بدع وهرطقات

رواية عزازيل تريد خلق إله جديد وشيطان جديد ودين جديد



رواية عزازيل تريد خلق إله جديد وشيطان جديد ودين جديد

رواية
عزازيل تريد خلق إله جديد وشيطان جديد ودين جديد

القمص
عبد المسيح بسيط

مقال
بعنوان: رواية عزازيل تريد خلق إله جديد وشيطان جديد ودين جديد!! بين الأوهام
والإلحاد والإباحية

كتب
المؤلف الدكتور يوسف زيدان الكاتب المتخصص في التراث العربي والمخطوطات، وأستاذ الفلسفة
الإسلامية بحسب ما يقول موقعه على النت وما يقوله ناشر روايته “عزازيل”
والتي نسبها لشخصية إبليس وأن كان قد قصد بها طول الوقت العقل الباطن لبطل روايته
الذي اسماه هيبا. والتي حاول أن يوحي للقارئ منذ اللحظة الأولى على أنها قصة
حقيقية وجدت مكتوبة في لفائف جلدية أثرية مكتوبة باللغة السريانية التي هي
الآرامية، لغة المسيح، فيبدأ بمقدمة توهم القارئ بأن ما يقرؤه هو مخطوطات حقيقية
فيقول: “يضم هذا الكتاب الذي أوصيت بنشره بعد وفاتي ترجمة أمينة قدر المستطاع
لمجموعة من اللفائف “الرقوق”
manuscripts
التي اكتشفت قبل عشر سنوات بالخرائب الأثرية الواقعة إلى جهة الشمال الغربي من
مدينة حلب السورية -وقد وصلتنا هذه الرقوق بما عليها من كتابات سريانية قديمة في
حالة جيدة مع أنها كتبت في النصف الأول من القرن الخامس الميلادي- وهناك حواش
وتعليقات مكتوبة على أطراف الرقوق باللغة العربية، تمت كتابتها في حدود القرن
الخامس الهجري تقريبا، كتبها فيما يبدو لي راهب عربي من أتباع كنيسة الرها التي
اتخذت النسطورية مذهبا لها، وقد أوردت بعض هذه الحواشي في ترجمتي ولم أورد بعضها
الآخر لخطورتها البالغة”. كما زعم أن راهب قبرصي اسماه الأب كازاري قد راجعها!!
ولا أظن أنه جاء بهذا الاسم بمحض الصدفة بل، على ما أعتقد، أنه أختاره عمداً ليوحي
به إلى شيء هام وهو جماعة الكازارس
The
Khazars
الذين كانوا يؤمنون
بإلوهية المسيح فقط ولا يؤمنون بتجسده واتخاذه جسداً من مريم العذراء، والذين أشار
إليهم كُتّاب الوثنية الإلحادية الحديثة من أمثال ميشيل بيجنت وريتشارد لي وهنري
لنكولن كُتّاب رواية “الكأس المقدس، الدم المقدسة” ودان براون
Dan Brown في روايته “شفرة دافنشي” The Da Vinci Code ولين بكنت وكليف برنس في كتابهما “كشف سر فرسان الهيكل: حراس
سر هوية المسيح الحقيقة!! وغيرهم. وترجع إشارته إل الكازارس باعتبارهم يتمسكون
بالكتب الأبوكريفية التي أشار إليها كتاب هذه الكتب الإلحادية وبنوا أهم أفكارهم
على جاء بها، فقد صفها عدة مرات الكاتب عدة مرات ب- “الأناجيل المحرمة”
والتي زعم أنها كانت مع نسطور وراهبه المزعوم علما بأن فكر هذه الكتب لا صلة له من
قريب أو من بعيد بنسطور!!

مقالات ذات صلة

 

وقد
بني الكاتب روايته على أساس أحداث واقعية وتواريخ معروفة وقد وضع لروايته ثلاثة
أهداف، كما خرجت بها من قراءتي للرواية؛

 

(1)
الانتصار لمن أسمتهم الكنيسة بالهراطقة، من أمثال آريوس وبولس السموساطي ونسطور،
والذين ذكرهم بالاسم ومدح كتاباتهم، لانحرافهم عن مفهوم الكتاب المقدس والتسليم
الرسولي الذي تسلمته الكنيسة من تلاميذ المسيح ورسله، واعتمادهم بالدرجة الأولى
على الفلسفة اليونانية وعلى أفكارهم الخاصة،

 

(2)
توجيه هجوم شديد ولاذع للكنيسة القبطية ورمزها القديس مرقس الرسول وصورة الأسد
المرسومة إلى جواره وحول الرمز إلى عكس معناه، أما بجهل شديد أو عمد!! فراح يسخر
من هذا الرمز بصورة غير لائقة.. بل وخاصة البابا كيرلس عمود الدين لموقف الكنيسة
القبطية ضد الهراطقة ودفاعها عن الإيمان المستقيم والذي تسلمته من تلاميذ المسيح
ورسله، وذلك لاختلافه الديني والعقيدي، كمسلم وأستاذ للفلسفة الإسلامية، عنها
وانتصاراً لدينه ومعتقده الذي لا يفق مع ثوابت الإيمان المسيحي!!

 

(3)
وهذا ما حيرني وهو محاولته الإيحاء بأن “الله لم يخلق الإنسان بل أن الإنسان
هو الذي خلق الله”!! أن فكرة الإله هي من خيال الإنسان، كما سأوضح ذلك!! أي
أنه تصور أنه يستطيع أن يصيغ ما تصور أنه مفاهيم خاطئة في المسيحية من جديد حيث
يقول أحد الكتاب: “‏أن‏ ‏الهدف‏ ‏الحقيقي‏ ‏من‏ ‏وراء‏ ‏الرواية‏ ‏هو‏
‏التأكيد‏ ‏على‏ ‏إعادة‏ ‏بناء‏ ‏الأشياء‏ ‏والمفاهيم‏ ‏الخاطئة‏ ‏التي‏ ‏استقرت‏
‏في‏ ‏أذهان‏ ‏الناس،‏ مضيفا‏ً ‏أن‏ ‏كل‏ ‏شخصيات‏ ‏الرواية‏ ‏حقيقية‏ باستثناء‏
‏البطل،‏ الذي‏ ‏لديه‏ ‏شخصية‏ ‏مراوغة‏ ‏تتأبى‏ ‏على‏ ‏التحديد‏ ‏والوصف، مما‏
‏يجعل‏ ‏من‏ ‏شخصيته‏ ‏منطلقاً‏ ‏لأشكال‏ ‏من‏ ‏الدهشة‏ ‏والحيرة‏ ‏والإثارة‏ ‏لا‏
‏تنتهي‏ ‏حتى‏ ‏بانتهاء‏ ‏العمل‏ ‏الروائي‏ ‏ذاته‏”. وكما قال أكثر من ناقد
أدبي- “أن الرواية جاءت لتقدم صراع الإنسان الثقافي بين كنيستيّ الإسكندرية
وأنطاكيا، وبين الثقافة الوثنية التي كانت سائدة في الإسكندرية وثقافة المسيحية
التي يمثلها البابا كيرلس أسقف الإسكندرية”. وقال الناقد سامي خشبة إن
الرواية تتضمن “مناطق حوارية مكتوبة بحساسية مرهفة” حول سعي بطلها
“هيبا” وهو ذو نزوع إنساني إلى معرفة الحقيقة رغم وقوعه في الخطيئة أو
الغواية مرتين حيث كان عقله ساحة لصراع معرفي بين تصورات مصرية قديمة وإيمانه
الجديد بالمسيحية. هذا المقال منقول من موقع كنيسة الأنبا تكلا.

 

وقد
وضع الكاتب أفكاره من خلال شخصيتين وهميتين أختلقهما من خياله؛ هما

 

(1)
من اسماه بالراهب “هيبا المصري” والذي أخذ اسمه من الجزء الأول
للفيلسوفة المصرية “هيباتيا” التي قتلت في الإسكندرية سنة (415م)،

 

(2)
شخصية عزازيل والذي هو في الكتاب المقدس اسم علم للروح الشرير الذي يسكن في البرية
(اش13: 21؛34: 14؛مت12: 43). ومعنى اسمه في العبرية “عزّ إيل”، أي
“قوّة الله”. ويوصف في الميتولوجيا
methology
وفي الفولكلور الفلسطينيّ القديم ب”رئيس أبناء الآلهة”. ويُذكر في
المغارة الرابعة في قمران 180 عادة كرئيس الملائكة. كما يعني أيضاً الشيطان أو
الجن في الصحاري والبراري أو ملاك ساقط. كما يعني أيضاً “العزل للخطيئة”
أو “الفصل” (بحسب الترجمة اليونانية السبعينية). وقد ورد اللفظ في
(لاويين16: 8 و 10 و 26). حيث كان رئيس الكهنة في يوم الكفارة الذي يتكرر مرة
واحدة في السنة يأخذ تيسين “ويوقفهما أمام الرب لدى باب خيمة الاجتماع. ويلقي
هرون على التيسين قرعتين قرعة للرب وقرعة لعزازيل. ويقرّب هرون التيس الذي خرجت
عليه القرعة للرب ويعمله ذبيحة خطية. وأما التيس الذي خرجت عليه القرعة لعزازيل
فيوقف حيّا أمام الرب ليكفّر عنه ليرسله إلى عزازيل إلى البرية” (لا16:
7-10). ولكن الكاتب استخدمه كصدى لما بداخل الإنسان، وكعقل الإنسان الباطن الذي
يعبر عن فكره الباطن وصراع الأفكار الداخلي والذي جعله الكاتب في النهاية ينتصر
على كل ما سبق أن آمن به الراهب. حيث تقول الرواية في (ص51): “نعم يا هيبا،
عزازيل الذي يأتيك منك وفيك”. والغريب أنه يقول في أهدأ الرواية ”
لِكُلِّ امرئٍ شَيْطَانُهُ، حَتَّى أَنَا، غَيْرَ أَنَّ الله أَعَانَني عَلَيْهِ
فَأَسْلَمَ.. “، (حديثٌ شريف، رواه الإمام البخارى بلفظٍ قريب). ” ويقول
بلسان عزازيل في (ص 100): ” يا هيبا قلت لك مرارا أني لا أجيء ولا أذهب. أنت
الذي تجيء بي، حين تشاء. أنا آت إليك منك، وبك، وفيك. أني انبعث حين تريدني لأصوغ
حلمك، أو أمد بساط خيالك، أو اقلب لك ما تدفنه من الذكريات. أنا أحمل أوزارك
وأوهامك”. فعزازيل في الرواية، كما يقول (الأستاذ محمد الحمامصي) هو الظاهر
والمختفي، الصريح والمراوغ، وهو الداعي للكتابة والتدوين، اكتشفه الراهب هيبا في
ذاته، بعد مخايلة طويلة ظلت الرواية بزمانها الدائري تشير إليه، حتى تجلى بداخله
في واحد من أعمق فصول الرواية وأكثرها روعة”.

 

وفي
(ص 348 – 350)، يؤكد على حقيقة الفكرة الجوهرية في الرواية وهي أن كل من الله
وعزازيل هما من اختراع الإنسان وخلقه!! فيقول: ” هل خلق الله الإنسان أم
العكس؟ ماذا تقصد؟ يا هيبا، الإنسان في كل عصر يخلق إلها له على هواه، فإلهه دوما
على هواه وأحلامه المستحيلة ومُناه.. أن الله محتجب في ذواتنا والإنسان عاجز عن
الغوص لإدراكه! ولما ظن البعض في الزمن القديم، أنهم رسموا صورة للإله الكامل، ثم
أدركوا أن الشر أصيل في العالم وموجوداً دوماً؛ أوجدوني لتبريره”!! ثم يضيف
الكاتب: “في أصل عزازيل، آراء وأقاويل. بعضها مذكور في الكتب القديمة، وبعضها
منقول عن ديانات الشرق. لا تؤمن كل الديانات بوجوده، ولم يعرفه قدماء المصريين
العرفاء 00 ويقال أن مولده في وهم الناس.. عزازيلُ نقيضُ الله المألوه.. هو أذن
نقيض الإله الذي عرفناه، وعرفناه بالخير المحض. ولأن لكل شيء نقيضا، أفردنا للشر
المحض كيانا مناقضا لما افردناه أولاً، وسميناه عزازيل وأسماء أخرى كثيرة “.
وجعل عزازيل يرفض أن يكون أصل الشر بل مبرر الشر الذي يفعله الإنسان ثم ينسبه
لعزازيل: “أنا يا هيبا وأنت وهم.. تراني حاضرا حيثما أردت، أو أرادوا. فأنا
حاضر دائما لرفع الوزر، ودفع الإصر وتبرئة كل مدان. أنا الإرادة والمُريد والمُراد،
وأنا خادم العباد، مثير العباد إلى مطاردة خيوط أوهامهم”!! والخلاصة هنا أنه
يرى أن الله وهم والشيطان وهم وكلاهما من خلق الإنسان وفكره!!

 

ونعود
لشخصية الراهب الذي وضع الكاتب من خلاله كل أفكاره حيث يجعله مولود لأب وثني يقوم
بصيد السمك لتقديمه لكهنة معبد خنوم الذي يقع عند الطرف الجنوبي لجزيرة الفنتين
الذين تركهم المؤمنين بديانتهم التي هجرها أهلها وانضموا للمسيحية والذي يصوره
بالرجل الطيب، وأم مسيحية تتآمر بصورة غير أخلاقية مع أهلها المسيحيين لقتل
زوجها!! هذا المشهد الذي يصوره الكاتب بصورة تصف المسيحيين بالقتلة المتوحشين
الذين يقتلون بلا رحمة ولا شفقة!! ويبدو أنه تأثر بما يفعله الإرهابيين الذين
يقتلون في العراق وهم يهللون ويكبرون فأخترع لمن وصفهم بمثل هذه الوحشية نشيد يعبر
عن وحشيتهم وتهليلهم لجريمتهم حيث يقول: “مضوا من بعد ذلك متهللين، مهللين
بالترنيمة الشهيرة: المجد ليسوع المسيح، والموت لأعداء الرب”!! ويصور لنا
الكاتب أن هذا المشهد علق بذهن هيبا طوال حياته. ثم يأخذه عمه المسيحي فيصير
مسيحياً. بل ويجعل الرواية تبدأ بمولد هذا الراهب في جنوب مصر سنة 391 ميلادية،
وهى السنة التي أُعلنت فيها المسيحية ديانةً رسميةً للإمبراطورية الرومانية،
موحياً بأن تحول الإمبراطورية إلى المسيحية هو تحول إلى العنف والقوة والإرهاب
الديني ونبذ الآخر متجاهلا لحوالي ثلاثمائة سنة من الاضطهاد الدموي الذي قاساه
المسيحيون على أيدي اليهود والرومان بلا هوادة والذي استشهد فيه آلاف بل ملايين من
المسيحيين عبر هذه السنين ودمرت فيه كنائسهم وأحرق فيه الكثير من كتبهم وأرتد فيه
الملايين عن المسيحية بسبب شدة وقسوة هذا الاضطهاد الدموي!! وينهي أحداث الرواية
بمجمع أفسس المسكوني سنة 431، الذي ناقش أفكار نسطور وحكم عليها بالهرطقة، كما
سنبين!! والتي كان للكنيسة القبطية فيها الدور الرئيسي مؤيدة من كل الكراسي
الرسولية في الشرق والغرب على السواء عدا كرسي إنطاكية الذي أنضم إليها أخيراً!!
وكأن هذا المجمع هو سبب انحراف المسيحية!!

 

ثم
تأخذ الرواية بعد ذلك خطين متلازمين هما؛ تصوير الدين، المسيحية الأرثوذكسية
متمثلة في كنيسة الإسكندرية، من خلال شخص الراهب، على أنه عبث وعقائد أخترعها
الإنسان، خاصة الأباطرة والمجامع الكنسية التي قررت ما ارتآه هؤلاء الأباطرة، فقد
صور الكاتب المسيحية الأرثوذكسية متمثلة في الكنيسة القبطية وبطريركها البابا
كيرلس البطريرك الأربعة وعشرون (412 – 444م) بما ليس فيها ونسب لها أعمال مبالغ
فيها، وتكلم عن العقائد المسيحية، متأثراً بأفكار الملحدين وجماعة الوثنية الحديثة
في الغرب، وصورها وكأنها مجموعة من العقائد الملفقة، وراح يتكلم عن آريوس ونسطور
بغير معرفة دقيقة ولا فهم لطبيعة فكرهما ومعتقد كل منهما!! وأتخذ من منهج هؤلاء
الملحدين منهجاً له فأخذ يلمح بما اسماه بالأناجيل المحرمة مثلما المح إليها
الملحدون ووصف أسفار الكتاب المقدس بالمخادعة والمتناقضة فقال في (ص 98): ”
إن التوراة التي نؤمن بها مليئة أيضاً بمخادعات وحروب وخيانات. وإنجيل المصريين
الذي نقرأ فيه، مع أنه ممنوع، فيه ما يخالف الأناجيل الأربعة المتداولة”!! ثم
يلمح بأن الكتب التي يسميها بالممنوعة موجودة مع نسطور، فيقول: “ابتسم المبجل
نسطور وهو يقول إنني أحتفظ بكل الكتب الممنوعة!”!! وهو يحاول يوحي أن نسطور
يعتبرها صحيحة ويعتمد عليها ويفتخر بوجودها معه!! ونقول له أن التوراة هي سجل
لعلاقة الله بالإنسان وعلاقة الإنسان بالله وعلاقة الإنسان بالإنسان، وقد سجلت
الأحداث بدقة وأمانة ولم تلجأ لتقديم مجرد صورة مثالية بل تاريخ حقيقي عاشه أناس
بالحقيقة وليس تاريخ وهمي.

 

أما
الكتب المسماة بالأبوكريفية والتي وصفها الكاتب بالمحرمة فلم تناقش في أي مجمع من
مجامع القرون الخمسة الأولى، سواء المجامع المكانية أو المجامع المسكونية، ولم
تختلط في يوم من الأيام بأسفار العهد الجديد السبعة وعشرين، القانونية والموحى
بها، لأنها لم تكتب لا في زمن تلاميذ المسيح ورسله الذين رحلوا عن هذا العالم فيما
بين سنة 65م و100م وكان أخرهم هو القديس يوحنا، بل كتبت فيما بين سنة 150 و450م،
كما أنها، وخاصة الكتب الغنوسية منها، لم تكن في متناول العامة ولم تكن متداولة
خارج نطاق الدوائر الهرطوقية التي أنتجتها، لأن هذه الدوائر تصورت أنها هي وحدها
الأكثر سموا وإدراكاً للمفاهيم المسيحية الجوهرية أكثر من كل المسيحيين بل وأكثر
من تلاميذ المسيح ورسله أنفسهم!! لذا اعتبرت هذه الكتب كتابات سرية، خاصة بها
وحدها، ولم تتركها للتداول بين عامة المسيحيين لأنها تصورت أن الذين من خارج
دوائرهم الهرطوقية لن يفهموا محتواها!! ومن هنا سُميت بالأبوكريفية، أي السرية، ثم
تحولت الكلمة، أبوكريفا، في المسيحية من السرية إلى المزيفة لأن من زيفها وألفها
هم قادة هذه الفرق الهرطوقية الغنوسية.

 

وسخر
أيضاً من العقائد المسيحية الجوهرية كعقيدة الله الواحد في ثالوث حيث وصفها مرة
بالمأخوذة من الأفلاطونية الحديثة ومرة أخرى بالمأخوذة من الثالوث المصري الوثني!!
فيقول في (ص34): ” إنني أفكر كثيراً في أفلوطين
Plato،
وفي مصر. فأرى أن كثيرا من أصول الديانة أتت من هناك، لا من هنا! الرهبنة، حب
الاستشهاد، علامة الصليب، كلمة الإنجيل.. حتى الثالوث المقدس، هو فكرة ظهرت أولا
بنصوع في عند أفلوطين.. لا يا أبت، ثالوث أفلوطين فلسفي هو عنده: الواحد والعقل
الأول والنفس الكلية، والثالوث في ديانتنا سماوي رباني: الآب والابن والروح القدس،
وشتان ما بين الاثنين”!! وفي (ص54) يقول أن أقوال آريوس هي: ” محاولة
لتخليص ديانتنا من اعتقادات المصريين القدماء في آلهتهم، فقد كان أجدادك يعتقدون
في ثالوث إلهي، زواياه إيزيس وابنها حورس وزوجها أوزير “!! ثم يضيف الكاتب
قائلاً: ” لا يصح أن يقال عن الله أنه ثالث ثلاثة “!! وهو هنا يخلط
الأمور!! ونقول له أن ثالوث قدماء المصريين يتكون من أب وأم وابن وتجاهلت الإله
الرابع وهو غريمهم ست وأخته نفتيس!! وذلك إلى جانب آلهة أخرى عديدة مثل رع، الذي
خلق الإله شو والإلهة نفتوت. وباقترانهما أنجبا الإله جب (إله الأرض)، والإلهة نوت
(إلهة السماء)، اللذين تزوجا وأنجبا أوزوريس، وإيزيس، وست، ونفتيس، وبزواج أوزوريس
وإيزيس أنجبا الإله حورس!! فما علاقة هذا بعقيدة الله الواحد في ثالوث؟!! كما أن
أفلوطين برغم الاختلاف الجوهري في أقواله المذكورة أعلاه فهو مولود ليكوبوليس بمصر
سنة 205 م، في حين أن عقيدة الثالوث في المسيحية موجودة بوجودها وأن استخدام تعبير
الثالوث نفسه وجد في كتابات ثاوفيلس الأنطاكي حوالي سنة 165م، أي قبل ولادة
أفلوطين بأربعين سنة وقبل أن يكتب على الأقل بستين سنة!! كما نسب لنسطور ولآريوس
ما لم يؤمنا به وما لم يقولاه!! فزعم أن نسطور دافع عن آريوس وقال أن آراءه هي
محاولة لتخليص المسيحية من اعتقادات المصريين (ص54)!! وزعم أن نسطور قال أن المسيح
مجرد إنسان ظهر لنا الله من خلاله (ص47) وأن المسيح ما هو إلا تجلي لله (ص328
و329)!! وتعليقا على ذلك يقول موقعأفريكانو “إن شرح “نسطور” مثلاً
لوجهة نظره عن طبيعة المسيح بدا أقرب للاهوت الإسلامي عن لاهوت “نسطور”.

 

بل
أن ما زعم أنه كلام نسطور هو كلام شخص آخر اسمه بولس السموساطي أما نسطور فلم
يدافع عن آريوس ولم يمتدح أقواله بل أن فكر نسطور نتج أصلا من محاربة لبدعة وهرطقة
آريوس، وآريوس لم يقل أن المسيح مجرد إنسان كما زعم الكاتب بل أن فكر آريوس يقوم
أساسا على لاهوت المسيح وله قانون إيمان يشبه قانون إيمان مجمع نيقية باستثناء بعض
العبارات التي يمكن أن تفسر بأكثر معنى، فيقول في قانون إيمانه والذي دافع فيه عن
نفسه: ” 1 – نؤمن بإله واحد، الآب القدير ؛ 2 – وبالرب يسوع المسيح ابنه،
المولود منه قبل كل الدهور، الله الكلمة الذي به صنع كل شيء، ما في السموات وما
على الأرض. 3 – الذي من نزل وصار متجسدا ؛ 4 – وتألم، 5 – وقام ثانية ؛ 6 – وصعد
إلى السموات ؛ 7 – وسيأتي ثانية ليدين الأحياء والأموات. 8 – [ونؤمن] أيضا بالروح
القدس. 9 – وبقيامة الجسد وحياة الدهر الآتي، وبملكوت السموات، 10 – وبكنيسة الله
الواحدة الجامعة، الممتدة من أقصى الأرض إلى أقصاها. الإيمان الذي استلمناه من
الأناجيل المقدسة، حيث يقول الرب لتلاميذه – “اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم
وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس”. وإذا كنا لا نؤمن هكذا ونقبل حقا
الآب والابن والروح القدس، مثل كل الكنيسة الجامعة وكما تعلم الأسفار المقدسة
(التي نؤمن بها ونوقرها جدا)، فالله دياننا الآن وفي الدينونة الآتية”. ولكن
خطأ آريوس وهرطقته جاءا من اعتماده على فكر الفيلسوف اليهودي السكندري فيلو (20ق م
– 40م) والذي اعتمد بدوره على الفلسفة اليونانية الرواقية، والتي تقول أن الله
أزلي وغير معروف وغير مدرك ومكتف بذاته وهو كلي الخير والصلاح والبر والقداسة، وأن
المادة أيضا أزلية وغير مخلوقة ولكنها شر ودنس، ولأن الله كلي القداسة لا يمكن أن
يتعامل مع المادة التي هي شر لذا أوجد كائن وسط بينه وبين المادة هو الكلمة،
اللوجوس، الذي خلق الكون وكل ما فيه، ولذا فالمسيح في فكر آريوس هو المخلوق الخالق
والإله الذي خلق الكون وكل ما فيه، ما يرى وما لا يرى، الكل به وله قد خلق، وهو
الذي يديره ويدبره وهو الذي فدى الإنسان عندما سقط في الخطية كما أنه هو الذي
سيدين الأحياء والأموات وسيكون مع الأبرار في الأبدية لأنه الله غير مرئي والمسيح
هو صورة الله غير المنظور، ولذا فالكون لا يعرف له خالق ولا إله سوى المسيح. كما
يؤمن آريوس أنه عندما تجسد المسيح أتخذ جسدا إنسانيا خاليا من الروح وكان المسيح
بلاهوته هو الروح لهذا الجسد!! ومن ثم فقد الغي الطبيعة الإنسانية الكاملة للمسيح
وجعل من الجسد مجرد حجاب للاهوت!! وكان خلافه مع الكنيسة هو في إعلان الكتاب
المقدس والتسليم الرسولي المسلم من تلاميذ المسيح ورسله أن المسيح هو كلمة الله
الذي من ذات الله وفي ذات الله وواحد معه في الجوهر، فهو كلمة الله وصورة الله
بهاء مجده ورسم جوهرة، وأنه عندما تجسد، حل في الجسد، ظهر على الأرض أتخذ الطبيعة
الإنسانية الكاملة. فجاء نسطور ليدافع عن حقيقة إلوهية المسيح وكمال ناسوته
إنسانيته، فهو لم ينكر لاهوت المسيح بل على العكس دافع عن لاهوت المسيح وأكد هذه
الحقيقة بكل قوة ولا يتهمه أحد من جهة هذا الأمر، ولما جاء نسطور متبعاً تعليم
مدرسة إنطاكية التي ميزت بين اللاهوت والناسوت بشدة، وكرد فعل للآريوسية وغيرها من
الذين قالوا أن المسيح لم يتخذ روحا بشرية عاقلة، ونتيجة لتركيزه الشديد على تأكيد
ناسوت المسيح وإنسانيته الكاملة، وكذلك عدم فهمه الكامل لطبيعة التجسد وولادة
المسيح، الإله المتجسد، من العذراء، وبالرغم من تأكيده أن اللاهوت حل في الناسوت
منذ اللحظة الأولى للحمل في بطن العذراء، إلا أنه تصور أن تلقيب العذراء بلقب
والدة الإله، يعني أنها ولدت اللاهوت!! ومن ثم قال أن الله لا يمكن أن يولد من
امرأة مخلوقة، وتمادى في ذلك فقال أنها ولدت يسوع الناصري الإنسان ولم تلد الإله،
وكأنها ولدت إنساناً ثم حل عليه الله بعد ذلك. وراح في اندفاعه لتأكيد هرطقته فوصف
اتحاد اللاهوت بالناسوت بالمصاحبة أو الاقتران!! وصار التجسد بالنسبة له هو اقتران
أو اجتماع شخصان المسيح الإله ويسوع الناصري، أو المسيح الإله والمسيح الإنسان!!
وقد خاطبة القديس كيرلس في عدة رسائل نلخص هنا فكره وعقيدة الكنيسة من خلال
رسالته، القديس كيرلس، إلى يوحنا الأنطاكي الذي كان من أشد أنصار نسطور ثم تحول
عنه ووافق على كل مقررات مجمع أفسس: “نعترف أن ربنا يسوع المسيح ابن الله
الوحيد، هو إله كامل وإنسان كامل. ذو نفس عاقلة وجسم، وهو مولود من الآب قبل كل
الدهور بحسب لاهوته، وأنه هو نفسه في الأيام الأخيرة، من أجلنا ومن أجل خلاصنا
وُلد من العذراء مريم بحسب ناسوته، فهو من جوهر الآب بحسب اللاهوت ومن بشريتنا
بحسب الناسوت. لأن الاتحاد تم بين الطبيعتين. ونعترف أيضا بمسيح واحد وابن واحد
ورب واحد. وبما أن هذا الاتحاد تم بدون اختلاط أو امتزاج، فنحن نعترف بأن القديسة
العذراء هي والدة الإله، لأن الله الكلمة قد تجسد وتأنس ومن ذات الحمل به وحّد
الهيكل الذي أخذه منها، مع ذاته”. ويرى فريق بعض الدارسين، في العصر الحالي،
أن فكر نسطور هو نفس فكر مدرسة إنطاكية، وأن الخلاف بينه وبين القديس كيرلس نتج من
اختلاف من سوء استخدام نسطور لبعض التعبيرات اللاهوتية. فقد استخدم تعبيرات تشرح
اتحاد اللاهوت بالناسوت وكأنه اتحاد شخصين لا طبيعتين مثل اقتران أو مصاحبة أو
اجتماع. (أنظر تاريخ الفكر ليوحنا الخضري ج 2: 193و194 والكنيسة القبطية
الأرثوذكسية كنيسة علم ولاهوت ص 100 103). هذا المقال منقول من موقع كنيسة الأنبا
تكلا.

 

كما
صور البابا كيرلس عمود الدين في الصفحات

(68و112و146و148و151-153و175و177و185و249-250و274و345)

بالمحرض
والسفاح والذي يدفع الرشاوى والذي أجبر حاكم الإسكندرية على طرد اليهود والهراطقة
من الإسكندرية دون أن يذكر أسباب هذه الأحداث!! كما أنه اعتمد مثل الكثيرين من
الكتاب الغربيين على ما كتبه إدوارد جيبون (1737- 1794م) في كتابه “تاريخ
أفول وسقوط الدولة الرومانية” والذي كان متحاملا على الكنيسة، مثل الكثيرين
من كتاب القرن الثامن عشر بدرجة شديدة، والذي بالغ مبالغة شديدة في الإساءة
للمسيحية!! كما أن د . يوسف زيدان نفسه وصفه بالقول “إن كتاب (جيبون) هو
اليوم من الأعمال الكلاسيكية التي يرجع إليها القارئ العام، لا المتخصصين. فقد عاش
مؤلفه في القرن الثامن عشر واجتهد في التأريخ لانهيار الرومان، فصار كتابه مشهوراً
في زمانه. ولكن في زماننا هذا، هناك دراسات أخرى أكثر تقدماً وتخصصاً. مما يجعل
كتاب (جيبون) عملاً ممتعاً لعموم القراء، لا مرجعاً لأساتذة الفلسفة. وتقول جميع
المراجع أن أورسيتس حاكم المدينة كان متعاطفا مع اليهود زيادة عن الحد مما دفع
اليهود لاستدراج المسيحيين إلى فخ فقتلوا منهم العشرات بل المئات فهاج عامة
المسيحيين بسبب ذلك وحاولوا الانتقام من اليهود ولكن القديس كيرلس منعهم عن ذلك وتفاوض
مع حاكم المدينة أورسيتس على طردهم من المدينة درأً للفتنة. كما أتهم، القديس
كيرلس بأنه حرض على قتل الفيلسوفة المصرية هيباتيا!! يقول المؤرخ الكنسي سوقريتس
من القرن الخامس: “أنها (هيباتيا) سقطت ضحية للغيرة السياسية التي سادت في
ذلك الوقت لأنها كانت تقابل أورسيتس كثيرا وشاع بين عامة المسيحيين أنها هي التي
تمنع اورستيس من استشارة البطريرك وبسبب هذه الغيرة أسرع بعضهم وعلى رأسهم قارئ
يسمى بيتر وهي في طريقها لمنزلها وجروها من مركبتها وأخذوها لكنيسة تسمى قيصرون
حيث قتلوها ومزقوا جثتها إلى قطع وأخذوها إلى مكان يدعى سينارون وأحرقوها. ويقول
جون اسقف نوكيو من القرن السابع نفس التفصيلات ولكن يعلل سبب ذلك بأنها كانت تشتغل
بالسحر، وكليهما لا يشيران لأي دور للقديس كيرلس في ذلك وقد أنتشر بعد موتها خطاب
مزيف نشره المؤرخ الوثني داماسيوس (458 – 538م) التصق فيه تهمة قتلها بالقديس
كيرلس ويبدو أن من جاء بعده مثل جيبون وأعداء المسيحية من الملحدين مثل فولتير
الذي كما يقول د . مراد وهبه: أنه استعان بصورة “هيباتيا” للتعبير عن
اشمئزازه من الكنيسة ومن الدين الموحى (يقصد: الموحى به!) وبرتراند رسل الذي
” وصف جيبون لقتل “هيباتيا” وقال معلقا بامتعاض إن
“الإسكندرية، بعد هذا الحادث، خلت من متاعب الفلاسفة”. يقول صاحب
موقعأفريكانو: ” كما أن لاهوت “كيرلس” لم يكُن أمراً مستحدثاً كما
صوّر الكاتب. بل أن تعبيرات “كيرلس” عن “طبيعة واحدة للكلمة
المتجسد” مازالت تعتبر -إجماعاً وعلى اختلاف الطوائف- من أساسيات اللاهوت
المسيحي. أما رسائله “ضد نسطور” فهي من أدق ما يمكن قراءته في شرح
اللاهوت المسيحي. إن “كيرلس” يبدو في الرواية كمهووس بالزعامة ومتاجر
بالدين. والواقع أنه بالطبع ملومُ في حادثة مقتل “هيباتيا”، لكنه لا
يمكن الحكم عليه من منطلق حادثة واحدة وقياس تصرفاته كلها عليها. في الرواية هو
يمثل السلطة الدينية الرسمية -عامةً- وإجاباتها الجاهزة؛ لكنه في المقابل قد ظُلم
– كشخصٍ تاريخي – في تقديمه بهذا الشكل. على هذا المثال قُدمت كنيسة الإسكندرية
بشكل أقرب للهوس الديني والفاشية. يهدف المؤلف لتصوير التدين الرسمي والشعبي وهذا
مفهوم، لكن كنيسة الإسكندرية لم تعرف أبداً في تاريخها ” جماعة محبي الآلام
” التي تم الإشارة إليها أكثر من مرة في الرواية! كما أن مقتل “جورج
الكبادوكي” لم يكن عملاً دينياً بقدر ما كان ثورة شعبية ضد رئاسة دينية
مفروضة بقوة السياسة وفي ظروف نفي للرئاسة الدينية الشرعية. كذا نظرية موت ”
آريوس ” مسموماً وإن كانت تعطي مصداقية للرواية فإن حولها علامات استفهام بما
لا يجوز معه تقديمها مرتين كأحد المسلّمات!

 

ويرى
الكاتب أن الخلاص الحقيقي من وجهة نظره، كما صوره من خلال الصراع الداخلي للراهب،
أي بين عزازيل والراهب، هو في اللهو والعبث وممارسة الجنس الذي أفاض في شرحه والذي
جعل الراهب يقبل عليه وكأنه أكثير الحياة، بل والجنة التي يجب أن يبقى فيها إلى
الأبد!! والذي يضعه في حالة تضاد مع الإيمان المسيحي كما سنبين تفصيلا، دون أن
يوحي لنا ولو لحظة أنه كسر نذره كراهب أختار أن يعيش حياة البتولية، ودون أن يجعل
الرهب يشعر ولو لحظة واحدة بأنه وقع في خطية الزنى المحرمة في جميع الأديان!! بل
جعله يقبل على الزني والجنس المحرم دون تردد، وكأنه آدم الذي يعود إلى الجنة مرة
أخرى بالاستماع بالجنس المحرم!! وفي المرة الأولى عندما مارسه مع أوكتافيا خادمة
السيد الصقلي، والذي يشرح علاقته بها في 51 صفحة متواصلة (من ص 75 إلى ص 126، غير
الصفحات التي تكلم فيها عن ندمه لأنه خرج من جنتها!!) ترك نفسه لها تفعل به ما
تشاء!! بل واستفاض في شرح الأوضاع الجنسية، التي من الصعب جدا أن نضعها هنا لسخونة
أوصافها!! وكأنه، الكاتب، يعطي درسا للعشيقات كيف يمارسن الجنس مع عشاقهن!! بل وفي
وسط كلامه الذي اتخذ أسلوب السرد التاريخي لتشويه صورة العقائد المسيحية بشدة
والذي من الصعب أن يقرأه غير المثقفين والمتخصصين، ويبدو أنه أراد أن يضمن لنفسه
قراء من المراهقين والشباب ليزيد من مبيعات روايته فعمل مثلما يفعل منتجي الأفلام
التجارية الذين يضعون في أفلامهم رقصة هنا ومشهد جنسي صارخ هناك ليجذبوا المراهقين
والعاجزين ماديا عن الزواج!! وبعد ترك الراهب لأوكتافيا مطروداً من جنتها، كما
يصور، يذكر في أكثر من مكان في الرواية ندمه لأنه تركها ويتمنى أن تعود به الأيام
ليعود إلى جنتها المفقودة!! فمثلا يقول بعد عشرين سنة لتركها لها وهو يتذكر في
(ص125): “آه يا أوكتافيا المسكينة.. لو كنت صبرت على قليلاً.. ولو كنت أعرف
ما يخبئه لي الزمان.. أو.. الآن يدي ترتجفان.. أوكتافيا.. الحبيبة المسكينة”!!
ثم يقارن بين أوكتافيا وبين المسيحيين فيقول في (ص 144): “لم أر المحبة
الحقة، إلا في امرأة وثنية وأدخلتني جنتها ثلاثة ليل سوياً، أو أربعة أيام لا
تنسى.. لو عدت إلى أوكتافيا ثانية، هل ستقبلني أم تصفني بالحقارة”!! ثم يصفها
في (157 و158) بالتي تضحي بنفسها في محاولة لإنقاذ الفيلسوفة هيباتيا على عكس
المسيحيين الذين قتلوها وأحرقوا جثتها!! أنه يضع المرأة التي يماس مع الجنس بدون
زواج في مقابلة مع المسيحية الأرثوذكسية وتكون هي دائما الأفضل! بل ويضعها كمرادفة
لفكر نسطور وآريوس وكل من وصفتهم المسيحية الأرثوذكسية بالهراطقة!! وهذا واضح جدا
في حديثه في عن المرأة الثانية في جنته، التي تكلم عنها في أكثر من عشرين صفحة،
والتي يتوق أن لا يفارقها، بل والتي كما يبدو في نهاية الرواية أنه ترك الرهبنة
وتخلص منها إلى الأبد ليلتحق بها في خمارات حلب!! مارتا والتي يقول في أول حديث عنها
(ص224): “وفي غمرة تلك الأيام الغائمة، لمحت مرتا لأول مرة. ولم يخطر ببالي
يوم رأيتها، أني سوف أحترق بنارها اللاهية”!! وفي (ص231) يقول: “مرتا
التي ستعصف بكياني”!! كما يتذكر دائماً “أوكتافيا نائمة في ثوبها
الحريري الشفاف” (ص231)!! وهذا عكس حياة الراهب الذي يود أن يذوب أو يحترق
بنار الحب الإلهي، ولكن راهب الدكتور يوسف زيدان يحترق في نار النساء اللاهية ولا
يجد خلاصه إلا في ترك الرهبنة نهائياً والذهاب وراء مرتا التي ذهبت لتعمل في
خمارات حلب أو راء امرأة غيرها يمارس معها الجنس!! ويصف ما تم من علاقة جنسية معها
بصورة لا يمكن تدوينها هنا (ص321)، بل ويربط الكاتب بين تمنى الراهب لنصرة نسطور
وفوزه هو بالانطلاق مع مرتا فيقول في (ص51): “فربما تأتيك بعد أيام اعتكافك
الأربعين، أخبار نصرة نسطور من بعد هزيمته! وربما سترى مرتا مرة ثانية في ثوبها
الدمشقي الخلاب، وتأخذها معك يوم رحيلك المنتظر (أي خروجه من الدير والرهبنة بلا
عودة)، فتهنأ بها بقية عمرك، ويهدأ قلبك الملتاع”!! فهي رواية مثلها مثل فيلم
شفيقة القبطية الراقصة الشهيرة قبل الثورة، وراهبة الفيلم الذي يتحفنا به
التليفزيون في الأعياد المسيحية والتي ظهرت في الغالبية العظمى من مشاهد الفيلم
كراقصة وغانية لعوب في أحد كباريهات بيروت تسلي المشاهدين برقصاتها وعلاقاتها مع
الرجال، والتي لم تصل أبدا إلى مستوى الابتذال والإباحية الجنسية الموجودة في
رواية عزازيل!! ثم تابت وتحولت للرهبنة في المشاهد الأخيرة من الفيلم بعد أن عاش
المشاهدون حوالي ساعتين يشاهدونها رقصها وفتنتها وغوايتها!! ولكن هذه الرواية على
العكس فالغانية تتوب والراهب يترك الرهبنة ويذهب إلى حياة الدعارة وراء مرتا في
خمارات حلب!!

 

خلاصة
القول:

القصة
مؤلفة وليست واقعية، ولا يوجد مخطوطات أصلية مترجمة، بل هذا هو مجرد أسلوب أدبي مشهور
في مختلف الآداب العالمية.. وقد اعترف بهذا الأمر د. يوسف زيدان (وستجد رابط للقاء
تليفزيوني معه بالصوت في نهاية الصفحة). ونحن لا نختلف من ناحية الجمال الأدبي في
الرواية، ولكن المشكلة في إيهام القارئ بأنها قصة حقيقية مترجمة من مخطوط مُكتشف..
وترك الأمر على هذا، بدون توضيح أنها عمل أدبي مخلوط بحقائق تاريخية..

 

وعلى
هذا فيجب التعامل معها من هذا المنطلق. منطلق أنها رواية أو رؤية شخص المؤلف
لأحداث بعينها.. ولكنها ليست سرداً تاريخياً أميناً محايداً لفترة من الفترات.
مشكلة عزازيل كرواية فى منطقها؛ بمعنى عدم قبول صفة المتحدث وكلامه.. بشكل أوضح:
من غير المنطقى أن يقول راهب هذا الكلام!

 

إذا
استبدلنا شخصية الراهب بشخصية شخص عادي، يكون الكلام الذى يقوله متسق تماماً مع
شخصه..

 

فالمنطق
الذى يتحكم فى البطل هو منطق غير رهباني، بل غير مسيحي أصلاً.. فيحدث نفور شديد
لدينا فى لحظات عدة.. فمثلاً عندما يذكر راهب استمتاعه بالخطيئة وتمنيه العودة
لها. فبينما من شروط التوبة عدم ذكر الخطية مرة أخرى وعدم الدخول فى تفاصيلها، حتى
أثناء ممارسة طقس سر الاعتراف، يقوم الراهب بذكر التفاصيل الدقيقة لما فعله مع
اللواتي أحبهن!! هذا هو التضاد بين الكلام وصفة قائله.

 

فاذا
كان البطل شخص عادي يتذكر نزواته، قد يكون الكلام متسقاً مع صفة قائله، أما أن
يقوم الراهب باستدعاء خيالات الماضي كل يوم، فهو فعل غير رهبانى أساساً. ولأن
المؤلف لا يدري أو يعلم بتفاصيل الحياة المسيحية؛ وبالأخص الرهبنة، نجد هناك تفاصيل
تسقط عنه. فالراهب لا يذكر أنه تاب أبداً عما فعل، وبالعكس يستمر فى حياته كأن
شيئأ لم يكن. الراهب يختار أين يصلي فى الكنيسة او فى الصومعة؟ قد ينام وتفوته
الصلاة؟ لا يوجد نظام محدد للدير؟ الرهبان يعلمون لاحقاً بوجود شيئاً ما بين
الراهب وامراة بجوار الدير ولا يقع عليه اى عقاب او حتى يوجه له اى لوم او تأنيب؟

 

وهكذا
تفاصيل لا تسترعى انتباه غير المسيحى ولكن بالنسبة للمسيحى فهى واضحة ومرفوضة. حتى
وإن كان هذا الراهب هرطوقياً من وجهة النظر الأرثوذكسية أو غيرها من الطوائف..
ففعل الخطيئة والتباهي بها وتمنيها ودوام تذكرها ليست من صفات أكثر الطوائف بُعداً
عن المسيحية!! فأين هذا الشخص من المسيحية في الأساس؟! نرى مثلاً في كتاب بستان
الرهبان أمثلة عن أشخاص أخطأوا، بل حتى في الكتاب المقدس نرى هذا.. ولكننا نرى
التوبة أيضاً، أو نهاية الخاطئ بسبب خطيته..

 

أظهر
المؤلف أيضاً حب الراهب لنسطور، وكرهه لقادة كنيسة الاسكندرية فى هذا الوقت. وهذا
رأى المؤلف، وهو حر فيه؛ ولكن عندما عرض الخلافات بين الجانبين، كان يعرضهما من
وجهة نظر غير مسيحية. فتفسير نسطور او آريوس لم يعرضهما بالشكل الصحيح كما قرأنا
في أعلى هذا المقال بموقع القديس تكلاهيمانوت.. كون المؤلف غير مسيحى ظهر بوضوح فى
ألفاظ وأفكار كثيرة، ونحن لا نرى أن هذا عيب فى حد ذاته؛ فلا يجب أن نحصر الأدب فى
طوائف وأنواع (أدب مسيحسين – أدب غير مسيحين)، ولكننا نرى أن هناك الكثير الذي كان
يجب أن يتعلمه المؤلف عن المسيحية كدين، وعن الرهبنة كنظام قبل ان يكتب روايته!

 

النقطة
الجوهرية كما نراها هي أن الكاتب يقول على لسان بطله أنه لجأ للرهبنة ليستريح من
صخب العالم! وهذا هو لب القصيد؛ فالرهبنة أساسها حب الله ورغبة فى الحياة مع الله
فى صلاة وتعبد، وليست هروب من العالم وصخبه.. هذا هو المنطق الذى يغيب عن الكاتب
لأنه لا يعرفه! ومن هذا المنطق يكون من الطبيعي أن يفكر الراهب في مَنْ أحبهم
قبلاً وأخطأ معهن!! فهو لا يفكر فى الحياة مع الله، بل يفكر فى البُعد عن صخب
العالم! إذا كانت الرهبنة هروب من العالم وصخبه، فلم تكن لتستمر كثيراً بقوانينها
الصعبة.. فيكفى أن يقوم كل فرد يريد أن يبتعد عن العالم بالعيش على أطراف المدن
ليستريح من الصخب والمشاكل! ولكن الرهبنة ليست محاولة للحياة الهانئة الهادئة؛ بل
هي حياة مع الله لها متاعبها ومصاعبها التى يتحملها الرهبان راضيون.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى