الفصل الخامس
الفصل
الخامس
الكاتب
المزيَّف
هدفه
وشخصيَّته وأسلوبه
1-
هدف الكاتب المزيَّف:
هدف
الكاتب المزيِّف والمزوِّّر من وراء تزوير هذا الكتاب هو محاولة هدم المسيحيَّة من
الأساس، ومن ثمَّ فقد هاجم لاهوت المسيح وصلبه وزعم أنَّ الذي صُلِبَ ليس هو
المسيح وإنما هو يهوذا، كما زعم أنَّ الكتاب المقدَّس بعهدَيه وأسفاره مُدنَّس
ومُحَرَّف، وأنَّه ليس هناك ديانة مسيحيَّة وأنَّ المسيح ليس هو المسيح إنما
مُجرَّد صوت جاء يصرخ في اليهوديَّة فقط ولكي يُعِدَّ طريق المسيَّا الحقيقيّ!
وبالاختصار فقد أراد أنْ يقول لكلِّ ما في المسيحيَّة أنَّه باطلٌ ومحَرَّفٌ
ومدنَّسٌ!!
2-
شخصيَّة الكاتب وأسلوبه:
حرص
الكاتب المزيِّف والمزوِّر من البداية أنْ يجعل من شخص برنابا الذي اِنتحل
شخصيَّته ووضع اِسمه علي كتابه المزيَّف والمزوَّر هذا واحدًا من تلاميذ المسيح
الاثني عشر، بل والتلميذ المقرَّب إليه وكاتم أسراره والمؤتمن علي أمِّه العذراء
مريم وكاتب إنجيله الصحيح!! ومن ثمَّ فقد حشر اسمه فى قائمة الإثنى عشر ”
وانتخب إثني عشر وسمَّاهم رسلاً، منهم يهوذا الذي صُلِب، أمَّا أسماؤهم فهي:
اندراوس وأخوه بطرس الصيَّاد. وبرنابا الذي كتب هذا مع متَّي العشَّار الذي كان
يجلس للجباية وفيلبُّس، ويعقوب ويهوذا الإسخريوطى الخائن ويوحنَّا ويعقوب اِبنا
زبدي، تداوس ويهوذا، برتلماوس. فهولاء كاشفهم علي الدوام بالأسرار الإلهيَّة
“.
وفى
هذه القائمة نري الكاتب قد حذف اِسمين من أسماء التلاميذ وهما ” توما وسمعان
الغيور” (1)!! وقد حذف اِسم أحدهما ليضع اِسم برنابا بدلاً منه وحذف الثاني
لأنَّه أخطأ وتصوَّر أنَّ ” تدَّاوس ويهوذا ” اِسمَين لإثنَين من
التلاميذ! والحقيقة أنَّ ” تداوس ” هو لقب يهوذا أخو يعقوب وليس تلميذٌ
آخرٌ!
ثم
وضع اِسم برنابا في مقدِّمة التلاميذ الإثني عشر وزعم أنَّه الوحيد الذي كان ينفرد
بالمسيح والذي يبقي معه عندما يُرسل التلاميذ والرُسل للخدمة، بلّ والذي يستفسر
منه التلاميذ والرُسل عن أحوال المسيح وأنَّه الكاتب الخاصّ والقارئ الخاصّ
والعالم بأسرار المسيح والمؤتمن علي أسراره، هو وحده دون سواه من الرُسل!!
كما
وضع نفسه في المكانة التي كانت للقدِّيس بطرس، بعد أنْ أزاح بطرس من مكانته، فزعم
أنَّ برنابا ويوحنَّا أو برنابا ويوحنَّا ويعقوب كانوا مقرَّبين من السيِّد المسيح
(2). وبعد حادث الصلب يُصوِّر الثلاثة وهم ذاهبون إلي الناصرة، ثمَّ وهم عائدون
إلي أورشليم مع ” أمّ يسوع ” (ف2: 218؛1: 219). ثمَّ وضع معهم بطرس فى
حديثه عن تجلِّي المسيح علي جبل تابور (ف19: 44)، وعند نزوله من السماء بعد حادث
الصلب (ف219: 10). وقد وضع برنابا في جميع الأحوال في مكانةٍ ذات أهمِّيَّة
خاصَّة!!
وضع
برنابا في مكانة التلميذ المقرَّب إلي قلب يسوع وكاتم أسراره الخطيرة والمصيريَّة
فقد أبلغه يسوع وحده؟!! عن كيفيَّة تلقِّيه الإنجيل من الملاك جبريل، ويفخر بذلك
ويقول ” ولما بلغ يسوع ثلاثين سنة من العمر كما أخبرني بذلك بنفسه صعد إلي
جبل الزيتون ” (ف1: 10)، ” ثم قال له: ” صدق يابرنابا إنِّي أعرف
كلّ شىء وكلّ نبوَّة وكلّ ما أقوله إنما جاء عن ذلك الكتاب ” (ف 10: 5).
وكلُّ
ما لفَّقه الكاتب المزيِّف والمزوِّّر هنا واخترعه، يكذِّبه ويفضحه التاريخ
المسيحيّ وغير المسيحيّ الذي أكَّد بشكلٍ جازمٍ وقاطعٍ أنَّ برنابا لم يكنْ من بين
تلاميذ المسيح الإثني عشر وأنَّه لم يُذْكَرْ في الأناجيل سواء القانونيَّة
(الصحيحة) أو حتَّي الأبوكريفيَّة (المزيَّفة)، وإنما ذُكِرَ في سفر أعمال الرُسل،
كأحد أتباع تلاميذ المسيح. مع أنَّ القدِّيس برنابا لا شأن له بهذا الكتاب
المزيَّف والمنسوب له زورًا، والمكتوب بعده بأكثر من 1400 سنة. ولا يقلِّل ذلك من
شأنه ككارزٍ عظيمٍ بفداء البشريَّة بدمِّ المسيح. كما يُؤكِّد التاريخ والواقع
والحقيقة أنَّ كلَّ ما نُسِبَ للقدِّيس برنابا من كتابات وأقوال تتَّفق تمامًا مع
ما جاء في الكتاب المقدَّس وتناقض كلّ ما جاء في هذا الكتاب المزيَّف والمزوَّر.
والكاتب
المزيِّف والمزوِّر يكشف عن تزويره بإصراره وإلحاحه علي ذكر اِسم برنابا كرفيق
المسيح وكاتم أسراره وكاتبه الخاصّ، فهذا التكرار الدائم لاسم برنابا وإلحاحه علي
أنَّه الوحيد الذي يعرف أسرار المسيح، يتناقض مع الروح المسيحيَّة المنكرة لذاتها،
فلم يذكر واحد من كتَّاب الإنجيل الأربعة، الذين تكلَّم الروح القدس بواسطتهم
وبأفواههم وعلي لسانهم، وكتب بأقلامهم، اِسمه علي الإنجيل علي الإطلاق، ولم يكنْ
من عادتهم ذلك، وكان هدفهم الجوهريّ هو إعلان الفداء في شخص المسيح اِبن اللَّه
” وَأَمَّا هَذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ
الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ
بِاسْمِهِ. ” (يو 20/31). ولم يَدَّعِ أي واحدٌ منهم أنَّ الربّ يسوع المسيح
قد كاشفه بأسرار خاصَّة تختلف عمَّا علَّمه للآخرين أو عرَّفه ما لا يعرفه الآخرين
من التلاميذ.
وفى
الفصل ال112 يركِّز الكاتب المزيِّف والمزوِّر علي موضوعه الرئيسيّ الذي دفعه
لكتابة هذا الكتاب المزيَّف ويكشف عن هدفه الذي خطَّط له، وزعم أنَّ يسوع كاشفه
وحده؟؟!! من دون سائر التلاميذ؟؟!! بأسرارٍ خطيرةٍ ومصيريَّةٍ!! كشف له وحده هذه
التجاديف الكفريَّة، التي زعم أنَّها أسرار، التي خطَّطها الكاتب المزيِّف
والمزوِّر والمضلّ وضدّ المسيح وزوَّر هذا الكتاب المزيَّف والمزوَّّر من أجل
ترويجها فزعم قائلاً ” فإنصرف التلاميذ والرسل كلّهم أربعة أربعة وستَّة
ستَّة وانطلقوا في الطريق حسب كلمة يسوع وبقى مع يسوع الذي يكتب (أي برنابا
المزعوم). فقال يسوع باكيًا: ” يا برنابا يجب أنْ أكاشفك بأسرارٍ عظيمة يجب
عليك مكاشفة العالم بها بعد إنصرافي منه “؟؟!! فلماذا يكشف المسيح أسراره
لشخصٍ واحدٍ فقط ويترك الآخرين من التلاميذ والرُسل والناس الذين استمعوا إليهم
وإلي عظاتهم وتعليمهم وتعلَّموا منهم يتخبَّطون في الضلال والتعاليم الخاطئة؟؟!!
وهل هذا يليق بجلال اللَّه وعظمته؟؟!! لقد كان للمسيح إلي جانب الإثنى عشر تلميذًا
سبعين آخرين ” وَبَعْدَ ذَلِكَ عَيَّنَ الرَّبُّ سَبْعِينَ آخَرِينَ أَيْضاً
وَأَرْسَلَهُمُ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ أَمَامَ وَجْهِهِ إِلَى كُلِّ مَدِينَةٍ
وَمَوْضِعٍ حَيْثُ كَانَ هُوَ مُزْمِعاً أَنْ يَأْتِيَ.” (لو10/1)، كما كان
له عددٌ كبيرٌ آخر من التلاميذ حيث ظهر بعد قيامته لأكثر من خمسمائة واحد منهم
(1كو15/6)، فهل من المنطق أنْ يترك كلّ هؤلاء، وغيرهم، يتخبَّطون في تعاليم، يزعم
هذا الكاتب المزيِّف والمزوِّر والمضلّ أنَّها خاطئة وضالَّة، بينما يكشف الحقيقة
لواحدٍ فقط ويطلب منه أنْ يُذيعها ويُعلنها بعد انتقاله من العالم؟؟!!
وهذه
الأسرار المزعومة هي:
(1)
أنَّ المسيح ليس إلهًا ولا اِبن اللَّه وأنَّه محروم من رؤية اللَّه ويخشي عقاب
يوم الدين وأنَّه لن يذهبَ إلي الجنَّة؟؟!!
”
أجاب يسوع: صدقني يا برنابا إنني لا أقدر أنْ أبكي قدر ما يجب علي ّ لأنَّه لو لم
يدعني الناس إلهًا لكنت عاينت هنا اللَّه كما يُعاين في الجنَّة ولكنت آمنت خشية
يوم الدين، بيد أنَّ اللَّه يعلم أنِّي بريء لأنَّه لم يخطر لي في بال أنْ أُحسب
أكثر من عبدٍ فقيرٍ، بل أقول إنَّنِي لو لم أدع إلهًا لكنت حُمِلْتُ إلي الجنَّة
عندما أنصرف من العالم أمَّا الآن فلا أذهب إلي هناك حتَّي الدينونة، فتري إذا كان
يحقّ لي البكاء ”
والسؤال
هنا: إذا كان المسيح لم يذهبْ إلي الجنَّة، علي افتراض أنَّه مُجرَّد نبيّ، فأين
هو الآن؟؟!! هل ذهب إلي النار، أمّ إلي أين؟؟!!
(2)
وأنَّه سيظلّ في عار الصليب بسبب دعوة الناس له إلهًا!! ” فأعلم يا برنابا
أنَّه لأجل هذا يجب عليّ التحفُّظ وسيبيعني أحد تلاميذي بثلاثين قطعة من النقود
وعليه فإنِّي علي يقين من أنَّ من يبيعني يُقتل بإسمي لأنَّ اللَّه سيُصعدني من
الأرض وسيُغَيِّر منظر الخائن حتَّي يظنّه كلّ أحد إيَّاي ومع ذلك فإنَّه لما يموت
شرَّ ميتة أمكث في ذلك العار زمنًا طويلاً ولكن متي جاء … رسول اللَّه المقدَّس
تُزال عنَّي هذه الوصمة وسيفعل اللَّه هذا لأنِّي اعترفت بحقيقة مسيَّا (المسيح)
الذي سيُعطيني هذا الجزاء أي أنْ أُعرف أنِّى حيّ وإنِّي برئ من وصمة تلك الميتة
“!!
ثم
يصل الكاتب المزيِّف والمزوِّر إلي أعلي درجات التجديف والكفر عندما يقول ”
فأجاب من يكتب ” يا معلِّم قلْ لي من هو ذلك التعيس لأنِّي وددت لو أُميته
خنقًا ” أجاب يسوع: ” صَه، فأنَّ اللَّه هكذا يريد فهو لا يقدر أنْ يفعل
غير ذلك “؟؟!!
فهل
يسمح اللَّه المحبّ ” اَلْلَّه مَحَبَّة ” (1يو4/8 و16) بذلك؟؟!! وإذا
كان من يزعم أنَّه سيُسَلِّم المسيح وسيُصْلَب بدلاً منه مُجْبَرٌ علي ما يفعل
وأنَّه لا يقدر أنْ يفعل غير ذلك لأنَّ ذلك هو ما يريده اللَّه، كما يزعم هذا
الكاتب المزيِّف والمزوِّر والمضلّ، فكيف يكون أثيمًا، وهل يظلم اللَّه أحداً إلي
هذا الحد؟؟!! وهل يكون اللَّه هو السبب في جعل مليارات البشر يتخبَّطون في الضلال
آلاف السنين؟؟!! ونقول حاشا للّه، وكلا، لأنَّ اللَّه المُحبّ ” الَّذِي
يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ
يُقْبِلُونَ ” (1تي2/4) لا يمكن أنْ يكون هو هذا الإله الذي رسمه خيال هذا
الكاتب المريض والمضلّ والمزيِّف والمزوِّر والمجدِّف علي اللَّه المحبّ.
ثمَّ
يصل هذا الكاتب المزيِّف والمزوِّر والمضلّ إلي أكذوبته الكبري التي مهَّد لها
بكلِّ هذه التجاديف والأكاذيب الكُفريَّة المضلَّة التي ملأ بها كتابه المزيَّف
والمزوِّر في الفصل قبل الأخير فيناقض نفسه ويقول ” وإلتفت يسوع إلي الذي
يكتب وقال: ” يا برنابا عليك أنْ تكتب إنجيلي حتمًا وما حدث في شأني مدَّة
وجودي في العالم وأكتب أيضًا ما حلَّ بيهوذا ليزول انخداع المؤمنين ويصدِّق كلّ
أحد الحق “!!
والسؤال
هنا هو كيف يزعم أنَّ المسيح قال ” أمكث في ذلك العار زمنًا طويلاً ولكن متي
جاء … رسول اللَّه المقدَّس تُزال عنِّي هذه الوصمة ” ويزعم في نفس الوقت
أنَّ المسيح طلب من برنابا أنْ يكتب ” ما حلَّ بيهوذا ليزول انخداع المؤمنين
ويصدِّق كل أحد الحق “؟؟!! أي قبل الموعد المزعوم بأكثر من 600 سنة!! ألا تري
معنا أيَّها القارىْ العزيز مدي تخبُّط هذا الكاتب المزيِّف والمزوِّر والمضلّ!!
وهل
يعاقب اللَّه نبيّ، علي افتراض أنَّ المسيح مجرَّد نبيّ، بسبب ما يقوله الناس عنه
دون ذنب جناه؟؟!!
ثم
يستمر الكاتب المزيِّف في مزاعمه وضلالاته فيقول ” حينئذ أجاب الذي يكتب:
إنِّي لفاعلٌ ذلك أنْ شاء اللَّه يا معلِّم: ولكن لا أعلم ما حدث ليهوذا لأنِّي لم
أرَ كلّ شيء؟!! أجاب يسوع: ههنا يوحنَّا وبطرس اللذان قد عاينا كلّ شيء فهما
يخبرانك بكل ما حدث “؟؟!! (ف5: 221).
وهنا
نسأل كيف لم يعرف من زعم أنَّ المسيح قد كشف له كلّ أسراره ما حدث ليهوذا؟؟!! كيف
يجهل ما زعم أنَّ المسيح قد كشفه له؟؟!! ثمَّ يكذِّب نفسه، بل، ويناقض نفسه ويناقض
الحقيقة والتاريخ – العامّ والمسيحيّ – إذ يضع ” يوحنا وبطرس ” في
مخطَّطه فجأة!! ويجعل منهما شاهدين علي أنَّ الذي صُلِبَ هو يهوذا وليس المسيح؟؟!!
كيف ذلك وكتاباتهما وكلّ ما كُتب عنهما سواء في العهد الجديد أو في الأناجيل
والأسفار الأبوكريفيَّة يقول بعكس ذلك تمامًا؟؟!!
3
– الزعم بتحريف الكتاب المقدَّس:
ولكي
يُتَمِّم هذا الكاتب المزيِّف والمزوِّر خطَّته التي خطَّط لها وتصوَّر أنَّه
يستطيع بها أنْ يهدم المسيحيَّة وكتابها المقدَّس ويجعل المسيحيِّين يرتدُّون عن
المسيحيَّة ويدخلون في عقيدته، التي يدعو لها والتي زيَّف هذا الكتاب لأجلها،
أفواجًا!! فقد لفَّق مجموعة من الأحاديث ونسبها للسيِّد المسيح وزعم فيها أنَّ
كتابيّ التوراة لموسي النبيّ والمزامير لداود النبيّ قد فسدا ومُحِيَ منهما الحق
جميعًا!! فزعم أنَّ مزامير داود قد نسخت (ألغت) توراة موسي وأنَّ الإنجيل قد نَسخ
المزامير، وأنَّ الإنجيل أيضًا سيُنسخ بنفس الطريقة، فزعم في (ف124) أنَّ المسيح
قال ” الحق أقول لكم أنَّه لو لم يُمْحَ الحقّ من كتاب موسي لما أعطي اللَّه
داود أبانا الكتاب الثاني ولو لم يفسد كتاب داود لم يعهدْ اللَّه بإنجيله إلىّ
لأنَّ الربّ إلهنا غير متغيِّر ولقد نطق رسالة واحدة لكلِّ البشر، فمتي جاء رسول
اللَّه يجيء ليُطَهِّر كلّ ما أفسد الفجَّار في كتابي “!!
والكاتب
هنا يردِّد، كالببغاء، الزعم القائل أنَّ المزامير قد ألغت التوراة وأنَّ الإنجيل
قد ألغي المزامير (كتاب داود) وأنَّ الإنجيل أيضًا سيُلغي بنفس الطريقة؟؟!! وقد
فاته، بجهل، أنَّ المزامير لا يمكن أنْ تلغي التوراة، كما لا يمكن أنْ يلغى
الإنجيل المزامير، لأنَّ سفر المزامير ليس كتاب شريعة وإنَّما هو مجموعة من
الصلوات والتسابيح والأناشيد الدينيَّة، وبرغم أنَّها تشتمل علي بعض الشرائع
والعقائد إلاَّ أنَّ ما بها من شرائع وعقائد مأخوذ من التوراة ومبني علي ما جاء
بها وتلحّ دائمًا علي إتِّباع وصايا اللَّه المكتوبة في ناموسه، أي التوراة ”
أَقَامَ شَهَادَةً فِي يَعْقُوبَ وَوَضَعَ شَرِيعَةً فِي إِسْرَائِيلَ الَّتِي
أَوْصَى آبَاءَنَا أَنْ يُعَرِّفُوا بِهَا أَبْنَاءَهُمْ ” (مز78/5)، ”
طُوبَى لِلْكَامِلِينَ طَرِيقاً السَّالِكِينَ فِي شَرِيعَةِ الرَّبِّ. ”
(مز119/1). كما أنَّ الإنجيل لا يمكن أنْ يلغي التوراة أو المزامير لأنَّه مبنيّ
علي ما جاء بهما وقد شهد لصحَّة كلِّ حرفٍ فيهما (3) وتمَّم كلّ ما جاء بهما من
رموزٍ ونبوَّاتٍ ترمز للربِّ يسوع المسيح وتتنبَّأ عن كلِّ تفصيلات مدَّة تجسُّده
علي الأرض وصعوده إلي السماء ومجيئه الثاني في مجدٍ. فهي جميعًا، الإنجيل
والمزامير والتوراة، من روحٍ واحدٍ وفكرٍ إلهيٍّ واحدٍ ووحيٍ واحدٍ ولا يُوجد
بينها اختلاف أو تناقض، كما طوَّر الربُّ يسوع المسيح بعض شرائع العهد القديم،
التوراة، والتي كانت تتلاءم مع العصر الذي تكلَّم اللَّه فيه مع الآباء والأنبياء
وجعلها تلائم كلّ الشعوب والأمم في كلِّ زمانٍ ومكانٍ.
قال
الربُّ يسوع المسيح” لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ
الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لِأُكَمِّلَ. فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ
لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ
أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ. ”
(مت5/17-18). وقال اللَّه لأشعياء النبيّ ” أَمَّا أَنَا فَهَذَا عَهْدِي
مَعَهُمْ قَالَ الرَّبُّ: «رُوحِي الَّذِي عَلَيْكَ وَكَلاَمِي الَّذِي وَضَعْتُهُ
فِي فَمِكَ لاَ يَزُولُ مِنْ فَمِكَ وَلاَ مِنْ فَمِ نَسْلِكَ وَلاَ مِنْ فَمِ
نَسْلِ نَسْلِكَ» قَالَ الرَّبُّ «مِنَ الآنَ وَإِلَى الأَبَدِ ” (أش 59/21).
كما
أنَّه لا يمكن أنْ يلغي كتاب آخر الإنجيل لأنَّه الكتاب الإلهيّ الذي تمَّم اللَّه
فيه ومن خلاله مواعيده الأزليَّة، وقد جاء ليس لجماعةٍ معيَّنةٍ ولا لأمَّةٍ
واحدةٍ معيَّنةٍ ولكن جاء لجميع الأمم والشعوب والقبائل والألسنة، قال الربُّ يسوع
المسيح لتلاميذه ورُسله ” اِذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا
بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا. ” (مر 16/15). كما وعد أنَّ إنجيله لن
يُنسخ ولن يتغيَّر ولن يتبدَّل ولن يزول إلي الأبد ” اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ
تَزُولاَنِ وَلَكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ.” (مت 24/35).
4
– حذف شخصيَّة يوحنَّا المعمدان:
حذف
هذا الكاتب المزيِّف والمزوِّر شخصيَّة يوحنَّا المعمدان، يحيي اِبن زكريَّا، من
كتابه ومن الوجود نهائيًا!! ووضع أقواله التي قالها وشهد بها عن المسيح كالمسيَّا
المنتظر، علي لسان المسيح نفسه وزعم أنَّ نبي الإسلام هو المسيَّا، المسيح،
المنتظر وليس المسيح؟!! مخالفًا بذلك المسيحيَّة والإسلام!! وكان هدفه هو التقليل
من قيمة شخص المسيح ومكانته الدينيَّة فوضعه في نفس الدور الذي ليوحنَّا المعمدان
الذي جاء ليُعِدَّ الطريق أمامه، وجعل منه (المسيح) مجرَّد مُعٍدٌ لطريق آخر يأتي
بعده!! ولما وجد أنَّ وجود يوحنَّا المعمدان الذي جاء ليُعٍدَّ الطريق للمسيح،
يفسد خطَّته ويضعه في حرجٍ بالغٍ، ولما وجد أنَّه من غير المقبول والمعقول أنْ
يكون للمُعِدِّ مُعِدٌ آخرٌ، حذف شخصيَّة يوحنَّا المعمدان التاريخيَّة نهائيًا!!
5-
حرّف قصة الذبيح من إسحق إلي إسماعيل:
كما
حرّف آيات ونصوص سفر التكوين والتي تقول أنَّ الذبيح ووارث الموعد هو إسحق ”
فَقَالَ (الله لإبراهيم): « خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ الَّذِي تُحِبُّهُ اسْحَاقَ
وَاذْهَبْ الَى ارْضِ الْمُرِيَّا وَاصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ
الْجِبَالِ الَّذِي اقُولُ لَكَ» ” (تك22/2). ” وَلَكِنْ عَهْدِي
أُقِيمُهُ مَعَ إِسْحَاقَ الَّذِي تَلِدُهُ لَكَ سَارَةُ فِي هَذَا الْوَقْتِ فِي
السَّنَةِ الاتِيَةِ ” (تك17/21). وزعم أنَّه إسماعيل فقال:
”
فكلَّم اللَّه حينئذ إبراهيم قائلاً: خذ اِبنك بكرك إسماعيل وأصعد الجبل لتقدِّمه
ذبيحة ” (ف10: 44). ثمَّ يُغالط الحقيقة والتاريخ ويقول ” كيف يكون إسحق
هو البكر ولما ولد كان إسماعيل اِبن سبع سنين؟ “.
وهنا
يقع في خطأ تاريخيّ وكتابيّ بقوله أنَّ إسماعيل وقت ميلاد إسحق كان عمره سبع سنين
لأنَّ عمره كان وقتئذ أربعة عشر سنة (تك22/2)!! كما أنَّه بحسب ما جاء في الكتاب
المقدَّس وبحسب طبيعة ونواميس ذلك العصر كان إسحق هو البكر الحقيقيّ لأنَّه الابن
الشرعي لإبراهيم من زوجته سارة وكان هو اٍبن الموعد وليس إسماعيل الذي سبق اللَّه
أنْ وعد أنَّ بنسله تتبارك جميع أمم الأرض ” وَقَالَ ابْرَاهِيمُ لِلَّهِ:
«لَيْتَ اسْمَاعِيلَ يَعِيشُ امَامَكَ!» فَقَالَ اللهُ بَلْ سَارَةُ امْرَاتُكَ
تَلِدُ لَكَ ابْنا وَتَدْعُو اسْمَهُ اسْحَاقَ. وَاقِيمُ عَهْدِي مَعَهُ عَهْدا
ابَدِيّا لِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ. وَامَّا اسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ
فِيهِ. هَا انَا ابَارِكُهُ وَاثْمِرُهُ وَاكَثِّرُهُ كَثِيرا جِدّا. اثْنَيْ
عَشَرَ رَئِيسا يَلِدُ وَاجْعَلُهُ امَّةً كَبِيرَةً. وَلَكِنْ عَهْدِي اقِيمُهُ
مَعَ اسْحَاقَ الَّذِي تَلِدُهُ لَكَ سَارَةُ فِي هَذَا الْوَقْتِ فِي السَّنَةِ
الْاتِيَةِ». ” (تك17/18-21).
ويقول
العهد الجديد” فَإِنَّهُ مَكْتُوبٌ أَنَّهُ كَانَ لإِبْرَاهِيمَ ابْنَانِ،
وَاحِدٌ مِنَ الْجَارِيَةِ وَالآخَرُ مِنَ الْحُرَّةِ.لَكِنَّ الَّذِي مِنَ
الْجَارِيَةِ وُلِدَ حَسَبَ الْجَسَدِ، وَأَمَّا الَّذِي مِنَ الْحُرَّةِ
فَبِالْمَوْعِدِ ” (غل4/22-23).
6-
أسلوب الكاتب في التزوير وتزويره لمجموعة أخري من الكتب يكشف عن حقيقة شخصيَّته:
يكشف
أسلوب الكاتب وما ورد في الترجمة الأسبانيَّة عن الراهب المنحرِّف والمرتَّد
” فرا مرينو ” وما ذكره في كتابه المزيَّف والمزوَّر عن كتب زعم وجودها
وظهورها بنفس طريقة ظهور كتابه المزيَّف هذا، عن فكر متخلفٍ ومريضٍ يتبع منهج
نفعيّ مبنيّ علي الخديعة هو منهج “الغاية تبرر الوسيلة ” مهما كانت
دناءة ووضاعة وحقارة هذه الوسيلة، فبني فكره وكتابه علي التزوير والخداع لأنَّه
يؤمن أنَّ ” الحرب خُدعة “! والوسيلة التي إتَّبعها الكاتب المزيِّف
والمزوِّر هنا هي التزوير والتلفيق والكذب والخداع ليصل إلي غايته وهي جعل
المسيحيِّين يشكُّون في كتابهم المقدَّس ويرتدُّون عن إيمانهم القويم، وفاته قول
السيد المسيح ” عَلَى هَذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْنِي كَنِيسَتِي وَأَبْوَابُ
الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا ” (مت16/18).
(1)
الرواية الخرافيَّة لظهور هذا الكتاب المزيَّف: جاء في مقدِّمة الترجمة
الأسبانيَّة، والتي وُجدت نسخة لها في هذه السنوات الأخيرة في مكتبة فيشر بسدني
بأستراليا، رواية خياليَّة صبيانيَّة ساذجة للمدعو مصطفى العرندي والذي زعم أنَّه
ترجمها من الإيطاليَّة إلى الأسبانيَّة، تزعم سرقة الراهب المزعوم لهذا الكتاب
المزيَّف من مكتبة بابا روما!! كما تروي عن هذا الراهب المزعوم روايات شبيهة،
نسجها خيال الكاتب المزيِّف المريض، عن حصوله علي كتب مزيَّفة منسوبة لبعض
الأنبياء ولبعض آباء الكنيسة. كما ذكر في الكتاب المزيَّف مجموعة من الكتب التي لا
وجود لها ونسبها الكاتب المزيَّف لبعض أنبياء العهد القديم لكي يُوجد مبرِّر لكلِّ
مزاعمه وأكاذيبه، وهذا يدلّ علي طبيعة البيئة التي كتب فيها وظهر منها هذا الكتاب
المزيَّف.
وفيما
يلي أهمّ ما جاء في هذه المقدِّمة المنسوبة للراهب المزعوم كما ترجمها مؤخرًا إلي
الإنجليزية R. Blackhirst, 1997 –
1998 صاحب موقع
The Medieval Gospel Of
Barnabas, Text, Resources & Discussion، والتي يبدأها بزعمه (الراهب المزعوم) صعوبة فهم أسفار العهد القديم
” كان يدور في أفكاري دائمًا بقلق واهتمام ليس قليل، كيف أمكن للأمة
العبريَّة أنْ تحفظ نفسها طويلاً في الإيمان اليهوديّ بذلك الكتاب المدعو التوراة
فقط “، بدون الكتب التي يُزعم أنَّ علماء اليهود وحكماءهم قد كتبوها في
القديم والتي يتصوَّر أنَّها فُقدت مع كثرة ما واجهه اليهود من كوارث “.
ويتَّضح من أفكاره هذه أنَّه يجهل أنَّ اليهود قد حافظوا علي تقاليدهم وتفاسيرهم
لأسفار العهد القديم والمسماة بالترجوم شفوياً حتي حوالي سنة 200م والتي دوَّنوها
في كتاب التلمود في الفترة من 200 إلي 500م. كما يتَّضح أنَّه يجهل أيضًا أنَّ
الربّ يسوع المسيح وتلاميذه قد قاموا بإيضاح مغزي معظم ما جاء في العهد القديم في
أسفار العهد الجديد حيث استشهدوا واقتبسوا وأشاروا إلي ما جاء في العهد القديم من
آيات وروايات أكثر من 2500 مرَّة.
E ثمَّ يزعم أنَّه ” جاءه ذات يوم رجل مهذب من عائلة أورفينى Urfin i يبحث عنه (هو بالذات، فما مغزى ذلك؟؟!!) ومعه أربعة كتب قديمة
جدًا مكتوبة باللاتينية تقول ” أنَّ هذه الكتب كانت لأنبياء قدماء و ”
لكونها معارضة للإيمان المسيحيّ فقد اُعتبرت كتب هرطوقيَّة ولا تصلح لشيء حق
بالمرة ؛ لذا عهد بها إلىّ لأفعل بها ما أراه مناسبا ً “. فلماذا هو بالذات؟!
” فاستفسرت منه عن كيفيَّة وصولها إلي يدَيْه؟ فقال ” أنَّه وجدها في
مكتبته بين كتب أجداده ولم يقدِّم تفصيلات أكثر من ذلك، ثم ذهب ومضى “، هكذا
بشكل غامض!! ” وفى وقت فراغي جلست لأتفحَّص هذه الكتب التي تخيَّلت في
البداية أنَّها أسفارًا مقدَّسة فوجدت أنَّها أربعة تعليقات علي أسفار الأنبياء
أشعياء وحزقيال ودانيَّال ويوئيل. ولأنِّني حصلت علي هذه الكتب دون توقّع فقد طار
قلبي فرحًا بها “!! ثم يزعم أنَّ تلك الكتب كانت مختلفة بدرجةٍ كبيرةٍ عن
الأسفار التي كانت علي أيَّامه وأنَّها مكتوبة بقلم الأنبياء!! ويزعم أنَّه صدَّق
ذلك، كالعادة!! دون أيّ بحث لحقيقتها!! فأيّ نوعيَّة من الناس هو؟! إنَّه يصدِّق
كلّ ما يقع في يديه من كتب مهما كان محتواها دون دراسة أو فحص!!
ثم
يقول متعجبًا كيف أنِّ إثني عشر رسولاً للمسيح نشروا الكرازة في إثني عشر جزء من
العالم وأربعة منهم فقط قد كتبوا أناجيل ويزعم أنَّ جيروم الذي يدعوه المسيحيَّون
قدِّيسًا يقول في مقدذِمة ترجمته للأناجيل أنَّه ” ترجم أربعة أناجيل إلي
اللاتينية بدت له متَّفقة معًا أفضل من غيرها من بين أنواع كثيرة من الأناجيل
“. وهو هنا يُحَرَّف تعبير القدِّيس جيروم عن ترجمته للأناجيل الأربعة
القانونيَّة، أي الصحيحة، ورفضه للأناجيل الأبوكريفيَّة التي كُتبت بعد عصر الرسل
بسنين كثيرة، ابتداء من منتصف القرن الثاني وما بعد ذلك، سواء التي كُتبت من وجهة
النظر اليهوديَّة أو التي كُتبت من وجهة النظر الغنوسيَّة التي خلطت بين الفكر
الوثنيّ والفكر المسيحيّ (4). ويزعم أنَّ ذلك جعله يشكّ في الأناجيل الأربعة أيضًا
التي يزعم بجهلٍ ودون علمٍ أيضًا أنَّ الذي إختارها هو رجل واحد!! دون أنْ يدري
أنَّ هذه الأناجيل الأربعة الصحيحة هي التي كانت لدي الكنيسة منذ لحظة كتابة كلٍّ
منها حسب المكان الذي كُتب فيه كلّ واحدٍ منها وأنَّها جُمِعَتْ معًا لدي كلّ
الكنائس في الشرق والغرب منذ نهاية القرن الأوَّل وبداية القرن الثاني (5) ولم
يقرِّرها رجلٌ واحدٌ في القرن الخامس كما يزعم هذا الراهب المزعوم الخرافيّ
التفكير الذي يفضِّل كلّ ما هو خرافيّ وبعيد عن الحقّ الذي يبرهنه التاريخ
وتؤكِّده الحقائق العلميَّة.
E ثم يزعم أيضًا أنَّه بعد ذلك بسنةٍ واحدةٍ جاءته سيِّدة من عائلة
كولونا Colonna كان زوجها قد توفَّي قبل ذلك ليس بكثير وأعطته ثلاثة كتب قالت
أنَّها وجدتها في دولاب كتب زوجها وطلبت من أحد أبنائها أنْ يقرأ لها جزأ منها
فوجدت أنَّها تصرخ ضد القدِّيس بولس فوضعتها في حقيبة كتَّان وأرسلتها إليه بصفةٍ
خاصَّةٍ جدًا وطلبت منه أنْ يُبقي المسألة سرًا لئلا يأخذوا زوجها المتوفِّي من
قبره ويحرقونه!! ويزعم أنَّه وعدها بذلك. وعند قراءتها وجدت أنَّ أحدها يتحدذَث عن
العذراء وقد كتبه أغناطيوس، والآخر كتبه زوزيموس تلميذ الرسل، والثالث كتبه
إيريناوس تلميذ أغناطيوس والذي كتب ضد بولس بدون سببٍ واضحٍ مستشهدًا بإنجيل
برنابا!!
ثم
يزعم أنَّه صار في شوقٍ عظيمٍ ورغبةٍ عارمةٍ لقراءة هذا الإنجيل إلي أنْ دخل ذات
يوم مكتبة البابا سكستس الخامس Pope
Sixtus V مع البابا وحدهما، وبينما
كانا وحدهما في المكتبة سقط البابا سريعًا في النوم وراح في ثبات عميق!! فأخذ هو
يشغل وقته بالقراءة فتناول أوَّل كتاب يقع في يده فوجد أنَّه هو الكتاب الذي إشتاق
إليه ورغب فيه طويلاً وهو إنجيل برنابا هذا!! ثم يزعم أنَّه أخفى هذا الكنز الثمين
في كمِّه وخرج به بعد أنْ إستيقظ البابا فاقتنع به وقرأه مرّات ومرّات علي مدى
سنتَين، ثمَّ، يقول، قرَّرت أخيرًا الأعتراف بالإيمان الحقيقيّ، كما قرَّرت نسخ
هذا الكتاب لنشره لفائدة المؤمنين!!
هذه
الروايات ليست هي وحدها فقط التي تدلّ علي بيئة محترفة التزوير ومصدر الكتاب
المزيَّف والمزوَّر، فقد نهج الكاتب المزيِّف والمزوِّر علي هذا المنوال من بداية
كتابه هذا إلي نهايته!! فقد غيَّر وبدَّل وحرَّف آيات ونصوص وأحداث الكتاب
المقدَّس، بعهدَيه، فحذف شخصيَّات دينيَّة لها إعتبارها في المسيحيَّة والإسلام!
ووضع شخصيَّات أخري في مكانها! وإدَّعي وجود كتب ليس لها وجود من الأصل ولم تُذكر
في سجلات الكتب الدينيَّة وغير الدينيَّة، الصحيحة أو المزيَّفة!! وألَّف روايات
أخري شبيهة برواية سرقة الكتاب المزعوم من مكتبة البابا!! وزعم وجود كتاب قال
أنَّه التوراة الصحيحة في مكتبة رئيس الكهنة!!
(2)
زعم وجود سفر لدانيَّال النبيّ غير سفر دانيَّال الحقيقيّ: فقد خلط بين ما جاء في
سفر الملوك الأول (22/3-31) بأفكاره الخاصَّة وروي رواية طويلة زعم فيها أنَّ هذا
ما كتبه دانيَّال النبيّ ” أنَّ دانيَّال النبيّ لما وصف تاريخ ملوك إسرائيل
وطغاتهم كتب هكذا … ” (ف1: 160)! في حين أنَّ دانيَّال النبيّ لم يسجِّلْ
في سفره إلاَّ بعض الأحداث الخاصَّة التي حدثت والتي كان هو والفتية الثلاثة
أبطالها أثناء سبيهم في بابل وبقيَّة السفر مُكَوَّن من رؤى ونبوَّات مستقبليَّة!
كما حرَّف أقوال كلٍّ من ميخا وعاموس النبيَين وألَّف قصَّة من وحي خياله وزعم
أنَّها موجودة في سفر دانيَّال النبيّ أيضًا! ولأنَّ هذا الكاتب المزيِّف
والمزوِّر يعلم أنَّ هذه القصة بأقوالها المحرَّفة غير موجودة في سفر دانيَّال
نهائيًا، إخترع معجزة ليوهم بها البسطاء والسذَّج من الذين يصدِّقون مثل أقواله
المزيَّفة فقال” وبعد أن قال يسوع هذا حصل توا زلزال عظيم إلى حد سقط معه كل
أحد كأنه ميت، فأنهضهم يسوع قائلاً: أنظروا الآن إذا كنت قد قلت لكم الحق، فليكفكم
هذا إذا ” (ف4: 62-6)!!
(3)
اختلاقه مثل حجي وهوشع نبيّ اللَّه: وفي (ف185) إختلق وألَّف قصَّة أخري أسماها
مثل حجي وهوشع نبي اللَّه!! وزعم أنَّ كاتبًا يهوديًا هو الذي رواها للمسيح ”
قال يسوع: أريد أن تقصّ عليّ مثل حجي وهوشع نبيّ اللَّه ” فهل كان المسيح في
حاجة لأحد ليقصّ عليه قصص الأنبياء؟! وزعم أيضًا أنَّ هذه القصَّة موجودة أيضًا في
سفر دانيَّال!! ثمَّ يقول علي لسان الكاتب الذي يقرّ بكذبها وبعدم تصديق أحد لها
” أجاب الكاتب: ماذا أقول يا معلِّم، حقًا إنَّ كثيرين لا يصدِّقون مع أنَّه
مكتوب في دانيال النبيّ، ولكن إطاعةً لك أقصّ الحقيقة ” (ف8: 185-10)!!
(4)
أعمال مزعومة لهوشع النبي: ويروي عن أعمال مزعومة لهوشع النبيّ ويزعم أنَّها بسبب
ما جاء في كتاب موسي النبيّ!! وبعد أنْ يقصّ قصَّته السابقة ينسب أقوالاً لموسي
النبيّ وكتابات لا تتَّفق أبدًا مع طبيعة وأسلوب موسي النبيّ وعصره، وزعم أيضًا
أنَّها موجودة في سفر دانيَّال النبيّ!! ولأنَّه يعلم في داخله أنَّ هذه الروايات
الملفَّقة لا وجود لها في سفر دانيَّال النبي فقد زعم حدوث معجزة خارقة أخري ليجعل
الناس تصدِّق هذه الأكاذيب ” فقال حينئذ يسوع: إنَّ هذا لصدق لأنَّ اللَّه
أكَّده لي ولتقف الشمس ولا تتحرَّك برهة اثنتي عشرة ساعة لكي يؤمن كلّ أحد أنَّ
هذا صدق، وهكذا حدث فأفضي إلىَّ هلع أورشليم واليهوديَّة كلِّها ” (ف1:
189-3)!!
(5)
كتيِّب إيليَّا المزعوم: ثم يزعم أنَّ إيليَّا النبيّ كتب كتيبًا إستجابة لتضرُّع
تلميذه إليشع ” أودع فيه الحكمة البشريَّة مع شريعة اللَّه أبينا ”
(ف17: 145)! وزعم أنَّ يسوع قرأ هذا الكتيِّب أمامهم، وما ذكره هو خلاصة فكر
رهبانيّ متقشف جدًا، هذا الفكر إنتشر فقط بعد إنتشار الرهبنة التي بدأت في العالم
في القرن الرابع الميلاديّ، حيث يقول علي سبيل المثال: ” عليهم متي أكلوا أنْ
يقوموا عن المائدة وهم دون الشبع، مفكِّرين كلّ يوم أنَّهم لا يبلغون اليوم التالي
… علي كتلة التراب أنْ تنام علي الأديم، ليَكْفِ كلّ ليلة ساعتان من النوم …
هذا كتيِّب إيليَّا أيَّها الفرِّيسيُّون ” (ف145)!! ويُقِرّ، هو، ويعترف
أنَّ مثل هذا الكتيِّب وما قيل من تعليم لا وجود له ولم يسمع به أحد من
الفرِّيسيِّين فيقول ” فتحيَّر الفرِّيسيُّون لمَّا سمعوا اسم كتاب إيليَّا
لأنَّهم عرفوا بتقليدهم أنَّ لا أحد حفظ هذا التعليم ” (ف18: 145)!!
(6)
كتيِّب موسي ويشوع الحقيقيّ: وكعادة هذا الكاتب المزيِّف والمزوِّر عندما يريد أنْ
يبتدع عقيدة من عنده أو يؤيِّد عقيدة مضادَّة للمسيحيَّة يخترع ويلفِّق لها كتابًا
جديدًا!! فكما لفَّق الرواية التي زعم فيها أنَّ، الراهب المزعوم
“فرامرينو” وجد إنجيل برنابا، الذي إدَّعي أنَّه الإنجيل الحقيقيّ، في
مكتبة البابا، فقد لفَّق أيضًا رواية أخري مثيلة ووضعها الكاتب المزيِّف والمزوِّر
علي لسان نيقوديموس قال فيها أنَّه، أي نيقوديموس، شاهد ” كتيِّبًا قديمًا
مكتوب بيد موسي ويشوع ” (ف3: 191)!! وزعم أنَّه ” كتاب موسي الحقيقيّ
ففيه مكتوب أنَّ إسماعيل هو أب لمسيَّا وإسحق أبّ لرسول مسيّا “!! وهكذا يقول
الكتاب إنَّ موسي قال ” أيَّها الربّ إله إسرائيل القدير الرحيم أظهر لعبدك
في سناء مجدك، فأراه اللَّه من ثمَّ رسوله علي ذراعي إسماعيل وإسماعيل علي ذراعي
إبراهيم، ووقف علي مقربة من إسماعيل إسحق وكان علي ذراعيه طفل يشير بأصبعه إلي
رسول اللَّه ” (ف191)!!
والعجيب
بل والغريب أنَّه يزعم أنَّ الكاتب الذي يتكلَّم عن هذا الكتيِّب لم يقرأه ”
لم أتمكن من قراءة هذا الكتاب كلَّه لأنَّ رئيس الكهنة الذي كان في مكتبته نهاني
قائلاً أنَّ إسماعيليّا قد كتبه ” (ف4: 192)!!
كيف
يجزم هذا الكاتب المزيِّف والمزوِّر بما جاء في هذا الكتيِّب المزعوم دون أنْ
يتمكَّن من قراءته كلَّه؟! إنَّها عادة هذا الكاتب المزيِّف والمزوِّر أنْ يروي
روايات كاذبة وملفَّقة يخترعها من وحي خياله المريض ليحاول بها إيهام قرَّاء كتابه
المزيَّف أنَّ ما يقوله هو الصدق! فكما لفَّق مصطفي العرندي المورسكيّ الأندلسيّ
رواية الراهب المزعوم الخرافيَّة الساذجة في مقدِّمة الترجمة الأسبانيَّة التي
تزعم رواية وجود هذا الكتاب المزيَّف في مكتبة البابا سكتس الخامس، لفَّق هذا
الكاتب المزيِّف والمزوِّر هنا رواية مثيلة عن وجود كتاب موسي الحقيقيّ في مكتبة
رئيس الكهنة ليوهم القراء أيضًا أنَّ ما يزعمه عن نسل إسماعيل ونسل إسحق حقيقيّ!!
ولكن كما يقولون الكذب ليس له رجلان!!
7-
الراهب المزعوم والمترجم المورسكو مصطفى العرندي:
والسؤال
الآن هو؛ ألا يدلّ ذلك علي وحدة الأسلوب، سواء فيما زعمه مصطفى العرندي عن الراهب
المزعوم أو ما زعمه الراهب المزعوم من روايات أخري لحصوله علي بعض كتب الآباء،
وأسلوب كاتب هذا الكتاب المزيَّف في روايته لوجود عدد من الكتاب التي ذكرناها
أعلاه؟!! ألا يدلّ ذلك علي وحدة الكتب في الحالات الثلاث؟!! كما أنَّ هناك علاقة
غامضة بين الراهب المزعوم والمترجِم المورسكي مصطفي العرندي وأنَّ فكرهما وفكر
كاتب هذا الكتاب المزيَّف واحد؟! فهل كان هناك فعلاً راهبًا بهذا الاسم وبهذه
الصفات، أم أنَّ ذلك من خيال مصطفي العرندي؟! وإنْ وُجد فهل هما يمثِّلان شخص واحد
أم إثنَين، راهب منحرف ترك المسيحيَّة وكتب هذا الكتاب انتقامًا منها وعاونه في
ذلك مصطفي العرندي الذي يزعم أنَّه مترجم النصّ إلي اللغة الأسبانيَّة، أم أنَّهما
أكثر من واحد؟! فمصطفي هذا من المفروض أنَّه يُجيد الإيطاليَّة التي يُفترض أنَّه
ترجم منها، كما يُجيد الأسبانيَّة التي يزعم أنَّه ترجم إليها، كما أنَّه من
الواضح من الهوامش أنَّه يجيد اللغة العربيَّة أيضًا؟! فالأسلوب هو هو ورواية
الراهب المزعوم التي زعم فيها وجود هذا الكتاب المزيَّف في مكتبة البابا مثيلة
برواية الكاتب التي زعم فيها أيضًا وجود كتاب موسي الحقيقيّ في مكتبة رئيس الكهنة،
وأسلوب الراهب المزعوم الذي يزعم حصوله علي بعض الكتب القديمة!! الفكر واحد
والأسلوب واحد والهدف واحد والتلفيق أيضًا واحد!!
كما
أنَّ مصطفي هذا هو الوحيد الذي روي هذه الرواية المزعومة! ولا تُوجد مثل هذه
الرواية في مقدِّمة النصّ الإيطاليّ! ولم يُقال أي شيء عن لغة النصّ المزعوم الذي
قيل أنَّ الراهب المزعوم سرقه من مكتبة البابا! كما بُنِيَت هذه الرواية الوهميَّة
علي كذبة، وهي زعمه أنَّ القديس إريناؤس كان لديه إنجيل برنابا واستعان به ضد
القدِّيس بولس!! لذا فالرواية كاذبة وملفَّقة من أساسها، ولكنَّنا مضطرِّين لدراسة
الاحتمالات الناتجة عنها:
•
فهذه الرواية هي رواية خياليَّة صبيانيَّة مُلفَّقة مثل بقيَّة الروايات المذكورة
أعلاه وهذا الرجل، مصطفى العرندي، يُتقن اللغتَين الإيطاليَّة والأسبانيَّة إلي
جانب اللغة العربيَّة بآدابها وأساطيرها وديانته، كما يبدو للوهلة الأولي من قراءة
هذا الكتاب المزيَّف أنَّ لكاتبه إلمامًا عجيبًا بالعلوم الدينيَّة الإسلاميَّة من
آيات وأحاديث نبويَّة إلي جانب الأساطير الدينيَّة والعلميَّة، حتى أنَّ كثيرًا من
نصوصه هي عبارة عن ترجمة حرفيَّة أو معنويَّة لأحاديث نبويَّة وآيات قرآنيَّة، بل
ويندر أنْ يخلو فصلٌ واحدٌ من فصول هذا الكتاب المزيَّف من بُعْدٍ إسلاميٍّ، كما
يذكر الكثير من الأساطير الدينيَّة التي رفضها العلماء المتخصِّصين، يقول د.علي
عبد الواحد: ” وإن كان بعض ما يشتمل عليه هذا الكتاب نفسه يحمل علي الظنَّ
بأنَّه موضوع، وخاصَّة ما يقرِّره من أمور تمثِّل روايات ذكرها بعض المتأخِّرين من
مؤلِّفي المسلمين ولا يطمئن إلي مثلها المحقِّقون منهم ” (6).
•
وهناك علي المخطوط الإيطاليّ كثير من الهوامش العربيَّة التي تدلّ علي إتقان
كاتبها للغة العربيَّة وعلومها الدينيَّة، وكثير من الهوامش سقيمة التركيب التي
تدلّ علي أنَّ كاتبها غير عربيّ، أوربيّ، وغير مُتقن للغة العربيَّة وإن كان له
معرفة بديانتها، وذلك يدلّ علي تناول المخطوط بأكثر من يد غير مسيحيَّة قبل ظهوره.
•
أثبتت الدراسات إلمام، كاتب هذا الإنجيل المزيَّف، بالترجمة اللاتينيَّة العاميَّة
للكتاب المقدَّس والمعروفة بالفولجاتا vulgate والتي ترجمها
القديس جيروم (347 – 420م) في القرن الخامس والمعتمدة عند الكاثوليك، وذلك إلي
جانب معرفته للمصطلحات اللاهوتيَّة المدرسيَّة الكاثوليكيَّة، وبما أنَّ البابا
سكستس الخامس وُجد في نهاية القرن السادس عشر (1585-1589م)، وإنْ كان للراهب
المزعوم أيَّة وجود يكون قد وُجد في نفس زمن البابا سكستس، كما يؤكِّد العلماء
أنَّ زمن نسخ النصّ الإيطاليّ لهذا الكتاب المزيَّف هو، أيضًا، نهاية القرن السادس
عشر، أي نفس الزمن الذي زعم فيه مترجم النسخة الأسبانيَّة، مصطفى العرندي، أنَّ
الراهب المزعوم اختلس فيه الكتاب من مكتبة البابا!
•
ترجع كلٌّ من النسخة الإيطاليَّة والنسخة الأسبانيَّة إلي زمنٍ واحدٍ تقريبًا،
فالإيطاليَّة نُسخت في نهاية القرن السادس عشر أو بداية السابع عشر وكذلك
والأسبانيَّة التي عند ظهورها في بداية القرن الثامن عشر كانت قديمة” وقد
جرَّ الدهر عليها ذيل العفاء، فطمست آثارها ودرست رسومها “، وهذا يدلّ علي
وجود الراهب المزعوم، إنْ كان له وجودًا من الأصل، والأندلسيّ مصطفي العرندي في
زمنٍ واحدٍ ووقتٍ واحدٍ.
•
كما أنَّ هناك ملحوظة هامَّة ذكرها المترجم في مقدِّمته ولم يُعٍيرها أحدٌ اهتمامٌ
يُذْكَر وهي قوله أنَّه طالع بعض شذرات من الترجمة الأسبانيَّة ” وقابلتها
بالترجمة الإنجليزيَّة المنقولة عن النسخة الإيطاليَّة … ولم أرَ بينهما فرقًا
يستحقّ الذِكر إلاَّ في أمرَين ” وهذَين الأمرَين هما أنَّ الرواية
الأسبانيَّة تقول أنَّ التلاميذ عندما رأوا يهوذا في صورة يسوع لم يشكُّوا ”
إلاَّ بطرس ” أي أنَّها استثنت ” بطرس ” من عداد التلاميذ الذين لم
يشكُّوا في أنَّ ” يهوذا ” هو “يسوع “، ويقول أيضًا ”
ثمَّ ذكرت اسم أحد الملائكة الذين احتملوا ” يسوع ” من النافذة ”
عزرائيل “، وهو في الإيطاليّة ” أوريل “. وهناك بعض اختلافات أخري طفيفة
اضربنا عن ذكرها “.
ولكنا
نري أنَّ هذا يدلّ علي دور هذا المترجم في كتابة هذا الكتاب المزيَّف فهو يُعَدِّل
هنا ما يري أنَّه أنسب من وجهة نظره!!
والحقيقة
التي تظهر من وراء ذلك، هي أنَّ كاتب هذا الإنجيل المزيَّف لا يخرج عن الدائرة
التي يُوجد فيها مصطفي العرندي هذا، هو والراهب اللاتينيّ المزعوم إن كان له وجودًا،
فكاتب هذا الكتاب المزيَّف مُلِمّ بصورةٍ واضحةٍ بمصطلحات اللاهوت الكاثوليكيّ
والترجمة اللاتينيَّة العامِّيَّة (الفولجاتا – Vulgate)
للكتاب المقدَّس، والذي يحتمل أنَّه كان مهتمًّا بمقارنه الأديان، مثل جوان ألونسو
الذي تكلَّمنا عنه في الفصل الأوَّل، وذلك بعد تركه للمسيحيَّة وإطِّلاعه علي
العلوم الدينيَّة للأديان السماويَّة الثلاثة، سواء الصحيح منها أو المبتدع
والموجود عند أصحاب البدع من أساطير دينيَّة. وربما يكون الراهب هو نفسه مصطفي
العرندي بعد تركه للمسيحيَّة. ولكن الأرجح أنَّ مصطفي العرندي كان شريكًا ومساعدًا
للراهب المزعوم، إنْ كان له وجودًا، أو للجماعة التي قامت بهذا التزييف، في هذا
العمل.
علمًا
بأنَّ الأندلس، في ذلك الوقت، كانت تضمّ خليطًا من أصحاب الأديان الثلاثة،
المسيحيَّة واليهوديَّة والإسلام، يُتيح لكلٍّ منهم الإطِّلاع علي ديانة الآخرين،
فقد كان بها وقت سقوط غرناطة سنة 1492م ثلاثة مليون مسلم ومليونيّ يهودي وذلك إلي
جانب المسيحيِّين. كما كان يموج الوسط الأوربيّ في العصور الوسطي بالخرافات
والأساطير وظهور المزيَّفات والمجادلات الدينيَّة بين الشرق والغرب وبوادر الثورات
الدينيَّّة، أيضًا إلي جانب المعلومات الدينيَّة البدائيّضة والاجتماعيَّة التي
عاد بها البحَّارة والتجَّار الأوربِّيِّين من آسيا وأفريقيا، فكان الكتاب عبارة
عن وعاء يحوي في داخله هذا الخليط غير المتجانس ونسبه كلَّه للربِّ يسوع المسيح!!
ولذلك لم يستطعْ أحد أنْ يستسيغه أو يقبله. وحقًا قال الأستاذ العقاد: ”
تتكرَّر في الإنجيل بعض أخطاء لا يجهلها اليهوديّ المطِّلع علي كتب قومه، ولا
يردِّدها المسيحيّ المؤمن بالأناجيل …ولا يتورَّط فيها المسلم الذي يفهم ما في
إنجيل برنابا من المناقضة بينه وبين نصوص القرآن “.
—
(1)
أسماء التلاميذ في الأناجيل القانونية (الصحيحة) وردت كالآتي: الأول سمعان الذي
يقال له بطرس وأندراوس أخوه. يعقوب أبن زبدي ويوحنا أخوه. فيلبس وبرثولماموس. توما
ومتى العشار. يعقوب أبن حلفي ولباوس ” يهوذا ” الملقب تداوس. سمعان
القانوى ويهوذا االأسخريوطى الذي أسلمه ” (مت10/2-4، أنظر أيضا مر3/16-19؛
لو6/14-16)، ” لباوس الملقب تداوس ” هو نفسه ” يهوذا أخا يعقوب
” (لو6/16؛أع1/13).
(2)
أنظر (ف2: 159؛1: 160؛ 6: 100 ؛4: 126؛1: 139).
(3)
أنظر كتابنا ” الوحي الإلهي واستحالة تحريف الكتاب المقدس “.
(4)
أنظر تفصيل ذلك في الفصل السادس.
(5)
أنظر الفصل الثالث وما كتبه آباء الكنيسة عن الأناجيل الأربعة الصحيحة في القرن
الثاني
(6)
الأسفار المقدسة في الأديان السابقة على الإسلام ص 113.