علم الانسان

خلقة الإنسان الأولى من تراب الأرض وخلقته الثانية من فوق



خلقة الإنسان الأولى من تراب الأرض وخلقته الثانية من فوق

خلقة
الإنسان الأولى من تراب الأرض
وخلقته
الثانية من فوق

+”
إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة.”
(2كو 17: 5)

rtltr

الخليقة
الأولى من تراب الأرض:

مقالات ذات صلة

+
“وقال الله: نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا… فخلق الله الإنسان على
صورته، على صورة الله خلقه، ذكراً وأُنثى خلقهم. وباركهم الله وقال لهم: أثمروا
واكثُروا واملأوا الأرض وأخضعوها وتسلَّطوا..” (تك 26: 128)

+
“وجَبَلَ الرب الإله آدم تراباً من الأرض، ونفخ في أنفه نسمة حياة، فصار
آدم نفساً حيَّة”
(تك 7: 2)

+ “وقال الرب الإله: ليس جيداً أن يكون آدم وحده،
فأصنع له مُعيناً نظيره… فأوقع الرب الإله سُبَاتاً على آدم فنام، فأخذ واحدة من
أضلاعه وملأ مكانها لحماً. وبنى الرب الإله الضِّلْع التي أخذها من آدم امرأة
وأحضرها إلى آدم. فقال آدم: هذه الآن عظمٌ من عظامي ولحمٌ من لحمي، هذه تُدعى
امرأة لأنها من امْرِءٍ أُخِذَتْ” (تك 18: 2و2123)

الذي
يهمنا من هذه القصة، قصة الخلق الأول للإنسان، أن الإنسان خُلق أولاً من تراب
الأرض، وقد نفخ فيه الله نسمة حياة من عنده أو من فِيْهِ، فصار آدم
نفساً حيَّة. بمعنى أن آدم هو “نفسٌ”من الله حيَّة في جسد أصله من تراب الأرض،
أي أن آدم مكوَّن من نفس وجسد ترابي، وهذه النفس هي التي نسميها “روح”. وباختصار
نقول إن الإنسان في آدم كل إنسان روح وجسد. ولكن واضح
أن الروح من الله، لذلك ينبغي أن نقول إن الإنسان هو روح أهم من أن يكون جسداً،
خاصةً أن الجسد هو من تراب الأرض، أما الروح فمن الله.

كذلك
من الواضح أن تكون النفس أو الروح في الإنسان هي التي خُلِقت على صورة الله كشبهه.
ومن البديهي أنها كانت كذلك يوم خُلِقت، ولكن بعد أن أوقع الله العقوبة على
الإنسان وأخذ اللعنة، تمزَّقت الصورة واختفى الشبه، هذا بالنسبة للنفس أو الروح.

على
أن علاقة التراب الذي صار حيًّا (كجسد للإنسان) بالروح التي كانت على صورة الله
كشبهه، كانت كالطبعة بالنسبة للأصل أو الصورة بالنسبة للجوهر. فكان الجسد
يحمل صورة النفس(
[1])، ولكن لَمَّا سقط آدم
وتمزَّقت صورة الله التي لنفسه وضاع الشبه، تغيَّرت طبعة الجسد وتشوَّهت الصورة
جداً حتى أصبح لا يُرى في صورة الجسد للإنسان أية ملامح من عند الله، خصوصاً لو
ارتقينا بمعنى الصورة من حيث البهاء والمجد والحكمة والهيبة والقداسة. ولهذا
انقطعت مع الله وشائج المحبة والأُلفة والصداقة والطاعة المطلقة ومعها الحكمة
والقداسة والبرارة. وذهب الإنسان غريباً وحيداً بائساً يَنْعى حظَّه على الأرض
بدون الله، وعرف معنى الخطية والعصيان ومعاداة الله.

 

الخليقة
الثانية من فوق:

ولكن
الله خلق الإنسان أصلاً ليكون له حبيباً وصديقاً كخليقة تسبِّحه وتمجِّده،
وتبنَّاها لتبقى عنده دائماً. فلما سقط آدم وطُرد من أمام وجه الله وعاد إلى الأرض
التي منها أُخذ جسده “لأنك تراب وإلى تراب تعود” (تك 19: 3)، صمَّم الله
أن ينفِّذ خطة خلقته الأولى للإنسان، وبدأ يعمل على إعادة خلقته (الميلاد
الثاني)، ولكن على الأساس الذي لا يمكن أن يخطئ فيه الإنسان للموت أو يعصاه أو
يموت أو يفترق عنه. فهذه المرة صمَّم أن يخلقه، لا على صورته كشبهه فقط، بل من
روحه وجسد ابنه بحال قيامته من بين الأموات خَلَقَه؛
وليس من تراب الأرض، بل
من روحه ومن برِّه وقداسته في الحق! ليليق هذه المرة أن يحيا أمامه في القداسة بلا
لوم في المحبة يمدح مجد نعمته إلى أبد الآبدين.

ولقد
اكتشف القديس بولس كما استُعلن له من أسرار الله عن خلقته للإنسان
أن هذه الخلقة الروحية التي قصدها الله أن تكون من طبيعة ابنه بحال قيامته من بين
الأموات كانت قائمة في تدبير الله قبل أن يخلق الإنسان من تراب الأرض، بل وقبل أن
يؤسِّس العالم المادي؛ وأن خلقة الإنسان من تراب الأرض لم تأتِ كخطأ في حسابات
الله، بل كدرجة أولى في الخلق يتدرَّج فيها الإنسان من خليقة مادية إلى خليقة
روحانية، وينتقل من حالة الضعف والفساد إلى حالة الكمال والبر، شأن كل أعمال الله
التي يبتدئها من الصفر ليبلغ بها إلى القمة، لأن هذا معنى كمال الخلقة عند الله.

لذلك
نسمع القديس بولس بعد أن كشف سر أصول ومبادئ تدبير خلقة الإنسان عند الله يقول هذا:
“مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح، الذي باركنا بكل بركة روحية في
السماويَّات في المسيح.
كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم، لنكون قديسين وبلا
لوم قدَّامه في المحبة، إذ سبق فعيَّننا للتبنِّي بيسوع المسيح لنفسه، حسب مسرَّة
مشيئته، لمدح مجد نعمته التي أنعم بها علينا في المحبوب” (أف 3: 16)

واضح
لكل ذي عقل وانتباه من قول القديس بولس: ” كما اختارنا فيه
“قبل”تأسيس العالم”،
كما هو واضح أيضاً من القول: “إذ سبق
فعيَّننا للتبنِّي بيسوع المسيح لنفسه،
حسب مسرَّة مشيئته” كما هو واضح
كذلك من قصد الله الفائق في الكمال في قول بولس الرسول: ” لنكون قديسين
وبلا لوم قدَّامه في المحبة… لمدح مجد نعمته”؛
أن هذا لا يتفق إطلاقاً
مع الخلقة الترابية التي سقطت من الوجود أمامه بحسب طبيعتها الترابية.

ولكن
لا يمكن أن يفوت علينا هنا في هذا الاستعلان المدهش القول: ” باركنا بكل
بركة روحية… في المسيح”،
و”“اختارنا فيه”قبل تأسيس
العالم” وعيَّننا “للتبنِّي بيسوع المسيح لنفسه” هذا يخص
أصل التدبير لمنتهى خلقة الإنسان الروحية، وليس الخلقة الترابية.

إذن،
واضح للغاية أن خلقتنا الروحية الكاملة والنهائية التي وضع الله خطوطها الأولى في
أصل تدبيره قبل خلقتنا الترابية هي ذات صلات وثيقة جداً
بالمسيح الذي هو الابن الكلمة، لأن هذا كان قبل تأسيس العالم، قبل الخليقة كلها
وقبل الزمن! بهذا نفهم أن خلقة الإنسان الكاملة والروحية هي أرفع وأهم وأعظم من كل
خليقة أخرى، إذ كانت في تدبير الله منذ البداية قبل تأسيس العالم والأرض بكل
خلائقها.

ولكن
ما معنى “باركنا في المسيح”و“اختارنا في المسيح”وتبنَّانا بالمسيح قبل
تأسيس العالم؟ فالمسيح معروف قبل تأسيس العالم أنه “الكلمة”ابن الله!
أليس هذا هو المعنى والقصد البعيد الذي يدل عليه سفر التكوين عند خلقة الإنسان الأولى الترابية، أنَّ الإنسان خُلِق على
صورة الله وشَبَهه التي جاءت بالجمع:
“على صورتنا كشبهنا”
والمعنى المترتِّب على ذلك بالضرورة أن الإنسان خُلِق على صورة ابن الله كشبهه؛ والذي
يؤكِّد هذا قول بولس الرسول: إنه “سبق فعيَّننا (الله) للتبنِّي
بيسوع المسيح
لنفسه” (أف 5: 1). فنحن خُلِقنا، في تدبير الله، قبل تأسيس
العالم، لنكون أبناءً لله في الابن الوحيد وعلى صورة الابن في البر
وقداسة الحق!!
وعلى شبهه في المجد والبهاء “سبق فعيَّنهم ليكونوا
مُشابهين صورة ابنه” (رو 29: 8)!!

وطبعاً
هذا ينطبق على روح الإنسان وليس على جسده الترابي الذي دخل في حيِّز العالم كمرحلة
دُنيا في خلقة الإنسان، وأصبح ينبغي أن نتخلَّص منها عندما تكمل لنا وسائل وأسباب
استعلان الخليقة الروحانية الجديدة.

فلما
جاء المسيح (ابن الله بالجسد) ليُعلن بدء استعلان ملكوت الله الذي هو موطن الإنسان
الروحي في كمال خلقته، بدأ بآن واحد يعلن عن ضرورة خلقة
الإنسان الثانية التي ستأتي من طبيعة الابن بحال قيامته من بين الأموات حتى يؤهَّل
بها الإنسان لدخول ملكوت الله.

وقد
عبَّر المسيح عن هذه الخلقة الجديدة للروح بالميلاد الجديد أو الثاني أو الميلاد
من فوق:

+ “الحق الحق أقول لك: إن كان أحد لا يُولَد من فوق لا
يقدر أن يرى ملكوت الله” (يو 3: 3)

ثم
عاد المسيح يوضِّح كيفية هذا الميلاد الثاني أو الجديد للروح بقوله:

+
“الحق الحق أقول لك: إن كان أحد لا يُولَد من الماء والروح لا يقدر أن
يدخل ملكوت الله. المولود من الجسد جسد هو، والمولود من الروح هو روح” (يو 5:
3و6)

ولهذا الميلاد الثاني من فوق تجسَّد ابن الله الكلمة وأخذ
صورة الإنسان بالضرورة التي تمزَّقت وتشوَّهت عن أصلها، وأصلها هو ابن الله الكلمة
نفسه، ليُعيد خلقتها على صورة مجده. وطبعاً حينما يُعيد الخلقة يُعيدها إلى الأصل
الروحي للإنسان الذي تشوَّه، مع تحفُّظ ألاَّ تصيبها الخطية أو الموت هذه المرة،
وبالتالي يُسقِط من حسابه الجسد الترابي الذي كان بالضرورة سبب النقص في الخلقة
الأُولى، لأنه تراب وإلى التراب يعود بحسب اللعنة التي طالته: “لأنك ترابٌ
وإلى ترابٍ تعود” (تك 19: 3)

ما
هو التمزُّق الذي أصاب الصورة، والتشوُّه الذي ألَمَّ بالشبه؟

قلنا سابقاً إن جسد الإنسان مخلوق أصلاً على غير فساد،
فليست الخطية التي أخطأها آدم نابعة من الجسد. فالجسد خليقة الله، وخليقة الله لا
تُخلَق خاطئة، فحاشا ليد الله أن تصنع خطأً أو شرًّا. ولكن كما قلنا إن حرية إرادة
الإنسان التي خُلِق عليها ومعرفته التي خُلق بها كانت معصومة من الخطأ طالما كانت
طائعة وملتزمة بتدبير إرادة الله ومعرفته. ولكنها حُرَّة لأن تطيع وتلتزم أو لا تطيع
ولا تلتزم، فهذا هو معنى الحرية الكاملة الصحيحة. فلما أغوى الشيطانُ آدمَ
وحواءَ للعمل ضد إرادة الله وضد المعرفة التي أوصاهما بها الله، انقطعت الصلة بين
إرادة ومعرفة الله وإرادة ومعرفة الإنسان، فَفَقَدَ آدم الصَّوْن والحماية،
وتعرَّت إرادته ومعرفته وسقطت. وهكذا تعرَّى من برِّه وقداسته أمام الله. هذا هو
تمزُّق الصورة، وتشوُّه الشبه الذي كان له، الذي أفقده في الحال
وبالضرورة التأهُّل أن يبقى مع الله، فطُرِد للتوّ وحُرِم من الحياة
مع الله.

كيف
تعود الصورة إلى أصلها، وينطبق الشبه على أصله؟

واضح
أن الضربة التي أصابت نفس الإنسان، أي روحه، إثر المخالفة وعصيان أمر الله بسبب
الطاعة للشيطان، كانت فقدان الصلة بين حرية إرادة الإنسان ومعرفته، وبين إرادة
الله والمعرفة التي هي النور الإلهي. فأصبح الإنسان لا يعرف الحق ولا يريده،
وإن عرفه لا يقوى على عمله. وها هو القديس بولس يصف الإنسان قبل عملية الفداء التي
أكملها المسيح:

+
“لأني لست أعرف ما أنا أفعله، إذ لست أفعل ما أريده، بل ما أُبغضه فإيَّاه
أفعل… لأن الإرادة حاضرة عندي (حرية الإرادة)، وأما أن أفعل الحُسْنَى فلستُ أجد
(انقطاع الإرادة عن الله). لأني لست أفعل الصالح الذي أُريده، بل الشر الذي لست
أُريده فإيَّاه أفعل” (رو 15: 7و18و19)

هكذا
وقع الإنسان تحت عبودية الشيطان، إذ فَقَدَ صلته بالله على مستوى الإرادة والمعرفة،
وصار جسده مطيَّة للشيطان.

إذن،
إن أراد الله أن يعود الإنسان إليه ويسلِّم له إرادته وينفتح وعيه وبصيرته الروحية
لمعرفة الله والحق، فيتحتَّم أن يعيد الله صياغة أو خلقة الإنسان الذي تشوَّهت
صورة الله وشبهه فيه ليصير على صورة الله من جديد وعلى شبهه. ولكي لا يعود يخطئ أو
يستخدم حرية إرادته أو معرفته في عصيان الله، رأى الله أن يأخذ هذه المرَّة من
طبيعة المسيح ويخلق كيان الإنسان الروحي من جديد أو خلقته الجديدة فيصير كيانه
الجديد كله قائماً في الله، يريد ما يريده الله، ويعرف ما يعلنه له الله. أو كما
يقول القديس بولس يعرف حتى” أعماق الله”:

+
“بل كما هو مكتوب: ما لم تَرَ عين، ولم تسمع أُذن، ولم يخطر على بال إنسان،
ما أعدَّه الله للذين يحبونه. فأعلنه الله لنا نحن بروحه. لأن الروح يفحص كل شيء
حتى “أعماق الله”” (1كو 9: 2و10)

وفي
موضع آخر يقول إنه أُعطِيَ لنا أن نمتلئ بكل ملء الله:

+
“وتعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة، لكي تمتلئوا إلى كل ملء الله”
(أف 19: 3)

إلى
هذا الحدِّ يبلغ وعي الإنسان الروحي الجديد.

ولكن
لكي يعيد الله خلقة روح الإنسان ليكون على صورته وشبهه كان يلزم أولاً أن يرفع عنه
العقوبة بالموت الأبدي واللعنة التي أوقعته تحت غضب الله؛ الأمر الذي استحال بسببه
على الإنسان أن يتحرَّك وهو تحت اللعنة والغضب أو يعود إلى الله بإمكانياته
المحكوم عليها.

هذا
استلزم من الابن الوحيد أن يتجسَّد بجسد إنسان، إنما بدون خطية. فيأخذ جسداً من
العذراء القديسة مريم ومن الروح القدس، أي جسداً طاهراً قدوساً، ثم يضع عليه خطايا
البشرية، كما حوكم كخاطئ ولم يدافع، وقَبِلَ العقوبة والصلب كخاطئ، وتألَّم كخاطئ
ومات. وهكذا أكمل في جسد الإنسان عقوبة الموت. ولما عُلِّق على الصليب قَبِلَ
اللعنة في الجسد أيضاً، وهكذا برَّأ الجسد من العقوبة ومن اللعنة حينما أكملها
فينا. لذلك عندما مات المسيح بالجسد لم يُمسَك في الموت، بل قام وداس الموت، لأنه
بموته أكمل عقوبة الخطية فقام، وبقيامته أبطل الموت. هكذا بموت المسيح بجسد
الإنسان، وبقيامته به مبرَّءًا ومبرَّراً، خلق للإنسان فيه جسداً روحياً جديداً لا
يخطئ ولا يستطيع أن يخطئ،
كما يقول القديس يوحنا في رسالته الأولى (9: 3)،
لأنه من طبيعته وليس من التراب بعد.
على أن الجسد الذي قام به المسيح من بين
الأموات جسد روحاني له كل ما لجسد الإنسان من الخواص الإنسانية الطبيعية ما عدا
الخطية، وبالتالي عدم قابلية الموت لأنه جسد القيامة من الموت الذي وُهِبَ لنا بسر
المعمودية: “لأن كُلَّكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح
(غل 27: 3). وهذا هو الجسد الروحاني الجديد الذي خلقه لنا المسيح لنلبسه في
المعمودية بسرِّ المسيح.

وهكذا
يَصْدُق القديس بولس حينما يقول:

+
“… مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة، قد سبق الله فأعدَّها لكي
نسلك فيها” (أف 10: 2)


+
“لكي يخلق الاثنين في نفسه إنساناً واحداً جديداً” (أف 15:
2)

فالعماد
هنا هو سر الخلقة الجديدة من الماء والروح كقول الرب، والخلقة الجديدة خُلِقت في
المسيح
بنوع من الاتحاد فائق الوصف، يمنحنا صفات ومخصَّصات المسيح: “وتلبسوا
الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق” (أف 24: 4)

وهكذا
بالمعمودية استطاع المسيح أن يورِّثنا طبيعة جسده المُقام من الموت، غالباً الخطية
ودائساً الموت، في الوقت الذي أمات فيه الجسد العتيق الذي صلبه على الصليب، ومات
وخطيته فيه: “عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صُلِب معه ليُبطَل جسد الخطية،
كي لا نعود نُستعبد أيضاً للخطية” (رو 6: 6)، “وإن كان المسيح فيكم،
فالجسد (الجسد العتيق)(
[2]) ميِّت بسبب الخطية،
وأما الروح (الإنسان الجديد) فحياة بسبب البر” (رو 10: 8)

هذا
أيضاً ما تمَّ في المعمودية التي نُمارِس فيها شركة حقيقية في موت المسيح وقيامته
بالإيمان: “إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله، ولبستم الجديد الذي يتجدَّد
للمعرفة حسب صورة خالقه”
(كو 9: 3و10). فالذي أكمله المسيح على الصليب،
وهبه لنا في سرِّ المعمودية، سواء موت الإنسان العتيق أو قيامة وحياة الإنسان
الجديد الروحاني.

وبهذا يكون قد استرد المسيح لنا صورته وشبهه في البر وقداسة
الحق، وذلك في

الإنسان الجديد الذي خلقه الله غالباً الخطية، بل ولا يستطيع أيضاً أن يخطئ لأنه
من طبيعة جسد القيامة: “كل مَنْ هو مولود من الله (بسر المعمودية) لا يفعل
خطية، لأن زرعه يثبُتُ فيه (متَّحد بالمسيح)، ولا يستطيع أن يُخطئ لأنه مولود
من الله (من طبيعة المسيح القائمة من بين الأموات)” (1يو 9: 3)

هكذا
تأهَّل الإنسان رسمياً لميراث الله في الحياة الأبدية بالتبنِّي لضمان الاتحاد
بالمسيح ابن الله: “الروح نفسه أيضاً يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله. فإن
كنَّا أولاداً فإننا ورثة أيضاً، ورثة الله ووارثون مع المسيح” (رو 16: 8و17)

منهج
الإنسان الجديد الذي وضعه المسيح ليحيا به كل إنسان

في
الحياة الحاضرة ويرث به ملكوت الله:

المحبة:

تغليب المحبة على المنفعة الذاتية.

تغليب المحبة على حقوقي الخاصة: راحة / كرامة /
رزق / مستقبل.


تغليب المحبة على انحياز الفكر والضمير نحو الأصول والواجب دون المحبة.

تغليب المحبة على الخوف الذي يعترض عمل المحبة
من تهديد بالإساءة أو الضرر.

تغليب المحبة على الخوف من العوز والفقر والمرض
والموت.

إنكار
الذات:

تسليم الحياة برمتها ليدبِّرها المسيح دون همٍّ
أو قلق.

السير وراء المسيح بطاعة مذعنة دون تفكير إلاَّ
في كيفية إرضائه.

قبول كل ما يأتي عليَّ من ضيقات واضطهادات
وأمراض وأحزان بسكون، ليكمِّل بها الله إرادته ومشيئته في حياتي، دون سؤال ولا
شكوى ولا تذمُّر إنما بصبر وشكر.


اتِّباع
الرب:

السير وراء المسيح بطاعة مذعنة واتِّباع طرقه: في
الصلاة، في السهر طول الليل، في الصوم، في خدمة الفقراء والخطاة، في احتمال الظلم،
في معاملة الأعداء، في السير نحو الصليب بثبات وهدوء وشجاعة؛ باعتبار أنه “إن
كنَّا قد مُتنا معه فسنحيا أيضاً معه” (2تي 11: 2)، فلا خوف ولا خسارة في
الموت.

ختام:

منهج
الإنسان الجديد كخليقة سماوية تحيا ملتصقة بالمسيح على رجاء الحياة الأبدية لا
يختلف إن كان الإنسان راهباً، أو كاهناً، أو موظفاً، أو تاجراً، أو صاحب أعمال، أو
جندياً، أو عاملاً، أو عبداً مسخَّراً، أو ملكاً.

وفي
النهاية نود لو نثبِّت قلب القارئ وإيمانه، أنه بحسب كل ما سجَّلناه من حقائق لا
يستطيع تعليم ما، قديماً كان أو جديداً، أن يقنعنا لكي ننكر أو نحتقر طبيعة الإنسان
الجديد الذي خلقه المسيح فينا لنحيا به ونرث الملكوت؛ هذه الطبيعة التي ورثناها
منه بقيامته من بين الأموات في “البر وقداسة الحق” فهي ليست صفات ولا
مواهب ممنوحة بل طبيعة مخلوقة: “الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في
البر وقداسة الحق” (أف 24: 4)، وهي تتحقَّق فينا بأن يتصوَّر المسيح نفسه في
أعضائنا: “يا أولادي الذي أتمخَّض بكم أيضاً إلى أن يتصوَّر المسيح
فيكم” (غل 19: 4)

(يناير
1997)



اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى