الله وكفى ص 19)

 

(7)
[نعم أنت يارب العامل فيَّ، وأنا لا أعمل، أنت المحرك لي وأنت الموجه. أنت تعمل
معي، وتعمل بي، وتعمل فيَّ.. ربما لا أدركك، ولكني أحسك، بإدراك روحي في
داخلي
، لا يستطيع لساني أن يعبر عنه، أنا أعرفك. ولكن ألفاظ اللغة أضعف من أن
تشرح هذه العلاقة]

 (كتاب
الله وكفى ص 19)

 إذن
قبول الرب يسوع المسيح هو إدراك وجوده في قلبك.

 

 وهكذا أيها العزيز رأيت بعض المدلولات
والمفاهيم لعبارة قبول المسيح في القلب. إذ تفيد: 1 التوبة. 2 الرجوع إلى الله. 3
اللقاء مع الله. 4 تجديد عهد المعمودية. 5 استجابة الإرادة. 6 البدء في الحياة
الروحية. 7 إيقاظ المسيح النائم في السفينة. 8 المعرفة الاختبارية. 9 تكوين علاقة
مع الله واختبار حلاوة العشرة معه. 10 سكنى الله في القلب. 11 إدراك وجود الله في
الداخل.

فدعنا
نبحث في الباب الثاني، كيف نقبل المسيح في قلوبنا.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى