مقالات

الحياة المسيحية ليست فكر إنما حياة مُعاشة – كيف نعيش مسيحيين حقيقيين

الحياة المسيحية ليست فكر إنما حياة مُعاشة - كيف نعيش مسيحيين حقيقيين

حينما كنت طفل، كنت أأكل كطفل واسعى للمعرفة حسب إمكانياتي كطفل، وأعيش وأحيا في طفولتي، ولكن حينما يبلغ الطفل ويُصبح رجُل يدرك ما لم يكن يعيه في طفولته، ويُدرك ما حوله بعقل متفتح وإدراك رجُل ناضج، وحينما يستمر في النمو يدخل في تراكم الخبرة مثل البناء الذي يُبنى ويرتفع طابق فوق طابق إلى أن يكمُل ويصل البناء لتمامه ثم يُزين ويُصبح قابل للسكن، وهكذا في إدراكاتنا الروحية، فأننا لا ندرك كل الإدراك فور ميلادنا الجديد الفوقاني وبداية حياتنا مع الله، لأن بداية الطريق ليس كمنتصفه أو كنهايته، لأن كل من يبدأ الطريق لا يصل لنهايته فور بدايته، بل يسير وفق هذا الطريق وحسب قانونه الخاص لكي يبلغ لمنتهاه قانونياً فينال الجائزة التي تنتظره في نهاية هذا الطريق…

والحياة الروحية ليست حياة وهمية أو فكريه يُدركها العقل وتنحبس فيه كأفكار وفلسفات وظنون ومعتقدات، بل هي حياة إيمان حي، حياة واقعية يعيشها الإنسان في شركة المحبة مع الله كشخص حي وحضور مُحيي، يدخل في سرّ الله المُعلن له بالروح ويظهر في حياته سلوك في النور فيدخل في شركة القديسين ودم يسوع يطهره من أي خطية (أنظر 1يوحنا 1: 7)، ليستمر ينتقل من الموت للحياة ويتقلص فيه الموت وينكمش وتتقوى فيه الحياة، ونور الحياة في المسيح يسوع يزداد إشراقاً في داخله إلى أن ينضح على خارجه ليصير إنجيلاً مقروء من جميع الناس، وكل من يرى أعماله يمجد الآب السماوي الذي عمل فيه بإشراق نوره في قلبه: [ لأن الله الذي قال أن يُشرق نور من ظلمة، هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح ] (2كورنثوس 4: 6)

فيا إخوتي، أحياناً كثيرة ندخل – عن دون قصد وفهم – في حالة من الظنون والفكر المشوش، لأننا نعتقد اننا عرفنا كل المعرفة وفهمنا كل الفهم فور اننا اصبحنا نعي ونفهم الكُتب، ولا ندرك أين نحن في الطريق الإلهي الحي، هل نحن في البداية أم في منتصف الطريق أم قرب النهاية، وما هي قامتنا الروحية ومواهبنا التي من الله وماذا يُريد منا الله على وجه التحديد، فبتسرع نحمل نير الخدمة ونخدم بما ليس لنا فنتعثر ونعثر الآخرين، لأننا بلا إدراك قرانا كُتب وفهمناها عقلياً وبدأنا نشرح بالمنطق والفكر الكتاب المقدس ونرد على الآخرين حسب منطقنا وفلسفتنا وقدراتنا الشخصية، وبذلك نوصل فكر ومعرفة جافة لا تصلح لحياة التطبيق العملي في حياتنا ولا حياة الآخرين، لأننا انحصرنا في الفكر وليس في الشخص، لأن هناك فرق شاسع ما بين الفكر وبين الشخص، والمسيحية تتعلق بشخص وليس بفكر، والإيمان، هو الثقة في شخص وليس مجرد تصديق فكر، وهذا الإيمان الحي في شخص الله الحي، ينقلنا من الفكر والنظرية لحياة عملية مُعاشه، غير منحصرة في النظرية أو في لفظ أو جملة أو عِبارة نتمسك بحرفيتها وشرحها للآخرين بدون أن تتحول لحياة في داخلنا…

فمثلاً حينما نتكلم عن وحدة الجوهر في الله الواحد الثالوث القدوس، فأننا نتمسك باللفظ ونظل ندور ونشرح بتدقيق، وربما نشرح بدقة وصح جداً، ولا نُخطأ في تعبير واحد، أو نتلفظ بما هو خطأ، بل كل ما نقوله هو صحيح جداً، ولكن أن لم تكن هذه الوحدة ظاهرة فينا فأننا سنكون مثل من مسك آلة موسيقية وظل يعزف عليها نشاذ لا علاقة له بالأصول الموسيقية، فلم يُعطي النغم الذي يشعر به لأن له صدى في وجدانه الخاص ليخرج منه ويمس الآخرين ليحسوا ويشعروا بما يعزفه…
فوحدة الثالوث القدوس لا تنحصر في الألفاظ المنطوقة والمكتوبة في كل أصول اللغات التي في العالم كله مهما ما كانت قوتها، ومهما ما وضعنا من أمثلة فأنها تظل قاصرة على أن تشرح هذه الوحدة شرحاً دقيقاً وافياً، ولكن ما يوضحها أمام العالم كله هو إعلانها فينا نحن المؤمنين، لأننا نبلغها وندخل في سرها بالخبرة والإعلان بالروح القدس، فنعي كلام الرب يسوع عن وحدته مع الآب بعمق أوسع من اللفظة نفسها وإدراكها عقلياً بالفكر وبتحليل الكلمات، بل ندركها في سرّ، في تقوى، في إعلان الروح القدس وإلهامه، ومع ذلك سنظل نستقي من هذه الوحدة لتكون إلهاماً عملياً في حياتنا اليومية، ننمو نحوها بسرّ ما، وبطريقة ما، وذلك حسب عمل الروح القدس الرب المُحيي الذي يسكن فينا بشخصه، بأقنومه، لأن الرب نفسه في صلاته وضح لنا كيف تظهر قوة وحدته مع الآب في إعلانها فينا نحن المؤمنين باسمه:
[ ولست أنا بعد في العالم وأما هؤلاء فهم في العالم وأنا آتي إليك، أيها الآب القدوس أحفظهم في اسمك الذين أعطيتني ليكونوا واحداً كما نحن ] (يوحنا 17: 11)
[ وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني ليكونوا واحداً كما أننا نحن واحد ] (يوحنا 17: 22)

وهكذا يا إخوتي فأن كل ما نتكلم به عن الله ونحاول أن نقدمه للآخرين، ينبغي أن يظهر فينا كحياة نحياها وليست مجرد منطوق كلمات وألفاظ منمقة، نتشدق بها بكوننا نعرف أصول الكلمات اللغوية في الكتاب المقدس، لأن الكتاب المقدس ليس كتاب علم ولا فكر أو فلسفة، إنما كل ما فيه روح وحياة، هو الكلمة الخارجة من فم الله بإلهام الروح الذي يعلن وجه النور لنستنير فندخل في السيرة الروحانية المجيدة لنُحقق المسيح فينا، لكي يظهر فينا عمل الله فيمجده الجميع.

فينبغي علينا اليوم أن نسعى بكل جدية لكي نكون أشجار برّ، غُرس الرب للتمجيد، لأنه مكتوب: [ لأجعل لنائحي صهيون لأُعطيهم جمالاً عوضاً عن الرماد ودهن فرح عوضاً عن النوح ورداء تسبيح عوضاً عن الروح اليائسة، فيدعون أشجار البرّ غُرس الرب للتمجيد ] (أشعياء 61: 3)، فينبغي أن يظهر فينا جمال يسوع أمام الجميع ويختفي منا كل فساد وموت يتبع ما هو للإنسان القديم الذي لا يستطيع ان يحيا لله، بل كل ملامحه كريهة يظهر منها رائحة الموت الذي عشناه سابقاً في ملذات شهوات غرور الحياة الباطل والتورط في الإثم وكل ما هو عكس الحياة الحقيقية والجديدة في المسيح يسوع:

  • فَاضَ قَلْبِي بِكَلاَمٍ صَالِحٍ. مُتَكَلِّمٌ أَنَا بِإِنْشَائِي لِلْمَلِكِ. لِسَانِي قَلَمُ كَاتِبٍ مَاهِرٍ.
    أَنْتَ أَبْرَعُ جَمَالاً مِنْ بَنِي الْبَشَرِ. انْسَكَبَتِ النِّعْمَةُ عَلَى شَفَتَيْكَ لِذَلِكَ بَارَكَكَ اللهُ إِلَى الأَبَدِ.
    تَقَلَّدْ سَيْفَكَ عَلَى فَخْذِكَ أَيُّهَا الْجَبَّارُ جَلاَلَكَ وَبَهَاءَكَ.
    وَبِجَلاَلِكَ اقْتَحِمِ. ارْكَبْ. مِنْ أَجْلِ الْحَقِّ وَالدَّعَةِ وَالْبِرِّ فَتُرِيَكَ يَمِينُكَ مَخَاوِفَ.
    نَبْلُكَ الْمَسْنُونَةُ فِي قَلْبِ أَعْدَاءِ الْمَلِكِ. شُعُوبٌ تَحْتَكَ يَسْقُطُونَ.
    كُرْسِيُّكَ يَا اللهُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ. قَضِيبُ اسْتِقَامَةٍ قَضِيبُ مُلْكِكَ.
    أَحْبَبْتَ الْبِرَّ وَأَبْغَضْتَ الإِثْمَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَسَحَكَ اللهُ إِلَهُكَ بِدُهْنِ الاِبْتِهَاجِ أَكْثَرَ مِنْ رُفَقَائِكَ.
    كُلُّ ثِيَابِكَ مُرٌّ وَعُودٌ وَسَلِيخَةٌ. مِنْ قُصُورِ الْعَاجِ سَرَّتْكَ الأَوْتَارُ.
    بَنَاتُ مُلُوكٍ بَيْنَ حَظِيَّاتِكَ. جُعِلَتِ الْمَلِكَةُ عَنْ يَمِينِكَ بِذَهَبِ أُوفِيرٍ.
    اِسْمَعِي يَا بِنْتُ وَانْظُرِي وَأَمِيلِي أُذْنَكِ وَانْسَيْ شَعْبَكِ وَبَيْتَ أَبِيكِ.
    فَيَشْتَهِيَ الْمَلِكُ حُسْنَكِ لأَنَّهُ هُوَ سَيِّدُكِ فَاسْجُدِي لَهُ.
    وَبِنْتُ صُورٍ أَغْنَى الشُّعُوبِ تَتَرَضَّى وَجْهَكِ بِهَدِيَّةٍ.
    كُلُّهَا مَجْدٌ ابْنَةُ الْمَلِكِ فِي خِدْرِهَا. مَنْسُوجَةٌ بِذَهَبٍ مَلاَبِسُهَا.
    بِمَلاَبِسَ مُطَرَّزَةٍ تُحْضَرُ إِلَى الْمَلِكِ. فِي أَثَرِهَا عَذَارَى صَاحِبَاتُهَا. مُقَدَّمَاتٍ إِلَيْكَ.
    يُحْضَرْنَ بِفَرَحٍ وَابْتِهَاجٍ. يَدْخُلْنَ إِلَى قَصْرِ الْمَلِكِ.
    عِوَضاً عَنْ آبَائِكَ يَكُونُ بَنُوكَ تُقِيمُهُمْ رُؤَسَاءَ فِي كُلِّ الأَرْضِ.
    أَذْكُرُ اسْمَكَ فِي كُلِّ دَوْرٍ فَدَوْرٍ. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ تَحْمَدُكَ الشُّعُوبُ إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ
    مزمور 45

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى