علم المسيح

25- لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى،



25- لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى،

25- لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى،

لم آتِ
لأدعو أبراراً بل خطاة إلى التوبة

كانت
المناسبة هامة وخطيرة. فقد دعا المسيح “لاوي” الذي صار فيما بعد القديس
متى الإنجيلي ليترك جباية العشور ويتتلمذ وراءه، فاستجاب لاوي وعمل لذلك وليمة في
بيته ودعا إليها العشَّارين المحسوبين أنهم خطاة، وأصدقاء لاوي وهم أيضاً خطاة،
وجلس المسيح في وسطهم: “وبينما هو مُتَّكئ في البيت إذا عشَّارون وخطاة
كثيرون قد جاءوا واتَّكأوا مع يسوع وتلاميذه. فلمَّا نظر الفرِّيسيون قالوا
لتلاميذه: لماذا يأكل معلِّمكم مع العشَّارين والخطاة؟” (مت 9: 10و11)

كنَّا
لتوِّنا نتكلَّم عن الحكمة في سلوك المعمدان التي ظهرت كحياة نسك وتقشُّف شديدة،
فلا خبز ولا طعام ولا لباس ناعم ولا بيت للمبيت، فالجبال تحتضنه أو هو يحتضنها
ويبيت على أصوات الوحوش، ويستيقظ مع الفجر لينادي باقتراب الملكوت والتوبة التي
تليق بالملكوت. وكنا نتكلَّم عن الحكمة في سلوك المسيح كيف جاء للحزانى ومنكسري
القلوب وللنائحين والمتعبين وثقيلي الأحمال. فكان عمل المسيح الأساسي أن يرفع
أحمالهم عنهم ويهبهم نعمته ويشفي كسر قلبهم بعزاء روحه القدوس. والذي نوى أن يسفك
دمه من أجلهم أراد أن يشاركهم فقر حياتهم ليشتركوا في غِنَى حبه وعطفه، يأكل
لقمتهم ويشرب من كأسهم تمهيداً ليشتركوا هم بالسر في جسده والشرب من كأس دمه: [هو
أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له]، هكذا تسبِّح الآن الكنيسة له. اشترك في فقرنا
لنشترك نحن في غناه، ذاق مرارة حياتنا لنتذوَّق نحن السعادة في الحياة معه.

ولكن
من أين الحكمة للذين رفضوا بر الله ليضمنوا بر أنفسهم؟ فإن كانت عيون الفرِّيسيين
قد أُغلقت عن معرفة المسيَّا فليس كثيراً أن يذموا سلوكه. وإن كان قد أخفى عن
قلوبهم وأفهامهم كيف سيفدي الخطاة بسفك دمه فكيف يفهمون لماذا يجلس مع الخطاة
والعشَّارين ويأكل من لقمتهم ويشرب من كأسهم؟

لهذا كان رد المسيح على سؤالهم: “لماذا يأكل معلِّمكم
مع العشَّارين والخطاة” (مت 11: 9)
؟ أنه جاء من أجلهم كطبيب يشفي جراح قلوبهم، أما هم الأصحاء
فليس لهم فيه نصيب ولا تطبيب. جاء
ليحمل عن
الخطاة خطاياهم ويسلِّمهم برَّه الشخصي، أمَّا الفرِّيسيون فلأنهم أبرار عند
أنفسهم تركهم في
خطاياهم! ثم خاطبهم:
“فاذهبوا وتعلَّموا ما هو (مطلب الله) إني أريد رحمة لا ذبيحة!” (مت

13: 9)

مقالات ذات صلة

 

26- رقعة من
ثوب جديد على ثوب عتيق،
وخمر جديدة في زقاق عتيقة

واضح من كلام المسيح في هذين المثلين أن الطبيعة القديمة لا
يمكن أن تتجدَّد بإضافة عمل

خارجي. والكلام جاء بعد سؤال تلميذي المعمدان:
لماذا لا يصوم تلاميذك؟ والعمل الخارجي الذي يراد به
التجديد هو الصوم والنسك والصلوات المحفوظة كما قالها
ومارسها تلاميذ المعمدان. ولكن مهما كانت
التدريبات المفروضة على الإنسان فهي لا تستطيع أن تغيِّر الطبيعة القديمة.
هذا من جهة التلاميذ
الذين يُراد تجديد طبيعتهم
بالصوم والنسك. كذلك وبنفس الاستحالة لا يمكن أن مبدأً روحياً من العهد الجديد
نطبِّقه
على إنسان يعيش على مبادئ
العهد القديم كالفريسيين مثلاً، إذ يستحيل أن الفرح الروحي
وحرية الإيمان تليق أو تنمِّي طبيعة إنسان فرِّيسي
يهتم لذاته ومسرَّاته ويفرح
بالتحيَّات
في الأسواق والتسابق إلى الولائم. والقصد الأساسي من هذا المثل أن الطبيعة العتيقة
ينبغي أن تتحوَّل بجملتها إلى طبيعة جديدة
بالإيمان بالمسيح. فلا رقعة من الجديد تصلح لتجديد طبيعة عتيقة، ولا رقعة
من العتيق تصلح لطبيعة
جديدة.

كذلك
فمن كلام المسيح من واقع المثلين نفهم أنه لا يمكن التجديد من الخارج، فالمسألة لا
تحتمل الترقيع. فالتجديد يبدأ بميلاد جديد
التي هي كما دعاها بولس الخلقة الجديدة
بالروح
كما شرحها المسيح
لنيقوديموس. كذلك في مسألة الخمر الجديدة التي إذا وُضعت في زقاق عتيقة تمزِّقها
بسبب تفاعلاتها الداخلية التي لا يحتملها جلد الزقاق العتيق. هذا يعني بوضوح أن
هيكل التعليم في العهد القديم ضيِّق ومحدود لا يحتمل قوة الروح والنعمة والحرية
التي للمسيح.

ولكن
الاحتراس الوحيد الذي يلزم هنا أن ننبِّه عليه ذهن القارئ والشارح والواعظ هو قول
المسيح إنه ما دام العريس معهم فلا يصومون، ولكن متى رُفع العريس عنهم حينئذ
يصومون. فلو فهمنا أن ارتفاع المسيح هو صعوده إلى السماء، يختل المعنى ويصير مرَّة
أخرى وكأننا نضع رقعة من ثوب عتيق هذه المرَّة في الثوب الجديد. وهنا كما سبق
وقلنا في موضعه صفحة 121-122 أن ارتفاع المسيح
يعني غيابه بالروح. بمعنى أنه إذا غاب المسيح عن القلب وعن الوعي الصافي، فحينئذ
يتحتَّم البكاء والنوح والصوم ولبس المسوح، حتى يعود المسيح ويأتي ويملأ القلب
فرحاً ونعيماً وسروراً. بغير هذا المعنى يكون المثل أعلاه فاقداً قوته، وتكون رجعة
إلى وضع الخمر الجديدة في زق عتيقة قد تشقَّق جلدها. فالمنهج الروحي المسيحي
الكامل لا يقبل بأي حال من الأحوال اقتطاع جزء منه واستخدامه دون أن يكون متَّصلاً
اتصالاً كاملاً بالكل.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى