علم الاخرويات

الفصل السابع



الفصل السابع

الفصل السابع

31- القيامة تعلن أنه قد مات الموت، وانفتح
الطريق إلى الأبدية بأفراحها

مقالات ذات صلة

أهنئكم يا أبنائى وأخوتى الأحباء بعد القيامة
المجيد، راجياً لكم حياة سعيدة مباركة، ثابتة في الله ومحبته. وراجياً للعالم كله
سلاماً وهدوءاً وحلاً للمشاكل الإقليمية والمحلية.. وما أجمل أن ننتهز مناسبة هذا
العيد، لكى نتأمل في القيامة: ما هى؟ وما بعدها؟

 

القيامة هي انتصار على الموت الذي ساد على جميع
البشر.

بل هي نهاية للموت كما قال الكتاب “آخر عدو
يبطل هو الموت” (1كو 15: 26). فيها تهتف قلوب الجميع: لقد مات إلى الأبد.
وانفتح أمام البشرية طريق الأبدية السعيدة، بكل ما فيها من أفراح ومتعة روحية
..

 

الموت الذي انتصر على كل إنسان، سوف تنتصر عليه
القيامة العامة. ولا يوجد فيما بعد، سيغنى الجميع قائلين: لقد مات الموت.

 

وما أجمل ما قيل عن ذلك في سفر الرؤيا
“والموت لا يكون فيما بعد، ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع فيما بعد. لأن
الأمور الأولى قد مضت” (رؤ 21: 24).

 

وقد يقول البعض إن القيامة هي عودة الإنسان إلى
الحياة. وفى الواقع إن هذا التعبير غير دقيق.

 

فالإنسان يتكون من عنصرين: أحدهما حى بطبيعته
وهو الروح. والعنصر الآخر قابل للموت والتحلل وهو الجسد. وعندما يموت الإنسان،
إنما يموت جسده ويعود إلى التراب كما كان (جا 12: 7) وتعود روحه إلى الله، وتبقى
حية في مكان الانتظار إلى يوم القيامة، حين تعود إلى الجسد المقام.

 

ولأن روح الإنسان تبقى حية بعد موته، تكون لنا
صلة بأرواح القديسين في العالم الآخر، نطلب صلواتهم من أجلنا. كما يحدث أحياناً أن
الله – تبارك إسمه. يرسل بعض هذه الأرواح إلى عالمنا، لتبليغ رسالة أو لإجراء
معجزة.. ولأن روح الإنسان لا تموت بموته، لذل نقول لك في صلواتنا “.. ليس موت
لعبيدك، بل هو انتقال “. ونقصد انتقال الروح إلى العالم الآخر.

 

بالقيامة ينتهى تاريخ الموت إلى الأبد، ولا يكون
له فيما بعد سلطان على الناس.

 

فأجساد القيامة ستكون أجساداً روحية لا يقوى
عليها الموت.

 

كما أن الموت كان في الحياة قبل القيامة، هو
عقوبة الخطية منذ أيام أبينا آدم. وبعد القيامة لا تكون هناك خطية، ولا يكون هناك
موت.

 

الأبدية – بعيد القيامة – هي موطن الحياة
الدائمة. لذلك قيل عن الأبرار إنهم يحيون إلى الأبد، أو تكون لهم حياة
الأبدية” (دا 12: 2)

 

وقيل “يمضى الأبرار إلى حياة أبدية”
(مت 25: 46).

 

وهناك نوع آخر من الموت سينتهى، هو موت الخطية.

 

فالخطية تعتبر حالة موت، موت روحى، لأنها انفصال
عن الله الذي هو مصدر الحياة الحقيقية (يو 1: 4) (يو 14: 6)

 

ولذلك حسناً قال الرب لراعى ساردس المخطئ
“إن لك إسماً أنك حى، وأنت ميت!” (رؤ 3: 1) وقال الأب عن توبة ابنه
الخاطئ “ابنى هذا كان ميتاً فعاش” (لو 15: 24) فما دامت الخطية هي حالة
موت أدبى وروحى، وفى الأبدية لا تكون خطية، إذن سوف يزول هذا الموت بعد القيامة،
ولا يكون له وجود في عالم الأبرار..

 

والقيامة هي لون من التجلى للطبيعة البشرية.
ويشمل ذلك التجلى الجسد والروح كليهما معاً.

فنقوم بأجساد روحانية نورانية سماوية، غير قابلة
للفساد (1 كو 15: 42 – 49). فهى غير قابلة للتحلل ولا للموت. أجساد لا تمرض ولا
تتعب، ولا تشكو ألماً ولا وجعاً. ولا تتعبها شهوة ولا غريزة. ولا تنتقلها المادة،
بل تكون خفيفة في كل تحركاتها وتنقلاتها.

 

نقوم أيضاً بأجساد لا عيب فيها ولا نقص. فالأعمى
لا يقوم أعمى، بل يعود إليه البصر. والضعيف لا يقوم ضعيفاً، بل يمنحه الله قوة.
والمشوه وغير الجميل، لا يقوم هكذا. بل يلبس في القيامة جمالاً وبهاء.. ففى
القيامة يعوض الله الإنسان على كل نقص قاسى منه في هذا العالم الحاضر. ويعطيه أن
يقوم بجسد ممجد، “على صورة جسد مجده” (فى 3: 21)

 

وهكذا الروح أيضاً، سوف تتجلى بالنقاء والصفاء
والبساطة.

تتجلى بنقاء أكثر مما كان لآدم وحواء قبل السقوط،
حينما كانا في الجنة عريانين ولا يخجلان (تك 2: 25) إذ كانا في براءة عجيبة لا
تعرف الخطية. ولكن طبيعتهما مع ذلك كانت تحتمل الخطأ، وفعلاً أخطأ الإثنان.

 

أما في الأبدية فسوف توجد براءة غير قابلة
للسقوط. وتزول من الذهن كل معرفة الخطية. بل تنتهى الخطية إلى الأبد.. وهذا هو
الذي قصده القديس بولس الرسول بقوله “وأخيراً وضع لى إكليل البر الذي يهبه لى
في ذلك اليوم الديان العادل، وليس لى فقط، بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضاً”
(2 تى 4: 8)

 

إذن تجلى الأرواح في الأبدية هو أن تتكل بالبر،
وتصير كملائكة الله في السماء (مت 22: 30)

 

براءة كاملة لا تعرف الخطية، ولا تشتهيها، ولا
تجول في ذهنها إطلاقاً. وذلك بأن ينسى الإنسان نسياناً كاملاً كل ما كان في العالم
من خطيئة ومن شر، أثناء حياته فيه. وهكذا يتنقى القلب والفكر تماماً. ويعيش الكل
في حياة روحية، لهم البصيرة الروحية ولهم الحس الروحى

وليسوا فقط يتنقون من الخطأ. وأنما أيضاً من
الناحية الإيجابية تكون لهم ثمار الروح، التي شرحها الكتاب بقوله “وأما ثمر
الروح فهو محبة فرح سلام.. لطف صلاح إيمان..” (غل 5: 22، 23)

 

يزول تماماً الصراع الذي كان في العالم، سواء
الذي بين الناس، أو الذي كان بين الروح والجسد.

 

حينما كان “الجسد يشتهى ضد الروح، والروح
ضد الجسد. وهذان يقاوم أحدهما الآخر” (غل 5: 17).. إذ يصبح الجسد والروح في
الأبدية، في خط واحد ومسيرة واحدة، لا تناقض بينهما ولا صراع..

 

كما تزول الخصومات والمشاكل والمتاعب.. ويعيش
الناس في عالم حب وتفاهم. ويكون للكل لغة واحدة يتفاهمون بها معاً، لعلها لغة
الروح. وفى حديثهم وتسبيحهم يكون لهم لسان واحد وفهم واحد..

 

وتزول الثنائية التي عاش فيها الإنسان بعد
الخطيئة.

ثنائية الجق والباطل، والحلال والحرام، والصواب
والخطأ.. لأنه سوف لا يكون في الأبدية بعد القيامة سوى الحق فقط. ولا يكون مجال
للاختيار بين طريقتين. فليس سوى طريق واحد يسير فيه الجميع ولا يعرفون غيره..

 

وبعد القيامة يعيش الأبرار في فرح دائم، نسميه
النعيم الأبدى.

فما هي ألوان هذا الفرح الذي يتمتع به الأبرار.

 

· أولا فرح الدخول إلى ملكوت السموات. فرح
الانتصار على العالم وعلى الخطية والشيطان. هذا الانتصار الذي يؤهل الروح إلى
الدخول في الملكوت. ذلك لأن ملكوت الله لا يدخله إلا الغالبون المنتصرون، الذين
استطاعوا خلال فترة عمرهم على الأرض، أن ينجحوا في كل الحروب الروحية، ويظهروا أن
محبتهم لله كانت فوق كل إغراء وكل شهوة أخرى. فاجتازوا فترة اختبارهم بسلام.

 

يفرحون في الأبدية أيضاً بعشرة الملائكة
والقديسين.

إنها متعة عظيمة بلا شك أن يتعرف الإنسان في
الأبدية على كل الأنبياء والرسل الذين وردت أسماؤهم في الكتب المقدسة، أن تعرف على
كل الشهداء في كافة عصور التاريخ، وتعرف على كل الآباء القديسين، وكل الرعاة
الصالحين، وكل الذين أتصفوا بفضائل عميقة ميزت حياة كل منهم عن غيرها. كما يتعرف
أيضاً على كل أبطال التاريخ الذين عاشوا حياة صالحة، وكل الشخصيات البارزة قرأ
عنها من قبل في الكتب، وكانت مقبولة أمام الله..

 

معرفة كل هؤلاء وأمثالهم تملأ القلب فرحاً. أما
معاشرتهم والحياة معهم والصلة بهم، فهذه متعة أعمق.

 

هؤلاء الأبرار يمثلون ما يقول عنه الكتاب
“كورة الأحياء” (مز 27: 13)، أى الذين في الحياة الحقيقية الدائمة التي
لا خوف عليها من موت فيما بعد..

 

على أن المتعة في النعيم الأبدى، لابد أن تتفاوت
في الدرجة.

الكل يكونون في فرح وفى مجد، ولكن ليس الكل في
درجة واحدة. وكما قال الكتاب عن ذلك “لأن نجماً يمتاز عن نجم في المجد”
(1 كو 15: 41). إن الله في الأبدية سيكافئ كل واحد حسب أعماله (رؤ 22: 12).

 

 أو كما
قيل “لينال كل واحد ما كان بالجسد، بحسب ما صنع خيراً كان أم شراً” (2
كو 5: 10). ولا شك أن أعمال الناس تختلف في الدرجة وفى النوع والعمق ومقدار
الروحانية، ومقدار المحبة نحو الله.. فعلى حسب جهاد الإنسان على الأرض، تكون
مكافأته في السماء، ويكون نوع إكليله في الملكوت..

 

وحتى الأقل درجة في السماء، لا يشعرون بنقص.

لأن الشعور بالنقص يجلب الحزن. والحزن لا يتفق
مع النعيم الأبدى..! يمكننا تشبيه الأمر بعدد كبير من الأوانى منها الكبير ومنها
الصغير، والكبير جداً، والصغير جداً، والمتوسط. وكلها ممتلئة. أصغر واحدة فيها لا
ينقصها شئ..

 

هكذا الأبرار في الأبدية. كلهم ممتلئون فرحاً،
لا يشعر أحد منهم بنقص. وكل منهم في مجد، يشعر بالمكافأة. ولكن درجة الواحد غير
درجة الآخر.

 

مثال آخر: لنفرض أن جماعة من الرفاق والأقارب،
ذهبوا للقاء إنسان عزيز عليهم جداً قد عاد من غياب طويل في سفر. الكل يحبونه،
والكل مشتاق إليه، والكل في فرح بعودته. ولكن فرح كل منهم تكون درجته بحسب ما في
قلبه من حب وشوق. وقد تتفاوت درجة حبهم، ولكن الكل شعر بالفرح.

 

إننا نفرح بالقيامة، لأنه فرح بالخلود، وبالنعيم.
ولكننا لا نستطيع أن نصف تماماً كنه هذا الفرح.

اللغة قاصرة عن التعبير، والفهم أيضاً قاصر،
والخبرة غير موجودة لأن ساعتها لم تأت بعد. ويكفينا ما قاله الكتاب عن النعيم
الأبدى: “ما لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على بال إنسان، ما أعده
الله للذين يحبونه” (1كو 2: 9).. مهما يخطر على فكرك من أوصاف، لا يمكن أن
تعبر عن الحقيقة، لأن ما أعده الله للبرار “لم يخطر على بال إنسان “

 

ولعل في قمة متع الأبدية: معرفتنا لله.

الآن “تعرف بعض المعرفة” (1 كو 13: 12).
ولكن معرفتنا هذه تعتبر كلا شئ بالنسبة إلى الله غير المحدود. ولذلك قيل في
الإنجيل المقدس “هذه هي الحياة الأبدية، أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك..”
(يو 17: 3).. كل يوم يمر علينا في الأبدية، سنعرف فيه شيئاً جديداً عن الله، يبهر
عقولنا ويشبع قلوبنا. ونقف في دهش وذهول، ونقول: كفانا كفانا. نحتاج إلى زمن حتى
نستوعب هذا الذي كشفه الرب لنا عن ذاته.

 

ثم يوسع الله عقولنا وقلوبنا لنعرف أكثر، على
قدر ما تحتمل طبيعتنا البرية. ومع كل ذلك تبقى طبيعتنا محدودة، تحاول الاقتراب من
الله غير المحدود، لتعرف وتبتهج بالمعرفة..

 

حقاً متى نصير من العارفين بالله؟!.. يقول
الكتاب “هذه هي الحياة الأبدية، أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك..”
(يو 17: 3)

 

هنا وأقول: إن المتعة في الأبدية ستكون في نمو
مستمر، وتعدد..

 

لأنه لو وقف نمو متعتنا، أو تنوعها، قد تتحول
مشاعرنا إلى روتين أو إلى جمود.. ولكن مخازن الله مملوءة خيرات، ومنابعه لا تنضب..
وكل متعة سوف نتمتع بها ستكون في الأبدية مثل نقطة في محيط..

 

يكفى الشبع الروحى، والشبع بالله نفسه، هذا الذي
سنكون في دوام الشوق والحرقة إليه. وكما قال السيد المسيح له المجد “طوبى
للجياع والعطاش إلى البر، لأنهم يشبعون” (مت 5: 6) ومهما اشبعنا الله، سيبقى
شوقنا إليه قائماً.. إلى متى؟ إنها الأبدية..

 

إن كانت الأبدية هكذا، فما هو استعدادنا لها؟

ليتنا نضع القيامة الأبدية أمامنا في كل حين،
ونعمل لملاقاتها.

نعمل بالإيمان بالله، وبنقاوة القلب، وبنمو محبتنا
لله، وصفاء معاملاتنا مع الناس. ونعمل للأبدية بعمل الخير كل حين، على قدر ما
نستطيع من قوة وعلى قدر ما ننال من النعمة.

 

لئلا مع وجود الأبدية والنعيم، يوجد إنسان
محروماً منهما..

 

آباؤنا الذين التصقت قلوبهم بالأبدية، حسبوا
أنفسهم غرباء على الأرض (عب 11: 13)، مشتاقين باستمرار إلى السماء، يعملون من أجل
استحقاق الوجود في عشرة الله والملائكة والقديسين.

 

أرجو لكم يا أخوتى جميعاً حياة سعيدة على الأرض،
وعملاً دائماً من أجل الأبدية..

وليتنا ننتهز هذه الفرصة لنصلى من أجل عالمنا أن
يسوده السلام وتسوده معرفة الله. في كل مكان..

 

إلهنا الصالح قادر أن يتولى بعنايته هذا العالم
المضطرب، ويمنح معونة وحكمة من عنده.. وكل عام وأنتم بخير.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى