علم

إعترافات القديس أغسطينوس



إعترافات القديس أغسطينوس

إعترافات
القديس أغسطينوس

ترجمة

القمص
قزمان البراموسي

والأستاذ
حنا فام
المحامي

1669
ش –
1953 م

 

تقديم
الكتاب

بقلم

حضرة
الأرخن الكبير الأستاذ حنا فام المحامي

شاءت
العناية الإلهية أن تجمعني في صيف هذا العام، بقداسة الأب القمص قزمان البراموسي،
بعد فرقة دامت ما يقرب من عشرة أعوام، ترك حضرته في خلالها العالم وذهب إلى الدير،
فكان بيننا عندما التقينا ما لابد أن يكون بين صديقين جمعتهما أيام الدارسة، ووحدت
بين قلبيهما بعدها وحدة الهدف النبيل الذي كنا نعمل من اجله، ألا وهو مجد الله
وخدمة الكلمة
.

 لقد جدد هذا
اللقاء ذكرياتنا القديمة عن تلك الأيام التي كان قداسته فيها يعيش بين ظهرانينا،
معيشة اكثر ما تكون قربا لمعيشة الرهبان منها إلى معيشة أهل المدن، فلا تأنق في
الملبس ولا تنعم في المأكل، بل تقشف وزهد وقناعة
. لاجرى وراء
أباطيل العالم بل انقطاع للعبادة في بيت الله أو القراءة في كتبه المقدسة أو كتب
آباء الكنيسة
.
ولطالما
كنت اقصده إذا ما أشكل عليً موضوع من موضوعات الكتاب، أو تعذر عليً فهم طقس من
طقوس الكنيسة، فكنت أجد لديه الجواب الشافي السديد، المدعم دائما بأقوى الحجج
والأسانيد
.

 لذلك فلا
عجب أن افتقدته كثيرا بعد سفره إلى الدير،”وفي الليلة الظلماء يُفتقد
البدر”

 لقد توقعت
عندما ارتحل القمص قزمان إلى دير البراموس أن أراه بعد حين وقد نقب باحثا في ذخائر
الآباء الأولين، كاشفا عما وجده بين كنوزها من در غال ثمين
.

 وقد صح ما
توقعت، فلم أدهش لما أطلعني عندما قابلني علي عدد عديد مما ترجمه عن القبطية
والإنجليزية من كتب عظيمة الأهمية، فعرضت عليه أن يسارع إلى نشرها ورأينا أن
نبدأها تجربة – وإنها لتجربة ناجحة بإذنه تعالي- بطبع ” اعترافات القديس أغسطينوس”
التي عربها عن الإنجليزية، فقسمناها إلى أجزاء وهذا هو الجزء الأول وستتلوه
الأجزاء الأخرى عن قريب إنشاء الله
.

إن
القديس أغسطينوس في اعترافاته، إنما يصور حياته منذ أن كان طفلا رضيعا، حتى صار
شابا يافعا، وحياته خلال هذه الفترة كحياة كل إنسان تتدرج وتتغير، ففيها نزق
ورعونة، وفيها غيرة صالحة ووفاء، فيها فترات شك وريبة وفيها فترات إيمان وتسليم
. فيها انحراف
وراء الشهوات والملذات الدنيئة وفيها تعلق بالمبادئ والمثل العليا
.

 والقديس أغسطينوس
يصور لنا هذا كله في أسلوب عذب وتفصيل شيق وإيضاح لشتي العوامل التي تسيطر علي
حياة الإنسان فتجعله يتخبط في أمواجها تارة تصرعه وطورا ترفعه.

 وإنه لواجب
علي كل شاب، أن يقرأ هذه الاعترافات، لان فيها تصويرا دقيقا لما كان هو عليه في
أمسه، وما هو كائن عليه في يومه، ولو عرف أن يربط جيدا ما بين يومه وأمسه لأقام
دعامة صالحة لغده.

 وأخيرا
فإنني أري لزاما عليً أن أشير في نهاية هذه الكلمة إلي أن اللغة الإنجليزية التي
عرب عنها القمص قزمان البراموسي هذا الكتاب هي اللغة الإنجليزية القديمة وهي اصعب
ما تكون لفظاً وأشق ما تكون فهماً، ولقد حاول الكثيرون ترجمة هذه الاعترافات
ولكنهم فشلوا، مما لا يسعني إلا أن أنوه بالمجهود الكبير الذي بذله قداسته في هذه
الترجمة
.

 آما أنا،
فإنني لم اعمل سوي إيضاح بعض العبارات التي كانت تبدو غامضة، وصياغتها بما يكفل
تسهيل فهمها، وهذا العمل، لايعد شيئا مذكورا بجوار المجهود المضني الذي قام به
المعرب من قبل
.

ختاماً،
نسأله تعالي أن يعيد إلى الأديرة مجدها السابق لتكون منارة للعلم والدين، وأن يسدد
خطانا ويهدينا إلى سواء السبيل
.

كيهك
1669 ش

حنا
فام المحامي

ديسمبر
1952 م

 

كلمة
عن حياة القديس أغسطينوس

 ولد القديس أغسطينوس
في يوم الأحد الموافق 13 نوفمبر سنة 354 ميلادية في مدينة أجستا الواقعة في شمال
أفريقيا من أب وثني يدعي باترلسيوس وأم مسيحية تقيه تدعي مونكا
. ولما بلغ
السادسة عشر من عمره عزم أبوه علي إرساله ليتعلم في مدرسة قرطاجنة ولكنه لم يتمكن
من ذلك إلا بعد سنة قضاها القديس عاطلا فاندفع لذلك في حمأة الدنس وخالط شباناً
أرد ياء وسار علي شاكلتهم يفتخر بشروره مثلهم وكان أبوه يتغاضي عن شروره أما أمه
فقد كانت مواظبة علي نصحه والصلاة من أجله ببكاء ولجاجة حارة حتى عزاها الله عن
قرب هدايته بنبوءة أحد الاساقفه
.

 ولقد نبغ
القديس في علم البيان والفصاحة فأنشأ في قرطا جنة مدرسة لتعليم الفلسفة ثم عزم بعد
ذلك علي المضي إلى روما فسافر بعد أن خدع أمه التي لم تكن موافقة علي سفره، وفي
روما أخذ القديس في تدريس الفلسفة وانضم إلى شيعة ماني ولكنه لم يلبث أن ترك هذه
البدعة بعد أن سمع رئيسهم فيستوس يخطب أمامه بعبارات فصيحة ولكنها جوفاء عديمة
المعني
.

 وفي هذه
الأثناء طلب حاكم ميلانو من القديس أن يذهب إليه ليقوم بالتعليم هناك وكان هذا
بتدبير من الله الذي جعله يلتقي بالقديس امبروز فأحبه القديس لا لأنه كان أسقفاً،
ولكن لأنه كان أنساناً حكيما صبوراً فكان يسمعه لا بروح العبادة ولكن بروح الفحص
ليختبر فصاحته ومن هذا الطريق أشرق ذلك النور الذي أضاء علي عقل القديس
.

 وعندما كان
القديس في ميلانو لحقت به أمه وكانت تعظه ليعيش عفيفا إذ كان هو يعتقد أن العفة
أمر مستحيل عليه ولكنه لم يلبث بعد أن سمع عن إيمان بعض الوثنيين المشهورين ورهبنة
اثنين من ندماء الملك أن اجتمع بصديقه القديس اليبوس فصلي كل منهما علي انفراد ثم
فتح القديس رسالة بولس الرسول إلى رومية 13: 13 التي جاء فيها (لا بالبطر والسكر
لا بالمضاجع والعهر لا بالخصام والحسد ولكن البسوا الرب يسوع المسيح ولا تصنعوا
تدبيراً للجسد لأجل الشهوات) فأضاءت هذه الآيات الطريق أمامه فآمن وكان رجوعه إلى
الحق في أغسطس أو سبتمبر سنة 376 م وكان قد بلغ من العمر 32 عاماً
.

 ولما
علم صديقه اليبوس بإيمانه آمن هو أيضاً وذهب معه إلى مونكا أمه وأخبراها بإيمانهما
ففرحت لذلك فرحاً عظيماً وازداد فرحها عندما علمت بأن ابنها قد نذر نفسه للعفة
وتأهب لقبول سر المعمودية بعد أن ظل هو وهي واليبوس وبعض تلاميذه مدة من الزمن
خارج ميلانو يمارسون أعمال التوبة ويتأملون في الحقائق الإلهية
. وكان عماد
القديس في سنة 387 م في الصوم الكبير علي يد القديس امبروز
.

 بعد
ذلك أصطحب القديس أمه وسافر إلى شمال أفريقيا حيث ماتت أمه في مدينة أوستيا
فغادرها وذهب إلى روما ليعظ اتباع ماني كما ألف كتاباً أثبت فيه أن الإنسان حر
الإرادة ولما دعاه أحد أشراف بونا ذهب إليها تلبية لدعوته وكانت شهرته قد ذاعت
فرسمه فاليربوس أسقف تلك المدينة كاهنا فبني ديراً بجوار الكنيسة للرهبان وآخر
للراهبات.

 وكان
لعظات القديس أثر بالغ في نفوس الشعب فأحبوه من أجلها كما أمدن مؤلفاته ضد
المانوية كان لها أكبر الفضل في تقويض أركان بدعتهم
.

 وفي
سنة 395 م شاخ الأسقف فاليربوس فرسم القديس أغسطينوس أسقفاً وأعده ليكون خليفته
ففرحت بذلك الكنيسة فرحاً كبيراً واغتاظ الهراطقة فكانوا يطوفون ببيوت المؤمنين
ويقتلونهم بحد السيف ولقد حاولوا قتل القديس ولكن الله خلصه منهم وفي هذه الأثناء
ألف كتابي المعمودية ووحدة الكنيسة كما ألف في سنة 396 كتابين آخرين أحدهما عن
الإيمان والثاني ضد أتباع ماني والدوناتيين
.

 وفي
سنة 411 م أمر الملك أونوريوس بعقد مجمع في قرطا جنة يحضره علماء الكنيسة وعلماء
الدوناتيين فحضر عن الكنيسة الجامعة 275 أسقفاً ومن الهراطقة 279 أسقفاً كما أرسل
الملك نائباً عنه وفي هذا المجمع فند القديس أغسطينوس بدعة الدوناتيين وانتصر
عليهم فعاد عدد كبير من الهراطقة إلى الإيمان القويم
.

 وقد
حارب القديس بدعة أريوس وأشياع أوريجانوس وبرثليانوس كما حارب بدعة بلاجيوس وكان
علماء الكنيسة وقديسوها يعظمون أغسطينوس أما هو فكان يزداد تواضعاً وسخاء علي
الفقراء حتى أنه باع الآنية المقدسة ووزع ثمنها عليهم
.

 وبمقدار
ما كان القديس فاجراً قبل توبته، كان وديعاً عفيفاً بعدها حتى أنه لم يأذن لأي
امرأة أن تقيم في داره أو تحدثه علي انفراد
. ومن أشهر
كتاباته اعترافاته التي نتشرف بتعريبها
.

 لقد
ظل القديس يؤدي واجبه علي أكمل وجه وأتمه حتى بلغ من العمر 76 سنة فأصيب بمرض أليم
أثناء حصار الأريوسيين لمدينة بونا فطلب إلى الله أن ينقله من هذا العالم فتنيح
بعد أن تناول من الأسرار المقدسة في الثامن والعشرين من شهر أغسطس سنة 430 ميلادية
.

 ومما
يجدر ذكره أن القديس كان يعيش قبل انشقاق الكنيستين الشرقية والغربية
..

بركة
صلاته تكون معنا آمين،،،

القمص
قزمان البراموسي

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى