الرد على شفرة دافنشى
الرد على شفرة دافنشى
القمص أبرام داود سليمان
كنيسة مارمرقس الرسول القبطية الأرثوذكسية
جرسى سيتى – نيو جرسى – الولايات المتحدة
الأمريكية
“شفرة دافنشى The Da Vinci Code” رواية أسطورية كتبها مؤلف إنجليزى يدعى “دان براون Dan Brown“، وتم إخراجها فى السينما العالمية فى فيلم يحمل نفس الاسم. وتبدأ
الرواية بجريمة قتل مبهمة. وتدور الأحداث حول محاولة إكتشاف القاتل والسبب فى
الجريمة، وكشف المؤامرة التى وراء الحادث. وأثناء البحث يتم الكشف عن جماعات سرية
متضادة تعمل على كشف كنز به وثائق مخفاه مع ما يدعى بالكأس المقدسة. وادعى الكاتب
أن إكتشاف وثائق هذا الكنز سيكون سببا فى هدم الكنيسة المسيحية.
وعلى
صفحات الرواية قدم المؤلف دان براون الأكاذيب وكأنها حقيقة، والأسطورة وكأنها
الواقع، والتعاليم المضللة وكأنها العقيدة الصحيحة. وحاول
براون تشويه المسيحية باتهامها بالممارسات الوثنية. وفى سياق الحديث بين شخصيات
الرواية، هاجم الكاتب دان براون Dan Brown الكثير من ثوابت العقيدة المسيحية والكتاب المقدس، بما فى ذلك
طبيعة السيد المسيح وحياته ومصداقية الكتاب المقدس. وهذه الإدعاءات تتعارض مع
الكتاب المقدس ومع التاريخ المقدس لشعب الله على مر آلاف السنين.
وقد كشف السيد دان
براون عن توجهاته بوضوح فى كتابه وأقواله. ففى لقاء الكاتب دان
براون مع أحد المراسلين، سأله المراسل: “هل أنت مسيحى؟” أجاب بطريقة غير
مباشرة: “ربما لا أكون مسيحيا بالمعنى التقليدى، ولكننى أعتبر نفسى باحثا
لكثير من الأديان. وبينما أتعلم يراودنى الكثير من الأسئلة. والمسألة الدينية هى
أمر دائم التطور”. وقد قال فى روايته مهاجما الأديان: “كل الأديان مبنية
على الفبركة والأكاذيب”، “كل معتقد دينى فى العالم مبنى على الفبركة،
وما نعتقد ونقبله أنه صحيح لا يمكن إثبات صحته”.
وتفتقد رواية شفرة
دافنشى السند التاريخي والعقيدة الصحيحة، ولكن دان براون لا ينظر لروايته أنها
مجرد قصة خيالية، بل يدعى أن كل ما جاء بها مبنى على مستندات ووقائع تاريخية
حقيقية. ففى
لقاء دان بروان مع مات لاور Matt Lauer المراسل لمحطة NBC
فى 9 يونيه 2003، سأله المراسل عن أى الإيضاحات التاريخية المكتوبة بالرواية يعتمد
على أحداث حقيقية. أجاب السيد براون: “بالتأكيد كلها”[1].
وورد فى إفتتاحية الرواية: “إن وصف كافة الأعمال الفنية والمعمارية والوثائق
والطقوس السرية فى هذه الرواية هو وصف دقيق وحقيقى”[2].
والعجيب فى الأمر أن
دان براون صدق إدعاءاته الشخصية بعد أن إخترعها. ففى مقابلة تلفزيونية
معه، سئل دان براون ما إذا كان يصدق ماكتبه، قال: “لقد بدأت متشككا، فحينما
بدأت البحث فى دافنشى كود كنت معتقدا أننى سأثبت عدم حقيقة النظرية الخاصة بمريم
المجدلية والكأس المقدسة، وكل ذلك… ولكننى فيما بعد صرت مؤمنا”. ولكنه
للأسف صار مؤمنا بالأكاذيب التى ملأ بها روايته، وليس بالحقيقة.
ونرجو بنعمة الرب أن
نرد على بعض الإدعاءات التى وردت بهذه الرواية. وذلك حسب وصية الكتاب
المقدس أن نكون مستعدين لمجاوبة من يسألنا عن سبب الرجاء الذى فينا بوداعة وخوف (1بطرس
3: 15)، وأن نثبت فى الحق كما علمه لنا السيد المسيح، وحينئذ نكون بالحقيقة
تلاميذه، ونعرف الحق والحق يحررنا (يوحنا 8: 31-32).
وسنتناول الرد فى بساطة
واختصار على بعض الادعاءات – التى قدمها دان براون – فيما يخص بعض الموضوعات التى
تمس جوهر العقيدة والحياة المسيحية، وهى:
1-
الكتاب المقدس
2-
طبيعة السيد المسيح
3-
حياة السيد المسيح
4-
المرأة والجنس
الأساس الأول الذى بنى
عليه دان براون روايته، هو عدم إيمانه بالكتاب المقدس،
وقد
أدى
ذلك إلى تخبطه فى الكثير من الموضوعات الأخرى، إذ اعتمد على مصادر خاطئة. وفى هذا
الفصل نورد بعض إدعاءاته ضد الكتاب المقدس والرد عليها:
o ورد
فى رواية شفرة دافنشى: “إن الإنجيل لم يرسل من
السماء عن طريق فاكس”، “إن الإنجيل هو كتاب من تأليف بشر… ولم ينزل
بوحى من الإله، وهو لم يهبط بشكل خارق من الغيوم فى السماء. فهو من إبتكار الإنسان
الذى ألفه لتسجيل الأحداث التاريخية فى تلك العصور التى طبعتها النزاعات والفتن،
وقد تطور وتحرف من خلال ترجمات، وإضافات ومراجعات لا تعد ولا تحصى. والنتيجة أنه
لا توجد نسخة محددة للكتاب فى التاريخ كله”[3].
فى الحقيقة أن الكتاب
المقدس هو الكتاب الوحيد الذى يحتوى الوصايا العشر التى كتبها الله بنفسه مباشرة. والدليل
على ذلك ماجاء فى سفر الخروج:
·
“ثُمَّ اعْطَى مُوسَى عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنَ
الْكَلامِ مَعَهُ فِي جَبَلِ سِينَاءَ لَوْحَيِ الشَّهَادَةِ: لَوْحَيْ حَجَرٍ
مَكْتُوبَيْنِ بِاصْبِعِ اللهِ.” (خر 18: 31).
· ثُمَّ
قَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: “انْحَتْ لَكَ لَوْحَيْنِ مِنْ حَجَرٍ مِثْلَ
الاوَّلَيْنِ فَاكْتُبَ انَا عَلَى اللَّوْحَيْنِ الْكَلِمَاتِ الَّتِي كَانَتْ
عَلَى اللَّوْحَيْنِ الاوَّلَيْنِ اللَّذَيْنِ كَسَرْتَهُمَا.” (خر 1: 34).
·
“فَكَتَبَ [الرب]
عَلَى اللَّوْحَيْنِ كَلِمَاتِ الْعَهْدِ الْكَلِمَاتِ الْعَشَرَ. “ (خر28: 34-29).
الكتاب المقدس موحى به
من الله وكتبه أناس الله القديسون. حقا لقد كتبه البشر، ولكن بوحى
من الروح القدس. وهناك الكثير من الأدلة على ذلك، ونذكر منها الآتى:
الدليل الأول – على أن
الكتاب المقدس موحى به من الله – هو التاثير الروحى للكتاب المقدس فى التعليم
والتقويم إلى طريق البر. فالذين تبعوا تعاليمه صاروا قديسين، وكل قديس
هو إنجيل معاش.” كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحىً بِهِ مِنَ اللهِ،
وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي
فِي الْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّباً لِكُلِّ
عَمَلٍ صَالِحٍ.” (2 تيموثاؤس 3: 16). “أَلَيْسَتْ
هَكَذَا كَلِمَتِي كَنَارٍ يَقُولُ الرَّبُّ وَكَمِطْرَقَةٍ تُحَطِّمُ
الصَّخْرَ؟” (أر 29: 23). وقد ترجم الكتاب
المقدس إلى أكثر من 850 لغة، ومع ذلك له نفس التأثير الروحى.
والدليل الثانى هو تحقيق
النبوات بصورة مذهله. فيقول القديس بطرس الرسول: “لأَنَّهُ
لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ
اللَّهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ” (2بطرس 1: 21). والقارىء
الواعى للأناجيل المقدسة الأربعة يدرك تماما كيفية تحقيق النبوات بدقة. فنجد
القديس متى مثلا يشير للنبوات مرات عديدة ويقول: “لكى يتم ما قيل…”
(متى 22: 1، 15: 2، 23: 2، 14: 4، 17: 8، 17: 12، 35: 13، 4: 21، 35: 27).
والدليل الثالث هو وحدة
الموضوع فى الكتاب المقدس بالرغم من اختلاف الأزمنة
والأماكن التى كتب فيها أسفار الكتاب المقدس وثقافات من اشتركوا فى كتابته. فالكتاب
المقدس يحتوى 73 سفرا (46 فى العهد القديم، 27 فى العهد الجديد)، وإستغرقت كتابته
حوالى 1500 سنة، إشترك فى الكتابة حوالى 40 كاتبا متباينون فى الثقافة، فمنهم: الملك
مثل داود وسليمان، وراعى الغنم مثل عاموس، والكاهن مثل زكريا، والنبى مثل صموئيل
وأشعياء، والمشرع مثل موسى، والقائد العسكرى مثل يشوع، وصياد السمك مثل بطرس
ويوحنا، والفيلسوف مثل بولس، والطبيب مثل لوقا، وكتب فى أماكن متفرقة: برية سيناء،
برية اليهوديه، مغارة عدلام، سجن روما، جزيرة بطمس، قصور جبل صهيون، ضفاف أنهار
بابل، أورشليم بعد إعادة بنائها. هذه الوحدة العجيبة بين أسفار الكتاب المقدس تشير
إلى مصدره الالهى، ولهذا لا يزعجنا على الإطلاق دور البشر فى كتابته وتجميعه
وترجمته.
o ورد
أيضا فى رواية شفرة دافنشى: “الوثائق تلقى الضوء على تناقضات، وفبركات
تاريخية فاضحة تؤكد بشدة أن الإنجيل الحديث كان قد جمع ونقح على يد رجال ذوى أهداف
سياسية تتجلى بنشر الأكاذيب حول ألوهية الإنسان يسوع المسيح واستخدام تأثيره لدعم
قاعدة سلطانهم ونفوذهم.”[4]
ادعى “دان
براون” مخطئا – وبدون أى مستند تاريخى – أن العهد الجديد تم كتابته وتجميعه
طبقا لأهداف سياسية. وهذا الادعاء يدل على عدم معرفة السيد براون
بكيفية الاقرار بقانونية canonization كتابات العهد الجديد. فهذا الأمر تم حسب معايير محددة، ليس
للأهداف السياسية ولا للمصالح الشخصية دخل فيها.
فلكى يتم اعتبار أى
كتابات ضمن أسفار العهد الجديد بالكتاب المقدس كان لابد أن تكون موافقة لثلاثة
إشتراطات رئيسية. وهذه الاشتراطات منعت تماما الاحتمال بقبول كتابات مزورة
ضمن أسفار العهد الجديد. وهذه الاشتراطات الثلاثة هى:
1- أن
تكون الكتابات مكتوبة بواسطة أى من الرسل أو التلاميذ الذين كانوا شهود عيان
لقيامة السيد المسيح. وقد قبلت كتابات القديس بولس الرسول أيضا لظهور
السيد المسيح له شخصيا، كما أنه عرض موضوع ما يكرز به على الرسل كما جاء فى رسالته
إلى غلاطية: “إنما صَعِدْتُ بِمُوجَبِ إِعْلاَنٍ، وَعَرَضْتُ
عَلَيْهِمِ الإِنْجِيلَ الَّذِي أَكْرِزُ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، وَلَكِنْ
بِالاِنْفِرَادِ عَلَى الْمُعْتَبَرِينَ، لِئَلاَّ أَكُونَ أَسْعَى أَوْ قَدْ
سَعَيْتُ بَاطِلاً.” (غلاطية 2: 2).
2- أن
تكون الكتابات أرثوذكسية أى صحيحة فى تعاليمها لا تتعارض مطلقا مع
الأسفار العبرية اليهودية ولا كتابات رسل السيد المسيح.
3- أن
تكون الكتابات مقبولة من كل الكنائس فى العالم المعروف فى ذلك الوقت، وليس
قبولها قاصرا على مجموعة خاصة من المسيحيين.
o بحسب
ما جاء فى دافنشى كود، فإن مخطوطات نجع حمادى Nag Hammadi والبحر الميت Dead Sea Scrolls هى أقدم الكتابات المسيحية The earliest Christian
record.[5]
وحقيقة الأمر أن
مخطوطات نجع حمادى تم إكتشافها عام 1945 بالقرب من نجع حمادى بمصر. وهى كتابات
لمجموعة هراطقة وهم الغنوسيون Gnostics، وأقدم مخطوطاتها كتب بعد عام 150 ميلادية، بل أن معظمها يرجع إلى
200-300 ميلادية، فى حين أن العهد الجديد تم تجميعه قبل عام 100 ميلادية أى قبل
كتابة أقدم مخطوطة من مخطوطات نجع حمادى بخمسين عاما[6].
وهذه المخطوطات متعارضة تماما مع الكتابات المسيحية القانونية التى كتبها رسل
السيد المسيح بالقرن الأول الميلادى، كما أنها تتعارض مع الأسفار العبرية.
واعتبار دان براون
مخطوطات البحر الميت ضمن أقدم الكتابات المسيحية أمر غير صحيح لأن تاريخ ومحتويات
هذه المخطوطات يدلان بدون شك أنها كتابات لأسفار عبرية، وليست ضمن أسفار العهد
الجديد.
o ورد
فى رواية شفرة دافنشى: “تم أخذ أكثر من ثمانين إنجيلا بعين الاعتبار لتشكل
العهد الجديد، إلا أن القليل منها فقط تم إختياره فى النهاية، وهى إنجيل متى ومرقص
ولوقا ويوحنا.”[7]
والحقيقة أن الأناجيل
الأربعة كانت متداولة بين الجماعات المسيحية ومستخدمة فى العبادة فى القرن الأول
الميلادى، وقد ذكرها القديس إيرينيئوس أسقف ليون قبل أن تكتب أقدم نسخة من
الكتابات المكتشفة بنجع حمادى.
وفى هذا الادعاء أيضا
لم يتوخى دان براون الدقة حتى فى تقديم إدعائه لأنه لا يوجد فى مخطوطات نجع حمادى
ما يدعى أنه أناجيل سوى خمسة فقط وليس ثمانون إنجيلا. ولم تعترف الكنيسة منذ
البداية بقانونية أى منها بناء على ما سبق أن ذكرناه.
o ورد
فى رواية شفرة دافنشى: “يحكى أن وثيقة Q
الأسطورية هى جزء من هذا الكنز. وهى مخطوط يعترف حتى الفاتيكان بوجودها. ويقال
أنها كتاب يحمل تعاليم يسوع، والذى ربما يكون قد كتب بيديه”.[8]
ما أسماه دان براون
الوثيقة Q ليست مخطوطة قديمة، بل هو كتاب معاصر ألفه بعض الدارسين لدارسة
تعاليم السيد المسيح التى وردت فى أناجيل القديسين متى ومرقس ولوقا معا. وهذا الكتاب
متوفر بالمكتبات ومعروف تاريخ نشره وأسماء مؤلفيه. وقد أفترض هؤلاء المجموعة من
الدارسين أنه ربما يكون هؤلاء الإنجيليين الثلاثة قد نقلوا هذه التعاليم المشتركة
من أصل واحد الذى أسموه فرضا Q من الكلمة الألمانية Quelle أى مصدر.
وحتى لو إفترضنا وجود
هذا المصدر كما قال هؤلاء الدارسون، فليس فيه ما يتعارض مع الأناجيل الثلاثة
المذكورة.
o ورد
فى كتاب شفرة دافنشى أن الإمبراطور قسطنطين كان له الدور الرئيسى فى عملية
الاعتراف بقانونية كتابات العهد الجديد. كما ورد فيه: “أمر قسطنطين بإنجيل
جديد وقام بتمويله. أبطل فيه الأناجيل التى تحدثت عن السمات الإنسانية للمسيح وزين
تلك التى أظهرت المسيح بصفات إلهية. وحرمت الأناجيل الأولى وتم جمعها وحرقها”.[9]
وحقيقة الأمر أن عملية
الاعتراف بقانونية كتابات العهد الجديد تمت فى العصر الرسولى فى القرن الأول
الميلادى.
وذلك قبل أن يصير قسطنطين أمبراطورا بسنين كثيرة، وقبل أن تكتب أقدم نسخة من
كتابات الغنوسيين كما سبق أن ذكرنا.
وقد حاول هرطوقى يدعى
مرقيان عام 140 ميلادية حذف أناجيل متى ومرقس ويوحنا ورسائل بولس الرسول من
الإنجيل المستخدم فى كنيسته، ولكنه فشل. فقد حرمته الكنيسة فى ذلك الوقت، وأظهر
أباء الكنيسة مثل ترتليانوس وإيرينيئوس أخطاءه. فلو كانت عملية إقرار قانونية
كتابات العهد الجديد تمت متأخرا فى عهد قسطنطين كان مرقيان قد سبق ونجح فيما أراده.
وبالفعل كان قسطنطين قد
أمر بطباعة 50 نسخة من العهد الجديد المستخدم فعلا، والذى يحتوى الكتابات المعترف
بقانونيتها، وذلك دون حذف أو إضافة، ولم يكن إنجيلا جديدا.
وأما فيما يختص بما
أسماه براون “حرق الأناجيل الأولى” فهذا أمر ليس له سند تاريخى، وربما
ما قصده براون هو حرق الكتابات المزيفة. فقد كتب القديس
أثناسيوس الرسولى عام 367 ميلادية للمسيحيين أن يطهروا الكنائس من الكتابات
المزيفة، ورفض الكتب المتداولة سرا. وربما يكون بعض الكنائس قد قامت بحرق هذه
الكتابات المزيفة ولكنها لم تكن بأى حال من الأحوال “الأناجيل الأولى”
كما إدعى دان براون.
وبعكس ما جاء فى إدعاء
دان براون – علاوة على تقديم الشهادة القوية للاهوت السيد المسيح – قدم العهد
الجديد بأسفاره القانونية شخص السيد المسيح أنه إنسان حقيقي، له طبيعة بشرية حقيقية
كاملة. فقد
“أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ
النَّاسِ.” (فيلبي 2: 7)، لأنه “كَانَ
يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِكَيْ يَكُونَ رَحِيماً،
وَرَئِيسَ كَهَنَةٍ أَمِيناً فِي مَا لِلَّهِ حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا الشَّعْبِ.”
(عبرانيين 2: 17). ورد فى إنجيل القديس لوقا: “وَأَمَّا
يَسُوعُ فَكَانَ يَتَقَدَّمُ فِي الْحِكْمَةِ وَالْقَامَةِ وَالنِّعْمَةِ عِنْدَ
اللهِ وَالنَّاسِ”. (لوقا 2: 52)، كما ورد فى إنجيل
القديس متى قصة ميلاد السيد المسيح بالجسد من العذراء القديسة مريم وختانه فى
اليوم الثامن، وذلك علاوة على الشواهد الأخرى الكثيرة الدالة على كمال إنسانية
السيد المسيح.
كنا قد ذكرنا سابقا أن عدم
إيمان”دان براون “Dan
Brown بالكتاب المقدس أدى إلى
تخبطه فى الكثير من الأمور الأخرى، ومن هذه الأمور “طبيعة السيد المسيح”.
o ورد
فى رواية شفرة دافنشى: “تقريبا كل شىء علمه لنا الآباء عن المسيح زائفfalse “[10]
وادعى “دان براون” أن شهادة العهد الجديد عن لاهوت السيد المسيح شهادة
زائفة.[11]
o ورد
فى رواية دافنشى: “كان المسيح فى نظر أتباعه نبيا فانيا… رجل عظيم ذو سلطة
واسعة، إلا أنه رجلا…إنسانا فانيا… وليس إبن الله”[12]
o ورد
أيضا فى رواية شفرة دافنشى الادعاء بأن الاعتراف بلاهوت السيد المسيح كان بناء على
التصويت فى مجمع نيقية، و”كان الفرق فى الأصوات لا يكاد يذكر”.[13]
فى هذا الادعاءات نلمس
التزييف فى عرض التاريخ. فلم يعقد مجمع نيقية حوالى عام 318 ميلادية لإعلان لاهوت
السيد المسيح، وكأنما الأمر لم يكن معروفا سابقا، وإنما لمحاكمة أريوس الذى أنكر
لاهوت السيد المسيح. وقانون الإيمان الذى أقره المجمع هو تعبير عن إيمان الكنيسة
منذ القرن الأول، كما عاشته الكنيسة وكما ورد فى الكتابات المقدسة وصلوات الكنيسة
الليتورجية. وبعكس ما قاله دان براون، فقد وافق جميع الحاضرون على نص قانون
الإيمان وعددهم 318، فيما عدا إثنين فقط.
السيد المسيح لم يكن
مجرد “رجل عظيم ذو سلطة واسعة” – كما قال براون _ ولكنه “إبن
الله” (لوقا 35: 1)، وهو الله الظاهر فى الجسد (1تيموثاؤس 16: 3)…
السيد المسيح كلمة الله
منذ الأزل. والقديس يوحنا يقول فى بداية إنجيله: “فِي
الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَكَانَ
الْكَلِمَةُ اللَّهَ.” (يوحنا 1: 1). وفى سفر الرؤيا يقول عنه أنه: “مُتَسَرْبِلٌ
بِثَوْبٍ مَغْمُوسٍ بِدَمٍ، وَيُدْعَى اسْمُهُ «كَلِمَةَ اللهِ».” (رؤيا 19: 13).
المسيح مولود من الله، فقد ولد
من العذراء القديسة مريم بالجسد بحلول الروح القدس عليها. وقال
لها الملاك: اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ
وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ فَلِذَلِكَ أَيْضاً الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ
مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ.” (لوقا 1: 35)، وقال السيد المسيح لليهود: “أَنِّي
خَرَجْتُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ وَأَتَيْتُ. لأَنِّي لَمْ آتِ مِنْ نَفْسِي بَلْ
ذَاكَ أَرْسَلَنِي.” (يوحنا 8: 42). كما قال لتلاميذه: “الآبَ نَفْسَهُ يُحِبُّكُمْ لأَنَّكُمْ قَدْ أَحْبَبْتُمُونِي
وَآمَنْتُمْ أَنِّي مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَرَجْتُ.” (يوحنا 16: 27).
والاعتراف بلاهوت السيد
المسيح لم يكن أمرا ألزمه مجمع نيقية والإمبراطور قسطنطين فى القرن الرابع
الميلادي، بل أمر شهد له الآب السماوى وكثيرون منذ بداية إعلان السيد المسيح لنفسه
وبداية خدمته العلنية، ونذكر من هذه الشهادات الآتى:
فقد شهد الآب السماوى
للسيد المسيح أنه إبنه الحبيب. فقال عند عماده: “هَذَا
هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ. لَهُ اسْمَعُوا” (مر 10:
1-11)، كما شهد له بنفس الشهادة على جبل التجلي (متى 17: 5، مرقس
7: 9، 2بطرس 16: 1-18).
ومنذ القرن الأول
الميلادي، شهد التلاميذ وكثير من شهود العيان الذين شاهدوا أعمال السيد المسيح
ومعجزاته شهدوا أنه “إبن الله” وليس مجرد إنسان كما ادعى براون.
فقد سأل السيد المسيح تلاميذه:
“وَأَنْتُمْ مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟” فَأَجَابَ سِمْعَانُ
بُطْرُسُ: “أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ”. فَقَالَ
لَهُ يَسُوعُ: “طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا إِنَّ لَحْماً وَدَماً
لَمْ يُعْلِنْ لَكَ لَكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.” (متى 16: 15-17).
ويحمل رد السيد المسيح على اعتراف بطرس معنى موافقته على صحته، بل وأكثر من ذلك أن
السيد المسيح قال أن الآب السماوى نفسه هو الذى أعلن هذه الحقيقة لبطرس.
كما أن الأناجيل الثلاثة
الأخرى متى ومرقس ولوقا – والتي كانت قد كتبت قبل إنجيل القديس يوحنا، أشارت كلها
إلى السيد المسيح أنه إبن الله. ويقول القديس متى مستشهدا
باشعياء النبى: “هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَيَدْعُونَ
اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ،الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللَّهُ مَعَنَا.”(متى 1: 23).
وبدأ القديس مرقس إنجيله بقوله: “بَدْءُ إِنْجِيلِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ
اللَّهِ” (مرقس 1: 1)، وأورد القديس لوقا كلام الملاك للعذراء مريم: “اَلرُّوحُ
الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ فَلِذَلِكَ أَيْضاً
الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ.” (لوقا 1: 35).
والسيد المسيح إبن الله أيضا
لأنه عمل أعمال الله. فقد قال: “الأَعْمَالَ
الَّتِي أَعْطَانِي الآبُ لأُكَمِّلَهَا هَذِهِ الأَعْمَالُ بِعَيْنِهَا الَّتِي
أَنَا أَعْمَلُهَا هِيَ تَشْهَدُ لِي أَنَّ الآبَ قَدْ أَرْسَلَنِي.” (يوحنا
5: 36)، “إِنْ كُنْتُ لَسْتُ أَعْمَلُ أَعْمَالَ أَبِي فلاَ تُؤْمِنُوا بِي.
وَلَكِنْ إِنْ كُنْتُ أَعْمَلُ فَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِي فَآمِنُوا
بِالأَعْمَالِ لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا أَنَّ الآبَ فِيَّ وَأَنَا
فِيهِ”. (يوحنا 10: 37-38).
كما أن المعترضين على
صحة الكتاب المقدس أقروا أن القديس بولس الرسول كتب رسائله لكنائس الامبرطورية
الرومانية خلال عشرين سنة بعد موت السيد المسيح على الصليب، وأشار فيها إلى لاهوت
السيد المسيح. وهذه الرسائل كانت متداولة بين الكنائس
المسيحية ومقبولة فى القرن الأول الميلادى.
وقد وصفت رسائل القديس
بولس الرسول التى كتبت فى الفترة 40 – 60 ميلادية السيد المسيح أنه ابن الله. وكتب يقول:
“مَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ
فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي
وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي” (غلاطية 2: 20). لَنَا
إِلَهٌ وَاحِدٌ: الآبُ الَّذِي مِنْهُ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ وَنَحْنُ لَهُ. وَرَبٌّ
وَاحِدٌ: يَسُوعُ الْمَسِيحُ الَّذِي بِهِ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ وَنَحْنُ
بِهِ” (1 كورنثوس 8: 6).
وكتابات بولس الرسول الأخيرة
تصف السيد المسيح أنه صورة الله غير المنظور. وكتب يقول: ”
الَّذِي [السيد المسيح] إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ،
لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً لِلَّهِ.” (فيلبي 2: 6)،
“اَلَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ،
بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ. فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا فِي السَّمَاوَاتِ
وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشاً أمْ
سِيَادَاتٍ أمْ رِيَاسَاتٍ أمْ سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ.”
(كولوسي 1: 15-16)، “وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ،
وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ” (عبرانيين 1: 3).
وفى السيد المسيح يحل ملء
اللاهوت. فيقول القديس بولس: “فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيّاً.”
(كولوسي 2: 9).
وقد أعلن السيد المسيح لنا عن
الله وصفاته. “اَللَّهُ
لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ
هُوَ خَبَّرَ.” (يوحنا 1: 18). وقال السيد المسيح: “اَلَّذِي رَآنِي
فَقَدْ رَأَى الآبَ” (يوحنا 14: 9).
وقد اكتشفت فى مصر جزء من
مخطوطة إنجيل القديس يوحنا ترجع إلى عام 100 ميلادية. وهذا
الاكتشاف يدل على أن إنجيل يوحنا – الذي
شهد بقوة عن لاهوت السيد المسيح – كان متداولا على نطاق واسع قبل نهاية القرن
الأول الميلادي.
حتى المعارضون ذكروا أن
المسيحيين فى الكنيسة الأولى كانوا يعترفون بلاهوت السيد المسيح. فقد
كتب سيلسوس Celsus الوثنى – عام 178 ميلادية – مهاجما الإيمان
المسيحي وقال أن: “المسيح أعلن نفسه إلها”.[14]
وقد واجه
المسيحيون منذ القرن الميلادي الأول الاضطهاد والموت من أجل عقيدتهم فى شخص السيد
المسيح.
فلو كان الاعتقاد بلاهوت السيد المسيح أمرا مستحدثا فلماذا استشهد القديس أسطفانوس
والقديس يعقوب الرسول وغيرهم كثيرون فى القرن الأول والقرون التى بعده؟.
o
ورد أيضا فى رواية شفرة دافنشى: “قسطنطين…
ابطل فيه الأناجيل التى تحدثت عن السمات الإنسانية للمسيح…”[15]
o ورد
فى رواية شفرة دافنشى: “لحسن حظ المؤرخين… فقد تم العثور على وثائق البحر
الميت عام 1950 مخبأة فى كهف بالقرب من قمران فى صحراء النقب. كما عثر على الوثائق
القبطية عام 1945 عند واحة حمادي. وقد تحدثت تلك الوثائق عن خدمة المسيح بمصطلحات
إنسانية تماما…”[16]
أخطأ دان براون فى
الجمع بين مجموعتين مختلفتين من المخطوطات، وهما مخطوطات البحر الميت، ومخطوطات
نجع حمادى. ومخطوطات البحر الميت هى كتابات عبرية لأسفار فى العهد القديم وقد كتبت
قبل ميلاد السيد المسيح بزمن طويل، وليست كتابات مسيحية.
أما كتابات نجع حمادى
فهى كتابات غنوسية – كما سبق أن ذكرنا – متعارضة تماما مع الكتابات المسيحية
القانونية التى كتبها رسل السيد المسيح بالقرن الأول الميلادى، كما أنها تتعارض مع
الأسفار العبرية.
كتابات العهد الجديد
القانونية – مع شهادتها القوية للاهوت السيد المسيح – تشهد أيضا بنفس القوة لسماته
الإنسانية الكاملة. فقد قدم العهد الجديد
بأسفاره القانونية شخص السيد المسيح أنه إنسان حقيقي، له طبيعة بشرية حقيقية كاملة.
فقد
“أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ
النَّاسِ.” (فيلبي 2: 7)، لأنه “كَانَ
يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِكَيْ يَكُونَ رَحِيماً،
وَرَئِيسَ كَهَنَةٍ أَمِيناً فِي مَا لِلَّهِ حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا الشَّعْبِ.”
(عبرانيين 2: 17). ورد فى إنجيل القديس لوقا: “وَأَمَّا
يَسُوعُ فَكَانَ يَتَقَدَّمُ فِي الْحِكْمَةِ وَالْقَامَةِ وَالنِّعْمَةِ عِنْدَ
اللهِ وَالنَّاسِ”. (لوقا 2: 52)، كما ورد فى إنجيلي
القديس متى و لوقا قصة ميلاد السيد المسيح بالجسد من العذراء القديسة مريم وختانه
فى اليوم الثامن، وذلك علاوة على الشواهد الأخرى الكثيرة الدالة على كمال إنسانية
السيد المسيح.
وفى الواقع لم تكن
المشكلة مع بعض مؤمني الكنيسة الأولى فى إقناعهم بلاهوت السيد المسيح بل فى ناسوته
أى أنه أيضا إنسان كامل. وما يجهله الكاتب أيضا أن كتابات الغنوسيين
التى يشير إليها لا تعترف بكمال إنسانية السيد المسيح بعكس ما يظنه دان براون.
وكان القديس يوحنا
الرسول – فى رسالته الأولى – قاطعا فى تعليمه أن يسوع جاء فى جسد حقيقى، حيث أن
بعض المعلمون كانوا ينادون بغير ذلك. وقال:
“بِهَذَا تَعْرِفُونَ رُوحَ اللهِ: “كُلُّ
رُوحٍ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ فَهُوَ
مِنَ اللهِ، وَكُلُّ رُوحٍ لاَ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ
جَاءَ فِي الْجَسَدِ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ.” (1 يوحنا 4: 2-3).
ولم يتردد القديس بولس الرسول
فى أن يدعو السيد المسيح له المجد بأنه “الإنسان يسوع المسيح”، وقال بولس
الرسول: “يُوجَدُ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ
وَالنَّاسِ: الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ” (1 تيموثاوس 2: 5).
ومن هذا كله يتضح أن
الكتاب المقدس يشهد بقوة أن السيد المسيح هو ابن الله الذي له كل السمات اللاهوتية،
وهو فى نفس الوقت إنسان كامل له كل السمات الإنسانية، ولكن بلا خطية.
فى الوقت الذى تعثر فيه
دان براون Dan
Brown فى الكلام عن “طبيعة
السيد المسيح”، عاد وتعثر أيضا فى الحديث عن “حياة السيد
المسيح”، وقدمها بصورة خاطئة مخالفة للحقيقة إذ لم يكتشف في السيد المسيح
أدم الجديد، الإنسان الكامل الذى بلا خطية (عبرانيين 15: 4).
هرطقة زواج المسيح
o ورد
فى رواية شفرة دافنشي أن فكرة يسوع كرجل متزوج هو “أمر منطقي أكثر من فكرتنا
الإنجيلية التقليدية التى تقول إنه كان عازبا”.[17]
o ورد
برواية شفرة دافنشى أن السيد المسيح تزوج مريم المجدلية، وأنجب منها طفلة أسمها
سارة[18]،
وزواجه من مريم المجدلية “مذكور فى السجلات التاريخية”[19]
o ورد
أيضا فى الرواية: “لأن يسوع كان يهوديا… وقد كان العرف الاجتماعى فى ذلك
العصر يحرم تماما على الرجل اليهودى أن يكون أعزبا. كما أن الامتناع عن الزواج كان
ذنبا يعاقب عليه بحسب التقاليد اليهودية، وكان واجب الأب اليهودى أن يجد زوجة
مناسبة لإبنه. فلو كان المسيح أعزبا، لكان ذلك قد ذكر فى أحد الأناجيل وتم تفسير
حالة عدم زواجه غير المألوفة على الإطلاق”.[20]
الامتناع عن الزواج لم
يكن ذنبا يعاقب عليه بحسب التقاليد اليهودية. يقول القديس بولس
الرسول فى رسالته لكورنثوس: “وَلَكِنْ أَقُولُ لِغَيْرِ
الْمُتَزَوِّجِينَ وَلِلأَرَامِلِ إِنَّهُ حَسَنٌ لَهُمْ إِذَا لَبِثُوا كَمَا
أَنَا.” (1 كورنثوس 7: 8). علما بأن بولس الرسول “مِنْ جِنْسِ
إِسْرَائِيلَ، مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ، عِبْرَانِيٌّ مِنَ الْعِبْرَانِيِّينَ.
مِنْ جِهَةِ النَّامُوسِ فَرِّيسِيٌّ.” (فيلبي 3: 5).
ولا يوجد أى دليل
تاريخى من أى شاهد عيان فى أيام السيد المسيح يشير إلى زواج السيد المسيح من مريم
المجدلية. وحتى
الكتابات الغنوسية التى أشار إليها – مثل إنجيل مريم المجدلية وإنجيل فيليب – لم
تقرر زواج السيد المسيح من مريم المجدلية أو أى إمرأة أخرى.
لم يذكر لنا دان براون
لماذا كان الأمر منطقيا أن يكون السيد المسيح متزوجا. وفى الحقيقة – بعكس ما ورد
فى إدعاء براون – الفكر المنطقي هو أن السيد المسيح لم يتزوج حسب ما هو وارد
بالإنجيل المقدس، وذلك لأسباب كثيرة، نذكر منها الآتي:
السيد المسيح أتى
بالجسد من أجل رسالة إلهية خاصة تكلم عنها منذ طفولته. فحينما بحث
عنه القديس يوسف النجار وأمه العذراء مريم فى أورشليم وهو فى سن الثانية عشر،
“وَبَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ وَجَدَاهُ فِي الْهَيْكَلِ جَالِساً
فِي وَسْطِ الْمُعَلِّمِينَ يَسْمَعُهُمْ وَيَسْأَلُهُمْ. وَكُلُّ الَّذِينَ
سَمِعُوهُ بُهِتُوا مِنْ فَهْمِهِ وَأَجْوِبَتِهِ. فَلَمَّا أَبْصَرَاهُ
انْدَهَشَا. وَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: «يَا بُنَيَّ لِمَاذَا فَعَلْتَ بِنَا
هَكَذَا؟ هُوَذَا أَبُوكَ وَأَنَا كُنَّا نَطْلُبُكَ مُعَذَّبَيْنِ!» فَقَالَ
لَهُمَا: «لِمَاذَا كُنْتُمَا تَطْلُبَانِنِي؟ أَلَمْ تَعْلَمَا أَنَّهُ يَنْبَغِي
أَنْ أَكُونَ فِي مَا لأَبِي؟». (لوقا 2: 46-49).
السيد المسيح كرس حياته
على الأرض بالكامل من أجل بشارة الملكوت. وقد
سبق أن تحدث عن أمثلة هؤلاء الذين نذروا بتوليتهم ليتفرغوا للبشارة بالانجيل، فقال:
“لأَنَّهُ يُوجَدُ خِصْيَانٌ وُلِدُوا هَكَذَا مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ
وَيُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَاهُمُ النَّاسُ وَيُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَوْا أَنْفُسَهُمْ
[عاشوا فى البتولية] لأَجْلِ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ.” (متى 19: 12).
لم يكن للسيد المسيح منزلا
خاصا بل كان كثير التجوال من الكرازة بملكوت الله. وقال
السيد المسيح: «لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ
وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ». (متى 8: 20). فلو كان متزوجا فأين كان منزل الزوجية؟
إنجيل القديس متى الأصحاح 12،
لم يذكر شىء عن الزوجة المدعاه ضمن الذين كانوا يطلبون السيد المسيح.
يقول القديس متى: “قَالَ لَهُ وَاحِدٌ: «هُوَذَا
أُمُّكَ وَإِخْوَتُكَ وَاقِفُونَ خَارِجاً طَالِبِينَ أَنْ يُكَلِّمُوكَ».
فَأَجَابَهُ: «مَنْ هِيَ أُمِّي وَمَنْ هُمْ إِخْوَتِي؟» ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ
نَحْوَ تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ: «هَا أُمِّي وَإِخْوَتِي. لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ
مَشِيئَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي». (متى
12: 47-50).
وعند الصليب أوصى السيد المسيح
القديس يوحنا برعاية أمه، وليست زوجته المدعاه.
“فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ أُمَّهُ وَالتِّلْمِيذَ الَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ
وَاقِفاً قَالَ لأُمِّهِ: «يَا امْرَأَةُ هُوَذَا ابْنُكِ». ثُمَّ قَالَ
لِلتِّلْمِيذِ: «هُوَذَا أُمُّكَ». وَمِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ أَخَذَهَا
التِّلْمِيذُ إِلَى خَاصَّتِهِ. (يوحنا 19: 26-27). فلو كان متزوجا، فماذا كان
موقفه بشأن رعاية زوجته بعد موته.
وإجابة السيد المسيح لمريم
المجدلية بعد قيامته تدل على عدم وجود علاقة زوجية.
قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «لاَ تَلْمِسِينِي لأَنِّي لَمْ أَصْعَدْ بَعْدُ إِلَى أَبِي.
وَلَكِنِ اذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي وَقُولِي لَهُمْ: إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي
وَأَبِيكُمْ وَإِلَهِي وَإِلَهِكُمْ». (يوحنا 20: 17). فلو كان متزوجا فلماذا لم
يقل لها أن تسبقه إلى منزلهما المدعى؟
والقديس بولس الرسول لم يشير
للسيد المسيح ضمن المتزوجين الذين كانوا من الممكن أن يكون مثلهم. فقد
قال: “أَلَعَلَّنَا لَيْسَ لَنَا سُلْطَانٌ أَنْ نَجُولَ بِأُخْتٍ زَوْجَةً
كَبَاقِي الرُّسُلِ وَإِخْوَةِ الرَّبِّ وَصَفَا؟” (1 كورنثوس 9: 5). فلو كان السيد المسيح متزوجا، أفلم يكن أجدر بالرسول
بولس إن يشير إليه ويجعل محاجاته قاطعة؟
الكتاب المقدس بعهديه يقرر أن
السيد المسيح لم يكن له نسل بالجسد. فقد ورد فى سفر أعمال الرسل: “فِي
تَوَاضُعِهِ انْتَزَعَ قَضَاؤُهُ وَجِيلُهُ مَنْ يُخْبِرُ بِهِ لأَنَّ حَيَاتَهُ
تُنْتَزَعُ مِنَ الأَرْضِ؟” (اعمال 8: 33)، وذلك إشارة لما جاء عنه أشعياء
النبى (اشعياء 53: 8)، أى أن عند موته لم يكن له نسلا بالجسد.
كما أن دانيال تنبأ انه لم يكن
له نسل يعلن عن براءته عند الحكم عليه بالموت. يقول
دانيال النبى: “وَبَعْدَ اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ أُسْبُوعاً يُقْطَعُ
الْمَسِيحُ وَلَيْسَ لَهُ” (دانيال 26: 9)، أى أن السيد المسيح لم يكن له
ذرية بالجسد عند موته.
أما بعد موته، فقد صار له نسل
بالمعنى الروحى. فأشعياء النبى يقول عنه: “إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ يَرَى نَسْلاً تَطُولُ
أَيَّامُهُ وَمَسَرَّةُ الرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ.” (اشعياء 53: 10)،
“هَكَذَا يَنْضِحُ أُمَماً كَثِيرِين” (اشعياء 52: 15).
السيد المسيح هو عريس الكنيسة
بالمعنى الروحى. ولهذا يقول القديس بولس الرسول: “فَإِنِّي
أَغَارُ عَلَيْكُمْ غَيْرَةَ اللهِ، لأَنِّي خَطَبْتُكُمْ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ،
لأُقَدِّمَ عَذْرَاءَ عَفِيفَةً لِلْمَسِيحِ.” (2 كورنثوس 11: 2). وسفر
الرؤيا يقول: «اكْتُبْ: طُوبَى لِلْمَدْعُوِّينَ إِلَى عَشَاءِ عُرْسِ الْحَمَلِ
[السيد المسيح والكنيسة]». (رؤيا 19: 9).
لوحة العشاء السرى
o ورد
فى رواية شفرة دافنشى عن لوحة ليوناردو دافنشى التى تدعى العشاء السرى: “كانت
المرأة الجالسة على يمين المسيح صبية صغيرة فى السن ويبدو عليها الورع وذات وجه
يتسم يالرزانة والحشمة وشعر أحمر كثيف ويدين مطوقتين بطمأنينة. هذه المرأة التى
بإمكانها ببساطة قلب الكنيسة رأسا على عقب….هى مريم المجدلية”.[21]
رسم ليوناردو دافنشى ما
تسمى لوحة العشاء السري على حائط فى صالة الطعام فى دير سانتا ماري ديللا جرازى Sta Marie della
Grazie بميلان بإيطاليا وذلك
حوالى عام 1495-1497 ميلادية. وقد إنطمست معالم الصورة مع الزمن حتى أصبح ليس فى
الأمكان تمييز الشخصية الجالسة عن يمين السيد المسيح ما إذا كانت رجلا أو إمرأة.
وعموما ليس هناك أى دليل أن تكون هذه الشخصية إمرأة.
فإذا كانت الشخصية
الجالسة عن يمين السيد المسيح إمرأة – وهذا الأمر غير حقيقى – فلماذا كانت مريم
المجدلية بالتحديد؟ ألم يكن من الأليق أن يقال أنها القديسة العذراء مريم الأم
التى تفوق فى الكرامة عن كل البشر؟ أليست القديسة مريم العذراء هى التى قيل عنها: “جُعِلَتِ
الْمَلِكَةُ عَنْ يَمِينِكَ بِذَهَبِ أُوفِيرٍ” (مزامير 45: 9)؟
ولكن حقيقة الأمر أن
هذه الشخصية هى لرجل حديث السن. فمن المعروف أن ليوناردوا دافنشى رسم
الرجال حديثى السن بصورة لها معالم أنثوية. ققد رسم صورة يوحنا المعمدان فى لوحته
المسماه “القديس يوحنا فى البرية St. John in the Wilderness وأيضا فى لوحته المسماه القديس يوحنا المعمدان St. John the Baptist الذين فى متحف اللوفر فى فرنسا.
والكتاب المقدس يخبرنا
أن الشخص كان بجوار السيد المسيح هو يوحنا الرسول، فقد كان
صغير السن وكان متكئا على صدر السيد المسيح. ويورد إنجيل القديس
يوحنا ما حدث فى العشاء الأخير: فقد قال لهم يسوع: “الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ وَاحِداً مِنْكُمْ
سَيُسَلِّمُنِي”. فَكَانَ التّلاَمِيذُ يَنْظُرُونَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ
وَهُمْ مُحْتَارُونَ فِي مَنْ قَالَ عَنْهُ. وَكَانَ مُتَّكِئاً فِي حِضْنِ
يَسُوعَ وَاحِدٌ مِنْ تلاَمِيذِهِ كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ. فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ
سِمْعَانُ بُطْرُسُ أَنْ يَسْأَلَ مَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ الَّذِي قَالَ عَنْهُ.
فَاتَّكَأَ ذَاكَ عَلَى صَدْرِ يَسُوعَ وَقَالَ لَهُ: “يَا سَيِّدُ مَنْ
هُوَ؟” أَجَابَ يَسُوعُ: “هُوَ ذَاكَ الَّذِي أَغْمِسُ أَنَا
اللُّقْمَةَ وَأُعْطِيهِ”. (يوحنا 21: 13-26). وقيل عنه أيضا أنه: “التِّلْمِيذَ
الَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ… وَهُوَ أَيْضاً الَّذِي اتَّكَأَ عَلَى
صَدْرِهِ وَقْتَ الْعَشَاءِ” (يوحنا 20: 21).
الكأس المقدسة
o
ورد فى رواية شفرة دافنشى أن الكأس المقدسة هى
رمز مريم المجدلية، فرحمها هو الذى حمل نسل المسيح.[22]
واضح أن دان براون قد
اقتبس هذا التصور من كتابات بيير بلانتارد Pierre Plantard الفرنسى. ففى عام 1960 حتى عام 1970 ميلادية، أصدر
بلانتارد عدة كتابات مدعيا فيها وجود جمعية سرية مهمتها الحفاظ على الكأس المقدسة.
وقد ادعى بلانتارد أنه
تتبع سلالة اسلاف السيد المسيح الملكية من مريم المجدلية خلال ملوك فرنسا. ونشرت
هذه الادعاءات عام 1982 فى كتاب يدعى “الدم المقدس والكأس المقدسة Holy Blood, Holy
Grail“. وفى عام 1993
إعترف بلانتارد تحت قسم أن كل ما كتبه فى هذا الموضوع غير حقيقى.[23]
كما أن الكاتب لويس
بيردو Lewis
Perdue مؤلف روايات “عظمة
دافنشى Davinci
Legacy، وبنت الله The Daughter of God، قد أثار الجدل حول رواية شفرة دافنشى، وقال أن دان براون قد
إقتبس ما كتبه من رواياته.
وحقيقة الأمر أن الكأس
المقدسة هى الكأس التى قدم فيها السيد المسيح من عصير الكرمة. فقد شهد
القديس متى البشير: “وَأَخَذَ [السيد المسيح] الْكَأْسَ
وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلاً: اشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ. لأَنَّ هَذَا هُوَ
دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ
لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا”. (متى 26: 27-28). كما قال القديس بولس الرسول
أيضا: “كَذَلِكَ الْكَأْسَ أَيْضاً بَعْدَمَا تَعَشَّوْا قَائِلاً: هَذِهِ
الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي. اصْنَعُوا هَذَا كُلَّمَا
شَرِبْتُمْ لِذِكْرِي”. (1
كورنثوس 11: 25)، “كَأْسُ الْبَرَكَةِ الَّتِي نُبَارِكُهَا أَلَيْسَتْ هِيَ
شَرِكَةَ دَمِ الْمَسِيحِ؟ الْخُبْزُ الَّذِي نَكْسِرُهُ أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةَ
جَسَدِ الْمَسِيحِ؟” (1 كورنثوس 10: 16).
فلو كانت مريم المجدلية هى
الكأس المقدسة، فكيف قدمها السيد المسيح لتلاميذه ليشربوا منها؟ وكيف
كانت للعهد الجديد؟ ومتى سفكت من أجل كثيرين؟ وكيف كانت لمغفرة الخطايا؟ وكيف صارت
مريم المجدلية كأس البركة؟ وكيف يصير للمؤمنين الشركة فيها؟
لم تقتصر الأخطاء التى
وقع فيها دان براون فى روايته شفرة دافنشى بشأن الكتاب المقدس وطبيعة السيد المسيح
وحياته فقط، بل – كما ذكرنا سابقا – أن عدم إيمانه بالكتاب
المقدس ادى إلى تخبطه فى الكثير من الأمور الأخرى. ومن هذه الأمور موضوع: “المرأة
والجنس”. وقد دعى دان براون للعبادة الوثنية المتصلة بالدعارة والشذوذ
الجنسي.
· ورد
فى رواية شفرة دافنشى: “الإسم المقدس للرب عند اليهود، والذى يتألف من أربعة
أحرف “يهوه YHWH” أو بالإنجليزية Jehovah هو إتحاد جسدى خنثوى androgynous physical union بين المذكر “ياه “Jah
والاسم العبرى القديم لحواء Havah.”[24]
الاسم المقدس
“يهوه Yahweh
ليس له أى علاقة بآلهة مذكرة أو مؤنثة. فالاسم يهوه مشتق من التعبير العبرى Hayah أى مصدر فعل “يكون”. وبشكل مختلف هو مشتق من أسم أهيه Ehyeh وهو الاسم الذى أعلنه الرب لموسى (خر 14: 3). وهذا الاسم المقدس
يعبر قبل كل شىء عن كينونة الله “ الْكَائِنُ
وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَكُونُ” (رؤ 5: 16)، وهو مصدر كل كينونة فهو
“الآبُ الَّذِي مِنْهُ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ” (1كو 6: 8).
ولقد أستبدل اليهود هذا الاسم
المقدس بكلمة أدوناى Adonai أى السيد. أما كلمة
Jehovah فلم تستخدم حتى القرن السادس عشر.
والخطأ الفادح الذى عبر عنه
دان براون Dan Brown فى هذا الادعاء ليس مجرد مشكلة الاسم من
الناحية اللغوية والأصل المشتق منه فحسب، بل أيضا ما كتبه عن الطبيعة الإلهية من
منظور جنسى. وهذا الأمر واضح أكثر فى إدعائه التالى.
·
ورد فى رواية شفرة دافنشى: “إن
اليهود الأقدمون كانوا يؤمنون أن قدس الأقداس فى هيكل سليمان لم يكن بيت الرب فحسب،
بل كان بيت الربة Goddess الشكينة الأنثى القادرة المماثلة له
أيضا” [25]
·
ورد أيضا فى رواية شفرة دافنشى:
“نجمة داود… الاتحاد الكامل بين الذكر والانثى… ختم سليمان الذى مهر به
قدس الأقداس حيث يعتقد أن الإله يهوه والإلهة الأنثى شكينا كانا يسكنانه”.”[26]
وحقيقة الأمر أن تعبير
“شكينا” لم يرد مطلقا فى أسفار العهد القديم، ولكنه مصطلح عبرى حديث
يعبر عن حضور الله بمجده. فقد ذكر فى سفر الملوك الأول:
“وَلَمْ يَسْتَطِعِ الْكَهَنَةُ أَنْ يَقِفُوا لِلْخِدْمَةِ
بِسَبَبِ السَّحَابِ، لأَنَّ مَجْدَ الرَّبِّ [الشكينة] مَلأَ بَيْتَ الرَّبِّ.”
(1 ملوك 8: 11)، وأيضا فى أخبار الأيام
الثانى: “وَلَمْ يَسْتَطِعِ الْكَهَنَةُ أَنْ
يَقِفُوا لِلْخِدْمَةِ بِسَبَبِ السَّحَابِ لأَنَّ مَجْدَ الرَّبِّ [الشكينة] مَلأ
بَيْتَ اللَّهِ.” (2 أخبار 5: 14).
وادعاء دان براون أنه يوجد
إلهة أنثى مماثلة لله هو إدعاء خاطىء، لأن الرب [يهوه] نفسه يقول: “أَنَا
اللَّهُ وَلَيْسَ آخَرُ. الإِلَهُ وَلَيْسَ مِثْلِي.” (اشعياء 46: 9).
واليهود على مر الأجيال يؤمنون بالتوحيد المطلق حسب وصية الرب: “إِسْمَعْ يَا
إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ [يهوه] إِلهُنَا رَبٌّ [يهوه] وَاحِدٌ.” (تثنية 6: 4).
كما أن
إدعائه بوجود إله مذكر وإلهه أنثى يعبر عن عدم معرفة للطبيعة الإلهية،
لأن “اَللَّهُ رُوحٌ” (يوحنا 24: 4)،
و”الرُّوحَ لَيْسَ لَهُ لَحْمٌ وَعِظَام” (لوقا 24: 39). الله يملأ
السماوات والآرض بروحه: “أَمَا أَمْلأ أَنَا
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ يَقُولُ الرَّبُّ؟” (ارميا 23: 24)، فكيف تكون له
صاحبة مماثلة له؟.
o
ورد فى رواية شفرة دافنشى أن
ممارسة الجنس هى “طقس روحانى” وفيه يجد الإنسان “شرارة من
الإلوهية” وهو “طريقة مباشرة للوصول إلى الرب”.[27] ورد
أيضا فى رواية دافنشى أن ممارسة الجنس”تقود إلى السعادة الروحية المطلقة.”[28]
o ورد أيضا فى رواية دافنشى أن أحسن طريقة لممارسة الجنس هو الجنس
الجماعى أثناء ممارسة الشعائر الدينية.[29]…”التقاليد
اليهودية الأولى كانت تتضمن ممارسة الجنس طقس تعبدى”[30]…
“كان الرجال الباحثون عن الكمال الروحي يأتون إلى
المعبد ليزوروا الكاهنات أو خادمات الهيكل ويمارسوا معهن الجنس للتواصل مع الإله
من خلال الاتحاد الجسدي”[31]
والحقيقة أن الله هو
الذى خلق الأنسان ذكرا وأنثى (تك26: 1-27). كما وضع فى الانسان
الغريزة الجنسية إذ قال للمرأة بعد السقوط: “تَكْثِيرا اكَثِّرُ اتْعَابَ
حَبَلِكِ. بِالْوَجَعِ تَلِدِينَ اوْلادا. وَالَى رَجُلِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ
وَهُوَ يَسُودُ عَلَيْكِ” (تكوين 3: 16).
وقد أراد الله أن يكون
الاتصال الجنسى شعورا مفرحا عند اتحاد الزوجين كعامل جذب لتوثيق العلاقة بينهما
وبركة من الله للانجاب. وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ
لَهُمْ: “اثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلاوا الارْضَ… “. (تكوين 1: 28).
ولم نسمع قط أن الله وضع الغريزة الجنسية فى الانسان لتكون طريقا للعبادة. والتمتع
بالحب الزيجى هو دافع لشكر الله على عطاياه ولكن لا ينبغى أن تعبد العطية. وهذا
الانجذاب الجنسى بين الزوج والزوجة هو مثال للانجذاب الروحى بين الله والبشر، ولكن
ليس على مستوى الجسد بل على مستوى روح الله وأرواح البشر.
وقد قدمت الاسفار المقدسة الله
نفسه باعتباره عريس البشرية، والمسيح عريس الكنيسة. ففى
سفر أشعياء النبى يقول: “لأَنَّ بَعْلَكِ [زوجك] هُوَ صَانِعُكِ
[خالقك] رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ، وَوَلِيُّكِ [زوجك] قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ.
إِلَهَ كُلِّ الأَرْضِ يُدْعَى.” (اشعياء 54: 5).
كما يقول القديس بولس الرسول: “فَإِنِّي أَغَارُ
عَلَيْكُمْ غَيْرَةَ اللهِ، لأَنِّي خَطَبْتُكُمْ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ، لأُقَدِّمَ
عَذْرَاءَ عَفِيفَةً لِلْمَسِيحِ.” (2 كورنثوس 11: 2)، “أَيُّهَا
الرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضاً الْكَنِيسَةَ
وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا” (افسس 5: 25).
والحقيقة
أن اليهود والمسيحيون الأوائل المخلصون لشريعة الله، و على مدى الأجيال، كانوا
يحفظون وصاياه، ولم يمارسوا أبدا العبادة من خلال طقوس الاتصال الجنسى.
فكما حرم الله الزنا والشذوذ الجنسى،
كذلك حرم أرتباط العبادة بهما. وقال السيد الرب: “لا
تَزْنِ” (خروج 20: 14)، “وَاذَا اضْطَجَعَ رَجُلٌ مَعَ ذَكَرٍ اضْطِجَاعَ امْرَاةٍ
فَقَدْ فَعَلا كِلاهُمَا رِجْسا. انَّهُمَا يُقْتَلانِ. دَمُهُمَا عَلَيْهِمَا.”
(لاويين 20: 13)، “لاَ يَكُنْ مِنْ بَنَاتِ
إِسْرَائِيلَ وَلاَ مِنْ أَبْنَاءِ إِسْرَائِيلَ زَانِيَاتٌ وَمَأْبُونُو مَعَابِد، لاَ
تَأْتُوا بِتَقْدِمَةِ نَذْرٍ
مَا إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ إِلَهِكُمْ مِنْ مَكْسَبِ زَانِيَةٍ أَوْ
مَأْبُونٍ، لأَنَّ
كِلَيْهِمَا رِجْسٌ أَمَامَ الرَّبِّ. ”
(تثنية 23: 17-18)، ويقول
القديس بولس الرسول: “وَأَمَّا الزِّنَا وَكُلُّ
نَجَاسَةٍ أَوْ طَمَعٍ فَلاَ يُسَمَّ بَيْنَكُمْ كَمَا يَلِيقُ
بِقِدِّيسِينَ” (افسس 5: 3).
ونقرأ
فى سفر الملوك الأول عن الملك آسا: “وَعَمِلَ آسَا مَا هُوَ مُسْتَقِيمٌ فِي
عَيْنَيِ الرَّبِّ كَدَاوُدَ أَبِيهِ، وَأَزَالَ الْمَأْبُونِينَ [طَائِفَةَ
الْعَاهِرِينَ الَّذِينَ يُمَارِسُونَ الشُّذُوذَ الْجِنْسِيَّ كَجُزْءٍ مِنْ
عِبَادَتِهِمِ الْوَثَنِيَّةِ] مِنَ الأَرْضِ، وَنَزَعَ جَمِيعَ
الأَصْنَامِ الَّتِي عَمِلَهَا آبَاؤُهُ” (1 ملوك 15: 11-12). وقيل أيضا عن إبنه
الملك يهوشافاط: “وَبَقِيَّةُ الْمَأْبُونِينَ الَّذِينَ بَقُوا فِي أَيَّامِ
آسَا أَبِيهِ أَبَادَهُمْ مِنَ الأَرْضِ.” (1 ملوك 22: 46).
والتاريخ يشهد أنه منذ
بداية العصر المسيحى لم تلحق العبادة المسيحية أيضا طقوس جنسية. ففى عام
112 ميلادية قام البعض بتوجيه الاتهام للمسيحيين أنهم يمارسون طقوسا جنسية فى
إجتماعاتهم، وقام الحاكم الرومانى بلينى Pliny حاكم بنطس بيثينية
Pontus-Bithynia ببحث هذا الأمر، ووجد أنه لا يوجد شىء مخزى فى العبادة المسيحية
بل مجرد الشعائر العادية.[32]
هيكل
الله مقدس مثل المدينة السمائية المقدسة.
“طُوبَى لِلَّذِينَ يَصْنَعُونَ وَصَايَاهُ لِكَيْ يَكُونَ سُلْطَانُهُمْ
عَلَى شَجَرَةِ الْحَيَاةِ وَيَدْخُلُوا مِنَ الأَبْوَابِ إِلَى الْمَدِينَة
[المقدسة]، “لأَنَّ خَارِجاً الْكِلاَبَ وَالسَّحَرَةَ وَالزُّنَاةَ
وَالْقَتَلَةَ وَعَبَدَةَ الأَوْثَانِ، وَكُلَّ مَنْ يُحِبُّ وَيَصْنَعُ كَذِباً.”
(رؤيا 22: 14-15). “لاَ تَضِلُّوا! لاَ زُنَاةٌ وَلاَ عَبَدَةُ أَوْثَانٍ
وَلاَ فَاسِقُونَ وَلاَ مَأْبُونُونَ وَلاَ مُضَاجِعُو ذُكُورٍ… يَرِثُونَ
مَلَكُوتَ اللهِ.” (1 كورنثوس 6: 9-10).
العبادة
اللائقة بالله هى عبادة روحية، لأن “اَللَّهُ رُوحٌ.
وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ [يعبدونه] فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ
يَسْجُدُوا [يعبدوا]” (يوحنا 4: 24).
[1]
Dan Brown, interview by Matt Lauer, The Today Show, NBC, 09 June 2003.
[2]
DVC, Arabic Translation
[3]
DVC, P. 231, Arabic
[4]
DVC, P. 234, Arabic 263
[5]
DVC, P. 245,Arabic 275
[7]
DVC, P. 231, Arabic 259
[8]
DVC, P. 256, Arabic 256
[9]
DVC, P. 234, Arabic 262
[10]
DVC, p. 235
[11]
DVC, p. 342
[12]
DVC, p. 233
[13]
DVC, p. 233
[14]
Origen, Against Celsus, 1:38; 2:63
[15]
DVC, p. 235
[16]
DVC, p. 234
[17]
DVC, p. 245
[18]
DVC p. 245-249, 255
[19]
DVC, p. 245
[20]
DVC, p. 245
[21]
DVC, p. 243
[22]
DVC, p. 238, 249
[23]
https://www.priory-of-sion.com/psp/id22.html
[24]
DVC, p. 309, Arabic P. 309
[25]
DVC, p. 309, Arabic 309
[26]
DVC, p. 446, Arabic 486
[27]
DVC, p. 310
[28]
DVC, p. 309
[29]
DVC, p. 310-312
[30]
DVC, p. 309
[31]
DVC, p. 309
[32]
Pliny, “Epistle to Trajan,” Epistles 10:96