علم التاريخ

24- دير كلوني



24- دير كلوني

24- دير كلوني

رأينا
صفحه سوداء من مفاسد الكنيسة الكاثوليكية في عصورها الوسطي خلال القرنيين التاسع
والعاشر، مما أدي ألي أيقاظ بعض الضمائر التي أفزعها ما أل أليه أمر الكنيسة ورجال
الدين في غرب أوروبا، وكان، انبعثت الدعوة ألي الإصلاح في النصف الأول من القرن العاشر
في منطقة اللويين جنوب شرق الغال (فرنسا حالياً) حيث كانت الحياة الديرية قوية
وسليمة، ويلاحظ، هذه المنطقة كانت متاثرة جداً بحياة الرهبنة البا خومية المصرية.

 

وهناك
وبدأ أحد المصلحين واسمه جيرارد وهذه الحركة الإصلاحية، فبدأ بتأسيس كنيسة قرب
نامور في عام 914، ثم الحق بها بعد فترة ديراً، وسرعان ما سارت هذه الحركة
الإصلاحية في اللورين سيراً طيباً، في وقت كانت أحوال الكنيسة سيئة للغاية كما
رأينا حتى نخر السوس في الأديرة ذاتها وتفشت الأمراض الاجتماعية والنفسية والروحية
بين رهبانها أيضا، خاصة وان هؤلاء هم ما يبقي للمسيحي، يراه، إذ هم أهم ثروة
للكنيسة.

 

فلم
يبق صوت للإصلاح ألا في هذا الدير، الذي نادي رهبانه بالعودة إلى تعاليم سلفهم
الصالح وذلك بتطبيق نظم القديس بندكت علي الحياة الديرية ولنعلم، هذا البندكت إنما
أسس نظمه علي ما وصله بين نظم الأديرة الباخومية المصرية والذي أوصلها إياه جون
كاسيانوس كما أوضحنا من قبل

 

ألا،
حركة الإصلاح الكولونية ظلت محلية الطابع، لان أنصار الفساد في الكنيسة استمروا
خارج المنطقة اقوي نفوذاً، فنجد، الرجال الدين الفاسدين اللذين قادوهم في دعوتهم
الإصلاحية، لان الإصلاح لم يكن في صالحهم، وان الفساد هو الطريق الأكثر ربحاً لهم،
ثم انهم القوا حياة الضعف والانحلال الروحي، واصبحوا كالجسد الميت الذي يحاول
المصلون بعث الحياة فيه من جديد، وبذلك كان هؤلاء الفاسدون حائلاً قوياً دون حركة
الإصلاح.

 

ومهما
كان الأمر فان الحركة الإصلاحية التي ظهرت في إقليم اللوريين هذه لم تكن الوحيدة
من نوعها، إذ عاصرتها أخري للإصلاح انبعثت داخل فرنسا أسسها “وليم
التقي” دوق اكوتين، حيث أسس ديراً هو الأخر في كلوني
Cluny Abbey عام 910 م.

 

نظام
دير كلونى:

روعي
في هذا الدير الجديد تجنب الأخطاء والمفاسد التي ترددت فيها بقية الأديرة
المعاصرة، ليصبح رأساً لحركة إصلاحية ديريه شاملة، ومن ذلك، دير كلوني لم يقبل
أرضا من أمير إقطاعي أو حاكم مقابل خدمات أو ارتباطات إقطاعية مع ذلك الأمير أو
الحاكم، وهكذا جاءت جميع المنح التي تلقاها دير كلوني من ارض أو غيرها حرة غير
مشروطة، ولا بتنافي عنها حاجتها آلا حسن الثواب والصلاة من اجله بذكري في القداسات
فقط.

 

وإذا
كان نظام البندكتيين الذي اخذ من الشركة الباخومية تطلب من الرهبان القيام بقسط
كبير من العمل اليدوي في الحقول، إلا انه لوحظ عدم تطبيق هذا المبدأ بصورة تكفل
تحقيق الغرض المنشود، لان معظم الأراضي التي كانت تمنح للأديرة عليها فلاحوها
المرتبطون بها الذين يقومون بفلاحتها.

 

ومن
هنا وفروا علي هؤلاء الرهبان الجهود والوقت الذي كان يستطيع منهم في العمل اليدوي
ليخصص للبحث والصلاة والتعبد تلافياً للفراغ والبطالة التي لا تتماشى وحياة الراهب
من اجل هذا اتجه الرهبان الكولونيون إلى الفكر، فدرسوا وصلوا وصاموا، وقد قام نظام
هذه الأديرة علي أسس من الطاعة المطلقة والتفاني في خدمة الجماعة لكل فالفرد لا
شيء وانما المجموع هو كل شيء، أي التوجة نحو بناء كنيسة روحية هي مجموع من
المؤمنين وليس مجرد أفراد لا حياة روحية فيهم.

 

كذلك
أدراك زعماء الحركة الكونية، الأمراض الخطيرة التي تعرضت لها الكنيسة حينئذ إنما
جاءت نتيجة ارتباط الكنيسة بالدولة وما نجم عنها من تدخل في أمور السياسية
والإدارة التي ما اغني الكنيسة عنها، لان ما لقيصر لقصير ومال لله لله، وازاء هذا
عاد أصحاب مبدأ دير كلوني إلي الفصل بين السلطتين الروحية والزمنية، إذ هو أول
مرحلة من مراحل العلاج لما أصاب الكنيسة من أمراض عرفناها في اختصار ولعل هذا هو
السبب في حرصهم علي، يكون نظامهم الديري تابعاً للبابوية مباشرة دون، يكون للحكام
العلمانيين أو الأساقفة المحليين إشراف علي الأديرة الكلونية التي تقع داخل مناطق
نفوذهم، وهكذا أصبحت الأديرة الكلونية تخضع لأشراف مركزي شديد، إذ لا يوجد لها سوي
مقدم (ربيت) واحد في الدير الرئيسي بكلوني هو المسئول الأول عن بقية سلسلة هذه
الأديرة التي يشرف عليها رؤساء لا يتمتعون باستقلال كبير في اديرتهم ويخضعون
خضوعاً مباشراً للرئيس العام في كلوني الذي كان له حق التفتيش عليهم بين الحين
والحين لمراقبة سلوكهم واختيار دراساتهم ونموهم الروحي والأخلاقي، وهذا الرئيس كان
يخضع بدورة للبابا خضوعاً مباشراً أي لم يفلح هذا النظام عن الكنيسة الرومانية
وانما انسلخ عن نظم الحكم والسياسة والادارة التي لا دخل فيها ولا تتدخل هي في
شئونه.

 

وسرعان
ما اشتهر دير كلوني وطابت انفس الرعية بوجوده، أحس الشعب، قد افتقده في زمن الظلم،
وانتشرت هذه الأديرة في غرب أوروبا انتشاراً واسعاً وفي سرعة فائقة، حتى، كثيراً
من الأديرة البندكتية المعروفة في كل من فرنسا وألمانيا تركت نظمها التي بليت
أصابها البغض والفساد لتكون ضمن سلسله أديرة كلوني وتحت رئاستها، هذا بالاضافه إلى
الأديرة الاخري التي اختارت، تحتفظ باستقلالها ألا انها تأثرت في نظمها بمبادىء
الإصلاح الكلوني. فكانت كلونية المخبر.

 

والذي
يهمنا ألان من أمر هذة الحركة إنها لم تلبث، تطورت واتسع افقها، فبعد، كانت تستهدف
في أول أمرها إصلاح الحياة الديرية وحدها، إذا بها في القرن الحادي عشر تسعي نحو
إصلاح الكنيسة لكل إصلاحا شاملاً معتمدة في ذلك علي ما اصبح للأديرة الكلونية ورجالها
من قوة وعظمة ونفوذ واسع عند منتصف القرن الحادي عشر.

 

حقيقية،
الدعوة الكلونية تعرضت لمعارضة قوية من كثير من الأساقفة بل من بعض المؤسسات
الديرية الاخري التي آلف أهلها حياة الفساد والكسل الروحي ألا، حركة الإصلاح
الكلوني استطاعت، تستمر في طريقها السوي دون، تؤثر فيها هذه الحركات المعارضة

 

وقد
تعرض الرهبان الكلونيون لامراض الكنيسة علي النحو الذي فصلناه من قبل ونجحوا إلى
حد ما بالنسبة لامراض السيمونية وزواج رجال الدين ومظاهر الفساد الاخري ألا انهم
اصطدموا بمسالة التقليد العلماني أي تدخل الأباطرة والإقطاعيين في سيامة رجال
الدين حتى وصلوا إلى الباباوات.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى