اللاهوت الروحي

الفصل السادس



الفصل السادس

الفصل السادس

الروح القدس الناري

مقالات ذات صلة

20- الروح القدس روح ناري، إن حلَّ في أحد يلتهب

الروح القدس هو روح الله. والكتاب يقول
“إلهنا نار آكله” (عب12: 29) (حز24: 17). وهكذا يكون الروح القدس روحاً
نارياً، بكل ما تتميز به النار من حرارة ونور. ونقصد الحرارة الروحية والنور
الروحى.

وعندما حل الروح القدس على التلاميذ القديسين،
حل كألسنة من نار (أع 2: 3).

وهذه النار ألهبت قلوبهم وأرواحهم. ألهبتهم
للخدمة ومنحتهم قوة. وتحولوا جميعاً إلى شعلات من نار، انتشرت في العالم، فاشتعل
العالم بنار الكرازة وبنورها.. وكان الروح القدس يعمل فيهم، إذ “امتلأ الجميع
من الروح القدس” (أع2: 4). وكانت النار تعمل فيهم.. لعلها النار التى قال
عنها السيد الرب:

 

“جئت لألقى ناراً على الأرض.. فماذا أريد
لو اضطرمت” (لو12: 49).

 

كل من تدخل هذه المار إلى قلبه، يلتهب في
الداخل، ويصبح حاراً في الروح (رو12: 11). هذا هو الروح النارى الذى اختبره
التلاميذ في الخدمة، حينما تلامسوا مع النار وصاروا ناراً. اشتعلت فيهم نار الغيرة
المقدسة، فلم يهدأوا مطلقاً حتى بنوا ملكوت الله في قوة عجيبة ونشاط لا يفتر. وعن
مثل هذا قال القديس بولس:

 

” من يعثر وأنا لا ألتهب؟!” (2كو12:
29).

 

إنه إلتهاب بمحبة الله والناس بالروح القدس
العامل فيه، الذى يلهبة بالغيرة الروحانية. فمحبة الإنسان لله تجعله يغار على
ملكوت الله، ويلهب حماساً ونشاطاً من أجل خلاص نفس كل أحد. إنها نار مشتعلة في
القلب والروح، إن حاول أحد إطفاءها، لا يستطيع.

هل أخذت هذه النار من الروح القدس؟..

هذه النار هي الدرس الذى نأخذه من يوم الخمسين.

 

ويقول المرتل أيضاً في المزمور ” غيرة بيتك
أكلتنى” (مز119).. داود النبى حينما اشتعلت فيه نار الغيرة المقدسة، لم
يستطيع أن يصبر على تعيير جليات، وتقدم الصفوف وهو صبى صغير، ولكنه ملتهب بالروح.
ولم يرجع إلا وقد أصمت صوت ذلك المعير (1صم17).. إن نار الروح إذا اشتعلت في
القلب، لا يستطيع أحد اطفاءها. وبهذه النار فإن القديس بطرس ويوحنا لما طلب منهما
رؤساء اليهود أن لا ينطقا البتة ولا يعلما باسم الرب، قالا بكل قوة ” نحن لا
يمكننا أن لا نتكلم ” (أع4: 18، 20).. إن عدم الكلام عن المسيح أمر مستحيل لا
نستطيعه.. حقاً إنها نار.. الروح القدس يعمل كنار..

 

داود النبى، لما حل روح الرب، اشتعل قلبه
بالنار. لذلك لما سمع جليات الجبار يعير صفوف الله الحى، تحرك الروح فيه. كان الكل
يسمعون التعييرات وهم صامتون فلم يستطيع أن يصمت. وقرر أن يتدخل ويريح الشعب من
تعبيرات جليات، وقد كان.. ولم يهدأ داود حتى اسكت صوت ذلك المعير.. كانت غيرته
النار أقوى من أن يحتملها..

 

وبطرس الرسول الذى كان خائفاً من قبل، لما حل
عليه روح الرب، أزال منه الخوف، فملأ الدنيا تبشيراً، ولم يستطيع أن يصمت. وقال
لرؤساء كهنة اليهود “نحن لا نستطيع أن لا نتكلم” (أع4: 20). لقد ألقوا
بطرس في السجن، وهددوه وأهانوه.. ولكنه احتمل ولم يستطيع أن يصمت..

 

كانت كنيسة الرسل كنيسة نارية ملتهبة بالروح..

 

كانت قوية، كانت كنيسة الألسنة النارية والكلمة
الملتهبة التى قال عنها الرسول “كلمة الله حية وفعالة، وامضى من كل سيف ذى
حدين، وخارقة إلى مفرق النفس والروح” (عب4: 12). ذلك لأنها كانت كلمة صادرة
من اللسان النارى، الملتهب بالروح منذ يوم الخمسين. هناك إنسان يكلمك كلاماً
كثيراً لا يحدث فيك أثراً.. بينما إنسان روحى يقول لك كلمة روحية تظل تدوي في
البيت، وفي مكان العمل وفي مكان العمل وفي الطريق، وفى قيامك وتعودك، وفى دخولك
وخروجك. وتحفر آثاراً عميقة في قلبك، وتعمل فيك عملاً. إنها كلمة نارية.

 

بولس الرسول وهو أسير تكلم عن البر والتعفف
والدينونة: فارتعب فيلكس الوالى من كلمة هذا الأسير (أع24: 25).

 

كانت كلمة نارية، صادرة من عمل الروح النارى.

نلاحظ أيضاً أن كلام الله كان يشبة بالنار، بما
يحدثه من حماس في القلب والإرادة:

ولذلك قال الرب لأرمياء النبى “هأنذا جاعل
كلامى في قلبك ناراً” (أر5: 14). وقال له أيضاً “أليست هكذا كلمتى كنار
يقول الرب” (ار23: 29). وفي وقت من الأوقات، تعب أرميا من كلمة الرب، التى
كان يوبخ بها الناس، فيستهزئون به ويثورون عليه عن الرب ” قلت لا أذكره ولا
أنطق بعد بإسمه، فكان في قلبى كنار محصورة في عظامى، فمللت من الإمساك ولم
استطيع” (أر20: 9).

 

حقاً إن كلمة الرب نار تلهب القلب، فيشعر أنه
مشتعل من الداخل، ويقول “غيرة بيتك أكلتنى” (مز69: 9). لأن الغيرة نار،
مادام روح الله يدفعها..

 

هذا إذا أخذ إنسان الروح الذى في الكلمة، والروح
يشبه بالنار. وهكذا لم يستطيع ارمياء أن يصمت، على الرغم من الضيقات التى صادفها.

 

21- الروح والنار

يطلب منا الرسول أن نكون ” حارين في
الروح” (رو12: 11). لأن روح الله حينما يحل في الإنسان يشعله بالحرارة.
القوات المرسلة من الله، كانت تظهر أحياناً بهيئة نار.

 

فعندما ارسل الله قواته السمائية لانقاذ السامرة
أيام أليشع النبى حينما أصعده الله إلى السماء، إنما صعد في ” مركبة من نار
” في العاصفة إلى السماء (2مل2: 11). وقد قيل في المزمور عن هذه القوات
السمائية:

 

خلق ملائكته أرواحاً، وخدامه ناراً تلتهب”
(مز104: 4).

 

إنها أرواح قريبة من روح الله، ومرتبطة به حباً
وارادة، وإلهنا نار آكله (عب12: 9). لذلك فهذه الملائكة هي أيضاً نار تلتهب.. تعمل
عمل الرب بسرعة، وبكل قوة. ولذلك ناجاها داود النبى في المزمور قائلاً
“باركوا الرب يا ملائكته، المقتدرين قوة، الفاعلين أمره عند سماع صوت
كلامه” (مز103: 20). أي أنها ما أن تسمع أمراً من الله، حتى تنفذه في الحال،
كما هو، بهذه الروح النارية، وبدون تردد، ولا تمهل ولا ابطاء. والله أرادنا أن
نكون بهذه الروح، حينما علمنا أن نصلى قائلين: “لتكن مشيئتك، كما في السماء
كذلك على الأرض” أي لتكن هذه المشيئة منفذة على الأرض، كما يفعل الملائكة في
السماء، الذين هم نار تلتهب.

حقاً، ما أجمل عبارة “.. وخدامه نار تلتهب
“..

هكذا ينبغى أن يكون خدام الله على الأرض، كما
خدامه في السماء. وهذا ما حدث في يوم الخمسين. حل الروح القدس على التلاميذ كألسنة
من نار، فالهبت ارواحهم وقلوبهم. ألهبتهم للخدمة ومنحتهم قوة، وصارروا ناراً..
شعلات من نار تسرى في كل جهات العالم، حتى اشتعل العالم ناراً، في الكرازة وخدمة
الكلمة والشهادة للرب..

 

والكنيسة المقدسة لكى تذكر الناس بالنار
وباللهيب الذى ينبغى أن يكون باستمرار في قلوبهم، نلاحظ ملاحظة عجيبة وهي:

 

إن الكنيسة لا تخلو منها النار مطلقاً، على
الأقل في المجمرة وفي الشموع..

 

وفي كليهما نرى عنصر البذل والعطاء، سواء في
الشمعة التى تبذل ذاتها لكى تنير لغريها، أو في حبة البخور التى تحترق لكى تقدم
رائحة ذكية لله وللناس. ونلاحظ في الشموع كما في السرج قديماً أ أنها تضئ بالزيت
يرمز إلى الروح القدس. أما البخور، فهو يحترق بالنار، والنار ترمز إلى الروح القدس
أيضاً.. كما أن نار المجمرة ونار الشمعة، يذكراننا في كل حين بالحرارة التى ينبغى
أن تتصف بها حياتنا، حينما نكون كالشمعة نوراً للناس، وحينما نكون كالبخور ”
محرقة وقود، رائحة سرور للرب” (لا1: 9، 13، 17).

 

النار في الشمعة تعطى نوراً، كما تعطى حرارة
ودفئاً..

 

وهكذا الشمس التى شبة الرب يها” (ملا 4: 2)
” لأن الرب الإله شمس ومجن” (مز84: 11) هذه الشمس تقدم لنا نوراً وحرارة
وبنفس الوضع روح الله، يضئ لنا الطريق فيما يرشدنا، ويعطينا حرارة روحية في كل عمل
نعمه.

 

وجود النور والنار، في الكنيسة باستمرار، يرمز
إلى عمل الروح القدس فيها..

النار ترمز إلى الروح، وإلى عمل الروح، وإلى من
يعمل فيهم الروح..

ومن هنا كلنت نار الشموع عند الايقونات ترمز إلى
القديسين الذى يعمل فيهم روح الله القدوس. كما أن نار الشموع على المذبح، ترمز إلى
الملائكة المحيطين بالذبيحة المقدسة. وهم أروارح قدسيه يعمل فيهم أيضاً روح الله
القدوس وعنهم قال الوحى الإلهى في المزمور:

 

الذى خلق ملائكته أرواحاً، وخدامه ناراً
تلتهب” (مز104: 4).

وعندما أرسل الله قواته السامرة أيام أليشع
النبى، ظهرت بهيئة ” مركبات نارية ” (2مل6: 17). فقال إن الذين معنا
أكثر من الذين علينا. نتذكر أيضاً أن ايليلا النبى صعد إلى السماء في مركبة نارية
(2مل2: 11). اصعده روح الله وملائكة الله، فإذا في مركبة من نار.

 

وطغمة السارافيم معناها المتقدون بالنار أو
المحرقون.

 

هؤلاء الملتهبون بالمحبة الإلهية والذين عملهم
التسبيح الروحى. والمرة الوحيدة التى حدثنا فيها الكتاب المقدس عن السارافيم، أخذ
فيها الكتاب المقدس عن السارافيم، اخذ فيها واحد من السارافيم جمرة نار من على
المذبح، مسح بها شفتى أشعياء النبى، فتطهر بالنار، بروح الله (اش6: 6، 7).

 

هكذا كانت الروح النارية التى للسارافيم في
خدمتهم السريعة.

 

لم يحتملوا إطلاقاً أن يسمعوا عن ذلك أنهم
واقفون أمام الله، وأنهم منشغلون بتبيحه وأنه لم يطلب منهم أن يقوموا بهذا العمل..
وإنما للتو ” طار واحد من السارافيم ” ولم يعد إلا وهو مطمئن على أنه
انتزع إثم هذا الإنسان وكفر عن خطيئته.. واشعياء هذا، إذ مست الجمرة شفتيه، اشتعل
هو أيضاً بالنار المقدسة وما أن سمع قول الرب ” من أرسل؟ ومن يذهب
لأجلنا” حتى استجاب بسرعة وقال ” هأنذا أرسلنى” (أش6: 8).

 

ألستم ترون يا أخوتى أن الحرارة هي الفرق جسدياً
بين الحى والميت؟ فالميت فاقد لحرارته تماماً..!

 

أليست الحرارة هي الفارق بين الحى والميت..؟

 

جسد الإنسان الميت تجده بارداً تماماً، لا حرارة
فيه.. أما الجسد الحى، ففيه دفء وحرارة وهكذا الروح أيضاً. يتميز الأنسان الذى
يعمل فيه روح الله، بحرارته الروحية، كما قال الرسول ” حارين في الروح
“. لذلك عيشوا في الحرارة التى في الروح.. فيهذه الحرارة عاشت لكنيسة الأولى،
في العصر الرسولى، وفي القرن الرابع الميلادى بالذات، الذى نميزه بلونين هامين من
الحرارة هما: الحرارة العجيبة في الدفاع عن الإيمان ضد الهرطقات مميزة في حياة
القديس أثناسيوس مثلاً، وحرارة العميقة جداً في حياة النسك والرهبنة والتوحد، كما
تبدو في سيرة القديس أنطونيوس وآباء برية شهيت..

 

الإنسان الذى يعمل فيه روح الله، ينبغى أن يكون
حاراً في الروح..

وهكذا يعلمنا الرسول قائلاً ” حارين في
الروح” (رو12: 11). وهذه الحرارة تشمل الحياة الروحية كلها. فيكون الإنسان
حاراً في صلاته، حاراً في خدمته، حاراً في محبته نحو الله والناس، حاراً في
معاملاته وفي مشاعره. كل ما يعمله من خير يتصف بالحرارة..

 

ونلاحظ أن الإنسان حينما يقل عمل الروح فيه، تقل
تبعاً لذلك حرارته ويفتر..

 

فيقولون: هذا الإنسان عنده فتور يتطور إلى برودة
روحية، وإلى موت.. لذلك اشعلوا حرارة الروحخ في قلوبكم باستمرار.. واحتفظوا
بشعلتكم موقدة على الدوام لا تنظفئ. وفى ذلك يقول الرب ” لتكن أحقاؤكم
ممنطقة، وسرجكم موقدة” (لو12: 35).

 

خذوا لكم مثلاً من ذبيحة المحرقة التى كانت
نارها لا تنطفئ أبداً.

 

باستمرار يلقون حطباً ووقوداً. ويشعلونها بمحرقة
صباحية وأخرى مسائية، وبشحوم وذبائح أخرى.. نار دائمة، تتقد على المذبح، لا تطفأ..
” لا6).. هكذا هي الحياة التى يعمل فيها روح الله.. وإن لم تستطيع أن توقد
حياتك الروحية باستمرار وتزيد لهيبها اشتعالاً، فعلى الأقل استمع إلى وصيه القديس
بولس الرسول وهو يقول..

 

” لاتطفئوا الروح..” (1تس5: 19).

أي ابتعدوا عن كل ما يقلل حرارتكم الروحية، عن
كل الأسباب التى تجلب لكم الفتور الروحى. أبتعدوا عن الرياح المضادة التى تطفئ عمل
الروح فيكم.

 

ولعل البعض يسأل: هل تتفق النار مع المحبة؟

نعم تتفق. فالمحبة نفسها نار، وقد تشبهت بالنار
في سفر النشيد، وقيل ” مياة كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة” (نش8: 7).
والمحبة تعطي حرارة في القلب.

 

22- الوداعة والروح الناري

كثيراً ما نسمع عن “الروح الوديع الهادئ،
الذى هو قدام الله كثير الثمن” (1بط3: 4)، ونقرأ عن أهمية الوداعة والهدوء في
الحياة الروحية، فهل هناك تعارض بين الروح النار، والوداعة والهدوء..

 

إنهما لا يتعارضان، إلا لو أساء البعض فهم
الوداعة والهدوء!

 

لقد كان السيد المسيح وديعاً ومتواضع القلب
(متى11: 29). ومع ذلك كان قوياً جداً في خدمته، ودائب الحركة والنشاط بعمل لا
يتوقف. وهو الذى قال ” جئت لألقى ناراً على الأرض. وماذا أريد لو
اضطرمت” (لو12: 49). وكان يتكلم كمن له سلطان. وقد طرد الباعة من الهيكل
بغيرة متقدة (متى21: 12 14). ووبخ الكتبة والفريسيين بحزم (متى23).

 

هنا التكامل في الطباع، وليس التعارض..

 

وموسى النبى كان وديعاً جداً، حتى قيل عنه
“وكان الرجل موسى أكثر من جميع الناس الذين على وزجه الأرض” (عد12: 3).
ومع ذلك نرى الروح النارى في هذا الرجل الوديع، حينما أبصر الشعب يعبدون العجل
الذهبى. يقول الكتاب “فحمى غضب موسى. وطرح اللوحين من يديه وكسرهما في أسفل
الجبل. ثم أخذ العجل الذى صنعوه، وأحرقة بالنار، وطحنه حتى صار ناعماً، وذراه على
وجه الماء..” (خر32: 19، 20). وعاقب الشعب في ذلك اليوم عقوبة شديدة.

 

إن كون الإنسان وديعاً هادئاً لا يعنى أن يكون
خاملاً!

 

أو أن يكون جامداً لا يتحرك ولا يتأثر!! أو أن
يكون ضعيفاً لا قوة له في عمله! حاشا. فنحن صورة الله ومثاله، ولا يليق بصورة الله
أن تكون بهذا الوضع الشائن. أقول هذا لأن كثيرين باسم الوداعة لا يعملون شيئاً،
ولا يغارون غيرة الرب، ولاتشعر لأحد منهم بوجود داخل الكنيسة ولا داخل الخدمة..
ولا خارجها!

 

هو في الكنيسة، كأنه جثة هامدة، لا حرارة ولا
حركة!

 

تضع يدك عليه، فتحس بالبرودة تشمل حياته، كأنه
بلا حياة!! يقابل كل أمر، مهما كان خطيراً بلا مبالاة، بلا اكترات، بلا اهتمام،
بملامح لا تتغير، كأن الأمر لا يعينه! وكل ذلك باسم الوداعة والهدوء!! مثل هذا الإنسان،
لا صله له بيوم البندكستى، ولا علاقة له بالألسنه النارية.

 

على العكس منه، إنسان يدخل الكنيسة، فتشعر بروحه
يحركها.

 

تشعر بروح الله فيه وبه، بكل نشاط وغيرة.. خدمة
هنا، خدمة هناك: اجتماعات لها فاعليتها الروحية، وافتقادات واسعة لا تغفل أحداً،
وأنشطة ومشروعات، وألحان، وعنايته بالفقراء وسهرات وأيام صلاة.. ويشعل الكنيسة،
ويقدم عملاً لكل أحد يعمله، ويدخل آلافاً إلى الكنيسة بهذا الروح النار، يعمل
الروح القدس وفي كل من حولبه. وهذا هو الفرق بين خدمة وخدمة

 

ومع كل هذا النشاط، تجده في تعاملة وديعاً إلى
أبعد حد.

 

إن الوداعة ضد العنف وضد القسوة وضد روح السيطرة
والسيادة، وليست ضد النشاط والحركة. وليست ضد الحرارة في الخدمة والحرارة في
العبادة. ونحن لا نريد في الكنيسة اشخاصاً خاملين أو باردين، فالسيد المسيح حسنما
أرسل لنا الروح القدس كألسنة من نار، إنما كان في ذلك يذكرنا بالحرارة اللائقة
بنا، وي منحنا هذه الحرارة والوداعة والهدوء والطيبة، وليس معناها أن يفقد الإنسان
حرارته.

 

إننا نريد أشخاصاً مشتعلين بالروح، ملتهبين
بالمحبة الإلهية من نحو الله والناس. وكل عمل يعملونه، إنما يعملونه بحرارة وبقوة،
لأنه إن كان روح الله معهم، لا يمكن أن يكون عملهم هزيلاً. وقد قال الوحى الإلهى:

 

” ملعون من يعمل عمل الرب برخاوة”
(أر48: 10).

 

إن الشخص الذى فيه روح الله: إذا صلى تكون صلاته
حارة، وإذا خدم تكون خدمته حارة، وإذا تكلم تكون الحرارة في كلامه.. إنه شخص ملتهب
القلب في كل عمل يعمله. حتى إذا أخطأ، تكون توبته بحرارة. وإذا اعتذرعن خطأ يكون
اعتذاره بحرارة أيضاً.

 

ليتك تأخذ درساً من الفحم المتقد بالنار.

إنه بطبيعته أسود، ولا حرارة فيه. ولكن ما أن
يتقد حتى يتحول إلى طبيعة أخرى. فيحمر ويتوهج، ويصير جمراً. فتأمل إذن نفسك إذ
نفسك: هل الروح القدس قد اشعل فحماتك السوداء، فالتهبت وصحت في فرح ” أنا
سوداء وجميلة” (نش1: 5). إن النار المقدسة قد صيرتنى جمراً.؟ قد دخل التجلى
في طبيعتى بالنار، التى أعطتنى توهجاً وضياء ونوراً، فنسيت طبيعتى الأولى الفحمية،
وصرت ناراً..

 

23- الروح الناري

ولما كان الروح القدس هو الناطق في الأنبياء،
وهو روح نارى، لذلك رمز إلى كلمة الله بالنار..

لأنهم نطقوا بكلمة الله مسوقين بالروح القدس (2بط1:
21). الذى هو نار.

ولم يكونوا هم المتكلمين، بل روح الله المتلكم
فيهم (مت10: 20)، لذلك كانت كلماتهم من نار. وهكذا قال الرب لارمياء النبى:

” هأنذا جاعل كلامى في فمك ناراً”
(أر5: 14).

وفي وقت من الأوقات تعب ارميا من كلمة الرب،
التى كان يوبخ بها الناس فيسهزئون به ويثورون عليه.. فقال عن الرب ” قلت لا
أذكره، ولا أنطق بعد باسمه، فكان في قلبى كنار محرقة محصورة في عظامى، فمللت من
الأمساك ولم استطع” (أر20: 9).

 

الحرارة الإلهية التى من الروح القدس، توقد في
القلب ناراً، وتشعله بالحب..

 

الله محبة (1يو4: 16). والمحبة نار ” مياة
كثيرة لا تستطيع أن تطفئها” (نش8: 7). لذلك كل من يحيا بالروح يمتلئ قلبه
بالحب. ويكون الحب في قلبه ناراً. تشتعل في قلبه نار من جهة محبته للناس والسعى
إلى خلاصهم. مثله مثل النار التى نراها في شموع الكنيسى التى تذوب لكى تضئ للآخرين،
أو كنار التى تجعل حبة البخور تحترق وتبذل ذاتها، لكى تقدم رائحة زكية تصعد إلى
فوق.. إنها نار الحب الإلهى الذى يشتعل فى القلب، ويقدمه كمحرقة، كرائحة بخور،
رائحة سرور للرب” (لا1: 9، 13، 17)..

 

هذه الحرارة الروحية، تظهر في حياة الإنسان
الخاصة:

قد تبدو في حرارة المحبة التى تربطة بالله
والكنيسة والناس. وقد تكون في مستوى روحى يوجد فيه. كما قال القديس يوحنا وهو في
منفاه في جزيرة بطمس ” كنت في الروح في يوم الرب” (رؤ1: 10). أى في حالة
روحية معينة، لها عمقها.. وفي مرة أخرى، لما أبصر باباً مفتوحاً في السماء، وسمع صوتاً
يقول له ” اصعد إلى هنا، فأريك ما لابد أن يصير.. “، ويقول ”
وللوقت صرت في الروح” (رؤ4: 1، 2).

 

إن كان الروح القدس يعمل فيك، فعلامة ذلك أنك
تصير شعلة من نار.

تصير كلك ناراً. وهذه النار تآكل فيك كل شهوة
ورغبة عالمية. كما أنها تشعل محبة الله في قلبك. أليست هيكلاً لله (1كو3: 16)
” هل خلا هيكل الله يوماً من النار المقدسة التى فيه؟!. قد يسأل البعض عن
(فلان) من الخدام، فيقال إنه شعله من نار. فما معنى هذه العبارة؟ معناها أن الروح
القدس يعمل فيه، كنار.. حسناً قال يوحنا المعمدان عن السيد المسيح إنه ”
يعمدكم بالروح القدس ونار” (لو3: 16).

 

24- الحرارة في الصلاة

وحرارة الروح كما تكون في الكلمة، تكون أيضاً في
الصلاة وفي العبادة..

عندما صلى مكسيموس ودوماديوس، رأى القديس
مقاريوس الكبير صلاتهما كأنها اشعة من نار تخرج من شفاههما، وعندما كان يصلى
القديس الأنبا شنوده رئيس المتوحدين حتى في صغره كانت أصابعه تبدو وكأنها شموع
متقدة. وهكذا كانت الحرارة لا تشمل الروح فقط، وإنما الجسد أيضاً..

إننا نصلى، ولكن هل في صلواتنا نار البندكستى؟

هل في صلواتنا حرارة يوم الخمسين؟ إن الصلاة
الحارة تنبع من عمق القلب، وتكون ألفاظها حارة. حتى الجسد نفسه يكون ساخناً،
مثلماً تكون الروح حارة أياً. تأمل صلاة السيد المسيح في بستان جثسيمانى وكيف كانت
(متى26: 39 45).

 

الصلاة الروحانية تكون ملتهبة بالروح، لذلك يقال
عنها أنها صلاة حارة..

 

وحرارتها صادرة من حرارة القلب، ومن حرارة الحب،
ومن حرارة الجهاد في الصلاة. ومن حرارة الصلاة تأتى الدموع. ومنها أيضاً تأتى
المصارعة مع الله كما فعل أبو الآباء يعقوب (تك32: 24 26). ويأتى أيضاً الإيمان،
وتأتى الاستجابة.

 

وكنتيجة لحرارة الصلاة، يثبت الإنسان في صلاته..

 

فلا يود أن يختم صلاته، مهما طال به الوقت فيها.
بل كلما عزم على انهائها، يجد رغبه حارة في قلبه تجذبه إلى البقاء في حضرة الله
مصلياً. ويجد لذة في صلاته تربطه بها، هي ثمرة حرارة الحب في قلبه.. إن الحرارة
تعطى صلاته استمرار وحياة.

 

فإن كنت تصلى ولا تجد حرارة في صلاتك، أو تصلى
وكذلك رغبة في ترك الصلاة وانشغال بأمور أخرى تهمك أكثر بل إن كنت لا تجد رغبة في
الصلاة، وإن بدأت لاتجد كلاماً تقوله أو أنت تصلى بغير روح، تعبد الله بشفتيك
وقلبك مبتعد عنه بعيداً (مت5: 18).. إن كنت هكذا فاعلم أنك بعيد كل البعد عن الروح
النارى اطلبه لكى يشفع فيك، ويعطيك حرارة في صلاتك.

 

فماذا عن صلواتنا نحن وما هي حرارتها؟

هناك عوامل كثيرة تتعلق بحرارة الصلاة نذكر
منها:

علاقة حرارة الصلاة بالدموع وانسحاق القلب،
وباللجاجة، وبالجهاد في الصلاة والصراع مع الله وعلاقة حرارة الصلاة بالإيمان
القوى، وشعور المصلى وجوده في حضرة الله. وعلاقة حرارة الصلاة باستجابتها. بل
علاقة حرارة الصلاة بمحبة الله. حينما يصعب على الإنسان أن ينهى صلاته. كلما يحاول
انهائها، يجد رغبة فى الإستمرار.. وقد تظهر حرارة الصلاة في نوعية الألفاظ
المستخدمة فيها. ومن أمثلة الصلاة الحارة، صلاة الكنيسة بعد اطلاق سراح بطرس
ويوحنا. فقد قيل ” ولما صلوا، تزعزع المكان اللذة كانوا مجتمعين فيه، وامالأ
الجميع من الروح القدس. وكانوا يتكلمون بكلام الله بمجاهرة” (أع4: 31). هكذا
كانت حرارة الصلاة. وهكذا كان مفعولها ونتائجها..

 

25- الحرارة في الخدمة

لنأخذ مثالين من الحرارة في الخدمة: العصر
الرسولى، والقرن الرابع:

الحرارة العجيبة التى خدم بها آباؤنا الرسل، حتى
أنهم في حوالى 35 سنه فقط، أمكنهم أن ينشروا المسيحية في أورشليم وكل اليهودية
والسامرة، وكل أقليم سوريا، وقبرص وآسيا الصغري، وبلاد اليونان، ورومه، وساروا
غرباص إلى اسبانيا، وامتدوا شرقاً إلى العراق وإلى الهند، ونزلوا جنوباً إلى مصر
وليبيا، بأصوام وأسهار، بتعب وكد (2كو4) بعمل الروح النارى فيهم، هؤلاء:

 

“الذين لا صوت لهم ولا كلام، إلى أقطار
المسكونة بلغت أقوالهم” (مز19).

 

وكمثال خادم كبولس الرسول، الذى كتب 14 رسالة،
وتعب أكثر من جميع الرسل (1كو15: 10).

 

كان ناراً مشتعلة حيثما انتقل.. حتى وهو في
السجن، كانت النار المقدسة داخله، يكتب رسائل وهو في السجن، ويبشر فيلبى (اع16:
32).. بينما رجىه مربوطتان في المقطرة، وهو ملقى في السجن الداخلى. ولكنه مع ذلك
يصلى ويسبح ويبشر.

 

انظروا أيضاً إلى القرن الرباع، من شفيه العقيدى
والرهبانى:

 

من جهة العقيدة نار يوقدها القديس أثناسيوس
دفاعاً عن لاهوت الإبن، وتنتشر حتى تصبح المجادلات اللاهوتية في الطرقات، يضيف
إليها مارافرام السريانى لهيباً بتراتيله اللاهوتية التى ينشدها الناس.. ومن
الناحية الروحية انتشار عجيب للرهبنة بكل روحياتها يقوده القديس أنطونيوس والقديس
باخوميوس والقديس مقاريوس.. وكل آباء برية شيهيت.. جو يموج بالحركة وعمل الروح..
ومن يشعله الروح لا يهدأ، حتى يبنى ملكوت الله..

 

26- الخادم الناري

الإنسان العادى قد يركز كل اهتمامه فى خلاص
نفسه.

أما الإنسان الروحى الذى التهب قلبه بالنار
المقدسة، لإغنه يهتم بخلاص كل من يدفعه الله إلى طريقة.

يلتهب قلبه بمحبة الله وملكوته. وعندما يصلى
قائلاً ” ليأت ملكوتك “، إنما يقولها من كل قلبه وعمق مشاعره. ولا يصلى
فقط من أجل الملكوت، وإنما يعمل أيضاً بكل جهده من أجل هذا الغرض الروحى المسيطر
عليه. ويبدأ في أن يعطى للخدمة كل وقت فراغه.

 

ثم تندرج به حرارته في الخدمة نحو التكريس.

إنه في حرارة الروح، يريد أن يعطى الله كل وقته
وكل عمره. متاكداً في أعماقه أن كل وقت يقضيه خارج الخدمة يحسب بلا شك. ومن أجل
التهاب قلبه نحو خلاص الناس، يفضلهم على مفسه، قائلاً مع القديس بولس الرسول
” إن لي حزناً عظيماً، ورجعاً في قلبى لا ينقطع. فإنى كنت أود لو أكون أنا
نفسى محروماً من المسيح، لأجل أخوتى أنسبائى حسب الجسد” (رو9: 2، 3).

 

يهتم أولاً بمن يريد التوبة، ثم يهتم بمن لا
يريد.

بكل حماس روحى يتعامل مع الحالات التى تصل إليه
من الخاطئين، لكى يقودهم إلى الإيمان وإلى التوبة. ثم يتدرج إلى البحث عن الضالين
الذين لا يهتمون بأنفسهم، والذين لا يهتم بهم أحد. يجول باحثاً عن النفوس الضالة
بكل تعب وجهد، وبكل حرارة وحب.

 

وهذه الحرارة في الخدمة، تقوده إلى الحرارة في
الصلا، لأجل الخدمة.

شاعراً انه بدون معونه من الروح القدس، لا
يستطيع أن يخدم. فيسكب نفسه أمام الله، ليعطية القوة التى يخدم بها، والحكمة التى
يخدم بها، والكلمة التى يقولها. ويصلى أيضاً لكى يعمل روح الله في قلوب. ويعطيها
استعداداً لقبول الكلمة. فينخس الروح قلوبهم من الداخل، في الوقت الذى تنخس فيه
الكلمة آذانهم من الخارج. وهكذا ينتسقل من حرارة إلى حرارة أخرى.

 

حرارة محبة والناس، تنقله إلى حرارة الخدمة.
وحرارة المحبة تنقله إلى الحرارة في التكريس. وتنقله إلى حرارة الصلاة. وهذه تنقله
إلى حرارة الإيمان..

فكلما يصلى بحرارة قلب، ويرى عمل الله معه في
الخدمة، تحل في قلبه حرارة الإيمان، ويثق أن الله الذى عمل معه في الحالات
السابقة، سيعمل معه في الحالات المقبلة أيضاً. والله الذى بارك في ذلك الزمان،
سيبارك أيضاً الآن وكل أوان. وكلما تقابله مشكلة في الخدمة، يقول في قلبه وللناس،
بكل إيمان، إن الله لابد سيحل هذه المشكلة. أنا واثق بذلك من كل قلبى.

 

والحرارة في الخدمة، تدفعه إلى مزيد من الجهد
والتعب.

 

كلما ازدادت حرارته، يعتبر الراحة كسلاً. ويقول
مع داود النبى “.. إنى لا أدخل إلى مسكن بيتى، ولا أصعد على سرير فراشى، ولا
أعطي موضعاً ومسكناً لإله يعقوب” (مز132: 3 5). ويقصد بهذا موضعاً للرب في
قلب كل أحد..

 

والشخص الذى فيه الروح النارى، إذا بدأ خدمة، لا
يهدأ حتى يتممها على أكمل وضع.

 

وهنا أتذكر ما قلته نعمى لراعوث عن بوعز ”
إن الرجل لا يهدأ، حتى يتمم الأمر اليوم” (را3: 18). وفعلاً لم يهدأ بوعز حتى
قضى حق الولى للراعوث. لأنه اقتنع بالأمر، ووافق ضميره. فلم يكسل أبداً حتى تممه..
وكان حاراً في عمله..

 

حقاً إن كثيرين يخدمون. ولكن من منهم حار في
خدمته.

من منهم تخرج عن حدود الرسميات والشكليات
والروتين، إلى حرارة الحب، وحرارة العمل، وحرارة الروح. وقلب الكل تكون الخدمة
بشركة الروح القدس.. كم من الخدام يخرج من نطاق مواعيده المحددة للخدمة، إل
الحرارة الروحية التى تخدم في كل وقت، ومع كل أحد. كالشمعة التى تضئ باستمرار لكل
أحد وتظل تضئ وتضئ حتى تذوب تماماً..

 

ألسنا جميعاً نتكلم في عظاتنا بكلمى الرب؟ ولكن
هل نحن نتكلم بألسنة نارية؟‍

 

وهل تخرج كلماتنا من قلوب ملتهبة، فتلتهب
السامعين؟ وهكذا ينخسون في قلوبهم (أع2: 37). وتقودهم إلى التوبة؟.. هذا هو
المقيلس الذى نقيس به خدمتنا ومدى تأثيرها في الناس.

 

نعم، هل أخذنا نار الخمسين وخبأناها في قلوبنا؟
كما كان شعب الله يحتفظ بالنار المقدسة، ويحرص عليها..

 

27- انتقال الحرارة الروحية

من خصائص النار أيضاً: إنها إذا سرت في شئ،
تحوله إلى نار مثلها..

إذا اشتعلت في خشب، يصير الخشب ناراً. إذا
اشتعلت في قطن، يصير القطن ناراً. إذا اشتعلت في ورق، يصير الورق ناراً.. هكذا
الإنسان الروحي، الذى تسرى فيه نار يوم الخمسين.

 

إذا اتصل بأحد يشعله أيضاً، ويجعله ناراً مثله.

 

وكمثال لذلك إنسان روحى ملتهب في خدمته، يدخل
إلى كنيسة ليخدم فيها ولوإلى حين ن ترى حرارته قد انتقلت منه إلى سائر الخدام.
واشتعلت الكنيسة كلها.

 

هكذا كانت الكنيسة أيضاً في أيام آبائنا الرسل:
كان الروح القدس يعمل بكل قوة، فإذا بحرارة آبائنا الرسل تنتقل إلى تلاميذهم، وإلى
باقى الخدام، وكل الشعب.

 

والحرارة الروحية التىكانت في الرهبن في القرن
الرابع..

انتقلت من مصر إلى سشائر بلاد العالم، وانشئت
رهبانيات في تلك البلاد.. بل نتقلت الفضائل الرهبانية حتى إلى السائحين والزوار،
فكتبوا عنها كتباً، وكان لها تأثير واسع في كل مكان، وانتقلت الروحانية إلى
العالمانيين أيضاً..

 

وحرارة القديس أثناسيوس الاسكندري في الدفاع عن
الإيمان..

 

انتقلت أيضاً إلى كل أساقفة وكهنة وخدام الكنائس،
بل انتقلت إلى كل الشعب أيضاً. وأصبح الحماس من أجل الإيمان يجرى في دماء الناس..

وهكذا حرارة كاهن واحد في خدمته، يمكن أن تجعل
شعبه كله في نشاط روحى. وحرارة خادم أو أمين خدمة، يمكن أن تسود كل خدام الفرع،
وينتقل الروح من شخص إلى آخر..

 

إن كان لك الروح النارى، فكل إنسان يقابلك
ستشعله، وكل مكان تحل فيه ستشعله.

 

فهكذا طبع النار: لا تبقى حرارتها وحدها. إنما
تشعل كل ما يلمسها. حتى الهواء المحيط بها يصير حاراً..

 

ليس المهم إذن في عدد الخدام، إنما المهم هو ما
يكسبه الروح القدس في قلوبهم من محبة لله وللناس، وحماس للخدمة، وغيرة على بناء
ملكوت الله فالرسل كانوا إثنى عشر فقط، ومع ذلك لإمتلأتهم بالروح أمكنهم أن يلهبوا
العالم كله.. والقديس بولس الرسول كان فرداً واحداً. ولكنه من أجل عمل الروح فيه
بكل حرارة كان التهابه بالغيرة المقدسة سبب بركة للعالم كله..

 

28- الحرارة في التوبة

أنظروا إلى الحرارة الروحية التى تابت بها
القديسة مريم القبطية، بحيث تدرجت من خاطئة تائبة إلى قديسة راهبة تنمو في النعمة،
إلى أن وصلت إلى درجة السواح، واستحقت أن يتبارك منها القديس الأنبا زوسيما. كذلك
الحرارة الروحية التى تاب بها أوغسطينوس الشاب، حتى أصبح راهباً وأسقفاً، أحد
مصادر التأمل الروحى الذى انتفعت به أجيال كثيرة.. ويعوزنا الوقت أن نتحدث عن
الحرارة الروحية التى تاب بها القديس موسى الأسود، حتى أصبح من آباء الرهبنة
الكبار، والحرارة الروحية التى صاحبت توبة كبريانوس الساحر، حتى صار القديس كبريانوس
رئيس أساقفة قرطاجنة وئيساً للمجمع المقدس الذى نظر في المعمودية الهراطقة في
القرن الثالث..

 

وحرارة الروح في التوبة، قد يصحبها فيض من
الدموع:

 

مع اتضاع عميق في الروح، وانسحاق في القلب، وحب
عجيب لله.. وذلك مثل توبة المرأة الخاطئة التى بللت قدمى المسيح وفضلها على
الفريسى، ومن أجل هذا نذكرها في صلاة نصف الليل، ويقول المصلى “أعطنى يارب
ينابيع دموع كثيرة، كما أعطيت في القديم للمرأة الخاطئة. واجعلنى مستحقاً أن أبل
قدميك اللتين اعتقانى من طريق الضلالة..”. ومن أمثلة التوبة ودموعها
وانسحاقها، توبة خاطئ كورنثوس والمحيطين به (2كو2: 6) (2كو7: 10 12).

 

وحرارة الروح في التوبة، تصحبها رغبة عجيبة في
النمو الروحى.

 

قد يصحبها زهد عميق في العالم وكل أموره، ورغبة
جادة وحماس عميق للالتصاق بالله من عمق القلب، ومنمو متواصل في حياة الروح، بحيث
يعوض التائب تلك السنين التى أكلها الجراد (يوء 2: 25). وفي كل هذا يغمره شعور
بعدم الاكتفاء. فهو باستمرار في جوع وعطش إلى البر (متى5: 6)، يشتاق إلى كل ما
يغذى روحه. حتى أن كثيراً من التائبين في حرارة الروح المصاحبة لتوبتهم فاقوا
آلافاً من الأبرار في جيلهم..

 

وحرارة الروح في التوبة، يصحبها حرص وتدقيق
شديدان.

 

فالتائب في حرارته بسيطاً. وتجده مدققاً جداً في
كل واجباته الروحية، بل في كل فكر وفي كل قول، حريصاً ألا يرجع مرة أخرى إلى
الوراء، مستفيداً كل الفائدة من خبراته القديمة، متضعاً أمام نفسه يخشى السقوط.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى