اللاهوت الدفاعي

الوحى الإلهى وإستحالة تحريف الكتاب المقدس



الوحى الإلهى وإستحالة تحريف الكتاب المقدس

الوحى الإلهى وإستحالة تحريف الكتاب المقدس

القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير

كاهن كنيسة السيدة العذراء
الأثرية بمسطرد

 

الفهرس

مقدمة

الفصل الأول الوحي الإلهي في
الكتاب المقدس

الفصل الثاني العهد القديم كلمة
الله ووحيه الإلهي

الفصل الثالث تأكيد العهد الجديد
لوحي العهد القديم

الفصل الرابع العهد الجديد كلمة
الله ووحيه الإلهي

الفصل الخامس كتابة وتدوين الوحي
الإلهي ومداه

الفصل السادس قانونية وصحة وحي
العهد القديم

الفصل السابع قانونية العهد الجديد
وتأكيد وحيه

الفصل الثامن أنتقال وحفظ كلمة
الله وأستحالة تحريف العهد القديم

الفصل التاسع انتقال وحفظ كلمة
الله في العهد الجديد وأستحالة تحريفه

 

مقدمة

تصور البعض أن التوراة التي بين أيدي كل من
المسيحيين واليهود الآن ليست هي التوراة الحقيقة التي أعطاها الله لموسى النبي!!
ولا كتاب المزامير (الزبور) هو الكتاب الذي أعطاه الله لداود النبي، وكذلك بقية
أسفار أنبياء العهد القديم!! وزعموا أنها كتب محرفة!!

كما زعموا أن الإنجيل الحقيقي نزل على المسيح من
السماء عن طريق ملاك أو بطرق الوحي المتنوعة ” لفظاً ومعنى “، وأنه
إنجيل واحد ؛ إنجيل المسيح، أما الأناجيل الأربعة ما هي إلا أحاديث للمسيح وسيّر
ذاتية كُتبت بأقلام البشر، من تأليف تلاميذه أو غيرهم، وليست وحي منزل من السماء،
وأنها كتب محرفة!!

وفي هذا الكتاب نناقش هذا الموضوع محاولين
الإجابة على هذه الأسئلة: هل الكتاب المقدس وحي من الله أم من وضع البشر؟ هل هو
كتاب معصوم أم كتاب محرف؟ وما الأسباب التي أدت إلى القول بتحريفه؟ كيف كُتب وكيف
وصل إلينا؟ ما الدليل على صحة وحيه وعصمته واستحالة تحريفه؟ وهل هناك وثائق قديمة
تؤكد صحة وحيه وعصمته؟

كيف حفظ اليهود أسفار العهد القديم على مدى 3500
سنة؟ وكيف حفظت الكنيسة كل من العهد القديم والعهد الجديد على مدى 2000 سنة؟

هل ترك المسيح إنجيل واحد أم أربعة أناجيل؟ أين
الإنجيل الذي نزل على المسيح؟ هل كان تلاميذ المسيح الذين استلموا الإنجيل منه
مجرد بشر أم رجال الله الموحى إليهم، الذي تكلم، الله، عن طريقهم وبلسانهم، وكتب
إنجيله بروحه القدوس بأقلامهم؟

 

مدخل للكتاب

نقد
الكتاب المقدس واتهامه
بالتحريف عبر كل العصور

قال السيد المسيح ” على هذه الصخرة أبني
كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها ” (مت18: 16) وقال أيضا ” السماء
والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول ” (مت35: 24؛ مر31: 13؛ لو33: 21). وبالفعل
فقد قامت أبواب الجحيم ضد الكتاب المقدس وهاجمته بجميع أسلحة إبليس وحيله عبر كل
العصور وألقت بالشك من حوله ولكنها كانت تتحطم دائماً على هذه الصخرة، صخرة كلمة
الله التي وعد أنها لا يمكن أن تزول، والتي وعد أيضاً أنه ساهر عليها وحافظا لها
” لأني ساهر على كلمتي لأجريها ” (ار12: 1)، كما حذر من الزيادة عليها
أو الحذف منها ” لا تزيدوا على الكلام الذي أنا أوصيكم به ولا تنقصوا منه لكي
تحفظوا وصايا الرب إلهكم التي أنا أوصيكم بها ” (تث16: 22-18) لأني اشهد لكل
من يسمع أقوال نبوة هذا الكتاب أن كان أحد يزيد على هذا يزيد الله عليه الضربات
المكتوبة في هذا الكتاب وان كان أحد يحذف من أقوال كتاب هذه النبوة يحذف الله
نصيبه من سفر الحياة ومن المدينة المقدسة ومن المكتوب في هذا الكتاب ” (رؤ19:
22-20).

 

أولاً – أهم الذين
قاموا بنقد الكتاب المقدس

1
الوثنيين ؛ الذين تمسكوا بأفكارهم وعقائدهم القديمة
ورفضوا الإيمان بكلمة الله في الكتاب المقدس لأنها تضاد وتناقض عقائدهم التي تؤمن
بتعدد الآلهة، ورفضه الملحدين لأنهم أصلا لا يؤمنون بوجود الله ولا بالعالم
الآخر ولا بالروح والملائكة ورفضوا النبوات ومن ثم لم يصدقوا أن الله الغير موجود،
فى نظرهم، قد تكلم أو أعلن عن المستقبل. وأعتقد كلا الفريقين أن الكتاب المقدس ما
هو إلا مجموعة من الأساطير والخرافات التي جمعها اليهود قبل ميلاد المسيح والتي
جمعها تلاميذ المسيح والكنيسة الأولى بعد السيد المسيح وأن النبوات الموجودة فيه
ما هي إلا أحداث تاريخية قد حدث بعضها بالفعل ثم كتبت بعد ذلك في ثوب وبأسلوب
نبوي!! وكان اشهر هؤلاء بروفيرى الذي ظهر في النصف الثاني من القرن الثالث (233-
304) والذي تتلمذ على يدي بلوتينوس
Plotinus فيلسوف الأفلاطونية الجديدة. وأهتم بروفيرى بالدفاع عن تعدد
الآلهة والآلهة المحلية وكتب 15 مجلدا بعنوان ” ضد المسيحيين
ركز فيها هجومه على كل أسفار الكتاب المقدس خاصة الأسفار النبوية مثل سفر دانيال
وزعم أن ما جاء فيه من نبوات هو أحداث تاريخية حدثت بالفعل في التاريخ قبل أن تكتب
في السفر كنبوات!! ورد عليه آباء الكنيسة في حينه وفندوا أفكاره ومحوا كل أثر لها
من الوجود ولم يبق منها سوى ما نقله عنه القديس جيروم في كتاباته التي لا تزال
باقية لدينا.

 

2 – عبدة الشيطان عبر كل العصور ؛ وينقسم
هؤلاء إلى ثلاث فرق رئيسية (1) الذين آمنوا بوجود إلهين ؛ إله للخير هو
الله وإله للشر هو الشيطان، ومن ثم فقد عبدوا الشيطان باعتباره، في نظرهم، إلها
مساويا لله، ومنهم من آمن بإله الشر ” ست ” في أسطورة إيزيس وأوزوريس
وست المصرية القديمة، واعتبروا أن كلمة ست هي مصدر كلمة شيطان و
Satan، وأسموا معبدهم بمعبد أو كنيسة ست. (2) والذين عبدوا
الشيطان، عبر كل العصور، كقوة شريرة اتقاء لشرها، والذين انغمسوا في شرورهم
وشهواتهم وجرائمهم، وبالتالي مارسوا طقوساً إجرامية كالزنى وقتل الفتيات بعد
اغتصابهن..الخ. (3) والذين لا يؤمنون بوجود إله من الأصل وأسموا أنفسهم
بعبدة الشيطان وأضداد المسيح وأسموا معبدهم بكنيسة الشيطان وكنيسة ضد المسيح وعلى
رأس هؤلاء، في العصر الحديث، أنتون لافى المتوفى العام الماضي (1997م) واتباعه
الذين نادوا بأنه لا يوجد إله في الكون وأن الإنسان نفسه هو إله هذا العالم. وقد
هاجم كل هؤلاء المسيحية وكتبوا ولا يزالوا يكتبون العشرات من الكتب التي تهاجمها
وتسخر من عقائدها وتهاجم الكتاب المقدس وتاريخ الكنيسة بكل قسوة وعنف.

 

3
مدرسة النقد الأعلى في غرب أوربا
؛ النقد الأعلى هو النقد الأدبي
والتاريخي الذي يبحث أصحابه في التكوين الداخلي للكتب والأسفار القديمة وتركيبها
من جهة المصادر التي يمكن أن يكون الكاتب قد اعتمد عليها واستقى منها مصادره، وقد
أستخدم هذا النقد ضد الكتاب المقدس منذ القرون الأولى للمسيحية ولكن في حدود بعض
الآيات فقط مثل نهاية سفر التثنية التي تتحدث عن موت موسى النبي ومن الذي كتبها.
ولكنه أستخدم ضد الكتاب المقدس بشكل كثيف في القرون الثلاثة 17 و 18 و 19 ولا يزال
وذلك بسبب انتشار الفلسفات المادية الإلحادية مثل الفلسفة الإنسانية
HUMANISM التي تؤكد على قيمة الإنسان وقدرته على تحقيق الذات عن طريق العقل
وغالباً ما ترفض الإيمان بما وراء الطبيعة من روحيات، والمذهب التجريبي
EMPIRICISM القائل بأن المعرفة كلها مستمدة من التجربة، والفلسفة الوضعية POSITIVISM، وهى فلسفة أوجست كانت (1724- 1804م)، التي تهتم بالظواهر
اليقينية فقط وتهمل كل تفكير تجريدي في الأسباب المطلقة، والمذهب العقلي أو الإلهي
DEISM الذي ينادى بوجود الله والروح ولكن يرفض الإيمان بالوحي الإلهي
ويقول أن الله لا يتدخل في نواميس الكون وينادى بديانة طبيعية مبنية على العقل
وليس على الوحي ويرفض الأديان التي تؤمن بالكتب الموحى بها من الله ويرى أن كل ما
جاء في هذه الكتب مجرد أساطير قديمة لا يقبلها عقل الإنسان الحديث. وتهتم هذه
الفلسفات بالدرجة الأولى بالإنسان وتضعه في مركز الكون وتهتم بالدرجة بالتجربة
والظواهر والوقائع اليقينية وترفض الإيمان بعالم الروح والغيبيات والإلهيات والنبوات
وتهمل كل تفكير في الوقائع المطلقة وتحدت الدين، عموماً، ورفضت بل واتخذت موقفا
عدائيا من الوحي الإلهي، وان كان بدرجات متفاوتة. ومن ثم تحول هؤلاء النقاد إلى
معاول هدم لهدم الكتاب المقدس وقالوا أنه يتكون من مجموعة من الأساطير الشعبية
التي نقلها موسى النبي عن المصريين والتي نقلها بنو إسرائيل عن بابل عندما كانوا
في السبي في القرن السادس قيل الميلاد ودونت بعد السبي، والتي دونها أيضا تلاميذ
السيد المسيح متأثرين بالأساطير اليونانية والرومانية إلى جانب الفكر اليهودي.
واستمرت أثار هذه الأفكار في القرن التاسع عشر وما تزال في القرن العشرين. وزعم
بعض هؤلاء أن أسفار العهد القديم قد كتبت فيما بين السبي البابلي في القرن السادس
قبل الميلاد والقرن الأول للميلاد، وأن أسفار العهد الجديد قد كتبت في أواخر القرن
الأول وبداية القرن الثاني للميلاد وأن الإنجيل للقديس يوحنا قد كتب في منتصف
القرن الثاني للميلاد.

 

4
مدرسة اللاهوت التحرري
LIBERALISM وقد تأثر أصحاب هذه المدرسة بنظريات النقد المختلفة ومن ثم فقد
أخضعوا، خاصة المفسرين الألمان، تفسير الكتاب المقدس لها. وانقسم هؤلاء إلى فرق
وشيع مختلفة ومتنوعة وتأثر كل منهم بنظريات نقدية مختلفة ومتناقضة ومتضاربة، بل
وطبق بعضهم الكثير من أفكار الملحدين وغيرهم والتي وصلت ببعضهم إلى إنكار تاريخ
الآباء البطاركة مثل إبراهيم وأسحق ويعقوب وأدت بالبعض الآخر إلى إنكار وجود شخصية
المسيح في التاريخ نهائيا وقالوا أنها خليط من الفكر اليوناني والفكر اليهودي،
وتصور بعضهم أيضا أن شخصية المسيح قد وجدت بالفعل في التاريخ وأن كان قد تأثر
بالأفكار اليهودية عن المسيح المنتظر وحاول تطبيق نبوات العهد القديم على نفسه، أو
طبقها تلاميذه عليه، وتوهم، أو توهم تلاميذه، أنه سيأتي في آخر الأيام على السحاب
لنشر ملكوته السماوي على الأرض. وقاموا بتفتيت الكتاب المقدس وتمزيق أسفاره إلى
مصادر متنوعة ومتضاربة اعتمادا على مجرد نظريات افتراضية متناقضة ومتعارضة
ومتضاربة لمفكرين ملحدين وأنكروا التقليد والحق الثابت.

 كما
قالت جماعة ” سمينار يسوع
Jesus Seminar “، في أمريكا، أن 20 % فقط من الأقوال المنسوبة للسيد المسيح
قالها هو بالفعل وبقية ما نسب إليه من أقوال وضعها التلاميذ بعد صعوده لتلائم
الظروف التي استجدت بعد انتشار المسيحية في بلاد كثيرة!!

 

5
الذين يقولون بتحريف الكتاب المقدس في الشرق ؛
وذلك بسبب إيمانهم
بوجود الكتاب المقدس (الإنجيل والتوراة) وإيمانهم بشخص السيد المسيح مع اختلاف في
الفكر والعقيدة ؛ حيث لا يؤمنون بلاهوت المسيح وتجسده وصلبه ولا بالتثليث في الذات
الإلهية ولا بعقيدة الفداء بدم المسيح..الخ وهم يركزون في نقدهم للكتاب المقدس على
التمييز بين ثلاثة نقاط في الوحي الإلهي ورسالة كل نبي هي ؛

ا كلام الله الذي
نطق به مباشرة، مثل الوصايا العشر.

ب – كلام النبي الذي تكلم به من ذاته، مثل حديث
إيليا مع الشعب ” فتقدم إيليا إلى جميع الشعب وقال حتى متى تعرجون بين
الفرقتين أن كان الرب هو الله فاتبعوه وأن كان البعل هو الله فاتبعوه ” (1مل
21: 18)، (وهذا ما يسمى بالحديث النبوي أو بأقوال النبي).

ج – تسجيل المؤرخين لأعمال النبي وأقواله وسيرة
حياته وعمل الله من خلاله، مثل تسجيل أحاديث الله مع موسى النبي وحوارات موسى مع
هارون والشعب وفرعون والضربات العشر وتفاصيل الخروج من مصر في سفر الخروج، (وهذا
ما يسمى بتاريخ البنوة أو السيرة الذاتية للنبي ورسالته أو السيرة النبوية).

 ويتصور
هؤلاء أن الكتاب المقدس الموجود حالياَ هو أقرب لسجلات المؤرخين وأن أسفاره هي ما
كتب عن موسى وعن داود وعن السيد المسيح، ويؤمنون بأن هناك توراة أصلية نزلت على
موسى وزبور أصلى نزل على داود وإنجيل أصلى نزل على المسيح، كما يؤمن غالبيتهم بان
هذه الأسفار الموجودة حالياً قد أصابها التحريف والتبديل والتعديل.

 ثم تطور
هؤلاء في نقدهم للكتاب المقدس بدرجة كبيرة ابتداء من القرن التاسع عشر بعد أن وصلت
إليهم كتابات مدارس النقد بمذاهبها وأفكارها المختلفة، سواء كانت إلحادية أو
ليبرالية (تحررية)..الخ وتغير أسلوبهم في نقد الكتاب المقدس فترجموا كتب النقاد
المختلفة واستخدموها في المناظرات والكتب التي تهاجم المسيحية، وكانت البداية في
الهند عندما جرت المناظرات بين هؤلاء وبين بعض رجال الإرساليات التبشيرية هناك
والتي كان يتصور كل طرف في نهايتها أنه هو الذي خرج منتصراً!! ومن ثم فقد كتب
هؤلاء عشرات الكتب في نقد الكتاب المقدس مستعينين بنفس كتابات وأفكار ونظريات
النقاد بكل أنواعها واتجاهاتها ولا يزالوا، وذلك على الرغم من أن معظم أفكار هذه
الكتابات تناقض عقائدهم وإيمانهم بأنبياء مثل إبراهيم وأسحق ويعقوب وموسى والسيد
المسيح..الخ والتي تقول هذه النظريات النقدية بعدم وجودهم أصلاً!! كما كتبت
العشرات بل والمئات من الكتب في الدفاع عن الكتاب المقدس ولا تزال.

 

ثانياً
أهم النقاط في دراستنا في هذا الكتاب

ونشرح في هذه الدراسة ماهية الوحي الإلهي ونوضح
معناه ونقدم الأدلة والبراهين العلمية الموثقة على صحة وحقيقة ومصداقية كل الأحداث
التاريخية وكل ما ورد في الكتاب المقدس، وقانونية وصحة ومصداقية وعصمة كل سفر وكل
فقرة وكل جملة وكل كلمة بل وكل حرف في الكتاب المقدس وحقيقة كل العقائد المسيحية
سواء الخاصة بوحي الكتاب المقدس نفسه أو الخاصة بالذات الإلهية ولاهوت المسيح
وتجسده وصلبه والفداء..الخ.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى