علم الانسان

الإنسان الجديد الطريق إليه والتعامل معه



الإنسان الجديد الطريق إليه والتعامل معه

الإنسان
الجديد
الطريق إليه والتعامل معه

rVlVr

صحوة
على الطريق:

ربي،
كيف تُهتُ عنك هذه السنين كلها وأنت تحيا فيَّ، في إنساني الذي وهبتني!

مقالات ذات صلة

كيف
كنتُ أعيش موتي، فالبعد عنك ألا يكون هو البعد عن الحياة؟

لقد
عشتُ موتي غير عالم أن الحياة فيَّ، ينبض بها قلبي في إنساني الذي وَهبتَ.

أسلمتُ
فكري للناس وأمور الدنيا، فانحجب وعيي عن المسيح الذي في قلبي. وما فهمتُ قولك: “يا
ابني أعْطِني قلبَك، ولْتُلاحِظْ عيناك طُرُقي” (أم 26: 23)

حتى
أدركتُ أن هنا في قلبي يسطع نور وجهك عليَّ في إنساني الذي وَهبتَ!

فإن
كان موسى قد وجدها قمة المنتهى أن يسير وجهك أمامه، فيا لنصيبنا الذي لا
يُحدُّ، أن يستقر وجهك في كياننا ويضيء علينا!

قلتَ:
“مَنْ كان حيًّا وآمن بي، فلن يموت إلى الأبد” (يو 26: 11)، فأدركتُ أنك
أنت الحياة فيَّ، وها أنا بك أحيا فكيف يأتيني الموت؟

وإن
أتاني الموت، فسأبقى كما أنا حيًّا بك، فماذا للموت فيَّ؟

إنساني
الذي وهَبتَ الذي خلقته لي يوم قيامتك، واستودعته قلبي يوم أن اعتمدتُ؛ أدركتُ فيه
قيامتي، وتسمَّعتُ في نبضاته نبضات قلبك، وتعرَّفتُ فيه على نور وجهك.

فمَنْ
ذا بقادرٍ أن يفصلني عنك؟ مَنْ ذا الذي يستطيع أن يخلع قلبك من قلبي، أو يُطفئ نور
وجهك عن وجهي، أو يفكَّ حياتك من حياتي؟

إن
اقترب الموت مني، فسأسخر منه، لأني أمسكتُ بالحياة الأبدية لَمَّا أمسكتَ أنت بي.

وإن
استطاع الموت أن يُفني الخارج فيَّ، فبالداخل وطأتُه يوم وطأتَه أنت بقدميك.

وإن
طالني الفناء وأحنى ظهري الزمن، فقيامتك رفعتْ رأسي وطالت روحي الأبد.

فإن
كنتُ أحمل إنساني الجديد في قلبي، فالمسيح أصبح يحملني!

كيف
أتعامل مع إنساني الجديد؟

أي كيف أتعلَّم أن أكون كاملاً كقول الرب لإبراهيم أول ما
قال: “سِرْ أمامي وكُنْ كاملاً” (تك 1: 17). فهذه هي أول وصايا الله
وفرائضه! وأول ما ينبغي أن يسمعه الإنسان ويطيعه، لأن في ذلك حياته! فإذا ما بدأ
الإنسان أن يتغيَّر عن ماضي حماقاته ونزق صباه، ويكفّ عن أعمال الصغار، ويبدأ
يتعلَّم كيف يتكلَّم برزانة، ويفكر ويدبِّر بحكمة لتصبح آراؤه سديدة وأعماله حكيمة،
وكان في سعيه جادًّا بعزيمة ونيَّة مستقيمة تعاهدتْ مع الله أن لا تنظر إلى
الوراء؛ يبدأ يحس الإنسان أن هناك قوة علوية تعينه وتشجِّعه وتدفعه إلى الأمام
وإلى فوق، فيظن أن السماء ارتضت أن تكون له معيناً.

ولكن
الحقيقة المذهلة، أن المعونة والقوة إنما هي آتية من الداخل، من القلب، من الإنسان
الجديد الذي وجد في السعي إليه فرصة أن يُعلن عن ذاته وعن المسيح الذي فيه. وعندما
يرى القوم ما آل إليه حال الإنسان من الترقِّي والرزانة ظنوه ونعتوه أنه إعلاء
للذات، وإن بهرتهم حكمة الإنسان سَموه السوبرمان”. ولكن الحقيقة أن الإنسان لا
يعدو أن يكون قد عثر على ذاته، ذاته المخلوقة بحسب الله في البر وقداسة الحق،
وبدأت تنضح بمواهبها على الإنسان العتيق، فأضفت عليه مسحة ممَّا هو ليس في طبيعة
الإنسان!

فمواهب
الإنسان الجديد المتأصِّلة في خلقته كلها سماوية، فإن أُعطي لها أن توجد وتعمل فهي
لا محالة رافعة الإنسان لِمَا هو فوق طبيعة الإنسان.

وهي
بذاتها قوة قادرة أن تردع الإنسان العتيق ليأخذ طريقه إلى الوراء، عن إرغام،
ليوسِّع المكان للإنسان الجديد كي يمارِس حقَّه في الإعلان عن الروح الذي فيه.
وبانحصار الإنسان العتيق في أضيق حدود حركته ورجوعه إلى الوراء تخمد شهواته
وتتوارى حماقاته، ويصبح تراجعها واضحاً للإنسان والعيان، يشهد لبدء عمل الإنسان
الجديد لحساب الله والخلود.

وقد
يأتي هذا التحوُّل للإنسان بجهد كثير ومعاناة ومحاولات يسندها الصبر والعناد،
وصلوات ذات صراخ ودموع وعنف وآلام وكآبة وحزن كثير، فهي عملية المخاض المزدوجة
القوة: فهي مخاض الموت للقديم بتشبُّثه المستميت في المقاومة، ومخاض ميلاد الجديد
الذي يحمل نقلة كبرى يتحمَّلها الإنسان بصعوبة لأنه يولَد على صورة خالقه في البر
وقداسة الحق. ولكن القوة الدافعة لطرد القديم، والقوة الجاذبة لإخراج الجديد، تفوق
قدرات الإنسان حيث يعمل الإنسان ضد نفسه وكأنه يميت ذاته. فلولا كفاءة الإنسان
الجديد المخلوق حقًّا على صورة خالقه لتعسَّر الميلاد أو استحال. ولكن الله خلقه
ليحيا ويسود ولا يحجزه عن حق الحياة حاجز. فقوة حياة الإنسان الجديد تجرف
أمامها أعمال العتيق بنصرة وجبروت يحسُّها الإنسان نفسه ويتعجَّب أين كان هذا
السند ولماذا هكذا توارى؟ وكأنه كان أسيراً تحت قيود. ويبتدئ يحس الإنسان ويتسمَّع
صدى صوتٍ يناديه من أعماقه وكأن في داخله مَنْ يدعوه للعبور.

ولكن
قد يأتي أيضاً هذا التحوُّل كما اختبره كثيرون ليس بعد جهد أو عناء، ولكن مرَّة
واحدة، وكأنها صحوة من نوم عميق، حيث يكون الجسد الجديد قد قارَب المولد وصار
ينتظر دفعة تأتيه بنعمة الله عند لحظة اشتعال الإيمان القلبي. فيقوم ويصير ظاهراً
للناس وموضع سؤالٍ وتعجُّب. ويُقال إن فلاناً تجدَّد أو تغيَّر، ويحسُّ هو في نفسه
وشكله وجسمه وكأنه قد حدث له أمرٌ واضحٌ جديدٌ، فيتغيَّر صوته ولهجته وابتسامته،
وفرحه الهادئ يملأ قلبه ووجهه وكيانه، وهدوءه يملأ حياته كلها؛ علامات تنطق أنه قد
حدث فعلاً ميلادٌ جديدٌ بالروح، حيث تدخل الإنسانَ طاقاتٌ روحيةٌ جديدةٌ يظنها
آتية إليه من فوق مع أنها نابعة من الداخل، من صميم خلقته وميراثه السماوي.

سمة
واحدة للإنسان الجديد:

وسواء
كان التحوُّل أو التجديد الذي يظهر به الإنسان وقد صار إنساناً
جديداً حقًّا جاء بعد جهد وعناء وصلاة ومثابرة، أو جاء كانتفاضة قام
بعدها الإنسان وقد تغيَّر كل شيء فيه، نجد أن أحوال وظروف الإنسان الجديد في
النماذج المتعددة قريبة الشبه جداً بعضها مع بعض. فالإنسان الجديد في وضعه العام
عند الجميع هو صورة روحية للمسيح أو بحسب التعبير الذي قاله بولس الرسول: الكل قد
صار لابساً المسيح. فالبساطة والفرح والحكمة والإلهام والنعمة والوعي المفتوح
والكلام الروحي ذو التأثير الإلهي في النفوس، يكاد يكون سمةً عامةً لكل الذين
تعرَّفوا على إنسانهم الجديد وعاشوا به. وهذه شهادة صدقٍ لحقيقة الميلاد الثاني من
فوق التي فجَّرها المسيح في عالمنا، وأثبت بها أن مجيئه إلى العالم وتجسُّده
والفداء الذي أكمله بآلامه وصليبه وذبيحة نفسه وموته وقيامته، إنما هي أصلاً
وبصورة شاملة وكاملة ونهائية لخلقة الإنسان خلقة جديدة روحية من فوق، تمهيداً
للنقلة الإلهية التي سيجوزها الإنسان ليحيا في الحياة الأبدية مع الله للأبد.

وهكذا
نرى ونشعر ونؤمن ونشهد بالخلقة الجديدة التي نلناها سرًّا في المعمودية، وكانت
مختفية في القلب وكنَّا نحن لاهين عنها إلى أن بلغنا إلى الحال الذي يؤهِّلنا
لاستلامها، واستدعيناها فخرجت للوجود ليراها كل بشر ويشهد بحقيقتها.

وبهذه
الخلقة الجديدة تُستعلن الكنيسة الحقيقية صاحبة هذه المواهب التي كانت مخفية، وقد
أُظْهِرَت واستُعلِنَت في كل الذين حازوا نعمة استرداد خلقتهم الجديدة الروحية.

وإليك
أيها القارئ العزيز دعوة أن تكون واحداً من هؤلاء الذين قد تزيَّنوا بالمسيح
ليكونوا عروساً متجلِّية بمجد الابن.

عودٌ
إلى القلب ومذَّخراته الإلهية:

وبشيء
من العمق الروحي الواعي، نرى في هذا القلب الجديد سر الباب الحقيقي وسر الطريق.
ألم يَقُل بولس الرسول: “لأن كلَّكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم
المسيح” (غل 27: 3)؟ فإن كان المسيح قائماً حقًّا في الإنسان الجديد الروحاني،
ففيه بكل يقين سر الباب وسر الطريق، وهكذا من داخل هذا الإنسان تتم حتماً المقابلة
وتتم اللُّقيا ويتم الاتحاد والشركة: “ويكون فرحكم كاملاً” (1يو 4: 1)!!
أليست هنا وفينا الحياة الأبدية بعينها؟ فإن كنَّا قد حُزنا على حضرة المسيح
ووجوده، فقد حُزنا على الحياة الأبدية والشركة مع الآب وابنه يسوع المسيح، وكمل
فرحنا بحسب كرازة القديس يوحنا وشهادته، التي أكَّد فيها أنه نال هذا بالفعل!

+
“فإنَّ الحياة أُظْهِرَتْ، وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي
كانت عند الآب وأُظْهِرَت لنا. الذي رأيناه وسمعناه (ولمسته أيدينا) نُخبركم به،
لكي يكون لكم أيضاً شركة معنا. وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح.
ونكتب إليكم هذا لكي يكون فرحكم كاملاً” (1يو 2: 14)

وهنا يتحقَّق ويصدق ويتبارك جداً ربنا يسوع الذي قال: “ها
ملكوت الله داخلكم” (لو 21: 17)

إذن، فليس بالفكر والدرس والاجتهاد نعثر على المسيح أو نجد
الملكوت والحياة الأبدية. فهذه متاهة عشناها قروناً وآن الوقت لندرك أن المسيح
فينا والحياة الأبدية كائنة في قلوبنا. فماذا نقول؟ نقول: عودة إلى القلب وحصر
الإيمان والصلاة والرجاء في القلب، لأن في القلب يُستعلن لنا الإنسان الجديد،
الخليقة الجديدة التي من فوق من السماء، وقد حازت حضور المسيح والروح والحياة الأبدية.

فالذي
عثر على إنسانه الجديد فقد عثر على الفداء والخلاص والحياة الأبدية ونهايةكل شيء،
ولم يَعُدْ يُعْوِزه شيء من أعمال الله. وها هو الله قد وضع في قلبنا سر الخلق
الجديد بكل مواهبه وعطاياه. فيا للغنى ويا للمجد!

فلا
تعد تلوم ولا تئن وتشكو، فالله لم يكن مقصِّراً أبداً معنا ولا تركنا نواجه الحياة
بأجسادنا العتيقة وخلقتنا الترابية. فلم يكن الله ظالماً لكي يطالبنا بالسماويات
وكل أدواتنا وأسلحتنا من التراب. لم يطالبنا الله أن نتعرَّف عليه ونؤمن به ونطيعه
ونحبه بإمكانياتنا الترابية الفاسدة والعاجزة؛ ولا هو طالبنا بالصلاة الدائمة
والسهر واليقظة، وأسلحتنا كلها ترابية مكسورة؛ ولا هو طالبنا بمحبة الإخوة من قلب
طاهر بشدة أو محبة الأعداء، وكل ما نعرفه عن المحبة هو محبة الأجساد النابعة من
الغرائز الحيوانية الترابية. ولكنه وهذه شهادة حق قد
سبق ومنحنا في القلب خلقة إنسانية جديدة كل الجدة، ليست من تراب الأرض بعد، بل هي خلقة سماوية من ذات طبيعة جسد المسيح القائم
من بين الأموات الذي غلب به الخطية وداس الموت ودحر الشيطان، وارتفع به من الأرض
وعالم الموت والفناء، وهي خلقة بها كل مواهب الروح وأسلحة النعمة وروح الصلاة والحب
الإلهي الكامل وتواضع الطفولة.

إذن،
فقد سلَّحنا المسيح بجسده وروحه ونصرته وحبِّه، واستودع هذه الخليقة في قلوبنا،
وختم عليها إلى اليوم الذي نتعرَّف عليها فنحيا! وهكذا نجد أنه أعطانا أكثر مما
يطالبنا به.

إذن،
فنحن لسنا بعد غرباء عن الآب، ولم تَعُدْ السماء بعيدة والمسيح فينا، بل صارت
موطناً لنا ينتظرنا بأكثر مما ننتظره، ونصيبنا فيه محفوظ مع الميراث.

لا
تضيِّعوا العمر عبثاً!

ها
هوذا الواقع يظهر أمامنا جليًّا. فالله لم يخلقنا لنعيش في هذا الجسد العتيق
العاجز البائد نبكي على ماضينا وعلى وقتنا الضائع في مشاغل كاذبة وهمية، ونتألَّم
من عجزنا وقصورنا وخطايانا الوهمية التي غُفرت، ونندب حظنا عندما نقرأ الإنجيل؛
فنجد هوَّة تفصلنا عن هذه المُثل العُليا وعجزاً يقعدنا عن أن نكمِّل وصاياه
الكبيرة والصغيرة، وبيننا وبين الطهارة والقداسة حاجز من اليأس لا نتخطَّاه.
نطوِّب القديسين والقديسات، ونلعن أيامنا التي تفرُّ أمامنا والتي فرَّت فارغة لا
تحمل ثمرة نحملها أو نقدِّمها إلى الله. نبكي موتنا وموتانا وندفن آباءنا
وأُمهاتنا، وإخوتنا وأخواتنا يلفُّهم اليأس ويلفُّنا، مدَّعين بكلمات لا نؤمن بها
ولا نثق من مضمونها أننا نستودعهم ليذهبوا إلى أحضان القديسين والقديسات ويرثوا
السموات، في حين أن قول الإنجيل إن “الفاسد لا يرث عدم الفساد”يقف ليشهد ضد
ما نقول ونتوهَّم. فهذا إنما هو حق فقط محجوز ومحفوظ
لأصحاب الإنسان الجديد والخليقة الجديدة التي موطنها السماء.

وهكذا يضيع العمر عبثاً في حين أننا لو رفعنا أعيننا
لَوَجَدْنا النماذج الحية الجديدة التي تعيش في جدَّة الحياة، والتي انتقلت قبل أن
تنتقل، من الجسد العتيق وأعماله الميتة إلى الجسد الجديد الروحي، ولها سمات المسيح
وشهادة الحياة الأبدية في فمها، والرجاء يملأ عينيها، والبساطة والمحبة تشع من كل
كلمة وكل عمل. هؤلاء يملأون أيامهم عملاً وشهادة وصلاة روحية فعَّالة تنطق بحلول
الروح القدس وتمجِّد الله، يقضون أيامهم بفرح، ويرحلون وإكليل الابتهاج على رؤوسهم.
وهكذا يمجِّدون الله بحياتهم ومماتهم.

إذن، فالله ليس بظالم أن يحبسنا في هذا الجسد العتيق وخلقته
الترابية، وأمام أعيننا مَنْ تخطَّوه عياناً بياناً واستردوا خلقتهم الجديدة
المذَّخرة لنا في القلب، الذي وصفه الله أنه هيكل الله وروح الله ساكن فيه؛
فالله ينتظر انتهاء عهد الجهالات وفروغ الوقت الضائع وبدء حركة المخاض بصراخ
الصلاة والدموع، لكي يُستعلن فينا هذا الإنسان الجديد ونقبله، فيكمل فينا الوعد،
ونستلم بروحنا العهد، ونحيا في ملء حقيقة الإنجيل بحسب تدبير الله الذي خلقه فينا
لتمجيده وتقديم العبادة والشكر والفرح.

نعم!
هذه هي الحياة التي وهبها لنا الله في خليقتنا الروحية الجديدة التي لنا، ودفع لنا
ثمنها ببذل ابنه للموت على الصليب، وقيامته لنحيا فيه ومعه في ذات القيامة.

(يناير
1997)

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى