اللاهوت الطقسي

هوت_طقسى_1_طقوس_العهد_القديم_الأعياد_04[1].html



الفصل الرابع

عيد باكورة الحصاد Feast of First Fruits

مقالات ذات صلة

ارتبط عيد باكورة
الحصاد بعيدى الفصح والفطير من جانب وبعيد الخمسين من جانب آخر، إذ يُحتفل به خلال
أيام الفطير بينما يأتى عيد الخمسين بعده بسبعة أسابيع (لاويين 23: 15)، أى
فى اليوم الخمسين منه.

كان هذا العيد يوافق
بوادر حصاد الشعير لأنه كان ينضج قبل الغلات الأخرى. ومع أن الحصاد كان يبدأ فى
الغالب بعد عيد باكورة الحصاد بمدة. لكن كان عليهم أن يأخذوا حزمة من المحصول قبل
أن يحصدوه. ويأتوا بها إلى الكاهن ليرددها أمام الرب حتى يكونوا مبكرين دائماً فى
إكرام الرب وفى عمل الخير. وكما كان من المحتم عليهم أن يُقدسوا له أبكار الناس
والحيوانات كان عليهم أيضاً أن يقدموا له باكورات غلاتهم الزراعية. إعترافاً بتلك
الحقيقة وهى أن الأرض وكل ما تنتجه إنما هو عطية من الرب.

يقول السيد الرب: “متى
جئتم إلى الأرض التى أنا أعطيكم وحصدتم حصيدها تأتون بحزمة أول حصيدكم إلى
الكاهن، فيردد
الحزمة أمام الرب للرضا عنكم فى غد السبت يرددها الكاهن
(لاويين 23: 9و 10).

والترديد هو رفع
التقدمة على يدى الكاهن إلى أعلى، ملوحاً بها نحو الأربع إتجاهات كمن يقدمها لله
الموجود فى كل مكان، ثم يردها ثانية لتصير من نصيب الكهنة، كأنما يتسلمونها منه،
يتم هذا العمل فى”غد السبت “، [ويرى الصدوقيون أن الترديد يتم يوم الأحد
فعلاً، بعد السبت الذى فى أيام الفطير، لكن الرأى الأرجح أن الترديد يتم يوم 16 من
نيسان أيا كان موقعه من أيام الأسبوع، بكون يوم 15 نيسان يُحسب سبت عطلة للرب
ومحفلاً مقدساً (خروج 12: 16) بكونه أول أيام الفطير. هذا هو رأى الفريسيين،
وما أكده يوسيفوس المؤرخ وفيلون اليهودى الإسكندرى]. ([1]).

يمارس طقس هذا العيد
بطريقة شعبية مفرحة، [ففى اليوم السابق لعيد الفصح يخرج ثلاثة شيوخ من مجمع
السنهدريم بعد غروب الشمس ليحصدوا فى الحقول المجاورة لأورشليم من الشعير بين
هتافات الجماهير وتهليلهم. يحمل كل شيخ منجلاً وسلة ويسأل عدة أسئلة مكرراً كل
سؤال ثلاث مرات، والجماهير تجاوبه بالإيجاب بعد كل سؤال.

أما الأسئلة فهى: أهذه
هى السلة؟! أهذا هو المنجل؟! أهذا هو السبت؟! هل أحصد؟! يقوم كل واحد بحصد كمية من
الشعير يضعها فى صندوق ويأتى بها إلى الهيكل. وهناك يضربون الُمحصود (ما حُصد)
بالعصى ثم يشوون الحب على النار وينشرونه فى دار الهيكل حتى ينظفه الريح، ثم
يطحنون ما بقى وينخلون الطحين بثلاثة عشر منخلاً حتى يكون المنخول فى كل مرة أنعم
من المنخول فيما قبله، ثم يأخذون من الدقيق الناعم عمراً
([2]) أى
“1/10 ” عُشر “إيفة”
([3]). ويمزجه
الكاهن “بلج”
([4]) من الزيت
ويُوضع على المذبح قبضة من اللبان ويردده الكاهن ويأخذ منه قبضة ويوقدها على
المذبح (لاويين 2: 15و16)]([5]).

أما تقدمات وقرابين
هذا اليوم فهى:

أولاً: محرقة
الصباح الدائمة ومحرقة المساء الدائمة مع تقدمتهما وسكيبهما (عدد 28: 1-8)

ثانياً: بجانب
التقدمات اليومية يقدم تقدمات أيام الفطير السبعة (عدد 28: 19 22).

ثالثاً: يمتاز هذا
اليوم بترديد حزمة الشعير وتقديم قبضة يد الكاهن منها.

رابعاً: ذبيحة محرقة
عبارة عن خروف صحيح حولى (لاويين 23: 12).

خامساً: تقدمة
طعامية هى عُشران من دقيق ملتوت بزيت وسكيبه ربع الهين([6])
من الخمر، حيث يُوقد الكاهن قبضته منه ملتوتاً بالزيت والباقى للكهنة.

ويختم حديثه عن عيد
باكورة الحصاد بقوله: “وخبزاً وفريكاً (الحبوب الخضراء التى تُحمص أو
تُشوى) وسويقاً (السنابل الخضراء) لا تأكلوا إلى هذا اليوم عينه إلى أن
تأتوا بقربان إلهكم فريضة دهرية فى أجيالكم فى جميع مساكنكم ” (لاويين 23: 14)
لم يكن ممكناً أن يأكل أحد من المحصول الجديد فى أى صورة من الصور، حتى يتم
ترديد حزمة الباكورة ليكون الله أولاً، ولكى لا تمتد يد للمحصول قبل تقديسه خلال
تقديم الحزمة البكر.. فبمجرد ترديد الحزمة تعرض الغلة الجديدة فى الأسواق ويمكن
أكلها.

وقد استمروا على ذلك،
إلى أن توفى سليمان الملك، ثم أهملوها بعده، إلى أن استنهضهم حزقيا الملك للعمل
بها (أخبار الأيام الثانى 31: 4و5) وكذلك نحميا بعد رجوعهم من السبى (نحميا
10: 35و12: 44)
ويشدد الأنبياء بتقديمها (حزقيال 20: 40و 44: 30و 48: 14،
انظر رؤيا يوحنا 14: 4).

إن حزمة الشعير التى
كانت تقدم. إنما تشير إلى ربنا يسوع المسيح القائم من بين الأموات.. كانت هذه
الحزمة هى باكورة الحصاد. والمسيح القائم من بين الأموات هو باكورة الراقدين
(انظر كورنثوس الأولى 15: 20).

وترديد حزمة باكورة
الحصاد أمام الرب كان لا يرتبط بتقديم ذبيحة خطية، بل تقدم مع ذبيحة محرقة. وذلك
لأن المسيح ليس فيه خطية، كما أنه كان قد أنهى موضوع الخطية على الصليب. وهكذا
فحينما قام من بين الأموات كانت مشكلة الخطية قد إنتهت.. . أما ذبيحة المحرقة
وتقدمتها من دقيق ملتوت بزيت وسكيبها من الخمر، فكانت تشير إلى فرحة النصرة بقيامة
المسيح.

ويشرح القديس كيرلس
الكبير
هذا الأمر قائلاً:

“أرسل منجلك واحصد،
لأنه قد جاءت الساعة للحصاد، إذ قد يبس حصيد الأرض ” (رؤيا يوحنا 14: 15).

[قال الرب لموسى: كلِّم
بنى إسرائيل، وقل لهم: “متى جئتم إلى الأرض التى أنا أعطيكم وحصدتم حصيدها
تأتون بحزمة أول حصيدكم إلى الكاهن. فيردَّد الحزمة أمام الرب للرضا عنكم. فى غد
السبت يرددها الكاهن ” (لاويين23: 9-11).

ماذا يمكن أن تمثل هذه
الحزمة؟ سأشرح لكم هذا فى بضع كلمات: الجنس البشرى يمكن أن يشبَّه بسنابل فى حقل: إنه
يتولد – من بعض الوجوه
من الأرض. ثم
يُنتظر اكتمال نضجه، وبعد ذلك يُجتز عندما يحصده الموت. الرب نفسه كلم تلاميذه
بهذا الصدد قائلاً: “أما تقولون إنه يكون أربعة أشهر ثم يأتى الحصاد؟ ها أنا
أقول لكم ارفعوا أعينكم وانظروا الحقول إنها قد ابيضت للحصاد والحاصد يأخذ أجرة
ويجمع ثمراً للحياة الأبدية ” (يوحنا 4: 35-36).

إذن سكان الأرض يمكن أن يشبَّهوا حسناً بحنطة
الحقول.

لقد أتى المسيح نفسه
أيضاً بيننا كسنبلة قمح طلعت من العذراء القديسة، وهو نفسه يدعو ذاته حبة حنطة
عندما يقول: “الحق الحق أقول لكم إن لم تقع حبة الحنطة فى الأرض وتمت فهى
تبقى وحدها ولكن إن ماتت تأتى بثمر كثير ” (يوحنا 12: 24).

وهكذا قد أصبح هو نفسه
القربان المقدَّم للآب من أجلنا بدلاً من الحزمة. إنه كباكورة الأرض بالثمار التى
تنتجها – تشهد (بقوة) الإخصاب التى فيها. فالمسيح بتقديمه نفسه كحزمة واحدة مكونة
من عدة سنابل قد أكمل الطقس الرمزى القديم بهذا الحدث الذى لا غنى عنه لخلاصنا.
لأن المسيح يسوع هو واحد ولكنه يُعرف تحت صورة حزمة واحدة مربوطة، إنه هذه الحزمة
التى تحوى داخلها سائر المؤمنين فى وحدة الروح. أو كما استطاع القديس بولس أن يكتب
قائلاً: “وأقامنا معه وأجلسنا معه فى السماويات ” (أفسس
2: 6).
وبما أنه جعل نفسه واحداً منا، فنحن قد أصبحنا جسداً واحداً معه،
وبجسده صرنا واحداً وهذا ما يسمح لنا أن نقول أننا نحن جميعاً فيه. ومن جهة أخرى
هو نفسه يقول لأبيه: “ليكون الجميع واحداً كما أنك أنت أيها الآب فىّ وأنا
فيك، ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا ” (يوحنا 17: 21). نعم فإن مَنْ
يلتصق بالرب فهو يكون معه روحاً واحداً (انظر كورنثوس الأولى 6: 17).

فالرب إذن تَرمُز إليه
الحزمة، لأنه يضمنا جميعاً فيه ويُقيم فينا جميعاً. إنه باكورة البشرية التى تكمل
الإيمان وتتعين أن تخزن فى أهراء السماء.

لنتذكر أن الحزمة كان
يجب أن تُقدَّم فى غد السبت، أى فى اليوم الثامن، وهو ذاك اليوم الذى قام فيه
المسيح. لقد صعد بقدرته الخاصة إلى السماء فى المظلة الحقيقية إلى قدس الأقداس.

لقد قدَّم نفسه لله
أبيه كباكورة للبشرية، وفى هذه اللحظة نحن أيضاً قد نُقلنا إلى حياة جديدة] ([7])

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى