علم المسيح

المرأة الزانية



المرأة الزانية

المرأة الزانية

. هل
كان عيد المظالّ نهُزةً لقضاء بعض المآرب المشبوهة، يحمل، ولاشك، عليها، انصراف
الناس – مدة ثمانية أيام – إلى ذاك النمط الغريب من العيش الخليّ؟ إن الأسفار
والرحلات تستدرج – كما لا يخفى – إلى مثل تلك الصلات العابرة التي لاُ يحسب فيها
لناموس الأخلاق كبير حساب. ويدعو إلَى الأخذ بهذا الافتراض أن الانجيل الرابع قد
دوّن خبر المرأة الزانية فوراً بعد أحداث هذا الأسبوع. إنها من أشهر وأروع أحداث
سيرة المسيح؟ فإنه ليس هناك دليل أروع على محبة المسيح ورقة شعوره، كما وعلى سداد
رأيه ووقوفه على طبائع الإنسان

 

..
” وجاءه الكتبة والفريسيوّن بامرأة بوغتت في زنى، وأقاموها في الوسط، وقالوا
له: ” يا معلم، إن هذه المرأة قد أخذت في فعل الزنى؛ وقد سنّ لنا موسى، فيَ
الناموس، أن ترُجم أمثال هذه المرِأة. فأنت ماذا تقول؟ ” (يوحنا 8: 3- 5). لا
بدّ أن الحادثة قد جرت عند باب نيكاتور، أجمل أبواب الهيكل. وكان اليهود – على ما
جاء في التلمود- يقتادون إليه العواهر، ” من رقابهنّ “. ومن الواضح أن
إنزال حكم الموت بالزواني كان من مستتبعات الوصيّة السادسة. ولئن ثبت أن سفر
اللاويين كان يقضي على جميع الزواني بعقوبة القتل (لاويين 20: 10)، فالرجم كان
محصوراً في عقاب الخوائن. من الأبكار المخطوبة (تثنية 22: 22 – 24)؛ لا بدّ إذن من
الاعتقاد أن عادة العقاب بالرجم كانت قد عُمّمت، في عهد المسيح، على الأزواج
الزواني أيضاً.

مقالات ذات صلة

 

. لقد
كانت إذن تترقب الردى تحت وابل من الحجارة، تلك المسكينة التي تحلّق الناس من
حولها شرذمةً نابحة، والتي باتت تنتظر، في أقصى ما يكون الهلع، ريثما يبُتِّ في
أمرها.. ” قالوا هذا ليجرّبوه، حتى يجدوا ما يشكونه به ” (يوحنا 8: 6).
سؤال، ولاشك، كيّاد! وأنىّ للمسيح أن يجانب الوقوع في تناقض سافر إما مع الشريعة
الموسوية، وإمآ مع الشعور الشعبي، وكان، ولا شك، في مثل تلك المواسم، ميّالا إلى
التسامح، ولربما، أخيراً، مع الأحكام الرومانية، وكانت قد أوقفت على اليهود
استعمال حقهم في الإعدام. ” أماّ يسوع، فأكبّ يخطّ بإصبعه على الأرض. ولمّا
استمروا يسألونه، انتصب وقال لهم: ” من هو فيكم بلا خطيئة، فليبدأ ويرمها
بحجر “؛ ثم أكبّ أيضاً يخطّ على الأرض. فلمّا سمعوا، طفقوا يخرجون واحداً
فواحدأ، ابتداءً من الشيوخ. وبقي هو وحده، والمرأة قائمة في الوسط. فانتصب يسوع،
وقال لها: ” يا امرأة، أين هم؟ ألم يحكم عليك أحد؟ “؛ قالت: ” لا
أحد، يا سيّدي! “، فقال يسوع: ” ولا أنا أحكم عليك! إذهبي، ولا تعودي
إلى الخطيئة من بعد! ” (يوحنا 8: 7- 11). عبث كل تعليق على بساطة هذا المشهد.
فإنه من العسر أن نتصور قصّة أقرب إلى القناعة والطبعيّة. ” فالحجر الأول
” هو الحجر الذي كان للمدُّعي أن يقذف به غريمه، بعد استصدار الحكم عليه. ثم
إننا نتمثلّ يسوع، وقد انعطف إلى الأرض، وكأنه لا يحفل بما يجري حوله، إلى أن
قذفهم قذفا ناعماً بتلك العبارة الهائلة؛ ونتمثل أولئك المرائين، وقد جاؤوا يبطنون
رغبتهم الثاثرة في التمتع بتعذيب امرأة، ولهم من ضمائرهم وشريعتهم ظهير، وإذا بهم
ينكصون، وقد شعروا أنهم بوُغتوا في نذالتهم، واخترقت سرائرهم.. أجل كل شيء واقعيّ
حقيقي، في هذه الأسطر العشرة، حتى تلك الملاحظة الهازئة، حيث جاء: ” ابتداء
من الشيوخ! ”

 

. من
العبث أن نتساءل ماذا خطّ يسوع على التراب؟ أهي رموز مبهمة، أم رسوم شاردة (أكبر
الظن أن مثل هذا التشاغل برسم خطوط مبهمة هو عند الشرقيين، علامة تفكير وتأمل وبحث
عن حل مشكلة)، أم أسماء المتهّمين، أم خطاياهم، على حدّ ما ارتأى القديس
إيرونيمُس، استناداً إلى آية من إرميا النبي: ” يا رب، إن جميع الذين ينصرفون
عنك، يكُتبون في التراب ” (إرميا 17: 13)، أم هي أرقام طلسميّة، كما توهّم
أصحاب التفسير الباطن. مهما يكن من أمر، فليس ذلك بجوهري. إنما الجوهر في ذاك
الصمت الرحيم الذي حلّ بغتةً حول المرأة المدهوشة، في إثر الكلمة التي نطق بها
يسوع؛ وهو في تلك النظرة العطوف التي حوّ لها المعلّم عنها إلى الأرض، لئلاّ ترتبك
المرأة خجلاء؛ وهو أخيراً في ذاك الدرس العظيم الذي ينبغي لكل قضاة الأرض أن
ينصتوا أبدأ إليه، ويتأمّلوا فيه

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى