اللاهوت الطقسي

الفصل الثالث



الفصل الثالث

الفصل الثالث

الهيكل
الثانى

أ
هيكل زربابل:

استمر السبي البابلي سبعين سنه وفي السنة الأولي لكورش
ملك فارس.. نبّه الرب، روح كورش ملك فارس فأطلق نداء في كل مملكته وكذا بالكتابة
قائلاً هكذا قال كورش ملك فارس إن الرب إله السماء قد أعطاني جميع ممالك الأرض وهو
أوصاني أن أبني له بيتاً في أورشليم التي في يهوذا من منكم من جميع شعبه الرب إلهه
معه وليصعد” (أخبار الأيام الثاني 36: 23).

وأقبل الراجعون من السبي بقيادة زربابل الذي
عينه ملك فارس والياً علي أورشليم (عزرا 2: 2، نحميا 7: 6و 7 و12: 1).ويشوع
رئيس الكهنة بكل حماسة علي إعادة بناء الهيكل في أورشليم فاجتمعوا في مستهل الشهر
السابع كرجل واحد في أورشليم، وكان أول شئ فعلوه هو أنهم
بنوا مذبح إله إسرائيل
ليصعدوا عليه محرقات كما هو مكتوب في شريعة موسى رجل الله وأقاموا المذبح في
مكانه” (عزرا 3: 2و 3).

وأعد الراجعون من السبي كل ما يلزم لاعادة بناء
الهيكل، وفي السنة الثانية لرجوعهم إلي أورشليم، وضع زربابل أساسات الهيكل باحتفال
عظيم وشرعوا في ذلك العمل الضخم (عزرا 3: 8- 13،زكريا 4: 9).

وقد آثار هذا العمل أهل السامرة، فجاءوا إلي
زربابل عارضين عليه الاشتراك معهم في العمل، ولكن
زربابل ويشوع وبقية
رؤوس آباء إسرائيل” رفضوا هذا العرض وقالوا لهم:
ليس لكم ولنا أن نبني
بيتاً لإلهنا، ولكننا نحن وحدنا نبني للرب إله إسرائيل كما أمرنا الملك كورش ملك
فارس. وكان شعب الأرض (السامريون وحلفاؤهم) يرخون أيدي شعب يهوذا ويذعرونهم عن
البناء. واستأجروا ضدهم مشيرين ليبطلوا مشورتهم كل أيام كورش ملك فارس وحتى ملك
داريوس ملك فارس”(عزرا 4: 1-5).وكتبوا شكوى ضد اليهود واستعدوا عليهم
الولاة الذين رفعوا شكوى ضد اليهود إلي احشويرش ثم إلي ارتحشستا ملك فارس، فأمر
بإيقاف اليهود عن العمل (عزرا 4: 6- 24) وهكذا توقف العمل من أواخر أيام
الملك كورش (حوالي 530 ق. م) إلي السنة الثانية لداريوس العظيم (حوالي 520 ق. م).

وفي السنة الثانية لدرايوس الملك، بدأ النبيان
حجي وزكريا في خدمتهما للشعب الذي كان قد أهمل بناء بيت الله، واهتموا ببناء بيوت
فاخرة لأنفسهم (حجي 1: 1-6)، ولكن النبيين حرضا الشعب وشجعاه لاستكمال
العمل في بناء بيت الله، فنهض الشعب مرة أخري بقيادة زربابل ويشوع وشرعوا في
استكمال البناء، وسرعان ما بدأت المقاومات من جديد من ولاة عبر النهر تتناي
وشتربوزناي ورفقائهما، وكتبوا شكوى مشابهة للشكوى السابقة، ورفعوها إلي داريوس
الملك. ولكن داريوس أمر بفحص الأمر فوجدوا في خزائن الملك المرسوم الذي أصدره كورش
الملك من جهة بيت الله في أورشليم، فأصدر داريوس الملك أوامره لهؤلاء الولاة أن
يتركوا اليهود يبنون بيت الله وأن يقدموا لهم المساعدات والمواد اللازمة لإكمال
العمل (عزرا 6: 1- 12).

وأخيراً كمل بناء الهيكل في اليوم الثالث من شهر
آذار في السنة السادسة من ملك داريوس الملك (عزرا 6: 5) أي في 516 ق. م.وتم
وعد الرب لزربابل علي فم زكريا النبي:
إن
يدي زربابل قد أسستا هذا البيت فيداه تتمانه” (زكريا 4: 9).

كان البناء الجديد أضخم من الأول، ولكنه كان أقل
رونقاً وفخامة، واستعمل في تشييده الأحجار وخشب الأرز (عزرا 3: 7 و6: 3)،
ورُصع بالجواهر التي تبرع بها السكان، وقد استعاد آنيته الذهبية التي كان
البابليون قد نهبوها منه.ولكن تابوت العهد كان قد اختفي.فظل مكانه في قدس الأقداس
خالياً.ويشير يوسيفوس المؤرخ اليهودي إلي أنه في كل عام في يوم الكفارة، كان رئيس
الكهنة يضع مجمرته علي لوح من الحجر ليحدد الوضع السابق للتابوت. لكي يصنع الكفارة
مكانه.

وحدث شئ جدير بالاهتمام أن كثيرون من الكهنة
واللاويين ورؤوس الآباء الشيوخ الذين رأوا البيت الأول بكو بصوت عظيم عند تأسيس
هذا البيت أمام أعينهم. وكثيرون كانوا يرفعون أصواتهم بالهتاف بفرح” (عزرا
3: 12)
.فالكهنة واللاويين ورؤوس الآباء الذين راؤا البيت الأول في مجده بكوا
حزناً، فالتابوت ليس بموجود فكيف يفرحون وما يمثل حضور الله فيما بينهم لا وجود له،
وما أقل الفضة والذهب في هذا البيت إذا قورنت بما كان في البيت الأول. كما أن
تدشين هذا البيت لم يرتبط بنزول نار مقدسة كما كان في كل من خيمة الاجتماع (لاويين
9: 24)
أو هيكل سليمان (أخبار الأيام الثاني 7: 1).أما الآخرون وإن
كانوا الأكثرية ففرحوا، فمجرد تأسيس بيت للرب مرة أخري في أورشليم كان هذا في حد
ذاته أمراً يدعو للفرح والسرور. وأمام هذا الشعور المتباين بين الشعب كانت كلمة
الرب عن يد حجي النبى قائلة:
من
الباقي فيكم الذي رأي هذا البيت في مجده الأول.وكيف تنظرونه الآن أما هو في أعينكم
كلا شئ” (حجي 2: 3).

فإن كان هذا البيت بلا مجد معلن وظاهر، إلا أن
الرب يشير إلي المستقبل عندما يمتلئ البيت بالمجد الحقيقي. ومن كانت سحابة المجد
تشير إليه، وهو شخص الرب تبارك اسمه
عندئذ ستتلاشي كل
أسباب حزن وبكاء الشيوخ فإن كان التابوت ليس موجوداً، إلا أن مجد الرب ذاته سيملأ
الهيكل
وإذا بمجد
إله إسرائيل جاء عن طريق الشرق وصوت كصوت مياه كثيرة والأرض أضاءت من مجده.. فجاء
مجد الرب إلي البيت.. وإذا بمجد الرب ملأ البيت” (حزقيال 43: 2- 5).وبذلك
سيتم القول
مجد هذا
البيت الأخير (حيث يستعلن هو بذاته له كل المجد) يكون أعظم من مجد الأول (حيث لم
يكن هناك سوي الرمز
التابوت) قال رب الجنود وفي المكان أعطي السلام يقول رب
الجنود” (حجي 2: 9).

إن قارنا بين مجد الهيكل الأول الذي بناه سليمان
والآخر الذي بناه زربابل نجد أن الأول أعظم من جهة ما حواه من حجارة كريمة وذهب
وفخامة في المبني. وقد جاء في التلمود البابلي أن هيكل زربابل نقصه
خمسة أمور عن هيكل سليمان هي: مجد الشكينة، والنار المقدسة، وتابوت العهد،
والأوريم والتميم، وروح النبوة .لكن هذا يرفعنا لا إلي هيكل زربابل
بل الهيكل الذي أشار إليه بكونه جسده (يوحنا 2: 21). فما أمجد الهيكل
الجديد الذي فيه تمت المصالحة بين الآب والبشرية خلال بذل الدم (كولوسى 1: 20)،
لذا يقول:
وفي هذا
المكان أعطي السلام يقول رب الجنود”
وإن كان الرب يعزيهم عن قلة وجود الذهب
والفضة بالقول
لى الفضة
ولي الذهب يقول رب الجنود” (حجي 2: 8).إن كانت مقاييس المجد هي كثرة
الذهب والفضة والحجارة الكريمة التي ملأت الهيكل القديم، ففي البيت الجديد يقول
الرب:
لا تقتنوا
ذهباً ولا فضة ولا نحاساً في مناطقكم”
(متي 10: 9)، إذ يكون
هو نفسه فضتنا وذهبنا، هو زينة البيت ومجده.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى