اللاهوت العقيدي

الفصل الخامس



الفصل الخامس

الفصل
الخامس

التجسد

أولاً:
غاية التجسد‏:

ثانيًا:
تهيئة التجسد‏:

مقالات ذات صلة

الناموس:

الحوادث
التاريخية:

الأنبياء

ثالثًا:
التجسّد فى كتابات القديس كيرلس الكبير‏

1
– مفهوم كلمة ” صار” فى عبارة ” والكلمة صار جسدًا”:

2
ما معنى كلمة” المسيح”؟:

3
– كيف يجب أن نفهم ” عمانوئيل”؟:

4
– من هو يسوع؟:

5
– لماذا دعى كلمة الله إنسانًا؟:

6
– كيف قيل أن الكلمة أخلى وأفرغ ذاته؟:

7
– كيف يكون المسيح واحدًا؟:

8
– كيف يكون عمانوئيل واحدًا؟:

9
– ما هو هذا الاتحاد؟:

أمثلة
كتابية عن كيفية الاتحاد

 أ
– الجمرة:

 ب
– سوسنة الأودية:

 ج
– تابوت العهد:

10
– الله الكلمة واحد من اثنين: لاهوت كامل وناسوت كامل:

براهين
كتابية على أن كلمة الله وإن كان قد صار إنسانًا إلا أنه ظل إله: ‏

‏11
– المسيح ليس الله لبس جسدً، وليس كلمة الله الذى حلّ فى ‏إنسان، بل الله الذى
تجسّد فعلاً حسب شهادة الكتب:

رابعًا:
دور العذراء مريم فى التجسد:

——-

 

الفصل
الخامس

التجسّد

 

“..الذى
من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصن، نزل من السماء وتجسّد من الروح القدس ومن
العذراء مريم وتأنس..”

 

أولاً:
غاية التجسد

بالخطيئة
كما رأين، انفصل الإنسان عن الله وغدا مهمشًا طريحًا غير قادر أن ينهض نفسه من
الهوة التى سقط فيها..

 

لم
يكن بإمكانه أن يرتفع إلى الله ولذلك فقد شاء الله فى محبته أن ينحدر بنفسه إلى
الإنسان ليعيد الشركة بين الإنسان وبينه..

 

إن
الله أحبّ الإنسان ” حبًا جنونيًا” على حدّ تعبير اللاهوتى ” نقولا
كباسيلاس”، حتى أنه وهو الكائن الأبدى، الخالق، ذو السعادة المطلقة، لم يترك
وشأنه ذاك الإنسان الذى رفضه إختياريا بلّ إنحدر إليه ساعيًا فى طلبه..

 

كما
سعى الراعى الذى تكلّم عنه الرب يسوع وراء الخروف الضال [ لوقا 15: 1 7 ]..

 

غير
مكتفٍ بالملائكة كما لم يكتف ذل الراعى بالتسعة والتسعين خورفًا التى لم تضلّ..

 

بالتجسّد
أخذ الله طبيعتنا البشرية المنحطة، الساقطة، واتحدت مع لاهوته اتحادًا فائق
الوصف..

 

ليداوى
الله بالتجسّد النزيف الروحى الذى هو الخطيئة الأصلية..

 

بالتجسّد
بث الله حياته فى الإنسان المريض، ليعيد إليه القوة الروحية التى خارت والجمال
الذى تشوّه..

 

بالتجسد
اتحد الله ذاته بالإنسان لتسرى فى الإنسان حياة الله..

 

لقد
رأينا ان الإنسان سقط لكونه أراد أن يجعل نفسه إلها دون الله، بالاستغناء عن
الله..

 

لقد
كان يتوق إلى التألّه ولكنه ضلّ الطريق إذ اعتقد أن التألّه يتم بانتفاخ الأنا..

 

فالله
لم يخلق الإنسان ليكون له عبدًا بل شريكًا فى حياته الإلهية..

 

ولكن
هذه الشركة فى الطبيعة الإلهية لم يكن ممكنًا بمعزل عن الله بلّ كان مشرطًا باتحاد
الإنسان بالله..

 

لأن
من الله، ومن الله وحده، يستمد الإنسان كل موهبة وقوة وحياة..

 

خارج
الله ليس سوى العدم والفراغ والموت..

 

ولكن
الإنسان استمع على خداع الشرير فطمع بالتألّه دون الله، فلم يبلغ مأربه بل انحطّ
من مستواه الإنسانى الأصيل وأخضع طبيعته للموت..

 

لقد
كانت وعود الشيطان كاذبة، لقد قال عنه يسوع أنه ” كَذَّاب وَأَبُواَلْكَذِب
” [ يوحنا 8: 44 ]، عندما اعلن للإنسان أنه بمخالفة الله يصير إلها..

 

تلك
الوعود البراقة كانت وهما وخداعا ولكن مل لم يستطع الإنسان أن يحققه عندما تشامخ
حققه له الله عندما نزل إليه..

 

وحتى
لا يتششت القارئ فى معنى أن الإنسان تألّه بالتجسد؟..

 

هذا
لا يعنى أننا أصبحنا آلهة بالطبيعة، فإننا مازلنا مخلوقات..

 

ولكن
التألّه يعنى أن حياة الله قد أُعْطيت لنا فصرنا مشاركين له فى محبته، فى مجده، فى
قوته، فى فرحه، فى حكمته، فى قداسته، فى خلوده..

 

لم
ولن نبلغ جوهر ولاهوت الله لأنه دائمًا متعالٍ لا يمكن الوصول إليه، ولكن القوى
الإلهية أعْطيت لنا وأصبحت فى متناولنا..

 

هذا
ما اوضحه بنوع خاص القديس ” غريغوريوس بالاماس” وثبتته المجامع
الأرثوذكسية..

 

بهذا
المعنى ينبغى أن نفهم كلمة الرسول بطرس:

 

[
كَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ الإِلَهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ
لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى، بِمَعْرِفَةِ الَّذِي دَعَانَا بِالْمَجْدِ
وَالْفَضِيلَةِ،

 

اللَّذَيْنِ
بِهِمَا قَدْ وَهَبَ لَنَا الْمَوَاعِيدَ الْعُظْمَى وَالثَّمِينَةَ لِكَيْ
تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلَهِيَّةِ، هَارِبِينَ مِنَ
الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ.

 

وَلِهَذَا
عَيْنِهِ وَأَنْتُمْ بَاذِلُونَ كُلَّ اجْتِهَادٍ قَدِّمُوا فِي إِيمَانِكُمْ
فَضِيلَةً، وَفِي الْفَضِيلَةِ مَعْرِفَةً،

 

وَفِي
الْمَعْرِفَةِ تَعَفُّفاً، وَفِي التَّعَفُّفِ صَبْراً، وَفِي الصَّبْرِ تَقْوَى،

 

وَفِي
التَّقْوَى مَوَدَّةً أَخَوِيَّةً، وَفِي الْمَوَدَّةِ الأَخَوِيَّةِ مَحَبَّةً ]
[ 2 بطرس 1: 3 – 7 ]..

 

ثانيًا:
تهيئة التجسد

التجسد
إذًا مبادرة محبة مجانية من الله نحو الإنسان الذى ابتعد عنه ورفضه بإختياره:

[
وَقَدْ أَظْهَرَ اللهُ مَحَبَّتَهُ لَنَا إِذْ أَرْسَلَ ابْنَهُ الأَوْحَدَ إِلَى
الْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ. وَفِي هَذَا نَرَى الْمَحَبَّةَ الْحَقِيقِيَّةَ،
لاَ مَحَبَّتَنَا نَحْنُ لِلهِ، بَلْ مَحَبَّتَهُ هُوَ لَنَا. فَبِدَافِعِ
مَحَبَّتِهِ، أَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا ] [ 1يوحنا 4: 9، 10].

 

ولكن
محبّة الله لا تُفرض فرضا..

ولذا
كان على الإنسان أن يتقبّل مبادرة الحب الإلهى هذه..

 

من
أجل هذا اهتم الله بمحة أبوية أن يهيئ البشر تدريجيًا إلى إقتبال التجسد وكان عمله
شبيهًا بعمل المربّى الحكيم الذى يهيئ للطفل الظروف المؤاتية كى يرقى مراحل النمو
الواحدة تلو الأخرى حتى يصل إلى البلوغ..

 

وقد
ظهرت هذه التربية الإلهية لحرية الإنسان خاصة فى الشعب الإسرائيلى الذى بقى وحده
بين الشعوب أمينًا لله رغم خطاياه الكثيرة..

 

ففيه
خاصة هيأ الله البشر إلى إقتبال التجسد حتى إذا تم يحمل أفراد من هذا الشعب بشارته
إلى العالم أجمع..

 

وقد
اتخذت هذه التهيئة وجوهًا مختلفة منها:

 

*
الناموس:

وهو
مجموعة شرائع أعطيت إلى الشعب الإسرائيلى بوحى من الله..

 

وقد
قال عنه الرسول بولس:

 

[
إِذاً قَدْ كَانَ النَّامُوسُ مُؤَدِّبَنَا إِلَى الْمَسِيحِ، لِكَيْ نَتَبَرَّرَ
بِالإِيمَانِ ] [ غلاطية 3: 24 ]..

 

والمؤدب
كان عند اليونان عبدًا موكولاً إليه أن يصحب الأولاد المؤتمن عليهم ويسهر عليهم
وياقنهم ميادئ المعرفة ليتمكنوا فيما بعد من استماع دروس يلقيها معلّم شهير..

 

تلك
كانت وظيفة الناموس بالنسبة إلى اليهود..

 

فالوصايا
العشر مثلاَ كانت غايتها تهذيب أخلاق الناس كى يُعدّوا للدخول فى ملكوت المحبة..

 

أمّا
الذبائح التى كان يفرضها الناموس للتكفير عن الخطايا فقد كانت رمزًا يشير إلى
الذبيحة الحقيقية الواحدة وهى موت يسوع المسيح على الصليب..

 

*
الحوادث التاريخية:

وقد
كانت حوادث تاريخ الشعب اليهودى ترمز إلى حوادث الخلاص وتُعدّ الشعب لإقتبال التجسّد..

 

فيوسف
الذى باعه أخوته حسدًا وصار كما قال الكتاب عنه ” مخلّص العالم” أثناء
المجاعة التى حصلت، كان رمزًا للمسيح الذى أُسْلِمَ حسدًا من اليهود أخوته بالجسد
إلى الرومانيين لكى يميتوه صلبًا فصار بالمعنى الكامل ” مخلّص العالم”..

 

مطعما
الناس ليس خبزًا ماديًا كما فعل يوسف بل الخبز السماوى الذى هو جسده..

 

كذلك
خلاص الشعب الإسرائيلى من عبودية فرعون على يد موسى ودخوله فى أرض الميعاد على يد
يشوع الذى هو اسم يسوع بالذات ومعناه ” الله يخلّص”، كان رمزًا لخلاص
المؤمنين من عبودية الشيطان بتجسّد المسيح وموته وقيامته ودخولهم إلى ملكوت الله..

 

*
الأنبياء

كذلك
أرسل الله أنبياء إلى شعبه على مرّ الأجيال لتهيئته لإقتبال التجسّد..

 

والنبى
كما يدلّ إسمه كانت مهمته أن ينبئ بإرادة الله أى أن يعلنها بقوة داعيًا البشر إلى
تقويم ما إعوج من سيرتهم وإلى الرجوع إلى الله..

 

هؤلاء
الأنبياء أعدّوا الشعب اليهودى لإقتبال التجسّد:

 

1
– لأنهم كانوا يحرّكون الضمائر النائمة المتحجّرة وقولون جهرًا للناس أن تتميم
الشريعة فى الظاهر لا يهم، إنما المهم تغيير القلب وإعطائه لله، وهكذا يمهدون طريق
الله الآتى إلى العالم..

 

2
– لأنهم كانوا يشيرون، بإلهام إلهى، إلى تجسّد ابن الله وإلى أعمال الخلاص التى
سوف يقوم بها فى أرضنا..

 

هكذا
تحدّث النبى أشعياء الذى عاش فى القرن الثامن قبل الميلاد عن البيت الذى يولد فيه
المسيح، فقال أن سيكون من نسل داود:

 

[
وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ
‏‏وَيَحِلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ رُوحُ
الْمَشُورَةِ ‏وَالْقُوَّةِ رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ‏ ] [ أشعياء
11: 1، 2 ]..

 

وأعلن
النبى نفسه أنه يولد من عذراء:

 

[
وَلَكِنْ يُعْطِيكُمُ اَلسَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا اَلْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ
وَتَلِدُ اِبْناً وَتَدْعُو ‏اِسْمَهُ {عِمَّانُوئِيلَ}‏ ] [ أشعياء 7: 14 ]..

 

وتنبّأ
النبى ميخا الذى عاش خو أيضًا فى القرن الثامن قبل الميلاد عن مكان ولادة المخلّص،
فقال:

 

[
أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمَِ أَفْرَاتَةَ وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي
بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا ‏فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي اَلَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطاً
عَلَى إِسْرَائِيلَ وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ ‏اَلْقَدِيمِ مُنْذُ أَيَّامِ اَلأَزَلِ
] [ ميخا 5: 2 ]..

 

وتحدّث
أشعياء عن رسالة المخلّص قائلاً:

 

[
رُوحُ اَلسَّيِّدِ اَلرَّبِّ عَلَيَّ لأَنَّ اَلرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ
اَلْمَسَاكِينَ ‏أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي اَلْقَلْبِ لأُنَادِيَ
لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ ‏وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ. لأُنَادِيَ
بِسَنَةٍ مَقْبُولَةٍ لِلرَّبِّ وَبِيَوْمِ اِنْتِقَامٍ ‏لإِلَهِنَا. لأُعَزِّيَ
كُلَّ اَلنَّائِحِينَ ] [ أشعياء 61: 1، 2 ]..

 

كذلك
أعلن أشعياء عن الآلام التى سوف يتحمّلها المخلّص من أجل خطايا الناس:

 

[
وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ
سَلاَمِنَا ‏عَلَيْهِ وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا.
مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ ‏وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ
جَمِيعِنَا. ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ ‏كَشَاةٍ
تُسَاقُ إِلَى اَلذَّبْحِ وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ
يَفْتَحْ فَاهُ ] [ أشعياء 53: 5 – 7 ]..

 

ثالثًا:
التجسّد فى كتابات

القديس
كيرلّس الكبير

(الرد
على من يظنون أن المسيح مجرّد إنسان أخذ قوة من الله)

1
– مفهوم كلمة ” صار” فى عبارة ” والكلمة صار جسدًا”:

 

يقول
القديس كيرلس عن الهراطقة إنهم يظنون أن كلمة ” صار” تعنى معنى واحدًا
فقط وهو التغيّر والتحوّل ويؤيدون شرحهم ببراهين من الكتب الموحى بها..

 

[
وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ مَجْداً
كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً ] [ يوحنا 1: 14 ]..

 

فقد
قيل عن زوجة لوط:

[
َنَظَرَتِ اِمْرَأَتُهُ مِنْ وَرَائِهِ فَصَارَتْ عَمُودَ مِلْحٍ!‏ ] [ تكوين 19:
26 ]..

وقيل
عن عصا موسى:

[..
فَطَرَحَهَا إِلَى اَلأَرْضِ فَصَارَتْ حَيَّةً.. ] [ خروج 4: 3 ]..

 

ولكن
القديس كيرلّس يقول: إن إفتراض التغيّر لمعنى كلمة ” صار” لا ينطبق على
الله، والإدعاء بالتغيّر فى طبيعة الله هو جهل وكفر..

 

يقول
الرسول بولس:

[
لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ
اَلنَّاسِ ] [ فيليبى 2: 7 ]..

الكلمة
الابن الوحيد الذى وُلد من الله الآب الذى هو بهاء مجده ورسم جوهره (أقومنه):

[
الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ
الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، ] [ عبرانيين 1: 3 ]..

 

هو
الذى صار جسدًا دون أن يتحوّل إلى جسد..

إى
بلا إمتزاج واختلاط وأى شئ آخر من هذا القبيل بلّ، أخلى ذاته، وجاء إلى فقرن، فجعل
جسد البشر جسده وبنفس إنسانية عاقلة..

 

ولذلك
قيل عنه أنه وُلِد دون أن يفقد ما يخصّه..

 

فولد
كإنسان بطريقة معجزية من إمرأة..

 

ولأنه
إصلاً إله قيل عنه أنه:

 

[
وَإِذْ وُجِدَ فِي اَلْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ ] [ فيليبى 2: 8 ]..

 

فالله
الذى ظهر فى شكلنا وصار فى صورة عبد هو الرب وهتذا ما نعنيه أنه صار جسدًا..

 

ويؤكّد
القديس كيرلس أن كلمة ” صار” هنا تعنى أن الكلمة فعلاً تجسّد، وليس كما
يظن البعض من الهراطقة أن الكلمة قام بأعمال عملها فى الجسد..

 

إن
كلمة ” صار” تحتوى على الحقائق الخاصة بالتجسّد، وكل ما حدث له تدبيرًا
عندما أخلى ذاته إراديًا قَبِلَ الجوع والتعب..

 

وكان
من المستحيل أن يتعب وهو كلّى القدرة ولا يمكن أن يجوع وهو طعام الكلّ وحياتهم لو
لم يكن قد أخذ جسدًا بشريًا ومن طبيعته أن يجوع ويتعب..

 

وكذلك
من المستحيل أن يُحصى مع أثمة لو لم يكن قد صار لعنه لأجلنا..

 

وعندما
تأنّس وصار جسدًا وولد مثلنا كإنسان من العذراء القديسة مريم..

 

2
ما معنى كلمة ” المسيح”؟

ليس
للفظ ” المسيح” قوة تعريف ولا يوضّح جوهر شئ م، كما أن كلمة ”
رجل” أو” حصان” أسماء لا توضّح شيئًا عن جوهر حاملها بل تشير إليهم
فقط، واسم ” المسيح” يعلن عن شئ سوف نفحصه..

 

فى
القديم حُسب مسرة الله مسح البعض بالزيت، وكانت المسحة علامة لهم على المملكة..

 

الأنبياء
أيضا مُسِحوا روحيًا بالروح القدس، ولذلك دعوا مسحاء..

 

لأن
داود النبى ينشد معبّرًا عن الله نفسه فيقول:

 

[
لاَ تَمَسُّوا مُسَحَائِي وَلاَ تُسِيئُوا إِلَى أَنْبِيَائِي ] [ مزمور 105:
15]..

 

وحبقوق
النبى يقول ايضًا:

 

[‏
خَرَجْتَ لِخَلاَصِ شَعْبِكَ لِخَلاَصِ مَسِيحِكَ ] [ حبقوق 3: 13 ]..

 

لكن
بالنسبة للمسيح مخلّص الكلّ، فقد مُسح، ليس بصورة رمزية مثل الذين مُسحوا بالزيت،
ولم يُمسح لكى ينال نعمة وظيفة النبى، ولا مُسح مثل الذين اختارهم الله لتنفيذ
تدبيره، أى مثل قورش الذى ملك على الفارسين والماديين وقاد جيشًا ليستولى على أرض
البابليين حسبما حرّكه الله ضابط الكلّ ولذلك قيل عنه:

 

[
هَكَذَا يَقُولُ اَلرَّبُّ لِمَسِيحِهِ لِكُورَشَ اَلذِي أَمْسَكْتُ بِيَمِينِهِ
لأَدُوسَ ‏أَمَامَهُ أُمَماً وَأَحْقَاءَ مُلُوكٍ أَحُلُّ. لأَفتَحَ أَمَامَهُ
اَلْمِصْرَاعَيْنِ وَاَلأَبوَابُ لاَ ‏تُغْلَقُ ] [ أشعياء 45: 1 ]..

 

ولا
يجب أن ننسى أن الرجل ” قورش” كان وثنيا إلا أنه دُعى ”
مسيحا” كما لو كان الأمر السمائى قد مسحه ملك، لأنه بسبق معرفة الله قد مال
قوة لقهر بلاد البابليين..

 

إن
ما نريد أن نقوله بخصوص معنى كلمة ” المسيح” هو ما سيأتى:

 

بسبب
تعدّى آدم [ لَكِنْ قَدْ مَلَكَ اَلْمَوْتُ مِنْ آدَمَ إِلَى مُوسَى وَذَلِكَ
عَلَى اَلَّذِينَ لَمْ يُخْطِئُوا عَلَى شِبْهِ تَعَدِّي آدَمَ اَلَّذِي هُوَ
مِثَالُ اَلآتِي ] [ رومية 5: 14 ]..

 

وفارق
الروح القدس الطبيعة البشرية التى صارت مريضة فى كل البشر..

 

ولكى
تعود الطبيعة البشرية من جديد إلى حالتها الأولى احتاجت إلى رحمة الله، لكى تُحسب
بموجب رحمة الله مستحقة الروح القدس..

 

لذلك
صار الابن الوحيد كلمة الله إنسانا..

 

وظهر
للذين على الأرض بجسد من الأرض ولكنه خالى من الخطيئة..

 

حتى
فيه وحده تتوج الطبيعة البشرية بمجد عدم الخطيئة، وتغتنى بالروح القدس، وتتجدّد
بالعودة إلى الله بالقداسة..

 

لأنه
هكذا تصل إلينا النعمة التى بدايتها المسيح البكر بيننا..

 

ولهذا
السبب يعلّمنا داود النبى المبارك أن نرتّل للابن:

 

[
أَحْبَبْتَ اَلْبِرَّ وَأَبْغَضْتَ اَلإِثْمَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَسَحَكَ اَللهُ
إِلَهُكَ بِدُهْنِ اَلاِبْتِهَاجِ ] [ مزمور 45: 7 ]..

 

فكان
الابن قد مُسح كإنسان بمديح عدم الخطيئة..

 

وكما
قلت أن الطبيعة البشرية قد مُجّدَت فيه وصارت مستحقة للحصول على الروح القدس الذى
لن يفارقها كما حدث فى البدء، بل صارت مسرّته (أى الروح القدس) أن يسكن فينا..

 

لذلك
أيضا كُتب أن الروح حل بسرعة (معنى حلول الروح القدس بشكل حمامة أى الطيران السريع
علامة الشوق) على المسيح واستقرّ عليه:

 

[
وَشَهِدَ يُوحَنَّا: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ الرُّوحَ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ
مِنَ السَّمَاءِ فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ. وَأَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ لَكِنَّ
الَّذِي أَرْسَلَنِي لأُعَمِّدَ بِالْمَاءِ ذَاكَ قَالَ لِي: الَّذِي تَرَى
الرُّوحَ نَازِلاً وَمُسْتَقِرّاً عَلَيْهِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يُعَمِّدُ
بِالرُّوحِ الْقُدُسِ. ] [ يوحنا 1: 32، 33]..

 

فالمسيح
هو كلمة الله الذى لأجلنا صار إنسانًا مثلن، وفى صورة العبد، ومُسح كإنسان حسب
الجسد، ولكنه كإله يمسح بروحه الذين يؤمنون به..

—————–

 

3
– كيف يجب أن نفهم ” عمانوئيل”؟

الله
الكلمة دُعى ” عمانوئيل” لأنه [.. بَلْ يُمْسِكُ نَسْلَ إِبْرَاهِيمَ ]
[ عبرانيين 2: 16 ]..

 

كلمة
أمسك تعنى أنه ليس مجرد اتخاذ الجسد البشرى، بل أن يُحسب مثل الناس لأنه صار ضمن
الناس..

 

ومثلن،
[ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذَلِكَ
فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ،
أَيْ إِبْلِيسَ] [ عبرانيين 2: 14 ]..

 

وعمائيل
تعنى ” الله معنا” وبالتدقيق” معنا الله” حسبما يظهر من أصلها
العبرانى، إذ تأتى كلمة ” معنا” قبل كلمة ” إيل”..

ونحن
نعترف بأن الكلمة الله هو معنا..

دون
أن يكون محصورًا فى مكان ما..

لأنه
أى مكان لا يوجد فيه الله الذى يملأ كل الأشياء؟!..

وهو
ليس معنا كما لو كان قد جاء لمساعدتنا مثلما قيل ليشوع:

 

[‏
لاَ يَقِفُ إِنْسَانٌ فِي وَجْهِكَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. كَمَا كُنْتُ مَعَ
مُوسَى ‏أَكُونُ مَعَكَ. لاَ أُهْمِلُكَ وَلاَ أَتْرُكُكَ‏ ] [ يشوع 1: 5 ]..

 

ولكنه
معنا لأنه صار مثلنا أى أخذ طبيعة بشرية دون أن يفقد طبيعته الإلهية لأن كلمة الله
غير متغيّر بطيعته..

 

ولماذا
لَمْ يُدْع الله ” عمانوئيل” رغم أنه قيل ليشوع ” كما كنت مع موسى
سأكون معك”؟..

ولَمْ
يدْع الله ” عمانوئيل” رغم أنه كان مع كل القديسين والآباء البطاركة؟..

 

والسبب
هو أن الله الكلمة أصبح معنا فى الوقت الذى تحدّث عه باروخ هو أظهر ذاته على
الأرض. وتحدّث مع الناس، وأسّس كل طرق التعليم، وأعطاه ليعقوب عبده ولإسرائيل
حبيبه، لأنه هو إلهنا وليس آخر سواه:

 

[
دَعَاهَا فَقَالَتْ نَحْنُ لَدَيْكَ وأَشْرَقَتْ مُتَهَلَّلَةً لِلَّذِي
صَنَعَهَا. هَذَا هُوَ إِلَهُنَ ولا يَعْتَبِرْ حِذَاءَه آَخَرٌ. هُوَ وَجَدَ
طَرِيْقَ اَلْتَأَدُّبِ بِكَمَالِهِ وجَعَلَهُ لِيَعْقُوبِ عَبْدَهُ
ولإِسْرَائِيلِ حَبِيبَه. وبَعْدَ ذَلِكَ تَرَاءَى عَلَى الأَرْضِ وتَرَدَّدَ
بَيْنَ اَلْبَشَرِ ] [ باروخ 3: 35 – 38 ]..

 

وكما
يليق بطبيعته الإلهية لم يكن ” معنا” بالمعنى الذى تحدّث عنه باروخ..

 

لأن
الفروق بين اللاهوت والناسوت لا تسمح بالمقارنة بينهما فما أعظم الفرق بين
الطبيعتين..

 

يشرح
القديس كيرلس الكبير ” عمانوئيل” على أنه اسم الله عندما صار معنا
بالجسد، لأنه معنا منذ بداية العالم ولكنه أصبح معنا على نحو جديد فريد، لذلك وضع
كيرلس هذه العبارة لكى يدعّم معنى ” الله معنا”..

 

ولذلك
يتكلم داود النبى عن العلاقة السرّية التى كانت قبل التجسّد، وبين الله الكلمة،
وبينن، ويقول بالروح:

 

[
يَا رَبُّ لِمَاذَا تَقِفُ بَعِيداً؟ لِمَاذَا تَخْتَفِي فِي أَزْمِنَةِ
اَلضِّيقِ؟ ] [ مزمور 10: 1 ]..

 

أمّا
الآن فهو لا يتركن، بلّ هو معنا عندما صار مثلنا دون أن يفقد ما له لأنه أمسك بنسل
إبراهيم كما قلت، بل أخذ صورة العبد ورآه البشر كإنسان يمشى على الأرض..

 

إن
عمانوئيل والمسيح يخصان الابن الواحد نفسه..

 

فهو
المسيح لأنه مُسِح مثلنا كبشر، وأخذ الروح البشرية لأنه الأول وبداية الجنس البشرى
الجديد..

 

وبالمثل،
هو نفسه كإله يَمْسَح بالروح القدس كل الذين يؤمنون به..

 

وهو
” عمانوئيل” لأنه صار معنا على النحو الذى شرحته..

 

والذى
يخبرنا به أشعياء النبى:

 

[‏وَلَكِنْ
يُعْطِيكُمُ اَلسَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا اَلْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ
اِبْناً وَتَدْعُو ‏اِسْمَهُ {عِمَّانُوئِيلَ}‏ ] [ أشعياء 7: 14].

 

لأن
العذراء القديسة مريم حبلت بالروح القدس وولدت حسب الجسد ابن، عند ذلك فقط، دُعى
المولود ” عمانوئيل”..

 

لأن
غير المتجسد أصبح معنا عندما وُلِد..

 

وقد
حدث ذلك طبقا لما ذكره داود:

 

[
مِنْ صِهْيَوْنَ كَمَالِ اَلْجَمَالِ اَللهُ أَشْرَقَ. يَأْتِي إِلَهُنَا وَلاَ
يَصْمُتُ. نَارٌ قُدَّامَهُ تَأْكُلُ ‏وَحَوْلَهُ عَاصِفٌ جِدّاً‏ ] [ مزمور50: 2،
3 ]..

 

وهو
ما أشار إليه أشعياء:

 

[
لِذَلِكَ يَعْرِفُ شَعْبِيَ اِسْمِي. لِذَلِكَ فِي ذَلِكَ اَلْيَوْمِ يَعْرِفُونَ
أَنِّي أَنَا هُوَ ‏اَلْمُتَكَلِّمُ. هَئَنَذَا ] [ أشعياء 52: 6 ]..

 

لأن
الكلمة قبل أن يتجسّد تحدّث من خلال الأنبياء، ولكنه فى مِلء الزمان صار معنا
متجسّدًا..

————

 

4
– من هو يسوع؟

إن
تتابع تأملنا يلزمنا أن نتحدّث عن الواحد ابن الله، فالمسيح وعمانوئيل ويسوع شخص
واحد..

 

والاسم
” يسوع” جاء من الحقيقة:

 

[
فَسَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ
خَطَايَاهُمْ ] [ متى 1: 22 ]..

 

لأنه
كما أن الاسم ” عمانوئيل” يعنى أن كلمة الله بسبب ميلاده من العذراء صار
معنا..

 

والمسيح
دُعى كذلك لأنه مُسِحَ مثلنا كبشر..

 

هكذا
أيضا يسوع، لأنه خَلّصنا نحن شعبه..

 

وهذا
الاسم يوضّح أنه الله بالحقيقة، ورب الطبيعة..

 

لأنه
لا يليق أن تكون الخليقة ملك للإنسان، بل من اللائق أن نقول أن كل الأشياء هى
للابن الوحيد حتى وهو فى الجسد..

 

وربّما
إعترض البعض وقال أن شعب إسرائيل دُعِى شعب موسى..

 

وعلى
هذا نجيب أن شعب إسرائيل دُعِى شعب الله وهذا حقيقى..

 

ولكن
عندما تمرّدوا على الله وصنعوا العجل فى البرية، حُرِموا من كرامة الانتساب لله،
ورفض أن يدعوهم شعبه بلّ تركهم لرعاية البشر..

 

وهذا
لا ينطبق علينا نحن خاصة يسوع، لأنه الله الذى به خلقت كل الأشياء..

 

وعن
هذا يقول داود النبى:

 

[
اعْلَمُوا أَنَّ اَلرَّبَّ هُوَ اَللهُ. هُوَ صَنَعَنَا وَلَهُ نَحْنُ شَعْبُهُ
وَغَنَمُ مَرْعَاهُ ] [ مزمور 100: 3 ]..

 

وهو
(أى المسيح) يقول عنا:

 

[
وَلَكِنَّكُمْ لَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنْ خِرَافِي كَمَا
قُلْتُ لَكُمْ. خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي ] [
يوحنا 10: 26، 27 ]..

 

وهو
أيضًا أوصى بطرس الرسول:

 

[
يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا أَتُحِبُّنِي.. اِرْعَ خِرَافِي ] [ يوحنا 21: 15 ]..

————–

 

5
– لماذا دُعِى كلمة الله إنسانًا؟

الكلمة
الذى من الله الآب (أى المولود من الآب) دُعِى إنسانا رغم كونه بالطبيعة الله..

 

لأنه
اشترك فى الدم واللحم مثلنا [ عبرانيين 2: 14]..

 

وهذا
جعل الذين على الأرض قادرين على مشاهدته..

 

وعندما
حدث ذلك (أى تجسّد) لم يفقد شيئًا مما له (أى ألوهيته)..

 

وإذ
أخذ طبيعة بشرية مثلنا (أى مثل طبيعتنا) لكنها كاملة (أى بلا خطيئة)، ظل أيضا الله
وربّ الكلّ، لأنه هو هكذا فعلاً وبطبيعته وبالحق مولود من الله الآب رغم تجسده..

 

وهذا
ما يرينا إيّاه بوضوح كافٍ الحكيم بولس عندما يقول:

 

[
الإِنْسَانُ الأَوَّلُ مِنَ الأَرْضِ تُرَابِيٌّ. الإِنْسَانُ الثَّانِي الرَّبُّ
مِنَ السَّمَاءِ ] [ 1 كورونثوس 15: 47 ]..

 

ورغم
أن العذراء مريم ولدت الهيكل (شاع استخدام كلمة ” الهيكل” للدلالة على
ناسوت المسيح فى كل الكتابات المسيحية منذ العهد الجديد [ أَجَابَ يَسُوعُ:
انْقُضُوا هَذَا الْهَيْكَلَ وَفِي ثلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ.‏‏ فَقَالَ
الْيَهُودُ: فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً بُنِيَ هَذَا الْهَيْكَلُ أَفَأَنْتَ
فِي ثلاَثَةِ أَيَّامٍ تُقِيمُهُ؟،‏‏ وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَقُولُ عَنْ هَيْكَلِ
جَسَدِهِ.‏] [ راجع يوحنا 2: 19، 20 ] وهو تعبير هام يؤكد أن ناسوت المسيح هو مكان
حلول الله) المتّحد بالكلمة إلا أن عمانوئيل قيل عنه، وهذا حق، ” من السماء
” لأنه من فوق، مولود من جوهر الآب..

 

وإن
كان قد نزل إلينا عندما صار إنسانً، إلا أنه من فوق..

 

وعن
هذا شهد يوحنا:

 

[
اَلَّذِي يَأْتِي مِنْ فَوْقُ هُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ وَالَّذِي مِنَ الأَرْضِ
هُوَ أَرْضِيٌّ وَمِنَ الأَرْضِ يَتَكَلَّمُ. اَلَّذِي يَأْتِي مِنَ السَّمَاءِ
هُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ ] [ يوحنا 3: 31 ]..

 

والمسيح
نفسه قال لشعب اليهود:

 

[
أَنْتُمْ مِنْ أَسْفَلُ أَمَّا أَنَا فَمِنْ فَوْقُ. أَنْتُمْ مِنْ هَذَا
اَلْعَالَمِ أَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مِنْ هَذَا اَلْعَالَمِ ] [ يوحنا 8: 23 ]..

 

وأيضا:

 

[
وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ
ابْنُ الإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ ] [ يوحنا 3: 13 ]..

 

ولذلك
نقول أن ابن الإنسان نزل من السماء وهذا تدبير الاتحاد..

 

لأن
الكلمة وهب لجسده كل صفات مجده وكل ماهو فائق وخاص بالله..

 

(تتكرر
كلمة ” التدبير” فى هذه المقالة، وهى تعنى أن هناك أمورًا معينة قام بها
المسيح مثل الجوع والعطش والألم..إلخ، وكل هذه كانت جزءًا أساسيًا فى خطة الخلاص..
وكانت الخطة” التدبير” هى أن يكون للمسيح كل صفات الناسوت)..

——————

 

6
– كيف قيل أن الكلمة أخلى وأفرغ ذاته؟

إن
الله الكلمة بطبيعته كامل من كل الوجوه، ومن مِلئه يوزّع عطاياه للخلائق..

ونحن
نقول عنه أنه أفرغ ذاته دون أن يمسّ هذا بطبيعته..

لأنه
عندما أفرغ ذاته لم يتغيّر إلى طبيعة أخرى..

ولم
يصبح أقل مما كان عليه لأنه لم ينقص شيئا..

هو
غير متغيّر مثل المولود منه (أى الذى ولده الآب)..

ومثله
تمامًا غير عُرضة للأهواء..

ولكن
عندما صار جسدًا (أى إنسانًا) جعل فقر الطبيعة الإنسانية فقره..

 

ولذا
قال:

[
وَيَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنِّي أَسْكُبُ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ فَيَتَنَبَّأُ
بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَيَحْلَمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلاَماً وَيَرَى شَبَابُكُمْ
رُؤًى ] [ يوئيل 2: 28 ]..

 

ولقد
تمّ هذا:

أولاً:
لأنه صار إنسانًا رغم أنه ظلّ الله..

ثانيًا:
أخذ صورة العبد، وهو بطبيعته حر كابن. وفى نفس الوقت هو نفسه رب المجد، ولكنه قيل
أنه تمجّد لأجلنا. هو نفسه الحياة، ولكن قيل عنه أنه اُحْيى (أى أقيم من الأموات)،
وأُعطى سلطانًا على كل شئ، وهو نفسه ملك الأشياء مع الله الآب. أطاع الآب وتألّم
وما إليه..

 

هذه
الأشياء تخص الطبيعة البشرية، ولكنه جعلها له (أى تخصه) عندما تجسّد لكى يكمّل
التدبير ويبقى كما هو..

 

وهذا
ما تقصده الأسفار المقدّسة بإفراغ الذات..

————-

 

7
– كيف يكون المسيح واحدًا؟

يكتب
بولس الرسول:

[
لأَنَّهُ وَإِنْ وُجِدَ مَا يُسَمَّى آلِهَةً سِوَاءٌ كَانَ فِي اَلسَّمَاءِ
وعَلَى اَلأَرْضِ كَمَا يُوجَدُ آلِهَةٌ كَثِيرُونَ وَأَرْبَابٌ كَثِيرُونَ.
لَكِنْ لَنَا إِلَهٌ وَاحِدٌ: اَلآبُ اَلَّذِي مِنْهُ جَمِيعُ اَلأَشْيَاءِ
وَنَحْنُ لَهُ. وَرَبٌّ وَاحِدٌ: يَسُوعُ اَلْمَسِيحُ اَلَّذِي بِهِ جَمِيعُ
اَلأَشْيَاءِ وَنَحْنُ بِهِ] [ 1 كورونثوس 8: 5، 6 ]..

 

وأيضًا
يقول يوحنا الرسول عن الله الكلمة:

 

[
كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ ] [ يوحنا
1: 3 ]..

 

وجبرائيل
المبارك يعلن البشارة المفرحة للعذراء القديسة قائلاً:

 

[
وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ اِبْناً وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ ] [ لوقا
1: 31 ]..

 

فبولس
الرسول يعلن أن كل الأشياء خلقت بيسوع المسيح، والإنجيلى الإلهى يؤكد قوة التعبير
نفسه ويبشر أنه هو الله خالق كل الأشياء، وهذا نطق حق..

 

وصوت
الملاك أيضًا يشير إلى أن يسوع المسيح ولد حقا من العذراء القديسة..

 

ونحن
لا نقول أن يسوع المسيح كان مجرّد إنسان، ولا نعتقد بالله الكلمة بدون طبيعته
الإنسانية!!..

 

بل
نقول أنه واحد من إثنين أى الإله المتجسّد..

 

(راجع
ثيؤتوكية الأحد حيث تردد الكنيسة وتقول: واحد من اثنين، لاهوت قدّوس بغير فساد
مساوٍ للآب وناسوت طاهر مساوٍ لنا كالتدبير)..

 

هو
نفسه وُلِد إلهيًا من الآب لأنه الكلمة وإنسانيًا من إمرأة كإنسان..

 

وهذا
لا يعنى أنه وُلِد مرة ثانية عندما قيل أنه ولد حسب الجسد..

 

فهو
مولود قبل كل الدهور..

 

وكما
ذكرنا قبل، كثيرون قد دُعوا مسحاء ولكن يوجد واحد فقط يسوع المسيح الذى به خُلقت
كل الأشياء..

 

وهذا
لا يعنى بالمرة أن إنسانًا صار خالق كل الأشياء..

 

بلّ
يعنى أن الله الكلمة الذى به خُلِقت كل الأشياء صار مثلنا واشترك فى الدم واللحم،
ودُعى إنسانًا دون أن يفقد ماله (أى ألوهيته)..

 

لأنه
وإن كان قد صارجسدًا لكنه بالحقيقة خالق الكلّ..

 

(راجع
التسابيح الكيهكية حيث نرتل ونقول: فى حضن أبيه الممجّد. فلنسبحه كإله ونمدحه مع
أمه كإنسان.. الإبصلمودية طبعة 1911 ص 91. يا ليت الذين يتهموننا بالأوطاخية
يخجلون)..

—————

 

8
– كيف يكون عمانوئيل واحدًا؟

قيل
عن الله الكلمة مرة واحدة وإلى الأبد وفى آخر الدهور أنه صار إنسانًا كما يقول
الرسول بولس:

 

[
فَإِذْ ذَاكَ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَتَأَلَّمَ مِرَاراً كَثِيرَةً مُنْذُ تَأْسِيسِ
الْعَالَمِ، وَلَكِنَّهُ الآنَ قَدْ أُظْهِرَ مَرَّةً عِنْدَ اِنْقِضَاءِ
الدُّهُورِ لِيُبْطِلَ الْخَطِيَّةَ بِذَبِيحَةِ نَفْسِهِ ] [ عبرانيين 9: 26 ]..

 

وما
هى هذه الذبيحة؟..

هى
جسده الذى قدمه كرائحة بخور ذكيّة لله الآب..

فقد
دخل مرة واحدة إلى القدس، ليس بدم ماعز وتيوس بل بدمه ذاته:

 

[
وَلَيْسَ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُولٍ، بَلْ بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً
وَاحِدَةً إِلَى الأَقْدَاسِ، فَوَجَدَ فِدَاءً أَبَدِيّاً ] [ عبرانيين 9: 12 ]..

وهكذا
حصل للذين يؤمنون به فداءً أبديًا..

وكثيرون
قبله كانوا قدّيسين ولكن ليس واحد منهم دُعى ” عمانوئيل”. لماذا؟..

لأن
الوقت لم يكن قد حان بعد ليكون هو معنا أى يجئ إلى طبيعتنا عندما يتجسّد لأنه أسمى
من كل المخلوقات..

 

واحد
إذًا هو ” عمانوئيل” لأنه هو الابن الوحيد الذى صار إنسانًا عندما وُلد
جسديًا من العذراء القديسة..

 

لقد
قال الله ليشوع ” سأكون معك” (يشوع 1: 5) ولكن الله لم يُدْع فى ذلك
الوقت ” عمانوئيل”

 

وكان
قبل ذلك مع موسى ولم يُدعْ ” عمانوئيل”..

 

لذلك
عندما نسمع اسم ” عمانوئيل” أى ” معنا الله” الذى اُعْطِى
للابن، فلنعتقد بحكمة أنه ليس معنا كما كان فى الأزمنة السابقة مع القديسين لأنه
كان معهم كمعين فقط..

 

ولكن
هو معنا لأنه صار مثلنا دون أن يفقد طبيعته لأنه الله غير المتغيّر..

—————

 

9
– ماهو هذا الاتحاد؟

عندما
نقول أن كلمة الله اتّحد بطبيعتنا فإن كيفية هذا الاتحاد هى تفوق فهم البشر..

 

فهو
اتحاد لا يوصف وغير معروف لأى من الناس سوى الله وحده الذى يعرف كل شئ..

 

وأى
غرابة فى أن يفوق اتحاد اللاهوت بالناسوت إدراك أى عقل؟..

 

فنحن
عندما نبحث بدقة عن أمورنا ونحاول إدراك كنهها نعترف أنها تفوق مقدرة الفهم الذى
فينا..

 

فما
هى كيفية اتحاد نفس الإنسان بجسده؟..

 

من
يمكنه أن يخبرنا؟..

 

ونحن
بصعوبة نفهم وبقليل نتحدّث عن اتحاد النفس بالجسد..

 

ولكن
إذا طلِبَ منّا أن نحدّد كيفية اتحاد اللاهوت بالناسوت وهو أمر يفوق كل فهم بل صعب
جدًّ، نقول أنه من اللائق أن نعتقد أن اتّحاد اللاهوت بالناسوت فى
“عمانوئيل” هو مثل اتّحاد نفس الإنسان بجسده – وهذا ليس خطأ لأن الحق
الذى نتحدّث عنه هنا تعجز عن وصفه كلماتنا..

 

والنفس
تجعل الأشياء التى للجسد هى لها رغم أنها بطبيعتها لا تشارك الجسد آلامه المادية
الطبيعية والآلام التى تسببها للجسد الأشياء التى هى خارج الجسد لأن الجسد عندما
يتحرّك مدفوعا نحو رغباته الطبيعية (الجسدية) فإن النفس التى فيه تعرف هذه الرغبات
بسبب اتحاد النفس بالجسد..

 

ولكنها
(أى النفس) لا تشارك الجسد رغباته، ومع ذلك تَعْتبر أن تحقيق الرغبة هو تحقيق
لرغبتها هى (أى النفس)..

 

فإذا
ضُرب الجسد وجُرح، مثل، فإن النفس تحزن مع جسده، ولكن طبيعتها لا تتألّم بالآلام
المادية التى تقع على الجسد..

 

ومع
هذا يلزم أن نقول أن الاتحاد فى ” عمانوئيل” هو أسمى من أن يُشبّه
باتحاد النفس بالجسد..

 

لأن
النفس المتحدة بجسدها تحزن مع جسدها وهذا حتمى حتى أنها عندما تقبل الهوان تتعلّم
كيف تخضع لطاعة الله..

 

أمّا
بخصوص الله الكلمة فإنه من الحماقة أن نقول أنه كان يشعر بلاهوته بالإهانات..

 

لأن
اللاهوت لا يشعر بما نشعر به نحن البشر..

 

وعندما
اتّحد بجسد له نفس عاقلة وتألّم لم ينفعل اللاهوت بما تألّم به، ولكنه كان يعرف ما
يحدث له..

 

وأباد
كإله كل ضعفات الجسد، رغم أنه جعلها ضعفاته هو فهى تخصّ جسده..

 

لذلك
بسبب هذا الاتحاد قيل عنه أنه عطش وتعب وتألّم لأجلنا..

 

ولعلّ
التفرقة بين ” يعرف” و” يشعر” هى من أهم ما تعلّم به الكنائس
الشرقية الأرثوذكسية عن آلام الرب يسوع المسيح..

 

يُعبّر
كيرلس الكبير هنا عن التقوى الشرقية الأرثوذكسية بكل وضوح أن المتألّم هو ربنا
وليس لاهوته ورغم أن الآلام تخصّ جسده إلا أنها تنْسَبْ له كشخص واحد غير منقسم
وهو ذات ما صرّح به القديس ديوسقورس بطل الرثوذكسية..

 

ولذ،
فإن اتحاد الكلمة بطبيعتنا البشرية يُمكن على وجه ما أن يُقارن باتحاد النفس
بالجسد..

 

لأنه
كما أن الجسد من طبيعة مختلفة عن النفس، ولكن الإنسان واحد من إثنين (النفس
والجسد)..

 

هكذا
المسيح واحد من الأقنوم الكامل لله الكلمة ومن الناسوت الكامل..

 

والألوهة
نفسها والناسوت نفسه فى الواحد بعينه الأقنوم الواحد..

 

وكما
قلت، أن الكلمة يجعل آلام جسده آلامه هو، لأن الجسد هو جسده وليس جسد أحد آخر
سواه..

 

هكذ،
يمنح الكلمة جسده كل ما يخصّ لاهوته من قوة، حتى أن جسده قادر على أن يقيم الموتى
ويُبرئ المرضى..

 

اتحاد
اللاهوت بالناسوت يعنى أن كل من لمس جسد الابن الوحيد بالإيمان يحصل على كل ما
يريده من الله (اللاهوت)، مثل المرأة النازفة الدم التى لمست طرف ثوبه وبرئت لأن
قوة خرجت من المسيح..

 

ولاحظ
أن الرب يؤكّد حقيقة الاتحاد عندما قال:

 

[
فَقَالَ يَسُوعُ: قَدْ لَمَسَنِي وَاحِدٌ لأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّ قُوَّةً قَدْ
خَرَجَتْ مِنِّي ] [ لوقا 8: 46 ]..

 

ولم
يقل من لاهوتى..

 

هكذا
شرح القديس كيرلّس المعجزة..

 

ويؤكّد
الإنجيل فى عدّة مناسبات أن المعجزات كانت تتم بقوة منه، كما جاء فى:

 

[
وَاَلْمُعَذَّبُونَ مِنْ أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ. وَكَانُوا يَبْرَأُونَ. وَكُلُّ
اَلْجَمْعِ طَلَبُوا أَنْ يَلْمِسُوهُ لأَنَّ قُوَّةً كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْهُ
وَتَشْفِي اَلْجَمِيعَ ] [ لوقا 6: 18 ]..

 

فما
أبعد الفرق بين هذه النظرة الإنجيلية وبين النصّ المشهور فى طومس لاون: ”
الواحد يشفى المرضى والآخر يتألّم”..

 

أمثلة
كتابية عن كيفية الاتحاد:

وإذ
يليق بنا فى هذا المجال أن نستخرج تشابيه من الكتب الموحى بها من الله، لكى نوضّح
بعدة أمثلة كيفية الاتحاد، لذلك دعونا نتكلّم من الكتب حسب طاقتنا:

 

أ
– الجمرة:

قال
النبى أشعياء:

[
فَطَارَ إِلَيَّ وَاحِدٌ مِنَ اَلسَّرَافِيمِ وَبِيَدِهِ جَمْرَةٌ قَدْ أَخَذَهَا
بِمِلْقَطٍ مِنْ ‏عَلَى اَلْمَذْبَحِ. وَمَسَّ بِهَا فَمِي وَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ
قَدْ مَسَّتْ شَفَتَيْكَ ‏فَانْتُزِعَ إِثْمُكَ وَكُفِّرَ عَنْ خَطِيَّتِكَ‏ ] [
أشعياء 6: 6، 7 ]..

 

ونحن
نقتول ان الجمرة المتقدة هى مثال وصورة للكلمة المتجسّد لأنه عندما يلمس شفاهنا أى
عندما نعترف بالإيمان به فإنه ينقينا من كل خطية ويحرّرنا من اللوم القتديم الذى
ضدّنا..

 

ويمكننا
أن نرى أيضً، الجمرة مثالاً لكلمة الله المتّحد بالطبيعة البشرية دون أن يفقد
خواصه..

 

بل
حوّل ما أخذه (الطبيعة البشرية) وجعله مُتحدًا به، بلّ بمجده وبعمله..

 

لأن
النار عندما تتصل بالخشب تستحوذ عليه، ولكن الخشب يظل خشبً، فقط يتغيّر إلى شكل
النار وقوته، بلّ يصبح له صفات النار وطاقتها ويُعتبر واحدًا معها..

 

هكذا
أيضًا يجب ان يكون إعتقادنا فى المسيح، لأن الله اتّحد بالإنسانية بطريقة لا يُنطق
بها..

 

ولكنه
أبقى على خواص الناسوت على النحو الذى نعرفه..

 

وهو
نفسه لم يفقد خواص اللاهوت عندما اتّحد بالناسوت، بل جعله واحدًا معه، وجعل خواص الناسوت
خواصه..

 

بل
هو نفسه قام بكلّ أعمال اللاهوت فى الناسوت..

 

نرى
هذا الأساس الأبائى للعبارة المشهورة فى الاعتراف الأخير قبل التناول حيث يقول
الكاهن القبطى: ” وجعله واحدًا مع لاهوته بغير اختلاط ولا إمتزاج ولا
تغيير” وهى تعبّر عن إيمان سليم..

 

ب
– سوسنة الأودية:

قدّم
لنا نشيد الأناشيد ربنا يسوع المسيح قائلاً:

 

[
أَنَا نَرْجِسُ شَارُونَ ‏ (وَرْدَة اَلْسِفُوحِ.. الترجمة السبعينية) سَوْسَنَةُ
اَلأَوْدِيَةِ ] [ نشيد الأناشيد 2: 1 ]..

 

وفى
السوسنة الرائحة غير المجسّمة (غير ظاهرة للعين) ولكنها لا توجد خارج السوسنة..

 

ولذلك
فالسوسنة واحدة من اثنين (الرائحة وجسم السوسنة)..

 

وغياب
رائحة السوسنة لا يجعلها سوسنة..

 

وكذلك
غياب جسم السوسنة لا يفسر وجود رائحة السوسنة، لأن فى جسم السوسنة رائحتها..

 

هكذا
أيضا يجب أن يكون اعتقادنا فى ألوهية المسيح الذى يُعطر العالم برائحته الذكيّة
ومجده الذى يفوق مجد الأرضيات..

 

ولكى
يُعَطر العالم كله استخدم اللاهوت الطبيعة البشرية..

 

لأنه
عندما أراد أن يُعلن عن ذاته من خلال الجسد جعل فيه كلّ ما يخصّ اللاهوت..

 

لذلك
من الصواب أن نعتقد أن الذى بطبيعته غير جسمانى اتّحد بجسده وأصبح الاتحاد مثل
السوسنة لأن الرائحة العطرة وجسم السوسنة هما واحد ويسميان السوسنة..

 

أى
أن الجسد الذى أخذه، له نفس عاقلة، وأصبح جسد اللاهوت غير المجسم،

 

 وإذا
فُصِل أيهما عن الآخر فإننا بالفصل نلغى يقينًا ونهائيًا تدبير المسيح..

 

ج
– تابوت العهد

إن
خيمة الاجتماع التى أراد الله أن تُقام فى البرية ترمز على “عمانوئيل”
فى أشياء كثيرة..

 

الله
إله الكلّ قال لموسى:

[
فَيَصْنَعُونَ تَابُوتاً مِنْ خَشَبِ اَلسَّنْطِ طُولُهُ ذِرَاعَتانِ وَنِصْفٌ
وَعَرْضُهُ ‏ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ وَاِرْتِفَاعُهُ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ. وَتُغَشِّيهِ
بِذَهَبٍ نَقِيٍّ. مِنْ ‏دَاخِلٍ وَمِنْ خَارِجٍ تُغَشِّيهِ. وَتَصْنَعُ عَلَيْهِ
إِكْلِيلاً مِنْ ذَهَبٍ حَوَالَيْهِ ] [ خروج 25: 10، 11 ]..

 

الخشب
الذى لا يُسوّس هو رمز للجسد الذى لم يفسد، لأن الرز لا يُسوّس..

 

أمّا
الذهب وهو يفوق كل الأشياء فهو يشير إلى جوهر اللاهوت الفائق..

 

لكن
لاحظ كيف غُطى التابوت كلّه بالذهب النقى من الداخل والخارج، لأن الله الكلمة
اتّحد بجسد مقدّس وهو مايشير إليه تغطية التابوت بالذهب من الخارج..

 

والنفس
العاقلة التى فى جسده هى نفسه، وهذا مايشير غليه تغشية التابوت من الداخل..

 

وهكذا
لم يحدث تشويش للطبيعتين..

 

لأن
الذهب الذى غُطّى به الخشب ظلّ كما هو ذهبًا..

 

أمّا
الخشب فقد صار غنيًا بمجتد اللاهوت، ولكنه لم يفقد خصائصه كخشب..

 

وببراهين
كثيرة يمكننا أن نتأكّد من أن التابوت يرمز للمسيح لأنه كان يخرج أمام بنى غسرائيل
وكان هذا سبب عزاء لهم، وهكذا قال المسيح فى موضع معين:

 

[
لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ. أَنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ فَآمِنُوا بِي. فِي
بَيْتِ أَبِي مَنَازِلُ كَثِيرَةٌ وَإِلاَّ فَإِنِّي كُنْتُ قَدْ قُلْتُ لَكُمْ.
أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَاناً وَإِنْ مَضَيْتُ وَأَعْدَدْتُ لَكُمْ
مَكَاناً آتِي أَيْضاً وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ حَتَّى حَيْثُ أَكُونُ أَنَا
تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً وَتَعْلَمُونَ حَيْثُ أَنَا أَذْهَبُ وَتَعْلَمُونَ
الطَّرِيقَ ] [ يوحنا 14: 14 ]..

 

تفسير
خيمة الإجتماع على هذا النحو موجود عند الآباء قبل القديس كيرلّس، وبالذات
إيروناوس وهيبوليتوس..

 

ومن
يقرأ نصّ القديس كيرلّس يشعر على الفور أنه كان يأخذ من كلمات ثيؤتوكية الأحد حيث
ترتل كنيستنا: ” التابوت المصفّح بالذهب من كلّ ناحية المصنوع من خشب لا
يسوّس سبق ان يدلّنا على الله الكلمة الذى صار إنسانًا بغير افتراق..”..

 

وشرعية
تفسير الآباء قائمة على حقيقة أساسية أن كل ما هو متّصل بظهور الله فى العهد
القديم قد تحقق بشكل أفضل وأكمل فى العهد الجديد عندما إتحد وحلّ فى الهيكل
الحقيقى أى الطبيعة البشرية..

 

ولاحظ
أن ثيؤتوكية الأحد تتحدّث عن التجسّد ثم عن العذراء لأن كلّ ما يخصّ العذراء مرتبط
بالتجسّد..

——————

 

10
– الله الكلمة واحد من اثنين: لاهوت كامل وناسوت كامل

الله
الكلمة صار إنسانًا..

 

وهو
ليس إنسانا تشرّف بصلة اللاهوت..

كما
أنه ليس إنسانا حصل على مساواة كرامة وسلطان الله الكلمة حسب زعم البعض..

فى
هذه الفقرة يفرّق القديس كيرلّس بين هرطقتين وهما النسطورية التى إدّعت أن المسيح
حصل على مجرّد صلة باللاهوت، والأريوسية التى إدّعت أن الابن فى الجسد مخلوق رُفع
بمنحة إلهية من الآب إلى كرامة اللاهوت..

 

ويمكن
لأى إنسان يريد أن يتحاشى السقوط فى هرطقة أن يتذكّر دائما ان ربنا يسوع المسيح
ليس إنسانا تألّه ولا إلها فقط بل هو واحد من اثنين: لاهوت وناسوت..

 

يقول
الرسول بولس:

[
وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ،
تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ،
أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ ] [ 1تيموثاوس 3: 16 ]..

 

وهذا
حقيقى لأن الله الكلمة ظهر فى الجسد، وتبرّر فى الروح، لأننا لم نر فيه أى خضوع
لضعفاتنا رغم أنه لأجلنا صار إنسانا إلا أنه بلا خطيئة..

وشاهدته
الملائكة فهم لم يجهلوا ميلاده حسب الجسد..

وكُرّز
به للأمم كإله صار إنسانًا..

وهذا
ما برهنه الرسول بولس:

[
لِذَلِكَ اذْكُرُوا أَنَّكُمْ أَنْتُمُ الأُمَمُ قَبْلاً فِي الْجَسَدِ،
الْمَدْعُوِّينَ غُرْلَةً مِنَ الْمَدْعُوِّ خِتَاناً مَصْنُوعاً بِالْيَدِ فِي
الْجَسَدِ، أَنَّكُمْ كُنْتُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِدُونِ مَسِيحٍ،
أَجْنَبِيِّينَ عَنْ رَعَوِيَّةِ إِسْرَائِيلَ، وَغُرَبَاءَ عَنْ عُهُودِ
الْمَوْعِدِ، لاَ رَجَاءَ لَكُمْ وَبِلاَ إِلَهٍ فِي الْعَالَمِ ] [ أفسس 2: 11،
12 ]..

 

فالأمم
إذ كانوا بلا إله فى العالم عندما كانوا بدون المسيح..

 

ولكن
عندما آمنوا بالمسيح أنه هو بالحقيقة وبالطبيعة الله، إعترف هو بهم بدوره كمعترفين
بالإيمان..

 

وهو
(أى المسيح) رُفع بمجد (أى بمجد إلهى) لأن داود ينشد:

 

[
ارْتَفِعِ اَللهُمَّ عَلَى اَلسَّمَاوَاتِ. لِيَرْتَفِعْ عَلَى كُلِّ اَلأَرْضِ
مَجْدُكَ ] [ مزمور 67: 5 ]..

 

لأنه
بالحقيقة صعد بالجسد وليس باللاهوت وحده، لن الله تجسّد ولذلك يجب أن يُقال عنه
أنه صعد أيضًا..

 

إن
الإيمان الأرثوذكسى (الصحيح) هو:

أننا
نؤمن بالرب الذى ظهر فى شكل العبد والذى صار مثلنا بالحقيقة بطبيعة بشرية ولكنه
ظلّ الله..

لأن
الله الكلمة عندما أخذ جسدًا لم يفقد خواصه الإلهية بلّ ظلّ فى نفس الوقت هو الله
المتجسّد..

 

وإذا
قال أحد: أى ضرر يحدث إذا اعتقدنا أن إنسانا مثلنا قد حصل على الألوهة وليس الله
هو الذى تجسّد؟..

 

سوف
نجيب بأنه يوجد ألف دليل ضد هذا الرأى، وكلّ هذه الأدلّة تؤكد لنا أنه علينا أن
نجاهد بثبات ضد هذا الرأى وأن نرفضه..

 

وقبل
أى شئ آخر فلندرس التدبير الخاص بالتجسد ونفحص حالتنا جيدًا..

 

يقول
فى ذلك القدّيس كيرلّس:

لقد
تعرّضت البشرية للخطر وهوت إلى أدنى حالات المرض أى اللعنة والموت..

 

وزيادة
على ذلك تدنّست بقذارة الخطيئة وضلّت وصارت فى الظلام حتى أنها لم تعرفه وهو الله
الحقيقى وعبدت المخلوقات دون الخالق..

 

فكيف
كان من الممكن أن تتحرّر من فساد مثل هذا؟..

هل
بأن تعطى لها الألوهة؟..

كيف
وهى لا تعرف على وجه الإطلاق ما هى كرامة وسموّ الألوهة؟..

ألم
تكن البشرية مقيّدة بعدم المعرفة وفى ظلام، بلّ ومدنّسة بلطخة الخطيئة؟..

فكيف
كان من الممكن أن ترتفع إلىالطبيعة الكلّية النقاء، وتحصل على المجد الذى لا
يستطيع أحد أن يحصل عليه إلا إذا وُهب له؟..

 

دعونا
نفترض أنه بالمعرفة مثل وبالتعليم يمكن الحصول على الألوهة، فمن ذا الذى سيعلّمها
عتن المجد الإلهى؟..

 

لأنهم
كيف يؤمنوا إن لم يسمعوا؟..

 

[
فَكَيْفَ يَدْعُونَ بِمَنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ. وَكَيْفَ يُؤْمِنُونَ بِمَنْ
لَمْ يَسْمَعُوا بِهِ؟ وَكَيْفَ يَسْمَعُونَ بِلاَ كَارِزٍ؟ ] [ رومية 10: 14 ]..

 

ولذلك
فإنه غير ممكن لأى من الناس ان يرتقى إلى مجد الألوهة ولكن من اللائق بلّ من
المعقول أن نعتقد أن الله الكلمة الذى به خُلقت كل الأشياء اشتهى أن يُخلّص ما قد
هلك..

 

فنزل
إلينا ونزل إلى ما دون مستواه حتى يرفع الطبيعة البشرية إلى ما هو فوق مستواها..

 

أى
ترتفع إلى أمجاد اللاهوت بسبب الاتحاد به..

 

يلخّص
القديس كيرلّس فى هذه السطور جوهر لاهوت مدرسة الإسكندرية ونظرتها العميقة للخلاص
فهو:

 

أولاً:
عودة إلى الاتحاد بالله بعد أن إغتربنا عنه بالخطيئة، وقتد أصبح من الممكن أن نعود
لله عندما اتّحد اللاهوت بالناسوت فى ربنا يسوع المسيح..

 

ثانيًا:
أن الذى يحقق عودتنا لله فى المسيح هو الروح القدس..

 

ثالثًا:
أن الخلاص هو إلتصاق بالمسيح فى المعمودية التى هى دفن وقيامة معه وفى شركة جسده
فى الإفخارستيا وفى فهم أسراره فى الكلمة الإلهية، وبالموت مثله فى حالات الشهداء
والنساك، وكل هذا مؤسس على حقيقة أساسية وهى صحّة الاعتقاد بمجئ الله إلينا فى
الجسد وباتحاده بهذا الجسد..

 

لذلك
كان ارتفاع الطبيعة البشرية إلى فوق بسبب التجسّد مقبولاً ومعقولاً عن أن ترتفع
الطبيعة البشرية على أمجاد اللاهوت بدون التجسّد، وأن تنال عدم التغيّر الخاص
بالله دون أن ينزل الله إليها..

 

ومن
اللائق أن ينزل غير الفاسد إلى الطبيعة المستعبدة للفساد حتى يحرّرها من الفساد..

 

وكان
من اللائق أن الذى لم يعرف خطيئة يصبح مثل الذين تحت الخطيئة ليُبطل الخطيئة..

 

ففى
النور تصبح الظلمة بلا عمل..

 

وحيث
يوجد عدم الفساد يهرب الفساد..

 

لأن
الذى لم يعرف خطيئة (أى الله) جعل الذى تحت الخطيئة (الجسد) خاصًا به حتى تصير
الخطيئة إلى عدم..

 

وعلى
الرغم من انه قيل عن يسوع أنه كان:

 

[
وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ يَتَقَدَّمُ فِي اَلْحِكْمَةِ وَاَلْقَامَةِ
وَاَلنِّعْمَةِ عِنْدَ اَللهِ وَاَلنَّاسِ ] [ لوقا 2: 52 ]..

 

فإن
هذا يخص التدبير..

 

لأن
كلمة الله سمح لبشريته أن تنمو حسب خواصها وحسب قوانينها وعاداتها..

 

ولكنه
أراد شيئًا فشيئًا أن يعطى مجد ألوهيته إلى جسده كلما تقدّم فى العمر حتى لا يكون
مرعبًا للناس إذا بدر منه عدم الاحتياج المطلق لأى شئ..

 

ولعلّ
هذا المبدأ اللاهوتى الهام، هو ما يميّز الأناجيل الأربعة عن غيرها من الأناجيل
المزوّرة التى تنسب للمسيح فى طفولته معجزات وخوارق غير عادية..

 

ولذلك
يجب أن نفرّق بين أتحاد اللاهوت والناسوت الذى حدث فى اللحظة التى تكون فيها
الجسد، وبين ظهور المجد الإلهى..

 

فالاتحاد
حدث دون انفصال لكن ظهور المجد الإلهى كان يحدث على فترات وفى مناسبات مثل السير
على الماء والتجلّى..

 

ومع
هذا تكلّموا عنه:

 

[
فَتَعَجَّبَ اَلْيَهُودُ قَائِلِينَ: كَيْفَ هَذَا يَعْرِفُ اَلْكُتُبَ وَهُوَ
لَمْ يَتَعَلَّمْ؟ ] [ يوحنا 7: 15 ]..

 

فالنمو
يحدث للجسد، كما أن التقدّم فى النعمة والحكمة يتلاءم مع مقاييس الطبيعة البشرية..

 

وهنا
يلزمنا أن نؤكّد أن الله الكلمة المولود من الآب هو نفسه كلّى الكمال لا ينقصه
النمو والحكمة والنعمة..

 

بلّ
أنه يُعْطى للمخلوقات الحكمة والنعمة وكلّ ما هو صالح..

 

 

 

وعلى
الرغم أنه قيل عن يسوع أنه تألّم فإن الآلام هى أيضًا خاصة بالتدبير..

 

هى
آلامه هو، وهذا صحيح تمامًا لأنه تألّم فى الجسد الذى يخصّه هو..

 

ولكنه
كإله لا يتألّم أى لا تقبل طبيعته الألم حتى عندما تجرّأ صالبوه وعذبوه بقسوة..

 

عندما
صار الابن الوحيد مثلنا – لأنه دُعى فى الأسفار التى أوحى بها الله ب ” ابن
البشر”، وهذا حسب التدبير – إلا أننا نعترف لأنه بطبيعته الله..

 

 براهين
كتابية على أن كلمة الله وإن كان قد صار إنسانًا إلا أنه ظل إله:

 

1
– الكاروبيم:

يقول
الله لموسى النبى شارحًا الأسرار الإلهية:

[
وَتَصْنَعُ غِطَاءً مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ طُولُهُ ذِرَاعَانِ وَنِصْفٌ وَعَرْضُهُ
ذِرَاعُ ‏وَنِصْفٌ وَتَصْنَعُ كَرُوبَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ. صَنْعَةَ خِرَاطَةٍ
تَصْنَعُهُمَا عَلَى ‏طَرَفَيِ اَلْغِطَاءِ. فَاصْنَعْ كَرُوباً وَاحِداً عَلَى
اَلطَّرَفِ مِنْ هُنَا وَكَرُوباً ‏آخَرَ عَلَى اَلطَّرَفِ مِنْ هُنَاكَ. مِنَ
اَلْغِطَاءِ تَصْنَعُونَ اَلْكَرُوبَيْنِ عَلَى ‏طَرَفَيْهِ. وَيَكُونُ
اَلْكَرُوبَانِ بَاسِطَيْنِ أَجْنِحَتَهُمَا إِلَى فَوْقُ مُظَلِّلَيْنِ
‏بِأَجْنِحَتِهِمَا عَلَى اَلْغِطَاءِ وَوَجْهَاهُمَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى
اَلآخَرِ. نَحْوَ اَلْغِطَاءِ ‏يَكُونُ وَجْهَا اَلْكَرُوبَيْنِ ] [ خروج 25: 17 –
20 ]..

 

هذا
رمز صحيح يدلّ على أن الله الكلمة الذى تأنّس إلا أنه ظلّ الله، وعندما صار مثلنا
من أجل التدبير لم يفقد مجده وعظمته..

 

وعمانوئيل
صار لنا كفارة بالإيمان:

 

[
الَّذِي قَدَّمَهُ اَللهُ كَفَّارَةً بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ لإِظْهَارِ بِرِّهِ
مِنْ أَجْلِ اَلصَّفْحِ عَنِ اَلْخَطَايَا اَلسَّالِفَةِ بِإِمْهَالِ اَللهِ ] [
رومية 3: 25 ]..

 

وهذا
يبرهنه يوحنا أيضًا:

 

[
يَاأَوْلاَدِي الصِّغَارَ، أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هَذِهِ الأُمُورَ لِكَيْ لاَ
تُخْطِئُوا. وَلكِنْ، إِنْ أَخْطَأَ أَحَدُكُمْ، فَلَنَا عِنْدَ الآبِ شَفِيعٌ هُوَ
يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ. فَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا، لاَ
لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا الْعَالَمِ كُلِّهِ ] [ 1 يوحنا 2: 1، 2
]..

 

وعلينا
أن ننظر إلى الكروبين واقفين باسطين أجنحتهما على كرسى الرحمة، وهما يتطلعان إلى
كرسى الرحمة وفى نفس الوقت يثبتان أعينهما على إرادة ربهما. وحشد الأرواح السمائية
يثبتون عيونهم على إرادة الله الكلمة الذى تأنس إلا انه ظل الله، وكلهم لا يشبع من
النظر إلى الله..

 

هذا
المنظر الأرضى (فى خيمة الاجتماع) يذكرنا بالمنظر السمائى الذى رآه أشعياء النبى
عندما رأى الابن جالسًا على عرش عالس والسارافيم يخدمونه كالله:

 

[‏
فِي سَنَةِ وَفَاةِ عُزِّيَّا اَلْمَلِكِ رَأَيْتُ اَلسَّيِّدَ جَالِساً عَلَى
كُرْسِيٍّ عَالٍ ‏وَمُرْتَفِعٍ وَأَذْيَالُهُ تَمْلأُ اَلْهَيْكَلَ. السَّرَافِيمُ
وَاقِفُونَ فَوْقَهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ ‏سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ. بِإثْنَيْنِ يُغَطِّي
وَجْهَهُ وَبِإثْنَيْنِ يُغَطِّي رِجْلَيْهِ وَبِإثْنَيْنِ ‏يَطِيرُ. وَهَذَا
نَادَى ذَاكَ: قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ رَبُّ اَلْجُنُودِ. مَجْدُهُ ‏مِلْءُ
كُلِّ اَلأَرْضِ ] [ أشعياء 6: 1 – 3 ]..

 

2
الحيّة النحاسية:

وموسى
النبى قد أقيم فى القديم لكى يحرّر شعبه من ظلم المصريين ولكن كان من الضرورى
أولاً أن يتعلّم الذين كانوا تحت نير العبودية أن الله تصالح معهم..

 

لذلك
أمر الله موسى أن يُجرى معجزات، لأن المعجزة فى بعض الأوقات تساعدنا على الإيمان،
لذلك يقول موسى لله ضابط الكلّ:

 

[‏
فَأَجَابَ مُوسَى: وَلَكِنْ هَا هُمْ لاَ يُصَدِّقُونَنِي وَلاَ يَسْمَعُونَ
‏لِقَوْلِي بَلْ يَقُولُونَ لَمْ يَظْهَرْ لَكَ اَلرَّبُّ. فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ:
مَا هَذِهِ فِي ‏يَدِكَ؟ فَقَالَ: عَصاً. فَقَالَ: اطْرَحْهَا إِلَى الأَرْضِ.
فَطَرَحَهَا إِلَى ‏اَلأَرْضِ فَصَارَتْ حَيَّةً فَهَرَبَ مُوسَى مِنْهَا. ثُمَّ
قَالَ اَلرَّبُّ لِمُوسَى: مُدَّ يَدَكَ وَأَمْسِكْ بِذَنَبِهَا (فَمَدَّ يَدَهُ
وَأَمْسَكَ بِهِ فَصَارَتْ عَصاً فِي ‏يَدِهِ). لِكَيْ يُصَدِّقُوا أَنَّهُ قَدْ
ظَهَرَ لَكَ اَلرَّبُّ إِلَهُ آبَائِهِمْ إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ ‏وَإِلَهُ إِسْحَاقَ
وَإِلَهُ يَعْقُوبَ ] [ خروج 4: 1 – 5 ]..

 

لنتأمّل
هذ، أن الله بالطبيعة وبالحق هو عصا الآب لأن العصا هى علامة المملكة..

 

لأن
الآب فى الابن له سلطان على الكلّ، وفى هذا يقول داود:

 

[
كُرْسِيُّكَ يَا اَللهُ إِلَى دَهْرِ اَلدُّهُورِ. قَضِيبُ اِسْتِقَامَةٍ قَضِيبُ
مُلْكِكَ ] [ مزمور 45: 6 ]..

 

ولكنه
(أى الآب) طرحه وجعلها على الأرض فى طبيعة بشرية، عند ذلك اتخذت (العصا) شبه الناس
الخطاة، وأصبح واضحا أن العصا التى صارت حيّة ترمز إلى شرّ الطبيعة البشرية، لأن
الحيّة علامة على الشر..

 

ولكى
نتأكّد من هذا التفسير أن صواب، نجد أن ربنا يسوع المسيح نفسه يقول عن رموز
التدبير بالجسد أنه مثل الحيّة النحاسية التى رفعها موسى لكى تشفى من عضات الحيات،
لأنه يقول:

 

[
وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ
يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَانِ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ
تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ ] [ يوحنا 3: 14، 15 ]..

 

والحيّة
التى صُنعت من نحاس كانت سبب خلاص الذين كانوا فى خطر، لأنهم عندما نظروا غليها
خلِصوا..

 

هكذا
ربنا يسوع المسيح للذين ينظرونه وهو فى شبه الناس الخطاة – لأنه صار إنسانا – ولكن
لا يجهل أحد أنه الله الذى يقيم والذى يمنح الحياة والقوة للهرب من العضات الأليمة
والسامة (إى القوات الشيطانية التى تحاربنا)..

 

3
– عصا موسى ابتلعت عصى السحرة:

ويمضى
القدّيس كيرلّس فيقول:

 

هناك
وجه رمزى آخر وهو (عصا) موسى إبتلعت (عصى) السحرة التى ألقيت على الأرض..

 

لأن
(العصا) بعد أن طرحت على الأرض وصارت حية لم تظلّ حيّة بلّ رجعت إلى ما كانت
عليه..

 

كذلك
(عصا) الآب (أى الابن) الذى فيه يسود الآب على الكلّ صار فى شبهنا – كما قلت من
قبل – إلا أنه بعد أن أكمل التدبير عاد إلى السماء، فهو فى يد الآب قضيب البر
والملك [ قَضِيبُ اِسْتِقَامَةٍ قَضِيبُ مُلْكِكَ ] [ مزمور 45: 6 ]..

 

وهو
يجلس عن يمين الآب فى مجده، وله عرش الآب وهو فى الجسد..

 

4
– يد موسى البرصاء:

قال
الرب لموسى:

 

[‏
ثُمَّ قَالَ لَهُ اَلرَّبُّ أَيْضاً: أَدْخِلْ يَدَكَ فِي عُبِّكَ فَأَدْخَلَ
يَدَهُ فِي عُبِّهِ ثُمَّ ‏أَخْرَجَهَا وَإِذَا يَدُهُ بَرْصَاءُ مِثْلَ
اَلثَّلْجِ. ثُمَّ قَالَ لَهُ: رُدَّ يَدَكَ إِلَى ‏عُبِّكَ (فَرَدَّ يَدَهُ إِلَى
عُبِّهِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا مِنْ عُبِّهِ وَإِذَا هِيَ قَدْ عَادَتْ مِثْلَ
‏جَسَدِهِ)‏ ] [ خروج 4: 6، 7 ]..

 

اليد
– يد الله الآب – فى الأسفار الإلهية هى الابن لأن هذا النصّ يشير إليه:

 

[
وَيَدِي أَسَّسَتِ اَلأَرْضَ وَيَمِينِي نَشَرَتِ اَلسَّمَاوَاتِ. أَنَا
أَدْعُوهُنَّ فَيَقِفْنَ ‏مَعاً ] [ أشعياء 48: 13 ]..

 

وداود
الإلهى ينشد قائلاً:

 

[
بِكَلِمَةِ الرَّبِّ صُنِعَتِ السَّمَاوَاتُ وَبِنَسَمَةِ فَمِهِ كُلُّ جُنُودِهَا
] [ مزمور 33: 6 ]..

 

وعندما
كانت يد موسى مختبأة فى حضنه لم تكن برصاء، ولكن عندما أخرجت صارت برصاء..

 

وبعد
فترة أدخلها مرة أخرى ثم أخرجها ولم تعد برصاء بل قيل:

 

[
وَإِذَا هِيَ قَدْ عَادَتْ مِثْلَ ‏جَسَدِهِ ] [ خروج 4: 7 ]..

 

لذلك
عندما كان الله الكلمة فى حضن الاب كان يشرق ببهاء الألوهة، ولكن عندما صار كما لو
كان خارجا بسبب التجسّد ولأنه صار إنسانا فى شبه جسد الخطية

 

[..
فَاللَّهُ إِذْ أَرْسَلَ اِبْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ اَلْخَطِيَّةِ وَلأَجْلِ
اَلْخَطِيَّةِ دَانَ اَلْخَطِيَّةَ فِي اَلْجَسَد ] [ رومية 8: 3 ].. و

 

[
لِذَلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ اَلأَعِزَّاءِ وَمَعَ اَلْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ
غَنِيمَةً مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ ‏سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ
أَثَمَةٍ وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ ‏وَشَفَعَ فِي اَلْمُذْنِبِينَ ] [
أشعياء 53: 12 ]..

 

لأن
الرسول بولس يقول:

 

[
لأَنَّهُ جَعَلَ اَلَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا،
لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اَلْلَّهِ فِيهِ ] [ 2 كورونثوس 5: 21 ]..

 

وهذا
ما أعتقد أن البرص أشار إليه لأن الأبرص حسب الناموس كان نجسًا..

 

ولكنه
عندما عاد إلى حضن الآب، لأنه صعد على هناك بعد قيامته من الأموات – صار مثل يد
موسى التى أدخلت فى حضنه وصارت طاهرة..

 

هكذا
سوف يأتى سوف ياتى ربنا يسوع المسيح فى الوقت المحدد ببهاء مجد الألوهة رغم أنه لم
يخلع شبهنا..

 

لأن
بولس المبارك يقول ايضًا عن المسيح:

 

[
هَكَذَا اَلْمَسِيحُ أَيْضاً، بَعْدَمَا قُدِّمَ مَرَّةً لِكَيْ يَحْمِلَ خَطَايَا
كَثِيرِينَ، سَيَظْهَرُ ثَانِيَةً بِلاَ خَطِيَّةٍ لِلْخَلاَصِ لِلَّذِينَ
يَنْتَظِرُونَهُ] [ عبرانيين 9: 28 ]..

 

لذلك
عندما تدعو الأسفار الإلهية المسيح يسوع فى مناسبات متعدّدة، لا يظن أحد أنه مجرّد
إنسان بلّ لنعتقد أنه يسوع المسيح كلمة الله الحقيقى الذى من الله الآب حتى وإن
صار إنسانًا..

————

 

11
– المسيح ليس الله لبس جسدً، وليس كلمة الله الذى حلّ فى إنسان، بل الله الذى
تجسّد فعلاً حسب شهادة الكتب

الذين
بلا دنس يؤمنون بالمسيح، ويتفقون معن، يعلمون أن الكلمة هو من الله الآب..

 

وأنه
نزل إلى فقرنا وصار فى صورة العبد..

 

والجسد
الذى أخذه وولد من العذراء هو جسده..

 

بل
أنه لم يولد فقط بل صار مثلنا ودُعى ابن الإنسان..

 

فهو
بالحقيقة الله حسب الروح ولكنه هو نفسه إنسان حسب الجسد..

 

من
أجل هذا يوجّه الرسول بولس خطابه إلى اليهود قائلاً:

 

[
اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيماً، بِأَنْوَاعٍ
وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ –
الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثاً لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضاً عَمِلَ
الْعَالَمِينَ ] [ عبرانيين 1: 1، 2 ]..

 

كيف
تكلّم الله الآب فى الأيام الأخيرة فى ابنه؟..

 

قديمًا
تكلّم فى الناموس فى الابن..

 

ولذلك
قال الابن أن كلماته أُعْطيت قديمًا لموسى الحكيم:

 

[
لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ والأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ
لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ
السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ ونُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ
النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ.. اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ
وَلَكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ.‏ ] [ متى 5: 17، 18، متى 24: 35 ]..

 

وكذلك
يشهد النبى أشعياء:

 

[
أنَا اَلْمُتَكَلِّمُ أَنَا آَتٍ ] [ أشعياء 52: 6 السبعينية ]..

 

وعندما
تجسّد تكلّم الآب معنا فيه كما قال بولس: [ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ ]..

 

ولكى
لا يعوق أى شئ إيماننا بأنه هو هو قبل الدهور الله الابن أضاف الرسول على الفور: [
الَّذِي بِهِ أَيْضاً عَمِلَ الْعَالَمِينَ ]..

 

ثم
عاد وأكّد: [ الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ ] [ عبرانيين
1: 3 ]..

 

بالحقيقة
صار إنسانًا ذاك الذى به الله خلق العالمين..

 

ولذلك
لكى يكون اعتقادنا سليمًا علينا أن نؤمن أنه صار إنسانًا وليس كما يفترض البعض أن
الله سكن فيه..

 

ولو
كان هذا صحيحًا – أى أن الله سكن فى إنسان – الا يصبح ما يقوله يوحنا الإنجيلى: [
اَلْكَلِمَة صَارَ جَسَدًا ] [ يوحنا 1: 14 ] بلا فائدة؟..

 

لأن
ماهى الحاجة إلى هذا التصريح؟..

 

وكيف
يقال أن الله تجسّد غلا إذا كان فعلاً قد صار جسدًا أى صار مثلنا؟..

 

إن
قوة التجسّد تظهر فى أنه صار مثلنا لكنه ظلّ فوقنا بلّ فوق كلّ الخليقة..

 

وسوف
أبرهن بأمثلة كثيرة على صدق ما ذكرته وهو ان الابن الوحيد صار إنسانًا وهو الله
حتى وهو فى الجسد، ولم يسكن فى إنسان ثم جعل هذا الإنسان لابسًا اللاهوت مثل البشر
الذين أنعم عليهم بشركة الطبيعة الإلهية..

 

1
– يقول الله عن البشر:

[
هَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُ اَلرَّبُّ وَأَقْطَعُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ
وَمَعَ بَيْتِ ‏يَهُوذَا عَهْداً جَدِيداً. لَيْسَ كَالْعَهْدِ اَلَّذِي
قَطَعْتُهُ مَعَ آبَائِهِمْ يَوْمَ ‏أَمْسَكْتُهُمْ بِيَدِهِمْ لأُخْرِجَهُمْ مِنْ
أَرْضِ مِصْرَ حِينَ نَقَضُوا عَهْدِي ‏فَرَفَضْتُهُمْ يَقُولُ اَلرَّبُّ. بَلْ
هَذَا هُوَ اَلْعَهْدُ اَلَّذِي أَقْطَعُهُ مَعَ بَيْتِ ‏إِسْرَائِيلَ بَعْدَ
تِلْكَ اَلأَيَّامِ يَقُولُ اَلرَّبُّ: أَجْعَلُ شَرِيعَتِي فِي دَاخِلِهِمْ
‏وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ وَأَكُونُ لَهُمْ إِلَهاً وَهُمْ يَكُونُونَ لِي
شَعْباً ] [ أرميا 33: 31 – 33 ].. و

 

[
إِنِّي سَأَسْكُنُ فِيهِمْ وَأَسِيرُ بَيْنَهُمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلَهاً وَهُمْ
يَكُونُونَ لِي شَعْباً ] [ 2 كورونثوس 6: 16 ]..

 

ويقول
الرب يسوع المسيح نفسه:

 

[
إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كلاَمِي وَيُحِبُّهُ أَبِي وَإِلَيْهِ نَأْتِي
وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً.. هَئَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ.
إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى
مَعَهُ وَهُوَ مَعِي ] [ يوحنا 14: 23 ورؤيا 3: 20 ]..

 

وكذلك
ايضًا دعينا هياكل الله:

 

[
أَنْتُمْ هَيْكَلُ اَللهِ اَلْحَيّ ] [ 2كورونثوس 6: 16 ]..

 

ويقول
ايضًا:

 

[
أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ اَلْقُدُسِ
اَلَّذِي فِيكُمُ اَلَّذِي لَكُمْ مِنَ اَللهِ وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ
لأَنْفُسِكُمْ؟ ] [ 1 كورونثوس 6: 19 ]..

 

فإذا
قالوا أنه دُعى عمانوئيل بمعنى أنه مثلنا نحن البشر قد سكن الله فيه..

 

فليعترفوا
علانية أنهم عندما يشاهدوننا نحن والملائكة فى السماء وعلى الأرض نعبده يخجلون من
هذه الفكرة..

 

ويخجلون
بالحرىّ لأنهم يجهلون قصد الأسفار المقدسة..

 

كما
أنه لايوجد عندهم الإيمان الذى سلّمه إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين
وخدّامًا للكلمة [ لوقا 1: 2 ]..

 

وإذا
قالوا أنه الله وانه يمجّد كإله لأن كلمة الله الآب سكن فيه (أى فى يسوع المسيح)
وأنه يُمجّد على هذا النحو وليس على أساس أنه الله الذى صار جسدًا فليسمعوا منا
هذا:

 


لا يكفى لمن يسكن الله فيه أن تجعله هذه السكنى إلهًا يُعبد، لأن الله يسكن فى
الملائكة وفينا نحن بالروح القدس.. ومع هذ، فالذين أخذوا الروح القدس لا يكفيهم
هذا لكى يصبحوا بالحقيقة آلهة { تُعدّ هذه الفقرة من أهم ما تركه الآباء لنا عن
الفرق الأساسى بين المسيح وبين المؤمنين، من حيث مشاركة الطبيعة الإلهية، ولم يكتب
أحد قبل كيرلس الاسكندرى بهذا الوضوح فى هذه النقطة }، لذلك ليس لهذا السبب بالذات
قيل أن عمانوئيل هو الله، ونحن لا نعبده لأن الكلمة حلّ فيه كما يحلّ فى إنسان،
وإنما نعبده لأنه الله الذى صار جسدًا أى إنسانًا وظل فى نفس الوقت الله الذى
يُعبد “..

 

2
– عدما يتحدّث بولس الرسول عن المسيح يقول:

 

[
الَّذِي فِي أَجْيَالٍ أُخَرَ لَمْ يُعَرَّفْ بِهِ بَنُو اَلْبَشَرِ، كَمَا قَدْ
أُعْلِنَ الآنَ لِرُسُلِهِ اَلْقِدِّيسِينَ وَأَنْبِيَائِهِ ] [ أفسس 3: 5 ].. و

 

[
السِّرِّ الْمَكْتُومِ مُنْذُ الدُّهُورِ وَمُنْذُ الأَجْيَالِ، لَكِنَّهُ الآنَ
قَدْ أظْهِرَ لِقِدِّيسِيهِ، الَّذِينَ ارَادَ اللهُ أنْ يُعَرِّفَهُمْ مَا هُوَ
غِنَى مَجْدِ هَذَا السِّرِّ فِي الأُمَمِ، الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ
رَجَاءُ الْمَجْدِ. الَّذِي نُنَادِي بِهِ مُنْذِرِينَ كُلَّ إنْسَانٍ،
وَمُعَلِّمِينَ كُلَّ إنْسَانٍ، بِكُلِّ حِكْمَةٍ، لِكَيْ نُحْضِرَ كُلَّ إنْسَانٍ
كَامِلاً فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ] [ كولوسى 1: 26 – 28 ]..

 

فإذا
كان المسيح إنسانًا لبس اللاهوت وليس الله بالحقيقة..

 

فكيف
يصبح هو نفسه ” غنى مجد السرّ” الى يُبشر به الأمم؟..

 

وكيف
يمكن أن يُقال أن الرسول بشر بالله بالمرة؟..

 

3
– [ فَإِنِّي ارِيدُ أنْ تَعْلَمُوا أيُّ جِهَادٍ لِي لأَجْلِكُمْ، وَلأَجْلِ
الَّذِينَ فِي لاَوُدِكِيَّةَ، وَجَمِيعِ الَّذِينَ لَمْ يَرَوْا وَجْهِي فِي
الْجَسَدِ، لِكَيْ تَتَعَزَّى قُلُوبُهُمْ مُقْتَرِنَةً فِي الْمَحَبَّةِ لِكُلِّ
غِنَى يَقِينِ الْفَهْمِ، لِمَعْرِفَةِ سِرِّ اللهِ الآبِ وَالْمَسِيحِ ] [ كولوسى
1: 1، 2 ]..

 

وها
هو يسمّى سرّ الله، سرّ المسيح ويتمنى لمن يكتب إليهم أن يكون عندهم ” يقين
الفهم” لمعرفته..

 

فما
هى حاجة الذين يريدون أن يعرفوا سرّ المسيح إذا كان الله قد حلّ فى إنسان؟..

 

لكنهم
يحتاجون إلى ” غنى يقين الفهم” لكى يعرفوا أن الله الكلمة تجسّد..

 

4
– [ لأَنَّهُ مِنْ قِبَلِكُمْ قَدْ أُذِيعَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ، لَيْسَ فِي
مَكِدُونِيَّةَ وَأَخَائِيَةَ فَقَطْ، بَلْ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَيْضاً قَدْ ذَاعَ
إِيمَانُكُمْ بِاللهِ، حَتَّى لَيْسَ لَنَا حَاجَةٌ أَنْ نَتَكَلَّمَ شَيْئاً] [ 1
تسالونيكى 1: 8 ]..

وها
هو الرسول يذكر أن إيمانهم هو إيمان الله، بينما يقول المسيح:

 

[
اَلْحَقَّ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ
أَبَدِيَّةٌ] [ يوحنا 6: 47 ]..

 

كما
ان الكلمة التى يبشر بها الرسول هى كلمة الرب أى المسيح..

 

5
– [ فَإِنَّكُمْ تَذْكُرُونَ أَيُّهَا الإِخْوَةُ تَعَبَنَا وَكَدَّنَا، إِذْ
كُنَّا نَكْرِزُ لَكُمْ بِإِنْجِيلِ اللهِ، وَنَحْنُ عَامِلُونَ لَيْلاً
وَنَهَاراً كَيْ لاَ نُثَقِّلَ عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ. أَنْتُمْ شُهُودٌ، وَاللهُ،
كَيْفَ بِطَهَارَةٍ وَبِبِرٍّ وَبِلاَ لَوْمٍ كُنَّا بَيْنَكُمْ أَنْتُمُ
الْمُؤْمِنِينَ. كَمَا تَعْلَمُونَ كَيْفَ كُنَّا نَعِظُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ
كَالأَبِ لأَوْلاَدِهِ، وَنُشَجِّعُكُمْ، وَنُشْهِدُكُمْ لِكَيْ تَسْلُكُوا كَمَا
يَحِقُّ لِلَّهِ الَّذِي دَعَاكُمْ إِلَى مَلَكُوتِهِ وَمَجْدِهِ. مِنْ أَجْلِ
ذَلِكَ نَحْنُ أَيْضاً نَشْكُرُ اللهَ بِلاَ انْقِطَاعٍ، لأَنَّكُمْ إِذْ
تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا كَلِمَةَ خَبَرٍ مِنَ اللهِ، قَبِلْتُمُوهَا لاَ كَكَلِمَةِ
أُنَاسٍ، بَلْ كَمَا هِيَ بِالْحَقِيقَةِ كَكَلِمَةِ اللهِ، الَّتِي تَعْمَلُ
أَيْضاً فِيكُمْ أَنْتُمُ الْمُؤْمِنِينَ. ] [ 1تسالونيكى 2: 9 – 13 ]..

 

ألا
يقول الرسول صراحة أن كلمة المسيح هى إنجيل الله وأنها كلمة الله أيضًا؟..

 

6
– [ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَتْ نِعْمَةُ اَللهِ اَلْمُخَلِّصَةُ لِجَمِيعِ اَلنَّاسِ،
مُعَلِّمَةً إِيَّانَا أَنْ نُنْكِرَ اَلْفُجُورَ وَالشَّهَوَاتِ
اَلْعَالَمِيَّةَ، وَنَعِيشَ بِالتَّعَقُّلِ وَاَلْبِرِّ وَاَلتَّقْوَى فِي
اَلْعَالَمِ اَلْحَاضِرِ، مُنْتَظِرِينَ اَلرَّجَاءَ اَلْمُبَارَكَ وَظُهُورَ
مَجْدِ اَللهِ اَلْعَظِيمِ وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ اَلْمَسِيحِ] [ تيطس 2: 11 – 13
]..

 

هنا
جهرًا يوصف الرب يسوع بأنه ” الله العظيم”..

 

ذلك
الذى ننتظر مجيئه المجيد فنصلّى بحرارة ونعيش بالتقوى وبدون عيب..

 

ولو
كان المسيح إنسانًا لبس اللاهوت فكيف يُسمّى ” الله العظيم”؟..

 

وكيف
يكون رجاؤنا فيه مباركا؟..

 

والنبى
أرميا يقول:

 

[
مَلْعُونٌ اَلرَّجُلُ اَلَّذِي يَتَّكِلُ عَلَى اَلإِنْسَانِ وَيَجْعَلُ
اَلْبَشَرَ ذِرَاعَهُ وَعَنِ ‏اَلرَّبِّ يَحِيدُ قَلْبُهُ ] [ إرميا 17: 5 ]..

 

ولو
كان المسيح قد لبس اللاهوت فهذا لا يجعله إلها..

 

وقياسًا
على ذلك لو دعونا كل من حلّ فيهم الله آلهة، فماذا يمنعنا من عبادتهم؟..

 

لكن
الرسول بولس يسمّى المسيح: الله العظيم، وأن مجيئه مبارك، بولس أيضًا قال لليهود
عن عمانوئيل:

 

[
الَّذِينَ هُمْ إِسْرَائِيلِيُّونَ وَلَهُمُ التَّبَنِّي وَالْمَجْدُ وَالْعُهُودُ
وَالاشْتِرَاعُ وَالْعِبَادَةُ وَالْمَوَاعِيدُ. وَلَهُمُ الآبَاءُ وَمِنْهُمُ
الْمَسِيحُ حَسَبَ الْجَسَدِ الْكَائِنُ عَلَى الْكُلِّ إِلَهاً مُبَارَكاً إِلَى
الأَبَدِ. آمِينَ. ] [ رومية 9: 4، 5 ]..

 

ولقد
كرّز بولس بإعلان إلهى.. وهذا واضح إذ يقول هو نفسه:

 

[
ُمّن بَعْدَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً صَعِدْتُ أَيْضاً إِلَى أُورُشَلِيمَ مَعَ
بَرْنَابَا، آخِذاً مَعِي تِيطُسَ أَيْضاً. وَإِنَّمَا صَعِدْتُ بِمُوجَبِ
إِعْلاَنٍ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمِ الإِنْجِيلَ الَّذِي أَكْرِزُ بِهِ بَيْنَ
الأُمَمِ، وَلَكِنْ بِالاِنْفِرَادِ عَلَى الْمُعْتَبَرِينَ، لِئَلاَّ أَكُونَ
أَسْعَى وقَدْ سَعَيْتُ بَاطِلاً. ] [ غلاطية 2: 1، 2 ]..

 

ونحن
نعلم أن بولس بشّر بالمسيح للأمم كإله، وفى كلّ مكان كان يتحدّث عن سر المسيح
مسميًا إيّاه بالسرّ العظيم الإلهى واستمر فى كرازته بعد أن عرضها على المعتبيرين
من القديسين عندما صعد إلى أورشليم بموجب الوحى الإلهى، فكانت توافق التعليم
الرسولى..

———–

 

رابعًا:
دور العذراء مريم فى التجسد

قلنا
أن الله صمّم فى محبته أن ينحدر على الإنسان ليخلّصه..

إلا
أنه – وهو يحترم حرية الإنسان – كان منتظرًا أن يريد الإنسان خلاصه، ان يشاء
إقتبال الإله المنحدر إليه..

 

ولذا
فقد هيّأ الله الإنسانية تدريجيًا إلى إقتبال الخلاص..

 

وقد
أدّت هذه التهيئة إلى العذراء مريم..

 

فمريم
هى زهرة العهد القديم وثمرة عناية الله بشعبه وتربيته له على مرّ الأجيال..

 

ففى
مريم بلغت قداسة العهد القديم ذروتها فى الإيمان والتواضع والطاعة لله..

 

لذلك
فى شخص مريم استطاعت البشرية أن تقول ” نعم” لله وأن تتقبله مخلّصا له،
هذا ما تمّ عندما أجابت مريم الملاك:

 

[
هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ ] [ لوقا 1: 38 ]..

 

عندئذ،
تمّ تجسّد ابن الله لأن البشرية ” سمحت” له بشخص مريم أن يأتى إليها
ويخلّصها..

 

لذلك
كتب اللاهوتى ” نقولا كباسيلاس”: { إن التجسّد لم يكن فعل الآب وقدرته
وروحه فحسب، ولكنه أيضًا فعل إرادة العذراء وإيمانها. فبدون قبول الكلية النقاوة،
وبدون مساهمة إيمانه، لكان تحقيق هذا المقصد متعذرًا..}..

 

هكذا
كانت مريم ذلك:

 

[
ثُمَّ أَرْجَعَنِي إِلَى طَرِيقِ بَابِ اَلْمَقْدِسِ اَلْخَارِجِيِّ اَلْمُتَّجِهِ
لِلْمَشْرِقِ ‏وَهُوَ مُغْلَقٌ. فَقَالَ لِيَ اَلرَّبُّ: هَذَا اَلْبَابُ يَكُونُ
مُغْلَق، لاَ يُفْتَحُ وَلاَ ‏يَدْخُلُ مِنْهُ إِنْسَانٌ
، لأَنَّ اَلرَّبَّ
إِلَهَ إِسْرَائِيلَ دَخَلَ مِنْهُ فَيَكُونُ مُغْلَقاً‏ ] [ حزقيال 44: 1، 2 ]..

 

ففى
مريم تمّ أولاً الاتحاد بين الله والإنسان..

 

إذ
أن ابن الله اتحد ذاته بجسد إتخذه من جسد مريم..

 

لذلك
تدعو الكنيسة العذراء ” والدة الإله” لأنها ولدت الإله المتجسّد..

 

وبذلك
ترَدّد ما قالته أليصابات بوحى الروح القدس عندما زارتها نسيبتها العذراء مريم إذ:

 

[
فَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلاَمَ مَرْيَمَ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ فِي
بَطْنِهَا وَامْتَلأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَصَرَخَتْ
بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ: مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ
هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! فَمِنْ أَيْنَ لِي هَذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي
إِلَيَّ؟ ] [ لوقا 1: 41 – 43 ]..

 

وتعتقد
الكنيسة أن منزلة العذراء تفوق الملائكة إذ قد أُهّلَتْ أن تحمل فى ذاتها ابن الله
المتجسد فتصير هكذا هيكلاً حيًا للإله الذى: { لا تجسر طغمات الملائكة أن تنظر
إليه }

 

لذلك
تخاطبها الكنيسة منشدة: { يامن هى أكرم من الشاروبيم وأرفع مجدًا بغير قياس من
السارافيم }..

 

وأيضًا:
{ لأنه صنع مستودعك عرشًا وجعل بطنك أرحب من السماوات }..

 

وهكذا
فتكريم الكنيسة الأرثوذكسية للعذراء مريم يعود خاصة للدور الذى لعبته فى التجسّد..

 

لذ،
فالاسم الذى تطلقه عليها باستمرار هو إسم ” والدة الإله”..

 

ولذلك،
أيضا عندما تمدحها تمدح بنوع خاص ذلك الدور الذى شاء الله أن يسنده إليها فى
مقاصده..

 

وللسبب
عينه لا تمثل الأيقونات الأرثوذكسية أبدًا العذراء وحده، بلّ تمثلها دوما حاملة
ابنها وإلهها..

 

فمجد
والدة الإله مستمد من ذاك الذى شاء أن يُولد منها..

 

والعذراء
نفسها فى حياتها الأرضية لم تشأ أن تُبرز شخصيتها بل كانت دائما متخفية وراء ابنها
والتعليم الوحيد الذى نقله إلينا الإنجيل عن لسان العذراء إنما هو وصيتها للبشر
بأن يطيعوا ابنها:

 

[
قَالَتْ أُمُّهُ لِلْخُدَّامِ: مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَافْعَلُوهُ ] [ يوحنا 2: 5
]..

 

وتعتقد
الكنيسة أن العذراء بما انها صارت أما للإله المتجسّد، فقد أصبحت أيضًا أمًّا لكلّ
الذين صار ذاك الإله أخا لهم بالتجسّد:

 

[
لأَنَّ الْمُقَدِّسَ وَالْمُقَدَّسِينَ جَمِيعَهُمْ مِنْ وَاحِدٍ، فَلِهَذَا
السَّبَبِ لاَ يَسْتَحِي أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِخْوَةً.. فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ
الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذَلِكَ فِيهِمَا ]
[ عبرانيين 2: 11، 14 ]..

 

وبنوعٍ
خاص اما للذين أصبحوا بإيمانهم تلامذة أحباء له..

 

فعندما
كان يسوع على الصليب خاطب مريم قائلاً عن التلميذ الحبيب:

 

[
فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ أُمَّهُ وَاَلتِّلْمِيذَ اَلَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ
وَاقِفاً قَالَ لأُمِّهِ: { يَا اِمْرَأَةُ هُوَذَا اِبْنُكِ }. ثُمَّ قَالَ
لِلتِّلْمِيذِ: { هُوَذَا أُمُّكَ }. وَمِنْ تِلْكَ اَلسَّاعَةِ أَخَذَهَا
اَلتِّلْمِيذُ إِلَى خَاصَّتِهِ ] [ يوحنا 19: 26، 27 ]..

 

فهذه
العبارات يصح إطلاقها على كل تلميذ حبيب ليسوع أى كل مؤمن به..

 

فى
عرس قانا الجليل تحسست مريم لحاجة أهل البيت وضمت شعورها بهذه الحاجة إلى شعور
ابنها قائلة له:

 

[
وَلَمَّا فَرَغَتِ الْخَمْرُ قَالَتْ أُمُّ يَسُوعَ لَهُ: { لَيْسَ لَهُمْ
خَمْرٌ}. قَالَ لَهَا يَسُوعُ: { مَالِي وَلَكِ يَا امْرَأَةُ! لَمْ تَأْتِ
سَاعَتِي بَعْدُ}] [ يوحنا 2: 3، 4 ]..

 

هكذا
تتحسس مريم لحاجتنا وشفاعها هى أن تضم حنوها علينا إلى حنو ابنها..

 

وهذه
الشفاعة قوية كما يظهر من حادثة عر قانا الجليل..

 

وكما
تشهد الكنيسة: { ليس أحد يسارع محاضرصا إليك ويمضى خازيًا من قبلك أيتها البتول
النقية أم الإله }..

 

ولكن
النعمة التى تطلبها لنا العذراء بنوع خاص هى أن يتصوّر ابنها فينا حتى نحمله نحن
فى كياننا كما حملته هى ونتحد به كما اتحدت به هى..

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى