علم

الفصل الحادى عشر: شرح نصوص



الفصل الحادى عشر: شرح نصوص

الفصل
الحادى عشر: شرح نصوص

أولاً:
فيليبى 9: 2، 10 “لذلك رفعه الله أيضاً”

 

37-
لكن بما أنهم يتعللون بالأقوال الالهية، ويفرضون عليها تفسيراً منحرفاً محرفين
أياها بحسب فكرهم الخاص. لذلك صار من الضرورى أن نرد عليهم من أجل أن تثبت صحة
الأقوال الآلهية، ونوضح أنها تحوى الفكر المستقيم، بينما أولئك يفكرون تفكيرا
ضالاً.

 

فهم
إذن يقولون أن الرسول كتب يقول “لذلك مجده الله مجداً عالياً. وأعطاه اسماً
فوق كل اسم لكى تجثو باسم يسوع كل ركبة مما فى السماء وعلى الأرض وتحت الأرض”
(فى 9: 2، 10). كما يقول داود “من أجل ذلك مسحك الله ألهك، بزيت الإبتهاج
أكثر من شركائك” (مز7: 45، عب9: 1). ويضيفون كما لو كانوا يقولون شيئاً
حكيماً – هكذا “لو أنه “لذلك” مجد (يضم الميم وكسر وتشديد الجيم)
وحصل على نعمة. “ومن أجل ذلك” قد مسح وحصل على أجر اختياره الحر. وبما
أنه أنجز الأمر بمشيئته الحرة، فأنه يكون بلا شك ذا طبيعة متغيرة. وهذا ما تجاسر
أوسيبوس وأريوس ليس فقط على قوله بل على كتابته أيضاً. أما من يشايعونهما فأنهم لا
يجفلون عن ترديد ذلك وسط السوق وهم لا يرون قدر الجنون الذى يحويه قولهم.

 

لأنه
أن حصل على ما كان لديه كأجر لاختياره الحر، فأنه لم يكن ليحصل عليه لو لم يكن
عمله هذا عن احتياج وعوز، إذن بما أنه قد حصل على ما كان لديه بسبب فضيلته وتقدمه
وتحسنه، وبسبب هذا فمن الانصاف أن يلقب بلقب ابن ولقب اله، دون أن يكون ابنا
حقيقياً لأن الذى يكون من شخص ما بحسب الطبيعة، فإنه يكون مولوداً حقيقياًن مثلما كان
اسحق بالنسبة لابراهيم، ويوسف بالنسبة ليعقوب، والشعاع بالنسبة الى الشمس، أما
الذين يدعون (ابناء) بالنسبة للفضيلة والنعمة. فإنهم يحصلون على النعمة التى
يكتسبونها بدلاً من الولادة الطبيعية، وهم شى آخر غير ما أعطى لهم. وذلك مثل الناس
الذين نالوا الروح بحسب المشاركة والذين قال عنهم “ولدت بنين ونشأتهم. اما هم
فتمردوا على” (أش2: 1 سبعينية) ولكن بما أنهم ليسوا أبناء بحسب الطبيعة. ذلك،
فأنهم بمجرد أن يتغيروا ينزع منهم الروح، ويتبرأ منهم. ولكنهم مرة أخرى – عندما
يتوبون فإنه الله الذى كان قد أعطاهم النعمة فى الأول، فأنه بنفس الطريقة، يعطيهم
النور مرة أخرى ويدعوهم أبناء ثانية.

 

38-
فإن كانوا يقولون هكذا أيضاً عن المخلص، فيتبع هذا أنه لا يكون (مخلصاً) حقيقياً.
وأنه ليس الها. وليس ابناً ولا هو مثل الأب، ولا يكون له علاقة على الاطلاق مع
الله الآب بحسب الجوهر بل بمجرد اعطاء نعمة له. أى أن يكون الله هو خالق له بحسب
الجوهر مشابهاً فى ذلك كل المخلوقات. فإن كان هو هكذا، كما يقول هؤلاء، فيتضح أنه
لم يكن له اسم “ابن” منذ البدء، ان كان قد حصل على هذا الاسم كمكافأة
على أعماله وتقدمه، أى أنه حصل على هذه المكافأة ليس بسبب تقدم آخر، بل بسبب ما
أظهره عندما صار انساناً، وأتخذ صورة عبد، لأنه عندئذ، حينما صار “مطيعاً حتى
الموت” فإنه كما يقول النص “مجده مجداً عالياً. وحصل على الاسم كنعمة.
“لكى تجثو باسم يسوع كل ركبة”.

 

فماذا
إذن كان قبل هذا (أى قبل أن يصير انساناً)، ان كان الآن يرتفع، وقد بدأ الآن أن
يعبد، والآن دعى أبناً عندما صار انسانا؟ لأنه (بهذا) يبدو أن الجسد لم يترق (بفتح
القاف) قط، بل بالاحرى أنه هو الذى ترقى بواسطة الجسد. فإن كان قد مجد مجداً
عالياً وسمى ابناً عندما صار انساناً – وذلك بحسب سوء نيتهم – فماذا كان إذن قبل
هذا؟ – فهناك حاجة ملحة أن نسألهم مرة أخرى – وذلك لكى تتضح النتيجة التى يصل
إليها كفرهم، لأنه أن كان الرب هو الله وهو الابن وهو الكلمة. ولكنه لم يكن هكذا
قبل ان يصير إنساناً، عندئذ كما قلنا – أما أنه كان شيئاً آخر غير هذه (الصفات).
ثم اشترك فيها بعد ذلك بسبب فضيلته. وإلا فأنهم مضطرون أن يقولوا البديل – (الامر
الاخر) الذى سيرتد على روؤسهم وهو أنه لم يكن موجوداً قبل هذا، ولكنه كان إنساناً
بالتمام حسب الطبيعة وليس أكثر. ولكن هذا الفكر ليس من الكنيسة. ولكنه فكر
الساموساطى واليهود المعاصرين.

 

لماذا
إذن، وهم يعتقدون مثل اليهود. لا يختتنون مثلهم. بل يتظاهرون بالمسيحية، بينما هم
يحاربونها، لأنه لو كان غير موجود. أو لو كان موجوداً ثم رقى فيما بعد. فكيف خلقت
كل الأشياء بواسطته، وكيف يفرح به الآب لو لم يكن كاملاً (أم30: 9) ومن الناحية
الأخرى. ان كان هو قد ترقى الآن، فكيف كان يبتهج أمام الآب قبل أن يترقى. وان كان
قد حصل على العبادة بعد موته. فكيف يظهر أن ابراهيم يسجد له فى الخيمة. وموسى يسجد
له فى العليقة وكما رأى دانيال “ربوات ربوات وألوف ألوف، يخدمونه”
(دانيال 10: 7). وان كان – كما يقولون – قد حصل علي الترقى الآن، فكيف يشير الابن
نفسه إلى مجده الذاتى الذى يفوق الطبيعة والذى كان له قبل إنشاء العالم عندما قال
“مجدنى أنت أيها الآب بالمجد الذى كان لى عندك قبل كون العالم” (يو5:
17). وأن كان – حسبما يقولون – قد مجد الآن مجداً عالياً، فكيف “طأطأ
السموات” ونزل قبل ذلك، وأيضاً “أعطى العلى صوته” (مز9: 18، 13)
لذلك فإن كان للأبن ذلك المجد حتى قبل خلقه العالم، وكان هو رب المجد وهو العلى،
ونزل من السماء وهو معبود على الدوام، فينتج من ذلك أنه لم يترق بنزوله، بل
بالأحرى هو نفسه الذى رقى الأشياء التى يعوزها الترقى. وإن كان قد نزل من أجل ترقيتها،
لذلك فإنه لم يحصل على اسم ابن وأنه واله كمكافأة، بل بالأحرى فإنه هو نفسه جعلنا
أبناء للاب واله (بتشديد اللام) الناس بكونه صار انساناً.

 

39-
لذلك، فهو لم يكن إنساناً ثم صار فيما بعد إلهاً، بل كان إلهاً وفيما بعد صار
إنساناً بالأحرى كى يؤلهنا. لأنه إن كان عندما صار انساناً قد سمى عندئذ ابناً
والهاً. وان كان الله قد دعا الشعوب قديما. أبناء. وذلك قبل أن يصير هو إنساناً.
وجعل الله موسى إلهاً لفرعون. والكتاب المقدس يقول فى مواضع كثيرة “الله قائم
فى مجمع الآلهة” (مز1: 82). فمن الواضح أذن أنه قد دعى ابناً والهاً بعدهم.
فكيف إذن خلقت كل الأشياء عن طريقه، وكيف أنه هو موجود قبل كل الأشياء؟ أو كيف
يكون هو “بكر كل خليقة” (كو15: 1)، ما دام هناك آخرون قبله يطلق عليهم
أبناء وآلهة؟.

 

وهؤلاء
المشاركون الأولون كيف لا يشاركون اللوغوس؟ وهذا التعليم ليس حقيقياً، بل هو بدعة
المتهودين المعاصرين. فكيف إذن فى هذه الحالة – يمكن لأى أحد على الإطلاق، أن
يتعرف على الله كأب؟ لأن من غير المستطاع أن يحدث التبنى بغير الابن الحقيقى، وهو
نفسه القائل: “لا يعرف أحد الآب إلا الابن، ومن سيعلن له الابن” (متى27:
11).

 

وكيف
يحدث التأليه بدون اللوغوس. وقبله.؟ هذا بالرغم أنه هو نفسه القائل لليهود أخوة
هؤلاء المبتدعين. “ان قال. الهة. لاولئك الذين صارت إليهم كلمة الله”.

 

فإن
كان كل الذين دعوا أبناء وإلهة سواء على الأرض أم فى السموات قد نالوا التبنى
وصاروا متألهين من خلال اللوغوس. وان كان الابن نفسه هو اللوغوس. فمن الجلى أن
الجميع قد صاروا أبناء من خلاله. وكان هو قبل الجميع.. وبالحرى فقد كان هو الابن
الحقيقى وحده. وهو وحده اله حق من اله حق – ولم يحصل على هذه (الصفات) كمكافأة
لفضيلته. وليس هو أخر غير هذه (الصفات) بل هو كل هذه (الصفات) بحسب الطبيعة وبحسب
الجوهر. لأنه مولود من جوهر الآب حتى لا يشك أحد أنه، بحسب صورة الآب غير المتغير.
يكون اللوغوس أيضاً غير متغير.

 

40-
ونحن إلى الآن. قد استعملنا أفكاراً حقيقية عن الابن للاجابة على ابتداعاتهم غير
المعقولة. ولكن يجمل بنا الآن إذن أن نستشهد بالأقوال الإلهية لكى نبرهن أيضاً
بدرجة أكثر كثيراً على عدم تغير الابن وعدم تغير طبيعته الأبوية(69) الثابتة. كما
يتبرهن أيضاً مدى انحرافهم وضلالهم.

 

وإذن
عندما كتب الرسول إلى أهل فيلبى يقول: “فليكن فيكم هذا الفكر الذى هو أيضاً
فى المسيح يسوع، الذى إذ كان موجوداً فى صورة الله، لم يحسب خلسة أن يكون مساوياً
لله، لكنه أخلى نفسه، آخذاً صورة عبد. صائراً فى شبه الناس. وهو إذ وجد فى الهيئة
كإنسان، أذل (وضع) نفسه. وأطاع حتى الموت، موت الصليب. لذلك فإن الله مجده ورفعه
(شدة على الفاء) عالياً أيضاً، وأعطاه أسماً فوق كل اسم. لكى تجثو باسم يسوع كل
ركبة ممن فى السماء، ومن على الأرض، ومن تحت الأرض. وسيعترف كل لسان أن يسوع
المسيح هو رب لمجد الله الآب، (فيلبى 5: 2-11) أية أقوال أوضح وأكثر بياناً من هذه
الأقوال؟. أن الرب لم يكن أصلاً فى حالة وضيعة ثم رقى، بل بالأحرى إذ كان إلهاً
فقد اتخذ صورة عبد، وبإتخاذه صورة العبد. لم يرتق (بكسر القاف) بل أذل (وضع) نفسه.
إذن فأين هو أجر الفضيلة فى هذه الأمور؟. أو أى تقدم أو ترقى يمكن أن يكون فى
الإذلال.؟ لأنه إن كان وهو الإله، قد صار إنساناً، وبتنازله من علوه لا يزال يقال
أنه يرفع (شدة على الراء) (أى يمجد مجداً عالياً). فمن أين يرفع وهو الله؟. ويتضح
من هذا أيضاً، أنه بما أن الله هو الأعلى والأكثر رفعة من الكل، فبالضرورة أيضاً.
أن يكون كلمته هو الأعلى والأكثر رفعة فوق الكل. وهذا الذى هو فى الآب ومثل الآب
فى كل شئ. من أين إذن يمكنه أن يرفع عالياً أكثر من ذلك؟ إذن فهو ليس فى حاجة إلى
أى ازدياد، وليس الأمر كما يفهمه الآريوسيون. لأنه وإن كان اللوغوس قد نزل من أجل
أن يرفع عالياً – وهكذا هو مكتوب – فأية حاجة كانت هناك على الإطلاق تدفعه لأن يذل
نفسه. لكى يسعى للحصول على ذلك الشئ الذى كان لديه أصلاً؟. وما هى النعمة التى
ينالها واهب النعمة؟ أو كيف نال هو الاسم للعبادة وهو الذى كان دائماً معبوداً
بأسمه؟. ومن قبل أن يصير هو انساناً، كان القديسون حينئذ يتوسلون إليه قائلين
“خلصنى يا الله باسمك” (مز1: 54) وأيضاً “البعض يفتخر بالمركبات،
والبعض الآخر بالخيل وأما نحن فبأسم الرب إلهنا سنتمجد” (مز7: 20). وهو الذى
كان يسجد له البطاركة (رؤساء الآباء). إذ قد كتب عن الملائكة، ولتسجد له كل ملائكة
الله” (مز7: 97، عب6: 1).

 

41-
فإن كان داود ينشد فى المزمور الحادى والسبعين قائلاً: “اسمه دائم قبل
الشمس”، وأيضاً: “وقبل القمر الى أبد الآبدين(70). فكيف إذن ينال ما كان
له دائماً حتى قبل أن يحصل عليه الآن (أى فى الجسد)؟ أو كيف يرفع (شدة على الراء)
مع كونه قبل ترفيعه (أو تمجيده) كان هو العالى (فوق الكل)؟ أو كيف حصل على (حق)
العبادة. وهو الذى كان دائماً معبوداً من قبل أن يحصل على هذا الحق الآن؟. إذن
فهذا ليس بلغز بل هو سر إلهى. “فى البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله.
وكان الكلمة الله” (يو1: 1) وهو لأجلنا فيما بعد “الكلمة صار
جسداً” (يو14: 1) وعبارة “رفعه” (مجده مجداً عالياً) التى نتحدث
عنها الآن، لا تعن أن جوهر الكلمة قد أرتفع. لأنه كان دائماً وهو لا يزال كائن فى
الله. ولكنه يعنى ارتفاع (أو ترفع) بشريته. إذن فهذه الأقوال لم تكن تقال من قبل
إلا عندما صار الكلمة جسداً. لكى يصير واضحاً أن “أذل نفسه”.”وتمجد
مجداً عالياً” إنما تشير إلى إنسانيته، لأنه حيثما تكون هناك حالة الاذلال
تكون هناك الرفعة أيضاً. أن كان بسبب اتخاذه للجسد قد كتب الاذلال عنه. فمن الواضح
أن التمجيد (أو الرفعة) تقال عنه بسبب الجسد، لأن الانسان كان فى مسيس الحاجة إلى
هذا (التمجيد). بسبب وضاعة الجسد. وبسبب الموت.

 

وبما
أن الكلمة وهو صورة الآب، وهو غير مائت، قد أتخذ صورة عبد، وكإنسان عانى الموت
بجسده من أجلنا. لكى بذلك يبذل نفسه للآب بالموت من أجلنا لأجل هذا السبب يقال عنه
إنه كإنسان مجد (ضمه على الميم) أيضاً نيابة عنا ومن أجلنا، لكى كما بموته قد متنا
جميعاً فى المسيح، وعلى نفس المنوال أيضاً. فإننا فى المسيح نفسه أيضاً قد مجدنا
مجداً عالياً. مقامين من بين الأموات وصاعدين إلى السموات “حيث دخل يسوع
كسابق لاجلنا” (عب20: 6)، “لا إلى أقداس أشباه الحقيقة، بل إلى السماء
عينها ليظهر الآن أمام وجه الله لأجلنا” (عب34: 9). فإن كان المسيح قد دخل
الآن إلى السماء عينها لأجلنا، رغم أنه من قبل هذا الحدث، كان هو دائماً الرب
وخالق السموات. فتبعاً لذلك تكون هذه الرفعة الحالية قد كتبت أيضاً من أجلنا نحن.

 

وكما
أنه وهو الذى يقدس الجميع، يقول أيضاً أنه يقدس نفسه للآب من أجلنا – ليس بالطبع
لكى يكون اللوغوس مقدساً – بل لكى بتقديس ذاته يقدسنا جميعاً فى ذاته. وهكذا بنفس
المعنى ينبغى أن نفهم ما يقال الآن أنه “تمجد”. ليس لكى يمجد هو نفسه
(أى اللوغوس) – إذ أنه هو الأعلى – بل لكى هو ذاته “يصير برا” من أجلنا،
أما نحن فلكى نتمجد (نرفع) فيه ولندخل إلى أبواب السماء، التى قد فتحها هو ذاته من
أجلنا، حيث يقول السابقون “أرفعوا أيها الرؤساء أبوابكم، وأرتفعى أيتها
الأبواب الدهرية ليدخل ملك المجد” (مز7: 34). وهنا أيضاً لم تكن الأبواب
مغلقة أمامه هو إذ هو رب وخالق كل الأشياء. بل بسببنا كتب هذا الكلام. نحن الذين
أغلقت أمامنا أبواب الفردوس.

 

لذلك
يقال عنه من الناحية البشرية، بسبب الجسد الذى كان قد لبسه: “أرفعوا
الأبواب”. كما يقال أيضاً. “ليدخل” كما لو كان إنساناً سيدخل، ولكن
من الناحية الإلهية – حيث أن “اللوغوس هو الله” – يقال عنه أيضاً أنه
“الرب” و “ملك المجد” وقد سبق الروح فقال فى المزمور التاسع
والثمانين عن مثل هذه الرفعة التى صارت إلينا “وببرك يرتفعون. لأنك أنت هو
فخر قوتهم” (مز17: 89، 18)، فإن كان الابن هو البر، إذن فهو لم يرتفع بذاته
كما لو كان فى حاجة إلى الرفعة، بل نحن الذين أرتفعنا (تمجدنا) بسبب البر الذى هو
(المسيح) ذاته.

 

42-
وهكذا أيضاً فإن عبارة “أعطاه اسماً” لم تكتب لأجل اللوغوس ذاته – فإنه
حتى قبل أن يصير أنساناً فقد كان معبوداً أيضاً من الملائكة ومن كل الخليقة. بحسب
ذاتيته الأبوية(71) بل كتبت هذه العبارة عنه بسببنا ولأجلنا. لأنه كما مات المسيح
ثم رفع (شدة على الفاء) كإنسان، فبالمثل قيل عنه أنه أخذ كإنسان ما كان له دائماً
كإله. وذلك لكى تصل إلينا عطية مثل هذه النعمة، فإن اللوغوس لم يحط قدره بإتخاذه
جسداً حتى يسعى للحصول على نعمة أيضاً، بل بالأحرى فإن الجسد الذى لبسه قد تأله،
بل وأكثر من ذلك، فقد أنعم بهذه النعمة على جنس البشر، بدرجة أكثر.

 

فكما
أنه كان يعيد (ضمه على الياء) دائماً لكونه اللوغوس “الموجود فى صورة
الله” – هكذا ظل هو نفسه كما هو وصار إنساناً ودعى يسوع – فليس أقل من أن كل
الخليقة – تظل كما كانت دائماً – تحت قدميه، وهى التى تجثو بركبها له بهذ1 الاسم
(يسوع). وتعترف أن اللوغوس صار جسداً، وأنه احتمل الموت بجسده. ولم يحدث له كل هذا
كإهانة لمجد ألوهيته بل “لمجد الله الآب”.

 

لأن
مجد الله الآب هو: أن يوجد الانسان الذى كان قد خلق ثم هلك، وهو: أن يحيا الذى
مات، وهو: أن يصير الانسان هيكل الله. ولأن القوات السمائية من ملائكة ورؤساء
ملائكة كانت تعبده دائماً، فإنهم الآن أيضاً يسجدون للرب باسم يسوع، فهذه النعمة
وهذا التمجيد العالى إنما هو لنا، وأنه بالرغم من أنه صار إنساناً وهو ابن الله
فإنه يعبد (ضمه على الياء). لذلك لن تدهش القوات السمائية حينما ترانا نحن جميعاً
– المتحدين معه فى نفس الجسد – داخلين إلى مناطقهم (السمائية). وهذا قطعاً – لم
يكن ممكناً أن يحدث بأية طريقة أخرى، اللهم إلا إذ كان هذا الذى كان موجوداً فى
صورة الله، قد أتخذ لنفسه صورة العبد، وأذل ذاته. راضياً بأن يصل جسده حتى إلى
الموت.

 

43-
أنظروا إذن، كيف أن ذلك الذى يعتبر عند الناس، جهالة الله بسبب تحقير الصليب، قد
صار أكثر الأشياء كرامة، ذلك أن قيامتنا به معتمدة عليه. وليس اسرائيل وحده الذى
يعتمد عليه بل كل الأمم – كما سبق وأنبأ النبى: يتركون أصنامهم ويتعرفون على الإله
الحقيقى أبى المسيح. وابتداعات الشياطين قد أبطلت، والاله الحقيقى وحده هو الذى
يعبد بأسم ربنا يسوع المسيح. أما عبادة الرب الذى صار فى الجسد البشرى، ودعى يسوع،
والإيمان به كابن الله – والتعرف على الآب بواسطته، فهو أمر جلى، كما قلنا، أنه
ليس اللوغوس بسبب كونه لوغوس هو الذى حصل على مثل هذه النعمة، بل نحن. لأنه بسبب
علاقتنا بجسده فقد صرنا نحن أيضاً هيكل الله – وتبعاً لذلك قد جعلنا أبناء الله.
وذلك حتى يعبد الرب فينا أيضاً. والذين يبصروننا يعلنون – كما قال الرسول “أن
الله بالحقيقة فيكم” (1كو25: 14). وكما قال يوحنا أيضاً فى إنجيله “وكل
الذين قبلوه أعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله” (يو12: 1). وكما كتب فى
رسالته “بهذا نعرف أنه يسكن فينا من روحه الذى أعطاه لنا” (1يو24: 3).

 

أن
ما يميز الصلاح الصائر منه إلينا، هو أننا نمجد بسبب وجود الرب العالى فينا، وأن
النعمة أقد أعطيت له من خلالنا – بسبب أن الرب الذى هو مانح النعمة قد صار إنساناً
مثلنا. والمخلص نفسه أذل نفسه بإتخاذه “جسد تواضعنا” – وأتخذ صورة عبد،
لابساً ذلك الجسد الذى كان مستعبداً للخطيئة.

 

وهو
فى الحقيقة دم يحصل على شئ منا يرتقى به لأن كلمة الله هو ليس فى احتياج إلى شئ،
لأنه كامل، بل بالأحرى نحن الذين نلنا منه الارتقاء. لأنه هو “النور الذى
ينير كل انسان يأتى إلى العالم” (يو9: 1). إن الاريوسيين يركزون بلا جدوى على
أداة الربط: “لذلك” لأن بولس قال “لذلك مجده الله مجداً
عالياً” (فى8: 2). فهو بهذا القول لم يكن يعنى مكافأة لفضيلة ولا أرتقاء
نتيجة تقدم أخلى، ولكنه يقصد السبب فى العلو والتمجيد والارتفاع الذى صار فينا.
وما هو هذا السبب إلا أن يكون الذى كان فى صورة الله وهو ابن لاب نبيل، وأذل نفسه
وصار بدلاً منا ومن أجلنا؟ فلو لم يكن الرب قد صار أنساناً، لما كان فى وسعنا أن
نفتدى (نتحرر) من الخطيئة وأن نقوم من بين الأموات، بل لبقينا أمواتاً تحت الأرض.
ولما كنا لنرفع (لنمجد) إلى السماء، بل لرقدنا فى الجحيم.

 

إذن،
فمن أجلنا، ولمصلحتنا، كتبت هذه الكلمات” مجده مجداً عالياً”،
“وأعطاه اسما”.

 

44-
أعتقد إذن أن هذا هو قصد النص الكتابى، وهو قصد كنسى تماماً. ولكن ربما كانت هناك
طريقة أخرى لشرح النص لأعطاء معنى مطابق تماماً.

 

أى
أن النص لا يعنى تمجيد اللوغوس ذاته بإعتباره لوغوس (لأنه كما سبق أن قيل منذ
قليل، أنه عال وأنه مثل الآب)، ولكن النص يشير إلى قيامته من بين الأموات بسبب
تأنسه. فقوله “أذل نفسه حتى الموت” ثم أضاف “لذلك مجده مجداً
عالياً” راغباً أن يبين أنه كإنسان كان يقال عنه أنه قد مات، ولكن لكونه
الحياة رفع بالقيامة “فإن الذى نزل هو نفسه أيضاً الذى قام” (أف10: 4).
لأنه نزل بالجد، إلا أنه قام لأنه هو نفسه كان إلهاً فى الجسد. وهذا أيضا هو السبب
الذى من أجله قد مهد السبيل الى هذا المعنى بإستخدام أداة الربط “لذلك”،
والذى لا يعنى أجر فضيلة ولا ترقى، ولكنه يكشف السبب الذى بواسطته قد صارت
القيامة. ولهذا السبب نفسه مات سائر البشر منذ آدم وحتى الآن، وظلوا أمواتاً، أما
هذا وحده فهو الذى قام من بين الأموات كاملاً متكاملاً. وهذا هو السبب الذى من
أجله سبق الرسول نفسه وقال: أنه بالرغم من كونه الهاً فقد صار إنساناً. أما سائر
البشر فقد ماتوا لأنهم من نسل آدم. وقد كان للموت سيادة عليهم (رو14: 5). أما هذا
فهو “الإنسان الثانى من السماء” (1كو47: 15)، وذلك لأن “الكلمة قد
صار جسداً” (يو14: 1) ويقول أن مثل هذا الإنسان “من الماء” و
“سماوى” (1كو47: 15، 48) ذلك لأن الكلمة “قد نزل من السماء”
(يو38: 6) ولهذا فلم يقهر (يمسك) من الموت.

 

فرغم
أنه أذل نفسه، مسلماً جسده الخاص به حتى الموت، وذلك بسبب قبوله الموت، إلا أنه
رفع رفعة عظيمة من الأرض، ذلك لأنه هو ابن الله فى الجسد. لذلك فإن ما يقال هنا
“لذلك رفعه الله أيضاً” فهو مساو أيضاً لما قاله بطرس فى سفر الأعمال
“الذى أقامه مبطلاً أوجاع الموت، لأنه لم يكن ممكناً أن يسيطر عليه سلطان
الموت” (أع24: 2). فكما كتب بولس “الذى إذ كان فى صورة الله” قد
صار إنساناً، و “وأذل نفسه حتى الموت ولذلك مجده الله مجداً عالياً”.
وبالمثل يقول بطرس. وحيث أنه إذ كان إلهاً قد صار إنساناً، فإن الآيات والعجائب
كشفت أيضاً للناظرين أنه الله. ولذلك “فلم يكن ممكناً أن يمسكه الموت”
(أع24: 2).

 

والإنسان
لم يكن يستطيع أن ينجح فى تحقيق هذا، لأن الموت هو خاص بالإنسان. ولهذا فإن الكلمة
الله صار جسداً، لكى يحيينا بقوته بعد أن مات بالجسد.

 

45-
وبما أنه يقال أنه “مجده ورفعه”، وأن الله “أعطاه” فالهراطقة
يظنون أن هذا نقيصة، أو ألماً خاصاً بجوهر اللوغوس. فمن الضرورى أن نقول، بأى معنى
تقال هذه الكلمات. إذ يقول أنه رفع وأصعد من أقسام الأرض السفلى (أف9: 4). لأن
الموت صار خاصاً به أيضاً. وكلا (الامران) يقالان عنه حيث أنهما خاصان به وليس
بآخر غيره. إذن فالجسد الذى أقيم من بين الأموات هو الذى رفع الى السموات. وحيث أن
الجسد كان يخصه ولا يوجد للجسد كيان الا باللوغوس نفسه، لذى فمن الطبيعى أنه
بتمجيد وترفيع الجسد يقال أيضاً أنه كإنسان قد أرتفع بسبب الجسد.

 

إذن
فلو لم يكن قد صار إنساناً، لما كانت لتقال عنه هذه الأقوال. أما عبارة
“الكلمة صار جسداً” فإن كانت هناك ضرورة، أن يقال عنه أنه قام وتمجد كما
يقال عن إنسان، لكى يكون هذا الموت الذى يشار به إليه، فداءاً لخطية البشر،
وأبطالاً للموت، أما القيامة والتمجيد فإنهما يدومان فينا بالضرورة بسببه.

 

وفى
كلتا الحالتين قال عنه “مجده الله مجداً عالياً”، و “الله
أعطاه” كى يبين بهذا أنه ليس الآب هو الذى صار بل كلمته هو الذى صار إنساناً،
فإنه بحسب النمط البشرى، يأخذ من الآب ويتمجد منه. كما سبق أن قال.

 

فيكون
واضحاً – ولا يستطيع أحد أن يشكك فى ذلك – أن تلك الأشياء التى يعطيها الآب، إنما
يعطيها عن طريق الابن، ويكون عجيباً، وأمراً مثيراً للاستغراب حقاً أن النعمة التى
يعطيها الابن من لدن الآب، نفس هذه النعمة، يقال أن الابن ذاته قد قبلها. والرفعة
التى حققها الابن من لدن الآب، بهذه الرفعة نفسها يرفع (شدة على الراء) الابن
نفسه.

 

إذن
فإذ هو ابن الله نفسه قد صار ابن الإنسان ايضاً، وكلوغوس يعطى الأشياء من لدن
الآب، لأن كل من يصنعه ويعطيه الآب، إنما يصنعه ويعطيه من خلاله.

 

وكإبن
الإنسان فيقال أنه بحسب بشريته ينال ما يخصه من ذاته، بسبب أن جسده ليس سوى جسده
الخاص به الذى هو بطبيعته أن يتقبل النعمة كما قد قيل.

 

وبحسب
هذه الرفعة إذن، أخذ الإنسان فى داخله. وكانت هذه الرفعة من أجل تأليه الانسان أما
اللوغوس فله خاصية (التاليه) هذه بحسب الالوهية والكمال الأبوى الخاصين به.

(69)
أى التى من الآب (المعرب)

(70)
مز71 فى الترجمة السبعينية ويقابل مز17: 72، مز5: 72).

(71)
أى بحسب كونه الابن الذى من ذات الآب (المعرب).

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى