اللاهوت الطقسي

41- ليتورجية القداس سر اتحاد المؤمنين بالله



41- ليتورجية القداس سر اتحاد المؤمنين بالله

41- ليتورجية
القداس سر اتحاد المؤمنين بالله

مقدمة: تعريف:

كلمة “ليتورجية” فى اليونانى
الكلاسيكى تعنى خدمة عامة تؤدى لأجل الجماعة إذ هى مشتقة من كلمتين:
“ليور” أو “ليؤس” وتعنى الجماعة.

 

 “أرجيا” أو “أرجيؤو” وتعنى
عمل.

ولقد وردت نفس الكلمة فى سفر العبرانيين بمعنى
“خدمة المذبح” أو بمعنى “الخدمة الكهنوتية” (عب 8: 6، 9:
21).. ولقد استخدمت الكنيسة هذه الكلمة منذ العصر الرسولى للتعبير عن العبادة التى
نظمتها الكنيسة قانونياً والتى يقدمها جميع أعضائها أو تقدم بإسمهم جميعاً.. ولكن
بمرور الزمن صارت كلمة “ليتورجية” تطلق على سر الأفخارستيا وحده بالرغم
من وجود كثير من الليتورجيات الأخرى مثل ليتورجية “قداس” العماد
وليتورجية الزواج.

 

القداس الإلهى أو ليتورجية القداس هو سر الاتحاد
بين:

1- المؤمنين والله… نظرية الدائرة (كلما اقتربت
من المركز اقتربت من بعضها).

2- المؤمنين وبعضهم البعض… كيف ذلك؟

 

أولاً: ليتورجية القداس سر اتحاد المؤمنين
بالله:

 هذا
السر الأفخارسيتى كما يراه القديس ذهبى الفم تجد فيه الكنيسة سر وجودها وشركتها
واتحادها مع الرأس.. فيه سر تقيدها المقبول لدى الآب سر تقديسها المستمر وجمالها
الروحى.. لذا يقول القديس بولس الرسول في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس:
“كأس البركة التى نباركها أليست هى شركة دم المسيح.. الخبز الذى نكسره أليس
هو شركة جسد المسيح..” (1كو 10: 16).. لهذا يعبر القديس ذهبى الفم بقوله:
“جعلنا أعضاء جسده ومن عظامه ليس خلال الحب وحده وإنما بالفعل ذاته.. هذا
يتحقق بالطعام المجانى الذى قدمه لنا مريداً أن يعلن حبه لنا.. من أجل حبه مزج
نفسه بنا عجن جسده بجسدنا لكى نصير معه واحداً نصير جسداً واحداً متحداً
بالرأس” بل ويؤكد القديس ارتباط سر الأفخارستيا بسر الكنيسة (المؤمنين
كجماعة) بدعوة الكتاب المقدس للاثنين بتعبير (جسد المسيح).. (كو 5).. ويظهر ذلك من
التحام الاثنين معاً من ارتباط الكنيسة كجماعة المؤمنين بالمذبح فى ذهن القديس
ذهبى الفم.. ونجد أيضاً فى القداس الباسيلى يقول بعد الرشومات: اجعلنا مستحقين
كلنا يا سيدنا أن نتناول من قدساتك طهارة لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا.. لكى نكون
جسداً واحداً وروحاً واحداً ونجد نصيباً وميراثاً مع جميع القديسين الذين أرضوك
منذ البدء”.. لذلك كانت ليتورجية القداس الإلهى تجعل من المؤمنين المتحدين
بالله وحدة واحدة وذلك لأن:

 

1- ليتورجية القداس تعرف على الله.. (تعبد)..

فالتعبد فى المفهوم الكنسى ليس مجموعة من
المراسيم تنفذ أو تسابيح تُرنم أو صلوات تُتلى أو أصوام يمارسها الإنسان مرضاة
لخالقه أو قرابين تقدم إنما هى أولاً وقبل كل شئ “تعرف على الله محب
البشر”.

 

وفى سر الأفخارستيا أى سر الاتحاد بالله يحمل
ابن الله رئيس الكهنة وحده – كنيسته فيه سرياً مقدماً معرفة حقه لله أباه.. وهكذا
ندخل فى المسيح يسوع إلى معرفته محققين مفهوم العبادة الذى فشلت البشرية قبلاً فى
ممارسته.. كذلك فى سر الأفخارستيا قام آدم الجديد رأس الكنيسة كلها بإعادة توجيه
البشرية كلها إلى الله خلال معرفته لأبيه عملياً فإن كان آدم الأول خلال رفضه
التعرف على ملكوت الله قد خرج بالإنسان إلى التغرب عن الله فإن آدم الجديد تقرب به
لديه.. وعندما سلم الرب كنيسته هذا السر خرج إلى البستان يناجى أباه لحسابنا
قائلاً: “هذه هى الحياة الأبدية أن يعرفوك..” فلقد بلغنا الأبدية خلال
الاستنارة بالمعرفة فنعرف الآب الذى “.. أحب العالم حتى بذل ابنه
الوحيد” ونعرف الابن الذى “أطاع حتى الموت..” لكى يقبل عنا الحياة
الجديدة فنختبر فيه ومعه القيامة من الأموات ونعرف الروح القدس المرسل من الابن
القائم من الأموات لنعيش بروحه..

 

لهذا فى القداس الإلهى يمثل ذروة كل عمل تعبدى
تعتز به الكنيسة بكونه عمل المسيح نفسه الذى يقدمه للآب باسمها “فاتحاً قلبها
لمعرفته”.. يقول القديس أغسطينوس: “حينما نصبح شركاء وحدة جسد المسيح
فأى عائق مضاد يزول ونأخذ الحرية لمعرفته” وفى قداس الأسقف سرابيون يقول: “لتتبارك
نفوسهم بالفهم والمعرفة والأسرار لكى يشتركوا فيها ليتبارك الكل معاً خلال الابن
الوحيد يسوع المسيح” (قداس الأسقف سرابيون)..

 

إن الذى يساعد على اتحاد المؤمنين بالله تلك
المعرفة والفهم الروحى الذى نناله خلال التناول من الذبيحة المرفوعة فى القداس
الإلهى.. لذا فى قداس الأسقف سرابيون أيضاً يقول: “هب لأجسادنا نمواً فى
النقاوة ولنفوسنا نمواً فى الفهم والمعرفة خلال تناولنا الجسد والدم لك المجد
والسلطان بالابن الوحيد فى الروح القدس إلى أبد الأبد أمين”..

 

2- ليتورجية القداس تقدس المؤمنين ليتحدوا
بالله:

إذا كان القداس الإلهى (سر الأفخارستيا) يدخل
بالمؤمنين إلى معرفة جديدة خلالها يتدرب الكل على تقديم ما للابن للآب كأنه منهم..
عبادة تقوم لا على روح العبودية والخوف بل بروح النبوة التى يمارسها المؤمنين خلال
ثبوتهم فى الابن الوحيد الجنس..

 

إلا أن هذه الجماعة لا يمكن أن تتحد بالابن إلا
بعد أن تتقدس.. ففى الذبيحة المقدسة تختفى الكنيسة فتظهر حاملة قداسة المسيح
وبره.. تصير عروساً بلا عيب للعريس القدوس يقول القديس ذهبى الفم: “بهذه
العطية تتزين نفوسنا ورباط ذهننا وأساس رجائنا وخلاصنا ونورنا وحياتنا”.. وفى
القداس الإلهى طلبة تقول: “اجعلنا يا سيدنا مستحقين أن نتناول من قدساتك
طهارة لأنفسنا وأرواحنا وأجسادنا”.. فالدم المقدس يجعل صورة ملكنا واضحة فينا
ويجلب علينا جمالاً لا ينطق به ولا يسمح بانتزاع سمونا بل يرويه دائماً وينعشه..
يقول الشيخ الروحاني أو القديس يوحنا سابا: “لماذا تشرب كأس دم مخلصنا كمن لا
يفهم إن فى شربه يختلط به سر الاتحاد. مائدة الروحانيين جسد المسيح ودمه
الكريم”.. لهذا فالله (المسيح) القدوس قدم نفسه ذبيحة طاهرة مقدسة مقبولة لدى
الآب فيرانا الآب فى سر الأفخارستيا جسد ابنه القدوس الذى بلا خطية فنصير فى عينيه
مقدسين وعباداً حقيقيين.. يقول القديس إيريناؤس: “الكنيسة الجامعة هى وحدها
التى تستطيع أن تقدم لله الذبيحة المرضية لديه ذبيحة الأفخارستيا التى أعلن عنها
الأنبياء”.. وفى القداس الباسيلى يصلى الكاهن: “ففيما نحن نصنع ذكر
آلامه المقدسة وقيامته نقرب لك قرابينك من الذى لك”..

 

وفى صلاة حلول الروح القدس يقول: “ليحل
روحك القدوس علينا وعلى هذه القرابين ويظهرها قدساً لقديسيك”.

 

من ذلك نجد أنه لا يمكن عزل السيد المسيح عن
كنيسته (المؤمنين) فهما واحد لهما رسالة واحدة وغاية واحدة يقول الأب يوحنا من
كرونسفادت (يوحنا كرونشستادت): “الكنيسة واحدة مع الرب هى جسده من لحمه
وعظامه”.. ويقول القديس إيريناؤس: “إذ نحن نقدم ماله نعلن على الدوام
تبعيتنا واتحادنا بالجسد والروح”.. من هنا كانت ليتورجية القداس الإلهى هى
اتحاد للمؤمنين بالله عن طريق معرفة الله وعن طريق تقديسهم لذلك يصرخون فى القداس الباسيلى
بقولهم: “افتنينا لك يا الله مخلصنا لأننا لا نعرف آخر سواك. اسمك القدس هو
الذى نقوله فلتحى نفوسنا بروحك القدوس ولا يقوى علينا نحن عبيدك موت الخطية ولا
على كل شعبك”.. وأما الأب ميثوديوس من أولمبيا يقول: “تنمو الكنيسة
يوماً فيوم فى القامة والجمال خلال تعاونها واتحادها مع “اللوغوس” الذى
ينزل إلينا حتى الآن ويستمر نزوله إلينا فى ذكرى آلامه”.. وفى خولاجى الأسقف
سرابيون يقول: “نقدم لك هذا الخبز.. وهذه الكأس.. اجعل كل المشتركين فيها أن
يتناولوا دواء الحياة شفاء لكل ضعف وسنداً لكل تقدم وفضيلة وليس دينونة علينا”..
لذا يقول القديس أغسطينوس “الأفخارستيا خبز لك يومى تناوله حياة لنفسك وجسدك
وقوة إلى الوحدة”..

 

من كل ما سبق نجد أنه من جهة الشركة فإن الكأس
التى نباركها هى شركة واتحاد بدم المسيح والخبز الذى نكسره هو شركة جسد المسيح
المبذول وأنه بتناولنا إياهما نصير واحداً مع المسيح الذبيح وننعم بشركة أيضاً مع
بعضنا البعض كما سنرى (1كو 10: 15 – 17) كل هذا مع الجسد الواحد فى كل موضع..
فالمسيح واحد فى كل مكان. كامل فى كل موضع.. جسد واحد يجمع الكل ليصير الكل واحد
فيه.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى