كتب

الفصل الرابع



الفصل الرابع

الفصل الرابع

الكتب الأسطورية المسماة
بأناجيل الميلاد والطفولة

 

1 – روايات الميلاد
والطفولة الأبوكريفية ومخالفتها للإنجيل القانوني:

 قبل الدخول في موضوع
الكتب، المسماة بأناجيل الميلاد والطفولة، نضع الأسئلة التالية أمامنا لتتضح
الصورة الحقيقية لها، ومعرفة دوافعها ومغزاها وأسباب كتابتها، وأسباب انتشارها بين
الهراطقة وبعض العامة من الجهلاء بالكتاب المقدس. وهل لها صلة بالأناجيل القانونية
والتي استلمتها الكنيسة من الرب يسوع المسيح عبر تلاميذه ورسله مباشرة، أم لا:

1 – هل أعلن الوحي في
الأناجيل القانونية الأربعة (الإنجيل بأوجهه الأربعة) بوجود أية معجزات صنعها
المسيح في ميلاده وطفولته، بأي شكل من الأشكال؟

2 – هل فعل الرب يسوع
المسيح معجزات في ميلاده وطفولته غير المذكورة في الإنجيل بأوجهه الأربعة، وذكرت
في وثائق غير الإنجيل؟

3 – هل ذكر الآباء
الرسوليون وآباء القرن الثاني والقرن الثالث الميلادي أية معجزات للمسيح في ميلاده
وطفولته غير المذكورة في الإنجيل بأوجهه الأربعة؟

4 – وهل ذكروا أي من
هذه المعجزات المزعومة، والمذكورة في الكتب المسماة بالأبوكريفية والتي خرجت من
دوائر الهراطقة، أو استشهدوا بها؟

5 – وهل تتفق هذه المعجزات
الخرافية والأسطورية مع سمو وبساطة وعظمة معجزاته المذكورة في الإنجيل القانوني
بأوجهه الأربعة؟

6 – وما معنى قول
الإنجيل للقديس لوقا: ” وكان الصبي (يسوع) ينمو ويتقوى بالروح ممتلئا
حكمة وكانت نعمة الله عليه 000 وأما يسوع فكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة
عند الله والناس
” (لو40: 2،52)؟

7 – وهل يدل ما جاء في
الإنجيل للقديس يوحنا: ”
وآيات أخر كثيرة صنع يسوع قدام تلاميذه
لم تكتب في هذا الكتاب
” (يو20: 30)، على أن هناك معجزات
حدثت في ميلاد وطفولة المسيح غير المذكورة في الإنجيل بأوجهه الأربعة؟

8 – ولماذا كتبت
المعجزات في هذه الكتب الأبوكريفية بمثل هذا الشكل الأسطوري البعيد عن سمو وبساطة
الرب يسوع المسيح وعظمته؟

9 – كان لكل معجزة من
معجزات المسيح هدفً سواء كان روحياً أو تعليماً أو لإثبات لاهوته وعلاقته بالآب،
فما هي أهداف هذه المعجزات الأسطورية المذكورة في هذه الكتب الأبوكريفية؟

10 – تذكر هذه الكتب
الأبوكريفية معجزات للطفل يسوع تدل على طبيعة عدوانية لطفل عدواني مشاكس ومسبب
للمتاعب، بل والآلام والأحزان، لكل من حوله، فهل تتفق بذلك مع مسيح الإنجيل بأوجهه
الأربعة، الوديع والحنان والمحب بلا حدود؟

11 – ظهرت الملائكة وقت
ميلاد المسيح لفئة واحدة من الناس هم الرعاة، وظهر نجم في المشرق لفئة واحدة من
الناس هم مجوس من المشرق، فهل يبرر ذلك ما ذكرته هذه الكتب الأسطورية من ظهور
الملائكة لكثير من الناس، وسجود الحيوانات له، وخضوع الطبيعة والأشجار له وهو طفل
كإله الكون ومدبره، متجاهلة حقيقة تجسده واتخاذه للطبيعة الإنسانية الكاملة؟

12 – وما هي الأسباب
الحقيقة وراء تأليف هذه القصص الأسطورية وكتابتها ونشرها بين الهراطقة وبسطاء
المؤمنين؟

 وللإجابة على هذه
الأسئلة نبدأ بما جاء في الإنجيل للقديس يوحنا عن معجزة تحويل الماء إلى خمر التي
صنعها الرب يسوع المسيح في عرس قانا الجليل والتي تقول: ”
هذه
بداية الآيات فعلها
يسوع في قانا الجليل واظهر مجده فآمن به
تلاميذه

(يو2: 11). وكلمة ” آيات ” هنا هي، كما جاءت في اليونانية “
σημεῖον sēmeion
“، وتعني كما جاءت في قاموس
Strong؛ ” معجزة، علامة، أمارة، عجيبة “(1). وتعني هنا ”
بالتحديد علامة إعجازية، علامة عمل قوة ونعمة، وصفة لاهوتية “(2). أي ” حدث
طبيعي أو إنساني يصبح علامة أو شهادة لطاقات لاهوتية أو غير مرئية “(3). وهي تعني كل
أنواع الأعمال التي تظهر من الرب يسوع المسيح، والتي عملها بكل أنواعها، معلنة عن
شخصه ولاهوته وكونه المسيح ابن الله الحي.

 ويرتبط بها قوله
واظهر
مجده
“،
ثم ”
فآمن
به تلاميذه
“، أي أن هذه الآيات التي كان يصنعها الرب يسوع، كانت بسب تحننه
وحبه للبشرية، وبالدرجة الأولى
لإظهار مجده، وحتى يؤمن تلاميذه وغيرهم أنه
المسيح الآتي، ابن الله، ” المسيح ابن الله الحي ” (مت16: 16؛
يو6: 69)، ومن ثم نجد عدة آيات تؤكد هذا المعنى، كقوله عن مرض لعازر الذي أقامه من
الموت بعد أربعة أيام من موته: ”
فلما سمع يسوع قال هذا المرض ليس للموت
بل لأجل مجد الله ليتمجد ابن الله به ” (يو11: 4)،
وقوله عن
المعجزات التي سيفعلها على يد تلاميذه
ومهما سألتم باسمي فذلك افعله ليتمجد
الآب بالابن
” (يو14: 13). وهذا ما قيل عن معجزاته المتنوعة؛ ” جاء إليه جموع كثيرة معهم عرج وعمي وخرس وشل وآخرون كثيرون. وطرحوهم
عند قدمي يسوع. فشفاهم، حتى تعجب الجموع إذ رأوا الخرس يتكلمون
والشل يصحّون والعرج يمشون والعمي يبصرون. ومجدوا اله إسرائيل

” (مت 15: 30و31). بل وكانت هذه المعجزات
والعجائب هي رده العملي في إجابته على تلاميذ يوحنا دلالة على أنه المسيح الآتي:
” فأجاب يسوع وقال لهما اذهبا واخبرا يوحنا بما رأيتما وسمعتما. أن العمي
يبصرون والعرج يمشون والبرص يطهرون والصم يسمعون والموتى يقومون والمساكين يبشرون.
وطوبى لمن لا يعثر فيّ
” (لو7:
22و23).

 وتبدأ الآية بقوله:
هذه بداية الآيات فعلها يسوع
“، والتي تؤكد أنه لم يصنع أية آية قبلها، مؤكدة على أن كل ما نسب للرب يسوع
المسيح قبل ذلك، سواء في ميلاده أو طفولته أو قبل خدمته، غير صحيح. ففي ميلاده
حدثت المعجزات لأجله ولم يفعلها هو كالطفل يسوع، بل حدثت من أجله وأبرزها ظهور
الملائكة للرعاة وظهور النجم للمجوس. ولم يذكر الإنجيل بأوجهه الأربعة، أية معجزات
صنعها يسوع وهو طفل، برغم أن ذلك لا ينفي إمكانية فعله للمعجزات كالإله المتجسد،
ولكنه كان يفعل كل شيء بحسب التدبير الإلهي والمشورة الإلهية الأزلية.

 كما أن جميع المعجزات
التي صنعها الرب يسوع المسيح تميزت بالبساطة والسمو والعظمة والحكمة في آن واحد
وقد سجلت ودونت بالروح القدس دون زخرفة أو مبالغة أو تهليل، بل ذكرت كأحداث طبيعية
بالنسبة للمسيح ابن الله الحي، وبصورة بسيطة تلقائية، مؤكدة على بساطة وعمل الروح
القدس في كُتّابها، الذين اعتادوا عليها، ولم يروا فيها شيء غير طبيعي بالنسبة له،
كابن الله الحي. وكان تأثيرها يظهر فقط، عند جموع الناس التي شاهدتها، وكان تعبير
الكتاب دائماً هو: ” فتعجب الناس قائلين أي إنسان هذا.
فان الرياح والبحر جميعا تطيعه
” (مت8: 27)، ” فلما اخرج الشيطان
تكلم الأخرس. فتعجب الجموع قائلين لم يظهر قط مثل هذا في إسرائيل
(مت9: 33)، ” فتعجب الجميع ” (مر5: 20)، ” فقام (المفلوج) للوقت
وحمل السرير وخرج قدام الكل حتى بهت الجميع ومجّدوا الله قائلين
ما رأينا مثل هذا قط
” (مر2: 12). ” وبعد شفائه لمجنون أعمى واخرس، يقول الكتاب: ” فبهت كل
الجموع وقالوا ألعل هذا هو ابن داود
” (مت12: 23)، وبعد إقامته لابنة
يايرس من الموت، يقول: ” فبهت والداها ” (لو8: 56). وبعد
شفائه لصبي من الصرع وإخراجه للروح النجس، يقول: ” فبهت الجميع من عظمة
الله
وإذ كان الجميع يتعجبون من كل ما فعل يسوع ” (لو9: 43).

2 – كان المسيح في
ميلاده وطفولته وصبوته ينمو كإنسان:

 يقول الإنجيل للقديس
لوقا: “

وكان الصبي (يسوع) ينمو ويتقوى بالروح ممتلئا حكمة وكانت نعمة الله عليه 000
وأما يسوع فكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس

” (لو40: 2،52). فماذا يقصد بقوله هذا؟

 لقد ظهر المسيح على
الأرض كإنسان، برغم تجسده ولاهوته، وكان في إمكانه أن يظهر علمه الكلي ومعرفته
الكلية وقدرته الكلية ونعمته الغنية وحكمته الكلية منذ لحظة ميلاده وبداية ظهوره
على الأرض وفي كل الأوقات والمناسبات ولكنه حجب هذه المعرفة وهذا العلم وهذه القوة
وهذه النعمة والحكمة بسبب تجسده، اتخاذه الجسد الذي حل فيه وأتحد به، واشترك به في
ضعف البشرية وعجزها، بحسب التدبير الإلهي، فقد كان ” مجرب في كل شيء مثلنا
بلا خطية
” (عب15: 4). ومن ثم فقد شاءت إرادته الإلهية أن يظهر علمه
ومعرفته وقوته ونعمته وحكمته للناس تدريجيا، بطريقة متدرجة ومتطورة ومتفقة مع نموه
الجسدي. بل وتأجل كل عمل إعجازي له إلى ما بعد حلول الروح القدس، حسب التدبير الإلهي
والمشورة الإلهية، وكما أشار القديس بطرس: ”
يسوع الذي
من الناصرة كيف مسحه الله بالروح القدس والقوة الذي جال يصنع خيرا ويشفي جميع
المتسلط عليهم إبليس لان الله كان معه

(أع10: 38). ولم يذكر الكتاب أي عمل إعجازي عمله قبل ذلك.

 قال القديس كيرلس عمود
الدين في رسالة له إلى نسطوريوس: ” لو أنه أبان وهو طفل من الحكمة ما
يليق به كإنسان، لظهر للجميع كأنه كائن غريب شاذ عن الجميع
. ولكنه كان يتدرج
في إظهار حكمته بالنسبة إلى تقدمه في العمر بحسب الجسد.
وهكذا أراد أن يظهر
للكل كأنه هو نفسه كان يزداد في الحكمة بما يتلاءم مع سنه
000 ففي تأكيدنا أن
ربنا يسوع المسيح هو واحد، وفي نسبتنا له خواص اللاهوت والناسوت نؤكد حقيقة أنه
ملائم لقياسات تواضع المسيح حتى أنه قبل زيادة جسدية ونمواً في الحكمة. فأعضاء
الجسد كانت تصل بالتدريج إلى تمام بلوغها، ومن جهة ثانية يظهر كأنه امتلأ حكمة
بنسبة ظهور الحكمة الكامنة فيه كأنها تبرز بدرجة ملائمة لنمو الجسد
(4).

 وقال في عظة له على
(لو4: 252): ” حينما صار جسدا أي صار إنسانا مثلنا، فأنه حينئذ ولد بالجسد من
امرأة. وقيل عنه أنه كان خاضعا للأمور التي تختص بحالة الإنسان، وبرغم أنه
الكلمة لكونه إلهاً كان يستطيع أن يجعل جسده يبرز من البطن في قامة رجل ناضج مرة
واحدة، إلا أن هذا يكون أعجوبة ومعجزة، ولذلك فأنه أعطى لعادات وقوانين الطبيعة
البشرية أن يكون لها سلطان على جسده
000 إذا فالجسد يتقدم في القامة
والنفس تتقدم في الحكمة، لأن الطبيعة الإلهية غير قابلة للازدياد لا في القامة ولا
في الحكمة إذ أن كلمة الله كامل تماما. ولذلك فأنه لسبب مناسب ربط بين التقدم في
الحكمة ونمو القامة الجسدية، بسبب أن الطبيعة الإلهية أعلنت حكمتها الخاصة بما
يتناسب مع قامة النمو الجسدي “(5).

3 – أسباب تأليف روايات
ومعجزات الطفولة الأبوكريفية:

 لم تذكر الأناجيل
القانونية، (الإنجيل بأوجهه الأربعة)، سوى ثمانية أحداث عن ميلاد المسيح وطفولته،
وهي(6):

(1) البشارة بالحبل
بيوحنا المعمدان وميلاده (لو1: 1-25؛57-80).

(2) بشارة الملاك
للعذراء بالحبل بالمسيح وميلاده (لو1: 26-38).

(3) شك يوسف النجار في
العذراء وبشارة الملاك له (مت1: 18-25).

(4) ميلاد المسيح في
بيت لحم (لو2: 1-20).

(5) الختان ودخول الطفل
يسوع الهيكل ونبوات سمعان وحديث حنة النبية عنه مع جميع المنتظرين فداء في إسرائيل
(لو1: 21-38).

(6) ظهور النجم للمجوس
ومجيئهم إلى أورشليم ثم بيت لحم (مت2: 1-12).

(7) قتل أطفال بيت لحم
ورحلة هروب العائلة المقدسة إلى مصر وعودته منها إلى الناصرة (مت2: 13-23).

(8) الطفل يسوع يناقش
الشيوخ ويسألهم في الهيكل في سن 12 سنة (لو2 “41-52).

 وقد كان هدف تدوين هذه
الأحداث، بالروح القدس، هو؛ تعريف المؤمنين بأصل المسيح السماوي كابن الله العلي،
وتجسده من الروح القدس ومن مريم العذراء، وكونه الوارث لعرش داود الروحي، من جهة
نسبه ليوسف وميلاده من العذراء، وكليهما من نسل داود، الرد على الادعاءات اليهودية
الكاذبة التي زعمت أن العذراء حملت به سفاحا من جندي يدعى بانثيرا
Panthera، فرح السمائيين والأرضيين بتجسده لخلاص البشرية، تتميم النبوات
التي سبقت وأعلنت عن تفاصيل تجسده وميلاه، مجيئه لخلاص كل البشرية، ومواجهته
للآلام منذ طفولته.

 وبرغم كفاية ذلك، إلا
أنه لم يشبع فضول العامة والبسطاء وأصحاب الفكر الهرطوقي، الذين رغبوا في معرفة
تفصيلات ومعلومات أكثر عن ميلاد المسيح وطفولته وصبوته، فقد أرادوا سيرة تفصيلية
لحياة المسيح وليس ما يخص خلاصهم الأبدي، كقول القديس يوحنا بالروح القدس: ”
وأما هذه
فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه

(يو20: 31).

 وكانت الأحداث
المذكورة في كل من الإنجيل للقديس متى والإنجيل للقديس لوقا تشكل تربة خصبة لإطلاق
الخيال الأسطوري لتأليف روايات أسطورية خيالية تنطلق منها. فراح يختلق روايات
وأحداث ترجع لما وراء هذه الأحداث الحقيقية وتتقدم للأمام وتنسج القصص الأسطورية
التي تختص ليس بالميلاد فقط، بل تتجه نحو العذراء وتهتم بالسيرة الذاتية لها،
وترجع لما قبل ميلادها وكيفية نشأتها وتربيتها في الهيكل وعناية الملائكة بها
وإطعامها من السماء، إلى بشارة الملاك لها، وتتجه ليوسف البار، الرجل البار الذي
أستحق أن يكون خطيب العذراء، وأن ينسب إليه المسيح، وتقدم سيرة لحياته، وتتكلم عن
زواجه قبل العذراء وأنه كان أرملاً وقت خطوبته لها، وتعلل وجود أخوة للمسيح بأنهم
أولاد يوسف من زوجته السابقة، المتوفاة. وتحاول التأكيد على عقيدة الكنيسة في دوام
بتولية العذراء بصورة تفصيلية ولكن بشكل دوسيتي غنوسي غير أرثوذكسي.

 وقد وصفت هذه الأحداث
بمسحة غنوسية دوسيتية، تنكر حقيقة جسد المسيح، ومع ذلك حاولت تأكيد تجسده بميلاده
من العذراء، مع التأكيد على دوام بتوليتها.

 وكانت الهرطقات
الغنوسية هي أكثر من أهتم بهذه الروايات الأسطورية في هذه الكتب الأبوكريفية، فقد
كانت مهتمة بالبحث عن روايات عن المسيح تتناسب مع أفكارها وهرطقاتها. فقد اهتمت
بظهورات المسيح بعد القيامة ونسجت حولها عشرات الروايات والكتب، كما اهتمت بدخوله
الهيكل في طفولته ومناقشاته مع الشيوخ، ونسجت حولها الأساطير التي زعمت أنه كشف عن
معرفته الكلية وحكمته غير المحدودة، متجاهلة ما جاء في الإنجيل القانوني بأوجهه
الأربعة حول التجسد.

 

4 – لا معقولية معجزات
وأساطير هذه الكتب الأبوكريفية:

 وعلى عكس ما
جاء في الأناجيل القانونية (الإنجيل بأوجهه الأربعة)، وما جاء في تقليد الكنيسة
وكتب آبائها،
تمتلئ
هذه الكتب الأبوكريفية الأسطورية بالأفكار الخرافية والخيالية فتنسب للمسيح، في
ميلاده وطفولته، أعمالا خيالية لا مبرر لها كسجود التنانين والأسود والنمور
والثيران والحمير له! بل ونرى الطفل يسوع، طفلاً مشاكساً متقلباً ذا طبيعة تدميرية
يؤذى معلميه ويتسبب في موت رفقائه بصورة إعجازية لا مبرر لها، تمزج قدرة الله
بنزوات طفل مشاكس! وغير ذلك من الأفكار الأسطورية الخرافية المتأثرة بالفكر
الإغريقي الهيلينسيتى والتي تشبع فضول البسطاء والعامة الذين اعتادوا سماع مثلها
في دياناتهم الوثنية السابقة لاعتناقهم المسيحية.

 يقول العالم الإنجليزي
وستكوت: ” في المعجزات الأبوكريفية لا نجد مفهوما سليما لقوانين تدخلات
العناية الإلهية، فهي تجرى لسد أعواز طارئة، أو لإرضاء عواطف وقتية، وكثيرا ما
تنافي الأخلاق، فهي استعراض للقوة بدون داع من جانب الرب أو من جانب من عملت معه
المعجزة
(7).

 ” وهذا يكشف تصورات
وأفكار قادة
بعض الفرق الهرطوقية الذين كتبوا تراثاً ضخماً من الكتابات الأبوكريفية
التي تكشف عن عقائدهم وفلسفاتهم وخرافاتهم في شخصية المسيح في طفولته، التي جعلوا
منها طفولة مفعمة بالمعجزات والقدرات التي تخالف ناموس الطبيعة
“.

 يقول قاموس الكتاب
المقدس، تحت مادة الأناجيل غير القانونية، عن هذه الكتب الأسطورية، الأناجيل
المنحولة: ” وأما موضوع هذه الأناجيل فوصف لحالة يوسف والعذراء مريم،
والعجائب التي عملها المسيح في حداثته، وما شاهده في الهاوية وغير هذه مما يرضي
عقول السذّج ومن شابههم من العامة الذين يرتاحون إلى مثل هذه الأساطير وأخبار
القصصيين.
أما نقص هذه الأناجيل فظاهر لأنها تناقض روح المخلص وحياته، على
أنها دليل على صحة الأسفار القانونية دلالة النقود الزائفة على وجود النقود

الصحيحة الخالصة “.

 ويقول أحد الكتاب:
” أن كتبة ومؤلفي هذه الأناجيل كانوا مسيحيين متأثرين بالغنوسية أرادوا أن
يقدموا سيرة للمسيح تتفق مع أفكارهم الغنوسية والتي هي خليط من عقائد وفلسفات وأساطير
وخرافات شتى: يهودية ومسيحية وفارسية ويونانية ورومانية الخ أرادوا أن يحيطوا
المسيح حتى في طفولته بهالة من القداسة والمعجزات فاخذوا ينسجون حوله معجزات غريبة
فجة تتنافي مع الذوق والضمير والأخلاق, كانت العبرة عندهم بحشو أناجيلهم بالمعجزات
بصرف النظر عن مضمونها والهدف والمغزى منها فالطفل يسوع كان قادرا على كل شئ,
وكدليل على ذلك نسبوا له معجزة خلاصتها انه كان يقتل الأطفال رفاقه عندما يلعب
معهم عندما يغضبوه!!

 والغريب أن هذه
الأناجيل الساذجة (أناجيل الطفولة) تنفرد ببعض المعجزات التي اختلقها مؤلفوها
والتي لم توجد إلا بهذه الأناجيل ولم ترد في الأناجيل الأربعة ولا في عشرات
الأناجيل المنحولة (الأبوكريفا
Apocrypha) الأخرى مثل أن المسيح كان يتكلم في المهد وانه كان يخلق من الطين
كهيئة الطير “.

 ويقول عما جاء بالكتاب
المسمى بإنجيل الطفولة لتوما: ” هذا الإنجيل الملئ بالخرافات والخزعبلات التي
اختلقها مسيحي غنوسي إيمانا منه أن هذا سيزيد من عظمة المسيح في فترة طفولته
المسكوت عنها في الأناجيل الأربعة, فاخذ يطوف بخياله وينسج قصصا إعجازية تصل إلى
درجة الإسفاف والانحطاط أحيانا, فيظهر المسيح الطفل بصورة الساحر المتمكن من فن
السحر لكي يبرهن على قدرته فيصنع معجزات خارقة لا هدف من ورائها إلا أظهار العضلات
فيعذب من يشاء ويقتل من يشاء وينتقم ممن يشاء!! فصارت المعجزة عند المسيح الطفل
قوة غاشمة غبية صبيانية لا هدف أخلاقي أو إنساني لها “.

 وتقول دائرة المعارف
الكتابية، تحت كلمة أبوكريفا؛ ” في كل هذا النوع من الأناجيل، نلاحظ أن رغبة
كتاب الأناجيل غير القانونية في مضاعفة المعجزات، جعلتهم لا يعيرون أي اعتبار
للمدة التي مضت من حياة المسيح بين الاثنتي عشرة والثلاثين من العمر، ولعل السبب
الرئيسي في ذلك هو أن أخبار هذه الفترة من حياة المخلص، لا تصل بهم إلى هدف عقائدي
معين “.

 وتعتمد هذه الأساطير
بالدرجة الأولى على كتابين هما، الكتاب المسمى بإنجيل يعقوب البدائي، والذي يركز
على مكانة العذراء السامية وقصص معجزات الحمل والميلاد الأسطورية، المستمدة أصلاً
من الإنجيل القانوني، والكتاب المسمى بإنجيل توما الإسرائيلي، والذي يركز على
معجزات المسيح الأسطورية في طفولته. وقد كان هذان الكتابان هما الأساس لكل ما كتب
بعد ذلك في هذا الشأن. وقد كتب الأول لتمجيد العذراء القديسة مريم ويروى أحداث
إعجازية تخص ميلادها ونشأتها، بينما يقدم الثاني الطفل يسوع في شكل غريب وشاذ
جداً، بل وفي صورة لا يذكرها أي كتاب أرثوذكسي، لأي كاتب من آباء الكنيسة، بأي شكل
من الأشكال. وتصاغ مادته بأسلوب أدبي أسطوري يقدم الطفل يسوع كامل المعرفة والحكمة
والعلم على الإطلاق وبدون تحفظ. وعلى عكس الإنجيل القانوني الذي يقول أنه كان ينمو
في المعرفة والحكمة بحسب نموه الجسدي وتقدم عمره الزمني، وأنه كان يحجب ويخفي
لاهوته وأنه لم يكشف عن معرفته الكلية إلا بعد حلول الروح القدس وبدء خدمته، بحسب
تدبير التجسد، فقد ظهر الطفل يسوع في هذا الكتاب، والكتب التي أخذت عنه، كطفل
عبقري كامل المعرفة والعلم، ونسب له معجزات صارخة وملفته بصورة غير مبررة، تختلف
بدرجة عظيمة عن صورته في الإنجيل القانوني بأوجهه الأربعة المتميزة بالبساطة
والسمو والرفعة بدون تكلف.

 كما اتخذت هذه
الروايات مما جاء في الإنجيل للقديس لوقا عن دخوله الهيكل في سن الثانية عشرة
عندما كان: ”
جالسا في وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم. وكل
الذين سمعوه بهتوا من فهمه وأجوبته

(لو2: 46و47)، وسجله الإنجيل في شكل تلقائي وبسيط،
ونسجت حوله روايات
خيالية مبالغ فيها وغريبة، حيث صورت الطفل يسوع وهو يعلن معرفته اللانهائية، ويكشف
عن حقيقة لاهوته وحكمته بأفعاله وأقواله، وكونه كاشف الأسرار بلا حدود ومالك
الحكمة الإلهية في ملئها وكمالها المطلق، وبصورة دوسيتية غنوسية، وبأسلوب يدل على
أن الكاتب كان واسع الخيال جداً، خاصة في تصويره للحياة اليومية لطفولة المخلص(8).

 ويقول أحد الدارسين
تتساوى هنا معجزات يسوع بما هو معروف في العالم الهيلينستي وينقصها أسلوب المسيحية
الحقيقية بشكل ملحوظ، فهي ببساطة تمجد الشاب يسوع الذي يستطيع أن يفعل ما هو ملائم
لفائدته جسدياً وعاطفياً(9).

 ويقدم الكتاب
الأسطوري، المسمى بإنجيل توما، والكتب التي أخذت عنه، الطفل يسوع بشكل مريع، وكطفل
عنيف ومشاكس وسريع الغضب والانفعال، يلعن الولد الذي هدم أحواض المياة التي عملها
يسوع فيموت، ويجعل الطفل الذي يصطدم به يموت بلا ذنب جناه سوى أنه أصطدم به دون أن
يقصد!! ويتسبب في موت وإصابة أكثر من معلم من المعلمين الذين أرادوا أن يعلموه،
فكان هو أكثر علما منهم، فضربوه حتى أغتاظ ولعنهم فماتوا!! وكان قادراً دائماً على
أحياء الموتى خدمة لأمه أو للناس أو لتبرئة نفسه من تهمة التسبب في موتهم!! بل
وعندما كان يخطيء يوسف في عمله كنجار ويقيس الخشب ويقطعه بصورة خاطئة يصلح له
الطفل يسوع ذلك بأن يجعل الخشب يتمدد لأي طول يحتاجه بصورة إعجازية، فقد كان يعمل
المعجزات بلا مبرر ولا هدف سوى أظهار مقدرته على ذلك(10)!!

5 – موقف آباء الكنيسة
والهراطقة في القرون الأولى منها:

 لم تنظر الكنيسة الأولى
قط إلى هذه الكتب ولا إلى ما جاء فيها، ولم تقتبس منها مطلقاً، بل ولا يوجد مثيل
لها في التسليم الرسولي مطلقاً، ولم تخرج عن دائرة من دوائر الكنيسة في الشرق أو
الغرب، بل خرجت من أوساط الهراطقة وانتشرت بين بعض العامة والبسطاء لأنها تشبع
رغبتهم وفضولهم لمعرفة الكثير عن حياة المسيح. ولم يذكر آباء الكنيسة الأولى أية
روايات أو قصص عن شخص الرب يسوع المسيح غير الموجودة في الأناجيل القانونية
(الإنجيل بأوجهه الأربع)، وقد عارضت هذه الكتب الأسطورية معارضة شديدة ورفضتها
رفضاً تاماً. ولما كانت هذه الكتب رائجة بكثرة في العصور الوسطى، خاصة القرن
الرابع والخامس والسادس، فقد رفضها القديس جيروم، وأدانها البابا داماسوس (366 –
384م)، والبابا أنوسنت الأول (401 – 417)، وحرمها القانون الجلاسياني، والذي وضعها
تحت اسم؛ سلسلة أناجيل الطفولة الأبوكريفية المرفوضة(11).

 وعلى عكس إيمان
الكنيسة وآبائها فقد كانت هذه الكتب الأسطورية، بصورة جوهرية، هرطوقية، بل وأدوات
دعاية دوسيتية غنوسية، أستخدمها الهراطقة لتوصيل أفكارهم وهرطقاتهم الغنوسية،
وتوصيل تعليمهم الدوسيتي الذي قال عن المسيح أنه ظهر فقط في شبه وشكل جسد متجاهلة
حقيقة وتدبير التجسد.

 فبعد انتشار الأناجيل
القانونية، (الإنجيل بأوجهه الأربعة)، والتي أعتمد عليها، أيضاً، وأنطلق منها جميع
الهراطقة كقول القديس إيريناؤس: ” الأرض التي تقف عليها هذه الأناجيل
أرض صلبة حتى أن الهراطقة أنفسهم يشهدون لها ويبدأون من هذه الوثائق وكل منهم يسعى
لتأييد عقيدته الخاصة منها
(12). فقد دعت حاجة
هؤلاء الهراطقة لتوسيع وتمديد وتزويد ما جاء بها، وملء الفراغ الخاص بتفاصيل ميلاد
المسيح وطفولته وصبوته، وتقديم وإعلان تعاليم هرطوقية لا وجود لها في الإنجيل
الحقيقي. ” وكانت أناجيل الطفولة مثالاً هاماً لهذا النوع من التوسع فتم
توسيع آيات الأناجيل القانونية القليلة وتمديدها وتزويدها بإضافات ضخمة، وهنا وضُع
في الاعتبار تأثير الشكل الأدبي للعالم المحيط
(13).

 فقد كان الغنوسيون
مهتمين بهذه القصص الخاصة بالطفولة وتشجيع انتشارها وعلقوا عليها أفكارهم
الهرطوقية. واستخدموا روايات ظهورات المسيح القائم من الأموات مع حادثة دخوله
الهيكل في سن الثانية عشرة وكل الأساطير التي نسبت لها، وقدموها في أطار مناسب
كوّن، شكل، روايات الطفولة الغنوسية التي صورت المسيح فقط في مظهر إنسان دون أن
يكون كذلك، وأنه لم يكن في الواقع في حاجة للنمو والتطور بحسب نموه الجسدي ومراحل
عمره المختلفة، ولا لزيادة المعرفة، بل بدا في المنظر هكذا في أطواره المختلفه
لأنه كان يمتلك الإعلان الكامل في ملئه وكماله، كما كان لديه قوة إعجازية غير
محدودة لعمل المعجزات مهما كانت.



 (1)
Strong’s Hebrew and Greek Dictionaries.

(2) Vincent’s Word Study of the New Testament Vol. 2:83.

(3) The Pulpit Commentary Vol. 17 : 85.

– 68 –

(4)
مجموعة
الشرع الكنسي ص 314 ؛ تاريخ الفكر المسيحي القس يوحنا الخضري ج 3 : 130
.

– 70 –

(5) تفسير
إنجيل لوقا الجزء الأول
.

(6)
New Testament Apocrypha, Wi
lhelm Schneemelcher, Vol. 1: 364-367.

– 71 –

(7) دائرة المعارف
الكتابية جـ 1 : 58
.

– 73 –

(9) Achtemeier,
“Gospel Miracle Traditions and the Divine Man. p.192.

Apocripal Gospels.

 (10)
International Standard Bible Encyclopedia,

– 76 –

(11) N. T. Apocrypha, Vol. 1. 418.

(12)
Ag. Haer. 3:11,8.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى