علم المسيح

الفصل الرابع



الفصل الرابع

الفصل الرابع

أصل فكرة
الشبه في صلب المسيح
في الفكر
الغنوسي الوثني

 

1- هل كان هناك مسيحيون عبر التاريخ القديم القريب من عهد ‏المسيح من أنكر
صلب المسيح أم لا؟‏

‏ والإجابة هي لا، ولكن كان هناك جماعة وثنيّة تُسمّى بالخياليّة
وبالغنوسيّة ‏ويُسمّى أتباعها بالخياليّين والغنوسيّين ويُسمّى فكرها بالخياليّة
أو الشبحيّة، قالت أنَّ ‏المسيح كان إلهًا فقط ولم يكن له جسد وطبيعة الإنسان، بل
كأن شبحًا وخيالاً، ‏ظهر في هيئة وشبه ومنظر الإنسان ولم يكن له جسد فيزيائي من
لحمٍ ودمٍ وعظامٍ ‏‏!! ولذا فقد كانت عمليّة صلبه مُجرّد مظهر وشبه، شُبّه
للناظرين أنَّه يُصْلَب، ‏صُلِبَ مظهريًا، بدا وكأنَّه يُصْلَب، عُلِّق علي الصليب
وبدا للناظرين أنَّه يُصْلَب!! ‏ودُفِنَ في القبر ولكنه خرج ككائن من نور لأنَّه
هو نور وروح محض!!! وعندما ‏خرج من القبر ككائن من نور كانت قدماه علي الأرض ورأسه
تخترق السماء!!!!‏

‏ فما هي الغنوسية، أو الخيالية؟ ومن هم هؤلاء الغنوسيون؟

‏(1) الغنوسية(†)هي
حركة وثنيّة مسيحيّة ترجع جذورها إلي ما قبل المسيحيّة بعدة ‏قرون. وكان أتباعها
يخلطون بين الفكر الإغريقي – الهيلينتسي – والمصري ‏القديم مع التقاليد الكلدانيّة
والبابليّة والفارسيّة (خاصة الزردشتيّة التي أسّسها الحكيم

الفارسي ذردشت (630-553 ق م) وكذلك اليهوديّة، خاصة فكر جماعة الأثينيّين
‏‏(الأتقياء) وما جاء في كتابهم ” الحرب بين أبناء النور وأبناء الظلام
“، والفلسفات ‏والأسرار والديانات الثيوصوفية
(1).
وذلك إلي جانب ما سُمّي بالأفلاطونيّة الحديثة، ‏التي كانت منتشرة في دول حوض
البحر المتوسط في القرن الأوّل. بل ويرى ‏بعض العلماء أنَّ كلّ أصول الغنوسيّة
موجودة عند أفلاطون
(2)
لذا يقول العلامة ‏ترتليان (نهاية القرن الثاني الميلادي) ” أنا آسف من كل
قلبي لأنَّ أفلاطون صار ‏منطلق كل الهراطقة “
(3)

‏ وكانوا ينظرون للمادة علي أنَّها شر ّ! وآمنوا بمجموعة كبيرة من
الآلهة، فقالوا ‏أنَّه في البدء كان الإله السامي غير المعروف وغير المدرك الذي هو
روح مطلق، ‏ولم تكن هناك المادة، هذا الإله الصالح أخرج، إنبثق منه، أخرج من ذاته،
عدد ‏من القوات الروحيّة ذات الأنظمة المختلفة التي أسموها بالأيونات (‏
Aeons‏)، هذه ‏القوات المنبثقة من الإله السامي كان لها أنظمة مختلفة
وأسماء مختلفة وتصنيفات ‏وأوصاف مختلفة
(4).
وتُكوّن هذه الأيونات مع الإله السامي البليروما (‏
Pleroma‏)‏، أو الملء الكامل، دائرة الملء الإلهي. وأنَّ هذا الإله السامي
الذي أخرج العالم ‏الروحي من ذاته لم يخلق شيء.‏

‏ ومن هذه الأيونات قام أحدهم ويدعى صوفيا (‏Sophia‏)، أي الحكمة الذي بثق، ‏أخرج، من ذاته كائنًا واعيًا هو الذي خلق
المادة والعوالم الفيزيقية، وخلق كل ‏شيء علي صورته، هذا الكائن لم يُعرف شيء عن
أصوله فتصوّر أنَّه الإله الوحيد ‏والمطلق، ثم إتّخذ الجوهر الإلهي الموجود وشكله
في أشكال عديدة، لذا يدعي
أيضًا
بالديمورجس (‏
Demiurgos‏)، أي نصف الخالق. فالخليقة مكوّنة من نصف
‏روحيّ لا يعرفه هذا الديمورجس، نصف الخالق ولا حكامه
(5).

‏ ومن هنا فقد آمنوا أنَّ الإنسان مكوّن من عنصرين عنصر إلهي هو
المنبثق من ‏الجوهر الإلهي للإله السامي يشيرون إليه رمزيًا بالشرارة الإلهيّة،
وعنصر ماديّ ‏طبيعيّ فانيّ. ويقولون أنَّ البشريّة بصفة عامة تجهل الشرارة الإلهيّة
التي بداخلها ‏بسبب الإله الخالق الشرير وارخوناته (حكامه). وعند الموت تتحرّر
الشرارة ‏الإلهيّة بالمعرفة، ولكن إنْ لم يكن هناك عمل جوهريّ من المعرفة تندفع
الروح، ‏أو هذه الشرارة الإلهيّة، عائدة في أجساد أخري داخل الآلام وعبوديّة
العالم
(6). ‏

‏ وأعتقد بعضهم بالثنائية (‏Dualism‏) الإلهيّة أي بوجود إلهَين متساويَين في القوة ‏في الكون؛ إله
الخير، الذي خلق كل الكائنات الروحيّة السمائيّة، وإله الشرّ الذي ‏خلق العالم وكل
الأشياء الماديّة!! وربطوا بين إله الشر وإله العهد القديم!! وقالوا ‏إنَّ المعركة
بين الخير والشرّ هي معركة بين مملكة النور ضد مملكة الظلمة!!‏

‏ وأعتقد بعضهم أنَّ إله الخير خلق الروح وقد وضعها إله الشر في مستوي
أدني ‏في سجن الجسد الماديّ الشرير. وهكذا فإنَّ هدف البشريّة هو الهروب من سجن
‏الجسد الماديّ الشرير والعودة إلي اللاهوت أو التوحّد مع إله الخير!!‏

‏ ولذا فقد نادوا بوجود مجموعة من التعاليم السريّة الخاصّة جدًا
والتي زعموا أنَّ ‏المسيح قد كشفها وعلّمها لتلاميذه ربما لسوء فهمهم لآيات مثل
وَبِأَمْثَالٍ كَثِيرَةٍ مِثْلِ هَذِهِ كَانَ يُكَلِّمُهُمْ
حَسْبَمَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَسْمَعُوا. وَبِدُونِ مَثَلٍ لَمْ يَكُنْ
يُكَلِّمُهُمْ. وَأَمَّا عَلَى انْفِرَادٍ فَكَانَ يُفَسِّرُ لِتَلاَمِيذِهِ كُلَّ
شَيْءٍ.
” (مر 4/33-34)، و ”
لَكِنَّنَا نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةٍ بَيْنَ الْكَامِلِينَ وَلَكِنْ
بِحِكْمَةٍ لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الدَّهْرِ وَلاَ مِنْ عُظَمَاءِ هَذَا الدَّهْرِ
الَّذِينَ يُبْطَلُونَ.
بَلْ
نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةِ اللهِ فِي سِرٍّ: الْحِكْمَةِ الْمَكْتُومَةِ الَّتِي
سَبَقَ اللهُ فَعَيَّنَهَا قَبْلَ الدُّهُورِ لِمَجْدِنَا
” (1كو2/6-7)(7).

‏ هذه التعاليم السريّة المزعومة كتبوها في كتب ونسبوها لرسل المسيح
وتلاميذه ‏وبعضهم نسب لقادتهم وذلك اعتمادًا علي ما جاء في الإنجيل للقديس يوحنا
وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تلاَمِيذِهِ
لَمْ تُكْتَبْ فِي هَذَا الْكِتَابِ. وَأَمَّا هَذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ
لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وَلِكَيْ تَكُونَ
لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ.
” ‏‏(يو20/30-31)
و ”
وَأَشْيَاءُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ إِنْ كُتِبَتْ
وَاحِدَةً وَاحِدَةً فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ
الْمَكْتُوبَةَ.
” (يو21/25)(8).

‏ يقول القديس إريناؤس أسقف ليون بالغال (فرنسا حاليًا) ” أولئك
الذين يتبعون ‏فالتنتينوس (ق 2م) يستخدمون الإنجيل للقديس يوحنا بوفرة لشرح
أفكارهم التي ‏سنبرهن أنّها خاطئة كليّة بواسطة نفس الإنجيل

(9).‏

(2) كما سُمِّيَت هذه الهرطقة أيضًا بالدوسيتية
(‏
Docetism‏)، والتي تعني في ‏اليونانية
“‏
Doketai‏ “، من التعبير ” ‏dokesis‏ ” و ” ‏dokeo
” والذي يعني ” يبدو ‏‏”، ” يظهر “، ” يُري “،
وتعني الخيالية “‏
phantomism
‏ “.
فقد آمنوا أنَّ المسيح ‏كان مُجرّد خيال وشبح (‏
phantom‏)، وأنَّه أحد الآلهة العلويّة وقد نزل علي ‏الأرض في جسد خياليّ
وليس فيزيائيّ، ماديّ، حقيقيّ، إنَّه روح إلهيّ ليس له ‏لحم ولا دم ولا عظام، لأنَّه
لم يكنْ من الممكن، من وجهة نظرهم، أنْ يتّخذ ‏جسدًا من المادة التي هي شرّ في
نظرهم! لذا قالوا أنَّه نزل في صورة وشبه إنسان ‏وهيئة بشر دون أنْ يكون كذلك، جاء
في شكل إنسان دون أنْ يكون له مكوّنات ‏الإنسان من لحمٍ ودمٍ وعظامٍ، جاء في
” شبه جسد ” و ” هيئة الإنسان “، وقالوا ‏أنَّه لم يكنْ يجوع
أو يعطش أو ينام، ولم يكن في حاجة للأكل أو الشرب 000 إلخ

‏وأنَّه كان يأكل ويشرب وينام متظاهرًا بذلك تحت هيئة بشريّة غير
حقيقيّة. وشبّهوا ‏جسده بالنور أو شعاع الشمس، فإنَّ النور وشعاع الشمس يمكن لهما
أنْ يخترقا ‏لوحًا من الزجاج دون أنْ يكسرا هذا اللوح “. كان مجرد خيال
(10).

‏ جاء في أحد كتبهم والذي يُسمّى ب ” أعمال يوحنا “(11)،
أنَّ المسيح عندما كان ‏يسير علي الأرض لم يكنْ يترك أثرًا لأقدامه وعندما كان
يوحنا يُحاول الإمساك به ‏كانت يده تخترق جسده بلا أي مقاومة حيث لم يكنْ له جسد
حقيقيّ. وكانت ‏طبيعة جسده متغيّرة عند اللمس، فتارة يكون لينًا وأخري جامدًا ومرّة
يكون ‏خاليًا تمامًا. كان بالنسبة لهم مُجرّد شبح وحياته علي الأرض خيال. وكان
يظهر ‏بأشكال متعددة ويغيّر شكله كما يشاء وقتما يشاء!! أي كان روحًا إلهيًا وليس
إنسانًا ‏فيزيقيًا
(12).

+ وقال بعضهم أنَّه إتّخذ جسدًا نفسيًا ‏Psychic‏، عقليًا، وليس ماديُا. ‏

+ وقال بعض آخر أنَّه إتّخذ جسد نجميّ ‏Sidereal‏.‏

+ وقال آخرون أنَّه إتّخذ جسدًا ولكنه لم يُولَد حقيقة من امرأة(13).‏

‏ وجميعهم لم يقبلوا فكرة أنَّه تألّم ومات حقيقة، بل قالوا أنَّه بدا
وكأنَّه يتألّم وظهر ‏في الجلجثة كمجرّد رؤيا. وقد أشار إليهم القديس أغناطيوس
الإنطاكي (35 – ‏‏107) تلميذ القديس بطرس الرسول وحذّر المؤمنين من أفكارهم الوثنيّة
قائلا: ” ‏إذا كان يسوع المسيح – كما زعم الملحدون الذين بلا إله – لم يتألّم
إلاَّ في الظاهر‏، وهم أنفسهم ليسوا سوي خيالات (بلا وجود حقيقيّ) فلماذا أنا مكبّل
بالحديد “
(14)،
‏‏”
وهو إنما إحتمل الآلام لأجلنا لكي ننال الخلاص، تألّم حقًا وقام حقًا،
وآلامه لم
تكن خيالاً، كما إدّعي بعض غير المؤمنيين، الذين
ليسوا سوي خيالات “
(15)،
لو ‏أنّ ربنا صنع ما صنعه في الخيال، لا غير، لكانت قيودي أيضًا
خيالاً
(16).‏

(4) كما كان لهذه الجماعات، أيضًا، اعتقادات أخري في
المسيح، فقالوا أنَّ ‏المسيح الإله نزل علي يسوع الإنسان وقت العماد وفارقه علي
الصليب، وقالوا ‏أيضًا أنَّ المسيح الإله والحكمة الإله نزلا علي يسوع واتحدا به
وفارقاه أيضًا عند ‏الصليب!! أي أنَّ الذي صُلِبَ، من وجهة نظرهم هو المسيح
الإنسان وليس ‏المسيح الإله!!! وفيما يلي أفكار قادتهم: ‏

1 – فالنتينوس (حوالي 137م): وقوله أنَّ
المسيح لم يُوْلَدْ من العذراء ولكن ‏جسده الهوائي مرّ من خلال جسدها العذراوي:
وقد ظهر في النصف الأوّل من ‏القرن الثاني ونادى بوجود ثلاثين إلهًا، وقال أنَّ
الإله فيتوس (أي العمق) ولد ‏ثمانية أيونات، ومنهم وُلد عشرة ومن العشرة وُلد إثنا
عشر ذكرًا وأنثى، وولد ‏سيغا (أي الصمت)، من هذا الإله فيتوس، ومن سيغا وُلد
الكلمة، كما قال أنَّ ‏كمال الآلهة هو كائن ” أنثي – ذكر ” يُدعي
الحكمة، وهو المسيح
(18)!!‏

‏ وقال أنَّ المسيح لم يتّخذْ جسدًا إنسانيًا حقيقيًا بل إتّخذ هيئة
الجسد، مظهر الجسد ‏وهيئة الإنسان لأنَّه لا يمكن أنْ يأخذ جسد من المادة التي هي
شرّ بحسب اعتقاده! إتّخذ جسدًا سمائيًا وأثيريًا، وهو، حسب قوله لم يُولد من
العذراء ولكن جسده ‏الهوائيّ مرّ من خلال جسدها العذراوي
(19)!!‏

2 – كيرنثوس وقوله بصلب يسوع الإنسان دون المسيح الإله: وقال
كيرنثوس ‏الذي كان معاصرًا للقديس يوحنا الإنجيلي، والذي يقول عنه القديس إريناؤس
أنَّه ‏كان متعلمًا بحكمة المصريّين ” أنَّ العالم لم يخلقه الإله السامي،
ولكن خلقته قوّة ‏معيّنة منفصلة بعيدًا عنه وعلي مسافة من هذا المبدأ الذي هو سامي
علي الكون ‏ومجهول من الذي فوق الكلّ. وقال أنَّ يسوع لم يُولد من عذراء، وإنما وُلد
كابن ‏طبيعي ليوسف ومريم بحسب ناموس الميلاد البشريّ وقال أنَّه كان أبرّ وأحكم
‏وأسمي من البشر الآخرين، وعند معموديّته نزل عليه المسيح (الإله) من فوق ‏من
الحاكم السامي ونادى بالآب غير المعروف وصنع معجزات. ثم رحل المسيح ‏‏(الإله) أخيرًا
من يسوع وتألّم وقام ثانية، بينما ظلّ المسيح (الإله) غير قابل للألم ‏لأنَّه كان
كائنًا روحيًا”
(20).

‏ أي من، وجهة نظره، أنَّ الذي تألّم علي الصليب هو يسوع المسيح، عيسي،
‏أمّا المسيح الإله فلم يتألّم لأنَّه غير قابل للألم كإله.‏

3- سترنيوس (‏Saturnius‏) وقوله أنَّ المسيح كان بلا ميلاد وبلا جسد وبدون
‏شكل وكان مرئيًا افتراضًا: وقال سترنيوس أنَّ ” الآب غير المعروف من الكلّ
” ‏خلق الملائكة ورؤساء الملائكة، الذين كانوا من سلالات شريرة وخيرة، وخلق
‏الرياسات والقوات، ثم قام سبعة من رؤساء الملائكة بخلق الكون والبشرية أيضًا.
‏وقال أنَّ إله اليهود هو أحد رؤساء الملائكة السبعة، هؤلاء الذين خلقوا الكون،
‏وكان معاديًا للآب، وقد جاء المسيح المخلّص ليدمّر إله اليهود هذا ويحارب
‏الأرواح التي تؤيّده مستشهدًا بقول القديس يوحنا الرسول بالروح ”
لأَجْلِ
هَذَا أُظْهِرَ ابْنُ اللهِ لِكَيْ يَنْقُضَ أَعْمَالَ إِبْلِيسَ.

” (
1يو3/8)، لأنَّه اعتقد أنَّ الشيطان هو ‏إله اليهود،
وأنَّ المسيح كان كائنًا روحيًا وقد بدا وكأنَّه إنسان
(21).

‏ وقال أنَّ ” المخلّص كان بلا ميلاد وبلا جسد وبدون شكل وكان
مرئيًا افتراضًا، ‏وأنَّه جاء ليدمّر إله اليهود، الذي كان واحدًا من الملائكة،
ويخلّص الذين يؤمنون به “
(22).‏

4 – جماعة السزيان أو فايتس وقولهم بصلب يسوع دون المسيح والحكمة: ‏نادت
هذه الجماعة في القرن الثاني الميلادي ” أنَّ يسوع وُلِدَ من العذراء بعمل
الإله ‏يادابوس وكان أحكم وأطهر وأبرّ من كلِّ البشر الآخرين. ثم إتّحد المسيح
(الإله) ‏مع الحكمة ونزلا عليه (علي يسوع)، وهكذا تَكَوّن يسوع المسيح. ويؤكّدون
أنَّ ‏كثيرين من تلاميذه لم يعرفوا بنزول المسيح عليه. ولكن عندما نزل المسيح علي
‏يسوع بدأ يعمل معجزات ويُشفي ويُعلن الآب غير المعروف ويُعلن نفسه صراحة ‏أنَّه
ابن الإنسان الأوّل (الإله)
(23).
فغضبت القوات و (الإله يادابوس) والد يسوع لهذه ‏الأعمال وعملوا علي تحطيمه،
وعندما اُقتيد لهذا الغرض (الصلب) يقولون أنَّ ‏المسيح نفسه مع الحكمة رحلا منه إلي
حيث الأيون غير الفاسد بينما صُلِبَ يسوع‏‏. ولكن المسيح لم ينسي يسوعه فأنزل عليه
قوّة من فوق فأقامته ثانية في الجسد ‏الذي يدعونه حيوانيّ أو روحانيّ ثمّ أرسل
العناصر الدنيويّة ثانية إلي العالم. ‏وعندما رأي تلاميذه أنَّه قام، لم يُدركوا،
ولا حتي يسوع نفسه، مَنْ الذي أقامه ‏ثانية من الموت. والخطأ الذي وقع فيه التلاميذ
أنَّهم تصوّروا أنَّه قام في جسد ‏ماديّ غير عالمين أنَّ “

إِنَّ لَحْماً وَدَماً لاَ يَقْدِرَانِ أَنْ يَرِثَا مَلَكُوتَ اللهِ

(
اكو15/50)(24).‏

5 – ماركيون: وقوله أنَّ المسيح لم يُولد من
العذراء ولم يعرف ميلادًا ولا نموًا ‏ولا حتى مظهر هذه الأحداث إنما ظهر بطريقة
فجائية وفي هيئة بشرية احتفظ بها ‏بحسب الظاهر إلي موته علي الصليب: وعلّم
ماركيون، المولود حوالي سنة ‏‏120م، بوجود إلهَين، الإله العظيم السامي أو الإله
المحبّ، وهذا الإله كان غير ‏معروف من العالم ومخفيًا عن عينيه لأنَّه لا صلة له
بالعالم وليس هو الخالق له. ‏أمّا الإله الثاني فأقل من الأول درجة وهو إله عادل
ولكن سريع الغضب ومنتقم ‏يحارب ويسفك دم أعدائه بلا رحمة ولا شفقة، وهو الذي خلق
العالم واختار منه ‏شعبًا هو شعب إسرائيل ليكون شاهدًا له وأعطى له الناموس. وعاقب
بشدة ‏وصرامة الذين تعدُّوا علي هذا الناموس، وترك بقيّة الشعوب الأخري فريسة
للمادة ‏والوثنيّة. وكان هذا الإله، إله اليهود يجهل تمامًا وجود الإله السامي
المحبّ الذي ‏ظلّ غير معروف حتي ظهر المسيح في بلاد اليهوديّة في هيئة بشرية، وبدأ
يُعلن ‏للبشر السر ّ العظيم عن الإله السامي المحبّ الذي يجهله البشر وإله اليهود
(25)!!‏

‏ وقال إنَّ المسيح لم يُولد من العذراء ولم يعرف ميلادًا ولا نموًا
ولا حتي مظهر ‏هذه الأحداث إنما ظهر بطريقة فجائيّة وفي هيئة بشرية احتفظ بها بحسب
الظاهر ‏إلي موته علي الصليب
(26)!!

‏ ونتيجة لاعتقاد هؤلاء الهراطقة بأنَّ المسيح كان مُجرّد شبح وخيال
وأنَّه ظهر ‏علي الأرض في شكل وهيئة ومظهر الإنسان ولكنّه في حقيقته هو روح وخيال،
‏ظهر في مظهر الإنسان دون أنْ يكون إنسانًا! جاء في شبه جسد ولكنّه لم يتّخذ
‏الجسد بل كان شبح وروح وخيال في شكل جسد!! فلما وُضع علي الصليب ‏ليُصْلَب بدا
لهم وكأنَّه يُصْلَب ولكن لأنَّه شبح وروح وخيال فقد ظهر في مظهر ‏وهيئة وشكل الذي
يُصلب ولكن في الحقيقة لم يُصلب بل شُبِّه لهم أنَّه يُصْلَب!! ‏بدا لهم معلقًا علي
الصليب ولكنّه في الحقيقة غير ذلك!! بدا لهم يسفك الدم ‏وينزف أمامهم ولكن لأنَّه
شبح وروح وخيال وليس له لحم ولا دم ولا عظام، فقد ‏كان يبدو هكذا لهم مظهريًا فقط،
شُبِّه لهم!! ظهر وكأنَّه مات علي الصليب وهو ‏الإله الذي لا يموت!! ‏

6- باسيليدس وقوله بإلقاء شبه يسوع علي غيره لأنَّه قوّة غير ماديّة
وعقل ‏الآب غير المولود فقد غيّر هيئته كما أراد وهكذا صعد إلي الذي أرسله: ‏

وكان أوّل من قال بإلقاء شِبْه يسوع علي غيره هو باسيليدس الذي تصوّر
وجود ‏صراع بين الآلهة العديدة والذين كان أحدهم يسوع المسيح. وقد نقل عنه القديس
‏إريناؤس قوله: “وصنع الملائكة الذين يحتلون السماء السفلي المرئية لنا كل شئ
‏في العالم، وجعلوا لأنفسهم اختصاصات للأرض والأمم التي عليها، ولما أراد ‏رئيس
هؤلاء، إله اليهود كما يعتقدون، أنْ يخضع الأمم الأخري لشعبه اليهود، ‏واعترضه
وقاومه كلّ الرؤساء الآخرين بسبب العدواة التي كانت بين أمّته وكل ‏الأمم، ولمّا
أدرك الآب غير المولود والذي لا اسم له أنّهم سيُدمّرون أرسل بِكْرَه ‏العقل (وهو
الذي يُدعي المسيح) ليُخلّص من يُؤمن به، من قوّة هؤلاء الذين ‏صنعوا العالم. فظهر
علي الأرض كإنسان لأمم هذه القوات وصنع معجزات. ‏وهو لم يمتْ بل أُجبر سمعان
القيرواني علي حمل صليبه وألقي شَبْهَه عليه ‏واعتقدوا أنَّه يسوع فصُلِبَ بخطأٍ
وجهلٍ. وإتّخذ هو شكل سمعان القيرواني ‏ووقف جانبًا يضحك عليهم. ولأنَّه قوّة غير
مادي وعقل الآب غير المولود فقد ‏غيّر هيئته كما أراد وهكذا صعد إلي الذي
أرسله”
(27).‏

7 سر الصليب في أعمال يوحنا: قالوا في
الكتاب الذي أسموه ” أعمال يوحنا ‏‏”
(28)
والذي يرجع إلي القرن الثاني الميلادي، في عبارات صوفيّة غامضة جدًا أنَّ ‏المسيح
تألّم دون أنْ يتألّم وصُلِبَ دون أنْ يُصْلَب وطُعِنَ بالحربة دون أنْ يسيل ‏منه
دمًا وماء، عُلِّقَ علي صليب من خشب وصليب من نور في آنٍ واحدٍ، كان ‏علي الصليب
بين الجموع المحتشدة وفي نفس الوقت مع يوحنا علي الجبل: ” ‏بعد أنْ رقص الرب
معنا هكذا يا أحبائي خرج ونحن كمذهولين أو مستغرقين في ‏النوم وهربنا هذه الطريق
أو تلك ولم أتأخر بآلامه، بل هربت إلي جبل الزيتون ‏بكيت لما حدث، وعندما عُلِّق
(علي الصليب) يوم الجمعة في الساعة السادسة ‏من النهار حلّت الظلمة علي كل الأرض(
مر15/23).
ثم وقف ربّي وسط الكهف ‏وأناره
وقال: يا
يوحنا إني مصلوب ومطعُون بالحربة والقصبة (
مر 15/19)
ومُعطي ‏الخل والمرّ لأشرب (
متى 27/34) بالنسبة
للناس أسفل في أورشليم، ولكني أتحدث ‏إليك فإستمع لما أقوله: لقد وضعت في عقلك أنْ
تصعد إلي هذا الجبل لكي تستمع ‏إلي ما يجب أنْ يتعلّمه تلميذ من معلّمه وإنسان من
إله. وعندما قال ذلك أراني ‏صليب من نور مثبت جيدًا، وحول الصليب جمع عظيم، ليس له
شكل واحد ‏‏000 ورأيت السيد نفسه فوق الصليب، ليس له شكل بل نوع من الصوت هذا ‏الصليب
من نور يدعى أحيانًا اللوجوس وأحيانًا العقل وأحيانًا يسوع وأحيانًا ‏المسيح 00
“!! هذه الأقوال الصوفيّة الغامضة جدًا يدعونها أقوالاً سريّة لمن ‏أُعْطِي
له أنْ يَفْهَم فقط!! ‏

هذا الفكر الخيالي الوثنيّ الغامض كان أصحابه أفرادًا خارج حظيرة
المسيحيّة ‏وقد رفضتهم الكنيسة وحاربت أفكارهم حتى اندثروا وإنْ كانت كتبهم وآثارهم
ما ‏يزال الكثير منها بين أيدينا.‏

‏ والعجيب بل والغريب أنَّه عند ترجمة قوله ” وَلَكِنْ
شُبِّهَ لَهُمْ
” نجده في الترجمة ‏يحمل نفس هذا الفكر الدوسيتي، فقد جاء في
ترجمة معاني القرآن الكريم للدكتور ‏أحمد زيدان والسيدة دينا زيدان والمعتمدة من
مجمع البحوث الإسلاميّة: ‏

And for their saying “we killed the Massiah Jesus the son of Mary. The Messenger of God “Yet they
did not kill him nor
crucify him but it was only made to appear to them so

‏ ” ولكن هكذا بدا لهم فقط
“، ”
ولكن هكذا ظهر لهم “!!‏

‏ ويقول السيد يوسف علي في تفسيره لهذه الآية القرآنية: ‏

The Docetae held that Christ never had a real physical or natural body, but only an apparent or
phantom body, and
that his Crucifixion was only apparent, not
real.
The Marcionite Gospel (about A. D.138) denied
that Jesus was
born, and merely said that he appeared in human form.

The Quranic teaching is that Christ was not crucified nor killed by the Jews, notwithstanding certain
apparent circumstances
which produced that illusion in the’ minds
of some of his
enemies: that disputations, doubts, and conjectures on such matters are vain; and that he was taken up
to Allah.

 

وترجمته هكذا ” قال الدوسيتيّون أنَّ المسيح لم يكنْ
له أبدًا جسد فيزيائيّ حقيقيّ أو ‏طبيعيّ، ولكن فقط جسد مظهريّ أو شبح، وأنَّ صلبه
كان مُجرّد صلب ظاهريّ، ‏وليس حقيقيّ، وأنكر الإنجيل الماركيوني (حوالي 138م) أنَّ
يسوع وُلِدَ وقد قال ‏أنَّه ظهر في مُجَرّد شكل بشريّ. ويقول التعليم القرآنيّ أنَّ
اليهود لم يصلبوا ‏المسيح ولم يقتلوه ومع ذلك فقد أنتج ذلك الوهم في عقول بعض
أعدائه ظروف ‏ظاهريّة معيّنة 000 “!!! ‏

أي أنَّ الترجمة الإنجليزية وتفسير السيد يوسف علي يُؤكّدان علي أنَّ
نصّ آية الشبه ‏يعني نفس ما قاله الفكر الدوسيتيّ الغنوسيّ القائل بأنَّ المسيح صُلِبَ
ولم يُصْلَب بدا ‏لهم أنَّه يُصلَب ولكن لأنَّه روح وشبح وخيال، إله فقط وليس له
جسد إنسان لذا بدا ‏لهم

(Appeared
to them
)
‏ أنَّه يُصلب ” ‏ it was only made to appear to them
so
‏ “!!!‏

 

(†) وتعني الغنوسية – Geosticism ” حب المعرفة ” ومنها ” Genostic ” – غنوسي – محب المعرفة. من كلمة ” Gnosis ” اليونانية وتعني ” المعرفة ” وهي عبارة عن مدارس
وشيع عديدة تؤمن بمجموعات عديدة من الآلهة. وكانت أفكارهم ثيوصوفية سرية. ولما
ظهرت المسيحية خلط قادة هذه الجماعات بين أفكارهم، وبين بعض الأفكار المسيحية التي
تتفق معهم!!

(1) See Pre-Christian Gnosticism
Edwin M. Yamac chi pp. 21-27 & The Secret Books of the Egy. Gmo. Jeams
Doresse
.

(2) A Commprehensive Study of Heretical Beliefs Spaning 2000
Years History (From 33-200 AD.)
.

(3) Tertullian A Treatise on The Soul.

(4) A Commprehensive Study of Heretical Beliefs Spaning 2000
Years History (From 33-200 AD.)
.

(5) The Gnostic World View: A Brief Summary of Gnosticism.

(6) The Gnostic World View: A Brief Summary of Gnosticism.

(7) Robert Jonse
Heresiess & Schisms in Early Church
.

(8) Ibid.

(9) Irenaeus against
Heresies
.

 تاريخ
الفكر المسيحي د. القس حنا الخضري ج1: 206
(10) Irenaeus
against Heresies.
1: 24; 2

(11) See NT Apocrypha
Vol. 2
.

(12) Robert Jonse Heresiess & Schisms in Early Church.

(13) Catholic Enc. Docetism.

(14) رسالته إلي ترالس 10: 1.

(15) رسالته إلي أزمير (سميرنا) 2.

(16) المرجع السابق 4: 2.

(17) القديس كيرلس الأورشليمي ” العظات 6: 17-18.

(18) تاريخ الفكر المسيحي د. القس حنا الخضري ج1: 207

(20) Irenaeus against
Heresies.
1: 26.

(21) Jesus after the Gospels: Robert M. Grant P. 45-46.

(22) Ibid 30.

(23) الإنسان الأول في عقيدتهم هو النور الأول في الأعماق، أبو الكل –
الإله.

(24) Iren. B.
I. 30: 12-13. Robert M. Grant Gnosticism
.

(25) Gnosticism a Sourse book of Heretical writings from the
Early Church Period p. 44-45
.

تاريخ الفكر المسيحي د. القس حنا الخضري ج1: 481-482(26) Irenaeus against Heresies. 1: 24; 2

(27)
Ibid. b. 1: 24: 3-4
.

(28) Acts of John 97-98.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى