علم التاريخ

براءتيّ سرديكية وميلان



براءتيّ سرديكية وميلان

براءتيّ
سرديكية وميلان

براءة
سرديكة: (311) وتوفي قسطنديوس الأمبراطور الغربي زميل غلاريوس في السنة 306 في
يورك من أعمال بريطانية. فعبث ابنه قسطنطين بنظام ديوقليتيانوس الجديد وأعلن نفسه
قيصراً على بريطانية وغالية وأسبانية. ونادى حرس رومة بمكسنتيوس امبراطوراً. وعادت
شهوة الحكم إلى قلب مكسيميانوس الامبراطور المستقيل فأعلن نفسه امبراطوراً أيضاً.
وأصبح للدولة الرومانية أباطرة ثلاثة وقياصرة ثلاثة. وثار جنود سويروس عليه فقتلوه
فعين غلاريوس قيصراً جديداً محله يُدعى ليكينيوس. وعم الاضطراب الأوساط السياسية
والعسكرية فانقضَّ مضجع غلاريوس الامبراطور واضطراب وانزعج. وفي مطلع السنة 310
ألمّ يغلاريوس مرض غريب مخيف فتقرَّح جلده وظهرت به الاخرجة وقاحت جروحه ونزف دمه.
وطال مرضه حتى جاوز الثمانية عشر شهراً وأعضل الأطباء وأعياهم فخاف الأمبراطور
وخشي أن يكون قد أغضب اله من اضطهد. ولمس الأمبراطور أيضاً فساد رأيه في السياسة
واخفاقه في في الحرب التي شنها على المسيحيين فأصدر عن سرديكة بالاتفاق مع
ليكينيوس وقسطنطين ومكسيمينوس براءته الشهيرة في نيسان السنة 311. ويرى بعض
العلماء أن الفضل في هذه البراءة يعود إلى ليكينيوس لا غلاريوس ولكنه رأي ضعيف لا
يزال في طور الافتراض.

وقد
حفظ لنا المؤرخ لكتنتيوس نص هذه البراءة باللاتينية، كما أورد افسابيوس نصها
باليونانية. ويبدأ فيها غلاريوس باللوم والتأنيب فيأخذ على المسيحيين خروجهم على
دين الآباء والأجداد وامتناعهم عن الطقوس والعادات التي قال بها المؤسسون، ثم يذكر
قيامه بالواجب واصدار الأوامر إلى هؤلاء بالعودة إلى التقاليد الموروثة ويشير بعد
ذلك إلى رجوه بعض المسيحيين إلى دين الأجداد ولكنه يبيّن بوضوح أن هؤلاء لم يعودوا
إلا مكرهين، وأن معظم إخوانهم أصروا على الآباء ولم يتابعوه على ما يريد فلم
يحترموا الآلهة، ولم يتعبدوا لإله المسيحيين -ولعل الإشارة هنا إلى بعض البدع
والهرطقات-. ثم يخلص بعد هذا إلى القول بالرأفة نحو جميع الناس فيضرب عن المسيحيين
صفحاً جميلاً ويعترف بوجودهم ويسمح لهم بصلاة الجماعة شرط ألا يُخلّوا بالنظام.
ويؤكد أنه سيكتب إلى القضاة والحكام عن القوانين التي يجب اتباعها. ويرى أنه
بالمقابل يجب على المسيحيين أن يصلوا لإلههم من أجل الإمبراطورة والدولة وأنفسهم.

وأصبحت
المسيحية من بعد هذا ديانة شرعية وأُعيد ما تم اغتصابه من المسيحيين، إلا أن
غلاريوس قد مات في أيار من سنة 311، ولم يتسنَ له أن يكتب إلى القضاة والحكّام كما
جاء في نص البراءة.

 

مكسيمينوس
يتابع الاضطهاد: (311-312) ظهر خبر براءة سرديكيا، وتوقف الاضطهاد في ولايات
غلاريوس ولينكينيوس وقسطنطين. ولكنه لم ينشر في مقاطعات مكسيمينوس، أي في سورية
ومصر، إذ اكتفى معاون مكسيمينوس بنقل فحوى البراءة دون النص. فمات بعدها بفترة
وجيزة غلاريوس، فعاد مكسيمينوس إلى الاضطهاد، وأسس جماعة وثنية على غرار الكنيسة
لمحاربة المسيحية. ولفق سفراً جديداً دعاه “أعمال بيلاطس” وبثه وأشاع
محتوياته لتحقير السيد المخلص. وكان في دمشق قائد أراد أن يظهر ولائه لسيده فأخذ
بعض نساء السوق وعلّمهن أن يدّعين أنهن مسيحيات، وأنهن رأين أعمالاً مخجلة تُرتكب
في الكنائس. ثم أوعز مكسيمينوس إلى الوثنيين في بعض المدن بالمطالبة بطرد
المسيحيين.فأُقيم في صور عموداً نُقشت عليه كتابة تعظم الوثنية وتدعو الأهالي لطرد
المسيحيين، ففر الألوف من المدن وتشردوا في البراري.

 

شهداء
حمص: 312 ألقى والي حمص القبض على سلوانس أسقف المدينة وعلى شماسها لوقا والقارئ
موكيوس وزجّهم في السجن وأذاقهم العذاب ثم طرحهم أمام الوحوش الضارية. وكان بين
المؤمنين في حمص رجل يدعى يوليانوس. فلما اشتدت العذابات امتهن الطب ليخفف آلام
المعترفين ويرشد الضالين، ولما كان سلوانس ورفاقه في طريقهم إلى المدرج قابلهم في
الطريق وقبلهم القبلة الأخيرة. فقُبِض عليه وامتحن بالعذاب وبقي على إيمانه،
فسُمِّر رأسه ويداه ورجلاه وزُجَّ في مغارة خارج البلدة. حيث فاضت نفسه مكللاً
ومشرفاً بالآلام نفسها التي تألم بها السيد.

لوقيانوس
المعلم الأنطاكي: في هذه السنة نفسها، في أنطاكية، أُلقي القبض على الكاهن والعالم
لوقيانوس، وزُجَّ في السجن في نيقوميذية وعُذّب فجلد وضرب ووضع على الصاجات تحت
العجلات وقُدِّم للأسود الضارية، وانتهر هذا المعلم فترة السجن، فأرسل رسالة إلى
مكسيمينوس نفسه يدافع فيها على صحة الإيمان بالمسيح. وجُّوع وحرم الطعام، ثم عُرض
عليه لحم الضحايا للآلة، فامتنع. متشبعاً بكلمة أنا مسيحي. إلى أن فاضت روحه. ودفن
جثمانه في مدينة ذريبانة. وأمرت القديسة هيلانة فيما بعد بتشييد هيكل فخم فوق ضريحه،
وخصت ذريبانة باسمها فأصبحت تُدعى ايلينوبوليس أي مدينة هيلانة.

 

براءة
ميلان: نظر قسطنطين إلى سماء غالية فرأى إشارة الصليب مرسومة عند الشمس قبل المغيب
فاندفع في سعيه اندفاع المؤمن الواثق. وكرّ على خصمه ووصل أبواب رومة. وقبيل فجر
الثامن والعشرين من تشرين الأول سنة 312 تلقى هذا من لدن العلي بوجوب رسم الحرفين
اليونانيين “خي” و”رو” على تروس مقاتليه قبل بدء القتال،
وهذين الحرفين هما بداية كلمة خريستوس اليونانية والتي تعني المسيح.

فلما
لمس يد المخلص وأحس بعنايته. أعلن في إيطاليا وأفريقيا براءة سرديكيا وأوجب تنفيذها.
ثم أمر بإعادة أملاك الكنائس المصادرة وأوجب على موظفي المالية أن يقدموا للكنائس
الجامعة لا الدوناتية ما تحتاجه من أموال. وكتب إلى مكسيمينوس في الشرق يوجب
انتهاء الاضطهاد. فكتب بدوره إلى سبينوس يمنع اللجوء إلى العنف.

وفي
أوائل سنة 313 التقي قسطنطين وليكينيوس في ميلان. وتبادلا الرأي في السياسة فاتفقا
على إعلان حرية المعتقد في جميع أنحاء الامبراطورية. وعاد هذا الأخير إلى الشرق
ليحد من مطامع مسكيمينوس وانتصر عليه عند تزيرالوم بالقرب من أدريانوبل في أول
أيار وأكرهه على التراجع. وتوفي مكسيمينيوس في طرسوس في آب من سنة 313. أما
ليكينيوس فإنه ما كاد أن يستقر في نيقوميذية حتى أعلن حرية المعتقد في نص رسمي.
ويضيف الدكتور أسد رستم تعليق على براءة ميلان ويقول: يتضح مما تقدم أنه لا يجوز
القول ببراءة معينة صدرت عن الأمبراطورين المجتمعين في ميلان. وجلّ ما يجوز القول به
هو أن هذين الامبراطورين اتفقا على خطة معينة فنفذاها كل في منطقته. والقول
ببرتوكول وقع في ميلان لهذه الغاية قول ضعيف لا يرتكز إلى أسس عملية راهنة.

وبهذا
يكون قد انتهى عصر الاضطهاد وأصبحت المسيحية دين شرعي يحق له ما يحق لغيره من
الأديان الوثنية القديمة.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى