مقالات

روعة سرّ العذراء فخر البتولية

 طوبى للبطن الذي حملك والثديين اللذين رضعتهما – لوقا 11: 27

بمهابة ووقار، وبإجلال عظيم أدعوكم معي أن نقف جميعاً معاً أمام الأرض المقدسة التي صارت فلاحة الله الخاصة، أمام عذراء بسيطة محبة لله، كرست بتوليتها على يد ملائكة وروح الله القدوس؛ عذراء صارت سماء جسدانية نورانية، نورها من نوع خاص، ذات سرّ عظيم أدهش الملائكة وقوات السماء كلها !!! بل والبشرية احتارت واندهشت جداً !!!

إننا اليوم نقف أمام جبل الطهارة الشامخ، إناء من نوع خاص ممتلئ نعمة، مكرس ومخصص لله الحي، وقد يظن البعض – للأسف – إننا أمام سرّ بسيط، نعبر عليه أو نراه ونشكر الله ونَمُرَّ عليه مرور العادة ونتعجب ونندهش ونمضي !!!

يا إخوتي أننا أمام سرّ جليل، أننا أمام انفتاح سماوي عريض وعميق ومتسع جداً على كل إنسان بل والبشرية كلها !!! إننا أمام سرّ الخلاص الجليل الذي انتظرته البشرية بلهفة وشغف عظيم، في تاريخ مضني من التعب والمشقة ومزلة الإنسان تحت سلطان الخطية وفجور الإثم الذي اتعب البشرية وجعلها تسير من موت لموت، ومن ظلمة على ظلمة …

اليوم علينا أن نتلمس موضعنا معاً من هذا السرّ العظيم، ولا تظنوا أبداً أن العذراء القديسة مريم مجرد أناء عادي، أو خاص لله الكلمة وعند الولادة أصبح فارغاً من الله وقد انفصل عنه كما يظن البعض بكونه لم يستوعب سرّ الخلاص بعد !!!

ان لنا نصيب على نحوٍ خاص في هذا السرّ، فهو سري وسرك يا أخي ويا أختي ويا أبي ويا أمي، العذراء عذراءنا، عينة أفرزها الله من البشرية بتدخله الخاص لتصمد أمام هذا الحدث السماوي الرهيب والجليل، لتحمل في أحشائها ابناً جديداً للإنسان موطنه حضن الآب كما بشر الملاك عذراء الدهور كاشفاً عن سرّ المولود قائلاً: [ ابن العلي يُدعى ] (لوقا 1: 26 – 33)

أنها إناء مقدس لله ليحل فيه ويصير مكان راحته الخاص، ولما خرج من أحشاء هذا الإناء الخاص الذي قدسه وكرسه الروح القدس الرب المحيي، تقدست به البشرية كلها لأنها صارت مثال لكل من يستضيف الكلمة ابن الله الحي فيه. فإن كانت العذراء القديسة مريم استضافته تسعة أشهر، فقد استوطنت فيه البشرية أبد الدهر، فقد صار ابناً للإنسان وهو ابن الله بالصدق والحق بالطبيعة: [ لأنه يولد لنا ولد، ونُعطى ابناً، وتكون الرياسة على كتفه … ] (إشعياء 9: 6)
وكما انفتح بالسرّ الإلهي بطن العــــذراء وحلَّ فيها وسكن، فقد أنشق جنبه على الصليب بالحربة، ومات وأمتنا معه بسر وحدتنا وقرابتنا له وقام من الأموات وأقامنا معه وصعد بنا، بجسم بشريتنا المتحد به اتحاداً حقيقياً بطريقة ما، فصرنا فيه وهو فينا بالضرورة، نحمل سماته كما حمل سمات بشريتنا بتجسده من عذراء الدهور الأم البتول …

فكما أخذ جسدنا مولوداً من عذراء بتول، أخذنا جسده قائماً من بين الأموات في سرّ الإفخارستيا العظيم …

حقاً يا أحباء يسوع أننا أمام عذراء عظيمة بنت إبراهيم عن جدارة، لأنها جسدت إيمان إبراهيم إذ آمنت وقالت للملاك مبشرها ليكن لي كقولك، ففي الحل صار إيمانها براً، فحلَّ في أحشائها ذاك الذي به تتبارك كل أمم الأرض وتتبرر بقوة وسلطان فائق أعظم من إبراهيم أب الآباء بل وكل الأنبياء جميعاً، بل لا يقارن بأي برٌ آخر، ونحن أيضاً إن آمنا وسلمنا بعمل الله الحي في آنيتنا بسبب تجسد الكلمة، فأننا ندخل في تلك الرابطة السرية التي لوحدة الكنيسة مع بعضها البعض في سرّ التقوى، وتكون عذراء الدهور هي مثال حي لنا في برّ الإيمان الحي الذي ينبغي أن يكون فينا…
____________________________

حقاً ما أعظمك أيتها الملكة الأم العذراء إناء الكرامة فخر البشرية، يا أم ربي وإلهي حقاً طوبى للتي آمنت أن يتم ما قيل لها من قِبَل الرب، أن لقلبي لملتهب بحرارة غير عادية تجعلني أكتب بمهابة وشكر لإلهنا الحي.
ويا لجمال تسبيحتك وعظمة نشيدك الذي يهز أوتار قلب كل من آمن بمسيح القيامة والحياة، بلهفة المحبة : ابتهجي جداً يا ابنة صهيون، اهتفي يا بنت أورشليم. هوذا ملكك يأتي إليكِ (زكريا 9: 9)
ما أعظم هيكلك المقدس الذي صار مخصص للملك السماوي، فقد صرتِ حقاً آخر أنبياء العهد القديم وأول أنبياء العهد الجديد، فمن نال من نلتِ يا مريم، ومن احتوى ما احتويتِ يا إناء الله المختار.
فيا لروعة جمر النار الخارج من شفتيكِ في أجمل تسبحة سمعتها البشرية، فقد اشتعلت نفسك بنار سماوية متقدة صارت لحن حب خارج من أعماقك، لحن مقدس تبتهج به البشرية وتفرح بالخلاص الأبدي الذي لله الحي، فقد صار إنائك الخاص كمركبة خلاص اسعدت كل البشر ، لأن الله فاض فيك وخرج منك نوراً للبشرية كلها.

أشفعي فينا لكي تلتهب أحشاء نفوسنا بالحب لله الحي مثلك، ونصير معك نسبح الله بنفس ذات حرارة تسبيحتك الحلوة، تسبحة الخلاص والبهجة التي صارت لنا ، نغنيها معك بصوت ممتلئ مجداً، نعظم الرب نحمده ونمجده ونشكره على عظم صنيعه معنا الذي به صرنا فرحين، هذا الذي به يليق كل مجد وإكرام إلى أبد الآبدين آمين

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى