علم الله

الفصل السادس



الفصل السادس

الفصل
السادس

إعلان
الله عن ذاته وكلامه ن خلال الرؤى

 

يذكر
الكتاب المقدس بعهديه “الرؤيا” أو “الرؤى” الإلهية المعطاة من
الله، كأحد أهم وسائل الله وطرقه فى الإعلان عن ذاته والاتصال بالإنسان:

مقالات ذات صلة

·              
“بعد هذه الأمور صار كلام الرب إلى إبرام
فى الرؤيا قائلاً” (تك 15).

·              
“فكلم الله إسرائيل فى رؤى الليل قائلاً
…” (تك 2: 46).

·              
“إن كان منكم نبى للرب فبالرؤيا استعلن له
…” (عدد 6: 12).

·              
“وكلمت الأنبياء وكثرت الرؤى ” (هو
10: 12).

·              
“فقال أمضيا لعاموس أيها الرائى أذهب اهرب
إلى أرض يهوذا وكُل هناك خبزاً وهناك تنبأ …” (عا 12: 7).

 

1- المعنى اللغوى والكتابى للرؤيا:

وردت
كلمة “رؤيا” سواء جمع “رُؤى” أو مفرد “رؤيا” فى
العهد القديم 86 مرة منها 32 مرة، أى أكثر من الثلث، فى سفر دانيال وحده وذلك
لطبيعة السفر الرؤوية النبوية، وكلها سواء كانت عبرية أو آرامية مأخوذة من الفعل
“حزاه
hazah” ويعنى “يرى” فى رؤيا، والفعل “رآه raah” ويعنى “يرى”، “ينظر”. وكلها تشير إلى
الرؤية البصرية، النظر بالعين، الظهور المرئى للعين، الإدراك البصرى الطبيعى.

وتشير
القرينة ويشير الشاهد فى جميع الكلمات ال 86 والآيات الواردة فيها فى العهد القديم
إلى السمع إلى جانب الرؤية، وتدل شواهدها، جميعاً، على أنها تعنى “رؤى”
إلهية إعلانية تحمل رسالة لفظية، كلام الله، معطى من الله، إعلان إلهى ورسالة
سمائية يتكلم الله من خلالها، سواء فى ظهور إلهى رؤوى أو من خلال ملائكة أو صور
وأشكال تصويرية رمزية، ويعلن عن ذاته وإرادته، أى يرى فيها “الرائى” أو
النبى “رؤى” إلهية، بصرية وسمعية، يشاهد ويسمع، سواء كان ذلك بالعيون
الخارجية أو الداخلية، بالآذان الخارجية أو الداخلية،/ أو بحواسه الخارجية أو
الداخلية معاً، ما هو فوق الطبيعة وفوق نطاق الإدراك الحسى المادى العادى، ما لا
تراه عيون غيره من البشر وما لا تسمع به آذان غيره من البشر، بعيون مفتوحة وآذان
صاغية وعقل متيقظ، وهو فى كامل وعيه وإدراكه وقواه العقلية، مسوقاً ومحمولاً
ومحفوظاً بالروح القدس، سواء كان ذلك داخل الجسد أو خارجه.

 

 وفيما
يلى أهم الآيات التى وردت فيها هذه الكلمات كما وردت فى قاموس يونج
Young وغيره؛ وذلك
بحسب أصلها اللغوى العبرى أو الآرامى:

1- “حزن Hazen” وتعنى “رؤيا” أو “هيئة” أو
“مظهر”

وقد
وردت فى سفر دانيال فقط، ولم تَرد فى غيره، وتشير جميعها إلى رؤى واحلام دانيال
النبى ورؤى وأحلام نبوخذ نصر التى فسرها له دانيال النبى.

·              
“حينئذ لدانيال كُشف الأمر فى رؤيا
الليل” (دا 19: 2).

·              
“حلمك ورؤيا رأسك هو هذا” (دا 28: 2).

·              
“رأيت حلماً فروّعنى … ورُؤى رأسى
أفزعتنى ” (دا 5: 4).

·              
“أخبرنى برؤى حلمى الذى رأيته
وبتعبيره” (دا 9: 4).

·              
“رُؤى رأسى … كنتُ أرى” (دا 10: 4).

·              
“كنتُ أرى فى رُؤى رأسى” (دا 13: 4).

·              
“رأى دانيال حلماً ورؤى رأسه على
فراشه” (دا 1: 7).

·     
“وكرر دانيال عبارة “كنتُ أرى فى رُؤى
الليل” ثلاث مرات لثلاث رؤى رأى فيها أربعة وحوش، والوحش الرابع مجده، وابن
الإنسان (دا 2: 7،7،13).

·              
“أما دانيال فَحزنت روحى فى وسط جسمى
وأفزعتنى رُؤى رأسى” (دا15: 7).

 

2– “حزون hazon” وتعنى “رؤيا”

وتكررت
32 مرة، أغلبها فى شكل مفرد “رؤيا” للإعلان الفردى والرُؤى المدونة فى
أسفار. وتساوى تماماً بيم كلمة الله والرؤيا وإن الرؤيا فى جوهرها تحمل كلمة الله
وإعلان الله عن ذاته وإرادته.

·              
“وكانت كلمة الرب عزيزة فى تلك الأيام. لم
تكن رؤيا كثيراً” (1صم 1: 3).

·              
“فحسب جميع هذا الكلام وحسب كل هذه الرؤيا
كذلك كلم ناثان داود” (1أخ15: 17).

·              
“وبقية أمور حزقيا ومراحمهُ ها هى مكتوبة
فى رؤيا أشعياء” (2أخ 32: 32).

·              
“حينئذ كلمت برؤيا تقيك” (مز 9: 89).

·              
“رؤيا أشعياء ابن أموص التى رآها على يهوذا
وأورشليم” (أش 1: 1).

·              
“أنبياء إسرائيل الذين يتنبأون لأورشليم
ويرون لها رؤى” (حز 16: 13).

·     
“جبرائيل الذى رأيته فى الرؤيا فى الابتداء
… فهمنى وتكلم معى وقال يا دانيال إني خرجتُ الآن لأعلمك الفهم … فتأمل الكلام
وافهم الرؤيا” (دا21: 9-23).

·              
“وكلمت الأنبياء وكثرت الرؤى” (هو 10:
12).

·              
“رؤيا عوبيديا هكذا قال الرب عن آدوم”
(عو 1: 1).

·              
“وحتى على نينوى. سفر رؤيا ناحوم
الألقوشى” (نا 1: 1).

·              
“فأجابنى الرب وقال أكتب الرؤيا، وأنقشها
على الألواح لكى يركض قارئها” (حبقوق 2: 2)(1).

 

3- “حزوت chazoth – hazot” وتعنى “رُؤى مدونة”؛

رؤى
يعدو الرائى على يربعام بن نباط” (2أخ 29: 9).

 

4- “حزيت chazuth – hazut” وتعنى “رؤيا”.

·              
“أعلنت لى رؤيا قاسية” (أش 2: 21).

·              
“صارت لكم رؤيا الكل مثل كلام السفر
المختوم” (أش 11: 29).

 

5- “حيزايون chizzayon – hizzayon” وتعنى رؤيا وكلام الله الموحى به وما
يعلنه الروح القدس من نبوات فى رُؤى.

·              
“فحسب جميع هذا الكلام وحسب كل هذه الرؤيا
كلم ناثان داود” (2صم17: 7).

·              
“وحى من جهة وادى الرؤيا” (أش 1: 22).

·              
“ويكون بعد ذلك أنى اسكب روحى على كل بشر
فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويحلم شيوخكم أحلاماً ويرى شبابكم رُؤى” (يؤ 28: 2).

·              
“ويكون فى ذلك اليوم أن الأنبياء يحزنون كل
واحد من رؤياه إذا تنبأ” (زك 4: 13)(2).

 

6- “محازية machazeh – mahazeh” وتعنى أيضا “رؤيا” تحمل كلام الله، وحيه الإلهى.

·              
“بعد هذه الأمور صار كلام الله إلى إبرام
فى الرؤيا قائلاً” (تك 1: 15).

·              
“وحى الذى يسمع أقوال الله ويرى رؤيا
القدير” (عدد 4: 24).

·              
“الذى يرى رؤيا القدير ساقطاً وهو مكشوف
العينين” (عدد 16: 24).

·              
“ألم ترو رؤيا قائلين وحى
الرب” (حز 7: 13).

 

7- “مراه marah” وتعنى “رؤيا”، “ظهور”.

·              
“وكلم الله إسرائيل فى رُؤى الليل وقال
يعقوب يعقوب” (تك 2: 46).

·              
“إن كان منكم نبى للرب فبالرؤيا أستعلن
له” (عدد 6: 12).

·              
“وخاف صموئيل أن يخبر عالى بالرؤيا”
(1صم 15: 3).

·              
“السموات انفتحت فرأيتُ رُوئ الله”
(حز 1: 1).

·              
“وأتى بى فى رُؤى الله إلى أورشليم”
(حز 3: 8).

·              
“فى رُؤى الله أتى بى إلى أرض إسرائيل (حز
2: 40)(3).

·     
“فرأيت أنا دانيال الرؤيا والرجال الذين
كانوا معى لم يروا لكن وقع عليهم ارتعاد عظيم. فبقيت أنا وحدى ورأيت هذه الرؤيا
العظيمة … وتكلمتُ وقُلتُ للواقف أمامى يا سيدى بالرؤيا أنقلبت علىّ أوجاعى فما
ضبطتُ قوّة” (دا 7: 10،8،16).

 

8- “ماريه mareh” وتعنى أيضا “ظهور” و”رؤية”.

·              
“الرؤيا التى رأيتها فى البقعة” (حز
4: 8).

·     
“وحملنى الروح وجاء بى فى الرؤيا بروح الله
… فصعدت عنى الرؤيا التى رأيتها. فكلمت المسبيين بكل الكلام الذى أرانى الرب
إياه” (خر 24: 11،25)(3).

·              
“فسمعت صوت إنسان قال يا
جبرائيل فهم هذا الرجل الرؤيا” (دا 16: 8)(4).

 

9– “رؤه
roeh” وتعنى “رؤية”
و”رؤيا”؛

 “الكاهن
والنبى
خلا فى
الرؤيا قلقا فى القضاء” (أش 7: 28).

 

10- “رآه raah” وتعنى “يرى”؛

 “وكان يطلب الله فى أيام زكريا الفاهم
بمناظر (رُؤى) الله” (2أخ 5: 26).

كما
وردت كلمة “رؤيا” فى العهد الجديد 15 مرة وكلها تعنى الرؤية البصرية،
الظهور، الرؤيا السمائية، رؤية الظهورات أو التجليات، سواء كانت للمسيح بعد
القيامة أو للملائكة الذين بشروا بقيامته وأعلنوها، أو رؤية تجلى السيد المسيح على
الجبل وظهور موسى وإيليا معه، أو الرؤى الإعلانية التى ظهر فيها أو تكلم من خلالها
الرب يسوع بعد القيامة أو الصعود، أو الروح القدس، أو الرؤى التصويرية الرمزية مثل
رُؤى القديس بطرس للملاءه النازلة من السماء، ورؤيا القديس بولس للرجل المكدونى
الذى طلب منه الذهاب إلى مكدونية ورؤيا القديس يوحنا المدونة فى سفر الرؤيا.

ووردت
كلمة “غيبة” والتى تعنى “غيبة رؤيا” ثلاث مرات. وعلى الرغم من
أن القديس يوحنا لم يستخدم فى سفره الرؤيا، كلمة رؤيا سوى مرة واحدة إلا أنه
استخدم عبارة “رأيت
Kai eidon
– I saw
” حوالى 40 مرة
للإشارة إلى ما كان يراه أثناء الرؤيا وهو فى الروح.

 

وفيما يلى أهم الآيات التى وردت فيها هذه
الكلمات:

1- “أوبتاسيا Optasia” وتعنى “رؤية” و”ظهور” أى كل ما يظهر

وتشير
إلى ظهورات ملائكية ووقوع فى غيبة رؤويه روحية.

·    “وظهر
ملاك الرب لزكريا الكاهن فى الهيكل وبشره بولادة يوحنا المعمدان، ولما خرج من
الهيكل صامتاً. يقول الكتاب “ففهموا (الشعب) أنهُ قد رأى رؤيا فى
الهيكل” (لو22: 1).

·    وبعد
قيامة السيد المسيح من الموت وظهور الملائكة للنسوة ذهبن وقلن للتلاميذ
“أنهنّ رأين منظر (ابصرن فى رؤيةٍ) ملائكة قالوا أنه حى” (لو 23: 24).

·       
ووصف القديس بولس ظهور السيد المسيح له ب
“الرؤيا السماوية” (أع 19: 26).

·       
ووصف رؤياه للسماء الثالثة والفردوس بالقول “فإنى
آتى إلى مناظر الرب (رُؤى الرب) وإعلاناته” (2كو 1: 12).

 

2- “هوراما horama” وتعنى “رؤية” و”رؤيا”

وتشير
إلى ما يرى من الرُؤى والأحلام الإلهية الإعلانية المعطاة من الله.

·    بعد
أن تجلى السيد المسيح أمام تلاميذه وظهر معه كل من موسى وإيليا، يقول الكتاب
“وفيما هم نازلون من الجبل أوصاهم يسوع قائلاً: لا تعلموا أحداً بما رأيتم
(بهذه الرؤيا) حتى يقوم ابن الإنسان من الأموات” (متى 9: 17).

·    وبعد
ظهور الرب يسوع لشاول الطرسوسى فى الطريق إلى دمشق، ظهر لتلميذ فى دمشق اسمه
حنانيا وقال له “فى رؤيا يا حنانيا … قم أذهب … وأطلب فى بيت يهوذا رجلاً
طرسوسى اسمه شاول” (أع 10: 9،11).

·       
وفى نفس الوقت كان شاول يصلى “وقد رأى فى
رؤياه رجلاً أسمه حنانيا داخلاً وواضعاً يده عليه لكى يبصر” (أع 12: 9).

·       
“فرأى (كرنليوس) ظاهراً فى رؤيا نحو الساعة
التاسعة من النهار ملاكأ من الله داخلاً إليه وقائلاً لهُ يا كرنيليوس” (أع
3: 10).

·    ولما
رأى القديس بطرس فى رؤيا ملاءة نازلة من السماء “كان بطرس يرتاب فى نفسه ما
عسى أن تكون الرؤيا التى رآها
وبينما بطرس متفكر فى
الرؤيا قال له الروح …” (أع 17: 10،19).

·       
ويشير إلى هذه الرؤيا بقوله “فرأيت فى
غيبةٍ رؤيا” (أع 5: 11).

·    وعندما
أخرج الملاك القديس بطرس من السجن “خرج وهو يتبعهُ وكان لا يعلم أن الذى جرى
بواسطة الملاك هو حقيقى بل يظنُّ أنهُ ينظر رؤيا” (أع 9: 12).

·       
“وظهر لبولس رؤيا فى الليل رجل مكدونى قائم
يطلب إليه ويقول أعبر إلى مكدونيا وأعنّا” (أع 9: 16).

·       
“فقال الرب لبولس برؤيا فى الليل لا تخف بل
تكلم ولا تسكت” (أع 9: 18).

 

3- “هوارسيس horasis” وتعنى “رؤية”، “رؤيا”

أو
رؤيا كفعل وكمفهوم كتابى:

·    “وأسكب
من روحى على كل شر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويرى شبابكم رُؤى”
(أع 17: 2).

·    “وهكذا
رأيتُ الخيل فى الرؤيا والجالسين عليها لهم دروع ناريّة وإسماً نجونيّه وكبريتية
ورؤوس الخيل كرؤوس الأسُود ومن أفواهها يخرج نار ودخان وكبريت” (رؤ 17: 9).

 

4- “ورأيت Kai eidon – I Sow

يستخدم
القديس يوحنا الرسول والرائى هذه العبارة حوالي 40 مرة للإشارة إلى ما رآه فى
رؤياه.

·       
“فألتفتُ لأنظر الصوت الذى تكلم معى”
(12: 1).

·       
“فلما رأيته سقطت عند رجليه كميت”
(17: 1).

·       
“ورأيتُ على العروش أربعة وعشرين شيخاً
متسربلين بثيابٍ بيضٍ وعلى رُؤوسهم أكاليل من ذهب” (4: 4).

·    “ورأيت
على يمين الجالس على العرش سفراً مكتوباً من داخل ومن وراء مختوماً بسبعة ختوم.
ورأيتُ ملاكاً قوياً ينادى بصوت عظيم من هو مستحق أن يفتح السفر ويفك ختومه”
(1: 5،2).

·    “ونظرت
لما فتح الحمل واحداً من الختوم السبعة وسمعت واحداً من الأربعة الحيوانات قائلاً
كصوت رعدٍ هلمَ (وأنظر). فنظرت وإذا فرسٌ أبيض والجالس عليه معه قوس وقد أعطى
إكليلاً وخرج غالباً ولكى يغلب” (رؤ 1: 6،2).

·       
“ولما فتح الختم الخامس رأيت تحت المذبح
نفوس الذين قُتلوا من أجل كلمة الله ومن أجل الشهادة التى كانت عندهم” (رؤ 9:
6).

·    “بعد
هذا رأيت أربعة ملائكة واقفين على أربع زاويا الأرض ممسكين أربع رياح الأرض …
ورأيت ملاكاً أخر طالعاً من مشرق الشمس معهُ ختم الله الحى” (رؤ 1: 7،2).

·       
“ورأيت السبعة الملائكة الذين يقفون أمام
الله …” (رؤ 2: 8).

·       
“فرأيت كوكباً قد سقط من السماء إلى الأرض
وأعطى مفتاح بئر الهاوية”(1: 9).

·       
“وهكذا رأيت الخيل فى الرؤيا والجالسين
عليها” (17: 9).

·       
“ثم رأيت ملاكاً آخر قوياً نازلاً من
السماء متسربلاً بسحابة وعلى رأسه قوس قزح ووجهه كالشمس ورجلاه كعمودى نار”
(1: 10).

·       
“والملاك الذى رأيته واقفاً على البحر وعلى
الأرض رفع يده إلى السماء” (5: 10).

·       
“فرأيتُ وحشاً طالعاً من البحر له سبعة
رؤوس وعشرة قرون” (1: 13).

·       
“والوحش الذى رأيتهُ كان شبه نمر وقوائمه
كقوائم دبّ وفمهُ كفم أسدٍ وأعطاهُ التنين قدرتهُ وعرشهُ وسلطاناً عظيماً”
(2: 13).

·       
“ثم رأيت ملاكأ آخر طائراً فى وسط السماء
ومعه بشارة أبدية” (6: 14).

·       
“ثم رأيت آية أخرى فى المساء عظيمة وعجيبة.
سبعة ملائكة معهم السبع الضربات الأخيرة لأن بها أكمل غضب الله” (1: 15).

·    “ورأيتُ
كبحر زجاج مختلط بنار والغالبين على الوحش وصورته وعلى (سمته) وعدد أسمه واقفين
على البحر الزجاجى معهم قيثارات الله” (2: 15).

·       
“ورأيت من فم التنين ومن فم الوحش ومن فم
النبى الكاذب ثلاثة أرواح نجسة شبه ضفادع” (13: 16).

·    “فمضى
بى بالروح إلى برية فرأيت امرأة جالسة على وحش قرمزى مملوء أسماء تجديف … ورأيت
المرأة سكرى من دم القديسين ومن دم شهداء يسوع” (3: 17،6)(5).

·       
“ثم رأيت ملاكاً آخر نازلاً من السماء له
سلطان عظيم واستنارت الأرض من بهائِه” (1: 18).

·       
“ثم رأيتُ السماء مفتوحة وإذا فرس أبيض
والجالس عليه يُدعى أمينا وصادقاً وبالعدل يحكم ويحارب” (11: 19).

·       
“ورأيتُ الوحش وملوك الأرض وأجنادهم
مجتمعين ليصنعوا حرباً مع الجالس على الفرس ومع جنده” (19: 19).

·    “ورأيت
ملاكاً نازلاً من السماء معهُ مفتاح الهاوية وسلسلة عظيمة على يده. فقبض على
التنين الحية القديمة الذى هو إبليس والشيطان” (1: 20،2).

·    “ورأيت
عروشاً فجلسوا عليها (القديسين) ورأيت نفوس الذين قتلوا من أجل شهادة يسوع ومن أجل
كلمة الله … فعاشوا وملكوا مع المسيح” (4: 20).

·    “ثم
رأيتُ عرشاً عظيماً أبيض والجالس عليه الذى من وجهه هربت الأرض والسماء ولم يوجد
لهما موضع ورأيت الأموات صغاراً وكباراً واقفين أمام الله وانفتحت أسفار وأنفتح
سفر آخر هو سفر الحياة ودين الأموات مما هو مكتوب بحسب أعمالهم” (11: 20،12).

·    “ثمر
رأيتُ سماء جديدة وأرضاً جديدة لأن السماء الأولى مضتا والبحر لا يوجد فيما بعد.
و(أنا يوحنا) رأيت المدينة المقدسة أورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند الله
مهيئة كعروس مزينة لرجلها… لم أرى فيها هيكلاً لأن الرب الله القادر على كل شئ
هو والخروف (الحمل) هيكلها. والمدينة لا تحتاج إلى الشمس ولا إلى القمر ليضيئا
فيها لأن مجد الله قد أنارها والحمل سراجها” (1: 21،2،22).

 

2- الرؤيا والغيبة (Ekstasis):

كلمة
“غيبة” فى اليونانية هى “إكستاسيس
ekastasis
وقد وردت فى العهد الجديد سبع مرات، وتعنى فى أربع منها “الدهش”،
الاندهاش الشديد و”الحيرة” الشديدة التى تساوى الذهول، وذلك فى مواقف
رأى فيها الناس ما أذهلهم وجعلهم فى حالة شديدة من الذهول والاندهاش، مثل إقامة
ابنة يايرس من الموت “فبهتوا بهتاً عظيما(6)ً”،
“دهشوا أشد الدهشة”، وبعد شفاء السيد المسيح للمفلوج وغفرانه لخطاياه
“أخذت الجميع حيرة ومجدوا الله وإمتلؤا خوفاً(7)“،
“استولى الدهش عليهم جميعاً”، وبعد شفاء القديسان بطرس ويوحنا للمُقعد
أمام باب الهيكل ومشاهدة الناس لهُ وهو يمشى على رجليه “إمتلؤا دهشة وحيرة
مما حدث لهُ(8)“، “أخذهم العجب
والدهش كل مأخذ”، وبعد مشاهدة المريماتن للملاك المبشر بقيامة السيد المسيح
من الموت، خرجن سريعاً وهربنّ من القبر “لأن الرعدة والحيرة أخذتاهُنّ(9أ)” “الرعدة والدهش”.

وتعنى
الكلمة “إكيتاسي
ekstasis” فى الكلمات الثلاثة الأخرى “غيبة” روحية نبوية
إعلانية إلهية، وتترجم أيضا “جذب” بمعنى خروج الإنسان عن دائرة
المحسوسات، ومترجمه فى الإنجليزية “
trance“، وتعنى فى
كل الأحوال أن العقل فى حالة وعى عالية جداً وفى استعداد تام للاتصال بالله
ومشاهدة الرؤيا السمائية، الوقوع فى حالة “ذهول” و”دهش”
و”انجذاب” لمشاهدة ورؤية ما يكشفه الروح ويعلنه الروح فى الرؤيا المعطاة
من الله، وفى هذه “الغيبة” أو “الدهش” أو “الجذب”
تكون كل وظائف الجسد ساكنة وفى حالة فقدان للحواس الخارجية، ويبقى منحصراً فى
الروح، فى الرؤيا، ويفقد الاتصال بما حوله ولا يحس بالمؤثرات الخارجية، وكأنه
انجذب خارج ذاته على الرغم من إنه يظل فى حالة يقظة ومفتوح (مكشوف العينين)، إلا
إنه يركز فقط وبصورة كاملة على ما يعلنهُ لهُ الروح فى الرؤيا، يصبح فى حالة
استعداد تام لسماع كلمة الله ولرؤية “رؤى القدير وهو مكشوف العينين(9ب)“،وفى هذه الحالة، حالة الغيبة، تنسحب
الروح، روح الإنسان، ويتحرر من الحدود التى تقيده بالأرض وينحصر فى الروح تماماً،
ويبقى فى داخل نطاق الرؤيا.

يقول
الكتاب أن القديس بطرس صعد إلى السطح “ليصلى نحو الساعة السادسة، فجاع كثيراً
واشتهى أن يأكل. وبينما هم يهيئون لهُ وقعت عليه غيبة. فرأى السماء مفتوحة(10)“، وعندما حكى مضمون ما رآه فى هذه الغيبة
الرؤوية لبقية الرسل قال “كنتُ فى مدينة يافا أصلى فرأيتُ غيبة رؤيا … من
المساء(11)“. ونفس الشيء حدث
للقديس بولس فيقول “وحدث لى بعد أن رجعت إلى أورشليم وكنتُ أصلى فى الهيكل
أنى حصلتُ فى غيبة. فرأيته (الرب يسوع المسيح) قائلاً لى (12)“.
ويستخدم الكتاب هنا تعبيرات “وقعت عليه غيبة”، “رأيتُ فى غيبة
رؤيا”، “حصلت فى غيبة” وتترجم العبارات الثلاثة أيضا؛ “أصابه
جذب”، “أصابنى جذب فرأيت فى رؤيا”، “أصابنى جذب”.

وهذا
يشبه تعبيرات للقديس يوحنا الرسول والرائى؛ “كنت فى الروح فى يوم الرب(13)“، “وللوقت صرت فى الروح(14)“، “فمضى بى الروح(15)“،
“وذهب بى الروح(16)“، وأيضا عبارات
حزقيال النبى؛ “فحملنى الروح(18)“،
“فدخل فى روح(19)“، “ثم حملنى
روح فسمعتُ(20)“، “فحملنى
الروح وأخذنى(21)“، “ورفعنى روح
بين الأرض والسماء وأتى بى فى رؤى الله(22)“،
وحملنى روح وجاء بى فى الرؤيا فى روح الله(23)“،
فقد كان الجميع فى حالة صلاة وانسحاق كامل أمام الله، وفى هذه الحالة الروحية
وبدون استعداد سابق وقعوا فى الغيبة وصاروا فى الروح الذى أتى بهم جميعاً فى رُؤى
الله وإعلاناته، وانتقل بهم بين الأرض والسماء، واجتاز بهم السماء ونزل بهم إلى
أقسام الأرض السفلى والهاوية.

ويكمل
لنا القديس بولس الصورة عندما يروى رؤياه للسماء الثالثة فيقول “إنى آتى إلى
مناظر الرب وإعلاناته”، حرفياً “رُؤى الرب وإعلاناته”، ثم يكمل
“أفى الجسد لست أعلم أم خارج الجسد لستُ أعلم. الله يعلم. أختُطف هذا إلى
السماء الثالثة … أفى الجسد لست أعلم أم خارج الجسد لستُ أعلم. الله يعلم. أنه
أختُطف إلى الفردوس وسمع كلمات لا ينطق بها ولا يسوغُ لإنسانٍ أن يتكلّم بها”.
وهو هنا يوضح لنا أن الحالة التى كان عليها أثناء الرؤيا والتى كان فيها محصوراً
فى الروح، محمولاً بالروح، حائراً فى الروح، وانتقل فيها من الأرض إلى السماء
والفردوس دون أن يعرف إن كان ذلك بالجسد أم خارج الجسد، ولكنه أن فى حالة وعى تام
بما كان فيه وما رآه، فقد كان فى الروح .

 

3- ماهية الرؤيا:

يوضح
لنا الكتاب، إلى جانب ما ذكرناه، فى قصة بلعام بن بعور الذى كان معاصراً لموسى
النبى ولكن من خارج بنى إسرائيل، ماهية الرؤيا وحالة الرائى أثنائها فيقول
“وحْىّ بلعام بن بعور. وحْىُ الرجل المفتوح العينين. وحى الذى يسمع أقوال
الله. الذى يرى رؤيا القدير مطروحاً وهو مكشوف العينين(24)“.
وأخذ يتنبأ عما سيحدث فى المستقبل ويعلن إرادة الله وما حتمته مشورته الإلهية. من
الأزل. ولأن بالاق بن صفور ملك مؤاب أراده أن يتنبأ لصالح شعبه ويلعن إسرائيل قال
له بلعام “لا أقدر أن أتجاوز قول الرب لأعمل خيراً أو شراً من نفسى. الذى
يتكلّمهُ الربُّ إياهُ أتكلّم … هلما أنبئك بما يفعلهُ هذا الشعب بشعبك فى أخر
الأيام. ثم نطق بمثلهُ وقال. وَحْىُ بلعام بن بعور. وحى الرجل المفتوح العينين.
وَحْىُّ الذى يسمع أقوال الله ويعرف معرفة العلى. الذى يرى رؤيا القدير ساقطاً وهو
مكشوف العينين. أراه ولكن ليس الآن أبصره ولكن ليس قريباً. يبرز كوكب من يعقوب…(25)“، ويستمر نبؤاته عن المسيح الآتى ومستقبل
إسرائيل والأمم المحيطة ومن هذه الأقوال يوضح لنا الكتاب ما يلى:

1-
أن
الرؤيا هى رؤيا الله القدير ذاته، أى إعلان الله عن ذاته وإرادته.

2-
هى
وَحْىُّ إلهى، كلام الله وأقواله، ومعرفة الله وإدراكه.

3-
يراها
الرائى وهو مفتوح ومكشوف العينين وفى حالة وعى وإدراك كامل ويقظة كاملة محمولاً
بالروح القدس، فترى عيناه فى الرؤيا ما لا تقدر عين أخرى أن تراه وتسمع أذناه ما
لا تقدر أذن أخرى أن تسمعهُ إلا بكشف من الله، أى يكشف الله للعين ما يريد لها أن
تراه وللأذن ما يريد لها أن تسمعهُ، سواء كان ذلك فى محيط الرائى أو فى مكان أخر،
على الأرض أو فى السماء أو حتى فى الهاوية، سواء فى الحاضر أو المستقبل القريب أو
المستقبل البعيد.

بعد
شفاء النبى إليشع لِبَرصْ نعمان السريانى رفض أن يأخذ الهدايا التى قدمها لهُ،
ولما ذهب نعمان، ذهب وراءه جيحزى خادم إليشع النبى وأدعى كذباً أن النبى قد أرسلهُ
ليأخذ منهُ بعض هذه الهدايا، ولما أعطاه نعمان ما أراد أخفى الهدايا فى بيته ورجع
إلى سيده، ولكن الله كشف لإليشع النبى ما فعله جيحزى بالرغم من أنه لم يخرج من
بيته، “فقال لهُ إليشع من أين “جئت” يا جيحزى. فقال عبدك لم يذهب
إلى هنا أو هناك. فقال له ألم يذهب قلبى معك حين رجع الرجل من مركبته للقاك. أهو
وقت لأخذ الفضة ولأخذ ثياب …(26)
“.

ولما
أحاطت جيوش ملك آرام المدينة التى كان إليشع فيها ورأى غلامه هذه الجيوش خاف وقال
“آه يا سيدى كيف نعمل. فقال (إليشع) لا تخف لأن الذين معنا اكثر من الذين
معهم. وصلى إليشع. وقال يا رب افتح عينيه فيبصر. ففتح الربُّ عينى الغلام فأبصر
وإذا الجبل مملوء خيلاً ومركبات نار حول إليشع(27)“.

ولما
ظهر الرب يسوع المسيح لشاول الطرسوسى فى الطريق إلى دمشق وهداه إلى الإيمان به
وتحول إلى المسيحية، وفيما هو فى الطريق إلى دمشق “كان وهو مفتوح العينين لا
يبصر أحداً”. وفى دمشق قال “الرب فى رؤيا (لأحد التلاميذ ويدعى حنانيا)
يا حنانيا. فقال ها أنذا يا ربُّ. فقال له الربّ قُم واذهب إلى الزقاق الذى يقال
له المستقيم وأطلب فى بيت يهوذا رجلاً طرسوسياً أسمه شاول. لأنه هوذا يصلى”.
وفى تلك اللحظة كان شاول، كما قال الربُّ لحنانيا “قد رأى فى رُؤيا رجلاً
اسمه حنانيا داخلاً وواضعاً يده عليه لكى يبصر(28)“،
رأى بلعام ما كشفهُ لهُ الله من أحداث المستقبل، ورأى إليشع ما كان يفعلهُ جيحزى
وهو فى مكان آخر بعيد عنه، ورأى القوات الروحية والمركبات النارية التى لم يرها
أحد غيره، ولما صلى لله كشف عن عينى غلامه فرأى هو أيضا القوات الروحية والمركبات
النارية المحيطة بإليشع النبى، ورأى حنانيا المبصر الرب فى رؤيا، ورأى شاول الذى
“كان وهو مفتوح العينين لا يبصر أحداً، رأى فى الرؤيا بالرغم من عماه الجسدى،
حنانيا وهو داخلاً عليه ليصلى له لكى يشفى ويبصر، رأى بعينيه الداخليتين ما لم يره
بعينيه الطبيعيتين. ولأن الرؤيا إعلان ورسالة من الله، أحد طرق الله ووسائله
للإعلان عن ذاته وإرادته، فقد دُعى الأنبياء بالرائين، وكان لقب النبى الأقدم هو
“الرائى”، “هكذا كان يقول الرجل عند ذهابه ليسأل الله. هلّم نذهب
إلى الرائى. لأن النبى اليوم كان يُدعى سابقاً “الرائى(29)“.
وقال صموئيل النبى عن نفسه “أنا الرائى
أخبرك بكل
ما فى قلبى(30)“، ومن ثم فقد دعيت
دعوة صموئيل النبى حرفياً رؤيا”، كما دُعيت دعوة كثير من الأنبياء وأسفارهم
وما دونوه فيها ب “رؤيا” أو الوحى المرئى “الوحى الذى رآه”
النبى:

·    “فبعد
أن كلم الله صموئيل وهو صبى واعلمه بما سيحدث لعالى الكاهن وأولاده، يقول الكتاب.
وخاف صموئيل أن يخبر عالى بالرؤيا” (1صم 15: 3).

·       
“رؤيا أشعياء بن أموص التى رآها على يهوذا
وأورشليم” (أش 1: 1).

·       
“وحى من جهة بابل رآه أشعياء بن أموص”
(أش 1: 13).

·       
“أقوال عاموس … التى رآها عن
إسرائيل” (عا 1: 1).

·       
“رؤيا عوبيديا هكذا قال الرب عن آدوم”
(عو 1: 1).

·       
“قول الرب الذى صار إلى ميخا المورشتى …
الذى رآه على السامرة وأورشليم” (ميخا 1: 1).

·       
“وحى على نينوى … سفر رؤيا ناحوم
الألقوشى” (نا 1: 1).

·       
“الوحى الذى رآه حبقوق النبى” (حب 1:
1).

كما
وصف الكتاب نبوة ناثان النبى عن عهد الله مع داود الملك والنبى ب “رؤيا”؛
“فحسب جميع هذا الكلام وحسب كل هذه الرؤيا كذلك كلم ناثان داود(31)“. وقال داود أيضا عن كلام الله لهُ
“حينئذ كلمت برؤيا تقيك(32)“.
كما وصفت كلمة الله بصفة عامة أيام صموئيل النبى بالرؤيا “وكانت كلمة الرب
عزيزة فى تلك الأيام. لم تكن رؤيا كثيراً(33)“.

 

4- أنواع الرؤى:

كان
الرائى دائماً فى الرؤيا، أثناء رؤياه، أو رؤيته (مشاهدته) الرؤيا، فى الروح تحت
السيطرة الكاملة للروح القدس “كنت فى الروح(34)“،
“فحملنى روح(35)“، وكان دائما وهو فى
الغيبة الرؤوية واقعاً تحت اليد الإلهية القوية “أن يد السيد الرب وقعت علىّ
هناك(36)“، “فحملنى
الروح وأخذنى فذهبتُ مُرراً فى حرارة روحى ويد الرب كانت شديدة علىّ(37)“، “كانت علىّ يد الرب فأخرجنى بروح
الرب(38)“. ومن ثم كان ينتقل
فى الرؤيا من مكان إلى آخر سواء كان ذلك فى الأرض أو فى السماء أو حتى فى الهاوية.

وكانت
الرؤيا تحمل دائماً نبوة نبوءات سواء عن الحاضر المعاصر للنبى ومعاصريه أو عن
المستقبل القريب أو البعيد، سواء مستقبل إسرائيل أو مستقبل أمم معينة مثل مصر
وفلسطين وما بين النهرين وفارس واليونان وروما، أو مستقبل العالم كله. وكثير من
هذه النبوات اختصت بالسيد المسيح سواء فى مجيئه الأول، التجسد، أو فى مجيئه الثانى
ودينونته للبشرية، أى فى الآخرة، وهذا ما يسمى بالإسخاتولوجى أو الآخرويات،
المتعلقة بالمجيء الثانى والدينونة والحياة الأبدية.

وكان
الرائى عادة ما يسمع فى رؤياه صوت الله أو صوت كائنات سمائية ملائكية ويرى ظهورات
إلهية أو ملائكية، تعلن له مباشرة عن إرادة الله وتحملهُ رسالته إلى البشر. وهذا
ما نسميه بالرؤى ذات الإعلان المباشر، الرؤى المباشرة التى يكشف فيها الله عن ذاته
وإرادته مباشرة وبصراحة وبوضوح، فى إعلان واضح وصريح ومباشر، سواء كان المتكلم هو
الله ذاتهُ أو أحد الكائنات السمائية الملائكية. وكثيراً ما كان الرائى يرى رؤى
تخيلية تصويرية رمزية يكشف له الله فيها عن ذاتهُ وإرادته من خلال صور أو أشكال
تصويرية تخيلية رمزية، فيرى فى الرؤيا صور ومشاهد ومناظر لبشر أو حيوانات أو
تنانين أو منائر أو مركبات أو سلال أو أدراج “أسفار
كتب”
أو قرون “قرون حيوانات” أو أبواق أو كراسى (عروش) أو بحار أو وديان
وجبال أو أقمار ونجوم وشموس … الخ. هذه المشاهد أو المناظر أو الأشكال التصويرية
التخيلية الرمزية ليست مقصودة فى ذاتها وإنما ترمز لأمور أخرى أكثر سمواً وقوة،
وعادة ما كان الرائى فى حاجة لمن يفسرها لهُ ويشرح لهُ المقصود بها وما ترمز إليه،
وكان الرائى يجد ذلك فى الرؤيا ذاتها حيث كان يصاحبه فى أكثر الأحيان كائنات
سمائية ملائكية تنتقل به من مكان إلى مكان آخر وترشده فى رحلاته الرؤوية وتشرح له
ما غمض عليه وتفسر له الرموز التى ترمز وتشير إليها الأشكال التصويرية التى كان
يشاهدها ويراها فى رؤياه مثل رؤى حزقيال ودانيال وزكريا ويوحنا. وأحياناً كان
الرائى يجد التفسير فى الأحداث التى تعقب الرؤيا مباشرة. مثل رؤيا القديس بطرس
للملاءة النازلة من السماء، وفى أحيان أخرى كان الرائى يدرك التفسير من خلال
الأحداث المعاصرة له، أو يقدم له الله الصور الرؤوية ثم يعلن له عما يقصده بها مثل
رؤى عاموس وأرميا النبيان.

 

وفيما يلى أهم أنواع الرؤى التى وردت فى الكتاب
المقدس ككل:

 

أولاً: الرؤى ذات الإعلان المباشر:

1- رؤيا إبراهيم وميثاق الله معه:

كانت
أول الرؤى فى الكتاب المقدس هى رؤيا إبراهيم والتى قطع فيها الله معه ميثاقاً،
عهداً، يقضى بأن يكون لإبراهيم نسلاً كثيراً مثل عدد نجوم السماء يرث أرض كنعان،
ولكن ليس فى أيان إبراهيم حيث كشف له الله أن الشعوب التى كانت تقيم فى الأرض فى
ذلك الوقت لم تكن تستحق الطرد من عليها لأن ذنبهم لم يكن كاملاً بعد، ولذ فإن نسل
إبراهيم سيتغرب فى أرض العبودية لمدة 400 سنة حتى يكمل ذنب الآموريين، ثم يخرجهم
الله بذراع قوية ويأتى بهم إلى أرض كنعان؛ “صار كلام الرب إلى إبرام فى
الرؤيا قائلاً لا تخف يا إبرام. أنا ترس لك. أجرك كثيراً جداً
ثم أخرجه
إلى خارج وقال أنظر إلى السماء وعد النجوم إن استطعت أن تعدها. وقال له هكذا يكون
نسلك
أنا الرب
الذى أخرجك من أور الكلدانيين ليعطيك هذه الأرض لترثها. فقال أيها السيد الرب
بماذا أعلم إنى أرثها. فقال له خذ لى عجلة ثلاثية وعنزة ثلاثية وكبشاً ثلاثياً
ويمامة وحمامة
ولما صارت
الشمس إلى المغيب وقع على إبرام ثبات وإذا رعبه مظلمة واقعة عليه فقال لإبرام أعلم
يقيناً أن نسلك سيكون غريباً فى أرضا ليست لهم ويستعبدون لهم. فيذلونهم أربع مئة
سنة. ثم الأمة التى يستعبدون لها أنا أدينها. وبعد ذلك يخرجون بأملاك جزيلة أما
أنت فتمضى إلى آبائك بسلام وتدفن بشيبة صالحة. وفى الجيل الرابع يرجعون إلى ههنا
لأن ذنب الآموريين ليس إلى الآن كاملاً. ثم غابت الشمس فصارت العتمة. وإذا بنور
دخان ومصباح نار يجوز بين تلك القطع. فى ذلك اليوم قطع الرب مع إبرام ميثاقاً
قائلاً. لنسلك أعطى هذه الأرض(39)“.
ويقول لنا الكتاب إن ذنب الآموريين قد اكتمل عندما تنجسوا بكل أنواع الزنى مع
الأمهات والأخوات وبنات الأبناء والبنات وزوجات الأباء ومع العمات والخالات
والكنات
الخ.

ولذلك
فقد قذفت بهم الأرض كما يقول الكتاب(40).

 

2- رؤيا يعقوب والذهاب إلى مصر والوعد بالعودة منها:

وتحقيقاً
لما سبق وأعلنه الله لإبراهيم وأنبئه عن تغرب نسله، وكان ذهاب يوسف إلى مصر
وتفسيره لحلمى فرعون وجلوسه على كرسى رئيس الوزراء وادخاره من سنين الشبع لسنين
الجوع واضطرار اخوته ثم أبيه للذهاب إلى مصر للحصول على حاجاتهم من الطعام وتردد
يعقوب فى الذهاب، ظهر الله فى رؤيا ليعقوب وطمأنه وبدد خوفه من الذهاب إلى مصر
ووعده بعودة نسله منها “فكلم الله إسرائيل فى رُؤى الليل وقال يعقوب يعقوب.
فقال هأنذا. فقال أنا الله إله أبيك. لا تخف من النزول إلى مصر. لأنى أجعلك أمة
عظيمة هناك. أنا أنزل معك إلى مصر وأنا أصعدك أيضا(41)

 

3- رُؤى القديس بولس الرسول وظهور السيد المسيح له من السماء:

كان
القديس بولس، سابقاً شاول الطرسوسى، من أشد المضطهدين للمسيحية وفيما هو ذاهب إلى
دمشق لاضطهاد المسيحيين هناك “بغتة أبرق حوله نور من السماء. فسقط على الأرض
وسمع صوتاً قائلاً له شاول شاول لماذا تضطهدنى. فقال من أنت يا سيد. فقال الربُّ
أنا يسوع الذى أنت تضطهده، صعب عليك أن ترفس مناخس. فقال وهو مرتعد ومتحير يا رب
ماذا تريد أن أفعل. فقال لهُ الربُّ قُم وادخل المدينة. فيقال لك ماذا ينبغى أن
تفعل(42)“. بعد هذا الظهور
قام شاول من على الأرض وهو لا يبصر بالرغم من أنه كان مفتوح العينين، ومن ثم
اقتادوه إلى دمشق.

‌أ-
“وكان
فى دمشق تلميذ اسمه حنانيا. فقال له الرب فى رؤيا يا حنانيا فقال هأنذا يا ربُّ.
فقال لهُ الربُّ قُم واذهب إلى الزقاق الذى يقال له المستقيم وأطلب فى بيت يهوذا
رجلاً طرسوسياً أسمه شاول. لأنه هوذا يصلى(43)“.

‌ب-
وفى
تلك اللحظة كان شاول يرى رؤيا أخرى “رأى فى رؤيا رجلاً اسمه حنانيا داخلاً
وواضعاً يده عليه لكى يبصر(44)“. “فأجاب
حنانيا” فى حديثه مع الرب فى الريا الخاصة به وقال “يا ربُّ قد سمعت من
كثيرين عن هذا الرجل كم من الشرور فعل بقدّيسيك فى أورشليم. وهنا له سلطان من قبل
رؤساء الكهنة أن يوثق جميع الذين يدعون باسمك فقال له الربُّ أذهب. لأن هذا لىّ
إناء مختار ليحمل أسمى أمام أمم وملوك وبنى إسرائيل(45)“.

‌ج-
وفى
كورنثوس واجه القديس بولس مقاومة من اليهود فى نشر كلمة الله فظهر له الرب فى رؤيا
ليقويه ويشجعه “فقال الربُّ لبولس برؤيا فى الليل لا تخف بل تكلم ولا تسكت
لأنى معك ولا يقع بك أحد ليؤذيك. لأن لى شعباً كثيراً فى هذه المدينة(46)“.

‌د-
وبعد
أن قبض عليه اليهود فى الهيكل ووضع فى معسكر الرومان وقرر اليهود قتله ظهر له الرب
فى رؤيا وأكد له حتمية شهادته فى رومية، “وفى الليلة التالية وقف به الربُّ
وقال ثق (يا بولس) لأنك كما شهدت بما لى فى أورشليم هكذا ينبغى أن تشهد فى رومية
أيضاً(47)“.

‌ه-
ولما
كان متجهاً إلى رومية فى السفينة وتعرضت السفينة وكل من عليها للخطر والهلاك أعلن
له ملاك الله أن الله قد حفظ بسببه كل الركاب إلا السفينة، فوقف فى وسط الرجال
وأكد لهم أنه “لا تكون خسارة نفس واحدة منكم إلا السفينة. لأنه وقف بى هذه
الليلة ملاك الإله الذى أنا له والذى أعبده قائلاً لا تخف يا بولس. ينبغى لك أن
تقف أمام قيصر. وهوذا قد وهبك الله جميع المسافرين معك(48)“.

 

ثانياً: رؤى العرش الإلهى:

يذكر
الكتاب بعض الرؤى التصويرية للعرش الإلهى والحضرة الإلهية والتى يسميها الوحى الإلهى
ب “مجلس الرب” أو “مجلس الله”، “لأنه من وقف فى مجلس
الرب ورأى وسمع كلمته(49)“، “هل تنصت فى
مجلس الله(50)“. ويقدم لنا الكتاب
هذا المجلس الإلهى السمائى فى عدة صور تشترك جميعها فى جلوس الله على العرش الإلهى
الذى يحيط به ألوف ألوف وربوات ربوات (أى عشرات الألوف) من الكائنات الروحية
السمائية الملائكية التى يعلن الله أمامها عن إرادته ومشورته الإلهى للبشرية والتى
يبدو فى بعض الرؤى إنه يشركها فى طرق تنفيذ إرادته.

ويسجل
لنا سفر أيوب صورة لهذا المجلس الإلهى فى بداية السفر ليكشف لنا كيف يسمح الله
للشيطان أن يجرب أولاد الله حتى يتزكوا أمامه ويرفع وجههم وتكون أخرتهم أحسن من
أولادهم(51)، يقول السفر “وكان
ذات يوم أنه جاء بنو الله (أي الكائنات السمائية الملائكية) ليمثلوا أمام الرب
وجاء الشيطان أيضا فى وسطهم. فقال الرب للشيطان من أين جئت. فأجاب الشيطان الرب
وقال من الجولان فى الأرض ومن التمشى فيها. فقال الرب للشيطان هل جعلت قلبك على
عبدى أيوب. لأنه ليس مثله فى الأرض. رجل كامل ومستقيم يتقى الله ويحيد عن الشر.
فأجاب الشيطان الرب هل مجاناً يتقى أيوب الله. أليس أنك سيجت حوله وحول بيته وحول
كل ماله من كل ناحية. باركت أعمال يديه فانتشرت مواشيه فى الأرض. ولكن ابسط يدك
الآن ومس كل ماله فانه فى وجهك يجدف عليك. فقال الرب للشيطان هوذا كل ماله فى يدك.
وإنما إليه لا تمد يدك. ثم خرج الشيطان من وجه الرب(52)“.
وبعد أن سمح له الله أن يمس كل ماله وظل أيوب على كماله عاد الشيطان إلى المجلس الإلهى
ثانية ولكن فى هذه المرة طلب السماح له بمس أيوب فى لحمه وعظمه “فقال الربُّ
للشيطان ها هو فى يدك ولكن أحفظ نفسه(53)“.

هذه
الصورة التى دونها الوحى الإلهى للمجلس السمائى أو الحضرة الإلهية فى سفر أيوب
تتنوع فى صورها فى بقية الأسفار وخاصة الأسفار الرؤوية.

 

1- رؤيا ميخا النبى بن يمله للمجلس السمائى:

وتقرير
مصير الملك أخاب؛ هذه الرؤيا تقترب كثيراً من رؤيا سفر أيوب ولكن فى هذه الرؤيا
يتقرر مصير الملك أخاب والذى هو الموت. يقول ميخا النبى “رأيت الرب جالساً
على كرسيه وكل جند السماء وقوف لديه عن يمينه وعن يساره. فقال الربُّ من يغوى أخاب
فيصعد ويسقط فى راموت جلعاد. فقال هذا هكذا وقال ذاك هكذا. ثم خرج الروح ووقف أمام
الرب وقال أنا أغويه. فقال له الربُّ بماذا. فقال أخرج وأكون روح كذب فى أفواه
جميع أنبيائه. فقال إنك تغويه وتقتدر فاخرج وافعل هكذا(54)“.

 

2- رؤيا أشعياء النبى ودعوته لحمل إعلانات الله:

رأى
أشعياء النبى وهو فى الهيكل الرب جالساًَ على عرش سام وحوله السرافيم. وهم كائنات
سمائية نارية، إذ أن ترجمتهم اللفظية “الناريون” وهم يسجدون بقداسة الرب
ومجده، وهذا التسبيح زعزع أساسات بيت الرب الذى امتلأ بالدخان الذى هو علامة من
علامات الحضور الإلهى(55). “فى سنة وفاة عزيا
الملك رأيت السيد جالساً على كرسى (عرش) عال رفيع وأذياله تملأ الهيكل. السرافيم
(الناريون) واقفون فوقه لكل واحد ستة أجنحة. باثنين يغطى وجهه (خوفاً من رؤية
الرب) وباثنين يغطى رجليه تأدباً وباثنين يطير. وهذا نادى ذاك وقال قدوس قدوس قدوس
رب الجنود مجدُّ ملءُ كل الأرض. فاهتزت أساسات العتب من صوت الصارخ وامتلأ البيت
دخاناً. فقلت ويل لى أنى هلكت لأنى إنسان نجس الشفتين وأنا ساكن بين شعب نجس
الشفتين لأن عينى قد رآتا الملك رب الجنود(56)“.

بعد
هذا المشهد المهيب طار إلى أشعياء أحد السرافيم ومس شفتيه بجمرة أخذها من على
المذبح وقال له: إن هذه مست شفتيك فأنتزع اسمك وكفر عن خطيتك” ثم سمع صوت
الله يدعوه للخدمة قائلاً “من أرسل من يذهب من أجلنا. فقلت هأنذا أرسلنى(57)“.

 

3- رؤيا حزقيال النبى لمجد الرب وتكليفه بحمل رسالة الله إلى
المسبيين:

يرى
حزقيال النبى من هذه الرؤيا مشهد تصويرى لمجد الرب، يجمع الكثير من علامات الحضور
الإلهى. فقد رأى السموات وقد انفتحت ونظر وإذ بريح عاصف وسحاب عظيم ونار ولمعان
وأربعة مخلوقات فى شبه وهيئة حيوانات لكل واحد أربعة وجوه وأربعة أجنحة ومن تحت
أجنحتها أيدى بشر، وهيئة وجوهها تشبه وجوه الإنسان والأسد والثور والنسر، ولكل
واحد أربعة أجنحة، وتشبه المخلوقات فى هيئتها هيئة ومنظر جمرات النار المتقدة،
وللنار بهاء ولمعان ومن النار تخرج بروق، ومنظر المخلوقات وهى تجرى وتتراجع كمنظر
البرق، وبجانبها بكرات تسير بالروح وملآنة عيوناً وتلمع كلمعان الزبرجد، وكان على
رؤوس المخلوقات شبه جلد “قبة” كلمعان البلور الهائل منبسط على رؤوسها،
وفوق الجلد كمنظر حجر اللازورد فى هيئة، شبه، عرش، وعلى هيئة، شبه العرش، هيئة،
شبه إنسان، يحيط به شبه منظر لمعان كلمعان القرمز ونار وضياء مثل منظر قوس قزح،
هذا المنظر هو منظر شبه مجد الرب، ومجد الرب هو علامة الحضور الإلهى.

يقول
النبى “هذا منظر شبه مجد الرب. ولما رأيته خررت على وجهى. وسمعت صوت متكلم
فقال لى يا أبن آدم قم على قدميك فأتكلم معك. فدخل فى روح لما تكلم معى وأقامنى
على قدمى فسمعت المتكلم معى. وقال لى يا ابن آدم أنا مُرسلك إلى بنى إسرائيل إلى
أمة متمردة قد تمردت علىّ(58)“.

 

4- رؤيا دانيال النبى لعرش الدينونة:

يرى
دانيال فى هذه الرؤيا عرش الله كلهيب من نار وبكراته نار متقدة ونهر نار يخرج من
أمامه وعروش القضاة التى سيجلس عليها القديسين اللذين سيدينون معه. ويرى الله فى
صورة قديم الأيام الأزلى ذو الشعر الأبيض الدال على الأزلية والحكمة، “كنتُ
أرى أنه وُضعت عروش وجلس القديم الأيام. لباسه أبيض كالثلج وشعر رأسه كالصوف النقى
وعرشه لهيب نار وبكراته نار مُتقدة. نهر نار جرى وخرج من قدامه … ألوف ألوف
تخدمهُ وربوات (عشرا الألوف) ربوات وقوف قدامه. فجلس الدين وفتحت الأسفار(59)“.

 

5- رؤيا يوحنا الرائى للعرش الإلهى وتسبيح السمائيين:

فى
هذه الرؤيا يسجل القديس يوحنا الرسول والرائى صورة مهيبة تتميز عن الرؤى السابقة
بدقة التفاصيل وعمق وروعة ورهبة وجلال المشهد الرؤوى للحضرة الإلهية والعرش الإلهى
وتسابيح وتماجيد الكائنات السمائية، فقد رأى باباً مفتوحاً فى السماء والروح يأمره
أن يصعد ليريه ما قدرته الإرادة الإلهية وما لابد أن يكون، فصار فى الروح فرأى
العرش الإلهى فى السماء ووصف الجالس عليه فى منظره بألوان الأحجار الكريمة، ومن
العرش تخرج بروق ورعود وأصوات وأمام العرش مثل بحر شفاف أشبه بالبلور. وتتقد أمام
العرش سبعة مصابيح هى سبعة أرواح الله التى هى الروح القدس فى كماله، وحول العرش
هالة مثل قوس قزح وأربعة مخلوقات حية مملوءة عيوناً من قدام ومن وراء ولها أشكال
مثل أوج شبه حيوانات رؤيا حزقيال النبى، فالمخلوق الحى الأول شبه أسد والثانى شبه
عجل والثالث له وجه شبه إنسان والرابع شبه نسر طائر “ولا تزال أنهاراً وليلاً
قائلة قدوس قدوس قدوس قدوس الرب الإله القادر على كل شئ الذى كان والكائن والذى
يأتى. وحينما تعطى المخلوقات الحية مجداً وكرامة وشكراً للجالس على العرش الحى إلى
الأبد الآبدين”. ويخر الأربعة والعشرون شيخاً الجالسين على أربعة وعشرين
عرشاً حول العرش الإلهى ولابسين “ثياباً بيضاً” وعلى رؤوسهم أكاليل من
ذهب، أمام الجالس على العرش “وسيجدون للحى إلى الأبد الآبدين ويطرحون أكاليلهم
أمام العرش قائلين. أنت مستحق أيها الرب أن تأخذ المجد والكرامة والقدرة لأنك خلقت
كل الأشياء وهى بإرادتك كائنة وخلقت(60)“.

 

ثالثاً: رؤيتان وصفيتان للمسيح الممجد وكائن سمائى:

يذكر
كل من سفر دانيال النبى ورؤيا يوحنا الرائى وصفين رؤويين، أو رؤيتين وصفيتين لكائن
سمائى والمسيح الممجد، كل منهما فى مقدمة رؤيا نبوية طويلة، فى رؤيا دانيال النبى
يكشف عن “المرسوم فى كتاب الحق”، وفى رؤيا القديس يوحنا يكشف عن
“ما هو كائن وهو عتيد أن يكون”، الأول كشف عن مصير إسرائيل والمسيح كشف
عن مصير الكنيسة والكون كله حتى الدينونة.

1-
الكائن
السمائى فى سفر دانيال؛ رأى دانيال النبى وهو بجانب نهر دجلة كائناً سمائياً له
صفات أو ظهر بصفات ورؤيا قريبة جداً من الصورة التى ظهر بها المسيح الممجد فى سفر
الرؤيا، كان لابساً كتاناً “وحقواه متنطقتان بذهب أو فاز” الذى كان أنقى
وأجود أنواع الذهب، كما كان الكتان لبس الكهنة(61)“.
و”جسمه كالزبرجد ووجهه كمنظر البرق وعيناه مصباح نار وذراعاه ورجلاه كعين
النحاس المصقول وصوت كلامه كصوت جمهور”، هذا المنظر المهيب لهذا الكائن
السمائى جعل الرجال الذين كانوا مع دانيال النبى يهربون من الرعب مع أنهم لم يروا
الرؤيا، وجعل نضارة دانيال تتحول إلى فساد، “فرأيت أنا دانيال الرؤيا وحدى
والرجال الذين معى لم يروا الرؤيا لكن وقع عليهم ارتعاد عظيم فهربوا ليختبئوا.
فبقيت أنا وحدى ورأيت هذه الرؤيا العظيمة ولم تبق فىّ قوة ونضارتىّ تحولت فىّ إلى
فساد ولم اضبط قوة. وسمعت صوت كلامه ولما سمعت صوت كلامه كنت مسبُخّاً على وجهى
(كنت فى سبات وأنا على وجهى) ووجهى إلى الأرض. وإذا بيد لمستنى وأقامتنى مرتجفاً
على ركبتىّ وعلى كفىّ يدىّ. وقال لى يا دانيال أيها الرجل المحبوب أفهم الكلام
الذى أكلمك به وقم على مقامك لأنى الآن أرسلت إليك. ولما تكلم معى بهذا الكلام قمت
مرتعداً. فقال لا تخف دانيال
“جئت لأفهمك ما يصيب شعبك فى
الأيام الأخيرة لأن الرؤيا إلى أيامٍ بعد(62).

2-
المسيح
الممجد فى سفر الرؤيا؛ وفى سفر الرؤيا يرى القديس يوحنا المسيح الممجد الذى يُعلن
عن ذاته باعتباره الأول والآخر، الألف والياء، البداية والنهاية، والحى إلى أبد
الآبدين. الذى بيده مفاتيح الحياة والموت، الكائن والذى كان والذى يأتى الإله
القادر على كل شئ والذى ظهر للقديس يوحنا فى الرؤيا ليكشف له أسرار ما هو كائن وما
حتمته الإرادة الإلهية أن يكون، الذى كان وقت يوحنا والذى كان لابد أن يحدث بعد
ذلك، ومن ثم فقد ظهر بصورة أكثر رهبة وروعة وجلال من الصورة التى ظهر بها الكائن
السمائى فى سفر دانيال. فيقول القديس يوحنا بالروح “كنت فى الروح فى يوم الرب
وسمعت ورائى صوتاً عظيماً كصوت بوق قائلاً
الذى تراه
أكتب فى كتاب وأرسل إلى السبع الكنائس
فألتفت لأنظر الصوت
الذى تكلم معى ولما التفت رأيت سبع مناير من ذهب وفى وسط السبع مناير شبه ابن
الإنسان متسربلاً بثوب إلى الرجلين ومتمنطقاً عند ثدييه بمنطقة من ذهب. وأما رأسه
وشعره فأبيضان كالصوف الأبيض كالثلج وعيناه كلهيب نار ورجلاه شبه النحاس النقى كأنهما
محميتان فى أتون وصوته كصوت مياه كثيرة
ووجهه كالشمس وهى تضئ
فى قوتها. فلما رأيته سقطت عن رجليه كميت فوضع يده اليمنى على قائلاً لا تخف أنا
هو الأول والآخر والحى وكنت ميتاً وها أنا حى إلى أبد الآبدين ولى مفاتيح الهاوية
والموت. فأكتب ما رأيت وما هو كائن وما هو عتيد أن يكون بعد هذا(63)“.

 

رابعاً: الرؤى الوصفية التخيلية الرمزية:

هذه
الرؤى تركز أساساً على الأشكال الوصفية الرمزية وتحتاج بصورة جوهرية إلى مفسر
سمائى ليفسرها ويشرحها للرائى سواء كان الله ذاته أو أحد الكائنات السمائية
الملائكية التى تقوم بذلك بتكليف إلهى.

وكانت
الأشكال التصويرية الرمزية التى رآها الأنبياء والراءون فى رؤاهم وسُجلت فى
الأسفار المقدسة، مألوفة ومعروفة لأنها كانت موجودة فى البيئة المحيطة بهم.
فالحيوانات المجنحة، ذات الأجنحة، فى رؤى حزقيال(64)
ودانيال(65) كانت مرسومة بكثرة فى
معابد بابل التى عاش فيها النبيين ومعاصريهما. وكان نوع الحيوان أو الطائر يرمز
لقوته، كما كانت الأجنحة ترمز للسرعة وعددها يرمز لدرجات هذه السرعة، فالحيوان ذو
الأربعة الأجنحة أسرع من الحيوان ذى الجناحين(66).
وكانت الحيوانات الوحشية والتنانين فى سفر الرؤيا(67)
معروفة فى العالم اليونانى الرومانى وترمز للقوة الشريرة والشيطان. وكانت المنائر
معروفة عند اليهود(68) لوجودها فى بيت الرب
وترمز فى سفر زكريا لكلمة الله(69)،
وفى سفر الرؤيا للكنائس(70).وكانت العروش مألوفة فى
العالم كله، العرش هو الكرسى الذى يجلس عليه الملك أو القاضى، وكلاهما يمثلان
الحكم والقضاء، وقد رأى الرائون فى رؤاهم الله فى هيئات نورانية شبه إنسانية،
جالساً على العرش الإلهى(71) وعرش الدينونة(72) باعتباره ملك الملوك وحاكم الكون وسيده وخالقه
وديان الخليقة. كما رأوا أيضا بعض طغمات الكائنات السمائية تجلس على عروش حول عرش
الله(73)، وبعض القديسين الذين
يجلسون على عروش(74) ليدينوا البشرية مع
الديان. وكانت الخيول التى يركبها الفرسان من الملوك والقادة وجنود الفرسان فى
الحروب معروفة جيداً للكل، وخاصة البلاد المحيطة بالبحر المتوسط، وقد ظهرت فى سفر
زكريا ويمتطيها الكائنات السمائية الملائكية فى تنفيذ المهمات الإلهية(75)، وفى سفر الرؤيا ويمتطيها السيد المسيح باعتباره
ملك الملوك الذى خرج غالباً ولكى يغلب(76)،
وكذلك بعض قوى الشر التى تعمل فى الكون(77).

وتتفق
الأسفار الرؤوية، فى الأغلب، فى مغزى هذه الأشكال الرمزية وما ترمز إليه، فيرمز
بياض الشعر إلى الأزلية والحكمة والدينونة، كما يرمز البحر المضطرب إلى العالم
المضطرب، ويرمز خروج الحيوانات الوحشية والتنانين من البحر إلى خروج الممالك
والقادة ذوى الطموحات الزائدة وكذلك الأشرار من العالم. وترمز القرون فى كثير من
الأحيان للقادة، خاصة الأشرار(78).

وعادة
ما كان يرى الراءون فى رؤاهم صوراً متشابهة ومتماثلة لها نفس الجوهر والمغزى وقد
عبروا عنها فى أسفارهم بتعبيرات وأساليب لغوية وبلاغية وأدبية متشابهة، خاصة أسفار
حزقيال ودانيال ورؤيا يوحنا.

 

وفيما يلى بعض هذه الصور والتعبيرات الرؤوية

 

حزقيال

1: 1 “السموات
انفتحت فرأيت رؤى الله”.

5: 1 “ومن
وسطها شبه أربع حيوانات”.

8: 1 “أطرها
ملآنة عيوناً”.

10: 1 “أما
شبه وجوهها فوجه إنسان ووجه أسد … ووجه ثور … ووجه نسر”.

22: 1 “وعلى
رؤوس الحيوانات شبه مقبب كمنظر البلور الهائل”.

24: 1 “سمعت
صوت أجنحتها كخرير مياه كثيرة”.

28: 1 “كمنظر
القوس التى فى السحاب يوم مطر هكذا منظر اللمعان من حوله (العرش)”.

9: 2،10
“فنظرت وإذا بيد ممدودة إلىّ وإذا بدرج سفر فيها. فنشره أمامى وهو مكتوب من
داخل ومن قفاه”.

1: 3،3،4
“وقال لى يا ابن آدم كل ما تجده كل هذا الدرج … فأكلته فصار فى فمى كالعسل
حلاوة. فقال لى … أذهب أمض إلى بيت إسرائيل وكلمهم بكلامى”.

2: 7 “زوايا
الأرض الأربع”.

4: 9 “وسم سمه
على جباه الرجال الذين يئنون ويتنهدون على كل الرجاسات المصنوعة”

2: 10 “كلم
الرجل اللابس الكتان وقال ادخل بين البكرات تحت الكروب وأملأ حفنتيك جمر نار …
وذرها على المدينة”.

21: 14 “أرسلت
أحكامى الرديئة الأربعة على أورشليم سيفاً وجوعاً ووحشاً رديئاً ووباء”.

13: 26 “وابطل
قول أغانيك وصوت أعوادك لن يسمع فيما بعد”.

28: 27-30 “من
صوت صراخ ربابينك تتزلزل المسارح. وكل ممسكى المجداف والملاحون وكل ربابين البحر
ينزلون من سفنهم ويقفون على البر. ويسمعون صوتهم عليك ويصرخون بمرارة ويزرون
تراباً فوق رؤوسهم ويتمرغون فى الرماد”.

10: 37 “فدخل
فيهم الروح فحيوا وقاموا على أقدامهم”.

27: 37 “ويكون
مسكنى فوقهم وأكون لهم إلهاً ويكونون لى شعباً”.

2: 38-3 “يا
ابن آدم اجعل وجهك على جوج أرض ماجوج رئيس روش ماشك وتوبال وتنبأ عليه … هأنذا
عليك ياجوج …”.

2: 40 “فى رؤى
الله آتى بى إلى أرض إسرائيل ووضعنى على جبلٍ عالٍ جداً عليه كبناء مدينة
…”.

3: 40 “ولما
آتى بى إلى هناك إذا برجلٍ منظرهُ كمنظر نحاس وبيده خيط كتان وقصبة القياس وهو
واقف بالباب..”.

2: 43 “وإذا
بمجد إلى إسرائيل جاء من طريق الشرق وصوته كصوت مياه كثيرة ..”.

1: 47،12 “ثم
أرجعنى إلى مدخل البيت وإذا بمياه تخرج من تحت عتبة البيت … وعلى النهر ينبت على
شاطئه من هنا ومن هناك شجر للأكل لا يذبل ورقه ولا ينقطع ثمرهُ. كل شهر يبكر لأن
مياهه خارجة من المقدس ويكون ثمرة للأكل وورقه للدواء”.

 

سفر الرؤيا

1: 4 نظرت وإذا باب
مفتوح فى السماء والصوت … قائلاً اصعد إلى هنا فأريك ما لابد أن يصير بعد
هذا”.

1: 19 “رأيت
السماء مفتوحة وإذا فرس أبيض ..”.

6: 4 “وفى وسط
العرش وحول العرش أربعة مخلوقات حية مملوءة عيوناً”.

7: 4
“والمخلوق الحى الأول شبه أسد … والثانى شبه عجل … والثالث … وجه إنسان
… الرابع شبه نسر طائر”.

6: 4 “وقدام
العرش بحر زجاج شبه البلور”.

15: 1 “وصوته
كصوت مياه كثيرة”.

3: 4 “وقوس
قزح حول العرش فى المنظر شبه الزمرد”.

1: 5 “ورأيت
على يمين الجالس على العرش سفراً مكتوباً من داخل ومن وراء”.

9: 10،10
“فقال لى خذه (السفر) وكله فسيجعل جوفك مراً ولكنه فى فمك حلواً كالعسل.
فأخذت السفر … وأكلته فكان فى فمى حلواً كالعسل وبعدما أكلته صار فى جوفى مراً.
فقال لى يجب أن تتنبأ أيضا على شعوب وأمم وألسنة وملوك كثيرين”.

1: 7 “أربع
زاويا الأرض”.

3: 7 “حتى
نختم عبيد إلهنا على جباههم”.

(أنظر 1: 14؛ 4:
22)

5: 8 “ثم أخذ
الملاك المبخرة وملأها من نار المذبح وألقاها على الأرض”.

8: 6 “أن
يقتلا بالسيف والجوع والموت وبوحوش الأرض”.

22: 18 “وصوت الضاربين
بالقيثارة والمغنيين والمزمرين والنافخين بالبوق لن يسمع فيك فيما بعد”.

17: 18-19
“وكلّ رُبانٍ وكلّ الجماعة فى السفن والملاّحون وجميع عُمّال البحر وقفوا من
بعيد وصرخوا إذ نظروا دخان حريقها … والقوا تراباً على رؤوسهم وصرخوا باكين
ونائحين”.

11: 11 “دخل
فيهما روح حياة من الله فوقفا على أرجلهما”.

3: 21 “هوذا
مسكن الله مع الناس وهو سيسكن معهم وهم سيكونون له شعباً والله نفسه يكون معهم
إلهاً لهم”.

8: 20 “ويخرج
(الشيطان) ليضل الأمم الذين فى أربع زاويا الأرض جوج وماجوج ليجمعهم
للحرب…”.

10: 21 “وذهب
بى بالروح إلى جبلٍ عظيمٍ وعال وأرانى المدينة أورشليم المقدسة نازلة من عند الله
…”.

1: 11 “ثم
أعطيت قصبة شبه عصا ووقف الملاك قائلاً لى قم وقس هيكل الله والمذبح”.

15: 1 “المسيح
الممجد وصوته كصوت مياه كثيرة …”.

1: 22،2
“وأرانى نهراً صافياً من ماء حياة لامعاً كبلور خارجاً من عرش الله والحمل.
وفى وسط سوقها وعلى النهر من هنا ومن هناك شجرة حياة تصنع اثنتى عشرة ثمرةً وتعطى
كل شهر ثمرها وورق الشجرة لشفاء الأمم”.

 

ثانياً: بين سفر دانيال وسفر الرؤيا:

دانيال

9: 7 “وجلس
القديم الأيام لباسه أبيض كالثلج وشعر رأسه كالصوف النقى”.

6: 10 “عيناه
كمصباحى نار وذراعاه ورجلاه كعين النحاس المصقول”.

9: 7 “كنت أرى
أنه وضعت عروش وجلس القديم الأيام”.

10: 7 “ألوف
ألوف تخدمه وربوات ربوات وقوف قدامه”.

8: 7،25 “وإذا
بعيون كعيون الإنسان فى هذا القرن وفم يتكلم بعظائم … ويتكلم بكلام ضد العلى ويبلى
قديسى العلى ويظن أنه يغير الأوقات والسنة ويسلمون ليده إلى الزمان وأزمنة ونصف
زمان”. والزمان سنة، وهنا ثلاث سنوات ونصف.

7: 10 “فسمعت
الرجل اللابس الكتان الذى فوق مياه النهر إذ رفع يميناه ويسراه نحو السموات وحلف
بالحى إلى الأبد”.

 

سفر الرؤيا

14: 1″وأما
رأسه (المسيح الممجد) وشعره فأبيضان كالصوف الأبيض كالثلج”.

15: 1 “عيناه
كلهيب نار ورجلاه شبه النحاس النقى كأنهما محميتان فى آتون”.

2: 4 “وإذا
عرش موضوع فى السماء وعلى العرش جالس”.

11: 5 “ونظرت
وسمعت صوت ملائكة كثيرين … وكان عددهم ربوات ربوات وألوف ألوف”.

5: 13،6
“وأعطى فماً يتكلم بعظائم وتجاديف وأعطى سلطاناً أن يفعل اثنين وأربعين
شهراً. ففتح فمه بالتجديف على الله ليجدف على اسمه وعلى مسكنه وعلى الساكنين فى
السماء”.

ال
42 شهراً / 12 = 3.5 سنوات..

14: 12
“زماناً وزمانين ونصف زمان”.

14: 20 “ورأيت
الأموات صغاراً وكباراً واقفين أمام الله وانفتحت أسفار”.

5: 10،6
“والملاك الذى رأيته واقفاً على البحر وعلى الأرض ورفع يده إلى السماء وأقسم
بالحى إلى أبد الآبدين”.

 

وفى
بعض الرُؤى يرى الرائى أمثلة عادية لمواضيع عادية ولكن يراها بمعزى أعلى وأسمى من
المألوف، مثل رؤيا أرميا لقضيب اللوز ورؤيا القدر المنفوخة ورؤيا عاموس لسلة
القطاف. ففى رؤيا “قضيب اللوز” يسجل أرميا النبى “ثم صارت كلمة
الرب إلى قائلاً. ماذا أنت راء يا أرميا. فقلت أنا راء قضيب لوز. فقال الرب لى
أحسنت الرؤيا لأنى أنا ساهر على كلمتى لأجريها(79)“.
ويستخدم فى هذا المثل الرؤوى كلمتين عبريتين تعطيان ترادفاً لفظياً، هما “
saqed“، قضيب لوز، والتى تعنى أيضا “المستيقظ من النوم”،
و “
soqed“، أى “ساهر” ولأن ثمر اللوز يظهر فى الربيع، فقد
قصد الرب فى هذا المثل الرؤوى، أنه كما تثمر شجرة اللوز فى الربيه، تستيقظ من
النوم، هكذا أيضا الله ساهر على كلمته وسيتممها سريعاً، وفى رؤيا “القدر
المنفوخة” يقول “ثم صارت كلمة الرب إلى ثانية قائلاً ماذا أنت راء. فقلت
إنى راء قدراً منفوخة وجهها من جهة الشمال. فقال الرب لى من الشمال ينفتح الشر على
كل سكان الأرض(80)“. ويوحى اتجاه القدر
من الشمال أن ما بها سينقلب ناحية الجنوب أى من سوريا إلى فلسطين، والمقصود أن
الله سيعاقب بنى إسرائيل بأهل الشمال، وفى رؤيا عاموس النبى يقول “هكذا أرانى
السيد الرب وإذا سلة للقطاف (فاكهة أخر الصيف). فقال ماذا أنت راء يا عاموس. فقلت
سلة للقطاف. فقال لى الرب قد أتت النهاية على شعبى إسرائيل لا أعود أصفح له بعد
الآن(#)“. وسلة القطاف هى سلة
فاكهة آخر الصيف ويرمز بها هنا إلى النهاية، نهاية الفاكهة، نهاية الفاكهة الحلوة
والتى ترمز إلى نهاية العلاقة الحميمة التى كانت بين الله وشعبه.

وكان
الراءون الذين رأوا رُؤى تصويرية تخيلية رمزية، وتحقق ما تنبأت به فى المستقبل
القريب يدركون المعنى والمغزى الجوهرى للرؤيا من الله ذاته فى الرؤيا نفسها، أو
يدركون المعنى والحل بعد الرؤيا مباشرة.

 

وفيما يلى نماذج لهذه الرُؤى:

1- رؤيا حزقيال النبى للعظام اليابسة:

بعد
السبى إلى بابل ومن قبله إلى آشور، وبعد أن صار غالبية اليهود مشتتين فى العالم،
فى الشتات، مات رجاؤهم وهلك وفقدوا الأمل فى العودة ثانية. وعلى الرغم من أن الله
سبق ووعد بعودة البقية الأمينة بعد سبعين سنة من السبى البابلى(81)،
إلا أن الظواهر والحالة التى كانوا عليها فى الشتات ملأتهم باليأس والإحباط وانعدم
الأمل تماماً فى العودة. ولذلك أعطى الله هذه الرؤيا حزقيال النبى ليؤكد لهم أنه
سيعيدهم ثانية على الرغم من أنهم صاروا كعظام الموتى الملقاة فى الوادى والتى لا
رجاء لها فى العودة إلى الحياة. “كانت على يد الرب فأخرجنى بروح الرب وأنزلنى
فى وسط البقعة (السهل) وهى ملآنة عظاماً، وأمرنى عليها من حولها وإذا هى كثيرة
جداً على وجه البقعة وإذا هى يابسة جداً. فقال لى يا ابن آدم أتحيا هذه العظام؟
فقلت يا سيد الرب أنت تعلم”. وجعله يتنبأ عليها لأن الله سيجعل فيها روحاً
فتحيا. ولما تنبأ “كان صوت رعش” وعاد كل عظم إلى عظمه وكسى بالعصب
واللحم والجلد، ثم “دخل فيهم الروح فحيوا وقاموا على أقدامهم جيش عظيم جداً
جداً”. وقال له الله “هذه العظام هى كل بيت إسرائيل” الذين يقولون
“يبست عظامنا وهلك رجاؤنا. فقد انقطعنا”. وأكد حتمية تحقيق الوعد بالعودة
“هأنذا أفتح قبوركم وأصعدكم من قبوركم يا شعبى وآتى بكم إلى أرض إسرائيل
واجعل روحى
فيكم فتحيون وأجعلكم فى أرضكم فتعلمون إنى أنا الرب تكلمت وأفعل(82)“.

 

2- رؤيا القديس بطرس للملاءة النازلة من السماء:

قال
السيد المسيح لتلاميذه قبل الصعود مباشرة “أذهبوا وتلمذوا جميع الأمم(83)“، “اذهبوا إلى العالم أجمع وأكرزوا
بالإنجيل للخليقة كلها(84)“، ومع ذلك فقد
اقتصرت البشارة بالإنجيل فى سنوات الكرازة الأولى على اليهود فقط. فقد كان
المؤمنون الأوائل من اليهود، وكيهود لم يتعاملوا مع الأمميين، ولما جاء الوقت
وحانت الساعة لنشر الإنجيل بين الأمم وتنفيذ وصية السيد المسيح عملياً، كان لابد
من الإعلان الإلهى المباشر، فكانت هذه الرؤيا للقديس بطرس أحد الأعمدة الثلاثة فى
الكنيسة الأولى. عندما صعد إلى سطح المنزل ليصلى “وقعت عليه غيبة (صار فى
الروح) فرأى السماء مفتوحة وإناء نازلاً (عليه) مثل ملاءة عظيمة مربوطة بأربعة
أطراف ومدلاة على الأرض وكان فيها كل دواب الأرض (والوحوش) والزحافات وطيور
السماء. وصار إليه صوت قم يا بطرس أذبح وكُل. فقال بطرس كلا يا رب لأنى لم آكل قط
شيئاً دنساً أو نجساً فصار إليه أيضا صوت ثانياً ما طهّرهُ الله لا تدنسهُ، وكان
هذا على ثلاث مرات ثم ارتفع الإناء أيضا إلى السماء(85)“.

 

3- رؤيا كرنيليوس:

وكان
هناك رجلاً أممياً قائد مئة اسمه كرنيليوس، وكان هذا الرجل كما يقول الكتاب
“تقى وخائف الله مع جميع بيته يصنع حسنات كثيرة للشعب ويصلى إلى الله فى كل
حين. فرأى ظاهراً فى رؤياه … ملاكاً من الله داخلاً إليه وقائلاً له يا كرنيليوس
… صلواتك وصدقاتك صعدت تذكاراً أمام الله” وطلب منه أن يستدعى بطرس من يافا
ليعلمه الإيمان المسيحى ويعمده، فأرسل كرنيليوس اثنين من خدامه وعسكرياً إلى بطرس
كما أمره الملاك(86)“. “بينما بطرس
متفكر فى الرؤيا قال له الروح هوذا ثلاثة رجال يطلبونك. لكن قم وانزل واذهب معهم
غير مرتاب فى شئ لأنى أنا قد أرسلتهم(87)“.
ومن ثم أدرك القديس بطرس أن الحيوانات والزواحف والطيور فى هذه الرؤيا هى رمزاً
تصويرياً رؤويا لكل البشر وأن الله يدعوا الجميع إلى الإيمان بدون استثناء ولذلك
قال لكرنيليوس ومن معه “فقد أرانى الله أن لا أقول عن إنسانٍ ما أنه دنس أو
نجس ثم عمدهم جميعاً(88)“.

 

4- رؤيا القديس بولس للرجل المكدونى:

لما
شاءت إرادة الله أن يكرز بالإنجيل فى مكدونيا رأى القديس بولس “رؤيا فى الليل
رجل مكدونى قائم يطلب إليه ويقول أعبر إلى مكدونية وأعنّا(89)“.
فخرج القديس بولس ومن معه، كما يقول القديس لوقا، إلى مكدونية “متحققين أن
الرب قد دعانا لنبشرهم(90)“. وهنا صورة رائعة
للبلاغة الرؤوية ووضوح معناها.

 

(1)
أنظر أيضا أم 18: 29؛ أش 7: 29؛ ملا 9: 2؛ حز 13: 7،26؛ 22: 12-24؛ دا 17: 1؛ 1:
18،2،13،15،17،26؛ 24: 9؛ ميخا 6: 3؛ حب 3: 2

(2)
أنظر أيوب 13: 4؛ 14: 7؛ 8: 20؛ 15: 33؛ أش 5: 22

(3)
أنظر حز 3: 43

(3)
أنظر حز 3: 43

(4)
دا 26: 8،27؛ 23: 9؛ 1: 10

(5)
أنظر رؤ 19: 1،20؛ 1: 13؛ 6: 17،8،12،15،16؛ 7: 18؛ 17: 19

(6)
مر 42: 5

(7)
لو 26: 5

(8)
أع 10: 3

(9أ)
مر 8: 16

(9ب)
عدد 4: 24،16

(10)
أع 10: 10،11

(11)
أع 5: 11

(12)
أع 17: 22

(13)
رؤ 10: 1

(14)
رؤ 2: 4

(15)
رؤ 3: 17

(16)
رؤ 10: 21

(18)
حز 12: 3

(19)
حز 2: 2

(20)
حز 12: 3

(21)

(22)
حز 3: 8؛ 12: 3؛ 1: 11

(23)
حز 24: 11

(24)
عدد 3: 24،4

(25)
عدد 15: 24-17

(26)
2مل 25: 5-27

(27)
2مل 15: 6-17

(28)
أع 10: 9-12

(29)
1صم 9: 9

(30)
1صم 19: 9

(31)
2صم 17: 7؛ 1أخ 15: 17

(32)
مز 9: 89

(33)
1صم 1: 3

(34)
رؤ 10: 1

(35)
حز 12: 3

(36)
حز 1: 8

(37)
حز 14: 3

(38)
حز 1: 37

(39)
تك 1: 15-15

(40)
لا 1: 18-28

(41)
تك 2: 46-4

(42)
أع 3: 9-6

(43)
أع 10: 9،11

(44)
أع 12: 9

(45)
أع 13: 9-16

(46)
أع 9: 18،10

(47)
أع 11: 23

(48)
أع 22: 27-24

(49)
أر 18: 23

(50)
أى 8: 15

(51)
أى 8: 42،12

(52)
أى6: 1-12

(53)
أى 6: 2

(54)
1مل 19: 22-22

(55)
خر 18: 19

(56)
أش 1: 6-5

(57)
أش 8: 6

(58)
حز 1؛ 1: 2-3

(59)
دا 9: 7،10

(60)
رؤ 4

(61)
لا 4: 16

(62)
دا 5: 10-14

(63)
رؤ 10: 1-19

(64)
حز 1

(65)
دا 3: 7-7،17؛ 3: 8-8

(66)
دا 4: 7،6

(67)
رؤ 3: 12،13-16؛ 1: 13-18

(68)
خر 31: 25-39؛ 17: 37-23

(69)
زك 6: 4

(70)
رؤ 12: 1،13،20

(71)
أش 1: 6؛ حز 13: 1،26؛ دا 9: 17

(72)
رؤ 11: 20-15

(73)
رؤ 6: 4

(74)
دا 9: 7؛ رؤ 4: 4

(75)
زك 8: 1-11

(76)
رؤ 2: 6؛ 11: 9

(77)

(78)
دا 8: 7،20،21،24،25

(79)
أر 11: 1،12

(80)
أر 12: 1،14

(#)
عا 1: 8،2

(81)
أر 10: 29

(82)
حز 1: 37-14

(83)
متى 9: 27

(84)
مر 15: 16

(85)
أع 10: 10-16

(86)
أع 1: 10-8

(87)
أع 19: 10

(88)
أع 28: 10

(89)
أع 9: 16

(90)
أع 10: 16

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى