علم

حياة بوليكاربوس



حياة بوليكاربوس

حياة
بوليكاربوس

الشهيدان
أغناطيوس الأنطاكى وبوليكربس

(القرن
الثانى الميلادى)

القمص
تادرس يعقوب ملطى

كاهن
بكنيسة مارجرجس باسبورتنج

 

بوليكربس
في صباه

ولد
بوليكربس حوالي سنة 70م وتنصر في صباه، ويروي عنه كلارك
C. P. S Clarke القصة التالية:


كانت هناك سيدة تقية، له أعمال صالحة تدعى ” كالستو
Callisto
“، ظهر لها ملاك من الله 454في أحد الليالي وقال لها في حلم ” كاليستو.
إستيقظي وإذهبي إلي بوابة الأفسين
Ephesian، وعندما تسيري قليلاً ستلتقين برجلين معهما ولد صغير يدعى ”
بوليكربس “، إسأليهما إن كان هذا الولد للبيع. وعندما يجيبانك بالأيجاب إدفعي
لهما الثمن المطلوب، وخذي الصبي وإحتفظي به عندك. إنه طفل شرقي… “.

أطاعت
كاليستو الرؤيا فوجدت كل ما قيل لها عنه في الرؤيا، فاشترت بوليكربس وأودعته
منزلها، وعندما نمى جعلته مدبراً لممتلكاتها.

حدث
مرة أنها سافرت لأمر ما، فجعلت بوليكربس أميناً على مخازنها. فالتفت حوله الأيتام
والأرامل والمحتاجون، كل يطلب إحتياجه. وإذا كان بوليكربس ينفذ الوصية ” من
سألك إعطه” بإيمان وفي حرفية، أفرغ كل المخازن على المحتاجين. فلما عادت
كاليستو أخبرها العبد زميله بما فعله بوليكربس فأستدعته وطلبت منه مفاتيح المخازن،
فلما فتحت المخازن وجدتها مملوءة كما كانت. فأمرت بعقاب العبد الذي وشى ببوليكربس.
لكن للحال طلب بوليكربس من السيدة أن تعفو عنه، معترفاً لها بحقيقة الأمر، أنه
أفرغ جميع المخازن في عطائه للفقراء. فأندهشت كاليستو من هذه المعجزة حتى تبنت
بوليكربس ليرث ممتلكاتها بعد وفاتها.

وإذ
كان بوليكربس مسيحياً مؤمناً، لم تؤثر الثروة الطائلة على محبته لله وإيمانه.

ومن
أعماله الطيبة التي أوردها عنه كلارك أنه كان يذهب إلي الطريق الذي يعود منه حاملي
الحطب من الضواحي، فكان يختار أكبرهم سناً ويشتري منه الحطب ويحمله بنفسه إلي
أرملة فقيرة.

 

بوليكربس
الكاهن

يذكر
كلارك أيضاً بأن بوكوليس
Bucolus أسقف سميرنا رسمه شماساً، فقام بالتبشير بالمسيحية بالكلام (الوعظ
والتبشير) والقدوة الطيبة، مواجهاً الأمم واليهود والهراطقة. ثم رسمه كاهناً وقد
شهد عنه الأسقف قائلاً بأنه يدرك أن بوليكربس ممتاز جداً حتى يليقأن يكون مشيراً
له ومشارك له في التعليم.

وقد
رسم بوليكربس وهو صغير السن، رغم أن درجات الكهنوت لم تكن تعطى إلا لكبار السن.

بوليكربس
أسقف سميرنا

جاء
في الكتاب الثالث ضد الهراطقة للقديس أيريناوس الشهيد أسقف ليون تلميذ القديس
بوليكربس ما يلي ” وأما بوليكربس أيضاً ليس فقط قد تعلم بواسطة الرسل، في
آسيا أقيم أسقفاً في سميرنا. هذا الذي رأيته أيضاً في صغري “.

والذي
أقام بوليكربس أسقفاً هو يوحنا الحبيب قبل أن ينفى إلي جزيرة بطمس كقول ترتليان.

قد
ذهب البعض إلي أن ما جاء في سفر الرؤيا بخصوص ملاك كنيسة سميرنا، يقصد به
بوليكربس، وهو الوحيد بين الأساقفة السبعة الذي وجده السيد المسيح باراً خالياً من
كل عيب أو لوم إذ خاطبه قائلاً ” وأكتب إلي ملاك كنيسة سميرنا. هذا يقوله
الأول والآخر الذي كان ميتاً فعاش. أنا عارف أعمالك وضيقتك وفقرك. مع أنك غني.
وتجديف القائلين أنهم يهود وليسوا يهوداً بل هم مجمع الشيطان. لا تخف البته مما
أنت عتيد أن تتألم به. هوذا إبليس مزمع أن يلقي بعضاً منكم في السجن لكي تجربوا
ويكون لكم ضيق عشرة أيام. كن أميناً إلي الموت فسأعطيك أكليل الحياة ” رؤ 2:
8 – 10. وفعلاً إضطهده الوثنيون والهراطقة والإخوة الكذبة.

وقدشهد
عنه تلميذه القديس ايريناوس في خطابه إلي
Vlorlnus قائلاً ” إنه
إلي الآن لم يزل ثابتاً في مخيلتي نوع الاحتشام والرصانة التي كان متضعاً بها
القديس بوليكربس مع إحترام هيئته ووقار طلعته وقداسة سيرته وتلك الارشادات الإلهية
التي كان يعلمها لرعيته. وبأبلغ من ذلك كأني أسمع حتى الآن الفاظه التي كان يخبر
بها مفصلاً عن المخاطبات التي حدثت بينه وبين القديس يوحنا الأنجيلي وغيره من
القديسين الذين شاهدوا يسوع المسيح على الأرض وترددوا معه وعن الحقائق التي أخزها
عنهم وتعلمها منهم “.

 

بوليكربس
ومرقيون

مرقيون
المبتدع

مرقيون
إبن أسقف سينوب. تأثر مرقيون بالغنوسية التي تنادي بمبادئ خطيرة أهمها أن الشر له
مبدأ غير الله، إذ لا يمكن أن يكون الله الخير الأعظم مصدراً للشر, ومبدأ الشر هو
إله الشر والآخر إله الخير. والمادة هي شر.

إعتنق
مرقيون هه المبادئ كغيره من الذين مزجوا المبادئ الغنوصية في المسيحية محاولين أن
يجدوا في المسيحية ما يثبت صحة مبادئهم. فلما أدرك والده أن مرقيون يبشر بمسيحية
غنوصية (أن جاز التعبير) غضب عليه وقطعه من شركة الكنيسة. فخرج من سينوب وجال يبشر
بمبادئه في آسيا الصغرى.

وفيما
يلي أهم المبادئ التي أعتنقها مرقيون: –

1-
يوجد ثلاث مبادئ (علل أولى)، الأول طاهر جداً. والثاني ردئ جداً هو إله الشر,
والثالث متوسط بينهما هوالمهندس الأعظم الخالق للعالم المادي، هذا الذي تحدث عنه
العهد القديم وعبده الشعب اليهودي.

2-
إله العهد القديم خالق للمادة، والمادة شر, فهو أدنى من إله المسيحين ومستقل عنه
رغم أزليته وكونه خالق غير مخلوق.

 إله
العهد القديم إله الخليقة والناموس، والثاني إله الرحمة. فلا يمكن إختيار الأثنين
معاً، فأما أن نختار محبة المسيح اللانهائية أو عدالة إله الخليقة العادل القاسي.

3-
كانت هناك حرب دائمة بين إله الشر والإله الخالق لأن كل منهما يريد أن يعبد في
العالم. فأرسل الإله الطاهر الصالح المسيح لابساً هيئة الجسد، دون أن يأخذ جسداً
حقيقياً، حتى يخرب مملكتي الإله الخالق والذي يتعبد له اليهود وإله الشر الذي
يتعبد له الأمم عبدة الأوثان.

4-
بما أن العالم المادي كله شر وليس للمخلص أي صلة بإله الخليقة، لذلك فأن المخلص
لبس هيئة جسد خيالية، فهو لم يكن بشراً ولم يولد لكن شبه لهم في كنيس كفرناحوم
أولاً في السنة الخامسة عشر لحكم طيباريوس قيصر ثم في سائر الجليل واليهودية
والسامرة.

5-
حاول أن يثبت معتقداته من الكتاب المقدس، لذلك رفض العهد القديم لأنه يتحدث عن إله
الخليقة العادل كما رفض النبوات الواردة فيه.

 أما
العهد الجديد فقد وجد فى مقارنة بولس الرسول بين الجسد والروح (رو8: 22- 25،
1كو15: 50) وحديثه عن المسيح الفائز على الرئاسات والسلاطين الذين هم ” ولاة العالم
على ظلمة هذا الدهر ” كو2: 15، أف 6: 12… وغيرها مما يحسب أنه بذلك يستطيع
إثبات مذهبه فى خيالية تجسد المسيح.. ؛ لهذا السبب نادى بان الرسل لم يستطيعوا فهم
تعاليم المسيح فهماً صحيحاً فأرسل بولس الرسول ليصحح تعاليمهم.

 ولهذا
السبب أعتمد على أنجيل لوقا أيضاً، وقد أضاف أتباعه الى انجيل لوقا ورسائل بولس
الرسول رسالة مرقيون فى التناقض بين التوراة والأنجيل فكان لهم كتاب مقدس خاص بهم
شاع أستعماله فى كنائسهم.

6-
يرى مرقيون أن ما جاء فى رسائل بولس الرسول عن إله الخليقة مدسوس وليس حقيقى.

 7-
الخلاص مقدم لخاصة معينة وليس للجميع.

 8-
تحريم الزواج مع التنسك الزائد فى المأكولات والمشروبات.

 9-
يسمح بإعادة المعمودية لمن أخطاؤا.

موقف
بوليكربس منه

كشف
لنا تلميذه إيريناوس عن جهاده ضد الهراطقة وبخاصة مرقيون، وفيما يلى بعض أقواله
التى ذكرها يوسابيوس القيصرى (ك 4، ف 14).


ويشهد لهذه الأمور كل كنائس أسيا، ويشهد أيضا أولئك الذين الى عصرنا هذا خلفوا
بوليكربس الذى كان شاهداً للحق أكثر أمانة وأخلاصاً من فالنتينوس ومرقيون
وسائرالهراطقة…

وحول
كثيرين من المضلين السابق ذكرهم الى كنيسة الله. معلناً أنه تسلم من الرسل هذه
الطريقة الواحدة الوحيدة الحق الذى سلمته الكنيسة.

و
هناك من سمعوا منه أن يوحنا تلميذ الرب، إذ أراد الأستحمام فى أفسس ورأى كيرنثوس
داخل الحمام، وغادره فى الحال دون أن يستحم صارخاً. لنهرب لئلا يسقط الحمام لأن
كيرنثوس عدو الحق بداخله.

وبوليكربس
نفسه إذ رآه مرة مرقيون وقال له: أتعرفنا؟ أجاب أنا أعرفك أول مواليد (بكر)
الشيطان.

هكذا
كان حرص الرسل وتلاميذهم، حتى أنهم كانوا يرفضون مجرد الحديث مع من لا يقبلون
الحق. كما قال بولس أيضاً (تى 3: 10، 11): الرجل المبتدع بعد الإنذارمرة ومرتين
أعرض عنه، عالماً أن مثل هذا قد أنحرف وهو يخطئ محكوماً عليه من نفسه.

ومن
أقوال تلميذه إيريناوس ” إن غيرة القديس بوليكربس على حفظ نقاوة التعليم
الإنجيلى كانت بهذا المقدار متقدة، حتى أنه كان حين يتفق له أن يسمع بعض كلمات
مضادة للحقيقة كان يسد أذنيه ويهرب من المكان قائلاً ” أواه يا إلهى الصالح
على تعاسة الزمان الذى حفظتنى اليه “.

 بوليكربس
فى رومه

يقول
الدكتور أسد رستم ” وأم مرقيون رومه حوالى السنة 140 وكتم غنوسيته ونفح كنيسة
رومه بهبة جليلة وعكف على ” قرض ” انجيل لوقا ورسائل بولس وعلى تصنيف
كتابه فى التوراة والانجيل. ولما تم له ذلك كشف عن وجهه الحقيقى ودعا الى أرائه،
فألتفت حوله عدد من المسيحين، فطردته الكنيسة وطرحت هبته.

وأغتنم
القديس بوليكاربوس فرصة وجوده فى روما فى السنة 154 فأنقذ من الضلال عدداً من
أتباع مرقيون. وحكى ان مرقيون ندم وإرتضى بما إشترطته الكنيسة عليه ولكنه توفى قبل
أن يفعل. ولا نعلم سنة وفاته بالضبط.

 

بوليكربس
الشهيد

لما
شرع مرقس اوريليوس فى أضطهاد المسيحين، صب والى آسيا جامات غضبه عليهم، فأحتمل
مسيحيو سميرنا الكثير من أجل الإيمان. فحنق الوثنيون على القديس بوليكاربوس لعلمهم
أنه هو الذى يشددهم، فصرخوا فى أجتماعه قائلين” ليبعد المنافقون، ويقبض على
بوليكاربوس “

فعزم
الوالى على القبض عليه. أما هو فلم يبالى بذلك، غير أن المؤمنين طلبوا منه
الأختفاء الى فترة ما. فلما ألحوا عليه وافق على ذلك، فأختفى عدة أيام فى منزل
خارج المدينة مواظباً على الصلاة والتضرع من أجل رعيته.

وقبل
القبض عليه بثلاثة أيام أنبأه الرب برؤيا فى حلم، إذ الوسادة التى كان راقداً
عليها ملتهبة ناراً، فأنتبه من رقاده وفهم ما تدل عليه. فجمع أصدقاءه وقال لهم
بوجه باش ” إعتقدوا ياإخوتى إنى عما قليل أحترق حياً من أجل سيدنا يسوع.
فليكن مخلصى الجزيل العذوبة مباركاً وممجداّ فقد أهلنى لأن أموت شهيداً “.

فى
نفس الوقت كان الوثنيون يفتشون عنه لكى يقتلوه قبل نهاية العيد الذى كانوا محتفلين
به، وحال خروجه من المكان الأول وصل إليه الجنود وإذ لم يجدوه قبضوا على ولدين من
أبناء ذلك المكان، فضربوا أحدهم ضرباً مبرحاً حتى أجبروه على أن يخبرهم عن المكان
الذى كان بوليكربس مختبئاً فيه. فدخل الجنود المنزل وقد كان قادراً على الهروب،
لكنه أبى ذلك. بل رفع عيناه الى السماء وهتف قائلاً ” لتكن مشيئتك يا رب فى
كل شئ ” ثم قدم نفسه للجند وأعد لهم غذاء وطلب منهم أن يهلوه ساعة واحدة يصلى
فيها.

تعجب
الجند من هيبته ووداعته وبشاشته وعذوبة حديثه حتى قال أحدهم ” لماذا هذا
الأجتهاد البليغ فى طلب موت هذا الشيخ المحترم؟ “.

فطلب
منه الجند أن يخرج معهم، ثم أركبوه جحشاً، وفى الطريق وجدهم هيرودس أحد أكابر
الدولة مع أبيه نيكيتاش فأركبه فى مركبته، وشرع الأثنان يقولان له ” أنك قد
شخت وليس لك قدره على إحتمال العذاب، فالأجدر بك ان تدعو قيصر سيداً وتقرب الضحية
لتخلص بحياتك من هذا الموت المهين “. أما القديس فتظاهر كأنه لم يسمع
كلامهما، ولم يجبهما بكلمة. وإذ ألحا عليه قال ” إننى لا أستطيع أن أصنع ما
تشيران به علي.وهكذا لا السجن ولا الجوع ولا أى صنف أخر من العذاب، بل ولا الموت
نفسه يمكن أن يجعلنى أنفذ طلبكم ” فأغتاظا منه جداً فأهناه وشتماه وطرحاه من
المركبة بعنف فسقطا على الأرض وجرحت ساقه جرحاً خطيراً.

فركب
الجحش مزدرياً بالأهانة والألم مكملاً سيره مهللا, حتى بلغ مكان الأستعراض المعد لقتله،
حيث كان الوالى ينتظره مع جمهور كثير من الوثنين.

وقد
قيل عنه أنه لما بلغ هذا المكان سمع صوتاً يناديه ” ليتشدد قلبك يابوليكربس
وباشر أمر الله بشجاعة “. وقد سمع كثيرون ذلك الصوت اما الوثنيون فأخذوا
يصيحون ويهتفون طالبين قتله.

وإذ
نظره الوالى وقد إنحنى من الشيخوخة وإبيضت لحيته سأله قائلاً “هل أنت
بوليكاربوس الأسقف ” فأجاب بالإيجاب.

فطلب
منه الوالى أن يرثى لشيخوخته والا سامه العذاب الذى لا يحتمله الشباب، ثم آمره أن
ينادى بهلاك المنافقين وأن يحلف بحياة قيصر. فتنهد القديس قائلاً ” نعم ليهلك
المنافقون “.

فأنذهل
الوالي وقال إذن فأحلف بحياة قيصر وإلعن المسيح وأنا أطلقك “.


لقد مضى ستة وثمانون عاماً أخدم فيها المسيح،وشراً لم يفعل معي قط،بل أقتبل منه كل
يوم نعماً جديدة. فكيف أهين حافظي والمحسن إليَ، وكيف أغيظ مخلصي وإلهي والقاضي
الأعلى العتيد أن يكافئ الأخيار وينتقم من الأشرار المنافقين.


إعلم أنك إن لم تطع أمري فستحرق حياًوتطرح فريسة للوحوش.


إني لا أخاف النار التي تحرق الجسد، بل تلك النار الدائمة التي تحرق النفس. وأما
ما توعدتني به من أنك تطرحني للوحوش المفترسة فهذا أيضاً لا أبالي به. إحضر الوحوش
وأضرم النار فها أنا مستعد للحريق والإفتراس.


ينبغي أن ترضي الشعب.


ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس… (وختم حديثه قائلاً): ماذا تنتظرون. إسرعوا
بأنجاز ما تريدون. قال ذلك بشجاعة ووجهه يشع نوراً حتى أنذهل الوالي عندما تفرس
فيه.

وبحسب
العادة هتف مناد قائلاً ” أن بوليكربس قد إعترف بكونه مسيحياً ” فصرخ
الجمع بصوت عظيم قائلاً ” هذا هو معلم أقاليم آسيا. هذا هو أبن المسيحين. هذا
هو المبيد لآلهتنا. لتفترسه الوحوش “.

فأعلن
الوالي بأن أيام العيد التي يسمح فيها بأطلاق الوحوش في الأستعراضات قد انتهت.
فاتفق الجميع على حرقه بالنار.

أسرع
الوثنيون وجمعوا الحطب والأخشاب ليضرموا نار شديدة في ميدان الألعاب. وبينما هم
يستعدون لإشعال النار كان القديس بوليكربس يخلع ثيابه استعدادا للحريق ولما حاولوا
تسميرة على خشبة حتى لا يتحرك من شدة العذاب، قال لهم ” إتركوني هكذا فان
الذي وهبني قوة لكي أحتمل شدة حريق النار، هو نفسه يجعلني ألبث فيها بهدوء بدون
الحاجة الي مساميركم “.

فأوثقوا
يديه وراء ظهره وحملوه واضعين إياه على الأحطاب كما لو كان ذبيحة على المذبح. وكان
يصلي للرب شاكراً إياه الذي سمح له أن يموت شهيداً، قائلاً:


أيها الآب الأزلي أقبل ما أعطيتني من الحياة ذبيحة لعزتك. أنت رب العالمين وآن
لسيدي يسوع المسيح الذي به عرفناك لأنه أحبنا حتى الموت موت الصليب. وبه أقدم لك
نفسي معترفاً بايمانه تمجيداً لأسمك الكريم وأشكرك من كل قلبي على أنك احصيتني مع
الشهداء القديسين وأشركتني في شرب كأس آلام إبنك الوحيد. فأحمدكوأمجدك وأباركك أنت
وذلك الإبن الأزلي الذي يحيا ويملك معك ومع الروح القدس إلى دهر الداهرين آمين
“.

وإذ
إنتهى من صلاته تقدم إليه الجنود وأوقدوا النار من كل جهة، فصعد اللهيب وأحاط به،
لكن لم يمسه شئ بل فاحت رائحة بخور ذكية تخرج من النار. فلما عاين الوثنيون ذلك
تقدم أحدهم وطعنه بآلة حادة، فتدفقت دماؤه بغزارة وأطفأت النار, وبذلك انتلقت روحه
الطاهرة في 25 نيسان 166 م.

 

رسالة
القديس بوليكربس

مقدمة
عن الرسالة

تحقيق
صحتها

 ليس
هناك داع للتسائل عن صحة الرسالة (رسالته إلى فيلبي)، فهي مدعمة بالحجج القوية
والبراهين الخارجية القوية والقرائن الثابتة على صحتها. فقد كتب أيريناوس تلميذه
في

Adv. Har 3,3

بأنه
توجد رسالة كافية جداً كتبها القديس بوليكربس إلى أهل فيلبي، يستطيع من يرغب أن
يجني منها معرفة ملامح إيمانه. وقد أورد يوسابيوس المؤرخ هذه العبارة في كتابه
” تاريخ الكنيسة ” كما أشار إليها كانتاج غير مشكوك فيه لبوليكربس.
وهناك كثير من الشهادات القديمة في هذا الصدد.

وقد
إتفق أغلب علماء العصر الحديث على صحة هذه الرسالة. ويصعب أن يوجد ما يبرر تزوير
هذه الرسالة، وإن كان البعض يرى بأن الأصحاح الثالث عشر منها دخيل عليها.

تاريخها

يصعب
تحديد تاريخ الرسالة بالضبط لكنها هي من إنتاج القرن الثاني الميلادي.

مميزاتها

رسالة
بوليكربس إلى أهل فيلبي لها أهمية كبيرة، فهي تكشف لنا عن حالة الكنيسة البكر في
أوربا، والتي كانت عزيزة على بولس الرسول.

تمتاز
بأنها غزيرة من جهة الحكمة العملية، مقتبساً الكثير من نصوص الكتاب المقدس.

إنها
تعكس لنا روح القديس يوحنا في وداعته كالحمل وملامح الهدوء. فقد كان محباً كما كان
يوحنا، وقد إنعكس صوت ” ابن الرعد ” على بوليكربس في توبيخاته للمقدسين
في الإيمان والاخلاقيات.

لقد
كتب مثل يوحنا الحبيب رغم إتفاقه الكامل مع أغنية بولس الرسول الخاصة بالمحبة
المسيحية.

 

نص
الرسالة

المقدمة

بوليكربس
والقسوس الين معه إلى كنيسة الله المتغربة في فيلبي.

لنكثر
لكم الرحمة والسلام من الله القادر على كل شئ ومن مخلصنا الرب يسوع المسيح.

 

الأصحاح
الأول

مدح
أهل فيلبي

لقد
فرحت بكم كثيراً في ربنا يسوع المسيح لأنكم أتبعتم مثل المحبة الحقيقية (كما
أظهرها الله) ورافقتم – كما يحق لكم – أولئك القديسين الذين أوثقوا بسلاسل هي حلي
(زينة) تليق بالقديسين, بل هي في الحقيقة أكاليل للمختارين حقاً من الله وربنا

وإذ
أساس إيمانكم القوي المشهود به لكم منذ الأيام القديمة الماضية لا يزال ثابتاً حتى
الآن ويأتي بثمار لربنا يسوع المسيح الذي من أجل خطايانا تألم حتى الموت ”
ولكن الذي أقامه الله ناقضاً أوجاع الموت ” ” الذي وأن لم تروه تحبونه
ذلك وإن كنتم لا ترونه الآن لكن تؤمنون به فتبتهجون بفرح لا ينطق به ومجيد ”
هذا الذي يشتهي الكثيرون أن يتمتعوا بفرحه، عالمين أنكم


بالنعمة مخلصون.. ليس من أعمال ” ولكن بأرادة الله في يسوع المسيح.

 

الأصحاح
الثاني

حثه
على الفضيلة


لذلك منطقوا أحقاءكم ” ” اعبدوا الرب بخوف ” وحق، مثل أولئك الذين
تركوا الباطل والحديث الفارغ وخطأ العالم (الجمهور) ” وآمنوا بالذي أقام ربنا
يسوع المسيح من الأموات وأعطاه مجداً ” وعرشاً عن يمينه، فيخضع له كل ما في
السماء وعلى الأرض، الذي تعبده كل روح إنه يأتي كديان الأحياء والأموات، فيطلب
الله دمه من الذين لا يؤمنوا به. ولكن الذي أقامه من الأموات سيقيمنا نحن أيضاً،
إن صنعنا مشيئته، وسلكنا في وصاياه وأحببنا ما أحبه، وإبتعدنا عن كل إثم وحسد
ومحبة مال وكلام شرير وشهادة زور ” غير مجازين عن شر بشر أو عن شتيمة بشتيمة
” أو عن ضربة بضربة أو عن لعنة بلعنة بل متذكرين قول الرب في تعليمه: –

 ”
لا تدينوا كي لا تدانوا “.


اغفروا يغفر لكم “.


ارحموا ترحموا “.


بالكيل الذي به تكيلون يكال لكم “.

وعلاوة
على ذلك ” طوبى للمساكين وللمطروحين من أجل البر لأن لهم ملكوت السموات
“.

 

الأصحاح
الثالث

عدم
استحقاق

أكتب
إليكم إيها الأخوة هذه الأمور الخاصة بالبر، لا لأنني أدعي شيئاً منها لنفسي، بل
لأنكم أنتم دعوتموني لذلك. لأنه لست أنا ولا أي واحد مثلي يستطيع أن يصل إلى حكمة
بولس الطوباوي الممجد. فأنه عندما كان بينكم علم بكلمة الحق – بدقة وثبات – في
حضرة أولئك الذين كانوا عنده أحياء. وإذ كان غائباً عنكم كتب لكم رسالة تلك التي
إن درستموها بدقة وجدتم أنها وسيلة لبنائكم في ذلك الإيمان الذي سلم إليكم, الذي
أن تبعه الرجاء وتقدمة المحبة لله والمسيح وإقربائنا, يكون أمالنا جميعاً. لأنه إن
أستطاع أحد أن ينال في داخله هذه النعم فقد أتم ناموس البر طالما من له محبة يكون
بعيداً عن كل خطية.

 

الأصحاح
الرابع

مواعظ
متعددة


لأن محبة المال أصل كل الشرور ” عالمين لذلك أننا كما ” لم ندخل العالم
بشئ وواضح أنهنا لا نقدر أن نخرج منه بشئ “. فليتنا نلبس سلاح البر ونعلم
أنفسنا أولاً أن نسلك في وصايا الرب.

بعد
ذلك علموا زوجاتكم أن يسلكن في الإيمان المسلم لهن وفي المحبة والطهارة، وأن يملن
أزواجهن في كل حق، وأن يكن محبات للجميع (الآخرين) بالتساوي، في كل عفة.

وليدربن
أطفالهن في معرفة الله وخوفه.

علموا
الأرامل أن يكن رزينات كما يحق للإيمان بالرب، مصليات بلا إنقطاع لأجل الجميع،
مبتعدات عن كل نميمة وكلام شرير وشهادة زور ومحبة مال وكل نوع من أنواع الشر،
عالمات أنهن هياكل الله الذي يدرك كل الأشياء بوضوح ولا يخفى عنه شئ سواء أكانت
أفكار أم تأملات أم سر من أسرار القلب.

 

الأصحاح
الخامس

واجبات
الشمامسة والشبان والعذارى

عالمين
إذن أن ” الله لا يشمخ عليه “. فينبغي علينا أن نسير كما يحق بوصيته
ومجده.

كذلك
ينبغي على الشمامسة أن يكونوا بلا لوم أمام وجه بر الله، كخدام لله والمسيح وليس
للناس.

ينبغي
ألا يكونوا مفترين على أحد، ذوي لسانين أو محبين للمال، بل في كل شئ معتدلين،
رحومين، عاملين، سالكين بحسب حق الرب الذي كان خادماً للجميع.

إن
كنا نفرح الرب في هذا العالم الحاضر، فسنأخذ أيضاً العالم الآتي، كوعده لنا بأنه
سيقيمنا من الموت. وأن عشنا كما يحق له، فسنملك معه وليس علينا إلا أن نؤمن.

وهكذا
ليكن الشبان بلا عيب في كل شئ، معطين أهتماماً خاصاً بحفظ الطهارة، حافظين أنفسهم
كما بلجام من أنواع الشر. جيد بهم أن ينقطعوا عن الشهوات التي في العالم، لأن كل
شهوة ” تحارب النفس “. إذ ” لا زناة ولا فاسقون ولا مضاجعوا ذكور
يرثون ملكوت الله “، ولا الذين يصنعون الأمور غير اللائقة والشريرة.

لذلك
هناك حاجة أن يمنعوا أنفسهم عن كل هذه الأمور، خاضعين للقسوس والشمامسة كما لله
والمسيح.

ينبغي
أيضاً على العذارى أن يسلكن بلا لوم وبصبر طاهر.

 

الأصحاح
السادس

واجبات
القسوس وآخرين

ينبغي
أن يكون القسوسعطوفين ورحماء على الجميع، فيردوا الذين ضلوا ويزوروا كل المرضى،
ولا يهملون الأرملة واليتيم والفقير، بل دائماً ” معتنين بأمور حسنة قدام
الرب والناس “، ممتنعين عن كل غضب، غير معطين كرامات للناس أو صادرين حكماً
ظالماً، هاربين من كل حسد، غير متعجلين في الحكم بشر – على أحد، غير قاسين في
الحكم، عالمين أننا جميعاً مدينين بالخطية.

إذن
أن كنا نطلب من الرب أن يغفر لنا، ينبغي علينا أن نغفر نحن لأننا أمام أعين ربنا
إلهنا ” وسوف أمام كرسي المسيح.. كل واحد منا سيعطي عن نفسه حساباً ”
فلنخدم الرب في خوف وبكل وقار، كما أوصانا هو، وكما علمنا الرسل الذين بشرونا
باأنجيل، وكما علمنا الأنبياء الذين تنبؤا بمجئ الرب.

لتكن
فينا غيرة في إقتفاء آثار ما هو صالح ” حافظين أنفسنا من أسباب المعصية، ومن
الإخوة الكذبة، ومن أولئك الذين يحملون اسم الرب برياء، جاذبين الناس الباطلين إلى
الخطأ.

 

الأصحاح
السابع

النعم
المتنوعة

كل
روح لا يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فليس من الله (ضد المسيح) ومن لا
يعترف بموت الصليب فهو من الشرير. ومن يحرف أقوال الله لأجل شهواته، أنه ليس قيامة
ولا دينونة يكون بكراً للشيطان.

وهكذا
إذ نترك غرور الكثيرين وتعاليمهم الفاسدة، ليتنا نعود إلى الكلمات التي تسلمناها
منذ البداية ” أصحوا للصلوات “، إحفظوا الأصوام، مقدمين إبتهالاتناً إلى
الله الذي يرى كل شئ، حتى لا ندخل في تجربة، كما يقول الرب ” أما الروح فنشيط
وأما الجسد فضعيف “.

 

الأصحاح
الثامن

ثابروا
على الرجاء والصبر

ليتنا
إذن نجاعد في رجائنا وإشتياقنا للحصول على برنا،الذي هو يسوع المسيح ” الذي
حمل خطايانا في جسده على الخشبة ” ” الذي لم يفعل خطية ولا وجد في فمه
مكر ” بل إحتمل كل شئ لأجلنا، لكي نحيا فيه.

لتمتثل
بصبره، وإن تألمنا لأجل أسمه فلنمجده. لأنه ترك لنا مثالاً في نفسه. ونحن نعتقد
بأنه هكذا يكون.

 

الأصحاح
التاسع

إقتناء
الأحتمال

لذلك
أشير عليكم،أن تخضعوا الطاعة لحكمة البر، وأن تتدربوا على كل أنواع الأحتمال، كما
رأيتم أمام أعينكم، ليس فقط الأحتمال في حالة أغناطيوس الطوباوي وسوزيموس ورفيوس
بل وأيضاً مع آخرين بينكم، وكما رأيتم في بولس نفسه وبقية الرسل.

إصنعوا
هكذا متيقنين أن كل هؤلاء لم يسعوا باطلاً، بل في إيمان وبر، وها هم الآن في مكان
لائق، في حضرة الرب الذي تألموا معه. فإنهم لم يحبوا هذا العالم الحاضر بل ذاك
الذي مات من أجلنا وأقامه الله من الموت لأجلنا.

 

الأصحاح
العاشر

نصائح
خاصة بممارسة الفضيلة

أثبتوا
إذن في هذه الأمور وأقتفوا أثر الرب، ثابتين في الإيمان غير متقلبين، محبين
للأخوة، ملتصقين بعضكم ببعض، متحدين معاً في الحق، مظهرين وداعة الرب في معاملتكم
لبعضكم بعض، غير مزدرين بأحد.

متى
كان في استطاعتكم فعل الخير لا تمتنعوا عنه، لأن ” الصدقة تنجي من الموت
“.

اخضعوا
بعضكم لبعض، ولا تكن سيرتكم معيبة بين الأمم فيمدحوا أعمالكم الحسنة ولا يجدف على
الرب بسببكم. فالويل لمن يجدف على أسم الرب بسببه!.

لذلك
علموا بالعفة للكل وأعلنوها أيضاً في سلوككم.

 

الأصحاح
الحادي عشر

حزن
بسبب فالنز وزوجته

إنني
حزين جداً على فالنزالذي كان قساً بينكم لأنه لم يكن يفهم مقدار المكانة التي
أعطيت له (في الكنيسة). لذلك أنصحكم أن تمتنعوا عن الطمع وأن تكونوا طاهرين
وصادقين.


إمتنعوا عن كل شبه شر” لأنه لم يستطيع الإنسان أن يحكم نفسه في مثل هذه
الأمور، كيف يستطيع أن يوصي الآخرين بذلك؟ إن لم يستطع الإنسان أن يقمع نفسه عن
الطمع فسيسقط في عبادة الأوثان، ويحكم عليه كوثني، ولكن من منا يجهل دينونة الله؟
” ألسنا نعلم أن القديسين سيدينون العالم ” كما علمنا بولس؟ لكنني لم
أسمع عن مثل هذا بينكم أنتم يا من بشر بولس بينكم ومدحكم في مقدمة رسالته، إذ يفخر
بكم بين جميع الكنائس التي وحدها قد عرفت الرب، بينما نحن (في سميرنا) لم نكن بعد
قد عرفنا الرب.

يا
إخوتي، لهذا فإنني في عمق الحزن، بسبب فالنز وزوجته. ليعطيهما الرب توبة صادقة!
ولنكن نحن معتدلين في هذا (في نظرتنا لهم) فلا نحسبهم كأعداء بل نردهم كأعضاء
متألمة شاردة، حتى يخلص كل الجسد، لأنه بهذا تدينون أنفسكم.

 

الأصحاح
الثاني عشر

بخصوص
النعم المتنوعة

إنني
أثق بأنكم متضلعون في الكتب المقدسة، وليس شئ مخفي عليكم. أما بالنسبة لي فإنني لم
أنل بعد هذه النعمة. فقد أعلن في هذه الكتب المقدسة ” اغضبوا ولا تخطأوا. لا
تغرب الشمس على غيظكم ” فطوبى لمن يتذكر هذه الكلمات التي أظن أنها خاصة
بأمركم.

ليسمح
الله أبو ربنا يسوع المسيح ويسوع المسيح نفسه ابن الله وكاهننا العلي الأبدي، أن
تبنون في الإيمان والحق وفي كل وداعة ورقة وصبر وطول أناة وأحتمال وطهارة، ويهب
لكم نصيباً مع القديسين، كما يهب لنا نحن معكم، ويهب لكل الذين سيؤمنون بربنا يسوع
المسيح وبأبيه الذي ” أقامه من الأموات “.

صلوا
من أجل كل القديسين. صلوا لأجل الملوك (والرؤساء) والسلاطين والأمراء، صلوا من أجل
كل الذين يضطهدونكم ويبغضونكم ومن أجل أعداء الصليب، حتى تكون ثمرتكم واضحة للجميع
وتكونون كاملين فيه (المسيح).

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى