كتب

سفر صعود إشعياء



سفر صعود إشعياء

سفر
صعود إشعياء

 

لقد
ورد ذكر سفر صعود إشعياء -وهو سفر غير قانوني- كثيرا في كتابات آباء الكنيسة
الأوائل وبخاصة أوريجانوس الذي يسميه “أبوكريفون إشعياء” أي السفر
الأبوكريفي لإشعياء. اما أبيفانوس فقد أطلق عليه الاسم الذي أصبح معروفا به أي
“صعود إشعياء” ويقول أوريجانوس إن ما جاء في الرسالة إلي العبرانيين (11:
37) فيه إشارة إلي هذا السفر في الحديث عن الذين “نشروا” من القديسين.كما
أن الشهيد يوستنيوس يتحدث عن موت إشعياء بعبارات تدل علي معرفته بهذا السفر.

 

 ولقد
أختفي هذا السفر حتي وجد رئيس الأساقفة لورنس نسخة منه باللغة الأثيوبية عند أحد
باعة الكتب في لندن، كما كشف التنقيب في مجدل عن بعض المخطوطات منه، وهناك جزء منه
مطبوع في فينيسيا عن نسخة لاتينية.

 

1-الموجز:

 استدعي
الملك حزقيا -في السنة السادسة والعشرين من ملكه، إشعياء لتسليمه بعض الرسائل،
فأخبره إشعياء أن الشيطان “شمعئيل مالكيرا” سيسيطر علي ابنه منسي.
وعندما سمع حزقيا هذا، أمر بقتل ابنه،ولكن إشعياء أخبره بأن “الشخص
المختار” سيبطل مشورته.

 

 ولما
مات حزقيا، اتجه منسي لعبادة بريال (بليعال) ماتانبوك، فاعتكف إشعياء في بيت لحم،
ثم ارتحل مع بعض الأنبياء -ميخا ويوئيل وحبقوق،وأيضا حنانيا وابنه يوآب – إلي جبل
في الصحراء. ولكن بالكيرا السامري عرف مخبأهم، فجئ بهم إلي أمام منسي لاتهام
إشعياء بالكفر لأنه قال أنه قد رأي الله مع أن الله أعلن لموسي أنه لا يقدر إنسان
أن يري وجه الله، كما اتهم أيضا انه أطلق علي “أورشليم” اسم “سدوم”
ووصف رؤساءها بأنهم رؤساء “عمورة” وكان بليعال غاضباً اشد الغضب علي
إشعياء لأنه تنبأ عن مجئ المسيح وخدمة الرسل. وهنا يبدو الخلط بين مجئ المسيح
الأول ومجيئة الثاني ثم بعد ذلك رواية عن تجسد “بليار” في شخص نيرون
“الملك قاتل أمه” واضطهاد الرسل الأثني عشر، وأن أحدهم سيسلم ليده ولعل
الإشارة هنا إلي إستشهاد بطرس،فإذا كانت الإشارة إلي بولس، ففي ذلك إنكار لاستشهاد
بطرس في رومية، وإذا كانت لبطرس، فهي إنكار لرسولية بولس، وان مدة ملك “ضد
المسيح” هي “ثلاثة سنوات وسبعة أشهر وعشرون يوما” أي أنها 1335
يوما بالحساب الروماني. ويبدو أن هذه المدة محسوبة علي أساس فترة اضطهاد نيرون
للمسيحيين. ثم يذكر عبارة فريدة: “إن السواد الأعظم ممن ارتبطوا معا في قبول
“المحبوب”، سيجذبهم وراءه”، وهي عبارة تعني حدوث ارتداد واسع المدي
تحت ضغط الاضطهاد أكثر مما نعلم من المصادر الأخري. وفي نهاية هذه المدة
“سيأتي الرب مع ملائكته، ويلقي بيليار وجيوشه إلي جهنم “، ثم تأتي
الإشارة إلي نزول “المحبوب” إلي شئول (الهاوية).

 

 ويصف
الأصحاح الثاني استشهاد إشعياء، وكيف “نشر بمنشار خشبي”، وكيف سخر منه
“بالكيرا” وحاول أن يحمل إشعياء علي جحد أقواله. ثم يبدأ منه الأصحاح
السادس، الجزء الرئيسي من السفر عن صعود إشعياء، وما الإصحاح السادس إلا مقدمة،ففي
الأصحاح السابع يروي كيف أن النبي قد صعد في الجلد ثم إلي السماء بعد سماء حتي بلغ
السماء السابعة، وكان يقوده في صعوده أحد عظماء الملائكة. وفي الجلد ملائكة
الشيطان يتحاسدون. ثم بعد ذلك صعد إلي السماء الأولي حيث رأي في وسطها عرشا
والملائكة يحيطون به عن اليمين وعن الشمال، وأعظمهم من كانوا عن اليمين. وهكذا كان
الشأن في السموات الثانية والثالثة والرابعة والخامسة، إلا أن كل سماء كانت تمتاز
عن سابقتها في المجد. وفي السماء السادسة لم يكن هنا عرش في الوسط، كما لم يكن
هناك فارق بين الملائكة الذين عن اليمين والذين عن اليسار بل كان الجميع متساويين.
ثم رفع السماء السابعة -وهي أمجدها -حيث رأي لا الله الآب وحدة، بل رأي أيضا الابن
والروح القدس، ويقال لنا إن الابن سينزل إلي الأرض وسيأخذ صورة بشرية ويصلب بفعل
رئيس هذا العالم. وبعد أن ينزل إلي شئول، ويسبي منها سبيا، يصعد إلي الأعالي.

 

 وفي
الأصحاح العاشر نجد أقوالا مفصلة عن نزول الأبن عبر السموات المتوالية، وكيف أنه
في كل سماء منها أخذ صورة الملائكة الساكنين فيها حتي لا يعرفوه.وفي الجلد ظهر الشياطين
المتحاسدين المتشاحنين، لكي يعوقوه.ونجد في الأصحاح الحادي عشر رواية شبه دوسيتية
(تنكر حقيقة ناسوت المسيح) عن الميلاد المعجزي. ثم ينتهي السفر ببيان أن هذه
الإعلانات كانت السبب في نشر إشعياء.

 

2-تركيب
السفر:

يقول
دكتور تشارلز إنه قد جمعت في هذا السفر ثلاثة كتب هي: عهد حزقيال، واستشهاد إشعياء
ورؤيا إشعياء. وقد أخذ هذه الأسماء التي اطلقت علي هذا السفر في كتابات الآباء،
وهي ليست وصفا دقيقا للمحتوي، وبخاصة الكتاب الأول. والترتيب الزمني المضطرب -في
الكتاب الذي بين أيدينا -قد يرجع إلي أخطاء النسخ والترجمة.ويبدو من الفقرة
الافتتاحية، أنه كان هناك كتاب أبوكريفي عن حزقيا.

 

 يستدعي
منسي امام أبيه لكي يسلم له “كلمات بر قد رآها الملك نفسه” عن
“الدينونة الأبدية، العذاب في جهنم، ورئيس هذا العالم وملائكته ورؤسائه
وسلاطينه” -وهي عبارة تدل علي معرفة الكاتب بالرسالة إلي أفسس -ثم لا نجد بعد
ذلك تفصيلا لهذه العبارات الموجزة.

 

 ولا
تذكر رؤيا إشعياء شيئا عن سلاطين ورؤساء مملكة الشيطان. ويبدو أنه من الأفضل
اعتبار السفر الحالي مكونا من كتابين: استشهاد اشعياء ورؤيا الصعود.والإشارات سواء
إلي الماضي أو إلي المستقبل تدل علي تشابة شديد في الأسلوب،مما يدل علي أن الكاتب
واحد.وهناك معرفة بالأحوال الرومانية في عصر سقوط نيرون، أكثر مما كان ممكنا لأي
إنسان مقيم في فلسطين أن يعرف، مما يبدو معه أن الكتاب قد كتب في رومية.

 

3.
اللغة:

يبدو
أن الأصل الذي أخذت عنه الترجمات الأثيوبية والسلافية، هو اليونانية، وهذا واضح من
اسماء العالم التي تنتهي في العبرية ” بيا ” وفي اليونانية
“بياس” مثلما في حزقياس وإشعياس وزكرياس، كما هي في اليونانية، ماعدا
اسم منسي الذي يذكر في صيغتة العبرية. ومع أنه من المؤكد -كما سبق القول – أن
النسخ المذكورة قد نقلت عن اليونانية إلا أنه من المحتمل أن تكون اليونانية قد
أخذت عن العبرية فتركيب الجمل يدل علي نفس الشيء (انظر 2: 5 في اليونانية)، واللقب
الذي يطلق علي “بريال” وهو “ماتا بنوكس” – الذي لا يذكر في
اليونانية – ليس له معني إلا إذا اعتبرناه مأخوذا عن العبرية “ماتان
بوكاه” أي عطيته “الخواء أو الفراغ”، ولقب “مالكيرا”
الذي يطلق علي شمعئيل، يبدو أنه يعني “ملك المراقبين” أي
“الايريم” وهم الملائكة الذين لم يحتفظوا بحالتهم الأولي -كما جاء في
سفر أخنوخ – بل تنجسوا مع النساء. كما أن “بلكيرا” معناه ملك الحصن أو
“بعل كير”وهكذا يبدو من المحتمل أن لهذا السفر أصلا عبريا كسائر الأسفار
المشابهة.

 

تاريخه:

من
يقرأ سفر “صعود إشعياء” لا يمكن أن يفوته إدراك أنه يقرأ كتابا ينتمي
إلي العصر المسيحي في بدايته، ولعله كانت وراءه رؤيا يهودية أقدم منه، وإن كان هذا
– في رأينا -ليس أمرا ضروريا. ويتكون الكتاب من وثيقتين، ولكن العنصر المسيحي يبدو
انتماؤه إلي بدء تاريخ الكنيسة، من ترقب مجيء المسيح بسرعة في العالم أي
“ظهوره” والنزاع في الكنيسة بين الشيوخ والرعاة يعطينا صورة للصراع بين
دعاة التهود وبين المسيحيين البوليسيين. ثم إن التركيز علي الاثني عشر فقط، وعدم
ذكر بولس بالمرة، دليل علي أنه من تأليف أحد دعاه التهود. والفكر الدوسيتي (الذي
ينكر حقيقة ناسوت المسيح) في ميلاد المسيح، واستناده إلي الأناجيل القانونية،
يدلان علي كتابته في تاريخ مبكر. ويبدو لنا أنه من المستطاع تحديد التاريخ بدقة.
فمدة حكم “بريال” الذي حل علي نيرون وتجسد فيه، هي ثلاث سنوات وسبعة
أشهر وسبعة وعشرون يوما أي 1335 يوما (4: 12) وهو العدد الوارد في نهاية نبوة
دانيآل (12: 12)، وهو محسوب بالحساب الروماني، مما يدل مرة أخري علي أن الكتاب قد
كتب في رومية. ولكن هذا العدد يقرب بصورة مذهلة، من أيام حكم نيرون بعد بدء
الاضطهاد. فمن حرق روما (في 19 يوليو 64) إلي موت نيرون (في 9 يونيو 68) 1421 يوما،
أي بفارق 86 يوما.ولابد أنه مر شهر- علي الأقل -علي حرق روما قبل أن يبدأ الاضطهاد،
ثم مرت مدة أخري قبل أن تبلغ الحملة المجنونة علي المسيحيين ذروتها، بإلقائهم في
القار المغلي، أو إشعال النيران فيهم لإضاءة حدائق نيرون. وأي مسيحي في روما شهد
هذا الاضطهاد، كان لابد أن يتمنى نهاية هذا الحكم الرهيب، ولحدد زمنه بما جاء في
نبوة دانيال. ويبدو أن الألف والمائتين والتسعين يوما كانت قد مضت، وهو يرجو أن
ينتهي هذا الطاغية بنهاية الألف والثلاث مائة والخمسة والثلاثين يوما. وهناك مشكلة
حول ذكر العدد علي أنه 332 في 4: 14، والأرجح – كما يقول لوك وديلمان وتشارلز – أن
رقم الألف قد سقط من العدد، وأن رقم الأحاد هو خمسة، وذلك للوصول إلي العدد الصحيح،
وفي هذه الحالة لابد أن هذه الرؤية قد كتبت قبل وصول أخبار ثورة فيندكس إلي روما
وقبل موت نيرون. وإذا أخذنا بهذا الرأي – مع أن الحقيقة أن العدد الأقل وهو 332
موجود في المخطوطات الأثيوبية الثلاث،ويجب عدم حل المشكلة بإضافة رقم معين- فإنه
يدل علي وقت سابق مباشرة لموت نيرون. وتظل المشكلة: من أين جاء الكاتب بهذا العدد؟
إذا كان العدد صحيحا، فلعله العدد المحسوب بناء علي حروف أحد أسماء الشيطان،
فالعدد الذي يقابل اسم “بريال” هو 322، ويبدو أن هناك دلالة أخري علي
الزمن في كتاب استشهاد بطرس الذي يمكن تحديد حدوثه بالنسبة الرابعة والستين بعد
الميلاد.ثم هناك دليل سلبي، وهو عدم الإشارة البتة إلي سقوط أورشليم، فلو أن سقوط
أورشليم كان قد حدث، لما فات يهوديا مسيحيا- إذ يرجح إن الكاتب كان يهوديا -ذلك،
بل لدفعته محبته الشديدة لسيده المصلوب، إلي رؤية نقمة السماء علي المدينة التي
أسلمته للموت، ولكان هذا موضع زهوه. فلابد إذا من أن الكتاب قد كتب في خلال العام
الثامن والستين بعد الميلاد.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى