علم الكتاب المقدس

سر الكنيسة



سر الكنيسة

سر
الكنيسة

(الرسائل)

الموجز

سر
الكنيسة أن المسيح أحبها وبذل نفسه من أجلها (أفسس 25: 5، 32). فهذا الحب يؤسس
وحدتها وإيمانها ورجاءها. ولكن حياتها في هذا العالم تبقى موسومة بطابع الاتضاع.

مقالات ذات صلة

 

1-
بشارة الخلاص المجاني بالنعمة (أفسس 1: 2- 10)

بشارة
بولس: يسوع المسيح وإياه مصلوباً (1كور 17: 1 إلى 16: 2). خبرة الرسول الشخصية
(غلا 13: 1- 16، في 4: 3- 11). حجج كتابية (رو 16: 1 إلى 39: 8، غلا 15: 2 إلى 7: 4).
المسيحي كإنسان (مائت) و(منبعث) في المسيح (كو 1: 3- 4 وأفسس 6: 2 وغلا 20: 2 ورو
3: 6- 11 و1: 8- 17).

 

2-
إسرائيل الموعد وإسرائيل الجسد

صلب
المسيح كأساس (شمول) المسيحية لجميع البشر:

 

آ-
إسرائيل الحقيقي هو إسرائيل الموعد: بالإيمان نحن أولاد ابراهيم (رو 4 وغلا 3). سر
مصالحة العالم اليهودي مع العالم الوثني (أفسس 2 و3).

 

ب-
مصير إسرائيل: سر اختياره ثم رذله، أما رذله فيخدم قصد الله الخلاصي (رو 9- 11).
مفتاح السر: رو32: 11.

 

3-
الكنيسة جسد المسيح

صفات
حياة الكنيسة: إنها خاضعة لرئيسها كلياً، إنها جماعة حية تكمل حياة سيدها وتجسده
في العالم الحاضر:

 

آ-
مثل البناء: يسوع المسيح حجر الزاوية. (الأساس) هم الرسل والأنبياء، والمؤمنون
(حجارة حية). الهيكل الجديد هيكل من لحم (أفسس 20: 2– 22 و1بطرس 4: 2- 10 و1كور 9:
3– 15 وعبر 2: 3– 6، أنظر أيضاً يو 18: 2– 22 و1كور 16: 3– 17).

 

ب-
مثل الجسد. الكنيسة هي على الأرض الجسد المنظور للرب الذي يديرها من السماوات.
رباط لا ينحل بين الجسد والرأس وكذلك بين الأعضاء (أفسس 20: 1- 22 و4: 4- 16 و22: 5-
33 و1كور4: 12- 31 ورو3: 12- 8).

 

(الاشتراك
في الآلام) (في 10: 3، أنظر 29: 1 و2كور 7: 4- 12 و4: 6- 10 و18: 11 إلى10: 12 وكو
24: 1 وعبر4: 12- 11 ورو 3: 5 و1بطرس 3: 1- 9 و12: 4- 13 ويعقوب 2: 1- 4).

 

ج-
المبادئ الأخلاقية في الكنيسة مبنية على الامتثال لربها الذي مات وقام من أجلها: فعليها
أن تصبح في واقع وجودها ما هي بالإيمان (في 1: 2- 16 ورو1: 12- 16 و1كور12- 14 وكو
3 وأفسس 20: 1 و1يو 7: 2- 11 و11: 3- 24 و7: 4- 21، أنظر متى 5). ولكنها الآن
مخلصة (بالرجاء) فقط، ويبقى سيرها سيراً بالإيمان (رو 18: 8- 39 وأفسس 10: 6- 20).

 

4-
الكنيسة والمجتمعات البشرية

الكنيسة
تؤكد سيادة يسوع المسيح على العالم: وليست السلطات البشرية إلا منتدبة من قبله
(رو1: 13 وأفسس 20: 1- 23 وكو 15: 1- 20).

 

آ-
اليرارخية العائلية صورة وانعكاس لليرارخية الإلهية (أفسس 15: 3 و21: 5- 33
و1كور11 و3، أنظر تكوين 27: 1). وعلى المؤمن أن يأمر ويطيع (في الرب) (أفسس 1: 6-
9 وكو 18: 3- 25 و1بط 13: 2- 12: 3). حدود هذه الطاعة (متى35: 10- 37).

 

ب-
السلطة المدنية قد أنشأها الله. أساسها (رو1: 13- 7 و1تي 1: 2- 4 و1بطر 13: 2- 17
ويو11: 19) وحدودها (مر13: 12- 17 و9: 13 وأعمال 19: 4 و29: 5 ورؤ13 و9: 14- 12 و4:
20).

 

ج-
التزام الكنيسة وحريتها في أمور هذا الدهر (1كور 12: 6، أنظر مر31: 13).

 

سر
الكنيسة يكمن في أن المسيح أحبها وبذل ذاته من أجلها (أفسس 22: 5- 33). وقد تألم
على الصليب ليدعوها إلى الحياة وإلى الحرية. وهذه الحياة مثل هذه الحرية هبة
مجانية من هبات محبته.

 

من
سر النعمة الأول هذا يتفرع سر آخر وهو أن دم المسيح يمهر وحدة العالم اليهودي
والعالم الوثني بحيث يصبح الوثنيون واليهود أعضاء الجسد الواحد (أفسس 6: 3)،
ويؤلفون سوية إسرائيل الجديد، إسرائيل حسب الإيمان، المولود لا من مشيئة اللحم
ولكن من الروح القدس.

 

ثم
الكنيسة جسد المسيح تُظهر للعالم حياة ربها بصورة منظورة وتُعلن عن خلاصه وتشهد
لربوبيته على كل العالم المخلوق.

 

1-
بشارة الخلاص المجاني بالنعمة

يؤكد
الإعلان الكتابي كله بأن الخلاص يحصل بفعل النعمة المجاني. وقد رأينا ذلك خلال
دراستنا للعهدين القديم والجديد. لكن هذا الإعلان يضادّ شعور القلب البشري ولذلك
وجب إن نكرر إبرازه ولا نملّ لأن الإنسان يحاول دائماً وتكراراً أن يخلّص نفسه
بنفسه، وليس من شيء أشد إذلالاً لكبريائه من أن يكون مديناً لنعمة الله وحدها
وعائشاً بالغفران الإلهي وحده. كانت اليهودية بعد السبي قد أنشأت لذاتها ديانة
(شرعية) تقول بالخلاص على أساس الأعمال. إلا أن يسوع فضحها، والرسل الأولون كانوا
يعرفون بأن الخلاص هو من الرب المصلوب والقائم من الأموات لأجلهم، وكانوا يبشّرون
بغفران الخطايا، ولكنهم لم يجسروا على تحطيم قيود التعصب اليهودي للناموس.

 

آ-
فآلت هذه المهمة إلى الفريسي شاول الذي كان قد تمرّن على جميع حذاقات جدل ربابنة
اليهود فكان من نصيبه مطاردة أتباع التعصب الناموسي إلى معاقلهم الأخيرة والتبسط
في عقيدة التبرير بالإيمان في كل منطقها وقوتها.

 

وكانت
نقطة انطلاق بشارة بولس خبرته الشخصية (أع 9). ولكن الإعلان الإلهي الذي أُعطي له
(غلا 15: 1- 16) أثبته وأيّده إجماعُ الشهادة الرسولية من ناحية (1كور1: 15- 11)
وجميع أسفار الكتاب من ناحية أخرى (رو 1: 1- 6). وهذا الأمر يشدّد الرسول عليه
جداً. فشهادته ليست من نفسه. وإنجيله له طابع سلطان لا يقبل الجدل لأنه تماماً ليس
منه بل أُعلن له، وبالتالي إذا أنكر جزءاً منه أنكره بكليته (غلا 6: 1- 12). فما
هو هذا الإنجيل؟ إنه البشارة بيسوع المسيح مصلوباً، الذي لا يقدر الرسول أن
(يصوِّر) إلاّه ويبشّر إلاّ به (غلا 1: 3 و1كور 17: 1- 31): (لم أعزم أن أعرف
شيئاً بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوباً) (1كور 2: 2).

 

ولكن
ما الذي يفسر إعطاء الصليب هذا المكان الرئيسي الفريد؟ لا شك أن الرسول كان يعرف
أكثر من أي إنسان آخر أن البشارة بالصليب (شك لليهود وجهالة لليونانيين). وقد كان
هذا الصليب كذلك بالنسبة إليه هو. وقد لزم أن يسحقه الله ويجرّده من كل سلاح على
طريق دمشق لكي يشدّه إلى عربة مجد ابنه. غير أنه بعد أن عرف بولس الصليب استحال
عليه أن يبشّر إلا بالمسيح مصلوباً لأنه وجد الخلاص بالضبط في قبوله عثرة الصليب.
نعم ما كان الله الآب ليقدم ابنه من أجل خلاص العالم لو لم نكن بدونه ضالين
بالحقيقية ولو لم نكن فيه وحده بالحقيقية مخلّصين. فرؤية المصلوب تبطل كل برٍ بشري:
هوذا ما فعلت لإلهك وما فعل هو لك. ولقد عرف الرسول هذا الإبطال لكل برٍ بشري لأنه
وهو الغيور على الناموس، العبراني ابن العبراني، أدرك أنه ضال يوم خاطبه رب المجد
في الطريق قائلاً: (أنا هو يسوع الذي أنت تضطهده) (أع 5: 9 و1كور9: 15). ومنذ ذلك
الوقت أصبح الناموس بالنسبة إلى شاول أداة هلاك بعد أن كان قد وضع فيه كل رجائه
بالخلاص. وهذا ما يدعوه إلى القول: (إني من أجل المسيح فقدت كل شيء)، وهذه العبارة
(كل شيء) تعني يقينه السابق وضماناته الجسدية كفرّيسي ذي نفوذ، كما تعني أيضاً
يقينه الروحي السابق وكل مبرّة ذاتية. وها هو الآن عارٍ ومجرد لا يتشح منذ الآن
فصاعداً إلا ببرّ المسيح وحده.

 

ولكن
ما معنى كل هذا؟ وما معنى (برّ المسيح) هذا الذي ينقذ الرسول من خصم ذاته؟ وماذا
يقصد أيضاً بتصريحه بأن غايته الوحيدة منذ الآن هي (معرفة المسيح وقوة قيامته)؟
(فيلبي 10: 3)، أو حين يعادل نفسه بالمسيح يسوع إلى حد القول: (مع المسيح صلبتُ
فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ) (غلا 19: 2- 20).

 

يجب
علينا محاولة التدقيق عن كثب في العبارات الواردة آنفاً والتي تحوي كل سر الخلاص.
لأن بولس يعتبر ذاته كما يعتبر كل المسيحيين أمواتاً منبعثين من الموت. فلماذا هم
أموات وبأي معنى هم منبعثون؟

 

إن
الله هو الإله الحي واهب الحياة ومعطيها. والعالم بمقدار ما هو منفصل عن الله
وثائر عليه هو عالم مقضي عليه، والموت الطبيعي الذي يرقبنا جميعاً هو علامة
النهاية التي تنتظر العالم بكليته (رو 12: 5). إذاً فمن ناحية الحياة الأبدية،
حياة الله، نحن أموات طالما الروح القدس لم ينفخ فينا الحياة. هكذا كان الابن
الشاطر (ميتاً) (لو32: 15) وقد عاد إلى الحياة بعودته إلى منزل أبيه. هذا المثل
ليس قصة فتى طائش فقط بل قصة البشرية بكاملها وهذا بالذات ما يريد الرسول بولس
التعبير عنه بلغة تجريدية عندما يقول أن الكل وثنيين كانوا أم يهود هم تحت القضاء
الإلهي (رو 18: 1- 20: 3). من الواضح أن الناموس مهما بلغ به الكمال عاجز أن يحوّل
الأموات إلى أحياء وكل ما في مقدوره أن يقول للأموات أنهم أموات ويكشف عن عجزهم عن
العمل به. وهذا ما دعا الرسول إلى اعتبار الناموس يزيد في القضاء على الإنسان بدل
أن ينجّيه، لأن الإنسان قبل الناموس كان يرتكب الخطيئة عن جهل لكنه الآن صار يعرف
أن الشر شر ومع ذلك فإياه يعمل وبالتالي تكون دينونته أشد مما كانت (رو 13: 5 و7: 7-
23).

 

إذاً
كان وضع الإنسان تحت الناموس يدعو إلى اليأس ولذا عمد الله في رحمته إلى إبدال
الناموس الذي يديننا بشخص يُعطينا ما يأمر.

 

ولنعد
إلى مَثَل الابن الشاطر الذي رأيناه آنفاً والذي يمثّل البشرية. إن الله أبا
البشرية لم يكتفِ بدعوة ابنه إلى البيت بعد أن أرسل له لائحة بخطاياه ولكنه أوفد
ابنه البكر المحبوب لكي يخلّص أخاه الصغير ويسدّد ديونه ويتحمل عقوبته عنه. وهنا
معجزة المحبة العظيمة أعني معجزة مجي يسوع المسيح إلى العالم: (فإنه بالجهد يموت
أحد من أجل بارّ وقد يجسر أحد أيضاً أن يموت لأجل الصالح. ولكن الله بيّن محبته
لنا بأننا ونحن بعد خطأة مات المسيح لأجلنا (رو 7: 5- 8).

 

يسوع
المسيح إذاً (مات من أجل خطايانا). يعني أنه ارتضى على منوال سري أن يجسّم إسرائيل
الأمين بكليته ويحمل على عاتقه خطايا شعبه وخطايا سائر الشعوب. ولا يتردد بولس
الرسول في استعمال عبارة رهيبة عنه إذ يقول: (لقد صيّره الله لعنةً لأجلنا) (غلا
13: 3). غير أن المسيح قد غلب سلاطين الخطيئة والموت كلها بالضبط لأنه احتمل طوعاً
كل هجماتها. وقد جعل الله هذا الظفر ساطعاً عندما أقام المسيح من الأموات.

 

فقد
اتخذ المسيح خطيئتنا لكي يجعل من ظفره ظفراً لنا وسمَّر خطيئتنا على خشبة الصليب
بعد أن أدانها نهائياً وغفرها فمات إنساننا القديم وصُلب معه وفيه وحياتنا الآن هي
حياة الناهض من الأموات وحياة الروح القدس. (معرفة قدرة قيامته) تعني الإيمان
بظفره والعلم بأن هذا الظفر هو ظفرنا نحن وإننا به وفيه لنا قدوم إلى حياة الله
معتقين من الموت (رو 6 و8).

 

عندما
يقول الرسول بولس: (اعتبروا أنفسكم أمواتاً للخطيئة) (رو 11: 6) فإن يعرف أننا
لسنا بعد كذلك وأن الصراع سيستمر طالما نحن في قيد الحياة. لكنه يقصد بأن إنساننا
الحقيقي لم يعد هذا الإنسان المتفسّخ المتجزئ المطبوع بأثر للخطيئة لا يمحى، بل
صار يسوع الناهض من القبر ذاته، وصار الحياة التي نستمدها منه والتي ستعلَن يوماً
إعلاناً كلياً لدى مجيئه الثاني في ملء بهجتها وتغدو بكليتها لنا. معرفة يسوع
المسيح وقدرة قيامته تعني أن لا ننظر من بعد إلى الوراء، إلى إنساننا المائت، بل
إلى الأمام، إلى يسوع الناهض من الأموات الذي غلبته ضمانة لغلبتنا، وأن نوجّه
أنظارنا إليه وحده (عب2: 12) بحيث نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد بفعل
روح الرب (2كور 18: 3). (فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما هو فوق حيث المسيح
جالس عن يمين الله. اهتموا بما فوق لا بما على الأرض لأنكم قد مُتّم وحياتكم
مستترة مع المسيح في الله. ومتى أُظهر المسيح حياتنا فحينئذ تظهرون أنتم أيضاً معه
في المجد) (كو 1: 3- 4).

 

هذا
هو سر الخلاص ويمكننا أن نفهم الآن عنف الرسول في مهاجمته أولئك الذين يميلون
بآرائهم إلى إلغاء قوة صليب المسيح وتجديد إنشاء ديانة أعمال متذرعين بالأمانة
للناموس. عملهم هذا يعني (إبطال نعمة الله وجعل ذبيحة ابن الله بدون مبرر) (غلا 21:
2). بينما هذه الذبيحة هي في الوقت ذاته من العظمة والرهبة بحيث أن الله ارتضاها
لأنه بها وحدها يمكننا أن نخلص ونجوز من الموت إلى الحياة. ولا يقلُّ الرسول عنفاً
عندما يهاجم الذين ينكرون قيامة الأموات، لأن القيامة هي مظهر غلبة المسيح على
الخطيئة والموت: (إن لم يكن المسيح قد قام فإيمانكم باطل وأنتم لا تزالون في
خطاياكم) (1كور17: 15).

 

أما
الحقيقة فهي أن المسيح حقاً مات وحقاً قام، ومن يعيش في نعمته ليس له أن يخاف قوات
الأرض والجحيم (رو 32: 8- 39) بل يعرف أن قيامة السيد هي باكورة قيامة أخصائه
وقيامة العالم أجمع (1كور20: 15- 28).

 

2-
إسرائيل الموعد وإسرائيل الجسد

يقع
الخلاص بالنعمة في قاعدة طابع المسيحية الشامل وهو بمثابة الصليب المرفوع لخلاص كل
البشر. والسؤال أمامنا الآن ماذا حلَّ بالميثاق القديم وبرسالة الشعب المختار؟

 

آ-
يعتمد جدل بولس الرسول في هذا الموضوع على التمييز بين إسرائيل بحسب الجسد
وإسرائيل بحسب الموعد: (لقد آمن ابراهيم بالله فحُسبَ ذلك له براً) (رو 3: 4 وتك6:
15). فبالإيمان يصبح الإنسان ابناً لابراهيم (رو 16: 4- 25 وغلا 6: 3- 7)، ولا
يدخل الناموس إلا مؤخراً ويأتي فقط كمؤدب (غلا 24: 3- 25).

 

وفي
يسوع المسيح يتحقق الوعد الذي قُطع لابراهيم (فيك تتبارك جميع الأمم) (غلا 8: 3
وتك3: 12). إذاً فالوثنيون واليهود يستعيدون دعوتهم كأبناء الله (غلا 26: 3).

 

وكانت
علامة العهد القديم وأعني بها الختان محصورة في أمة واحدة وفي أحد الجنسين. أما
علامة العهد الجديد فهي المعمودية التي تُعطى دون تمييز بين أمة وأمة أو جنس وجنس
لكل من يتوب ويؤمن. والتغطيس في الماء يرمز إلى أنما

 

 التائب
مات بالنسبة إلى نفسه، ومعمودية الروح القدس تنفخ فيه حياة جديدة تحيي كيانه من
حيث أنه (ناهض من القبر بيسوع المسيح) (رو 3: 6- 4). ويقف اليهود والوثنيون على
قدم المساواة تجاه حكم الموت ووعد الخلاص: (كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم
المسيح ليس يهودي ولا يوناني ليس عبداً ولا حر ليس ذكر ولا أنثى لأنكم جميعاً واحد
المسح يسوع فإن كنتم للمسيح فأنتم إذاً نسل ابراهيم وورثة حسب الموعد) (غلا 27: 3-
29 و1كو13: 12).

 

قد
يصعب علينا اليوم بعد عشرين قرناً من المسيحية إن ندرك مدى أثر تأكيدات كهذه.
فلنتذكر الديانة اليهودية ما بعد السبي وكيف أن انكماشها العرقي كان يمنعها من أي
احتكاك بالعالم الوثني. هذا الوضع التاريخي لا يأخذه بولس الرسول باستخفاف ولكنه
يرى معناه في الصعيد الإلهي ولا ينسى مثلنا أن هنالك جداراً يفصل بين العالمين
اليهودي والوثني.

 

وهذا
يجعل من الضرورة أن مصالحة هذين العالمين لا تكون بثمن أقل من دم الصليب (أفسس 11:
2- 22). وفي نظر الرسول بولس يبقى اتحاد اليهود والوثنيين في جسد واحد سراً من
أعظم أسرار الإيمان (أفسس 2: 3- 9).

 

يجب
علينا أن نفهم مدى أثر هذا التصريح في هذه الأيام التي فيها ارتدت الخلافات
العرقية حدّة جديدة. فالمسيحي يعرف أن إسرائيل مدعو أن يكون الشعب الذي لا يذوب
ولا يُذاب لأنه لا يستسلم للذوبان في الوثنية المجاورة إلا إذا جحد ذاته، فهو في
كل مكان يحمل وزر اختياره من قبل الله. والحركة المناهضة للصهيونية حركة جذورها
أعمق بكثير مما يظن معظم الذين يثيرونها أو الذين يحاربونها لأن إسرائيل يعيش في
هذا العالم حياة مطاردة وعزلة من حيث أنه شعب مختار. والاتحاد بين العالم اليهودي
والعالم غير اليهودي في جسم واحد لا يمكن أن يحصل حتى ولا اليوم إلاّ في الكنيسة
أعني بعد اهتداء اليهود والوثنيين إلى المسيح الواحد ذاته.

 

وهذا
الخصام بين اليهود والوثنيين له جذور تتجاوز الطبيعة وليست الحال كذلك في الخصومات
العرقية والوطنية والاجتماعية التي تجزّئ عالم اليوم. ولكن لنسارع إلى القول أن حتى
في هذه المخاصمات الأخيرة تستحيل المصالحة إذا لم نطرحها كمشكلة لها حقيقتها
وخطورتها ويجب أن ينظر إليها بمنظار الصليب، ولنحذر الحلول السهلة. لأن مصالحة
الأخوة المتعادين لا تكون فعّالة ودائمة إذا لم تكن ثمر الاقتناع العميق والنتيجة
الضرورية لمصالحتنا مع الله ولمجانية غفرانه.

 

ب-
الكنيسة هي إسرائيل الجديد – أي إسرائيل حسب الإيمان. غير أن هنالك مشكلة مؤلمة
باقية وهي أن جزءاً من إسرائيل قد رفض مسيحه. والسؤال يطرح لماذا سمح الله بذلك؟

 

يبدو
أن هذه المشكلة قد شغلت بولس الرسول إلى حد أنه تمنى أن يتحمل اللعنة من أجل إخوته
حسب الجسد (رو 3: 9). وقد جابه هذه المشكلة في الإصحاحات 9-11 من رومية إذ تساءل: (ما
هو المكان الذي يشغله إسرائيل حسب الجسد في قصد الله الخلاصي؟).

 

الجواب
أن دوره عظيم كشعب لأن له (التبني والمجد والعهود والناموس والعبادة والمواعيد)،
ومنه وُلد المسيح الرب بحسب الجسد (رو 4: 9- 5) فالخلاص يأتي من اليهود (يو 22: 4).

 

ولكن
إذا عدنا إلى تاريخ هذا الشعب وجدنا أن أبناء إسرائيل لم يكونوا كلهم إسرائيليين
حقيقيين لأن إسرائيل الأصيل هو إسرائيل الموعد، وبالإيمان يصبح الإنسان ولداً
لابراهيم (رو 6: 9- 8 ورو 4). فإن الله يتخذ لنفسه آلات للخلاص حيث يشاء ومقاصده
لا يُسبر غورها (رو 6: 9- 29). واصطفاء إسرائيل واختياره طيلة تاريخه يبقيان من
أسرار النعمة: (إني أرحم من أرحم وأرأف بمن أرأف) (رو 15: 9 وخر19: 33). أَوَ لم
يُخبر الكتاب بأن (بقية فقط تخلص)؟ (رو 27: 9 واش22: 10). ومن هذه البقية أقام
الله (بذرة) تولّد لوحدها الآن شعباً جديداً (رو 29: 9 واش 1: 9). إلا أن جمهور
الإسرائيليين وضع ثقته في الأعمال وكان الخلاص بالنعمة بالنسبة إليه سبب عثرة (رو
30: 9- 33 ومر1: 12- 12).

 

أما
الوثنيون الذين اقتبلوا رسالة الصليب فقد دخلوا في ميثاق النعمة، وهكذا فقد فُتح
لهم سبيل الخلاص لأن قسطاً من إسرائيل قسّى قلبه، فصار من حيث لا يدري وبدون
إرادته أداة لتحقيق مقاصد الله التي لا تتبدل وآلة تتحقق بها هداية العالم.

 

وما
كانت كلمة الله الأخيرة عن إسرائيل حكم دينونة بل كلمة رحمة. وهنا لا ينسى الرسول
أن يذكّر قرّاءه بسرّ جديد من أسرار الكنيسة (رو25: 11): وهو أن رفض إسرائيل أو
جزء منه وقتيّ فقط وسيعود يوماً إلى الإيمان عندما يجيء دوره بعد أن تكون جماعات
الوثنيين قد انضمت إلى الكنيسة لأن (هبات الله ودعوته هي بلا ندامة) (رو29: 11).
وكل ما أراده الله هو أن لا يفتخر إنسان أمامه: (وقد أغلق الله على الجميع معاً في
العصيان لكي يرحمهم جميعاً) (رو32: 11).

 

إن
هذا المقطع لمهم إلى أبعد حد لأنه يلقي ضوءاً وحيداً على مقصد الله الخلاصي خلال
تاريخ بني البشر.

 

وبل
القلق الذي يعبّر عنه الرسول في بداية هذا الشرح (رو 1: 9- 4). ترتفع صيحة سجود
أمام عظمة الرحمة الإلهية الفائقة الإدراك: (يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه! ما
أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء) (رو33: 11).

 

وفي
فكر الرسول أن عودة إسرائيل إلى الإيمان تشير إلى آخر الأزمنة.

 

وقد
نفهم يوماً بعد انقشاع حجب الأسرار كلها أن إسرائيل قد تألم عن سائر الشعوب –
نيابة عنها إذا صح التعبير. ولا عجب أن يتحمل، بصورة فريدة، عبء القضاء الذي يُثقل
كاهل البشرية، إذ كان موضوع اختيار فريد. ولن يقدر أن يرفع هذا الحكم إلا واحد فقط:
البارّ الوحيد (نبت) إسرائيل، أعني يسوع المسيح. لكن الصليب يطبع بعلامته كل
إسرائيل. وقد كان إسرائيل شاهداً لله بالوعود التي قُطعت له والنعم التي انصبت
عليه، غير أنه كان كذلك أيضاً بالتأديبات التي قاصصه الله بها. وهو اليوم شاهد لله
بكونه مرذولاً ومشتتاً دون أن ينقرض ويبقى علامة لنداءات الله وأحكامه. وها أن
رفضه يتيح المصالحة بين الله والعالم الوثني كما أن اهتداءه يشير إلى آخر الأزمنة.
إن إسرائيل سوف يبقى إلى النهاية أداةً لتحقيق الغايات الإلهية، شاء أم أبى،
وسيقوم بتحقيق مصيره.

 

3-
الكنيسة جسد المسيح

الكنيسة
هي إسرائيل الجديد الذي سُلِّم له مشعل الإيمان إلى حين مجيء القيامة العامة.

وحقيقة
حياة الكنيسة تأتينا في اللغة الرسولية في شكل صور تشدّد من ناحية على كون الكنيسة
مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بربها، ومن ناحية أخرى عن طابع الشراكة التي تتّسم بها.

 

آ-
الكنيسة مشبهة ببناء حجر زاويته يسوع المسيح (أفسس 20: 2- 22 1بطرس 4: 2- 10
و1كورنثس 9: 3- 15 وعبرانيين 23- 6) و(حجارتها الحية) هي المؤمنون. وقد وضع
المهندس الإلهي قاعدة البناء كما يشهد الرسل والأنبياء بذلك (أفسس 20: 2)، وأما
يسوع المسيح فهو (حجر الزاوية الذي فيه كل البناء مركباً معاً ينمو هيكلاً مقدساً
في الرب).

 

ولا
يقوم بناء بوظيفته إلا إذا كانت أجزاؤه (متناسبة) أي إذا كان كل حجر في مكانه وإذا
كان الطين المخفي يرضى بدوره الخفي وكانت كل الأجزاء خاضعة لانسجام الكل.

 

كان
الهيكل في إسرائيل القديم كما نذكر مكان سكنى (مجد الرب) والآن فقد أحلَّ الله محل
هيكل الحجارة هياكل من اللحم. ويًعتبر يسوع المسيح ذاته الهيكل الجديد أعني مكان
التقاء الله بشعبه (يوحنا 18: 2- 22). ويدعو بولس الرسول كل مؤمن إلى اعتبار جسده
هيكلاً للروح القدس (1كورنثس 19: 6).

 

هنا
المؤمنون كلهم مجتمعين يؤلفون (الهيكل) أو (بيت الله) (أفسس وعبرانيين).

 

هذه
الكلمة (بيت) تعني بلغتنا البناء، كما تعني أيضاً العائلة التي تسكنه، وأخيراً قد
تعني السلالة. والكنيسة هي (بيت الله) بهذا المعنى المثلث، فهي البناء الذي شيّده
الله ليسكنه ويشعّ فيه مجده، وهي عائلة الله (أفسس 14: 3- 19 ورومية 14: 8- 16)،
وهي أخيراً وريثة المواعيد كلها التي وجدت في يسوع المسيح تحقيقها (رومية 17: 8).
إنها مشاركة له في ملكه: (الذي يحبنا.. جعلنا ملوكاً وكهنة لله وأبيه..) (رؤية 6: 1).
نعم الكنيسة هي (الأمة المقدسة) و(الكهنوت الملوكي) الذي أُفرز لخدمة الله كما
أُفرز إسرائيل قديماً) (1بطرس 9: 2 وخروج6: 19).

 

ب-
وهنالك صور عن الكنيسة غير صور البناء مستمدة من العالم العضوي لأنها تعطي تعبيراً
عن الطابع الحي اللازم للوشائج التي تربط يسوع المسيح بالكنيسة: أعني صورة الكرمة
والأغصان (يوحنا15)، وصورة الجسد.

 

يسوع
المسيح هو رأس الجسد ومن ملئه يفيض على الجسد بكليته (رومية5: 12 و1كورنثس27: 12
وأفسس 23: 1 و11: 4- 16 و30: 5 وكولوسي 18: 1 و19: 2). والروح القدس هو المبدأ
المحيي الذي ينفخ فينا الحياة.

 

ولكن
ما هو الجسد؟ هو أولاً وحدة عضوية كل أجزائها مرتبطة برباط حي الواحد بالآخر وفيها
كل جزء ضروري بالنسبة إلى المجموع بحيث أنك إذا قطعت عضواً أو أسقمته سبّبت
اضطراباً في عمل الجسد بكامله. غير أن الجسد شيء آخر أيضاً: فهو من خلال الحواس
وسيلة اتصالنا بالعالم الخارجي وإذا أصيبت حواسنا بضرر أُغلق علينا بالنسبة إلى
العالم الخارجي وأصبحنا صماً أو عمياً أو طرشاً أو فاقدي الحس.

 

فالقول
إن الكنيسة هي جسد المسيح يعني إذاً في الدرجة الأولى أنه لا حياة لها بدون وحدة
الإيمان بربها والخضوع له ومحبته، وأنه ليس من استقامة طبيعية لأمورها إلا إذا
كانت صحيحة حية في كل أجزائها وكانت هذه الأجزاء تعترف بتطلعها للمشاغل وارتباطها.
وإن جسداً توقف الرأس فيه عن إعطاء الأوامر هو جسد مشلول، أي مصاب بالموت جزئياً.

 

والقول
أن الكنيسة هي جسد المسيح يعني ثانياً أن يسوع يتجلى للعالم من خلال وجود الكنيسة.
ولكي يدركه العالم يجب أن تكون هنالك أفواه تبشّر بالكلمة (رومية14: 10- 17)،
وأعين ترى وآذان تسمع وأقدام تجول الأرض وأيدٍ تضمّد جراحات الناس.

 

الكنيسة
على الأرض هي الشاهد المنظور للرب غير المنظور الذي يديرها من علياء سمائه، وهي
فمه ويده. فإن صمتت مات العالم جاهلاً الخلاص الذي قُدِّم له. وإذا غضّت الطرف عن
تعطيل أحد أعضائها تأثرت قدرتها على الشهادة كلها.

 

لقد
احتمل يسوع المسيح رب الكنيسة خلال حياته الأرضية هجمات العالم. لذلك فالكنيسة
جسده ستتعرض حتماً للهجمات ذاتها – من الداخل ومن الخارج (ليس العبد أعظم من سيده
إن كانوا اضطهدوني فسيضطهدونكم وإن كانوا حفظوا كلامي فسيحفظون كلامكم) (يوحنا20: 15).
وستكون أرهب الهجمات تلك التي تنبثق من الداخل. أَوَلم يطلب الشيطان الكنيسة
ليغربلها كالحنطة؟ (لوقا31: 22).

 

وسيحاول
بدون انقطاع أن يفصل ما وحّده الله ويقسم البيت ويمزق الجسد. وسيمتحَن إيمان
الكنيسة ويطهَّر كالذهب في البوتقة (1بطرس 6: 1- 8). وهكذا طالما الكنيسة في حالة التجسد
فهي تسير بالإيمان لا بالنظر، وستبقى عُرضة للسقوط والخطأ ما بقي العالم.

 

كنا
رأينا في حينه أن هنالك سراً من أسرار الملكوت وهو مجيء المسيح في اتضاع الجسد.
وهنالك أيضاً (سر) من أسرار الكنيسة وهو طبيعتها المزدوجة: فهي أولاً من حيث أن
يسوع المسيح ربها تنعم بعربون الروح ووعود المُلك، وهي ثانياً كمتجسدة في العالم
الحاضر جماعة بشر خطأة. يا للخليط المدهش من العظمة والحقارة.

 

والمسيحي
الذي يدرك أنه عضو في جسد المسيح لن يدهش عندما يلقى في روحه وجسده بعض الهجمات
التي تعرَّض لها ربه. لا بل هو يرى نعمة في شركة الآلام هذه مع المسيح (فيلبي 10: 3)،
لأن الإسهام في آلامه ونضاله هو في الوقت ذاته علامة الاتحاد الوثيق به والشرط
الضروري لذلك الاتحاد. لقد كتب بولس الرسول لأهل فيلبي يقول: الله أعطاكم لأجل
المسيح لا فقط أن تؤمنوا به بل أن تتألموا لأجله أيضاً إذ لكم الجهاد عينه الذي
رأيتموه فيَّ والآن تسمعون فيَّ (فيلبي 29: 1).

 

وينبغي
فهم هذا جيداً: إن القضية ليست قضية حب مَرَضي لألم يسعى إليه الإنسان لمجرد كونه
ألماً. القضية هي أن يجاهد الإنسان الجهاد الأعظم الذي لم يزل يسوع يعلنه ضد قوات
هذا العالم إلى يوم (يضع أعداءه موطئاً لقدميه). ويجيد الرسول بولس في وصفه للجهاد
الذي قام به من أجل معلمه طيلة خدمته: (ولكن لنا هذا الكنز (كنز بشارة الخلاص) في
أوانٍ خزفية ليكون فضل القوة لله لا لنا مكتئبين لكن غير متضايقين متحيرين لكن غير
يائسين مضطهدين لكن غير متروكين مطروحين لكن غير هالكين حاملين في الجسد كل حين
إماتة الرب يسوع لكي تظهر حياة يسوع في جسدنا لأننا نحن الأحياء نسلم دائماً للموت
من أجل يسوع لكي تتجلى حياة يسوع أيضاً في جسدنا المائت. إذاً الموت يعمل فينا
والحياة فيكم) (2كورنثس 7: 4- 12 و4: 6- 10 و18: 11- 10: 12).

 

وقد
رأينا في تاريخ إسرائيل عامة وتاريخ البقية الأمينة خاصة أن خدام الله في العهد
القديم كانوا يحملون مسبقاً في كيانهم الأرضي شيئاً من عار الابن الوحيد. هكذا
الكنيسة إسرائيل الجديد تشارك في الواقع الجسدي لوجودها آلام ذاك الذي قدَّم نفسه
من أجلها. وبهذا المعنى يجب فهم كلمات الرسول بولس: (افرح الآن في آلامي لأجلكم
وأكمل نقائص شدائد المسيح في جسدي لأجل جسده الذي هو الكنيسة (كولوسي 24: 1).

 

ج-
رأينا آنفاً أن حياة المؤمن حياة في الإيمان، في ظل الناهض من الأموات، في انتظار
مجيئه الثاني، إن المؤمن حرّ منذ الآن بالإيمان وناهض من الموت: إن حياته الحقيقية
(مستترة مع المسيح في الله). وما يصحُّ في أعضاء الجسد يصح في الجسد بكليته. فإن
دعوة الكنيسة هي دعوة إلى العيش في الإيمان بربها. ويمكن تلخيص مواعظ الرسل
بالكلمات التالية: (كونوا كما ينبغي أن نكون في المسيح) أي تصرفوا في الواقع تصرف
نساء ورجال يعرفون أنهم اقتُلعوا من العالم الحاضر اقتلاعاً وأنهم يحيون حياة الله
(كولوسي 1: 3- 4 والقسم الأول من الفصل الحالي).

 

وكل
أخلاقيات الكتابة الرسولية هي أخلاقيات الكنيسة أي أنه لا يمكن تحويرها إلى ناموس
خلقي أكثر مما يمكن تحوير الموعظة على الجبل كما رأينا في حينه. بل إن الاتجاهات
المسلكية التي رسمها الرسل للشركة المسيحية تفترض رجالاً ونساءً (أمواتاً)
و(قائمين) من القبر بالمسيح أي أنهم مروا بخبرة الاهتداء. والموضوع بالنسبة إليهم
هو التصرف بطريقة تليق بدعوتهم. (اعتبروا أنفسكم، يقول بولس الرسول إلى أهل رومية،
أمواتاً للخطيئة وأحياء لله بيسوع المسيح) (رو 11: 6 و8). المسيحي طُعّم على شجرة
المسيح وعليه أن يحمل ثمراً (غلا 22: 5 ومت 16: 7- 20 ويو1: 15- 4)، (صرنا وإياه
زرعاً واحداً) (رو 5: 6). وحرية المسيحي هي ارتباط مطلق بالسيد الذي يأمر وبالروح
الذي يقود (غلا 5). (الذين هم للمسيح صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات. إن كنا
نعيش بالروح فلنسلك أيضاً بحسب الروح (غلا 24: 5).

 

وليسمح
لنا القارئ بملاحظة اعتراضية عن كلمة (جسد أو لحم) التي استعملها بولس الرسول
والتي كثيراً ما كانت موضوع التباس. فقد رأى فيها البعض حكماً على حياة الجسد
والحياة الجنسية بأنها فاسدة في ذاتها. فهل يطلب إلينا بولس الرسول أن نعش عيشة
الأرواح المجردة بما في ذلك من مناقضة للعقل وللطبيعة؟ الحقيقة أن كلمة جسد أو لحم
تعني هنا العالم العتيق وكل ما لم يجدده الروح وينفخ فيه الحياة (1يو 15: 2- 17).
والرسول بولس يتبع خطوات يسوع ذاته فيضع في مستوى واحد ما نسميه خطيئة (الجسد أو
اللحم) و(خطيئة الروح): فالخصومات والتحزب والشقاق هي من ثمار الجسد واللحم بقدر
ما العهر كذلك (غلا 19: 5- 21).

 

تتنافى
الحياة (في المسيح): مع كل كبرياء وكل تبرير للذات وكل انشغال بالأنا. ولكن
الكبرياء والتبرير الذاتي لكونهما خطيئة الجنس البشري الأساسية فهما يميلان إلى
الظهور تكراراً وإفساد حياة الكنيسة. وهذا ما حدا بالرسل إلى التشديد بدون تعب على
التواضع والمحبة المتبادلة اللذين يجب أن تتسم بهما حياة الكنيسة، فينصبون أمامها
وجه ذاك الذي وهو إله واضع نفسه وأخذ صورة العبد فكان مجد الله الذي أُعطي له
جواباً إلهياً لتواضعه الطوعي. فكيف يجوز إذاً للمنتمين إليه أن يستعظموا بمواهبهم
ويحاولوا أن يرتفع بعضهم فوق البعض الآخر؟ فليتضعوا إذاً طوعياً واضعين أنفسهم ليس
فقط تحت يد الله بل البعض في خدمة البعض الآخر (فيلبي 1: 2- 6 ورو1: 12- 16
و1كور13).

 

والكنيسة
مدعوة إلى أن تتميز عن العالم الوثني الذي يحيط بها بالمحبة والاتضاع الفائقين
اللذين يحييانها (مت 5 ولو 27: 6- 40 ويو34: 13- 35 و22: 17- 23 و1يو 7: 2- 11 و11:
3- 24 و7: 4- 21). فميزة الكنيسة بالنسبة إلى المجتمعات البشرية الأخرى أن يسوع
المسيح هو مبدأها وغايتها، وأن روحه القدوس يعطي شكلاً وصورة لحياتها بكاملها. وهي
وحدها قادرة على إعلام العالم بحقيقة الشراكة الصحيحة أي شركة أناس يزدهرون في
الحرية والاحترام المتبادلين، وفيها كل واحد خادم للكل والكل في خدمة كل واحد.

 

وإن
قولاً كالذي سبق قوله يعني أن الكنيسة تفشل في رسالتها كلما شطرها روح التحزب
وكلما وقع أعضاؤها في تجربة السعي وراء مجدهم هم بدل السعي وراء مجد المسيح وحده،
وإن تصدع الكنيسة الداخلي هو تمزيق لجسد المسيح وهو أيضاً حجر عثرة وفرصة سقوط
للعالم الذي يراها تعيش.

 

فلنعترف
بأن التاريخ يشهد بطريقة مؤلمة للتكرار الشديد لمثل هذه السقطات وهذا الفشل. وأن
كنيسة يسوع المسيح لا تنفك بقلة أمانتها تمتحن صبر الله. ولكن هل نتذرع بهذا لنشك
بالكنيسة أو ننسحب من أحضانها؟

 

هذا
هو السر العظيم سر الحكمة الإلهية الذي سبقت لنا ملاحظته مرات عديدة وهو أن قصده
الخلاصي ينمو دائماً ويتطور بواسطة أدوات عاجزة وخلال تعاسة الكلمات وحجاب الجسد
الكثيف وعييّ شعب غير أمين. هذه إرادة الله ومشيئته أن تتفجر قوته في الضعف. وفي
أيدينا البشرية المسكينة وضع مشعل الإيمان لكي يتضح جلياً أمام أعين الكل أن
الخلاص ليس منا بل منه هو، أن جسد الكنيسة المشطور والملطخ والجريح، الذي خلال
عشرين قرناً اشترك بهذا العدد من الجرائم، هذا الجسد هو جسده، أعني جسد ربّ المجد،
والجسد الذي من أجل حياته أسلم يسوع ذاته للصليب. فمن يعرف هذا ويتجاسر على إنكار
الكنيسة أو الانسلاخ عنها؟ إن هذه الكنيسة المريضة المجرّحة هي ذاتها الكنيسة
الظافرة الممجدة التي ستملك مع رأسها ملكاً أبدياً.

 

وهذه
الكنيسة ليست كنيسة خيالية أو مثالية ندعى إلى خدمتها، إنما هي الكنيسة المنظورة
عينها بعظمتها وتعاستها، فإليها يطلب منا أن ننضم لأن تعاستها تعاستنا كما أن
تعاستنا تعاستها. وهذه تعاسة عالم لم يخلص إلى الآن إلا في الرجاء ولكنه لا يزال
يعيش ويصارع ويتألم ويرجو، في ظل صبر الله.

 

4-
الكنيسة والمجتمعات البشرية

ما
دامت الكنيسة تعتبر العالم الحاضر (ميتاً) ومقضياً عليه، وما دامت بين البشر حاملة
مشعل إعلان خليقة الله الجديدة، فالسؤال يطرح فيما إذا كان عليها أن تؤلف على
الأرض مجتمعاً مغلقاً يضم الآذان لمشاكل ومتاعب العالم الواسع المحيط بها، وهل
تنفض الثوب عن مصير المجتمعات البشرية.

 

الجواب
كلا لأن الكنيسة تؤمن وتنادي بأن ربها هو رب السماء والأرض، وأن هذا العالم هو ملك
له بما أنه خلقه ومن ثمّ فداه. وهنا تدخل غلبة يسوع المسيح على (الرئاسات والقوات)
(أنظر القسم الثالث، المقدمة والفصل الأول) لأنه وضع (كل السلاطين تحت قدميه). نعم
لهؤلاء أن يتجاهلوا سيادته ولكن حقيقة خضوعهم له لا تتغير ويبقى عليهم أن يؤدوا له
الحساب في اليوم الأخير عما قاموا به من مهام وعن كيفية إدارتهم لأملاكه هو.

 

والقول
بأن يسوع المسيح هو الرب المطلق لكل العالم المخلوق يعني أنه لا يمكن وجود سلطان
إلى جانب سلطانه إلا إذا كان مشتقاً منه أو متمرداً عليه. لذلك يرى المسيحي أن كل
المراتب البشرية سواء كانت في العائلة أم في المدينة أم في الدولة، ومعها المراتب
الشرعية الأخرى، هذه كلها ترتكز على قاعدة السلطان المطلق الذي للمسيح ذاته. وما
سلطانها سوى تفويض بالسلطان. لذلك فالمؤمن الذي يخضع لسلطة بشرية يخضع لها (في
المسيح) كما لو كان يخضع للرب ذاته. أما إذا تجاوزت هذه السلطة البشرية حقوقها
واغتصبت حقاً ليس لها وبدل أن تكون أداة لتحقيق الأهداف الإلهية انتصبت لتقاوم هذه
الهداف وتحاربها فواجب المسيحي أن يقومها في وضح النهار.

 

آ-
إن المراتب في العائلة تنظم إرادة الله وهو انعكاس للمراتب الإلهية. قال بولس
الرسول: (من الله أبينا تسمى كل عائلة في السماء وعلى الأرض) (أفسس 15: 3، والكلمة
التي تعني عائلة في اليونانية مشتقة من كلمة أب). وفي مكان آخر يقول بولس الرسول: (رأس
المسيح هو الله ورأس كل رجل هو المسيح وأما رأس المرأة فهو الرجل) (1كو3: 11). إن
غاية السلطة هي مصلحة ذاك الذي تمارَس في سبيله، فعلى الزوج أن يكون مستعداً
لتقديم حياته في سبيل زوجته كما أن المسيح قدّم حياته في سبيل الكنيسة. وبالعكس
يكون خضوع المرأة جوابها عن محبة الزوج تماماً كخضوع الكنيسة جواباً عن محبة
المسيح. في قلب العائلة توجد مراتب ولكنها مراتب قد أشرق عليها نور الخضوع المشترك
للرب الواحد، كما أشرق عليها تبادل عطاء الذات الذي يقدمه كل قرين للقرين الآخر.
وليس بينهما من هو مُلك لنفسه بل هما جسد واحد كما أن المسيح والكنيسة جسد واحد
(أفسس 28: 5- 30 و1كور 4: 7). إن الزوجين المسيحيين يستعيدان في يسوع المسيح
الدعوة إلى الوحدةَ التي فصمها السقوط والتي كانت تجعل من الزوجين البشريين
الأولين وحدةً حية مصوغة (على صورة الله) (تك 27: 1 و23: 2- 24 ومز6: 10- 8). وكل
عائلة من هذا القبيل نواة كنيسة، أو كنيسة مصغرة، وهي مدعوة إلى أن تعكس في صميمها
شيئاً من وحدة الآب والابن ووحدة يسوع والكنيسة (يو22: 17- 23). والوالدان في
عائلة مسيحية يأمران (في المسيح) والأولاد يطيعون (في المسيح)، وهذا يعني أنهم
يفعلون ذلك بأمر من الرب ومن أجل مجده (أفسس 1: 6- 4 وكو 20: 3- 21). أما إذا وضع
على بساط البحث الاختيار بين المسيح من جهة والسلطة العائلية من جهة أخرى فالولد
مطلق من واجباته البشرية: فلنذكر في هذا المضمار تصريحات يسوع الواضحة (مت35: 10-
37).

 

كذلك
في العلاقات بين المعلم والخادم: الآمر فليأمر (في المسيح) والمطيع فليطع (في
المسيح)، لأن كليهما ينحدران ممن هو أعظم منهما، ولا شيء يبني كرامة الخادم وحريته
ويساويه بالإنسان الحرّ أكثر من الوعي بأنه في النهاية مرتبط بالله وحده (غلا 28: 3
وأفسس 5: 6- 9 وكو 22: 3- 25 و1: 4 وفيليمون 8- 21 و1بط 18: 2- 25).

 

وهكذا
نرى كل العلاقات البشرية تدور في فلك المسيح.

ب-
والموضوع يبقى هو نفسه بالنسبة إلى السلطات المدنية في المدينة أو الدولة، قضاة
كانوا أم رؤساء أم حكاماً. هؤلاء كلهم سلطانهم معطى لهم من فوق (يو11: 19 ورو1: 13).
وهم ينتمون إلى فئة (الرئاسات) التي أخضعها يسوع المسيح نهائياً على الصليب. وأنه
بفعل حكمة الله وصلاحه ونعمة المسيح لا يغرق هذا العالم في فوضى كلية وقد بقي شيء
من النظام سائداً في المجتمعات البشرية يتيح للمواطنين أن (يقضوا حياة مطمئنة
هادئة) (1تي 1: 2- 4). فعندما كان بولس الرسول يكتب رسالته إلى أهل رومية كان
يعتبر الإمبراطورية الرومانية، على وثنيتها، قوة للتنظيم يجب أن يُشكر الله من أجلها.
وفي نظره كان القضاة الرومان (خداماً لله) (رو6: 13). وما يطلب هنا من القاضي هو
القيام بوظيفته بأمانة. فواجب الكنيسة إذاً أن تصلي للذين أعطوا السلطان وتخضع لهم
في حقولهم الخاصة معتبرة سلطانهم معطى لهم من الله.

 

إلا
أن هنالك حالة قصوى تلك التي تتجاوز فيها السلطة المدينة صلاحياتها وتسيء فهم
وظيفتها الحقيقية وتنغمس في الطغيان. والمنزلق الطبيعي لكل سلطة بشرية تنكر أن
هنالك سلطة مطلقة إلهية فوقها هو في أن تصبح هدفاً لذاتها وشرعة خاصة بها هي،
وبتعبير آخر أن تؤله ذاتها، فتكون قد انقلبت في مثل هذه الحال إلى قوة من قوى
المسيح الدجال والوحش الذي يتحدث عنه سفر الرؤيا. في هذه الحال ينبغي للكنيسة أن
تقاومها حتى الدم أي حتى الاستشهاد إذا لزم الأمر (رؤ13 و9: 14- 12 و4: 20).

 

ج-
هل يذهب البعض إلى أنه خارج الحالة القصوى المذكورة التعليمُ الرسولي ضعيف ينقصه
عنصر الثورة ويميل إلى تأييد النظام القائم دائماً وفي كل مكان؟ إن قولاً مثل هذا
هو صحيح ومخطئ في الوقت ذاته. فالعهد الجديد لا يهتم إطلاقاً بفضح الأشكال
الاجتماعية التي تأخذها الخطيئة بالمعنى الذي كان يفهمه الأنبياء العظام في القرن
الثامن بل المسيح. ولكن حذار من محاولة إيجاد أسباب لذلك في نوع من الميل
الاجتماعي المحافظ. على الأصح يجب التفتيش عن ذلك في واقع الكنيسة الرسولية التي
كانت تعلم أنها على أعتاب عالم جديد. وقد كانت تأخذ مواقف جذرية وثورية تمنعها من
التشبث بأيّ إصلاح جزئي عابر. وما تعترف وتنادي به هو موت العالم وقيامته، أو خلقه
من جديد في المسيح.

 

نقول
قيامة وخلق جديد للعالم. فالقضية إذاً ليست قضية هرب فردي في عالم آخر وإنما قضية
مجيء الملكوت، النظام الجديد بالكلية، وهذا كفيل بترتيب كل شيء وكل مؤسسة وكل
إنسان بالنسبة إلى الرب الوحيد.

 

وليس
في الفكر الرسولي أبعد وأغرب من تلك النزعة الفردية الحديثة التي تجعل من الدين
أمراً خاصاً وناحية من نواحي الحياة، هذا المفهوم الذي جرّ في القرن التاسع عشر
إلى استقلال الفكر الفلسفي والاقتصاد والسياسة والفن والعالم. ومنذ ذلك الحين رسم
الإنسان لنفسه عالماً على قياسه فلما لم يعد خاضعاً لأي مبدأ سام أو مرتكزاً على
أية قاعدة مشتركة غرق في دنيا الفوضى.

 

وعلينا
الآن أن نتخذ وجهة الصعود فنذكّر العالم الضال بأن الله هو ربّ السماء والأرض. لأن
الإنجيل يؤكد أن لعملية الفداء أثراً كونياً، والأمر ليس سوى قيامة العالم.
والمسيحي ينتظر هذه القيامة ويعرف أن كل ما يبنيه هنا يبقى مطبوعاً بطابع النسبية
البشرية. غير أنه لا يستنتج من هذا الوضع أن عليه الانسلاخ عن العالم بل يجاهد في
كل دقيقة ليقيم إشارات تدل على العالم الآتي في صميم العالم الحاضر. إنه يعرف أن
يسوع المسيح سر كل معرفة وكل حقيقة وكل عدالة وكل جمال وكل محبة وأن كل ما هو خارج
عنه محكوم عليه بالموت، فكراً كان أم خلقاً أم بناء. ويحاول أيضاً أن يترجم أقواله
بأعمال تنبثق عن اقتناعه الداخلي في الحقول الواقعية والداخلية حيث يعمل فكره ويده
وفي العادات والمؤسسات. وإذا فعل ذلك فإنه يفعله عن اقتناع خال من الأوهام عالماً
أنه ليس باستطاعته خلق فردوس على الأرض بل الإعلان بالكلام والأعمال عن ذلك
التجديد الكلي الذي ينتظره من الله وحده. وستبقى القوى المضادة وقتاً تمارس
سلطانها على الأرض، لكن الكنيسة التي تمسك بعربون الملكوت تعرف أن هذه القوى مقضي
عليها ومغلوبة، فلا ترتجف أمامها بل ترفض أن تسلمها هذا العالم الذي مات المسيح من
أجله. كما تعرف أن سلطان هذه القوى يجوز وأن كلمات الحياة التي أعطيت لها هي تبقى،
ولا تنقطع عن المطالبة بهذا العالم لمصلحة سيده من حيث أنه معطى له بالوعد وإليه
يعود امتلاكه لأنه خلقه ومن ثم فداه (كو 16: 1- 20).

 

(كل
شيء لكم وكلكم للمسيح والمسيح لله) (1كور 23: 3). في هذه الجملة نجد الأخلاق
المسيحية بكاملها. ففي المسيح كل شيء لنا وقد أعطينا مجدداً كل شيء لأن كل شيء،
البشر والمؤسسات والحياة والعالم، فيه تجد وجهتها الحقيقية. وفيه يمكننا استخدام
كل شيء كما استخدمه هو بحرية الابن. وإنما نقدر نحن على ذلك لأننا بالنسبة إليه ما
هو بالنسبة إلى الآب لأن خضوعنا الكلي لله يبقى الشرط اللازم لحريتنا تجاه البشر
والأشياء.

 

يصعب
علينا إذا فتحنا الأناجيل أن لا نعجب من حرية المسيح التامة في تعامله مع عالم
الإنسان، حرية الابن الذي يعرف أن كل شيء هو ملك أبيه. فإذا كانت الكنيسة التي هي
جسد المسيح لا تمارس في قلب العالم هذه الحرية المجيدة حرية أبناء الله فكيف يؤمن
العالم برسالتها التحريرية؟ هذه الحرية يفوح عطرها من خلال الشهادات الأولى في
الكنيسة الرسولية ونستنشق عبيرها كلما وجدت الكنيسة في تمسكها بربها سر الحرية
الحقيقية. وفي كل مرة أيضاً يدهش العالم ويصيخ السمع للكنيسة من جديد لأن هذه
الحرية التي تعيشها الكنيسة ولا تكتفي بتأكيدها تطرح أمامه مشكلة يصعب عليه التهرب
منها.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى