علم الله

الفصل التاسع عشر



الفصل التاسع عشر

الفصل
التاسع عشر

المعجزات

 

1 – ما هي خلاصة التعليم المسيحي في علاقة الله
بالكون، وفي إعلان نفسه لخلائقه العقلاء؟

مقالات ذات صلة

*
هي أنه إله الكون وصاحب السلطان على الطبيعة، وأنه يعتني بأمور البشر على الدوام،
وقد أعلن نفسه بطُرقٍ مختلفة كإظهار ذاته للآباء في الزمن القديم، وسنّ القوانين
الأخلاقية والطقسية والسياسية، وإرشاد شعبه، وإلهام الأنبياء والرسل وكشف حوادث
المستقبل لهم وعصمته إياهم من الخطأ في التعليم والكتابة، ومنحهم سلطان صنع
المعجزات. ثم أعلن ذاته لهم بإرسال ابنه إلى العالم متجسداً، وبتأسيس الكنيسة
المسيحية بواسطة الروح القدس وحفظها من أبواب الجحيم، وإسنادها في شهادتها للحق،
وفي عملها لخير البشر وإصلاحهم. وكل ذلك واضح في الكتاب المقدس. وهو يخالف جميع
المذاهب الإلحادية التي ينكر بعضها الوحي وإعلان الله نفسه، ويقيم بعضها المادة
مقامه أو يؤلّه الكون أو يكثر الآلهة. وتقول المسيحية إن من الطرق التي أظهر الله
بها نفسه للبشر عمل المعجزات ليُثبت ما أعلنه لهم.

2 – ما هي المعجزة؟

*
هي حادثٌ محسوس خارق للطبيعة، يُصنع بقوة الله الخاصة ليثبت تعليماً إلهياً، أو
ليثبت صِدق رسوله صانع المعجزة. ولا بد من اجتماع الشروط الآتية في المعجزة:

(1)
أن تدركها الحواس.

(2)
أن تتم بقوة الله فقط.

(3)
أن تكون خارقة للنواميس الطبيعية.

(4)
أن تُصنع لهدف ديني كإثبات رسالة صانعها، أو برهنة تعليم إلهي ونحو ذلك.

والمقصود
بنسبة المعجزات أحياناً إلى المؤمنين أو الملائكة هو أنهم صنعوها بقوة الله لا
بقوتهم. ولا يصحّ أن ننسب المعجزة الصحيحة إلى البشر الأشرار، ولا إلى الشياطين،
ولكن ما ظهر من الغرائب في أعمالهم ليس معجزاتٍ صحيحة، بل عجائب كاذبة ناشئة
خداعهم أو عن قوة الشيطان. وقد ميَّز الكتاب المقدس بين المعجزات الإلهية والعجائب
التي يفعلها المحتالون بالمكر، أو بواسطة علوم غامضة، أو بما يعرفونه من قوانين
الطبيعة مما يجهله الآخرون من عامة البشر.

وقُسمت
حوادث الكون على ما يأتي:

(1)
ما يحدث بمقتضى القوانين الطبيعية التي سنَّها الله، كنمو النبات والحيوان ودوران
الكواكب. ومن هذا الحوادث الطبيعية قليلة الوقوع نسبياً كالزلازل والبراكين
ونحوهما، مما يتوقف عملها على مشيئة الله وعنايته.

(2)
ما ينتج من تأثير الروح القدس وفعل النعمة الإلهية في قلوب البشر، كالإنارة
والتجديد والتقديس ونحو ذلك.

(3)
ما يحدث بقوة إلهية بطريقة خارقة للعادة، أو توجيه الطبيعة لهدف خاص، وهو المعجزة
التي تُجرى في العالم المادي ليدركها البشر بالحواس فيتحقّقون من صدقها، كما أقام
المسيح لعازر من الموت أمام أعين اليهود.

3 – ما هي تسميات المعجزات في الكتاب المقدس؟

*
هي “عجائب” و”آيات” و”قوات” و”أعمال”.
سُميت “عجائب” لأنها تحمل على العجب والاندهاش لأن سببها خفي وخلاف
العادة. وسُميت “آيات” لأنها علامات ظاهرة لحضور الله بقوته، ولختمه على
صدق قولٍ أو عمل. وسُميت “قوات” لأنها تدل على قوة الله. وجاءت هذه
الكلمات الثلاث في عبارة واحدة في ثلاث آياتٍ من الكتاب (أع 2: 22 و2كو 12: 12
و2تس 2: 9) للتعبير عن حقيقة المعجزة وبيان صفاتها لا أنواعها. مثال ذلك معجزة
شفاء المسيح المفلوج في كفرناحوم (مر 2: 1-12) فهي “عجيبة” لأن الجميع
بُهتوا حين رأوها ولم يعرفوا سببها، ولأنها غير عادية. وهي “قوة” لأن
قيام المفلوج وحمله سريره وخروجه أمام الجميع كان بقوة المسيح العظيمة. وهي “آية”
لأنها علامة دلت على حضور القادر على كل شيء. وسُميت المعجزات “أعمالاً”
إشارة لصنعها بقوة الله الخاصة. وهذه التسمية من اصطلاح الكتاب المقدس (يو 5: 36
و10: 25، 32، 38 و14: 11 و15: 24).

4 – ما هي أشهر الاعتراضات على صدق المعجزات؟

*
لما كانت المعجزات من أدلة وجود الله وعنايته بالبشر ليتمم أهدافه الدينية، قام
لمقاومتها وإنكارها في كل القرون الملحدون والفلاسفة الماديون، وأوردوا ضدها
اعتراضات مختلفة، منها:

(1)
إن حدوثها غير ممكن.

(2)
إنها تخالف نواميس الطبيعة الثابتة، وبالتالي تخل بنظام الكون المحكم.

(3)
إثبات حدوثها بشهادة بشرية مستحيل.

(4)
إنها خالية من كل علاقة بالله، حتى لا يمكن إثبات حدوثها بقوته.

(5)
لا لزوم لها في خليقة صنعها الله الحكيم القدير، وهي لا تليق بحكمته. وقد بنى
المعترضون اعتراضاتهم على مواقفهم الخاصة، وعلى نوع فلسفتهم. فالذين أنكروا وجود
الله قالوا إن العجيبة مستحيلة، والذين بالغوا في تعظيم قوانين الطبيعة ونظامها
قالوا إن المعجزات خداعٌ، لأن حدوث التغيير في نظام الكون الثابت غير صحيح. والذين
أنكروا تدخل الله في أمور الكون وأحوال البشر رفضوا كل دليل على حدوث المعجزات،
حتى لو كان قوياً! وقال بعضهم إن ما حملهم على رفض اعتقاد المعجزات احترام شأن
الخالق والدفاع عما أظهره من الحكمة والقدرة في خلق الكون وتنظيمه، وزعموا أنه
يلزم عن صدق المعجزة وقوع النقص والخلل في إتقان الكائنات، فاضطر الخالق أن يتصدى
على الدوام لإصلاح شؤونها، وهذا يدل على عدم كمال حكمته وقدرته. وسنرد على هذه
الاعتراضات بالتفصيل.

5 – كيف نرد على القول إن حدوث المعجزة غير ممكن؟

*
نشأ هذا القول غالباً من إنكار وجود الله، لأن من ينكر وجوده ينكر حدوث معجزاته.
غير أنه ليس في طاقة المنكرين أن يُثبتوا ما زعموه، فاقتصروا على القول إن المعجزة
مستحيلة. وأما التسليم بوجود الله فيلزم عنه التسليم بإمكان حدوث المعجزات، ولذلك
فليس بين المؤمنين بالله من ينكر ذلك، لأنهم يرون في الخليقة عمل الله، ويعتقدون
أن الهدف الأعظم من الخليقة أخلاقي ديني روحي، وأن تدخل الله في أمورها لازم
لإصلاح ما طرأ عليها من الخلل بسبب سقوط الإنسان، وأن للمعجزات داعياً كافياً
وأهمية كبرى في هذا الشأن.

ولا
يغيب عن بالنا أن الإنسان يستخدم كل يوم (باختياره وقدراته) أعضاء جسده كما يشاء،
سواء كان لأهداف عادية أو غير عادية، دون أن يخالف قوانين جسده. والطبيب يعالج
مريضه بالأدوية المناسبة بحسب معرفته وخبرته ليزيل المرض ويصلح أحوال المريض
الجسدية، وهو لا يخالف بذلك خواص الجسد، بل يحاول إصلاح شأنه وإرجاعه إلى حاله
الأصلي. فإذا كان للإنسان قدرة على إصلاح شؤون البشر الجسدية، فبالأولى تكون لله
قدرة على التدخل لإصلاح شؤونهم الأخلاقية وأحوال الكون المادية إذا لزم. وهذا يثبت
صدق ما أعلنه لإرشادنا وبنياننا في الروحيات بواسطة المعجزات.

قال
رينان: “يُشترط في معجزة إقامة ميتٍ صنعها بمحضر جمهور من الأطباء والعلماء،
وإلا فلا يمكن التسليم بها”. ونسي رينان أن الله لم يقصد بمعجزاته بيان قوته
لأهل العلم ولا تسليتهم بالغرائب، بل قصد إثبات حقه عند الاقتضاء، أو صدق رسالة
رُسُله. ولو أن أحد علماء اليهود أو غيرهم اقترح على المسيح أو على أحد الرسل
معجزةً ليتسلى بذلك، لرُفض طلبه. ولما طلب شيوخ اليهود من المسيح إجراء معجزة قال “الحق
أقول لكم لن يُعطى هذا الجيل آية” (مر 8: 12).

6 – كيف تبرهن بُطل القول إن المعجزة تخالف
قوانين الطبيعة الثابتة، وبالتالي تخل بنظام الكون المُحكم؟

*
لو كان السلطان على الكون للطبيعة لكان الله مقيداً بقوانينها. ولكن لما كان لله
سلطان مطلق على الكون، ولما كانت الطبيعة خاضعة لمشيئته، كانت المعجزات (التي يبدو
أنها تخالف القوانين الطبيعة) مطابقة لقانون آخر أسمى منها هو المشيئة الإلهية
التي تصنع المعجزات. فالمعجزة هي من أعمال الله في دائرة حكمه الأخلاقي لإثبات
سلطان إرادته على خلائقه الساقطين، لتصلح ما طرأ من الفساد والخلل على أخلاق
الإنسان الذي سقط. ورفض المعجزات هو رفضٌ لكل نظام الفداء. نعم، إن مَنْ نظر إلى
الطبيعة المادية فقط ولاحظ ثبات قوانينها مال لعدم تصديق المعجزات، ولكن مَنْ نظر
للطبيعة الأخلاقية الساقطة أيضاً ورأى ما فيها من الفساد والخلل، مال لانتظار تدخل
الله بالوسائط الكافية ليصلح شؤونها، وسلَّم بإمكان وقوع المعجزات لأنها تعطي
نتائج حسنة، وتتمم مقاصد الله في الإصلاح المطلوب.

وهناك
اعتراض يقول إن قوانين الطبيعة هي قضاء الله، ولذلك فهي كاملة وغير متغيرة،
فمخالفتها تكون مخالفةً لقضاء الله، ويلزم عنه وجود النقص فيه. فنجيب: لو صحَّ
مذهب “ألوهية الكون” لصحّ هذا الاعتراض. ولكن لما كان الله كائناً
عاقلاً مختاراً مستقلاً بنفسه، وهو خالق الطبيعة وصاحب السلطان المطلق عليها، كانت
نواميس الطبيعة جزءاً من مقاصده في الكون، وكانت المعجزات جزءاً من مقاصده في
الأخلاقيات. وإذا أدركنا ما وقع من الخلل في النظام الأخلاقي بسقوط الإنسان، نرى
ضرورة تدخل الله بإجراء معجزات ليصلح ذلك الخلل، حتى لو لزم نقض كل النظام الطبيعي
الثابت. على أن الأمر ليس كذلك، فالمعجزات لا تُحدِث خللاً في الطبيعة المادية.

7 – كيف ترد على القول إن إثبات حدوث المعجزة بشهادة بشرية مستحيل؟

*
يقول هذا الاعتراض إنه لما كانت المعجزة تخالف القوانين الطبيعية، وكان ثبات تلك
القوانين مبرهناً من الاختبار الدائم، كان ذلك دليلاً اختبارياً قاطعاً على عدم
إمكان حدوثها. وإثبات حدوث المعجزة بشهادة بشرية محال، ومهما كثُر عدد مشاهديها هم
إما خادعون أو مخدوعون، لأن الاختبار العام لثبات القوانين الطبيعية لا يحتمل الغش
كالشهادة البشرية.

وللرد
على هذا الاعتراض نقول إن المعجزة لا تخالف القوانين الطبيعية، بل هي فوقها. وتنشأ
المعجزة عن قدرة واختيار الله المتسلط على الطبيعة وقدرته. فالقوانين الطبيعية
نظام سنّه الخالق ينشأ بموجبه عن كل سبب نتيجة واحدة على الدوام. فإن نشأت عن سبب
واحد نتائج متنوعة في أوقات مختلفة في دائرة الطبيعيات كان ذلك مخالفةً. ولكن إذا
أُحدثت أسباب جديدة ونشأ عنها نتائج خاصة، فلا يكون في ذلك شيء من المخالفة. ولما
كانت المعجزة ناشئة عن سبب خارج عن دائرة الطبيعة، لكنها تُحدث في الطبيعة نتائج
خاصة مع بقاء القوانين الطبيعية على نظامها، كان ذلك غير مخالف لتلك القوانين.
والحق هو أن المعجزة آية تدل على إجراء الله مشيئته بقوة فائقة الطبيعة. أما القول
إن ثبات تلك الشرائع مبرهنٌ من الاختبار الدائم فهو صحيح، غير أنه لا ينفي إمكان
حدوث تدخل قوة أخرى أعلى من قوانين الطبيعة تتسلط عليها وتقدر أن توقف فعلها، فلا
يكون ذلك دليلاً على بُطل المعجزة، وإلا فلا يمكن إثبات شيء جديد خارج عن دائرة
الاختبار، مثل إثبات تجمّد الماء لساكني الأقاليم الحارة، الذين يشهد كل اختبارهم
أن قوانين الطبيعة ضد ذلك. فضلاً عن أن اختبار البعض يثبت إمكان حدوث المعجزات،
فلله أهداف تفوق الطبيعة، ومملكته أسمى شأناً من مملكة الطبيعة.

وبما
أن كثيرين تحققوا صدق المعجزات بواسطة حواسهم، فيجب على المعترض أن يقيم الدليل
على عدم صدق الاختبار الحسي أيضاً. غير أن ذلك يتعذّر عليه، لأن من شاهد المعجزة
عياناً لا يتردد في تصديقها.

ونعلم
من الاختبار أن قوانين الطبيعة ثابتة، ولكن نعلم أيضاً أن ثبوتها غير ضروري، وأن
تسلُّط قوة أخرى عليها أسمى منها ممكن. فليس في اختبارنا هذا دليل على عدم إمكان
حدوث المعجزات، لأنه اختبار ناقص بمقدار معرفتنا المحدودة. وعلى المعترض أن يذكر
(لبيان بُطل المعجزات) الاختبار الإيجابي للذين شاهدوا حدوث المعجزة وتمكنوا من
تأكيد صحتها. وهذا يستحيل عليه، لأن الذين عاينوها شهدوا بصدقها وإمكان حدوثها.
ولنضرب مثلاً: يشهد الاختبار العام أن الماء يجري من فوق إلى أسفل. فإذا شهد ألوفٌ
بذلك، وبأنهم لم يروا قط الماء يجري إلى أعلى، فهل تكون شهادتهم كافية لرفض شهادة
الذين قالوا إنهم رأوا بعيونهم الماء يصعد إلى أعلى؟ إن أولاد المدارس الآن يعرفون
أن الماء يمكن أن يصعد إن كانت هناك قوة كافية تدفعه إلى فوق، وشهادة عشرة أشخاص
رأوا ذلك بعيونهم كافية لرفض شهادة ألوفٍ من البشر بأنهم لم يروا مثل هذا الفعل
ولا سمعوا بإمكان حدوثه! وهكذا شهادة الذين رأوا المعجزات، لا يمكن الشك في صدقهم،
لأن قوة إلهية كافية أجرت المعجزة! ولو أننا قلنا باستحالة إثبات صحة كل أمر جديد
غريب، لرفضنا كل الاختراعات والاكتشافات!

لقد
صنع المسيح ورسله وجميع الأفاضل معجزات، شهدوا وشهد غيرهم بصدقها، فهل كذبوا
وخدعوا الناس بمكرهم؟ ولذلك كان التسليم بصدق المعجزات أسهل من التسليم برفضها.
وإذا تقرر ذلك نقول إن الذين صنعوا المعجزات هم من جملة الشهود بها، ونحن مقتنعون
أن شهادتهم حق، وأنها هي هي بصدقها وقوتها أمساً واليوم وغداً، لأنها مكتوبة
بالوحي ومحفوظة بعناية الله بكل حرص، فلا يُضعفها مرور الأيام. وهذا خلاف الشهادة
المنقولة باللسان من جيل لآخر، فهي قابلة للتحريف.

8 – كيف نبرهن خطأ القول إن المعجزات خالية من
كل علاقة بالله، ولا يمكن إثبات حدوثها بقوته؟

*
يستند أصحاب هذا الاعتراض غالباً على ثلاث قضايا، هي:

(1)
إن معرفتنا بالقوانين الطبيعية غير كافية لتمكننا من الحكم إن كانت الحادثة معجزة
أو أمراً طبيعياً. فادّعاؤنا معرفة حادثة ما أنها معجزة هو ادعاء المعرفة الكاملة
بكل قوانين الطبيعة، معرفةً تمكّننا من الحكم على ما هو ضمن دائرة تلك القوانين،
وما هو خارج عنها.

(2)
يقول الكتاب المقدس إن للشياطين قوة عظيمة، ويعمل كثيرون من البشر أعمالاً غريبة
بشعوذتهم. فلا يمكننا تصديق المعجزات، إذ يُحتمل أنها صُنعت إما بقوة شيطانية أو
بالشعوذة.

(3)
يُثبَّت الكتاب المقدس بالمعجزات، والمعجزات بالكتاب! وهذا منطق خاطئ.

فنجيب
على القضية الأولى بأن معرفتنا (مع أنها قاصرة) إلا أنها كافية لندرك أن بعض
الحوادث هي فوق العادة، ولا يمكن أن تكون قد جرت وفق قوانين الطبيعة، مثل إقامة
الأموات وشفاء العميان وتسكين العواصف بمجرد الأمر بذلك. وكذلك قتل كل أبكار البشر
والبهائم في كل أرض مصر في ليلة واحدة، ونحو ذلك. وبما أننا قد تحققنا أن أكثر
المعجزات خارجة عن دائرة قوانين الطبيعة، فقصور معرفتنا بتلك القوانين لا يمنعنا
من تصديقها، خاصةً إذا صُنعت باسم الله ولإثبات حقه وبواسطة أنبيائه أو المسيح أو
رسله.

ونجيب
على القضية الثانية بأن الكتاب المقدس ينبئنا بحدوث عجائب كاذبة بقصد الخداع
سُميّت “عجائب” (تث 13: 1-3 ومت 7: 22، 23 و24: 24 و2تس 2: 9 ورؤ 13: 13
و19: 20) فلا يقدر صانعو العجائب الكاذبة أن يقيموا الموتى ولا أن يوقفوا قوانين
الطبيعة. أما المعجزات الصحيحة فقد صنعها رجال الله باسمه، بدون ادعاء القدرة
الذاتية عليها. وصنعوها علانية أمام الملأ، وبطريقة تدركها الحواس، ولهدف لائق
ومفيد كإثبات حق الله وصدق رُسله. وأما الأعمال الخداعية فمغايرة لهذه في كل ما
تقدم.

ونجيب
على القضية الثالثة بأن هذا القول غير صحيح، لأن المعجزات قسم من الأدلة الكثيرة
الخارجية والداخلية على صدق الكتاب المقدس. وليست شهادة الكتاب المقدس بصدق
المعجزات هي الشهادة الوحيدة لها، فإذا ثبت صدق الكتاب بأدلة كافية من جملتها
المعجزات، فيمكن إثبات المعجزات بشهادة الكتاب لها، لأنها ممزوجة بأقواله، حتى
يلزم عن صدقه صدقها والعكس. وقد أورد المسيح نفسه ذكر المعجزات دليلاً على لاهوته،
مع أن لاهوته يشهد بصدقها. ونحن نصدق المعجزات بشهادة الكتاب لأنها وافية بالمطلوب
صحيحة لا يشوبها شك. ولكن لنا شهادات أخرى غيرها من معاصري المسيح ورسله من
المؤمنين وغيرهم، حتى من ألدّ أعداء الدين المسيحي، الذين أقرّوا جميعاً بحدوثها
وغرابتها، غير أنهم قالوا إنها غير مصنوعة بقوة إلهية.

وما
تقدم كافٍ للرد على هذه الاعتراضات، فنقول مع نيقوديموس “يا معلم، نعلم أنك
قد أتيت من الله معلماً، لأن ليس أحدٌ يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن
لم يكن الله معه” (يو 3: 2).

9 – كيف نبرهن خطأ القول إن المعجزات ليس لها
لزوم في خليقةٍ صدرت من يد الله الحكيم القدير؟

*
نشأ هذا الاعتراض من الاعتقاد أنه لا يليق بالله أن يتعرَّض لأمور الكون بعدما خلقه،
لأنه أبدعه بغاية النظام والضبط. وللرد نقول: لو كان المقصود من المعجزات إصلاح
نقائص وعيوب طبيعية في العالم المادي لصحَّ هذا الاعتراض. ولكن القصد منها إصلاح
عيوب أخلاقية في دائرة الروحيات بسبب معصية الإنسان. فمن يجسر والحالة هذه أن يقول
للحكيم القدير إنه لا يحقّ له أن يعمل أعمالاً غير معتادة في العالم المادي لخير
خلائقه الساقطين، ولإصلاح ما أحدثته معاصيهم من الفساد والخلل في نفوسهم؟ ألا ترى
أن معصية الإنسان باختياره توجب تدخل الله، إما لعقابه أو لإنقاذه من عواقبها؟ لقد
تصدى الله ليبررنا من معصيتنا، ولينقذنا من ويلات قصاصها، فصنع المعجزات كإحدى
وسائط إثبات الإعلانات الإلهية التي هي أعظم وأهم جداً من قوانين الطبيعة التي
يدَّعي أعداء الدين عظمتها حتى لا يليق بالخالق نفسه أن يمسها!

وأما
زعم البعض أنه يلزم عن صدق المعجزات تغيير مقاصد الله، فهو غير صحيح، لأن المعجزات
ليست جديدة عنده، بل هي داخلة في قضائه السابق، ومن جملة الوسائط التي قصد منذ
البدء أن يُجريها ليتمم عمل الفداء.

وإذا
سُئل: لماذا لم يخلق الله العالم في حالة تمنع حدوث الخطية فيه؟ قلنا: إن هذا يشبه
السؤال: لماذا لم يخلق الله الإنسان في حالة الكمال غير القابل للسقوط؟ والجواب:
إن الله لم يستحسن ذلك، بل اختار أن ينال الإنسان القداسة باجتهاده بعد مقاومة
تجارب كثيرة. ولا شك أن لله الحق التام أن يختار ما شاء من الطرق في هذه المسألة
وغيرها.

10 – كيف نستدل على أن حدوث المعجزات أمرٌ واجب في نظام الله
الأخلاقي؟

*
نعلم أن الله قدوس، وأن خير البشر يتوقف على ثبات شريعته. ونعلم تسلط الخطية على
طبيعة الإنسان الأخلاقية، بحيث لو تُرك لنفسه لهلك. وبسبب حنو الله ومحبته للبشر
تدخل لخلاصهم. ونرى من الكتاب المقدس أن ذلك تمّ بعمل الفداء العظيم، والإعلانات
الإلهية، ووسائط النعمة. ولما كان للمعجزات تأثير عظيم في إثبات إعلانات الله وحقه
ولاهوت المسيح ورسالة الأنبياء والرسل، دبّر الله حدوثها لأجل هذا الهدف. وليس في
تصديقها من الصعوبة أكثر مما في تصديق التجسد والوحي وغيرهما من أعمال الله
الفائقة.

11 – ما هي الأدلة على حدوث المعجزات حقيقةً؟

*
لما كانت المعجزات من الأدلة الهامة على صدق الديانة المسيحية، حاول البعض أن
ينكرها في كل زمان ظناً أن هذا يسيء للمسيحية. على أن الأدلة على صدقها كافية
لإقناع كل من أراد الوقوف على حقائق الأمور. ومن هذه الأدلة:

(1)
كثرة عدد الشهود وتوافق شهادتهم، وأمانتهم حتى أنهم احتملوا المقاومات العنيفة
والاضطهاد حتى الموت.

(2)
صُنعت المعجزات علانيةً أمام جماهير من أصدقاءٍ وأعداء. وقد ذكر يوسيفوس هذه
المعجزات في تاريخه، واعترف بها الفريسيون وبيلاطس البنطي وكلسوس، وغيرهم من أعداء
المسيحية.

(3)
صدق الكتاب المقدس يشهد لصدق المعجزات لما بينهما من الارتباط التام، فكل ما يثبت
الوحي من سموٍّ على كل ما سواه من الكتب الدينية في آدابه وتعاليمه في الله وصفاته
وعنايته ومقاصده، يثبت أيضاً صدق المعجزات المذكورة فيه.

(4)
العلاقة بين المعجزات والتعليم الذي قُصد إثباته بها، فقد قُصد بالتعليم ما قُصد
بالمعجزات، وهو صحة أقوال الله، وإنقاذ البشر من كل السيئات الناشئة من الخطية
كشفاء الأمراض وإقامة الموتى.

(5)
ما يلزم عن إنكار المعجزات من النتائج الفظيعة، مثل عدم صدق المسيح ورسله، وخداعهم
للجماهير بالرغم من طهارة سيرتهم ونقاوة تعاليمهم وصدقهم. ومثل بطلان المسيحية
لأنها تكون قد تأسست على الكذب، وتكون أشرف المبادئ التي انتشرت في العالم مقترنة
بالمكر والنفاق. ألا ترى أن تصديق المعجزات أسهل للعقل السليم من تصديق هذه
النتائج الغريبة؟

12 – ما هي الأدلة على صدق معجزة قيامة المسيح من الأموات؟

*
إذا استطعنا أن نبيّن بالأدلة القاطعة صدق واحدة من معجزات الكتاب المقدس سهُل
علينا التسليم بصدق جميعها. وقد اخترنا أعظم تلك المعجزات وهي قيامة المسيح التي
يمكن أن نبرهنها إما بجمع كل ما في الكتاب المقدس وكتب القدماء من الأدلة على
صدقها، أو باختيار بعض ما لها من الشهادات التي يقبلها المعترضون، فنبيّن منها صدق
هذه المعجزة. وقد اخترنا الطريقة الثانية، وعيَّنا لذلك البشائر الأربع، ورسائل
رومية وكورنثوس الأولى والثانية وغلاطية، التي سلَّم كل مشاهير المعترضين أن بولس
كتبها بعد قيامة المسيح بنحو 25 أو 30 سنة. وعلى هذا فإن مزج خبر قيامة المسيح
بالخداع مستحيل عند أهل ذلك العصر. ونرى من تلك الرسائل أن بولس والمسيحيين من أهل
رومية وكورنثوس وغلاطية أجمعين اعتقدوا بصدق القيامة، وكانت عندهم أساس المسيحية
وأهم أركانها. ومع أن الكنائس التي كُتبت إليها تلك الرسائل كانت منقسمة إلى أحزاب
مختلفة، وحدثت فيها خصومات، إلا أنه لم تحدث بينها منازعة في القيامة، ولا وجد من
شكَّ في صدقها. وجاء في أول رسالة رومية ذكر قيامة المسيح من الأموات (رو 1: 4).
وتكرر ذلك مراراً في تلك الرسالة. وجاء في 1كورنثوس 15 كلامٌ مطوَّل عن القيامة،
ومن ذلك أن المسيح ظهر بعد قيامته لصفا، ثم للاثني عشر، وبعد ذلك ظهر دفعةً واحدة
لأكثر من 500 أخ أكثرهم كانوا أحياء أثناء كتابة الرسالة، وبعد ذلك ظهر ليعقوب ثم
للرسل أجمعين، وآخر الكل ظهر للرسول بولس (1كو 15: 5-8). ففي هذه الآيات:

أورد
بولس ست شهادات بقيامة المسيح:

(1)
شهادة بطرس الذي ظهر له المسيح في صباح يوم قيامته.

(2)
شهادة الاثني عشر الذين ظهر المسيح لهم في مساء يوم قيامته وهم في أورشليم.

(3)
شهادة 500 أخ كانوا مجتمعين معاً لما ظهر المسيح لهم على الأرجح في الجليل.

(4)
شهادة يعقوب أخي الرب.

(5)
شهادة الرسل أجمعين، مشيراً بذلك على الأرجح لظهوره الأخير يوم صعوده (لو 24:
50-53).

(6)
شهادة الرسول بولس عن نفسه لما ظهر المسيح له وهو على طريق دمشق. فلو خامر أعداء
بولس الشك في هذه الشهادات لما سكتوا.

وفي
إنجيل متى ورد خبر ظهور المسيح بعد القيامة مرتين:

(1)
ظهوره للنساء اللواتي جئن إلى القبر يوم قيامته.

(2)
ظهوره على جبلٍ في الجليل حيث اجتمع الرسل بأمره وأوصاهم أن يذهبوا ويتلمذوا جميع
الأمم ويعمدوهم (مت 28: 16-20).

وفي
لوقا ورد خبر ظهوره أربع مرات:

(1)
ظهوره لبطرس الذي ذكره بولس أيضاً.

(2)
ظهوره لاثنين على طريق عمواس يوم قيامته.

(3)
ظهوره للاثني عشر في مساء يوم قيامته.

(4)
ظهوره للرسل يوم صعوده الذي ذكره أيضاً بولس.

وفي
مرقس ورد ذكر ظهوره ثلاث مرات:

(1)
لمريم المجدلية.

(2)
للتلميذين على طريق عمواس.

(3)
للاثني عشر.

وذكر
يوحنا ظهور المسيح أربع مرات:

(1)
لمريم المجدلية.

(2)
للرسل في غياب توما.

(3)
للرسل بحضور توما بعد الظهور السابق بثمانية أيام.

(4)
لسبعة من التلاميذ على شاطئ بحر طبرية، وهذان الأخيران لم يذكرهما غير يوحنا.

ونتيجة
ما سبق:

(1)
صدَّق كل المسيحيين بقيامة المسيح من الأموات بعد أيام قليلة من حدوثها، وعلى بُعد
أمتارٍ من قبر المسيح الذي خلا من جسده، وكان القبر الفارغ أساس إيمانهم المتين،
وأن نحو 500 أخ كان أكثرهم أحياء حين كتب بولس رسالته قد شاهدوه عياناً بعد
قيامته.

(2)
لم يشك في قيامة المسيح أحد من المؤمنين، ولا جرى عليها جدال ولا اختلاف بين
الأحزاب التي قامت في الكنائس، مع أن تلك الأحزاب قد جرى بينها نزاع وخصام على
تعاليم أخرى. وقد اكتفينا بذكر هذه الشهادات لمعجزة القيامة لتعذُر إنكارها على
ألدّ أعداء الدين المسيحي وأوسعهم علماً وأكثرهم مقاومة له واجتهاداً في نقض أسسه،
ولذلك فهي ذات أهمية في هذا الشأن وقيمة عظيمة.

ومن
الأدلة الكثيرة على صدق هذه المعجزة غير ما ذكرنا شهادة المسيح نفسه، وجميع كَتبة
الإنجيل، وشهادات الجماهير من معاصري المسيح وأهل القرون الأولى بعد العصر
الرسولي. ومن هذا إجماع الكنيسة على نقل يوم الراحة من اليوم السابع من الأسبوع
إلى اليوم الأول منه، تذكاراً لقيامة المسيح. فإن كان المسيح لم يقُم فلا يمكن
تعليل تأسيس الكنيسة على قيامته وثباتها إلى الآن، بل كان يُنتظر أن ديانته
تتلاشى، وأن الذين آمنوا به قبل موته يقعون في اليأس وخيبة الأمل. وأما افتراض
البعض أن الرسل قد خُدعوا أو خَدعوا غيرهم في ذلك فمستحيل. وكذلك القول إن البعض
سرقوا جسد المسيح ونادوا كذباً أنه قد قام. فلو كان ذلك من عمل التلاميذ للزم أنهم
من أخدع أهل العالم. ولو كان من عمل اليهود لأتوا به دليلاً على عدم قيامته. ولا
يمكن برهنة الادعاء أن المسيح أُغمي عليه أو تظاهر بالموت ولكنه لم يمُت حقاً. مع
أن الرومان صلبوه ليميتوه، وجرحوه جراحاً مميتة ليتحققوا موته، ولم يقبلوا بدفنه
إلا بعد أن أعطى قائد المئة شهادته بأنه مات (وشهادته تشبه شهادة طبيب الصحة في
أيامنا) ثم وضعوه في قبرٍ وختموه ووضعوا عليه حراساً. وكذلك الادعاء أن الرسل إنما
رأوا المسيح في الرؤيا فقط عدة مرات، فنادوا بقيامته. ومستحيل أن جمهوراً من البشر
يرى كل منهم تكراراً رؤيا واحدة مرة واحدة في وقت واحد ويتوهَّم صدقها، ثم لا يعود
أحدٌ منهم يرى تلك الرؤيا. ثم يتوهمون استماع مواعظ تتضمن توبيخاً وأوامر ومواعيد
من فم الذين رأوه في الرؤيا فقط، مثل قول المسيح بعد قيامته للتلميذين اللذين ظهر
لهما على طريق عمواس “أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان” وأمره
الرسل أن يذهبوا ويتلمذوا جميع الأمم، وأن يقيموا في مدينة أورشليم إلى أن
يُلبَسوا قوة من الأعالي. وأيضاً أكله وشربه معهم ليبيّن لهم أنه ليس خيالاً بل
شخص حقيقي قام من الموت، وتدقيق توما في الفحص ليتحقق هل للمسيح جسد. وهل يُحتمل
أن ذلك الجمهور توهموا قيامة المسيح مع أنهم لم يكونوا يتوقعونها، بل أيقنوا أنه
مات دون أملٍ عندهم أنه يقوم، أو أنهم انخدعوا بتخيلات باطلة واحتملوا الاضطهاد
الشديد ولم يسلّموا بخطئهم. كل ذلك بعيد التصديق وأصعب جداً من تصديق خبر القيامة،
وليس له ما يثبته ولا ما يرجحه على الأقل. وإذا ثبت وقوع هذه المعجزة بالأدلة
الكافية سهُل علينا تصديق كل ما سواها من المعجزات المذكورة في الكتاب المقدس،
وصحّ قول الرسول بولس لأهل كورنثوس في هذا الشأن، وهو أن علامات الرسول صُنعت
بينكم في كل صبر بآياتٍ وعجائب وقواتٍ (2كو 12: 12).

13 – هل في الكتاب المقدس إشارة لصنع عجائب كاذبة؟

*
في الكتاب كلام صريح في ذلك، ومنه نتعلم كيف نميّز بين المعجزات الإلهية الحقيقية
والآيات الكاذبة، سواء كانت من أعمال الشياطين أو البشر، ومن ذلك قول موسى “إذا
قام في وسطك نبيٌّ أو حالِم وأعطاك آيةً أو أعجوبة، ولو حدثت الآية أو الأعجوبة
التي كلّمك عنها، قائلاً: لنذهب وراء آلهة أخرى لم تعرفها ونعبدها. فلا تسمع لكلام
ذلك النبي أو الحالِم ذلك الحلم، لأن الرب إلهكم يمتحنكم لكي يعلم هل تحبون الرب
إلهكم من كل قلوبكم ومن كل أنفسكم” (تث 13: 1-3). وقول المسيح “كثيرون
سيقولون لي في ذلك اليوم: يا رب يا رب، أليس باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا شياطين
وباسمك صنعنا قوات كثيرة؟ فحينئذٍ أصرح لهم: أني لم أعرفكم قط. اذهبوا عني يا
فاعلي الإثم” (مت 7: 22، 23). “لأنه سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة
ويعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يُضلّوا لو أمكن المختارين” (مت 24: 24). وقول
الرسول في إنسان الخطية إن مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة (2تس
2: 9 ورؤ 13: 11-15 و19: 20).

فنتعلم
مما تقدم:

(1)
إمكان حدوث عجائب بواسطة الأرواح النجسة أو الأشرار، ونعلم من التاريخ أن بعض
البشر (خاصةً السحرة) امتازوا بموهبة خفة اليد في عمل ما هو غريب عند الآخرين.

(2)
تتميز المعجزات الكاذبة عن الحقيقية بأنها صُنعت بقوة بشرية أو شيطانية لا بقوة
إلهية، ولأجل إثبات تعاليم كاذبة أو ما يخالف الحق الإلهي. ويؤيد ذلك قول المسيح
للفريسيين حين اتهموه أنه بقوة بعلزبول رئيس الشياطين يُخرج الشياطين، فقال لهم إن
هدف عجائبه يبيّن أنها ليست من الشيطان، لأن الشيطان عدو لا يعمل ما يؤول لإثبات
الحق. كما أن الله لا يعمل ما يؤول لإثبات الكذب.

وبناء
على ما ذكرنا من قدرة البشر والأرواح النجسة على أعمال غريبة أقام أعداء الدين
الدليل على بُطل معجزات الكتاب المقدس، زاعمين أنه لا يمكن التمييز بينهما، وعليه
فلا يمكن إثبات صدق المعجزات بالحجة القاطعة. فنجيب: إن معجزات الكتاب المقدس
تتميز عن تلك بأن الله صنعها لأهدافٍ تليق به وبعلامات أخرى سيأتي بيانها، وأن تلك
غير مصنوعة بقوة الله ولا لإثبات حق، فهي حسب الكتاب مصنوعة إما بقوة شيطانية أو
بخداع بشري، ولذلك تُسمى آيات كاذبة.

14 – ما هي علامات تمييز المعجزات الصحيحة من الكاذبة؟

*
نشكر الله أن لنا في ذلك دلائل كافية، منها:

(1)
تُصنع المعجزة الصحيحة بقوة الله، وتوافق صفاتها أصلها الإلهي. فإذا درسنا معجزات
الكتاب المقدس رأينا أنها تفوق قدرة البشر، وتليق أن تُنسب إلى الله، ورأينا أن
بينها وبين العجائب الكاذبة فرقاً شاسعاً. فكر في معجزات الكتاب، كالضربات العشر،
وعبور البحر الأحمر، وإنزال النار على مذبح جبل الكرمل، وقتل جيوش سنحاريب، وصعود
إيليا في مركبة نارية، وإقامة الأموات وإسكات العواصف والزلازل، وشفاء ألوف من
أمراضهم وأسقامهم، وإشباعهم في وقت الجوع. وقارن هذه المعجزات العظيمة وأنت تفكر
في العجائب الكاذبة التي ذُكرت في أبوكريفا العهد الجديد عن المسيح وهو ولد، إذ
حوّل الأولاد إلى صغار الماعز لأنهم رفضوا أن يلعبوا معه، وقتل غيرهم لأنهم صدموه
بدون قصد وهم يركضون، ولعن معلّمه لأنه رفض أن يعلّمه الأبجدية العبرانية على
الترتيب الذي استحسنه هو، وعمل من الطين عصافير حية أطلقها في الهواء فطارت، ودخل
دكان صباغ في غيابه ووجد فيه عدة قطع من النسيج يجب أن تُصبغ بألوان مختلفة،
فطرحها كلها دفعةً واحدة في آنية الصبغ ثم أخرجها، وإذا كل قطعة مصبوغة باللون
المطلوب صبغها به! ولما كان طفلاً يرضع من أمه كان بالقرب منها نخلة، فأمرها أن
تنحني لتأكل العذراء من بلحها فصار كذلك، وبعد أن أكلت وشبعت انتصبت النخلة بأمره
كما كانت.

(2)
صُنعت المعجزات الصحيحة لتثبت نظاماً جديداً أو لتُجري تقدّماً في نظام قديم مما
لا يحقّ لأحدٍ أن يفعله إلا الله وحده، فالمعجزة في هذه الحالة ختمٌ على إعلان إلهي.
وهكذا كانت جميع معجزات العهد القديم إما لإثبات إعلانات جديدة، أو لإجراء تغييرات
في أحوال الشعب الدينية، أو ردّهم إلى الله. وكذلك كانت معجزات العهد الجديد
لإثبات تغيير عظيم في إبطال رسوم العهد القديم وإقامة نظام العهد الجديد. أما
العجائب الكاذبة فلا تتعلق بشيء من ذلك.

(3)
تدل المعجزة الصحيحة على عظمة صانعها الأصلي وكانت قليلة الحدوث، فلم تُصنع إلا في
أوقات خاصة. وتتميّز الصحيحة عن الكاذبة في أنك ترى فيها لأول وهلة غِنى نعمة الله
واتساع قدرته وكثرة وسائطه، لأن الموتى يُقامون والمرضى يُشفون والجياع يُشبعون،
وتخضع القوات الطبيعية لكلمته والعناصر لأمره. أما أصحاب العجائب الكاذبة فمحصورون
في دائرة ضيقة جداً لا يقدرون أن يتجاوزوها، خوفاً من الوقوع في صعوبات لا يقدرون
أن يتخلّصوا منها. وليس بين العجائب الكثيرة التي ادَّعوها ما يستحق أن يُقارن
بواحدة من معجزات الله!

أما
الأزمنة الخاصة التي صُنعت فيها المعجزات الإلهية فهي أربعة: زمن موسى ويشوع، وزمن
إيليا وأليشع، وزمن دانيال ورفاقه، وزمن المسيح والرسل، وذلك لشدة الحاجة إليها في
تلك الأوقات. وفي غير هذه الأزمنة صنع الله معجزات قليلة. أما أهل العجائب الكاذبة
فيصنعونها على الدوام، كأن الديانة الإلهية محتاجة كل حين للإثبات!

(4)
تُصنع المعجزة الصحيحة علانية وتقبل الامتحان بالحواس البشرية. ولما كان المقصود
منها إثبات الحق للبشر صُنعت أمام عيونهم بطريقة يمكنهم بها أن يتحققوا من صدقها.
وإذا نظرنا لمعجزات الكتاب المقدس رأينا أن جميعها من هذا النوع، خلافاً للعجائب
الكاذبة التي لا تخلو أبداً من الشبهة، لأنها مصنوعة بخفة اليد البشرية والتدابير
السابقة. وكلها إما أعمال طبيعية أو حيل خداعية لا يصنعونها إلا أمام الراغبين
فيها والذين يميلون للاقتناع بها بسهولة.

(5)
للمعجزات الصحيحة شهادات كافية من شهود أفاضل مخلصين، وتتميّز عن سواها بثلاثة
أمور: (أ) خلو الشهود من الغرض ووجودهم في مكان صُنعها بدون اتفاق سابق بينهم،
فكانت غير منتظرة منهم، وكانت تُصنع في الأسواق والبيوت والمجامع والصحاري، في
النهار والليل أمام الجميع من الأحباء والأعداء، كالفريسيين والكتبة. أما العجائب
الكاذبة فإن الذين يدّعونها يصنعونها غالباً على انفراد أو بمحضر أشخاص من الشعب
معيّنين سابقاً وفي أوقات معلومة، وبذلك يسهل عليهم إتمام الترتيبات المسبّقة
لصنعها. وهم يختارون الذين تُصنع أمامهم ليشهدوا بها لصالح صانعيها والمستعدين
لتصديقها. ولأن معجزات الكتاب المقدس صحيحة لم يخش الرسل من أن يستشهدوا بها. قال
بطرس “يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قِبَل الله بقواتٍ وعجائب وآيات
صنعها الله بيده في وسطكم كما أنتم أيضاً تعلمون” (أع 2: 22). (ب) إخلاص
الشهود وتقواهم وحسن سيرتهم واحتمالهم المشقات والأخطار لأجل تأدية شهادتهم. وهذا
ما نراه في رسل المسيح الأمناء الأتقياء، الذين عيَّنهم الله وأرسلهم لينادوا
بالمسيحية، وكثرة ما احتملوه بسبب شهادتهم من الاضطهاد، ومع ذلك لم ينكروا شهادتهم
ولا كتموها. ومما يزيد الثقة بشهادتهم الأسفار التي كتبوها، لأنه من المحال أن
يخترعوا ما كتبوه من أعمال المسيح وتعاليمه لو لم يكونوا قد رأوا ذلك بعيونهم
وسمعوه بآذانهم. (ج) كان بعض الذين شاهدوا المعجزات من ألدّ أعداء المسيحية، ومع
ذلك لم يقدروا أن يحرّفوا حقيقة المعجزة ويثبتوا بُطلها، وقد مرت قرون دون أن يجسر
أحدٌ من الملحدين أن ينكر حدوث المعجزات، بل سلموا بها، غير أنهم نسبوها إلى غير
قوة الله. وقد جاء في التلمود أن المسيح عمل أعمالاً غريبة، وذكر ذلك أيضاً بيلاطس
البنطي في سجل أعماله الذي قدمه إلى إمبراطور روما.

(6)
تحتمل المعجزة الصحيحة كل امتحان لتحقّق صدقها، وحدث ذلك في كل معجزات الكتاب.
فلما شفى المسيح المولود أعمى، فحص أعداؤه هذه المعجزة بالتدقيق وتحققوا صدقها (يو
9). ولما أقام لعازر من الموت، وتحقق اليهود ذلك بالامتحان الكافي واقتنعوا به،
تشاوروا ليقتلوا لعازر ليبطلوا تأثير تلك الحادثة في عقول الجمهور (يو 11). وحدث
هذا في كل معجزات الكتاب، حتى لم يقدر أحدٌ ممن بحثوا عنها أن ينكروا واحدة منها.

(7)
للمعجزة الصحيحة شهادة متواصلة من جيل لآخر، فلم تُفقد الأدلة عليها، فقد عيَّن
الله أشخاصاً أمناء ليكتبوها في أسفار قانونية قرب وقت حدوثها، واستودع تلك
الأسفار للكنيسة التي حافظت عليها بكل أمانة. وهو يقيم على الدوام أمناء ينادون
بها، وعيَّن ما يُذكّر دائماً بصدق حدوثها كيوم الأحد الذي هو تذكار معجزة قيامة
المسيح، وعيّن المعمودية والعشاء الرباني، والكنيسة بجملتها، والديانة المسيحية.
تلك كلها تذكارات غير منقطعة لا نظير لها في المجد والقوة. وليس بين الحوادث
القديمة ما له من الشهادة الكافية كالمعجزات الصحيحة. وكل من قارن الأدلة على صدق
معجزات الكتاب بالأدلة على صدق العجائب الكاذبة يرى في الحال ما بينهما من الفرق،
مما يقنعه بصدق تلك وكذب هذه، إلا إذا كان من المكابرين!

15 – ما هي فائدة المعجزات في إثبات المسيحية؟

*
تأسست المسيحية على إعلان فائق الطبيعة من عند الله، فأيدها الله بالمعجزات ليثبت
صدقها للبشر. وليس معنى هذا أن الله عاجز عن إثبات إعلانه بدون المعجزات، لكنه رأى
بحكمته الأزلية أن المعجزات دليل يقنع البشر بصدق ما أعلنه. فالمعجزات إذاً مفيدة
للبشر لتقنعهم بصدق دين الله. ونفي المعجزات يبطل صدق الشهادات التاريخية
للمسيحية، ويجعلنا نشك في صدق المسيح ورسله، ويقلل من شأن الكتاب المقدس ويجعله
كالخرافات والقصص الباطلة، لأننا إذا رفضنا المعجزات نرفض صحة الحوادث التي وردت في
الكتاب.

وتظهر
فائدة المعجزات من لزومها لإثبات رسالة معلّميه الأوّلين، وصدق ما علَّموه من
الحقائق الإلهية، بدليل أن الخالق الذي يعلم جميع احتياجاتنا أكثر مما نعلمها نحن
قد أثبت كل حقيقة أعلنها للبشر بالآيات والعجائب. وتظهر أيضاً من سمو ما تتضمنه
الأسفار الإلهية من إعلانات الله. على أن المعجزات ليست الدليل الوحيد على صدق
الديانة، بل لها أدلة أخرى كثيرة يقينية، كرفعه أخلاقياتها، وموافقة تعاليمها
لاحتياجات البشر الساقطين. وفي الكتاب المقدس آيات كثيرة تعلن أهمية المعجزات
لإثبات المسيحية، مثل أع 2: 22 ويو 5: 20، 36 و10: 25 وعب 2: 4.

16 – ما هي فائدة المعجزات في نظام المسيحية؟

*
للمعجزات فوائد كثيرة منها:

(1)
إنها برهان لمجد المسيح، الذي عاش في هذا العالم بكل اتضاعٍ، ولم يكن في أحواله
الدنيوية ومعيشته الجسدية ما يدل على مجده الإلهي، ولذلك كان صنعه المعجزات بقوته
الذاتية دليلاً قاطعاً على أنه قادر على كل شيء، وأن في يده كل سلطان، وأنه الله.
وهذا ما أقنع نيقوديموس بأن المسيح مرسَل من قِبَل الله فجاء إليه يطلب الإرشاد
بالرغم مما اعترضه من الموانع، وقال “يا معلم، نعلم أنك قد أتيت من الله
معلماً، لأن ليس أحدٌ يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن الله معه”.

(2)
إنها إعلان عن أهداف المسيح لخير البشر الروحي وإنقاذهم من شقاء الحال الذي سقطوا
فيه، فكانت معجزاته شفاء أمراض البشر الجسدية ورفع بلاياهم وبركته عليهم وإصلاح
أحوالهم. وأعلنت هذه أنه المنقذ العظيم من المصائب الروحية، وأنه سيطهّرهم من
آثامهم ويُدخلهم الراحة السماوية. فكما وهب البصر لعيون العميان هكذا يهب البصيرة
لقلوبهم. وكما أقام الموتى بالجسد هكذا يقيم موتى الخطايا ويقوي آمالهم بأنه سينزع
سلطان إبليس وكل جنوده، ويخلص شعبه من عبودية ذلك العدو.

(3)
إنها دليل على سمو شأن الشريعة الأخلاقية وأهميتها، لأن المعجزات ترينا أن ثبات
القوانين الطبيعة أمر ثانوي عند الله بالنسبة إلى ثبات الشريعة الأخلاقية، وأنه لا
يتأخر عن توقيف قوانين الطبيعة لأهدافٍ أخلاقية، ولإثبات سلطته على أرواح البشر.
فإن المعجزات تدل على سمو الأهداف الأخلاقية على كل الطبيعيات، كما تدل على قوة
الله وأمانته وحكمته ورحمته، فهو يُجري الأعمال الفائقة لخير البشر، كإعلان نفسه
لهم وتحريرهم من عبودية الخطية.

(4)
إنها دليل على صدق الكتاب المقدس، لأن كتَبَته أثبتوا صدق رسالتهم وتعاليمهم
بصنعهم المعجزات علانية أمام أعين البشر. وبما أنهم كانوا أمناء يخافون الله،
مجتهدين في العيشة الطاهرة وصنع الخير والإحسان لبني جنسهم، يُستبعد أن تكون
معجزاتهم أكاذيب قصدوا بها خداع البشر، خاصةً إذا نظرنا لكثرة عددها وأشكالها،
ولفظاعة نسبة الخداع إلى المسيح. فالمعجزات هي ختم الله على كل تعاليم رُسُله. قال
القديس أغسطينوس “لولا المعجزات لما كنتُ مسيحياً”. ولولا إثبات المسيح
لاهوته بتلك الأعمال المقنعة لكان عدم الإيمان به من أصغر الخطايا، لأنه قال “لو
لم أكن قد عملت بينهم أعمالاً لم يعملها أحدٌ غيري لم تكن لهم خطية”. وله
أقوال أخرى تبين فائدة المعجزات في إثبات رسالته ورسالة كل الذين اختارهم وأرسلهم
ليعلّموا الناس ما كشفه لهم من الحقائق.

17 – هل تستغني المسيحية عن دليل المعجزات؟

*
لما كان دليل المعجزات من أقوى الأدلة وأهمها على صدق المسيحية، كان التغاضي عنها
أو نفي صحتها خللاً صريحاً، بل يلزم عن ذلك بطلان المسيحية لأنها تكون مؤسسةً على
الخداع والكذب. ولإيضاح ذلك نقول إن إنكار قيامة المسيح ينقض الأساس الذي بُني
عليه صدق الدين، ويلقي الشبهة على صحة كل حوادثه. وبما أن الله أقام المعجزات
شهادة لصدق رُسُله ليعلّموا الشعب ديانته، كان رفضها بمثابة نسبة الكذب إلى الله
ورُسله، وكانت المسيحية ديناً طبيعياً لخلوّها من أهم أركان الدين الجوهرية،
كالتجسد والوحي والقيامة، وكانت شهادة المسيح نفسه “الشاهد الأمين الصادق”
غير صحيحة، وكذلك شهادة جميع رسله، وكانت المسيحية ليس طبيعيةً فقط، بل خداعاً
وكذباً أيضاً. وقد فشل كل الذين حاولوا أن يثبتوا المسيحية مع إنكارهم صحة
المعجزات بل أفضى بهم ذلك إلى النتيجة الضرورية وهي إنكار الدين أيضاً.

18 – هل تُضعِف قِلّة حدوث المعجزات في الأزمنة
التالية قوة دليلها على صدق الكتاب المقدس؟

*
لا. لأن ما حدث في زمنٍ ما (إذا كان صحيحاً في نفسه) يبقى صحيحاً في كل زمان، لا
يتأثر في صحته ولا يُنفى صدقه. غير أن إثباته لأهل القرون المتتابعة يحتاج إلى
شهادات كافية قاطعة على سلامة النقل وخلوه من كل تحريف وزيادة ونقصان. وقد عيّن
الله وسائط ليُبقي شهادته قوية، منها:

(1)
ألهم أناساً أمناء تحققوا وقوع المعجزات، فدوّنوها في الأسفار المقدسة التي أوحى
إليهم بها.

(2)
أقام جماعة (هي الكنيسة) بنظام ثابت دائم، واستأمنها على تلك الأسفار لتحفظها بكل
عناية، ولتنادي بما حوته من التعاليم والمعجزات والحوادث.

(3)
أقام تذكارات دائمة للحوادث التي قصد إبقاء ذكرها، كالعشاء الرباني الذي هو تذكار
موت المسيح، ويوم الأحد الذي هو تذكار قيامته، والكنيسة التي هي تذكار كل تعاليمه
ومحبته لبني البشر.

(4)
ذكرت المؤلفات والتواريخ غير الدينية (التي كُتبت في العصر المسيحي الأول) الحوادث
التي وردت في الكتاب المقدس، ومن ذلك سجلات الحكومات التي عاصرت الأحداث كسجلات
الشعب اليهودي المدنيّة، وسجلات المملكة الرومانية التي ورد فيها ذكر بعض حوادث
الدين المسيحي. فالوسائط المتقدمة كافية بنفسها، فضلاً عن عناية الله الخاصة
لإبقاء ذكر حقائق كالمعجزات من دورٍ إلى دور إلى انقضاء العالم على سلامتها دون أن
يشوبها أدنى خلل أو فساد يضعف قوتها أو يقلل شأنها.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى