علم

نصوص مختارة من القدّيس يوحنا الذهبي الفم



نصوص مختارة من القدّيس يوحنا الذهبي الفم

نصوص
مختارة من القدّيس يوحنا الذهبي الفم

 

محبّة
الفقراء

1
– ” يقضي العدلُ في ممارسة المحبّة، أن نفضّلَ الضعفاءَ على من هم أقلّ ضعفاً،
الشيوخَ على الشباب، المُعدومين على المالكين شيئاً، المُعاقين المرذولين عادةً من
الناس على الذين نحبّهم…”

 

2
– ” من المفيد أن نسأل لماذا شوهد لعازر في أحضان ابراهيم بدل أي شخص صدّيق
آخر؟ هذا لأن ابراهيم كان يمارس الضيافةَ… كان يستقبل المسافرين ويُدخلهم خيمته…
كان يراقب الغرباء العابرين جالساً أمام خيمته وكصيّاد يرمي شبكةً في البحر ويُخرج
السمكَ وأحياناً الذهبَ واللآلئ، هكذا كان ابراهيم يصطاد أناساً في شباكه، فوُجد
في النهاية مضيفاً الملائكة دون أن يعلم.

 

 هذا
ما قاله الرسول بولس: ” لا تنسوا إضافة الغرباء لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم
لا يدرون” (عب 13: 2). ما أجمل هذه الآية! فإنه لو عرف هويّة زائريه لما كان
العجب في نخوة ضيافته. ما يجعله ممدوحاً أنّه لم يكن يعلم من هم المسافرون.
اعتبرهم أناساً عاديّين فاستقبلهم بمحبّة قلبيّة كبيرة… هذا ما كان الربّ يقوله
أيضاً:

 

 ”
كلّ ما فعلتموه بأخوتي هؤلاء الصغار فبي فعلتموه” (متى 25: 45) وقال أيضاً: ”
هكذا ليست مشيئةً أمام أبيكم الذي في السماوات أن يهلك أحد هؤلاء الصغار”
(متى 18: 14).

 

 ”
ومن أعثر أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بي فخير له أن يعلّق في عنقه حجر الرّحى
ويُغرق في لجّة البحر” (متى 18: 6). في كلّ ظرف كان الرب يسوع المسيح، من
خلال تعاليمه وحياته، يهتمّ بالصغار والودعاء.

 

 كان
إبراهيم ممتلئاً من هذه الفكرة. لذا لم يكن ليفحص من أين جاء المسافرون كما نعمل
عادةً. من نوى الإحسان عليه ألاّ يبحث في سيرة حياة الفقير المعوز. عليه فقط أن
يلبّي حاجته ويسعفَ عوزَه. الحاجة الضروريّة والعوز ضمانتا الفقير الوحيدتان، لا
تطلبوا منه أكثر من ذلك. إن كان أسوأ البشر ووُجد جائعاً فأطعمْه. هذا هو الواجب
الذي يمليه علينا يسوع المسيح بقوله:

 

 ”
لكي تتشبّهوا بأبيكم الذي في السماوات فإنه يُشرق شمسَه على الأشرار والصالحين
ويُمطر على الأبرار والظالمين”. (متى 5: 45). رجل الرحمة ميناء للمعوزين.
والميناء يستقبل كلَّ من كانت العاصفة تتهددّه أكان صالحاً أم شريراً… تشبّهوا
إذاً بإبراهيم أبي الآباء وبأيوب الصدّيق القائل:

 

 ”
بابي كان مفتوحاً على الدوام لكلّ ضيف آتٍ إليّ الكلّ كان بوسعه أن يعبرَ
منه…” (أيوب 31: 32)

 

3
– ” … قيمة الإحسان المادي ليست في كميّته بل في النيّة التي ترافقه. أرملة
الإنجيل لم تعطِ سوى فلسين وقد فاق عطاؤها على كلّ التقدمات الأخرى. أرملة أخرى مع
قليل من الطحين والزيت أضافت النبيََ الإلهي. هكذا لم يكن الفقر ليشكّل عقبةً
للواحدة ولا للأخرى”.

 

4
– ” لا يطلب الرسول بولس من الأرملة أن تكتفي بالإحسان بل قال ” هل
غسلتِ أرجل القدّيسين؟ ” 1تيمو 5: 10). تفكّر بمن كان يغسل أرجلَ التلاميذ.
لقد غسلَ حتى أرجل الخائن. هذا لكي لا تدينوا حالةَ السوء في الذي يتقدّم إليكم
محتاجاً. لو أعانكم أحدٌ في قضاياكم العالمية أمام العدالة وفي أي ظرف آخر،
لأسرعتم واستقبلتموه بحفاوة وخدمتموه. ان رأيتم المسيحَ يأتي إليكم لمَ تترددّون
في خدمته؟ إن كنتم لا ترون المسيح في الغريب فلا تستقبلوه. أماّ إن كنتم ترونه فلا
تخجلوا من غسل أرجل الربّ يسوع… لا تتردّدوا في غسل أرجل الغرباء لأن أيديكم سوف
تتقدّس بمثل هذه الخدمة…”

 

5
– ” … تقولون لي إني أهاجم الأغنياء؟ كلاّ أني فقط أهاجم أولئك الذين يسيئون
استعمالَ الغنى. لا أتّهم الغنيَّ بل السارق… أنت تملك شيئاً فأنا لا أخاصمك عليه.
أنت تستغلّ ملكَ الآخرين. عندئذ لا يمكن السكوتَ عن هذا الأمر… الأغنياء أولادي
وكذلك الفقراء. لهم أصلٌ واحدٌ وآلام ولادةٍ واحدةٍ…”

 

6
– أنت مجرّد وكيل على أموالك (الملك والسيّد هو الله وحده) كما هو المدير والمدبّر
لأملاكك الكنسية. لا يستطيع هذا الأخير أن يتصرّف بأملاك الكنيسة كما يحلو له. أنت
كذلك لأن المالَ الذي بحوزتك، حتى عن طريق الوراثة، يبقى ملكَ الله… هو أيضاً ملك
الفقراء حتى ولو كنتَ قد اقتنيته بعرق جبينك… العناية الإلهية أودعته إياّكَ لكي
تصرفه لمجد الله”.

 

7
– ” انظروا إلى هذه الحقيقة أنتم الذين تستصعبون الإحسان. انظروا أنتم الذين
تخسرون أموالكم حين تريدون الحفاظَ عليها. أنتم لا تملكون أكثر ممّا يملكه
الأغنياء في الأحلام. أموال هذه الدنيا كلّها أحلام. أولئك الذين يحلمون بالأموال
الكثيرة يصبحون في اليقظة أفقرَ البشر. كذلك كل من اقتنى أموالاً كثيرة في هذا
العالم ولا يستطيع أن يحمل منها شيئاً في العالم الآخر، هو أيضاً أفقر البشر لأنه
غنيٌّ على الأرض كما في حلم.

 

 إن
كنت تريد أن تُظهرَ لي غنيّاً حقيقيّاً فأظهره لي عند خروجه من هذه الدنيا، لأني
في هذا العالم لا أستطيع تمييزَ الغني عن الفقير”.

 

محبّة
الخطأة

1
– لا تسخط على أولئك الخطأة الضالين. إبحثْ في أمورهم بهدوء. ليس شيء أقوى من
الاعتدال واللطف. هذا ما ينصح به الرسول بولس بقوله:

 

 ”
وعبد الرب لا يجب أن يخاصم بل يكون مترفقاً بالجميع” (2تيمو 2: 24). علينا
إذاً أن نكون ودعاءَ ليس فقط مع إخوتنا بل أيضاً مع جميع الناس. ” بقدر
استطاعتكم سالموا كلَّ الناس” (رو 12: 18)

 

2
– ” أوصيكم أن تكونوا طيّبين مع الذين خرجوا عنكم (أهل البدع)، قاربوهم بكلام
لطيف… الجراح الساخنة تخشى مرورَ اليد عليها لذا يستخدم الأطباء إسفَنْجَةً ناعمة
لغسل مثلِ هذه الجراح. هي نفوسٌ مجروحة مسمومة مدمّاة. لنتشبه بالذي يستخدم لها
إسفنجية ناعمة مبلولة بالماء الصافي… أيقابلون عنايتكم بالإهانات وحتى بالضربات؟…
مهما فعلوا، أنت أيها الحبيب لا تتخلَّ عن هدف علاجك لهم إنّه سبب آخر لمزيد من
الشفقة عليهم…”

 

3
– ” هؤلاء الضالون قابعون في لجّة الإلحاد. لا نكوننّ غيرَ مبالين لحالتهم.
لا تقسّوا قلوبكم أمام هذا المشهد المحزن… السامري لم يقل أين الكهنة واللاويّون
وأطباء اليهود؟… لقد استغلّ الفرصة السانحة ليُسرعَ ويخطف الطريدة النادرة… أنتم
أيضاً عندما ترون إنساناً مريضاً في نفسه وفي جسده، تمثّلوا بالسامري تَجِدوا في
عنايتكم للخاطئ والغريب المحتاج كنزاً فريداً. اسكبوا عليه الزيتَ المليّن،
الكلمةَ الصالحة. تصيّدوه بمحبّتكم، اشفوه بطول أناتكم، يُغنيكم أكثر من الكنز.
” من يُخرج الذهب من الرصاص يصبح كفم الله طاهراً مقدّساً كفم الله”.

 

4
– ” … علّموا بلطافة أولئك الحائدين عن الحق. هذا لكي تحثّوهم على التوبة
والخروج من مكائد الشرّير… ” (2تيمو 2: 25 – 26). أظهروا أنكم مستعدّون لنقل
ما عندكم من الخير… إن سمعكم هذا الذي انحرف يشفى (حز 3: 21). هكذا تكونون قد
أنقذتم نفساً. إن حدث وأصرّ على خطيئة وبّخوه بلطافة… لا تحقدوا عليه، عاملوه
بمحبّة. ” هكذا يعرفون أنكم تلاميذي بمحبتكم بعضكم لبعض.” (يو 13: 35).

 


إن كانت لي نبوّة وأعلم جميع الأسرار وكلَّ علم وان كان لي كلُّ الإيمان حتى أنقلَ
الجبال ولكن ليس لي محبّة فلستُ شيئاً” (1كور 13: 2).

 

5
– ” … أسمع كثيرين يقولون لي: أنا لا أشعر بأيّ حقد تجاه الذين أساؤوا إليّ.
لا يطلب منك اللهُ أن لا يكون لك علاقة معهم، يطلب بالأحرى أن يكون لك علاقةٌ
كبيرة، لذلك هو يدعو عدوَّك ” أخاك “. لا يقول فقط سامح أخاك إن أساء
إليك بل يقول: ” اذهبْ أوّلاً واصطلح مع أخيك” (متى 5: 24). إن كان هناك
شيءٌ ضدّك لا تنسحب قبل أن تُعيد الوحدة بينكما”.

 

6
– ” الله طيّبٌ تجاه كلّ الناس. وهو طيّب بصورة خاصة تجاه الخطأة. أتودّون
سماعَ قولٍ غريب؟ … يظهر الله قاسياً على الصدّيقين في حين لا يكنّ للخاطئ إلاّ
كلَّ مودّة ورحمة. يقول عن الذي وقع:

 

 ”
هل الذي وقع لا يقوم؟ هل الذي انحرف عن الدرب القويم لا يعود فيجده؟” (ارميا
8: 4). ” عودوا إليّ أعود إليكم” (زخريا 1: 3). وفي موضع آخر بداعي
محبّته الكبرى يُقسم بأنه سوف ينقذ الخاطئ والتائبَ. يقول:

 


طالما حييتُ يقول الربّ لا أريد موتَ الخاطئ إلى أن يعودَ ويحيا” (خر 33: 11).

 

7
– ” … كيف تنتظرون الرحمةَ والمسامحةَ من الله عندما لا يرى منكم الإخوة
الصغار سوى القساوة والعتوّ…؟ أأساء إليك أخوك؟ أنت أيضاً أسأتَ إلى الله مراراً.
ربّما أساء أخوك بعد الإساءة إليه. لمن أنت أسأتَ؟ إلى الله الذي يغدق عليك خيراته
ليلاً نهاراً ولم يسئ إليك ابداً…”

 

8
– ” سقط العبد على قدميه وقال له: ” اصبر عليّ قليلاً وأنا أوفي لك
الدينَ كلّه”… العبد يتوسل عارياً ويلتمس الشفقةَ من سيّده.

 

 ونحن
أيضاً في صلواتنا لا نيأسنّ أبداً. إن كان ليس لكم ثقة بإنسان فقابلوه مع ذلك ولا
تخافوه… أَبعِدوا عنكم كلَّ فكرة لليأس. لنهرع إلى الله دائماً ونصلِّ له كما فعل
ذلك العبدُ.

 

محبّة
الصغار

1
– أيّ إنسان منكم له مئةُ خروف وأضاع واحداً منها ألا يترك التسعةَ والتسعين في
البريّة ويذهب لأجل الضال حتى يجده. وإذا وجده يضعه على منكبيه فرحاً. ويأتي إلى
بيته ويدعو الأصدقاءَ والجيران قائلاً لهم إفرحوا معي لأني وجدتُ خروفي الضال.
أقول لكم إنه هكذا يكون فرحٌ في السماء بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين باراً
لا يحتاجون إلى توبة”. (لوقا 15: 4 – 7).

 

 إنّ
إرادة الآب أن لا يهلك أحدٌ من هؤلاء الصغار. أنظر بكم من الطرق يحثنا الرب يسوع
على الاعتناء بإخوتنا هؤلاء الإخوة الصغار! بكم من الطرق يوصي لنا بالإشفاق عليهم.
يقول: كلّ من قبل ولداً صغيراً مثل هذا يقبلني أنا بذاتي. ثم يتكلمّ عن الملائكة
الذين يحرسون الإخوة الضعفاء وعلى آلامه قائلاً ” ابن الإنسان جاء لكي يخلّص
ما قد هلك”.

 

 كان
بولس يكتب عن ذاك الأخ ” الذي من أجله مات المسيح” (رو 14: 15). كلّ هذا
لكي يوحي إلينا خدمةَ القريب مهما كان صغيرا. الربّ يسوع الإله يتكلّم عن ابيه
الذي يسرّ بألاّ يهلك مثلُ هذا الأخ الصغير. هذا ما حصل مع الراعي الذي ترك
التّسعة والتسعين خروفاً ليذهب ويبحث عن الخروف الضال فيفرح حين يجده…

 

 لنعدُ
وراءه نحن أيضاً دون أي كلل دون أي إحباط ظاهر عندما يدور البحث عن إخوتنا ولو
اضطررنا أن نصير خدامهم ونتعب من أجلهم ونجتاز الجبالَ والوديانَ فلا نتراجعنّ
أبداً عندما يكون خلاصهُم مطروحاً علينا! نفسٌ واحدة هي غاليةٌ جداً بالنسبة لله
إلى حدّ أنه لم يوفرّ من أجله ابنَه الوحيد”.

 

2
– ” … نعلم أنه علينا ألاّ نزدري بأهلنا. كم بالأحرى ألاّ نزدري بالمسيح،
بسيادته وقرابته. ألم يُغدق علينا خيراته. ألم يُعطنا السماء ميراثاً؟ سَتَرَنا
حين كنا عراةً ونحن لا نقدم له ولإخوتنا الصغار الضيافة؟! أعطانا الكأس لنشرب ونحن
لا نقدّم له كأسَ ماءٍ باردة واحدة؟”

 

الأفخارستية
والفقراء

 ”
أتريد أن تكرّم جسدَ المسيح؟ لا تزدرِ به عندما يكون عرياناً. لا تكرّمه هنا في
الكنيسة وأنت تلبس الحللَ الناعمة وفي الخارج تهمله وهو يتألم من البرد والعوز.
لأن الذي قال هذا هو جسدي هو نفسه الذي قال كنتُ جائعاً فأطعمتموني.

 

 ما
الفائدة ان كانت مائدة المسيح مرصّعة بالذهب ومزيّنة بالأواني الفضية والذهبية وهو
يموت جوعاً؟ أطعمْ أوّلاً الجائع ثم زيّن مائدته. أنت تصنع كأساً ذهبيّةً ولا تعطي
كأسَ ماءٍ! حين تزيّن بيت الربّ اجتهد ألاّ تزدري بأخيك البائس لأن هذا الهيكل هو
أثمن من ذاك.

 

 من
يمارس الإحسان يمارس خدمةً كهنوتيةً. أتريد أن ترى مذبحَ الربّ؟ إنه مؤلّف من
أعضاء المسيح الخاصة. عندئذ يصبح جسدُ المسيح لك مذبحاً. أكرمْه فهو أرقى من
المذبح الحجري حيث تقيم الذبيحةَ الإلهية. أنت تكرّم المذبح الذي يتقبّل جسدَ
المسيح ودمَه ولا تكرّم المذبح الذي هو جسدُ المسيح! هذا المذبح الأخير يمكن لك أن
تراه في كلّ حين، في الشوارع والساحات، وفي كلّ وقت يمكن لك أن تقيم الذبيحة
هناك”.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى