مقالات

لماذا لا نحظى بمعرفة الله فنصبح كلنا حكماء – لكل شيء نهاية ولكل زرع ثمرته الخاصة

لقد قَبِلَ السيد أن يُسكب الطيب فوق رأسه، حتى يُعطَّر الكنيسة بنسائم عدم البلى
لا تُدهنوا بعفونة تعليم رئيس هذا الجيل لئلا، يقودكم إلى الأسر بعيداً عن الحياة المعدة لكم
لماذا لا نحظى بمعرفة الله أي بيسوع المسيح فنصبح كلنا حكماء؟
القديس إغناطيوس المتوشح بالله

+ طبيعة أولاد الله المولودين من فوق، الذين يحيون بالإيمان:
كل من يحب ربنا يسوع في عدم فساد ودخل في حرية مجد أولاد الله، فهو حسب فيض النعمة ودعوة القداسة والحياة الأبدية، مغمور بعظمة رحمة الله الآب في ابنه المحبوب ربنا يسوع المسيح، الذي اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم أمامه في المحبة، إذ قد باركنا فيه بكل بركة روحيه في السماوات، لأنه جعلنا آنية تخص حلوله الخاص لنحيا في شركة المحبة بإعلان مجده في داخلنا، غير مهتم بضعفاتنا لأنها لا تمنع عمله فينا طالما نتوب عنها بإخلاص لأننا نرى مجده فينا ونعمته معنا قوة في حياتنا، لذلك ينسكب دمع القلب وتأتي حركة التوبة كقوة تتدفق بروح التوبة، الروح القدس، في داخلنا، لنتحرك سريعاً ونقدم القلب لله لينقيه ويغسله من تلك القذارة التي تعلقت به، فننال نعمة ولا نعود نُخطأ أيضاً بكامل حريتنا وإرادتنا التي تسندها نعمته

+ يقظة النفس – ولنحذر من لهم شكل وصورة التقوى:

أنها الآن ساعة لنستيقظ من النوم، وندعو الجميع أن يتيقظوا لأنها الساعة الأخيرة: [ أيها الأولاد هي الساعة الأخيرة وكما سمعتم أن ضد المسيح يأتي قد صار الآن أضداد للمسيح كثيرون من هنا نعلم أنها الساعة الأخيرة ] (1يوحنا 2: 18)
” ولكن الروح يقول صريحاً أنه في الأزمنة الأخيرة يرتد قوم عن الإيمان تابعين أرواحاً مضلة وتعاليم شياطين ] (1تيمثاوس 4: 1)

لذلك ينبغي أن نكون مسيحيين لا بالاسم بل في واقعنا العملي المُعاش، ولا نُشبه أولئك الذين انخدعوا بشكل ورسم صورة الروحيين: [ سالكون بحسب شهواتهم وفمهم يتكلم بعظائم، يحابون بالوجوه من أجل المنفعة … هؤلاء هم المعتزلون بأنفسهم نفسانيون لا روح لهم ] ( يهوذا 1: 16 و 19 )
[ لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله ] ( رومية 8: 14 )

فالأفضل أن نصمت ونكون وفق تعاليم ربنا يسوع، على أن نتكلم ونشابه أولئك الذين بأفواههم يشهدون لعمل الله وفي باطنهم لا يعرفوه !!!

لنحذر من لهم شكل وصورة من لهم الحرية وواعدين بها: [ واعدين إياهم بالحرية وهم أنفسهم عبيد الفساد لأن ما أنغلب منه أحد فهو له مستعبد أيضاً ] (2بطرس 2: 19)
[ لأنه إذا كانوا بعدما هربوا من نجاسات العالم بمعرفة الرب والمخلص يسوع المسيح يرتبكون أيضا فيها فينغلبون فقد صارت لهم الأواخر أشر من الأوائل ] (2بطرس 2: 20)

فماذا ينفعنا يا إخوتي من الأحاديث الروحية وكلام عن الله واللاهوت بدون أن نتحرر من شهواتنا وندخل في حرية مجد أولاد الله، ونحيا بحرية المسيح الرب الذي أتى ليهبها لنا فيه، لأننا لن ننتفع من الكتب ودراستها أن لم تتحول فينا إلى حياة معاشه لندخل في شركة مع الله والقديسين في النور، نلمس يسوع فتخرج منه قوة تمس كياننا فنُشفى من أمراض أوجاع النفس الداخلية فنتذوق حلاوة النعمة ونتحد بالله الكلمة وينطق الروح في قلوبنا ويشهد أننا أولاد الله، فنتيقن أن لنا الحياة في المسيح الرب، فلا نخاف شيء ولا نهاب الموت نفسه لأنه انكسر بقيامة الرب، ونختبر قوة النُصره عليه في حياتنا اليومية، لأننا بقوة الله نقهر الظروف وننتصر على شهواتنا ونغلب عدو كل خير بقوة الله الظاهرة فينا، وهذه هي الخبرة المسيحية الحقيقية للانتصار على الموت، لأن الحياة المسيحية ليست معلومات ولا مجرد خدمة الآخرين ليعرفوا الحق، لأن الحق ليس كلام بل هو الله ظاهر في الجسد، لأن الرب يسوع قال [ أنا هو القيامة والحق والحياة ]، فأن كان الحق ليس متحداً بنا والحياة ليست فينا، فلن تنفعنا معرفتنا لأنها خاوية من حضور الله فينا ولم نتذوق بعد قوة قيامة يسوع في حياتنا الشخصية، وهذا هو ضلال العدو الذي يخدعنا بالمعرفة لكي لا نتحرر وندخل في المسيح الرب ونلبس قوته ونرتدي رداء العُرس المقدس، بالثوب الفوقاني المزين بزينة الروح القدس وثمره النفيس …

لكل شيء نهاية؛ ولكل زرع ثمرته الخاصة؛ فليفهم كل قارئ …
وكل ما تحت السماء له وقت، للكلام وقت وللصمت وقت، والخلط في الأزمنة والأوقات يجعلنا نفقد معنى الحياة، فلنا أن ننتبه ونتيقظ ونميز زماننا !!! فمن لا يميز زمانه لا يعرف نفسه، ومن لا يعرف نفسه، لا يعرف الله، ومن لا يعرف الله لا يستحق أن يعبده بالروح والحق …

وكما أن هناك نوعان من العملة، عملة الله وعملة العالم، ولكل عملّة طبعها الخاص:
* غير المؤمنين، وأيضاً من لهم شكل وصورة الإيمان، يحملون كل ما للعالم، ويتبعوا رئيسه، ويحيوا بلا ترتيب، بلا فهم، بلا إدراك، يحيون في العداوة والانقسام وتحدي الآخرين وكل خصومة، زارعين عدواة التي ثمرتها الموت…

* أما المؤمنين بالله، بمحبة عميقة، متعلمين من مصدر الحق التعليم الصحيح، فيحملون ختم الله الآب بيسوع المسيح في الروح القدس: الختم الحي الذي على قلوبهم. لذلك كما قال أحد الآباء القديسين: إذا لم نُسرع لنموت بالإيمان في آلامه فحياته لن تكون فينا: [ إن كان المسيح فيكم فالجسد ميت بسبب الخطية، وأما الروح فحية بسبب البرّ. وإن كان روح الذي أقام يسوع من الأموات سيُحيي أجسادكم المائته أيضاً بروحه الساكن فيكم … إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضاً معه ] ( أنظر رومية 8 )

لنتذكر أن الله لا يشمخ عليه (غلاطية 6: 7)، وهو فاحص الكلى والقلوب؛ وليس خفي إلا ويُعلن أو مكتوم إلا ويُستعلن، وهو الذي يعرف طريق المنافقين والمخالفين ويبيدها بنفخه فمه، والفأس وضعت على أصل الشجرة، فهو من يأتي [ ليصنع دينونة على الجميع ويعاقب جميع فجارهم على جميع أعمال فجورهم التي فجروا بها وعلى جميع الكلمات الصعبة التي تكلم بها عليه خطاة فجار ] (يهوذا 1: 15)

وحياتنا يجب أن تكون جديرة بإرادته ومجده بحسب الإيمان العامل بالمحبة وفق التعليم الصحيح !!!

+ إن كان أحد يُعلِّم تعليماً آخر ولا يوافق كلمات ربنا يسوع المسيح الصحيحة والتعليم الذي هو حسب التقوى (1تيمثاوس 6: 3)
+ تمسك بصورة الكلام الصحيح الذي سمعته مني في الإيمان والمحبة التي في المسيح يسوع (2تيمثاوس 1: 13)
+ لأنه سيكون وقت لا يحتملون فيه التعليم الصحيح بل حسب شهواتهم الخاصة يجمعون لهم معلمين مستحكة مسامعهم (2تيمثاوس 4: 3)
+ ملازماً للكلمة الصادقة التي بحسب التعليم لكي يكون قادراً أن يعظ بالتعليم الصحيح ويوبخ المناقضين (تيطس 1: 9)
+ وأما أنت فتكلم بما يليق بالتعليم الصحيح (تيطس 2: 1)

بالطبع هناك ضعفات فينا، وهناك إلى الآن بعض الشوائب التي لم تُزال، وأحياناً نُزل ونسقط، وربما نرجع لحالة مزرية جداً لأي سبب ما بعد ما نلنا نعمة وقوة من الله الحي، ولكن علينا أن ننفض عنا كل تراخي وكسل، ونقوم من حفرة الشر التي وقعنا فيها، نقوم الآن لأننا بالنعمة مُخلَّصون، لأن مهما ما كان عمق خطايانا فيسوع قادر أن يُقيم النفس : [ الذي يفدي من الحفرة حياتك الذي يكللك بالرحمة والرافة ] (مزمور 103: 4)

 

خبرة حضور الله:
لماذا لا نحظى بمعرفة الله فنصبح كلنا حكماء - لكل شيء نهاية ولكل زرع ثمرته الخاصةحينما نبحث عن الله بجدية ونقترب منه ونُناديه كأطفال صغار مُجهدين من مشقة مرار ألم الخطية ووجعها المُرّ الذي نشعره في أنفسنا، لأننا نرى – في واقعنا المُعاش – أننا زغنا وفسدنا ويعوزنا مجد الله الحي، ونصرخ طالبين التحرر والفكاك منها، لأننا نشتهي أن نتعرف على الله الحي الذي أعلن نفسه في ملء الزمان كطبيب للمرضى ومُقيم الساقطين ومُحيي الموتى، والذي تلامس معه الرسل ولمست هدب ثوبة نازفة الدم فشُفيت في الحال، وفرح به كثيرين وسمع صوته الجموع وشبعوا من يده، وفي كل هذا نجد أننا بحنين شديد ننجذب نحوه ونُريده، وربما لا نعرف الطريق، ولكننا نُذهل تماماً حينما نجده هو من يلتقينا ويقرب إلينا ويشدنا بقوة إليه !!!

وحينما نبدأ بالشعور أن هناك حنين في الداخل وشوق لله القدوس الحي ولا نعلم من أين يأتينا هذا الشعور القوي والذي يملك القلب والتفكير، فيُصبح ذات سلطان علينا، ويفوق كل إمكانيتنا المسكينة كلها، سنجد أنفسنا نبحث عن الله ونطلبه كأطفال صِغار، بل وتراب الأرض مزدرى وغير موجود، شاعرين أننا فعلاً، عن صدق وحق لا نستحق أن يسمع أو يصغي لنا إطلاقاً، ولكنه هو من يجدنا ويأتي إلينا وليس نحن من نجده، ولسان حالنا، حينما نشعر بحضوره ونبصر مجده حل معنا وبدأ يكون فينا :

+ فقلت ويل لي أني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين لأن عيني قد رأتا الملك رب الجنود (اشعياء 6: 5)
+ و قد صرنا كلنا كنجس وكثوب عدة كل أعمال برنا وقد ذبلنا كورقة وآثامنا كريح تحملنا (اشعياء 64: 6)
+ اعتزلوا اعتزلوا اخرجوا من هناك لا تمسوا نجساً أُخرجوا من وسطها تطهروا يا حاملي أنية الرب (اشعياء 52: 11)
+ استيقظي استيقظي إلبسي عزك يا صهيون إلبسي ثياب جمالك يا أورشليم المدينة المقدسة لأنه لا يعود يدخلك فيما بعد أغلف ولا نجس (اشعياء 52: 1)
+ فطار إلي واحد من السرافيم وبيده جمرة قد أخذها بملقط من على المذبح (اشعياء 6: 6)

وسنعرف في هذه الساعة هذا السرّ العظيم الذي للتقوى:
+ من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير (يوحنا 6: 54)
+ من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت في وأنا فيه (يوحنا 6: 56)
+ كما أرسلني الآب الحي وأنا حي بالآب فمن يأكلني فهو يحيا بي (يوحنا 6: 57)
+ هذا هو الخبز الذي نزل من السماء ليس كما أكل آباؤكم المن وماتوا، من يأكل هذا الخبز فأنه يحيا إلى الأبد (يوحنا 6: 58)

وسنعرف حقيقة كلام القديس يوحنا الرسول من الناحية الاختبارية في حياتنا:
+ إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويُطهرنا من كل إثم (1يوحنا 1: 9)
وحينئذٍ سيكون فرحنا كاملاً، لأننا سنكون فعلاً الخطاة الذين أحبهم يسوع، وصاروا فيه قديسين لا بأعمال في بر عملناها بل بمقتضى رحمته وغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس… فطوبانا لأننا سنكون فيه …

يا إخوتي، أن كل كلامنا عن الله ليس جزافاً وليس كلام قواميس وفهارس ومعاجم وعلوم وأفكار وفلسفات وأبحاث ضخمة، بل لابد من أن نشعره ونتحسس موضوعنا فيه فنحن في حاجة إليه، لأن الكلام عن الله من الخارج وبعيداً عنه هو إعلان عن وثن اخترعناه بتفكيرنا وعقلنا وفلسفاتنا الفانية، لأن كثيرون – في هذا الزمان – يتحدثون عن الله الفكر والمعلومة والقاموس، مع أننا لا نتكلم عن الله خارج الله، بل من داخل الله الثالوث القدوس ننطق باسمه وبروحه، فالرسول يوحنا بل وكل الرسل، لو لم يشاهدوا المسيح الرب ويلتقوه في سر المحبة والتقوى ويلمسوه من جهة كلمة الحياة بالإيمان، ولو لم يتربوا عند قدميه وينالوا منه نعمة وإعلان، ما كانوا شهدوا عنه وقالوا نخبركم به لكي يكون لكم أيضاً شركة معنا، لأن من يتكلم عن الله القاموس والفكر والمنطق، فهو يتحدث من داخل قاموس وعلم موسوعي، ولا يتكلم عن الله الحي الذي فيه يحيا برباط الصلح معه بدم الحمل رافع خطية العالم، الذي يوحدنا بشخصه ليُدخلنا داخل الله فيكون لنا شركة حيه معه بالروح في الحق…

فأشعروه معي يا إخوتي، وستجدونه قوة حياة تشدنا بقوة وتعبر بنا فوق كل ضعف الجسد وهوانه، ويصير لنا قوة شفاء وقيامة وسلام أبدي لا يزول…
وأتحدى أحد يشده الله ويتذوق قوة حضوره، ولا ينسى نفسه بكل إخفاقتها وإمكانيتها الضعيفة وينسى كل تفكير ويعبر على كل شك بسهولة ويسقط أمامه على كل ما يعيق تقدمه نحو الله، ويسقط كل سؤال مُحير وينتهي، لأنه رأى وسمع ولمس ونال قوة ودخل في سر قيامة يسوع، بل يطير قلبه بجناحي حمامة أي بروح الوداعة، إذ أن الروح القدس هو من يحملنا بجناحي نار الحب، الذي يمسنا بها، فيُلهبنا ويشعل قلوبنا ناراً فنشعر يدفئ سماوي يفوق كل طاقتنا، فننطلق نحو الله بلا عائق أو مانع، لأن كل الموانع تذوب وترفع أعاقة النفس؛ لأن الداعي هو الله، والذي يشد هو رب المجد يسوع، والذي يرفع هو الروح القدس الرب المحيي
وحقاً نطق الرسول بالصدق والحق: [ الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به لكي يكون لكم أيضا شركة معنا، وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح ] (1يحنا 1 : 3)

سلام الله لكم، انتم الذين بقوة الله محروسون بإيمان لخلاص مستعد أن يعلن في الزمان الأخير (1بطرس 1: 5)، وذلك ان كنتم تؤمنون بالحق، والإيمان تحول فيكم لثمر وأعمال تليق بالتوبة؛ طالباً لكم ولي ملئ قوة الفرح الحقيقي النابع من الإيمان والمحبة اللذان هما عطية الله لكل نفس تمسك فيه بقوة، ولا تهاب إنسان بل تخاف الله وتحترم الجميع وتصلي من أجل كل عدو وحبيب …

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى