سلسلة طريق الحياة الجديدة في المسيح يسوع – فرح العهد الجديد في تعليم المبتدئين – الإيمان المسيحي الحي أولاً: مقدمة
لقد جاء الزمن والوقت الذي فيه نُسبح تسبيحة جديدة وذلك لأن القدوس صنع عجائب: (لوقا 1: 46 – 55)
الإنسان في وضعه الطبيعي في هذا العالم هو مائت، فاسد، قابل للألم، متبدِّل من حال لآخر، غير راضي لأنه يرى ظلماً ويتأكد كل يوم أن العالم وضع في الشرير، لا كمجرد فكرة فلسفية أو مجرد اعتقاد خاص، أو لمجرد التصديق بكون الكتاب المقدس قال هذا، إنما واقع يراه كل يوم في حياته المُعاشة، أما الإنسان في الوضع الذي دشنه مسيح القيامة والحياة، صار فعلياً إنساناً غير مائت، ولا فاسد، غير خاضع للألم بالرغم من أنه موضوع عليه، لأن الألم بالنسبة للمسيحي الحي في المسيح يسوع، هو صليب فرح وراءه قيامة رغم مرارته وأوجاعة التي يُعانيها، وهو كمؤمن بالمسيح الرب لا يتزعزع إيمانه، أو يتبدل حاله تحت أي موقف أو أمام اي مشكلة، بل يصير أكثر ثباتاً كل يوم لأنه طُعِمَ في كرمة الحياة فعلياً، وهو هُنا على الأرض في داخله بذرة الخلود التي تمنو فيه داخلياً، يوماً بعد يوماً، إلى أن يتم اكتمالها في المجيء الأخير للرب وانتهاء الزمان.
هذه هي حياتنا الجديدة، أي عهدنا الجديد الذي نعيش فيه، العهد الذي قطعه الله لا بدم تيوس وعجول غير قادرة على طهارة الداخل، بل على طهارة الجسد من جهة راحة الضمير المؤقت، بل بدم ابنه الوحيد دشن قلبنا، هذا الدم هو دم العهد الجديد، الذي يريح القلب ويغسل الضمير من الداخل غسيل دائم ويُعطي راحة أبدية، هذا هو دم العهد الحقيقي الحي، الذي قُدس به كل من آمن بالرب يسوع وآمن بقيامته لأنه هو بشخصه القيامة والحياة، وبكونه هو حي سنحيا نحن أيضاً إلى الأبد فيه:
(عبرانيين 13: 20)
فالآن، أي آن، وأي وقت، بالنسبة لإنسان آمن بالمسيح، هو قد ولد من فوق وصار خليقة جديدة فعلاً، وبدأ الحياة الأبدية أي بدأ يدخل في طريق ملكوت الله، الذي صار في داخله وهذه هي المراحل الثلاث التي يدخل فيها: (لوقا 8: 10).
فالله منذ بدء وعي إيماننا به وتمسكنا بخلاصه العظيم، بدأ يصنع منا بروح ناموس الحياة الذي فيه، روح القيامة من الأموات، جُدداً بدل ما كنا عُتقاء أي قُدماء، أي يعمل فينا لكي نتغير ونصير خليقة جديدة يوماً بعد يوم: (2كورنثوس 3: 18).
فهذا هو العهد الجديد الذي أعطانا إياه الله الآب في المسيح يسوع بفعل الروح القدس الذي يعمل فينا أن خضعنا له بالإيمان العامل بالمحبة في الطاعة وسرّ التقوى، وبكوننا الآن بسبب إيماننا بالله الكلمة المتجسد إيماناً حياً واعياً وعن اختيارنا الحُرّ، فلنا أن نعرف أسرار ملكوت الله كإعلانات بالروح القدس بانفتاح الذهن الداخلي، فلنا أن نتقبل معرفة هذه الأسرار الإلهية المقدسة بعد أن خلعنا وعلى قدر خلعنا الإنسان العتيق ولبسنا للإنسان الجديد كل يوم، هذا الذي يتجدد على شبه خالقه، حيث لا عبد ولا حُرّ ولا يهودي ولا يوناني، ولا رجل ولا امرأة، ولا يوجد تمييز بين الناس وبعضهم تحت أي بند او أساس أو مُسمى أو رتبة أو مركز، بل الكل في جسد واحد مرتبط برأس واحد وكلنا أعضاء بعضنا لبعض، لأن الرب يسوع المسيح هو الكل في الكل وعلى الكل:
(كولوسي 3: 2 – 17)
فيا إخوتي المؤمنين بالمسيح يسوع، إيماننا حي وعلامته تظهر في إدراكنا لأسرار الله، وانفتاح ذهننا على كلمته التي تشع نوره الخاص وتمدنا بالغذاء السماوي الحي، وتطلعنا على مجد الأسرار الغير منظور، لذلك واجب علينا أن يكون لنا إيمان ثابت ينمو ويقوى مع الأيام، لأن أي تعطل في الإيمان ووقف نموه يشل قدرات النفس الروحية ويعطلها ويجعلها تتراجع إلى وراء فينطبق على تلك النفس ما قاله الكتاب المقدس: (لوقا 9: 62)…
وأن نظرنا إلى وراء ولم نهتم بنمونا وأن نقتات من الغذاء الحي الذي يتناسب مع وضعنا الجديد وحياتنا في المسيح الرب، حينئذٍ سينشأ في داخلنا شك بسبب عظمة الأسرار الإلهية التي انغلقت علينا بسبب ضعف حياتنا ورجوعنا لحياتنا القديمة بدون الاستمرار في التوبة بوداعة قلب وتواضع النفس، لأننا في تلك الساعة في ضعف إيمان وتشويش الرؤية سنرى هذه الأسرار الإلهية المستترة في كلمة الله غريبة عنا وعلى طبعنا وعلى أفكارنا، ويا إما ننكرها في النهاية لأننا نستصعبها فنقول أن هذا خيال أو من يستطيع أن يقبل هذا، أو نعرفها لنتفلسف بها ونقاوم الآخرين ونظهر أنهم على خطأ بَيَّنْ ونحن على صواب أكيد، نحن نفهم وهم أغبياء، ولكننا في النهاية لم نحيا بها، بل ولا نستطيع أن نتعمق فيها بالرؤيا والاختبار، أي لم نتذوق الخبرة العميقة على المستوى العملي المُعاش لنتشرب منها وندخل في عمقها الإلهي بسيرة مقدسة طاهرة، تُظهر عمل الرب فينا، وكل يوم تزداد إشراقه فينا حتى نصير إنجيل مقروء من جميع الناس… لذلك يا إخوتي بالتعليم المستقيم الذي بالروح القدس علينا أن نقترب بهدوء شديد ووقار في وداعة وتواضع وانسحاق من الأسرار السماوية المقدسة التي تحققت من أجلنا لكي نقترب بها من الرجاء الآتي، فيكون لنا إيمان حي لا تردد فيه في هذه الخيرات الآتية، ونُداوم في سلوك يتفق مع عالمنا الجديد، الذي هو العالم السماوي، لنحيا عذراء عفيفة للمسيح الرب، متقدسين في غنى الأسرار العظيمة في سرّ التقوى ومعرفة الله كخبرة وحياة مستمرة من مجد إلى مجد ومن قوة لقوة، وهكذا نُرتب حيتنا في هذا العالم القفر الذي نسير فيه، لأنه هو البرية التي نسير فيها لكي نبلغ في نهايتها للوطن السماوي، لأن العالم معبرنا للمجد في آلام وضيقات كثيرة نمر بها فيه: (فيلبي 3: 20 – 21)
فمسكننا هو عمل الله، ولنا بيت غير مصنوع بيد في السماء عظيم، ينبغي أن نسعى إليه بكل طاقتنا ونتعلَّم الطريق المؤدي إلى الحياة بكل تدقيق، ولا نكن جهلاء بل عارفي ما هي مشيئة الرب لنا متعلمين من الوصية الطاعة خاضعين للرب القدوس الذي دعانا بالمجد والفضيلة لكي ندخل في شركة مقدسة معه متمتعين بكل الأسرار السماوية المُحيية واللازمة لكل نفس تتبع الرب بكل القلب والفكر في محبة وطاعة إيمان حي…لذلك الغرض من هذا الموضوع هو تعليم كيفية السير في الطريق السماوي والتعرف على الأسرار السماوية، وسوف نركز على فعل الإيمان المسيحي الحي ومضمونة في الأجزاء القادمة… كونوا معافين باسم الرب إلهنا آمين