علم المسيح

117- تحرُّك الفرِّيسيين والهيرودسيين



117- تحرُّك الفرِّيسيين والهيرودسيين

117- تحرُّك الفرِّيسيين والهيرودسيين

(الحركة
الثانية: أنعطي جزية لقيصر أم لا؟):

وهنا
كان التدبير مشتركاً بين الفرِّيسيين والهيرودسيين مع أنهم في عداوة وبغضة معاً
ومبادئهم تختلف مع بعضها اختلافاً شديداً، ولكن العداوة للمسيح قد جمعتهم معاً
ليتقدَّموا وكأنهم يسألون مجرَّد سؤال: “يا معلِّم، نعلم أنك صادق ولا تبالي
بأحد، لأنك لا تنظر إلى وجوه الناس، بل بالحق تعلِّم طريق الله” (مر 14: 12).
مقدِّمة مؤدَّبة غاية الأدب وإطراء ومديح بالكيل الوافر والنيَّة السوداء مخبَّأة
في القلب، وأخيراً أفصحوا عنها: “أيجوز أن نعطي جزية لقيصر أم لا؟ نعطي أم لا
نعطي؟” (مر 14: 12). ولكن المحزن حقا أنهم يتكلَّمون ويخطِّطون في الخفاء
ويتكلَّمون من وراء ظهر المسيح، والمسيح يسمع ويرى:
“فعلم (المسيح) رياءهم، وقال لهم: لماذا تجرِّبونني؟ اِيتُوني بدينار
لأنظره. فأتوا به. فقال لهم: لمن هذه الصورة
والكتابة؟ فقالوا له: لقيصر. فأجاب
يسوع
وقال
لهم: أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله. فتعجَّبوا منه” (مر 12:
1517)

وليلاحظ
القارئ أن الهيرودسيين هم فئة سياسية أكثر منها دينية، وعملها هو الموالاة لروما
وحفظ هدوء الشعب من المؤامرات المضادة لروما. فمجيؤهم هنا وسؤالهم هذا مع
الفرِّيسيين هو لتدبير مؤامرة سياسية يكون الفرِّيسيون فيها شهوداً. فلو كان
المسيح قد أنكر أحقية الرومان في الجزية المفروضة على اليهود الذين يعتبرون أنفسهم
أحراراً ولم يستعبدهم أحد قط، لاعتُبر المسيح زعيماً ثائراً ضد الرومان، أمَّا إذا
قبلها فإنه يقع في استنكار اليهود والشعب بأجمعه لأنهم أُمة أبيَّة ذات ملك فكيف
يسلبها أعز صفاتها وهي الحرية. ولكن في طلب المسيح للدينار وإظهاره لصورة قيصر،
يضعهم في بؤرة الحقيقة أنهم هم الذين يتعاملون بعملة قيصر، وعليه فهم يعتمدون في
سياستهم على الامبراطورية الرومانية. وها هو الدينار الذي يربطهم سياسياً بروما
والذي يمسكه ضدَّهم هو أن أعطوا ما لله لله. والمعنى هو أن علاقتهم بقيصر لا
تمنعهم من أن يمارسوا عبادتهم لله، فهم عبيد الله أولاً وبالدرجة الأُولى، وهم
يحملون في كيانهم صورة الله الذي جبلهم ووضع صورته فيهم. والكلام فيه تلميح ذكي
إلى وقوفه بينهم كحامل لصورة الله وشخصه.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى