علم الاخرويات

الفصل الثانى



الفصل الثانى

الفصل الثانى

4 – والقيامة لازمة أيضاً من أجل التوزان.

ففى الأرض لم يكن هناك توازن بين البشر. ففيها
الغنى والفقير، المنعم والمعذب السعيد والتعيس.. فإن لم تكن هناك مساواة على الأرض،
فمن اللائق أن يوجد توزان في السماء. ومن لم ينل حقه على الأرض، يمكنه أن يناله في
العالم الآخر، ويعوضه الرب عما فاته في هذه الدنيا. وقصة الغنى ولعازر المسكين
التي وردت في الإنجيل المقدس (لو 16) تقدم لنا الدليل الأكيد على التوازن بين
الحياة على الأرض، والحياة بعد الموت.

 

5- القيامة ايضاً لتقدم لنا الحياة المثالية
التي فقدناها هنا.

تقدم لنا صورة الحياة الجميلة الرائعة في العالم
الآخر، حيث ل ا حزن ولا بكاء، ولا فساد ولا ظلم، ولا عيب ولا نقص. بل حياة النعيم
الأبدى، والإنسان المثالى الذي بلا خطيئة.. مع العشرة الطيبة مع الله وملائكته
وقديسيه. ما أجمل هذا وما أروع.

 

ختاماً في ظل الحديث عن هذه السعادة، نرجو
لبلادنا حياة الرفاهية والرخاء والسلام، ونرجو لكم جميعاً حياة سعيدة، وكل عام
وأنتم بخير.

 

4- القيامة هي قيامة الجسد وحده، أما الروح فهي
دائمة الحياة

أهنئكم يا أبنائى وأخوتى جميعاً بعيد القيامة
المجيد، راجياً فيه من الرب خيراً لبلادنا المحبوبة، في كل نواحى الحياة اجتماعية
واقتصادية وسياسية. كما نرجو لكم سعادة ورفاهية.

 

فينا طبيعتان متمايزتان:

وأزد فيما أهنئكم بالعيد، أن نتأمل معنى القيامة
ونرى ما الذي يقوم.. إننا حسب تكويننا البشرى فينا طبيعتان متحدتان، هما الجسد
والروح: الجسد طبيعة مادية، والروح طبيعية غير مادية. الجسد مرئى، والروح غير
مرئية. الجسد طبيعة قابلة للموت، والروح حية لا تموت. هذه ميزة ميزنا بها الله على
كل الكائنات الى على الأرض: أن لنا الروح التي هي دائمة الحياة.

لذلك فلا يوجد موت كلى للإنسان. إنما هو موت
للجسد فقط بانفصاله عن الروح التي تبقى حية بعد موت الجسد.

 

وعلى هذا القياس، فالقيامة هي قيامة الجسد وحده.
لأن الروح لم تمت حتى تقوم وهكذا لا نقول بقيامة الروح، إنما بعودة الروح، أى
بعودتها إلى الجسد ليقوم.

 

هذه الروح الإنسانية هي روح حية خالدة، عاقلة
ناطقة وهى أسمى وأرقى ما في الإنسان.. الجسد هو الغلاف الخارجي الذي يغلف الروح،
بينما الروح هي الجوهر. الجسد هو الصدفة التي تحوى اللؤلؤة، والروح هي اللؤلؤة.
ومهما كان الجسد جميلاً وبهياً من الخارج، فلا قيمة لجماله إن لم تكن الروح جميلة
أيضاً. بل إن جمال الروح يعطى ملامح الجسد جمالاً أروع. بينما لو دخل الشر إلى
الروح، تكون ملامح الجسد منفرة
..

 

الجسد يعتمد في كيانه ووجوده على الروح. فإن
فارقته الروح، تفارقه الحياة وكل مظاهرها. تفارقه الحرارة فيبرد، والحركة فيخمد.
ويصبح بلا نبض،، بلا نفس، بلا شعور بلا حس بلا صوت. توقف المخ والقلب وكل الأعضاء.
وأصبح جثة هامدة يوارونها التراب. كما قال الرب لأبينا آدم “أنت تراب، وإلى
التراب تعود “

إذن كل ما كان للجسد من نشاط، كان مصدره الروح.

 

5- أنواع الأرواح

على أن الأرواح تختلف في نوعايتها ودرجاتها.

أعظم الأرواح درجة هم الملائكة، الذين لهم قوة
عجيبة جداً.. يستطيعون في لمح البصر أن ينزلوا من السماء إلى الأرض، أو أن يصعدوا
من الأرض إلى السماء. حسبما يكلفهم الله من مهمات يقومون بها في طاعة كاملة وفى
سرعة هائلة، وأحياناً بأسلوب معجزى حسب نوع المهمة.

 

وأرواح الشياطين هي أيضاً قوية، ولكنها شريرة.
فقد كان الشيطان ملاكاً حينما خلقه الله ولما سقط فقد قداسته وطهارته، ولكنه لم
يفقد طبيعته..

 

والروح الإنسانية هي أيضاً روح قوية. ولكننا
بمزيد الأسف لم نستخدم كل طاقات أرواحنا. مثلما استخدمنا طاقات العقل.

 

فاستطاع العقل أن يصل إلى الكواكب، وأن يخترع
الأقمار الصناعية والكومبيوتر والفاكس والتليفونات عابرة القارات والمحيطات، وأن
يستخدم الليزر، ويرقى في كل مجالات العلم.. ولم تلحق به الروح في رقيه..

 

ولما لم نستخدم طاقات الروح، ضعفت مثل آية طاقة
أو موهبة تضعف بعدم استخدامها أو بقلة استخدامها
..

 

كثير من النساك وصلوا إلى درجات من شفافية الروح.

 

ووصلوا إلى قامات روحية عالية في صلتهم بالله –
تبارك إسمه – الذي منحهم مواهب عديدة أضيفت إلى القوة الروحية الطبيعية التي
لأرواحهم.. بل إن جماعات من اليوجا ومن الهندوس أمكنهم بتدريبات روحية قوية أن
يكشفوا الطاقات القوية التي لأرواحهم حسب طبيعتها البشرية. وقاموا بأعمال مذهلة
يقف أمامها العقل متعجباً ومبهوراً..

 

إن كان الأمر هكذا، فكم بالأولى أهل الإيمان،
الين يتولى روح الله قيادة أرواحهم. وهم قد عاشوا في تسليم كامل للمشيئة الإلهية..!
وكما يقول بولس الرسول عنهم إنهم ينقادون بروح الله (رو 8: 14).

 

6- الأرواح الكبيرة

هناك أرواح كبيرة، فوق المستوى الجسدى والنفسى
والمادى.

هذه تستطيع أن تقود نفسها، وأن تقود غيرها، وأن
يكون لها تأثير قوى على المجتمع الذي تعيش فيه. بل كل من يتقابل مع هذه الأرواح،
يعر أنه منجذب لتأثيرها، خاضع للقوة التي فيها.. هذه هي أرواح قيادية. وأرواح
يمكنها أن تحمل مسئوليات ضخمة تعجز عن حملها الأرواح العادية.

 

إنها أرواح كبيرة في قدراتها، في مواهبها، في
شفافيتها، في معرفتها وحكمتها، في صلتها بالله. كبيرة في مستواها، وفى عملها
ومعاملاتها، وفى تأثيرها على غيرها. ينطبق على صاحب هذه الروح قول المزمور
“وكل ما يعمله ينجح فيه (مز 1)

 

هذه الأرواح الكبيرة استطاعت أن تنال قوة من فوق،
من عمل الروح القدس فيها.

 

حسب الوعد الإلهى: إنكم “ستنالون قوة متى
حل الروح القدس عليكم” (أع 1: 8). وأيضاً قوله “تلبسون قوة من
الأعالى” (لو 24: 49).

 

ومن أمثلة هذه الأرواح:

 

أرواح الأنبياء والرسل، وكبار القديسين والرعاة.
ومن قد نالوا من الله مواهب فائقة للطبيعة (1كو 12).

 

هذه الأرواح الكبيرة – حتى بعد الموت يأتمنها
الله على مهمات معينة تقوم بها على الأرض

 

كما يحدث بالنسبة إلى بعض القديسين، يرسلهم الله
إلى الأرض لكى يبلغوا رسالة خاصة، أو أن يقوموا بمعجزة شفاء، أو تقديم معونة معينة
لشخص ما أو لمجموعة من الناس.

 

ليست كل الرواح يأتمنها الله على صنع معجزة،
لأنه توجد أرواح ضعيفة إذا أجترحت معجزة، يدخل العجب إلى قلبها، وترتفع في داخلها
بكبرياء، لأنها لم تحتمل تلك الكرامة. وكما قال القديس الأنبا أنطونيوس إن أحتمال
الكرامة أصعب من احتمال الإهانة..

فإن تكبرت الروح تفقد سموها وتسقط.

كما تكبر الشيطان وسقط (أش 14: 13، 14).

وكما قال الكتاب “قبل الكسر الكبرياء، وقبل
السقوط تشامخ الروح” (أم 16: 18).

 

7- ضباب الجسد

الروح تعيش الآن محاطة بضباب الجسد وضباب المادة.

وهذا الضباب يمنع عنها الكثير من المعرفة،
ويعوقها في كثير من الأحيان عن التأمل في الإلهيات والتأمل في السماويات. بل قد
يجذبها الجسد معه إلى أسفل، فتستغرق في أمور العالم الحاضر. أو قد تضعف جداً، فتشترك
معه في شهواته الجسدية وتسقط، أو على الأقل تستنفذ طاقتها الروحية في الصراع مع
الجسد “الروح تشتهى ضد الجسد، والجسد يشتهى ضد الروح، ويقاوم أحدهما
الآخر” (غل 5: 17)

 

8- الأرواح الضعيفة

الروح الضعيفة تخضع للجسد، والروح القوية تنتصر
عليه. والروح المتوسطة تصارعه. فأحيانا تعلو عليه، وأحيانا تنجذب إليه.

الروح القوية تغلب الشيطان أيضاً. يحاول أن يجس
نبضها لكى يعرف كنه معدنها.. مرة بفكر، وأخرى بإغراء خاص، أو بمداعبة الحواس. فإن
ثبتت صامدة أمامه، وقد أغلقت كل أبوابها في وجهه.. حينئذ يشعر بأنها من نوع غير
عادى، فيهابها ويخشاها.. وقد ترتقى مثل هذه الروح إلى الوضع الذي تستطيع فيه أن
تخرج الشياطين من المصروعين منها. وتكون لصلواتها قوة ترعب الشياطين.

 

أما الأرواح التي خضعت للشياطين، وسارت في
تيارهم، فهذه تكون للشياطين سلطة عليها في وقت الموت.

 

يلتف الشياطين حولها ساعة الموت، ولا يعطونها
فرصة للتوبة، بما يلقونه في عقلها من أفكار وشهوات وأمنيات، أو ما يلقونه فيها من
شكوك إيمانية كثيرة. حتى إذا ما خرجت هذه الروح من الجسد، يجذبونها معهم إلى
الهاوية، لتكون في صحبتهم بعد الموت كما كانت معهم خلال حياتها الأرضية.

 

أصعب من هذا يا أخوتى ما يحدث لروح الملحد وغير
المؤمن.

هذا الذي لا يؤمن بوجود الله، ولا بالحياة
الأخرى.. يحدث له في ساعة الموت أن ترتعب روحه التي تشعر بأن الموت بالنسبة إليها
هو فناء وضياع، ونهاية كاملة لوجودها. وتتمنى لو كانت تستطيع التخلص من أفكار الشك
التي عليها.. وفى هذه الحالة يغذى الشيطان كل هذه الأفكار، وكأنها نار يلقى عليها
حطباً. فإذا خرجت روح الملحد من جسده، ووجد أن هناك حياة بعد الموت، يشعر بخوف
كبير بسبب عدم إيمانه، ويشعر أنه غريب في جو لم يألفه. فتستطيع أن تجذبه إليها
أيضاً. وتقول له: أنت لنا بجملتك..

 

9- الأرواح القوية

أما الأرواح القوية فلا تخف. هي أقوى من الخوف.

إنها لا تخاف الموت، لأنها أستعدت له بالإيمان
والتوبة. ولا تخاف مما بعد الموت، إذ لها رجاء في الحياة الأبدية والعشرة مع الله
فيها.

 

إنها تدرك تماماً أن الموت هو مجرد انتقال من
حياة أرضية مادية، إلى حياة سمائية أفضل بكثير. فتفرح بما يسمونه الموت. ولكنها
تسميه الأنطلاق من روابط الجسد المادية. وهى لا تخاف أيضاً من الشياطين الذين لا
يجدون لهم مكاناً فيه. والأجمل من هذا كله أنها في ساعة الموت، تحيط بها الملائكة،
وتحملها إلى الفردوس (لو 16: 22) وتزفها في فرح إلى مجمع الأبرار.

 

الأرواح القوية – في حياتها على الأرض – تستطيع
أن تجذب الجسد إلى حياة الطهارة، ويمكنها أن تحمله وتصعد به إلى ما هو فوق مستواه
المادى.

 

أنظروا إلى روح مثل روح يوسف الصديق، كيف رفعته
روحه الطاهرة القوية إلى مستوى فوق الجسد وفوق كل شهواته وملاذه، فكان سامياً
جسداً وروحاً على الرغم من الإغراءات التي أحاطت به (تك 39).

 

كذلك في الصوم، إذا انشغل الإنسان بالفكر الروحى،
لا يشعر بتعب الجسد مهما صام. لأن الروح حينئذ ترفع الجسد وتحمله. مثال ذلك من
ينشغل بقصة جميلة جداً تستهوى روحه وفكره: إن قالوا له تعال فالأكل معد، يقول ليس
الآن. ولا يشعر بجوع فروحه منشغلة.. وهكذا أيضاً من ينشغل بألحان أو قراءات أو
تأملات روحية، تجعل روحه في حالة لا تعباً فيها بتعب الجسد.

 

ومثل هذا يحدث لنا في أيام مقدسة مثل أسبوع
الآلام، وبالذات يوم الجمعة الكبيرة بكل ما تحمل من صوم شديد.

 

الروح القوية تحمل الآخرين أيضاً. وتحتمل
اساءاتهم.

الروح الضعيفة هي التي يقوى عليها الغضب والضيقة
والرغبة في الانتقام من اساءات الناس. أما الروح القوية فهى كالجبل الراسخ تصدمه
الرياح والزوابع والرمال، وهو صامد لا يتأثر.. لذلك قال الرسول “يجب علينا
نحن الأقوياء أن نحتمل ضعفات الضعفاء، ولا نرضى أنفسنا” (رو 15: 1)

 

لا شك أن الذي يحتمل هو أقوى روحاً من الذي
يعتدى!

 

الروح القوية لا تهزها الأخبار ولا الأحداث بل
لا يتعبها لمرض والألم. يقول الأطباء عن أمثال هؤلاء إن روحهم المعنوية قوية.

 

الإنسان الذي له روح قوية يتمتع بحرارة الروح.

تكون صلاته حارة ومستجابة، تستطيع أن تفتح أبواب
السماء. وكل عمل طيب تعمله الروح في حرارة، بغير تكاسل ولا تهاون، بل بحماس وغيره
ونشاط. وإن قامت بمسئولية معينة أو بخدمة للغير، تفعل ذلك بكل عواطفها. لذلك
ينصحنا الكتاب بأن نكون “حارين في الروح” (رو 12: 11).

 

هذه الروح الحارة الطاهرة، تكون لها هيبة.

مثل هيبة الآباء أمام أبنائهم، وهيبة المرشدين
أمام تلاميذهم. يكون لها هيبة أمام أفكار الخطية. فأى فكر أو شعور خاطئ لا يقوى
على الاقتراب إليها. بل تكون لها هيبة أمام الأشرار وأمام الشياطين. فيخجل الأشرار
أن يستهتروا أمام روح طاهرة، ولا يجرؤون على ذلك..

 

10- تقوية الروح

يا أخوتى وأبنائى الأحباء.

إن كنا ونحن نتحدث عن القيامة نذكر الأبدية
ومصيرنا الأبدى، فلنستعد لذلك بتقوية أرواحنا والسلوك بالروح.

 

فقد قال الكتاب “أسلكوا بالروح، ولا تكملوا
شهوة الجسد” (غل 5: 16). فالسلوك بالروح هو الذي يوصلنا إلى الله.

 

والشخص الذي يسلك بالرجوع، لا يكون جسدانياً ولا
مادياً ولا شهوانياً. بل تكون حياته روحية، وأهدافه روحية، ووسائله روحية، وكلماته
روحية، ومعاملاته روحية وأفكاره روحية، وأحاديثه روحية. وكل من يتصل به ينتفع
بأسلوبه الروحى وقدوته الروحية.. مثل هذا يكون له في القيامة نصيب مع الأبرار
الذين لم يسلكوا حسب الجسد، بل حسب الروح (رو 8: 1)

 

ولكى نصل إلى هذا علينا بتقوية أرواحنا.

نغذى روحنا بالصلاة والتأمل والقراءات الروحية
والتفكير الروحى. ونغذيها بالفضائل الأساسية كمحبة الله ومحبة الناس ومحبة الغير.
ونغذيها بالسلام والوداعة والإيمان والإتضاع. ونبعد عنها كل ما يهدم بناءها على
الأرض، ويقوى أرواحنا، ويجذبنا إليه، فتسكن محبته في قلوبنا ونستطيع بنقاوة الروح
أن نسكن في السماء مع الله، ومع أرواح الملائكة والقديسين، بعد القيامة..

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى