علم الخلاص

3- إن كان السبب الرئيسي للتجسد هو فداء الإنسان الذي سقط وتجديد طبيعته التي فسدت، فلماذا خلق الله الإنسان؟



3- إن كان السبب الرئيسي للتجسد هو فداء الإنسان الذي سقط وتجديد طبيعته<br /> التي فسدت، فلماذا خلق الله الإنسان؟

3- إن
كان السبب الرئيسي للتجسد هو فداء الإنسان الذي سقط وتجديد طبيعته التي فسدت،
فلماذا خلق الله الإنسان؟

ج:
يسبق هذا السؤال سؤال آخر مؤداه:

هل
خلق الله الإنسان لكيما يعبده ويسبحه ويمجده؟

كلا..
لأن كل هذه نتائج وليست أسباباً.. لقد خلقنا الله فنحن مدينون له ولذلك نقدم له
العبادة والشكر والتسبيح، ليست كفروض وقيود وواجبات ثقيلة، ولكنها علامة حب
وامتنان وتقدير له.. لو خلق الله الإنسان لكيما يعبده فمعنى هذا أن الله كان ينقصه
عبادة الإنسان، بينما الله كامل في ذاته متكامل في صفاته منزَّه عن النقص.. لم يكن
الله محتاجاً قط لإنسان أو ملاك لكيما يعبده.. الله لم يكن يعاني من نقص معين
فعوَّضه بخلقه الإنسان، وعلى حد تعبير الآخرين أن الله غني عن عباده، ونحن نصلي في
القداس الإلهي ” خلقتني كمحب للبشر.. لم تكن أنت محتاجاً إلى عبوديتي بل أنا
المحتاج إلى ربوبيتك. من أجل تعطفاتك الجزيلة كونتني إذ لم أكن “كان من
الممكن أن لا يخلق الله أي كائن آخر ومع ذلك فإن كماله لن ينقص ولا سعادته تتغير،
وليس كما تصوَّر بعض الجهلة بأن السأم والملل تسلل لله عبر الزمان فتسلى بخلقه
الطغمات الملائكية لكيما تسبحه، وعندما عاد إليه الملل والسأم ثانية خلق الإنسان
لكيما يعبده.

 

والحقيقة
أن الله خلق الإنسان من فرط جوده ومحبته، فالإنسان هو وليد محبة الله العظيمة..
خلق الله الإنسان لكيما يتمتع ذاك الإنسان بنعمة الوجود في الحضرة الإلهية، وقبل
أن يخلقه أعدَّ له كل شئ.. خلق من أجله الشمس والقمر وزين الكون بالنجوم.. هيأ له
الأرض وخلق له النباتات وزينها بالأزهار والورود.. خلق له الأسماك والطيور
والحيوانات أنواعاً وأشكالاً وألواناً بشكل يخلب الألباب، ورأى الله أن كل هذا حسن،
وعندما خلق الإنسان ميَّزه عن سائر الخليقة إذ خلقه على صورته ومثاله في الوجود
والعقل والحياة.. خلقه على الصورة التي سيتخذها لنفسه في ملء الزمان.. “نعمل
الإنسان على صورتنا كشبهنا” (تك 1: 26) وكلمة ” صورة ” بالعبرية
” صليم ” أي الظل أو الخيال، فالإنسان هو ظل الله على الأرض، و”
شبه ” بالعبرية ” ديموت ” أي دمية أو مثال أو شبه، فالإنسان مثال
الله في الابتكار وحرية الإرادة والسلطة والخلود.. إلخ وعندما خلقه قال “حسن
جداً” (تك 1: 31) وميَّزه بأن نفخ في أنفه نسمة حياة، فاستقرت هذه النسمة في
وجدان الإنسان وهي التي تدفعه للسعي نحو الأصل حتى بعد السقوط.

 

ويقول
القديس أثناسيوس الرسولي ” لأن الله صالح، أو بالحرى هو بالضرورة مصدر الصلاح،
والصالح لايمكن أن يبخل بأي شئ، لذلك فانه إذ لا يضن بنعمة الوجود على أي شئ؟ خلق
كل الأشياء من العدم بكلمته.. يسوع المسيح ربنا.. فإنه لم يكتف بمجرد خلقته
للإنسان، كما خلق باقي المخلوقات غير العاقلة على الأرض، بل خلقه على صورته ومثاله،
وأعطاه نصيباً حتى في قوة ” كلمته ” لكي يستطيع وله نوع من ظل
“الكلمة” وقد خُلِق عاقلاً، أن يبقى في السعادة أبداً، ويحيا الحياة
الحقيقية، حياة القديسين في الفردوس” (تجسد الكلمة 3: 3). وكان آدم وحواء في
الجنة عريانان وهما لا يخجلان لأن نعمة الله كانت تسترهما، والشهوة لم تقربهما،
والمرض والألم لم يعرفاهما، والموت لم يقوى عليهما، فعاش آدم في إنسجام وحب مع
جابله، ومع الآخرين (حواء) وكان ملكاً متوَّجاً على الطبيعة متسلطاً على أسماك
البحر وطيور السماء وحيوانات الأرض، وما أجمل تعبيرات القداس الإلهي “ثبتَّ
لىَّ الأرض لأمشي عليها. من أجلي ألجمت البحر. من أجلي أظهرت طبيعة الحيوان. أخضعت
كل شئ تحت قدمىّ. لم تدعني معوزاً شيئاً من أعمال كرامتك”.

 

وإذا
تساءل أحد قائلاً: مادام الله يعلم بسابق علمه أن آدم سيعصاه ويسقط في الخطية..
فلماذا خلقه؟

ونحن
نجيبه بأن الله بسابق علمه يعلم أن آدم سيعصاه ويخطئ، ولكنه يعلم أيضاً أنه قد
دبَّر له أمر الفداء منذ الأزل، وسيحول الشر الذي تعرض له إلى خير، وأنه سيرده ليس
إلى مرتبته فقط إنما سيرفعه من الفردوس الأرضي إلى الملكوت السمائي، وهذا ما دفع
أغسطينوس إلى القول ” مباركة هي خطية آدم التي جلبت لجنسنا كل هذا الخير وكل
هذه النعم والبركات “.

 

وكمثال
تبسيطي للرد على التساءل السابق نقول أن الإنسان يعلم أنه عندما يتزوج وينجب
سيتعرض أبناؤه إلى بعض الأمراض وبعض المتاعب في حياتهم، فهل هذا يدفعه للعزوف عن
الزواج؟.. كلا، لأنه يعلم أيضاً أنه متى تعرض أبناؤه للمرض فانه سيسرع بهم إلى
الأطباء المتخصصين لعلاجهم، ومتى تعرضوا للمتاعب فانه سيقف بجوارهم حتى يتخطوا هذه
المتاعب ويخرجوا للحياة أشد عوداً وأقوى صلابة. حقاً أن لدى الله فيض من العواطف
الأبوية تكفي بلايين البشر، ولذلك خلقهم لينعموا بأبوته، وعندما تجسَّد الله
الكلمة لمسنا فيه هذا الحب الأبوي فجميع الخطاة والعشارين والزناة التائبين
والمطروحين وجدوا لهم مكاناً في قلبه.. يالهذا الحب الإلهي الأبوي الذي أوجد
الإنسان من العدم!

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى