علم الاخرويات

الفصل السابع: الدينونة والمصير



الفصل السابع: الدينونة والمصير

الفصل
السابع: الدينونة والمصير

الجزء
الثانى

صلاتنا
ومصير الراقدين


هل صلواتنا من أجل الراقدين يمكنها أن تقرّبهم من الله؟”.

 أولاً:
منطق عام: الله يعطى ذاته لنا عبر بعضنا البعض:

1
– لقد شاء الله أن تنتقل إلينا محبته وعطاياه عبر بعضنا البعض:

فالبشرية
كلّها فى نظر الله جسم واحد تتآزر أعضاؤ كلها على إمداده بالحياة والنشاط وعلى
قضاء مختلف حاجاته.

والله
هو المحيى فى آخر المطاف.

ولكنّه
يشاء أن يشارك كل إنسان فى مهمته الإحيائية هذه.

كل
فى موقعه وكل على مستواه.

هذا
ما يتجلّى إن على الصعيد الطبيعى وعلى الصعيد الروحى.

أ
– على الصعيد الطبيعى:

إن
استمرار الحياة وتقدّمها يتطلّبان تضافر الجهود البشرية وترابط الأجيال التى ينقل
كل منها مكتسباته إلى الخلف.

ولكلّ
إنسان دوره ومسئوليته وأهميته فى تأمين دورة الحياة هذه.

إنما
يتحدد هذا الدور وفقا لمواهب كل إنسان ومهنته ووظيفته الاجتماعية.

 

وإذا
نظرنا إلى كل إنسان فرد، رأينا أن نعمة الحياة التى من الله إنما يحظى بها هذا
الفرد عبر تلقيها من والديه، وأن هذه الحياة لا تنمو ولا تكتمل فيه إلا عبر عمل
طويل من الرعاية والتربية تساهم به الأسرة بنوع خاص والمجتمع بشكل عام، ولا تستمر
فيه إلا بفضل مساهمة العديد من الناس فى تغذيته، كل من موقعه.

 فالعقل
من الله يأتى ولكنه يحتاج، ليوجد فعلاً وينمو، إلى محيط بشرى يوقظه وينشطه (كما
يتضح مثلاً من ركوده عند الأولاد المتوحشين الذين حُرموا فى بداية حياتهم من هذا
المحيط).

والطعام
ياتى من الله فى الأساس، ولكنه يصل إلى بواسطة المزارع والطحّان والخباز وغيرهم من
أصحاب المهن، وبفضل تنظيم اجتماعى يُفرض فيه أن يسمح بتوزيعه على كل الناس.

 

يروى
الشاعر الفرنسى ” سولى برودوم” أنه رأى ذات ليلة حلما كابوسيا تخيّل فيه
أن أصحاب سائر المهن تخلّوا عن قضاء حاجاته وتركوه يتدبّر مختلف أموره بنفسه، كأن
يصنع خبزه ويحيك ثيابه وبينى وبيته إلى ما هنالك.

فغمره
جزع العزلة والعجز على أن استيقظ، فتبدّد الكابوس وأدرك الشاعر عمق حاجته على باقى
البشر.

 

ب
– على الصعيد الروحى:

هذا
الترابط بين البشر فى نقل هبات الله بعضهم إلى بعض، نلمسه أيضا على الصعيد
الروحىّ.

فمن
الكنيسة يتسلّم كل واحد منّا إيمانه الذى يتناقله المؤمنون جيلاً بعد جيل، ومن
الكنيسة نتقبّل الأسرار التى تبث فينا حياة الله، وبتبادل المحبّة والارشاد
والقدوة نعطى الله بعضنا لبعض.

والكنيسة،
كما علّم الرسول بولس، جسد واحد يستفد فيه كل عضو من مواهب الآخرين ويمدّهم
بمواهبه، فينمون مع، بالتناسق والتكامل، فى علاقتهم بالله، حيث دوّن فى رسالته
الأولى إلى أهل كورنثوس الأصحاح الثانى عشر:

ولنقرأ
معا اَلأَصْحَاحُ الثَّانِي عَشَرَ (أصحاح المواهب):

1.
وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَوَاهِبِ الرُّوحِيَّةِ أَيُّهَا الإِخْوَةُ فَلَسْتُ
أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا.

2.
أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ أُمَماً مُنْقَادِينَ إِلَى الأَوْثَانِ
الْبُكْمِ كَمَا كُنْتُمْ تُسَاقُونَ.

3.
لِذَلِكَ أُعَرِّفُكُمْ أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِرُوحِ اللهِ
يَقُولُ: { يَسُوعُ أَنَاثِيمَا }. وَلَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ: {
يَسُوعُ رَبٌّ } إِلاَّ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ.

4.
فَأَنْوَاعُ مَوَاهِبَ مَوْجُودَةٌ وَلَكِنَّ الرُّوحَ وَاحِدٌ.

5.
وَأَنْوَاعُ خِدَمٍ مَوْجُودَةٌ وَلَكِنَّ الرَّبَّ وَاحِدٌ.

6.
وَأَنْوَاعُ أَعْمَالٍ مَوْجُودَةٌ وَلَكِنَّ اللهَ وَاحِدٌ الَّذِي يَعْمَلُ
الْكُلَّ فِي الْكُلِّ.

7.
وَلَكِنَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ يُعْطَى إِظْهَارُ الرُّوحِ لِلْمَنْفَعَةِ.

8.
فَإِنَّهُ لِوَاحِدٍ يُعْطَى بِالرُّوحِ كَلاَمُ حِكْمَةٍ. وَلآخَرَ كَلاَمُ
عِلْمٍ بِحَسَبِ الرُّوحِ الْوَاحِدِ.

9.
وَلآِخَرَ إِيمَانٌ بِالرُّوحِ الْوَاحِدِ. وَلآخَرَ مَوَاهِبُ شِفَاءٍ بِالرُّوحِ
الْوَاحِدِ.

10.
وَلآخَرَ عَمَلُ قُوَّاتٍ وَلآخَرَ نُبُوَّةٌ وَلآخَرَ تَمْيِيزُ الأَرْوَاحِ
وَلآخَرَ أَنْوَاعُ أَلْسِنَةٍ وَلآخَرَ تَرْجَمَةُ أَلْسِنَةٍ.

11.
وَلَكِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا يَعْمَلُهَا الرُّوحُ الْوَاحِدُ بِعَيْنِهِ قَاسِماً
لِكُلِّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ كَمَا يَشَاءُ.

12.
لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْجَسَدَ هُوَ وَاحِدٌ وَلَهُ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ وَكُلُّ
أَعْضَاءِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِذَا كَانَتْ كَثِيرَةً هِيَ جَسَدٌ وَاحِدٌ
كَذَلِكَ الْمَسِيحُ أَيْضاً.

13.
لأَنَّنَا جَمِيعَنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضاً اعْتَمَدْنَا إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ
يَهُوداً كُنَّا أَمْ يُونَانِيِّينَ عَبِيداً أَمْ أَحْرَاراً. وَجَمِيعُنَا
سُقِينَا رُوحاً وَاحِداً.

14.
فَإِنَّ الْجَسَدَ أَيْضاً لَيْسَ عُضْواً وَاحِداً بَلْ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ.

15.
إِنْ قَالَتِ الرِّجْلُ: { لأَنِّي لَسْتُ يَداً لَسْتُ مِنَ الْجَسَدِ }.
أَفَلَمْ تَكُنْ لِذَلِكَ مِنَ اَلْجَسَدِ؟

16.
وَإِنْ قَالَتِ اَلأُذُنُ: { لأَنِّي لَسْتُ عَيْناً لَسْتُ مِنَ اَلْجَسَدِ }.
أَفَلَمْ تَكُنْ لِذَلِكَ مِنَ اَلْجَسَدِ؟

17.
لَوْ كَانَ كُلُّ اَلْجَسَدِ عَيْناً فَأَيْنَ اَلسَّمْعُ؟ لَوْ كَانَ اَلْكُلُّ
سَمْعاً فَأَيْنَ اَلشَّمُّ؟

18.
وَأَمَّا اَلآنَ فَقَدْ وَضَعَ اَللهُ اَلأَعْضَاءَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِي
اَلْجَسَدِ كَمَا أَرَادَ.

19.
وَلَكِنْ لَوْ كَانَ جَمِيعُهَا عُضْواً وَاحِداً أَيْنَ اَلْجَسَدُ؟

20.
فَالآنَ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ وَلَكِنْ جَسَدٌ وَاحِدٌ.

21.
لاَ تَقْدِرُ اَلْعَيْنُ أَنْ تَقُولَ لِلْيَدِ: { لاَ حَاجَةَ لِي إِلَيْكِ }.
واَلرَّأْسُ أَيْضاً لِلرِّجْلَيْنِ: { لاَ حَاجَةَ لِي إِلَيْكُمَا }.

22.
بَلْ بِالأَوْلَى أَعْضَاءُ اَلْجَسَدِ اَلَّتِي تَظْهَرُ أَضْعَفَ هِيَ
ضَرُورِيَّةٌ.

23.
وَأَعْضَاءُ اَلْجَسَدِ اَلَّتِي نَحْسِبُ أَنَّهَا بِلاَ كَرَامَةٍ نُعْطِيهَا
كَرَامَةً أَفْضَلَ. وَاَلأَعْضَاءُ اَلْقَبِيحَةُ فِينَا لَهَا جَمَالٌ أَفْضَلُ.

24.
وَأَمَّا اَلْجَمِيلَةُ فِينَا فَلَيْسَ لَهَا اِحْتِيَاجٌ. لَكِنَّ اَللهَ مَزَجَ
اَلْجَسَدَ مُعْطِياً اَلنَّاقِصَ كَرَامَةً أَفْضَلَ

25.
لِكَيْ لاَ يَكُونَ اِنْشِقَاقٌ فِي اَلْجَسَدِ بَلْ تَهْتَمُّ اَلأَعْضَاءُ
اِهْتِمَاماً وَاحِداً بَعْضُهَا لِبَعْضٍ.

26.
فَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يَتَأَلَّمُ فَجَمِيعُ اَلأَعْضَاءِ تَتَأَلَّمُ
مَعَهُ. وَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يُكَرَّمُ فَجَمِيعُ اَلأَعْضَاءِ تَفْرَحُ
مَعَهُ.

27.
وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجَسَدُ اَلْمَسِيحِ وَأَعْضَاؤُهُ أَفْرَاداً.

28.
فَوَضَعَ اَللهُ أُنَاساً فِي اَلْكَنِيسَةِ: أَوَّلاً رُسُلاً ثَانِياً
أَنْبِيَاءَ ثَالِثاً مُعَلِّمِينَ ثُمَّ قُوَّاتٍ وَبَعْدَ ذَلِكَ مَوَاهِبَ
شِفَاءٍ أَعْوَاناً تَدَابِيرَ وَأَنْوَاعَ أَلْسِنَةٍ.

29.
أَلَعَلَّ اَلْجَمِيعَ رُسُلٌ؟ أَلَعَلَّ اَلْجَمِيعَ أَنْبِيَاءُ؟ أَلَعَلَّ
اَلْجَمِيعَ مُعَلِّمُونَ؟ أَلَعَلَّ اَلْجَمِيعَ أَصْحَابُ قُوَّاتٍ؟

30.
أَلَعَلَّ لِلْجَمِيعِ مَوَاهِبَ شِفَاءٍ؟ أَلَعَلَّ اَلْجَمِيعَ يَتَكَلَّمُونَ
بِأَلْسِنَةٍ؟ أَلَعَلَّ اَلْجَمِيعَ يُتَرْجِمُونَ؟

31.
وَلَكِنْ جِدُّوا لِلْمَوَاهِبِ اَلْحُسْنَى.

 2
– إحدى قنوات تعاطى الله فى ما بيننا هى الصلاة بعضنا من أجل بعض:

 ومن
بين القنوات التى ننقل عبرها عطايا الله بعضنا إلى بعض، نجد الصلاة.

فكما
أنه يمكننى أن أنقل حياة الله إلى الآخر عبر محبّتى له وتعليمى وقدوتى، كذلك
يمكننى أن أنقلها إليه عبر صلاتى من أجله.

لذا
أوصى الرسول يعقوب:

(وَصَلُّوا
بَعْضُكُمْ لأَجْلِ بَعْضٍ لِكَيْ تُشْفَوْا. طِلْبَةُ اَلْبَارِّ تَقْتَدِرُ
كَثِيراً فِي فِعْلِهَا) (يعقوب 5: 16).

 

ثانيا:
انطباق ما تقدّم على صلاتنا من أجل الراقدين:

ما
ينطبق على العلاقات بين الأحياء ينطبق أيضا على العلاقة بينهم وبين الراقدين.

فهؤلاء
يصلّون من أجلن، ونصلّى نحن من أجلهم.

وبالتالى
فإننا لا نزال نحمل الله بعضنا لبعض عبر الحدود التى تفصل الأحياء عن الأموات.

وهنا
لا بدّ أن يعترضنا سؤالان:

 

1
– ألا يفصل الموت بين الأحياء والراقدين؟:

السؤال
الأول:

هل
من اتصال ممكن بيننا وبين الراقدين، بحيث يُتاح لصلاتنا أن تؤثر فيهم؟.

ألا
يفصل الموت بين الأحياء والراقدين بحيث تنقطع كل صلة بين هؤلاء وأولئك؟.

 

بالطبع
يشكّل الموت فاصلاً قطعيًا على صعيد التواصل الإنسانى الطبيعى.

هذا
وجه من أشدّ وجوه الموت قسوة، ألا وهو تلك الغربة التامة التى يقيمها بين المحبين
على صعيد الحضور الفعلى بعضهم لبعض وما يرافقه من تفاعل فى ما بينهم.

الموت
يقيم جدارًا رهيبا من الصمت بين المحبين.

ولكن
حاجز الموت، مهما عل، لا يصل إلى الله.

فالله
أقوى من الموت لأنه الحىّ الذى لا يموت.

من
هنا إن علاقته بنا لا يمكن للموت أن يفكّها.

ألم
يؤكّد يسوع للصدوقيين أن الله، لما أشار عن نفسه لموسى أنه” إله إبراهيم وإله
إسحق وإله يعقوب”، فى حين أن هؤلاء كانوا قد توفوا قبل مئات السنين، إنما عنى
بذلك أنه:

 

(اَلرَّبُّ
إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلَهُ إِسْحَاقَ وَإِلَهُ يَعْقُوبَ. وَلَيْسَ هُوَ إِلَهَ
أَمْوَاتٍ بَلْ إِلَهُ أَحْيَاءٍ لأَنَّ الْجَمِيعَ عِنْدَهُ أَحْيَاءٌ) (لوقا 20:
37، 38).

فإن
كنا جميع، أحياءً وأموات، ننتمى إلى الله ونحيا له، أى نحيا بعلاقتنا به، يعنى
أننا لا نزال به على علاقة بعضنا لبعض.

 

وقد
ظهرت محبة الله انا الأقوى من الموت هذه، بأجلى بيان، فى يسوع المسيح الذى شاركنا
فى موتنا ليجعلنا جميعا مشاركين فى قيامته.

لقد
صارت الكنيسة، بشكل خص، والبشرية كلّه، بشكل أعمّ، جسدًا واحدًا للقائم من بين
الأموات والحىّ إلى الأبد.

ومن
المسيح الرأس تسرى الحياة فى أعضاء الجسد كلّه، أحياء أم راقدين، ولا قدرة للموت
أن يفصلهم عنه:

(خِرَافِي
تَسْمَعُ صَوْتِي وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً
أَبَدِيَّةً وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي.
أَبِي اَلَّذِي أَعْطَانِي إِيَّاهَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ اَلْكُلِّ وَلاَ يَقْدِرُ
أَحَدٌ أَنْ يَخْطَفَ مِنْ يَدِ أَبِي. أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ) (يوحنا 10: 27-
30).

 

(فَإِنِّي
مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لاَ مَوْتَ وَلاَ حَيَاةَ وَلاَ مَلاَئِكَةَ وَلاَ رُؤَسَاءَ
وَلاَ قُوَّاتِ وَلاَ أُمُورَ حَاضِرَةً وَلاَ مُسْتَقْبَلَةً وَلاَ عُلْوَ وَلاَ
عُمْقَ وَلاَ خَلِيقَةَ أُخْرَى تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اَللهِ
اَلَّتِي فِي اَلْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا] (رومية 8: 38، 39).

 

(لأَنْ
لَيْسَ أَحَدٌ مِنَّا يَعِيشُ لِذَاتِهِ وَلاَ أَحَدٌ يَمُوتُ لِذَاتِهِ.
لأَنَّنَا إِنْ عِشْنَا فَلِلرَّبِّ نَعِيشُ وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَمُوتُ.
فَإِنْ عِشْنَا وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَحْنُ. لأَنَّهُ لِهَذَا مَاتَ
الْمَسِيحُ وَقَامَ وَعَاشَ لِكَيْ يَسُودَ عَلَى الأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ)
(رومية 14: 7- 9).

 

فإذا
كان لا قدرة للموت أن يفصل البشر عن المسيح الذى صار رأس البشرية، وعن المحبة
الإلهية التى تفيض عليهم من هذا الرأس، فإن لا قدرة له بالتالى أن يفصلهم بعضهم عن
بعض فى عمق أعماق كيانهم، ولو أنه كان، على المستوى البشرى المألوف، ” مفرّق
الجماعات”.

 

إنهم
لا يزالون مرتبطين بعضهم ببعض طالما أنهم لا يزالون مرتبطين بالرأس.

هذا
ما يتجلّى خاصة لدى إقامة سر الشكر، حيث باتحادنا بالمسيح بتناولنا جسده ودمه،
نلتقى عبره بأعضاء جسده من أحياء وأموات، كما يشير ترتيب الأجزاء المتقطعة من القرابين
لدى التقدمة، حيث أن هذه الأجزاء، التى تمثل الأحياء والأموات، تحيط فى الصينية ب


الحمل” الذى يمثل المسيح.

 

2
– هل يستفيد الراقدون جميعا من صلواتنا لأجلهم؟:

السؤال
الثانى هو:

هل
أن صلاتنا من أجل الراقدين تفعل فى كل الأحوال فتقرّبهم من الله، أم أن مفعولها
مرتبط بما يتخذونه هم من موقف؟.

وبعبارة
أخرى: هل يستفيد الراقدون جميعا من صلواتهم لأجلهم؟.

 

قلنا
أننا بالصلاة نحمل الله إلى الآخر، حيا كان أم راقدًا.

إنما
يعود لهذا الآخر أن يتقبل بحريته الله الذى نحمله إليه بالصلاة، كما أنه يعود له
أن يتقبل الله الذى ننقله إليه بالتعليم والقدوة وبمحبتنا.

وقد
يتقبل الآخر الله الذى يأتيه عبرن ويرفضه.

سر
الحرية لا يزال قائما فى الآخرة كما هو قائم فى الحياة الحاضرة.

فإذا
تحجّر إنسان ما فى رفضه لله، فهذ، سواء فى هذه الحياة وبعد الموت، لا يسعه أن
يتقبل الله الذى نحاول أن ننقله إليه بصلاتنا.

هذا
الموقف الرافض لله فى العمق هو ما سمّاه الإنجيل ” التجديف على الروح
القدس” حيث قال:

(لِذَلِكَ
أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ خَطِيَّةٍ وَتَجْدِيفٍ يُغْفَرُ لِلنَّاسِ وَأَمَّا
اَلتَّجْدِيفُ عَلَى اَلرُّوحِ فَلَنْ يُغْفَرَ لِلنَّاسِ. وَمَنْ قَالَ كَلِمَةً
عَلَى اِبْنِ الإِنْسَانِ يُغْفَرُ لَهُ وَأَمَّا مَنْ قَالَ عَلَى اَلرُّوحِ
اَلْقُدُسِ فَلَنْ يُغْفَرَ لَهُ لاَ فِي هَذَا اَلْعَالَمِ وَلاَ فِي اَلآتِي)
(متى 12: 31، 32).

لا
يُغفر له لا لشئ سوى لأنه بالضبط غير منفتح إلى الغُفران.

 

ولكن
من هو المصرّ على رفض الله؟.

لا
ندرى.

وهل
سوف يبقى إنسان ما رافضا لله إلى الأبد؟.

لا
ندرى.

من
هنا صلاتنا إنمأ ترفع عن جميع الراقدين بدون استثناء.

 


كيف يستفيد الراقدون من صلواتنا؟ وهل تساعدهم حتى بعد أن رقدوا فى التقرّب من
الله؟”

 

أولاً:
كيف يستفيد الراقدون من صلواتنا؟:

إن
فاعلية صلواتنا من أجل الراقدين تستند إلى الأساسين التاليين:

 

1
– اشتراكنا فى شفاعة المسيح:

إن
الوحيد الذى يمكنه أن يقرّبنا من الله، إنما هو الرب يسوع المسيح، لأنه صار بتجسده
جسرًا بين الله والإنسان.

ذلك،
وهو الإله، اتخذ البشر كلّهم فى إنسانيته فصار مَعْبَرًا لهم إلى الله:

(لأَنَّهُ
يُوجَدُ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اَللهِ وَاَلنَّاسِ:
اَلإِنْسَانُ يَسُوعُ اَلْمَسِيحُ) (1 تيموثاوس 2: 5].

من
هنا فإنه يشفع بهم لدى الله، كما يقول الرسول بولس:

(مَنْ
هُوَ اَلَّذِي يَدِينُ؟ اَلْمَسِيحُ هُوَ اَلَّذِي مَاتَ بَلْ بِالْحَرِيِّ قَامَ
أَيْضاً اَلَّذِي هُوَ أَيْضاً عَنْ يَمِينِ اَللهِ اَلَّذِي أَيْضاً يَشْفَعُ
فِينَا!) (رومية 8: 34).

لكننا
بالإيمان اتحدّنا بيسوع المسيح وأصبحنا نؤلّف ” جسده أى الكنيسة”:

(وَأَمَّا
أَنْتُمْ فَجَسَدُ اَلْمَسِيحِ وَأَعْضَاؤُهُ أَفْرَاداً) (1 كورونثوس 12: 27).

فقد
صرنا أيضا من جراء ذلك، مشاركين فى وساطته وشفاعته.

بالتالى
أصبح بإمكاننا أن نصلّى – معه وله – بعضنا من أجل بعض، عالمين بأن صلاتنا هذه، به
تبلّغ إلى الله.

 

2
– كوننا به موصولين بعضنا ببعض:

بما
أننا نؤلّف كلّنا جسد المسيح، أى الكنيسة، فنحن به متحدون بعضنا ببعض، أعضاء بعضنا
لبعض، وكما أن الحياة التى تسرى فى عضو عضو من أعضاء الجسم تمتد منه لتنشط باقى
الأعضاء،.

كذلك
فإن حياة المسيح التى تسرى فى كلّ منّا يمكنها لأن تمتدّ عبّرنا إلى سوانا بالمسيح
يسوع ربنا.

 

إننا
عندما نصلّى، يكون المسيح فى وسطن، ليس فقط من أجل انفسنا فقط، بلّ من أجل كل
الذين نحن موصولون بهم، أى من أجل اعضاء جسد المسيح، الذين هم المؤمنون بنوع أخص،
ولكن البشر كلّهم بشكل أعمّ، لأنهم كلّهم مدعوّون جميعا إلى الانضمام إلى جسد
المسيح، لأن المسيح جاء ليخلّص العالم كلّه.

 

ثم
أن هذه الصلة العضوية لا تجمعنا بالأحياء فقط، بلّ وبالراقدين أيض، لأن الموت، وإن
فصلنا بالظاهر بعضنا عن بعض، إلا أنه لا يقوى على فصلنا عن المسيح:

[مَنْ
سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ اَلْمَسِيحِ؟. فَإِنِّي مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لاَ
مَوْتَ وَلاَ حَيَاةَ وَلاَ مَلاَئِكَةَ وَلاَ رُؤَسَاءَ وَلاَ قُوَّاتِ وَلاَ
أُمُورَ حَاضِرَةً وَلاَ مُسْتَقْبَلَةً وَلاَ عُلْوَ وَلاَ عُمْقَ وَلاَ
خَلِيقَةَ أُخْرَى تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اَللهِ اَلَّتِي فِي
اَلْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا] (رومية 8: 35، 38، 39).

من
هنا أننا بالمسيح لا نزال متصلين لا بالأحيأء وحسب، بلّ وبالأموات أيضا من إخوتنا.

 

ثانيا:
هل نساعدهم، حتى بعد أن رقدو، فى التقرّب من الله؟:

أن
صلاتن، من شأنه، كما رأين، أن تمد إخواتنا بحياة الله التى نستمدّه، بالصلاة، من
الرب يسوع المسيح، كى ننقلها إليهم.

وقد
رأينا أن هذه الحياة تنتقل منّا لا إلى أخوتنا لحياء فقط، بل إلى أخوتنا الأموات
أيضأ.

ولكن،
هل بإمكانهم أن يفتحوا القلب إليها؟.

هذا
ممكن، حتى بعد الموت، إذا ما بقى هذا الراقد يلتمس الله بالروح التى بقيت منه بعد
موته، والتى تختصر وتختزل محمل كيانه، والتى تخلد بفضل حبّ الله، وتحييه، كما بين
القديس غريغوريوس بالاماس، الطاقات الإلهية غير المخلوقة فى غياب وتلاشى قواها
الطبيعية، من جسدية ونفسية، التى دمّرها الموت.

فهذه
الروح الخالدة بدعوة الله قد تكون لا زالت طالبة الله ومملتمسة إياه، مستجيبة
لنداء حبّه.

الكنيسة
تعلّم أن العديد من المؤمنين:

(لأَنْ
لَيْسَ اَلَّذِينَ يَسْمَعُونَ اَلنَّامُوسَ هُمْ أَبْرَارٌ عِنْدَ اَللهِ بَلِ
اَلَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِالنَّامُوسِ هُمْ يُبَرَّرُونَ.

لأَنَّهُ
اَلأُمَمُ اَلَّذِينَ لَيْسَ عِنْدَهُمُ اَلنَّامُوسُ مَتَى فَعَلُوا
بِالطَّبِيعَةِ مَا هُوَ فِي اَلنَّامُوسِ فَهَؤُلاَءِ إِذْ لَيْسَ لَهُمُ
اَلنَّامُوسُ هُمْ نَامُوسٌ لأَنْفُسِهِمِ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ عَمَلَ
اَلنَّامُوسِ مَكْتُوباً فِي قُلُوبِهِمْ شَاهِداً أَيْضاً ضَمِيرُهُمْ
وَأَفْكَارُهُمْ فِيمَا بَيْنَهَا مُشْتَكِيَةً ومُحْتَجَّةً

فِي
اَلْيَوْمِ اَلَّذِي فِيهِ يَدِينُ اَللهُ سَرَائِرَ اَلنَّاسِ حَسَبَ إِنْجِيلِي
بِيَسُوعَ اَلْمَسِيحِ] [رومية 2: 13 – 16).

فالذين
عاشوا فى حياتهم الأرضية، وهم يسعون إلى الله، وماتوا وهم على هذا السعى، فى توبة
إليه، أى فى اتجاه صميم نحوه، ولكنهم لم يبلغوا إلى حد ترسيخ هذا الاتجاه إليه
بحيث يصبح كليا ونهائي، بلّ بقوا إلى حد ما متأرجحين بين الله وبين أهواءهم.

هؤلاء
سعوا بإخلاص إلى العرس السماوى ولكنهم لم يرتدوا بعد لباس العرس البهىّ، عليهم
تنطبق هذه الكلمات التى تُنشد فى خدمة


الختن” فى بداية اسبوع الآلام:


إننى أشاهد خدرك مُزيّنا يا مخلصى، ولست أمتلك وشاحا للدخول إليه. فأبْهجْ حلّة
نفسى، يا مانح النور، وخلّصنى”.

 

إن
إيمان الكنيسة الأرثوذكسية فى عقيدة الصلاة على، ومن أجل الراقدين، عقيدة راسخة.

إنها
طقس من طقوس الكنيسة وليس سرًّا من أسرارها.

لأن
للأسرار الكنسية مفاعيلاً لا تتم ولا تفيد إلا المؤمن الحى.

 

إن
من واجب الكنيسة أن تصلّى لأجل الجميع حتى الذين سبق رقادهم، ومن حق الله أن
يتقبّل هذه الصلوات ويرفضها.

ومن
الذى أعلمنا أن صلواتنا هذه عن نفوس منتقلة لن تكون مقبولة أمام الله حتى لا
نرفعها؟.

إننا
نكون مقصرين نحو هذه النفوس لو لم نطلب عنها ومن أجله، ولكن لن نجازى من الله على
أننا صلينا لأجل نفس منتقلة!!!.

إن
الكنيسة تصلى من أجل نياح نفوسهم أى راحتهم فى أحضان آبائنا القديسين إبراهيم
واسحق ويعقوب (لوقا 16: 13، 22].

حيث
موضع الخضرة (مزمور 23: 12، نشيد الأنشاد 1: 16].

وما
لم تره عين وما لم تسمع به أذن وما لم يخطر على قلب بشر (1 كورونثوس 2: 8، 9].

إذ
لا يكون موت لعبيده بل انتقال (يوحنا 5: 24، 13: 1، 1يوحنا 3: 14، كولوسى 1: 13،
عبرانيين 11: 5].

لهذا
فنحن نطلب مصلين إن كان قد لحقهم توانٍ وتفريط كبشر وقد لبسوا جسدًا فى هذا العالم
(خروج18: 4، 20 – رومية 5: 14، أفسس 4: 26، 1يوحنا 2: 1، كولوسى 15: 34، أعمال 3:
19، 22: 16).

لأنه
ليس أحد طاهرًا من دنس ولو كانت حياته يوما واحدًا على الأرض (1 يوحنا 5: 7، يوحنا
8: 27، 1 تيموثاوس 5: 24، 2 بطرس 1: 29، 1بطرس 4: 18)

 

إن
الكنيسة كأم ترافق أولادها من بداية مسيرتهم مع الله إلى نهايتها.

تقدم
الاستنارة لكل إنسان آت إلى الإيمان بالمعمودية والتعليم، وترافقه فى فترة غربته
على الأرض، وتقدّم له كل وسائط النعمة والأسرار حتى يتكلل بالبر فى النهاية.

وترافقه
أيضا فى لحظات انتقاله وتؤازره بصلواتها حتى يأتى إلى مستقرّه الأخير.

إنها
لم تكف ولن تكف على أن تصلى لأجل أولادها لأنها كام تشعر بمسئوليتها عنهم جميعا.

 

وكما
أن كل إنسان سيقف أمام كرسى المسيح ليدان عن كل ما فعل فى الجسد خيرًا كان أم شرً،
فإن الكنيسة تطلب الرحمة والرأفة من قِبل الرب الرحيم، لأنه لا يستطيع أحد أن
يتبرر أمام الله إن لم تدركه مراحمه.

من
أجل هذا تطلب الكنيسة قائلة:


هب لهم خيرات مواعيدك ما لم تره عين وما لم تسمع به أذن وما لم يخطر على قلب بشر
ما أعددته يا الله لححبى اسمك القدوس، لأنه لا يكون موت لعبيدك بل انتقال، وإن كان
قد لحقهم توانٍ وتفريط كبشر وقد لبسوا جسدًا وسكنوا فى هذا العالم فأنت كصالح ومحب
البشر اللهم اغفر لهم. عبيدك المسيحيين الأرثوذكسيين الذين فى المسكونة كلها من
مشارق الشمس إلى مغاربها ومن الشمال إلى الجنوب كل واحد باسمه وكل واحدة باسمها يا
رب نيحهم واغفر لهم”.

 

أن
أجساد المؤمنين التى تصلّى عليها الكنيسة هى أجساد قد تم تدشينها فى أسرار الكنيسة
المقدسة، فالمعمودية جعلت من الإنسان ابنا لله، والميرون جعل هذا الجسد هيكلاً
للروح القدس، وسر الإفخارستيا أعطى لهذا الجسد أن يكون شريكا لجسد المسيح له المجد
ذاته.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى