بدع وهرطقات

التكلم بألسنة



التكلم بألسنة

التكلم
بألسنة

المواهب
المعجزية في ضوء كلمة الله

بقلم
هـ.. ل. هايكوب

تعريب
د. فخري حنا

1989

 

التكلم
بلغات أخرى (ألسنة) دون أن يكون الشخص قد تعلّم هذه اللغات لم يحدث في العهد
القديم. وتوجد نبوة واحدة فقط تشير إلى ذلك في (إش28: 11- 13). ولولا اقتباس
الرسول بولس هذه النبوة في (1كو14: 21) في موضوع التكلم بألسنة لكان من العسير
علينا أن نربطها بهذا الموضوع. ومفهوم الآية يصبح واضحاً من قرينتها. فإن الكهنة
والأنبياء في إسرائيل كانوا قد ضلّوا وابتعدوا عن الرب، ورفضوا الإصغاء إلى تعاليم
الرب الواضحة (إش28: 7- 10) لذلك يتوعدهم الرب بأنه سوف يكلّم هذا الشعب بشفة
لكناء وبلسان آخر أي بلغ عدو أجنبي، لغة غريبة ولسان غير مفهوم، أي لغة أعدائهم
الذين سيستخدمهم الرب في القضاء عليهم. والروح القدس يقتبس هذا الفصل لكي يعطي
إيضاحاً للمؤمنين في كورنثوس بأن الألسنة آية لا للمؤمنين بل لغير المؤمنين (1كو14: 21، 22).

كما
أنه لا يوجد ذكر للتكلم بألسنة في الأناجيل ما عدا في نبوة الرب يسوع في (مر16: 17).
لكن لأن هذه الأقوال تستخدم كذريعة للتكلم بألسنة فسنتأمل فيها قليلاً. في (مر16: 14)
يظهر الرب للأحد عشر ويوبخ عدم إيمانهم وقساوة قلوبهم. ثم في (ع15) يكلفهم بمهمة
التبشير بالإنجيل للخليقة كلها، وفي (ع16) يتكلم عن نتائج هذه الإرسالية بالنسبة
للسامعين من آمن
واعتمد خلص ومن لم يؤمن يُدن
وفي
(ع17) يقول للأحد عشر بمناسبة توبيخه لهم لعدم إيمانهم كما في (ع14) أن الآيات
وضمنها التكلم بألسنة ستتبع الذين يؤمنون، وفي (ع20) يذكر أنهم خرجوا وكرزوا في كل
مكان والرب يتمم وعده ويثبّت الكلام بالآيات التابعة.

ومن
هذا يتضح الآتي:

1-أن
الآيات أعطيت فقط لأجل تثبيت الكلمة (قارن يو2: 23- 25).

2-لم
يذكر أن الآيات تتبع كل المؤمنين.

3-أُعطي
هذا الوعد بالآيات بصفة مباشرة للأحد عشر فقط ومن (ع20) يتضح أنه عند كتابة هذا
الإنجيل كان الوعد قد تم أما هم فخرجوا وكرزوا في كل مكان
والرب يعمل معهم ويثبت الكلام بالآيات التابعة
. وهذا يتفق مع ما جاء في (عب2: 3، 4) حيث يقولكيف ننجو نحن إن أهملنا
خلاصاً هذا مقداره، قد ابتدأ الرب بالتكلم به (بالخلاص) ثم تثبت لنا من الذين
سمعوا شاهداً الله معهم بآيات وعجائب وقوات متنوعة ومواهب الروح القدس حسب إرادته
“.

ومن
(2كو12: 12) يتضح أيضاً أن الآيات كانت برهان إرسالية الرسول (وكان هناك شرط آخر
وهو أن يكون قد رأى الرب وأرسل منه (أع1: 21- 26، 1كو9: 1، 15: 18، 9).

وفي
(أع2) نجد التكلم بألسنة وكيف حدث لأول مرة عندما نزل الروح القدس على الأرض ليعمد
المؤمنين، أولئك الذين كان كل واحد منهم قائماً بذاته، إلى جسد واحد أي الكنيسة
(1كو12: 13) وحتى ذلك اليوم كان الروح القدس عاملاً في العالم لكنه لم يكن ساكناً
إلا في الرب يسوع (يو 3: 34، كو1: 19). والآن قد أتى على الأرض ليسكن في الكنيسة
التي كونها بمعموديته كما ليسكن في كل فرد من المؤمنين أيضاً. فهل يمر حادث مثل
هذا وهو سكنى الله الروح القدس هنا على الأرض دون أن يشعر به أحد؟ فكما أن حادثة
مجيء ابن الله إلى الأرض كانت مصحوبة بآيات: ظهور جمهور من الجند السماوي في نواحي
بيت لحم، وظهور نجم في المشرق، فلا بد أن يكون كذلك عند حضور الروح القدس. لم تكن
تلك الآيات ظاهرة أمام العالم كله لكن أمام مجموعة صغيرة من الناس، ولكن هذه
الحقيقة العظيمة أصبحت واضحة لكل واحد يريد أن يقتنع (يو7: 17).

في
(أع2) لم يأت الروح القدس كحمامة كما حدث عندما اعتمد الرب يسوع من يوحنا المعمدان
ورأى يوحنا السموات قد انفتحت وروح الله نزل واستقر على الرب يسوع فهذا كان
مناسباً للرب يسوع الفريد في وداعته وطهارته مثل الحمام[1]، والذي مضى في طريقه تميزه الوداعة والاستقامة. أما التركيز بصدد
حضور الروح القدس يوم الخمسين فهو على الشهادة لعمل الرب يسوع في الذين آمنوا به: لذلك
ظهرت للتلاميذ ألسنة منقسمة كأنها من نار.

وأود
أن ألفت الانتباه إلى أن الكلمة اليونانية المستخدمة هنا جلوساً
glossa تعني “لغة أو لسان” فمثلاً
نجد هذه الكلمة عينها مستخدمة في رسالة يعقوب بمعنى لسان (يع3: 5). ولكنها تُستخدم
أيضاً بمعنى لغة كما في (1كو13) إن كنت أتكلم بألسنة الناس
والملائكة
وكذلك في (رؤ 5: 9، 7: 9،
10: 11: 11: 9، 13: 7، 14: 6، 17: 15) من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة.
أيضاً نجد نفس هذه الكلمة اليونانية في (أع2: 3) ألسنة منقسمة، كأنها من نار. لكن أيضاً في (ع4) يقول وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى
وكذلك في (ع11) حيث جموع اليهود المتغربين قالوا إننا نسمعهم يتكلمون بألسنتنا بعظائم الله. وهذه الكلمة
glossa هي التي ترد كلما أشير إلى التكلم
بألسنة (أع10: 46، 19: 6، 1كو12و 13و 14). وبجانب هذه الكلمة اليونانية تظهر كلمة
أخرى
dialektos التي لا ترد إلا في سفر الأعمال، وتترجم لغة وتعني
بدقة لهجة
dialect (انظرأع1: 19، 2: 8، 21: 40، 22: 2، 26: 14).

من
هذا يتضح أن الروح القدس ظهر للشهادة على هيئة ألسنة منقسمة كأنها من نار كما سبق وأعلن الرب يسوع في (يو15: 26) قائلاً متى جاء المعزي…
وروح الحق…. فهو يشهد لي. فالشهادة لم
تعد كما كانت قبلاً قاصرة على لسان واحد أو لغة واحدة، لمخاطبة اليهود دون سواهم
(كما حدث مثلاً يوم إعطاء الناموس على جبل سيناء أو يوم أرسل المسيح تلاميذه إلى
خراف بيت إسرائيل الضالة- مت10: 5) ولكن ألسنة منقسمة، لغات عديدة. فإن كلمة خبر
الإنجيل كان يجب أن تذهب إلى شعوب عديدة خارج حدود إسرائيل، إلى كل الشعوب والأمم
والألسنة وبذلك استخدم الروح القدس الألسنة لإزالة الحواجز التي نشأت عن بلبلة في
بابل (تك11: 1- 9) وتخطي هذه العوائق للتبشير بالإنجيل لكل الشعوب (أ2: 7، 8).
والتلاميذ الذين لم يتعلموا أية لغات كما قيل عنهم في (أع4: 13) “عاميين وعديمي العلم”
تكلموا عن عظائم الله لليهود الغرباء بلغاتهم المختلفة وكان كل واحد من اليهود
الغرباء يسمع الشهادة عن الله بلغته التي ولد فيها وهكذا طبع الروح القدس شهادة
التلاميذ بالطابع الإلهي المعجزي وإذ أصغى اليهود بعد ذلك إلى كرازة الرسول بطرس
فقد آمن بالمسيح، وخلص منهم، نحو ثلاثة آلاف نفس.

وكما
رأينا آنفاً أنه علاوة على (أع2) نجد التكلم بألسنة في سفر الأعمال أيضاً في (أع10:
46) و (أع19: 6) فقط. في (اع10) يُذكر عن بعض المؤمنين من الأمم أما في (أع19) فعن
مؤمنين من اليهود كانوا حتى ذلك الوقت تلاميذاً ليوحنا المعمدان ولم يكونوا
مسيحيين.

 ونلاحظ أن
هذه الحالات الثلاث المذكورة في سفر الأعمال كانت مرتبطة ببداية الكنيسة. كما أنه
في كل الحالات الثلاث كان التكلم بألسنة يشمل كل المؤمنين إذ تكلموا جميعاً بألسنة
بدون الصلاة من أجلها.

وفي
الرسائل نجد التكلم بألسنة في (1كو12- 14) فقط حيث نلاحظ ما يأتي:

1-كل
إظهارات الروح، بما في ذلك التكلم بألسنة، تعطى للمنفعة (12: 7).

2-ليس
الجميع يتكلمون بألسنة ولكن الروح أعطى ذلك للبعض منهم فقط (12: 8- 11، 28- 30).

3-التكلم
بألسنة هي آخر المواهب الروحية حسب ترتيب كلمة الله (12: 8- 10، 28- 30) وهذا
الترتيب يصبح واضحاً وجلياً بمراجعة قائمتي المواهب المشار إليها آنفاً. وفي ع28،
29 نجد أن الرسل يُذكروا أولاً.

4-هذه
الأقوال الواردة في 1كو12- 14 تجعلنا نستنتج أبداً أن التكلم بألسنة موهبة باقية.
فإن الرسل وهم المذكورون أولاً كانوا أيضاً في بداية تأسيس الكنيسة فقط. وشروط
الرسول حسبما جاء في 1كو9: 1 (انظر أيضاً أع1: 21، 22) أن يكون قد رأى الرب يسوع
وبذلك لا يمكن قيام رسل بخلاف الذين أقامهم الرب يسوع. وبجانب ذلك يخبرنا الرسول
بولس في (1كو3، أف2، 3) أن الرسل والأنبياء (أنبياء العهد الجديد مثل مرقس ولوقا)
قد وضعوا أساس الكنيسة (كأواني للوحي) وهذا لم يحدث إلا مرة واحدة في الابتداء.

5-موهبة
التكلم بألسنة لم تُعط لتمارس في الكنيسة، بل بالحري كآية لغير المؤمنين (1كو14: 19-
25). وليس لغير المؤمنين بصفة عامة، بل لأولئك الذين يكون بوسعهم أن يفهموها
(1كو14: 23) لأنه في هذه الحالة ستحمل الألسنة معها البرهان على كونها آية لقوة
الله. وهذا في تمام الموافقة مع ما نجده في أعمال 2.

وهكذا
نكون قد توصلنا إلى ما يلي:

أ-أعلن
عن موضوع التكلم بألسنة فقط في (مر16) والغرض منها هو تثبيت كلمة خبر الإنجيل
الكلمة الشفوية التي كرز بها الرسل.

ب-أعطيت
الألسنة في (أع2: 10، 19) مرتبطة بكل وضوح ببدء الكنيسة.

ج-أشير
إليها فقط في (1كو12، 14) بغرض تصحيح أخطاء ممارستها.

د-من
سفر الأعمال ورسالة كورنثوس الأولى نفهم أن الألسنة المستخدمة وقتئذ كانت هي
اللغات التي يتكلم بها سامعو هذه الألسنة. وأن آية التكلم بألسنة لم تُعطَ لتمارس
أساساً في الكنيسة وإن كان قد سُمح بها بقدر محدود بشرط وجود مترجم في الكنيسة.

ه-لا
علاقة مطلقاً بين التكلم بألسنة والامتلاء بالروح. فإذا كان كل ما ورد في الكتاب
عن موهبة التكلم بألسنة يبين أنها ارتبطت ببدء تأسيس الكنيسة، يصبح في منتهى
الأهمية ومن الضروري أن نبحث بتدقيق في ضوء كلمة الله عما يقال بخصوص الألسنة،
خصوصاً وأن الكتاب يعلمنا أن الشيطان وملائكته يغيرون شكلهم إلى شبه ملائكة نور،
وأنهم أيضاً يعملون قوات وآيات وعجائب كاذبة للخداع والتضليل (2تس2: 9، 2أخ18: 21،
أع16: 16).

والتاريخ
أيضاً يؤكد ذلك. فالتكلم بلغات غير مفهومة كان شيئاً معروفاً في العالم الوثني
وكتب عن ذلك أفلاطون الفيلسوف الوثني الذي عاش حوالي سنة 400ق. م. قائلاً أن بض
الأشخاص تكلموا بلغات الشياطين التي كانت تسكن فيهم. وفي العصر الحديث ظهرت بدعة
التكلم بألسنة غير مفهومة على يد إدوارد إيرفنج[2]وأتباعه حوالي سنة 1830
وقد انتهت حركة إيرفنج بنشر وإذاعة تعليم تجديفي عن شخص ربنا يسوع المسيح،
والمورمون[3]يدّعون أنهم يتكلمون
بألسنة.

وليتنا
ننتبه أن الشيطان ليس فقط يأخذ شكل ملاك نور بل أيضاً كثيراً ما يخلط عمله مع
الأمور الحسنة والتي تمارس بواسطة المؤمنين الحقيقيين أنفسهم (قارن مت16: 21- 23)
لكن الأمور الحسنة التي نراها في أية حركة لا تعني أن هذه الحركة كلها حسنة.
وطبعاً إذا وُجد فيها مؤمنون حقيقيون فلا يتوقع أن كل شيء فيها يكون خطأ. ولكن
ليست المسألة هل كل شيء خطأ، بل هل كل شيء حسب المكتوب؟ مثلاً نجد في الجماعات
التي تتكلم بألسنة مكاناً بارزاً للمرأة كأن تتقدم الحركة وتقود الصفوف متجاهلين
كلام الله الواضح في (1تي2: 11- 15) عن صمت المرأة في الكنيسة. وهذه للأسف ظاهرة
مميزة لكل الجماعات المرتدة عن المسيحية والتي تعلّم تعاليم شريرة تمس مجد ربنا
يسوع المسيح الابن الأزلي. مثال ذلك: جماعة العلم المسيحي التي تقودها مسز إدّي (
Mrs Eddy) والثيوصوفية (حركة نشأت في الولايات المتحدة سنة 1875 وبنيت على
أساس من التعاليم البوذية) وقائدتها السيدة بلافاتسكي، وبعدها آني بيسانت.
والسبتيون الأدفنتست وقائدتهم مسز هوايت… الخ. وبين الروحانيين هناك أكثر من
عشرة وسطاء روحانيين من النساء مقابل وسيط واحد من الرجال!!


[1] -الحمام أو اليمام فقط من بين جميع طيور
السماء هي التي كانت تُقدم ذبيحة، إشارة للرب يسوع السماوي. فجميع البشر ترابيون،
أما المسيح، الإنسان الثاني فهو من السماء.

[2] -سوف نأتي بكلمة مختصرة عن التكلم بألسنة بقلم
هوكنج في آخر هذا الكتاب.

[3] -تأسست جماعة المورمون في أمريكا سنة 1830 على
يد نبيهم جوزيف سميث. ومن ضلالاتهم أنهم ينكرون لاهوت المسيح، وعندهم بالإضافة إلى
الكتاب المقدس كتاباً خاصاً بهم له نفس قدسية الكتاب المقدس بل وأكثر. ويبيحون
تعدد الزوجات.

 

 كلمة مختصرة عن التكلم
بألسنة

مأخوذة
من نبذة التكلم بألسنة بقلم و. ج. هوكنج نشرت هذه النبذة باللغة العربية
سنة 1932 وموضوعها التكلم بألسنة أو خدعة الأيام الحاضرة وسنكتفي بذكر بعض فقرات
مما جاء بها.

جاء
في المقدمة أن الادعاءات بالتكلم بألسنة ظهرت في لندن حوالي سنة 1830 عن يد إدوارد
إرفنج وأتباعه وقد بدأت هذه الحركة بالنطق بألسنة قيل عنها أنها جاءت من الله
مباشرة ثم تدرجت بأن خصصت لأتباعها جميع مواهب وأعمال الكنيسة الأولى مدعين بوجود
الرسل والأنبياء وهلم جرا، وانتهت بنشر وإذاعة تعليم تجديفي عن شخص ربنا المعبود.
وقد نجا من بينهم بواسطة رحمة الله شخص موهوب (على حد تعبيرهم) يقال له روبرت باكستر
تنازل الرب إليه وخلصه من الفخ المهلك. هذا كتب بياناً مطولاً عن اختباراته
والشذرة الآتية المقتبسة من كتابه المسمى بيان
الحقائق تصف كيف كانت تحل القوة عليه، وهذا
لما بمثابة عينة حقيقية لهذه الخدعة.

يقول:
“بقوة غريبة لا أستطيع أن أصفها كنت أرغم على الكلام، ومع أني كنت أحجم عن
الكلام وأنفر منه إلا أنني كنت أتلذذ به. وكان هذا الكلام عبارة عن صلاة إلى الرب
أن يرحمني ويخلصني من الضعف الجسدي وينعم عليّ بمواهب روحه، موهبة الحكمة وموهبة
العلم وموهبة الإيمان وعمل المعجزات وموهبة الشفاء وموهبة الألسنة وترجمة الألسنة،
وأن يفتح فمي ويعطيني قوة لأعلن مجده. وهذه الصلاة القصيرة كما سطرتها الآن كنت
أُرغم على النطق بها بواسطة قوة كانت تتسلط عليّ وتفعل فيّ، وكنت أصرخ بها بصوت
عال حتى إني كنت أضطر لأن أضع منديلاً على فمي لكي أمنع الصوت من إزعاج أهل البيت…
وكنت أفوه بكلام شاذ وغير طبيعي وفي أحوال كثيرة مرعب ومخيف”. وظل روبرت
باكستر يظن أن هذا من الله، ولكنه اكتشف أخيراً لخزيه وخجله أنه لم يكن إلا ألعوبة
في يد عدو المسيح الأكبر.

والادعاء
بموهبة واحدة من مواهب الأيام الرسولية أدى في حالة إدوارد إرفنج وأتباعه إلى
الادعاء بامتلاك سائر المواهب، والشذرة الآتية المأخوذة من إحدى المجلات المنتشرة
بين أتباع هرطقة الألسنة تظهر بجلاء هذا الميل إلى النطق السريع وترينا كيف أن من
يجرؤ على السير فوق مزالق الارتداد عن حق الله لا بد أن يتردى سريعاً إلى مهواة
سحيقة من الضلال وقل من ينجو.

والحق
يقال أننا عندما نطالع الشذرة الآتية المشبعة بروح الافتخار لا يسعنا إلا أن نسائل
أنفسنا: ترى ما هو مصير هذه الحركة وإلى أين هي منتهية؟ الترجمة موجودة، والنبوة ممنوحة، وتمييز الأرواح موجود،
والمعجزات ليست مجهولة، ومواهب الشفاء في
وسطنا
والأمل مزهر بالمواهب الأخرى
. نحن نعترف صريحاً أن هذه المواهب موجودة فعلاً في
حالات متعددة ولو في دور النشوء والتكوين، ولكنها بينما كانت مجهولة جهلاً تاماً
قبل مجيء الألسنة إلا أنها الآن عاملة بدرجة ما: نعم إن الحاجة إلى التقدم إلى الكمال
متفق عليها بلا نزاع ولكن الروح القدس عامل الآن بقدر ما يستطيع في إعادة باقي
المواهب في إثر الألسنة… الخ.

إن
هذه الأقوال ليست في الواقع إلا صدى لذلك الافتخار الباطل الذي فاهت به لاودكية: أنا غني وقد استغنيت ولا
حاجة لي إلى شيء
(رؤ3: 12).

ومن
جهة الواقع التاريخية نظنه نافعاً لو أتينا إلى القراء بخلاصات موجزة عن أمثلة
واقعية للضلالات والخدع الشيطانية وليست هذه القوى الشيطانية التي نحن ذاكروها
بحديثة العهد بل هي قديمة نذكر منها:

(1)
قام في القرن الثاني الميلادي شخص يدعى مونتاس ادّعى بأنه نبي ملهم. ولما كان
يتملكه الروح الرديء كان ينطق بأقوال تجديفية ويقول أنا
الرب الإله القادر على كل شيء والذي نزل من إنسان
وكان هذا المجدف وشركاؤه يتكلمون بألسنة ويقولون بأن نبوءة يوئيل التي اقتبس منها
بطرس في يوم الخمسين قد تمت على أيديهم. وقد ازداد أنصار هذا الرجل عدداً حتى انضم
إليهم أناس من إيطاليا وفرنسا وأفريقيا الشمالية وإزاء هذه الحركة اجتمع مجمع في
سنة 235 ميلادية. وبعده في سنة 381 اجتمع مجمع القسطنطينية، وكلاهما حكم بأن تلك
حركة شريرة. وما أن استهل القرن الخامس حتى أخذت هذه الحركة تموت بالتدريج.

(2)وفي
فترة الإصلاح، ما بين سنة 1517، 1648 قامت في ألمانيا شيعة ادعى أصحابها بالتكلم
بألسنة وبعمل معجزات الشفاء.

(3)حوالي
سنة 1650 قام الأنبياء الفرنسيون وادعوا بالمواهب الرسولية والتكلم بألسنة.

(4)في
النصف الأول من القرن التاسع عشر قامت في غرب اسكتلندة بدعة الألسنة الغير مفهومة
ولما نما خبر هذه البدعة إلى إدوارد إيرفنج انضم إليها وأصبح فيما بعد عَلَماً من
أعلامها. ومنه انتقلت العدوى إلى أعضاء كنيسته في لندن حتى كانت تلك الكنيسة
مشهداً للتكلم بألسنة وانتهى به الحال إلى عزله بواسطة كنيسته المشيخية بلندن
عزلاً شائناً مزرياً.

(5)وامتد
أثره إلى الكنيسة الكاثوليكية وكان من أتباعه فيها روبرت باكستر الذي سبق الإشارة
إليه والذي انفلت بحمد الله من فخهم القانص. وما دمنا قد ذكرنا اسم باكستر فلا أقل
من أن نشير على القارئ ليطالع كتابه المسمى حكاية
بعض الوقائع وعلى الأخص الصفحة الخامسة
والأربعين باللغة الإنجليزية.

وفي
سياق إتمام هذا البحث نراه مهماً أن نشير إلى مسألة الترجمة في الواقع مع أنصار
الضلالة الحاضرة. فإن الكتاب يشترط في التكلم بألسنة وجود مترجم وإلا فليصمت
المتكلم ويكلم نفسه والله. ومعنى ذلك أن وجود الترجمة الصحيحة برهان على وجود
التكلم الصحيح بلسان مفهوم ولغة حاضرة ولكن الحوادث كثيرة، والوقائع لا تعوزها قوة
المنطق لاستنتاج الدليل منها، على عدم وجود ترجمة صادقة وبالتبعية على عدم وجود
لسان صحيح. وهأنذا أقتبس للقارئ بإخلاص وأمانة جزءاً من شهادة رجل عالم بلغات
كثيرة اسمه القس س. أ. بولوفينا حيث يقول:

عرض لي أن دخلت اجتماع أصحاب الألسنة. وإذ كنت أنا نفسي
أجنبياً (أي ليس إنجليزياً) لي إلمام بخمس أو ست لغات، أردت أن أستوثق من صحة
دعواهم، فجلست في أحد المقاعد الأمامية لأسمع ما ينطقون به. وقد دهشت لأنني وجدتهم
لم يتكلموا بأية لغة من اللغات التي طرقت سمعي أثناء طوافي في أوروبا وآسيا. ولشدة
رغبة الاستيثاق فيّ أخذت معي في المرة التالية سبعة من الرجال العالمين بلغات
كثيرة وأخبرتهم برغبتي. فدخلنا سوياً وأخذنا مجلسنا بين المقاعد الأمامية كالأمس.
وبعد إتمام فروض الترنيم والصلاة أعطيت فرصة لتأدية الشهادة قبل خدمة الوعظ. ولما
كان بينهم رجل ادعى بحصوله على موهبة الترجمة، وبدأوا في حركتهم المعتادة، ولم
أقدر أنا وزملائي أن نفهم لفظة واحدة مما رطنوا به وأخيراً قام المترجم وقال أن
المتكلم الأول استعمل اللغة الروسية. وقد دهشت لهذا الادعاء المكشوف لأنني كنت
أجيد اللغة الروسية أكثر مما كان يجيد لغته الإنجليزية. ومرة أخرى حضرت اجتماعهم
وبعد أن أتموا ما اعتادوا عليه وقفت أنا والآخر لكي أشهد واقتبست (يو3: 3) ونطقته
بلغة أهل هنغاريا. وكم كانت دهشتي عظيمة حينما وقف المترجم وقال: تكلم الأخ باللغة
الفرنسية وكان كلامه عن (أع19) فقلت له: يا صاحب، لماذا هذا الكذب المفضوح؟ فقد
تكلمت الهنغارية واقتبست (يو3: 3) فلماذا هذا الكذب وإلصاقه بالروح القدس.

هذه
واحدة من كثيرات من الشهادات الواقعية التي تبين كذب هذا الادعاء المكشوف.

وقد
لامس هذه الضلالة ضلالة أخرى. تلك هي تحطيم حواجز المكتوب من حيث عدم جواز تكلم
المرأة في الاجتماع. فقد أطلقوا لها العنان بشكل ضاعت معه هيبة المكتوب الذي يقطع
بعدم السماح لها بالتكلم في اجتماع غير اجتماعات النساء فأجازوا للفتيات الوقوف
على المنابر والتكلم بألسنة الرجال. والاجتماع الذي ذكرت للقارئ أن عدد المتكلمين
فيه بلغ الاثني عشر كان منه سبع فتيات وخمسة رجال!! فهل توجد جماعة يضيع بينها
الحق نظير هذه؟

ويا
ليت إلهنا الحكيم الذي استرشدناه فأرشدنا يهدي قلوبنا كلنا إلى معرفة الحق وإلى
التصرف بمقتضاه لمجده وخيرنا.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى