اللاهوت الطقسي

أولاً: ذبيحة الخطية



أولاً: ذبيحة الخطية

أولاً: ذبيحة الخطية

(لاويين 4و5: 1-13 و6: 24-30): Sin Offering

كانت تُسمى بالعبرية حطا: Hatta ويكشف الوحى عن غاية هذه الذبيحة بقوله: “إذا
أخطأت نفس سهواً فى شىء من جميع مناهى الرب التى لا ينبغى عملها وعملت واحدة
منها” (لاويين 4: 2).
فهى ذبيحة مقدمة عن الخطاة الذين يسقطون عن ضعف أو
جهل أو سهو فى احدى المناهى مخالفين الرب ووصاياه كإخفاء اليمين الكاذب سهواً (أو
بدون علم أو عن غير قصد)، أو عن الأكل بدون علم مما هو مقدس، ودخول الهيكل فى حالة
دنس.. إجمالاً كانت تُقدم عن خطايا الجهل بإحدى النواهى المحرمة (ويحصيها معلمو
اليهود ب 365 خطية) وتُقدم عن خطايا الفعل دون القول، أو عن الخطايا التى لو
اُرتكبت عمداً لاستحق فاعلوها القطع من جماعة إسرائيل (ويحصيها معلمو اليهود ب 36
خطية) ([1]).

ونجد فى طقس هذه الذبيحة أمراً هاماً وهو
تقييم الخطية تبعاً لمركز مرتكبها، ومدى إدراكه لمفهوم الخطية وحدودها وبشاعتها،
وكإنما
أراد الطقس أن يقسم درجات الناس بالنسبة للخطية وإن اعتبار الناس (بالنسبة للخطية)
ليس واحداً أمام الله. ويتضح ذلك من أن الذبيحة التى تُقدم عن خطية رئيس الكهنة
وكل الجماعة غير تلك التى تقدم عن خطية الرئيس العلمانى، وغيرها تلك التى تقدم عن
خطية الإنسان العادى .. معنى هذا أنه لا تُوجد مجاملة للناس تبعاً لمراكزهم ولا
أخذ بالوجوه.

 

V القيمة الأولى: ذبيحة الخطية عن:

(أ) الكاهن الممسوح يُقدم عنها ثور بقر صحيح
(خروج 29،لاويين 4).

(ب) مجمع الشعب معاً يُقدم عنها ثور بقر صحيح (لاويين
4: 13).

إن خطية رئيس الكهنة ذات خطورة، لذلك وضعها قبل
خطية مجمع الشعب وهو إن كان يتساوى مع مجمع الشعب فى نوع ذبيحته التى يقدمها عن
خطيته، إلا أنه قُدم فى الطقس كأول، ليس تكريماً له عن غيره، وإنما لكى
يدرك الكهنة ضعفهم ويشعروا أنهم أكثر من غيرهم محتاجون إلى التكفير عن خطاياهم.

يشعر الكاهن أنه ليس بمعصوم عن الخطأ ولا هو من
طبقة غير طبقة الشعب، إنما هو خادم الجميع وأكثرهم احتياجاً. هذه الاحساسات أعلنها
الرسول بولس بقوله: “صادقة هى الكلمة ومستحقة كل قبول أن المسيح يسوع جاء
إلى العالم ليخلص الخطاة الذين أولهم أنا” (تيموثاس الأولى 1: 15)
، كما يقول
“فإن الناموس يُقيم أناساً بهم ضعف رؤساء كهنة”
(عبرانيين 7:
28).
وثانياً لأنه لا يستطيع أن يعتذر بالجهل وعدم المعرفة، فمن فمه
تُطلب الشريعة إذ هو رسول رب الجنود (ملاخى 2: 7) .. يقول الله مبكتاً عالى
الكاهن “لذلك أقسمت لبيت عالى، أنه لا يكفَّر عن شر بيت عالى بذبيحة أو
بتقدمة إلى الأبد”
(صموئيل الأول 3: 14) .. إن أخطأ إنسان يصلى
عنه الكاهن ويشفع فيه، ولكن إن أخطأ الكاهن فمن يشفع عنه (صموئيل الأول 2: 25).

ويقول العلامة أوريجانوس:

(“فإن الناموس يقيم أناساً بهم ضعف
رؤساء كهنة” (عبرانيين 7: 28)
حتى يستطيعون بالأكثر بسبب ضعفهم أكثر من
الشعب أن يُقدموا ذبائح. أنظر مدى تدبير الحكمة الإلهية، إذ يُقيم الله كهنة ليس
ممن لا يقدرون أن يخطئوا وإلا كانوا ليسوا بشراً.. لهذا فرئيس الكهنة “يقدم
ذبائح أولاً عن خطايا نفسه ثم عن خطايا الشعب” (عبرانيين 7: 27))
([2]).

وهنا أيضاً نرى أن الطقس لم ينظر إلى الكثرة
العددية فى نوع الذبيحة فآلاف الشعب مجتمعين إذا أخطأوا كانت ذبيحتهم ثور بقر
كذبيحة رئيس الكهنة الفرد. والتساوى فى نوع الذبيحة يكشف عن خطورة خطية مجمع الشعب
أيضاً أمام الله مباشرة (خروج 32: 35).

 

V طقس تقديم الذبيحة:

إذا أخطأ الكاهن الممسوح أو سها كل جماعة
إسرائيل:

1.              
 يقّرب ثور ابن بقر صحيحاً (بلا عيب) للرب.

2.       يُقدم الثور إلى باب خيمة الاجتماع أمام الرب،
ويضع يده على رأس الثور معترفاً بخطاياه (فى حالة جماعة إسرائيل كان يُشترى بمال
الجماعة، ويضع شيوخ الجماعة أيديهم على رأس الذبيحة ويعترفوا بخطيتهم).

3.       يذبح الثور ويؤخذ من دمه ويدخل به إلى خيمة
الاجتماع ويغمس الكاهن إصبعه فى الدم وينضح الكاهن منه سبع مرات لدى حجاب القدس
تجاه قدس الأقداس.

4.              
 يجعل الكاهن من الدم على قرون مذبح البخور.

5.              
 يصب باقى الدم أسفل مذبح المحرقة ([3]).

6.              
 جميع شحم الذبيحة يُنزع ويُحرق على المذبح.

7.              
 جلد الثور وكل لحمه يُحرق على حطب خارج المحلة
فى مكان طاهر (مرمى الرماد).

ونلاحظ فى هذا الطقس الآتى:

أولاً: يضع الكاهن الذى من
أجله قُدمت الذبيحة يده على رأس الثور معترفاً بخطاياه (مزمور 32: 5)، فإن
كان الكاهن يقبل اعترافات الآخرين يلزمه – أياً كانت رتبته – أن يمارس الإعتراف.
إنه يعترف هو أيضاً بخطاياه، معلناً أن يسلك مع الشعب طريق التوبة والتذلل أمام
الله والإعتراف بخطاياه.

ثانياً: ما يتم بالدم بهذه
الدقة لا يمارس بلا هدف، لأنه إذا أخطأ رئيس الكهنة الذى يتوسط لدى الله عن الشعب
خلال تابوت العهد مخترقاً الحجاب وخلال مذبح البخور الذهبى ومذبح المحرقة النحاسى،
صار هو نفسه محتاجاً لمن يشفع فيه. فينطلق الدم الذى يرمز لدم السيد المسيح يشفع
فيه مقدساً له الطريق. كأنه بالدم الثمين الذى يتمسك به رئيس الكهنة يستطيع أن
يخترق الحجاب منطلقاً إلى تابوت العهد لينعم باللقاء مع الله الذى يتجلى على غطاء
التابوت فوق كرسى الرحمة، وبالدم يرفع الصلوات كما على مذبح ذهبى، وبه يتقبل الله
ذبائح محبته كما من المذبح النحاسى. هكذا ينضح بالدم سبع مرات علامة التقديس
الكامل ليمارس رئيس الكهنة عمله الكهنوتى من جديد، فيقبل الله صلواته ويستمع
لطلباته ويشتّم تقدماته عن الشعب رائحة زكية.

ثالثاً: فى إيقاد الشحم ما يدل
على أن ذبيحة الخطية، ليست كلها للتكفير عن الخطية، بل هناك مصالحة وعودة الشركة
مع الرب.

رابعاً: بينما نجد أن ذبيحة المحرقة
كانت تُفحص بالسلخ والتقطيع والغسل، إشارة إلى الفحص الذى أثبت بر المسيح وقداسته،
لا نجد مثل هذا الفحص فى ذبيحة الخطية، بل على العكس كان يخرج بها الكاهن خارج
الهيكل وخارج المحلة كلها، إشارة إلى عدم ترائيها أمام الله أو إلى عدم
إمكانية رؤية الله لها توضيحاً لجُرم الخطية
وشناعتها والمسيح
كذبيحة خطية –
نُفذ فيه ذلك.. يقول الرسول بولس: “فإن الحيوانات التى يُدخل بدمها عن
الخطية إلى الأقداس بيد رئيس الكهنة تحُرق أجسامها خارج المحلة. لذلك يسوع أيضاً
لكى يقدس الشعب بدم نفسه تألم خارج الباب فلنخرج إذاً إليه خارج المحلة حاملين
عاره”
(عبرانيين 13: 11 – 13).

والكنيسة فى طقس أسبوع الآلام (البصخة) تُصور
هذه الحقيقة
أمام العابدين. فُيغلق الهيكل الذى يمثل السماء –
وتخرج الكنيسة خارج الهيكل إلى الخورس الأول – تخرج إليه بشعبها حاملين عار
المسيح.. كانت الفكرة إنه لا يصح أن ذبيحة الخطية التى حملت خطايا تُحرق داخل خيمة
الاجتماع أو حتى داخل المحلة لئلا تتنجس المحلة. وكأن المسيح أخذ هذا الوضع.. فبدل
أن نخرج نحن بسبب خطايانا، خرج المسيح إلى الخارج حاملاً خطايانا.

خامساً: كانت الذبيحة تُحرق كلها، تعبيراً عن أن
الخطية دنست
الإنسان كله، حسبما يقول إشعياء النبى: “كل
الرأس مريض وكل القلب سقيم. من أسفل القدم إلى الرأس، ليس فيه صحة بل جرح وإحباط
وضربة طرية لم تُعصر ولم تُعصب ولم تليَّن بالزيت”
(إشعياء1: 5 و6)
إن جلد الذبيحة يرمز إلى حياة المظهرية والكبرياء، والرأس يمثل الأفكار الشريرة،
والأكارع ترمز إلى الأقدام التى سعت إلى الخطية، والأحشاء ترمز إلى الشهوات
الداخلية المختلفة، وباقى الأعضاء اشتركت بلا شك فى الخطية لذا تحرق جميعها.

سادساً: فى ذبيحة الكاهن
الممسوح يضع يده ليعترف بخطاياه، أما فى خطية جماعة إسرائيل يضع الشيوخ أياديهم
نيابة عن الشعب كله. هنا لا يضع رئيس الكهنة يده.. ليس تبرئة لرئيس الكهنة من
خطايا الشعب الجماعية وإنما مشاركة للشيوخ معه فى المسئولية، فلا يعمل رئيس الكهنة
بمفرده بل يسنده الشيوخ فى التدبير العام لشئون الشعب الروحية.

ويعلِّق العلامة أوريجانوس على ذلك
قائلاً:

(لاشك أن كل تقدمة
ذُكرت، لها جانب من شبه المسيح وصورته. لأن كل ذبيحة – بالتأكيد – قد تجمعت فيه،
إذ أن كل الذبائح التى سبقته كرمز وظل، قد أُعطيت كإشارة لذاك الذى قدم نفسه
ذبيحة.

فبخصوص هذه الأمور، قد
أظهرنا بأقصى ما فى استطاعتنا، كيف أن الثور الذى قُدم بواسطة رئيس الكهنة كمحرقة
أو ذبيحة خطية، كان يشير إلى المسيح. لكن الشحم الذى قُدم فى المحرقة والذى كان
مخفياً فى الداخل وأخذ مع الكليتين، يمكن أن يفُهم أنه (يُشير إلى) نفسه المقدسة
التى كانت بالتأكيد فى الداخل، أى أنها كانت تخفى أسرار لاهوته. ولكن الشحم قُدم
مع الكليتين، أى مع جسده الذى اتخذه بكل طهارة من طبيعتنا. وجعل طبيعة الجسد (الذى
يخصه) وسيطاً بين الجسد البشرى والله، لكى يقدمه ذبيحة على المذابح المقدسة، حتى
يستنير بلهيب النيران الإلهية لكى يستبقيه معه فى السماء.

ولكن، ماذا عن الكلية الصغيرة التى تُطرح فى
النار؟ هل يشك أحد فى أنها تشير إلى خلو المسيح من كل أوجاع الشهوات الجسدية؟ أما
كون رئيس الكهنة مطالباً بأن يرش بعضاً من دم الذبيحة سبع مرات أمام الرب، فإنه
يشير إلى عمل الروح القدس تحت سر سبعة أرواح الله. كما تشير أربعة قرون المذبح
التى تُمسح بالدم إلى آلام المسيح التى ذُكرت فى الأناجيل الأربعة. أما الكبد الذى
قُدم على المذبح، والذى يدل على قوة ثورة الغضب، فإنه يشير إلى قتل اللعنة
وإبطالها. أما بقية الدم الذى يُسكب أسفل المذبح، فإنى أظن أنه يشير إلى نعمة الرب
التى فى آخر الأيام، بعد دخول ملء الأمم، سوف تتقبلها بقية إسرائيل الباقية – كما
لو كانت عند أسفل المذبح – متطهرة برش دم المسيح) ([4]).

 

V القيمة الثانية: ذبيحة الخطية عن:

رئيس علمانى فى الشعب يُقدم عنها تيس ماعز ذكر
(لاويين4: 22)

هذه الذبيحة تخص أصحاب
السلطان المدنى كالملوك والشيوخ والقضاة، وقد ميزت الشريعة خطيتهم عن خطايا عامة
الشعب لأنهم قادة ومسئولون، كل خطأ يرتكبه أحدهم يمكن أن يُعثر الكثيرين، ولو
ارتكبه الإنسان سهواً أو عن جهل.

كان نوع الذبيحة يتغير من ثور بقر إلى تيس ماعز،
إشارة إلى هبوط مستوى خطورة الخطية من ناحية، ومن ناحية أخرى وهى الأهم، أن الرئيس
العلمانى ليس مسئولاً وحده عن خطيته بل يشترك فيها الكاهن المباشر عليه أو المسئول
عنه، فخطيته لم تعد تواجه الله مباشرة.

 

V طقس تقديم الذبيحة:

إذا أخطأ رئيس علمانى:

1.               
يُقرب تيساً من الماعز ذكراً صحيحاً.

2.               
يذبحه فى الموضع الذى يذبح فيه المحرقة
أمام الرب.

3.       يأخذ
الكاهن من دم الذبيحة بإصبعه على قرون مذبح المحرقة الأربعة مبتدئاً من الجنوب
الشرقى فالشمال الشرقى ثم الشمال الغربى وينتهى بالجنوب الغربى أى عكس عقارب
الساعة ([5]).

4.               
يسكب باقى الدم أسفل مذبح المحرقة.

5.               
جميع شحم الذبيحة يُنزع ويُحرق على
المذبح.

6.              
الكاهن الذى يعملها
للخطية يأكلها. فى مكان مقدس تُؤكل فى دار خيمة الاجتماع (لاويين 6: 26).

ونلاحظ فى هذا الطقس
الآتى:

أولاً: ذبيحة الكاهن الممسوح
ومجمع الشعب يُدخل بدمها إلى القدس داخل خيمة الاجتماع، أما ذبيحة الرئيس العلمانى
وخطية الفرد العادى فلا يُدخل بدمها إلى القدس إطلاقاً!! إشارة واضحة إلى أن رئيس
الكهنة ومجمع الشعب مسئولون عن خطاياهم أمام الله، أما الرؤساء العلمانيون وأفراد
الشعب، فالكهنة مسئولون ضمناً عن خطاياهم، لذلك لا يدخل بدم ذبائحهم أمام الله:
فهو المسئول عن دمهم.

ثانياً: فى طقس هذه الذبيحة لا
يُحرق الجلد واللحم كما فى الذبيحة الخاصة بخطية رئيس الكهنة، بل يكونا من نصيب
الكهنة ويقدم لنا الفيلسوف اليهودى الإسكندرى فيلون تفسيراً مقبولاً لذلك،
إذ يقول إن أكل الكهنة للحم من ذبيحة الخطية يعطى طمأنينة لمقدمها أن الله غفر
خطاياه وقبله (لأن الله لن يسمح لخدامه أن يشتركوا فيها لو لم يكن قد نزع الخطية
وغفرها تماماً عمن كُفر عنه)([6]).

ويعلِّق على ذلك القديس كيرلس الكبير
قائلاً:

[.. وفى موضع آخر يقول إله الكل نفسه قاصداً
أولئك الذين كانوا قد اُختيروا للكهنوت حسب الناموس: “يأكلون خطية
شعبى” (هوشع 4: 8)
أى أنهم يأكلون ذبيحة الخطية، لأن نصيب الكهنة
وميراثهم هو الجزء المخصص للرب، حسب الكتب.

فالمسيح، إذن، صار ذبيحة لخطايانا حسب الكتب (كورنثوس
الأولى 15: 3، إشعياء 53: 4 – 6).
من أجل هذا يقول إنه دُعى خطية كما كتب بولس
الممتلىء حكمة قائلاً: “لأنه جعل الذى لم يعرف خطية، خطية لأجلنا”
(كورنثوس الثانية 5: 21)، يعنى الله الآب (هو الذى جعل المسيح خطية
لأجلنا). لأننا لا نقول إن المسيح صار خاطئاً، حاشا، ولكن لكونه باراً، أو هو فى
الحقيقة البر نفسه، لأنه لم يعرف خطية، فإن الآب جعله ذبيحة من أجل خطايا العالم. “وأحصى
مع أثمة”
(إشعياء 53: 12). إذ تحمَّل محاكمة لا تليق إلا بالأثمة.
ويشير إلى ذلك أيضاً إشعياء النبى الملهم بالروح قائلاً: “كلنا كغنم
ضللنا، ملنا كل واحد إلى طريقه. والرب وُضع عليه إثم جميعناً. لكن أحزاننا حملها،
وأوجاعنا تحمَّلها.. وبُحبره شُفينا” (إشعيا 53: 6و4و5)
بطرس الممتلىء
حكمة يكتب قائلاً: “الذى حمل هو نفسه خطايانا فى جسده على الخشبة”
(بطرس الأولى 2: 24)) ([7]).

 

V القيمة الثالثة:
ذبيحة الخطية عن:

فرد من عامة الشعب: يقدَّم عنها أنثى ماعز أو
أنثى ضأن (لاويين 4: 28).

تُقدم هذه الذبيحة عن
الخطأ السهو الذى يرتكبه أحد العامة من الشعب. ولعل تحديد الأنثى لأنها أرخص وفى
متناول يد الكثيرين.

 

وطقس هذه
الذبيحة مطابقاً لطقس ذبيحة الرئيس العلمانى.

ونلاحظ فى طقس الذبيحة
أن مُقدم الذبيحة كان لا يحق له أن يأكل منها. أما السبب فهو أن مُقدم الذبيحة لا
دخل له فى الكفارة، لكن الكاهن كان له دور، إذا كان وسيطاً. لذا يحق له أن يأكل
منها.

 

V ذبيحة الخطية لغير القادرين:

لما كانت ذبيحة الخطية إلزامية، لذا حرصت
الشريعة أن يقدمها الغنى كما الفقير، كلّ حسب امكانياته، فقيمة الذبيحة لا فى
ثمنها المادى ولا فى التقدمة ذاتها وإنما فيما تحمله من رمز لذبيحة السيد المسيح
المجانية،
التى قُدمت عن الجميع بلا تمييز.

إن كان الإنسان غير
قادر على تقديم أنثى ضأن أو أنثى ماعز يقدم يمامتين أو فرخى حمام. أما اختيار
طيرين فلأنه يصعب انتزاع الشحم من الطير لتقديمه على المذبح ونوال الكهنة نصيبهم
من اللحم لذا تُحسب أحداهما عوض الشحم، تُقدم على المذبح وتُقدم الأخرى للكهنة
كنصيب لهم عوض اللحم.

ويلاحظ أن الطير الذى يُحرق كذبيحة خطية يدعى محرقة”
ليس لأنه ذبيحة محرقة، وإنما لأنه يُحرق بكامله دون أن يُنزع منه شحم أو لحم.
والثانى يقدم ذبيحة خطية يحز رأسه من قفاه ولا يفصله وينضح من دمه على حائط المذبح
والباقى من الدم يعصر إلى أسفل المذبح. وقد قدمت العذراء مريم لتطهيرها فى تمام
الأربعين يوماً لولادة الرب يسوع، ذبيحة الفقراء – زوج يمام أو فرخى حمام (لوقا 2:
22-24).

وإن لم تنل يده كفاية (لاويين 5: 7) فلا يملك أن
يقدم يمامتين أو فرخى حمام. فى هذه الحالة كان له أن يقدم تقدمة طعامية إذ يقدم
عُشر إيفة من الدقيق قربان خطية. ولكى يميز بينه وبين تقدمة القربان أُلزم ألا
يُوضع عليها زيت ولا لبان، إذ لا تقدم هذه التقدمة إكراماً للرب كتقدمة قربان بل
تكفيراً عن الخطية.

لكن قد يتساءل البعض: كيف يُقدم الدقيق ذبيحة
خطية مع أنه “بدون سفك دم لا تحصل مغفرة” (عبرانيين 9: 22)؟
يُجاب على ذلك أن الكاهن يقبض منه قبضته ويُوقده على المذبح على وقائد الرب،
فيختلط الدقيق بدماء الذبائح الأخرى المقدمة على المذبح. فلا يوجد شىء بهيج فى
ذبيحة الخطية، التى كانت ترمز إلى شىء رهيب – ذاك الذى تم فى ملء الزمان، فى ذبيحة
المسيح الفادى عن حياة العالم.

فى ذبيحة الخطية لا
نسمع أنها للرضى والمسرة، بل نسمع فقط أن مُقدِّمها يضع يديه عليها معترفاً
بخطاياه فتنتقل خطاياه منه إلى ذبيحته، فتساق الذبيحة للموت عوضاً.

هكذا أيضاً رأينا هذا العمل يكمل على الصليب إذ
تقدم المسيح لله حاملاً خطايا وآثام ونجاسات الإنسان “الذى حمل هو نفسه
خطايانا فى جسده على الخشبة لكى نموت عن الخطايا فنحيا للبر” (بطرس الأولى 2:
24).

وأبرز ما فى شريعة
الخطية نقطتين أساسيتين:

الأولى: تُحسب أنصبة الكهنة
منها
قدس أقداس” يأكلها الكهنة فى دار
الخيمة، كل من يمس لحمها يتقدس (لاويين 6: 24-29) بمعنى إنه لا يجوز أن
يأكل منها إلا من كان مستعداً، ومن جانب آخر أن من يمسها يُحسب فى ملكية الرب
نفسه.

الثانية: هى قدسية الدم، فإن
انتثر من دمها نقطة على أى ثوب يصير مقدساً ويُغسل فى مكان مقدس، وإناء الخزف الذى
تطبخ فيه يتقّدس، لذا يُكسر حتى لا يُستخدم لشىء آخر. وإن كان نحاسياً فيجلى جيداً
بماء مقدس ويُشطف لأن النحاس لا يمتص شيئاً من دم الذبيحة.. هكذا رأى يوحنا الحبيب
فى رؤياه أثر الدم ومفعوله فى المؤمنين المفديين فى السماء الذين غسلوا ثيابهم
وبيضَّوها فى دم الخروف (رؤيا يوحنا 7: 14). لقد كان كل ذلك رمزاً لدم
المسيح الفادى الذى يطهر من كل خطية.

فى هذا يقول القديس كيرلس الكبير:

(لقد صار المسيح من أجلنا خطية”
ولكن إن كان هكذا من أجلنا قد تذلل، إلا أنه ظل مع ذلك
قدوساً”،
ليس مثلنا بشركته مع آخر، ولكن بواسطة طبيعته الخاصة ما دام هو الله. ونحن نؤمن أن
الخليقة كلها به وفيه قد تقدَّست، حتى الملائكة. فالخلائق الأكثر سموًّا ورفعة:
الكراسي والرئاسات، بل وأيضاً السيرافيم أنفسهم لم تتقدَّس بشىء آخر إلا بالآب
والابن فى الروح القدس) ([8]).

 

V المناسبات الأخرى التى تقدم فيها هذه
الذبيحة:

1- تكريس الكهنة وتكريس اللاويين:

أ. كان يجب تقديم ذبيحة
خطية عند تكريس هارون وأولاده (لاويين 8: 2و14و15) وكان موسى – فى تلك
الحالة – هو الذى يقوم بذبح الذبيحة ورش الدم على قرون المذبح. كما قدم هارون فى
اليوم الثامن عجلاً ذبيحة خطية، وقدمت الجماعة تيساً (لاويين 9: 2و3).

ب. عند تكريس اللاويين
لخدمة الرب، كان يجب تقديم ثور لذبيحة خطية (عدد 8: 8و12).

2- فى المناسبات والأعياد:

أ – قدم كل سبط من أسباط إسرائيل الاثنى
عشر – كلّ فى يوم – عند تدشين الخيمة تيساً واحداً ذبيحة خطية (عدد 7:
16.. الخ).

ب – فى بداية الشهور القمرية: كان يُقدم
تيس واحد ذبيحة خطية (عدد 28: 15).

ج – فى عيد الفطير: كان يُقدم فى كل يوم
من سبعة أيام العيد تيس واحد ذبيحة خطية (عدد 28: 22).

د – فى يوم الخمسين: كان يُقدم تيس واحد (عدد
28: 30).

ه – فى اليوم الأول من الشهر السابع، وفى
العاشر والخامس عشر إلى الثانى والعشرين من نفس الشهر (الذى هو عيد المظال): كان
يُقدم تيس واحد ذبيحة خطية (عدد 29: 5و11و16-38).

و – فى يوم الكفارة: كان هارون يُقدم عن
نفسه ثوراً ذبيحة خطية، ثم يُقدِّم عن الجماعة تيسين، ويعمل عليها قرعة، ويُقرب
أحدهما ذبيحة خطية، أما الآخر فيُطلقه حيًّا إلى البرية (لاويين 16: 1-34).

 

3- ذبائح الخطية للتطهير:

أ – بعد الولادة: كان
يُقدم عن المرأة بعد كمال أيام تطهيرها فرخ حمامة أو يمامة ذبيحة خطية (لاويين
12: 6-8).

ب – بعد الشفاء من البرص: كان الأبرص
يُقدم فى اليوم الثامن لتطهيره خروفين ونعجة وتقدمة دقيق ذبائح إثم وخطية ومحرقة.
أما إذا كان فقيراً فكان يقدِّم فرخى حمام أو يمامتين (لاويين 14: 19و22و30).

ج – بعد التطهير من نجاسة سيل: كان الشخص
يقدم يمامتين أو فرخى حمام (لاويين 15: 14و15و30).

د – إذا تنجَّس النذير فى أيام انتذاره:
كان يقدِّم يمامتين أو فرخى حمام، أحدهما ذبيحة خطية والآخر محرقة للتكفير عنه (عدد
6: 10و11).
ومتى تمت أيام انتذاره، كان عليه أن يقرب نعجة واحدة حولية صحيحة
ذبيحة خطية (عدد 6: 14).

ه – البقرة الحمراء: كانت ذبيحة البقرة
الحمراء نوعاً من ذبيحة الخطية للتطهير من النجاسة (عدد 19: 1-10و17).

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى