علم

رسائل القديس أنطونيوس أب الرهبان



رسائل القديس أنطونيوس أب الرهبان

رسائل
القديس أنطونيوس أب الرهبان

1-7

ترجمة
بيت التكريس لخدمة الكرازة

مؤسسة
القديس أنطونيوس – مركز دراسات الآباء – نصوص آبائية

يناير
1997م

 

مقدمة

ملامح من حياة الأنبا أنطونيوس (251-356)

ولد
أنطونيوس حسب رواية المؤرخ الكنسي سوزمين سنة 251م في كوما
Coma
الآن “قمن العروس” قرب بوش – محافظة بني سويف – (سوزمين تاريخ الكنيسة
1: 13) – وقد سجل القديس اثناسيوس الكثير عن هذا الرجل الذي وصفه بأنه “مؤسس
الرهبنة” وانسان نال “الحكمة الالهية” (حياة انطونيوس بقلم
اثناسيوس: 72). ولم يتعلم انطونيوس علوم الدنيا، بل لقد سجلت المصادر التاريخية
الموثوق منها انه لم يكن يعرف القراءة والكتابة. وقد أراد البعض أغاظته بأنه لا
يعرف شيئاً عن الآداب والعلوم، فأجاب على هذه الإغاظة بقوله “حسناً ماذا
تقولون؟ أيهما سبق الآخر: العقل ام الحروف؟ وأيهما هو السبب في وجود الآخر: العقل
هو السبب في وجود الحروف أم الحروف هي السبب في وجود العقل؟ وعندما اعترف هؤلاء
بأن العقل هو السبب في وجود الحروف وان العقل هو الذي اخترعها. أجاب انطونيوس
“من له عقل صحيح ليس له احتياج إلى الحروف” (حياة انطونيوس: 72 – سقراط،
تاريخ الكنيسة 4: 23). ولم يكن انطونيوس عاطل العقل فقد سأله أحد الفلاسفة:
“أيها الأب كيف يمكنك الصمود في هذه الحياة الصعبة وأنت قد حُرمت من تعزيات
الكتب؟” أجاب انطونيوس “ان كتابي ايها الفيلسوف هو الكون ولذلك أنا
استطيع أن أقرأ لغة الله في أي وقت أشاء” (سقراط 4: 23). وهذه الإجابة ليست
بسيطة ولا تنم عن سذاجة وجهل وانما تؤكد أن المعرفة الروحية لا تحتاج إلى علوم
الفلسفة والطب والزراعة والصيدلة.. الخ. وانما تحتاج إلى القلب والعقل اليقظ الذي
يرغب في معرفة الله. وعندما يتحول الكون والطبيعة إلى كتاب يقرأ فيه الإنسان لغة
الله فإن هذا الإنسان لا يحيا في فراغ الجهل الذي خاف منه هذا الفيلسوف وانما في
ملء معرفة حكمة الله. ويكفي أن القديس اثناسيوس سجل هذه الملاحظة الدقيقة عنه
“لقد نال انطونيوس شهرة واسعة – ليس بسبب الحكمة العالمية وليس بسبب فن أتقنه
وإنما بسبب خدمته لله” (حياة أنطونيوس: 93).

في
مقدمة السيرة يذكر القديس اثناسيوس أن انطونيوس ولد من أسرة غنية مسيحية وانه بعد
وفاة والديه بستة أشهر أي أن عمره كان حوالي 18 سنة – دخل إلى الكنيسة وسمع قول
الرب المشهور “إن أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبع كل مالك وتعال اتبعني”
وقد علق أحد الآباء على هذه الحادثة بقوله “ان انطونيوس لم يسمع هذه الكلمات
من المسيح في الجسد وانما سمعها من قارئ في الكنيسة فذهب إلى منزله فوراً، وقرر أن
يعمل ما فيها ولذلك لا يجب أن نتمنى أن نكون معاصرين لابن الله وهو في الجسد بيننا
وانما علينا أن نكون معاصرين عمله في النفس وان نختبر ما في كلماته من حق ليس بالجدل
العقيم بل بطريق الطاعة الشاق”. وهكذا اختبر انطونيوس وكان اختباره برهان على
صدق مواعيد الإنجيل. والاختبار هو طريق واضح لفهم الانجيل وتذوقه. وليس لدى
الإنسان سوى هذا الطريق الواحد الذي يؤدي إلى أسرار الله.

ولأن
كل الطرق الأخرى فاشلة، فشل كثيرون من العباقرة والعلماء في سلوك الطريق الضيق.

ولم
يكن انطونيوس وحده في طريق الله لأنه عندما أراد أن يبيع قسماً من أملاكه ويبقي
على جزء لأخته تذكر القول الإلهي “لا تفكروا في الغد”. وعندما استراح
لقول الرب ترك أخته في رعاية سيدة مسيحية قديسة ووزع كل أمواله (سوزمين 1: 13).
وهنا نلمح بشكل أساسي أن وجود القديسين في هذه الدنيا هو أحد الوسائل الأساسية
التي تساعدنا على تذوق أسرار الله واختبار طاعته لأن ما قدمته هذه المرأة القديسة
من عناية بأخت انطونيوس كانت دون شك أحد عوامل الاستقرار ولكن انطونيوس كان شجاعاً
في تنفيذ الوصية بشكل لم يجعله يتردد أو يخاف.

وقد
سلك انطونيوس طريقه الشاق فكان أول من ارتاد البراري وجعل الحياة النسكية تمتاز
بسكنى الصحراء لأن الذين سبقوه كانوا يعيشون قرب الأماكن الآهلة أي المدن والقرى
ولكنه سكن قلعة قديمة قرب قمن العروس مدة عشرين عاماً ولكنه وجد نفسه مضطراً
للخروج من هذه العزلة في عام 311م. وعندما أثار مكسيميانوس الاضطهاد على الكنيسة
والذي استشهد فيه القديس بطرس خاتم الشهداء اضطر انطونيوس إلى الذهاب إلى
الاسكندرية لكي يشدد من عزيمة المؤمنين وهو ما يؤكد أن عزلة وتوحد انطونيوس لم
يقطعا محبة الكنيسة والاهتمام بالايمان من قلبه مطلقاً. وقد كانت نتيجة هذه الرحلة
هي التوغل بشكل أعمق في البرية فعاد من الاسكندرية إلى البحر الأحمر إلى البقعة
الكائن فيها ديره الآن. وقام بزراعة جزء صغير من الأرض لكي يقيت نفسه.

واضطر
انطونيوس إلى العودة مرة ثانية إلى الاسكندرية في سنة 335م يطلب البابا اثناسيوس
الرسولي لكي يقاوم معه البدعة الأريوسية وظل في الاسكندرية مدة غير معروفة عاد
بعدها إلى الصحراء حيث ظل فيها إلى أن رقد في الرب سنة 356م بعد أن قضى على هذه
الأرض 105 عاماً.

 

الرسائل:

يذكر
البابا اثناسيوس في كتاب “حياة انطونيوس” أن القديس انطونيوس تلقى
الكثير من الرسائل من الأباطرة قسطنطين – قسطنطينوس – قنسطنس، وانه لم يهتم بهذه
الرسائل. وقال للرهبان “لا تتعجبوا إذا كان الامبراطور يكتب لنا فهو انسان
مثلنا وجدير بكم أن تتعجبوا بالحري من أن الله قد كتب الناموس للانسانية ثم بعد
ذلك كلمنا في ابنه الوحيد”. وبعد ذلك يذكر القديس اثناسيوس أن انطونيوس كتب
بعد ذلك إلى هؤلاء الأباطرة “يوصيهم أن يعبدوا المسيح وأعطاهم وصايا خلاصية
بأن لا يهتموا بمجد هذا العالم وانما أن يتذكروا دائماً الدينونة الآتية وان
يعرفوا أن المسيح وحده هو الملك الأبدي والحقيقي. وقد توسل اليهم ايضاً أن يكونوا
أكثر انسانية وان يهتموا بالعدل وان يهتموا بالفقراء” (حياة انطونيوس: 81).
وتسجل هذه السطور ليس فقط رسائل انطونيوس التي كتبها لعظام عصره بل تعطي لمحة عن
شخصية المتوحد الذي يطلب من الحاكم أن يكون عادلاً وان يهتم بالفقراء مما ينفي عن
انطونيوس تهمة “المانوية” التي لصقها به بعض مفكري الغرب.

 

الرسائل السبع:

احتفظت
لنا الوثائق القديمة بسبعة رسائل للقديس انطونيوس بالقبطية والسريانية واليونانية.
وهي أقدم إشارة جاءت في كتاب “مشاهير الرجال” لجيروم: “كتب
انطونيوس الراهب الذي سجل اثناسيوس – اسقف الاسكندرية – حياته، سبعة رسائل
بالقبطية إلى عدة أديرة وهي رسائل رسولية في منهجها وأسلوبها وقد تُرجمت إلى
اليونانية. وأهم هذه الرسائل، الرسالة إلى الذين في ارسينوي (فقرة 88). وبالتالي
حصر جيروم عدد الرسائل وذكر أهمها وهي الرسالة إلى ارسينوي – أي منطقة الفيوم –
(الرسالة السادسة). وقد وصلنا النص القبطي الأصلي ليس لكل الرسائل السبعة بل بداية
الخامسة ونهاية السادسة وكل السابعة وبذلك تكون الترجمة اليونانية والسريانية ثم
الأرمنية هي النص الكامل الوحيد. وقد وصلتنا الرسائل السبع مضافاً اليها ثلاثة عشر
رسالة أخرى باللغة العربية. ويقف علماء كتابات الآباء موقف الشك من باقي الرسائل
ويتمسكون فقط بما ذكره جيروم أي الرسائل السبع فقط، وان كان من الواضح أن العالم
الكاثوليكي كواستن
Quasten لا يرفض أن باقي الرسائل – أي الثلاثة عشر رسالة – من وضع أحد
تلاميذ انطونيوس وهو الأنبا أموناس، وتظهر فيها ايضاً روح انطونيوس وافكاره.

الطبعات الهامة للرسائل السبع
والترجمات
:

تُعد
الترجمة اللاتينية في مجموعة الآباء باليونانية طبعة
Migne
هي أهم طبعة يستخدمها علماء الرهبنة من الأجانب (مجلد 40: 977-1000) وبعدها
الترجمة السريانية ثم الأرمنية مع ما تبقى من النصوص القبطية.

أما
الترجمات الحديثة فقد كانت أهم الترجمات والدراسات للعالم الكاثوليكي
L. Bouyer في كتابه المعروف باسم “حياة انطونيوس” دراسة للحياة
الروحية الرهبانية وقد صدر عام 1950م. ثم جاءت الترجمة الانجليزية مع مقدمة مختصرة
للعالم الانجليكاني الذي كرس حياته لدراسة الرهبنة
Fr. Derwas Chitty الأب درواس شيتي والتي صدرت عام 1975م بأكسفورد بانجلترا وهي أول
مرة تظهر فيها الرسائل السبع بالانجليزية.

 

وهذه الترجمة العربية للرسائل السبع:

هي
عن الترجمة الانجليزية للأب درواس شيتي
Fr. Derwas Chitty
وقد تمت مقارنتها في كثير من المواضع بالترجمة العربية القديمة المترجمة عن
القبطية، والمطبوعة بمطبعة التوفيق بالفجالة بالقاهرة 1899م بعنوان “روضة
النفوس في رسائل القديس انطونيوس” وذلك من أجل الوصول إلى أفضل القراءات قدر
المستطاع.

 

مقدمة الطبعة الثالثة

صدرت
الطبعة الأولى لهذه الرسائل سنة 1979م. ثم صدرت الطبعة الثانية سنة 1984م. وأصدر
الطبعتين “بيت التكريس لخدمة الكرازة” والآن تقوم مؤسسة القديس انطونيوس
بنشر هذه الطبعة الثالثة بعد تنقيح وتصحيحات في الطبعتين السابقتين. ولإلهنا
الثالوث القدوس كل حب وسجود وتمجيد وتسبيح الآن والى الأبد. آمين.

22
طوبة 1713ش مركز دراسات الآباء

30
يناير 1997معنه

عيد
نياحة القديس العظيم الأنبا أنطونيوس

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى