كتب

الفصل الحادي عشر



الفصل الحادي عشر

الفصل الحادي عشر

إنجيل نيقوديموس المنحول(1)

 

 يرجع نص هذا العمل
المنحول إلى القرن الخامس الميلادي وأن كان هو مُستمَدّ من كتابات وتقاليد سابقة.
نجده في أصله اليوناني، والسرياني، والأرمني، والقبطي، والعربي واللاتيني. ويرى
تشندورف، مكتشف المخطوطة السينائية، اعتماداً على إشارات في وردت في كتبات يوستينوس
وترتليانوس، أنه يرجع إلى القرن الثاني وهو زمن يكفي لانتشار الأسطورة. وهو
يُعتبَر دفاعاً ضد اتهامات الحكم الروماني أيام ماكسيميليان دازا (311-312م).
ويزعم هذا الكتاب المنحول، أن مسيحي اسمه حنانياس، اكتشف قصة وضعها نيقوديموس
بالعبرية، تتناول محاكمة يسوع أمام بيلاطس، وترجمها إلى اليونانية عام 425م. هذه
القصة تروي محاكمة وموت يسوع ودفنه بصورة متلاحقة، كما تروي رواية لنقاش حدث في
المجلس الأعلى اليهودي موضوعه القيامة، كما تروي وصف لنزول يسوع إلى الجحيم على
لسان شاهَدين. ويتكون النص من قسمين القسم الأول من النص مصدره على ما يبدو أعمال
بيلاطس، التي ذكرها آباء الكنيسة. ثم يقدم رواية لنزول المسيح إلى الجحيم. وكان
هذا الكتاب المنحول هو الملهم الأساسي لدانتي الريجيري في كتابته الملحمة الإلهية
المكونة من ثلاثة أجزاء الفردوس والمطهر والجحيم.

 ويبدو
واضحا، كما تلخص لنا دائرة المعارف الكتابية خلاصة ما جاء في هذا الكتاب المنحول،
أن الكاتب ” كان مسيحياً يهودياً وقد كتب لهذه الفئة من الناس، المسيحيين من
أصل يهودي، ” وكان متلهفاً على إثبات ما سجله بشهادات من أفواه أعداء يسوع،
وبخاصة رجال الدولة الذين كان لهم دور في الأحداث السابقة واللاحقة لموت المسيح.
فبيلاطس بشكل خاص كان في جانب يسوع – وهو ما لابد أن يدهش له قراء الأناجيل
القانونية – كما جاء كثيرون ممن صنع معهم معجزات الشفاء، ليشهدوا في جانب يسوع –
وهذه خطوة طبيعية يذهب إليها أي كاتب متأخر متصوراً ما يمكن أن يجرى في محاكمة
رسمية. ورغم إلمام الكاتب بالعادات اليهودية، فإنه أخطأ كثيراً في معلوماته
الطبوغرافية عن فلسطين. فمثلاً يقول إن يسوع صلب في نفس البستان الذي ألقي عليه
القبض فيه (أصحاح 9)، ويذكر أن جبل مملك أو ملك في الجليل (بينما هو في جنوبي
أورشليم) ويخلط بينه وبين جبل الصعود.

 والجزء
الثاني من الإنجيل – وهو نزول المسيح إلى العالم السفلي – هو رواية لتقليد قديم لم
يذكر في الأناجيل القانونية، مبني على ما جاء في (1بط3: 19): ” ذهب فكرز
للأرواح التي في السجن “، ويروي قديسان ممن قاموا في قيامته، كيف كانا
محبوسين في الهادس (مكان الأرواح) عندما ظهر الغالب (المسيح)عند مدخله، فتكسرت
الأبواب النحاسية، وأطلق سراح المسجونين، وأخذ يسوع معه إلى الفردوس نفوس آدم
وإشعياء ويوحنا المعمدان وغيرهم من الرجال الذين ماتوا قبله000

 وأقل
من ذلك أهمية ما ظهر من إضافات ملفقة في العصور المتأخرة، وألحقت بإنجيل
نيقوديموس، مثل خطاب بيلاطس للإمبراطور طيباريوس، وتقرير بيلاطس الرسمي 000 وموت
بيلاطس – الذي حكم على يسوع – أشنع ميتة، إذ قتل نفسه بيديه. ويطلق الكاتب لخياله
العنان في حديثه عن يوسف الرامي.

 ودراسة
كل هذه الوثائق التي ذكرت آنفاً، تبرر ما يقوله مؤلفو ” موسوعة ما قبل نيقيه
” من أنها بينما تقدم لنا ” لمحات غريبة عن حالة الضمير المسيحي وأساليب
التفكير في القرون الأولى من العصر المسيحي، فإن الانطباع الدائم الذي تتركه في
أذهاننا هو الإدراك الصادق لسمو وبساطة وجلال الأسفار القانونية بدرجة لا تدانى “.

 

مقدَّمة حنانياس

 أنا، حنانياس، عبريّ
الأُمة، كاهن الشريعة لدى العبرانيين، وقد درست الناموس وتعلمت من الأسفار الإلهية
عن ربنا يسوع المسيح، واقتربت منه وحسبت مستحقا للمعمودية المقدسة، وبحثت عن
الأمور التي حدثت وقام بها اليهود لسيدنا يسوع المسيح في حكم بيلاطس البنطي، وأعدت
إلى الذاكرة قصة تلك الوقائع التي كتبت بالحروف العبرية، وبنعمة الله ترجمتها
بالحروف اليونانية، لأُعرَّف بها كل الذين ينادون باسم سيَّدنا يسوع المسيح، وفعلت
ذلك في أيام إمبراطورية فلافيوس ثيؤدوسيوس، في العام السابع عشر وفي حكم فلافيوس
فالنتينيانوس السادس.

 انتم جمعياً، الذين
تقرأون هذه الأمور وتترجمونها في كتب أخرى، تذكروني وصلوا من أجلي، لينعم الله
عليّ ويغفر لي كلّ الخطايا التي ارتكبتها.

 السلام للذين يقرأون
والذين يسمعون هذه الأمور ولخدامهم. آمين.

الجزء الأول

أعمال بيلاطس

(محاكمة الرب يسوع
وصلبه وقيامته)

 حدث ذلك في العام
الثامن عشر من إمبراطورية طيباريوس قيصر، إمبراطور الرومان، وهيرودس ملك الجليل،
في العام التاسع عشر من حكمه، في الثامن من غُرَّة أبريل، وهو اليوم الخامس
والعشرون من شهر مارس، أيام قنصلية روُفَّين ورُوْبلّيون؛ في العام الرابع من
الأولمبياد الثانية بعد المئتين، حين كان يوسف الذي هو قيافا رئيس لكهنة اليهود؛
في ذلك الوقت كتب نيقوديموس، بالأحرف العبرية، قصة كل ما حدث وقت صلب الربّ وبعد
آلامه.

1- يسوع يحاكم أمام
بيلاطس وسجود الأعلام له:

 أنا حنانيا رئيس
الكهنة والكتبة اجتمعنا، قيافا، سومني، دوثان وغيمالائيل، يهوذا، لاوي، نفتالي،
إسكندر، كورش وأمراء اليهود الآخرين، قابلوا بيلاطس، واتهموا يسوع بأعمال شريرة
كثيرة قائلين: ” أننا نعرفه ابن يوسف النجّار، ومولوداً من مريم، وهو يقول
انه ملك وابن الله؛ وأكثر من ذلك، انه ينتهك، حرمة السبت ويريد تدمير شريعة آبائنا
“.

 فقال بيلاطس: ”
ما هي الأعمال الشريرة التي يرتكبها والتي تدمر الناموس؟” فأجاب اليهود: ”
أن الشريعة تمنعنا عن الشفاء يوم السبت؛ ولكن هذا الرجل بأعماله الشريرة شفي يوم
السبت، عرجاً وصُماً، كسحاء ومشلولين، عمياناً، برصاً وممسوسين “.

 وقال لهم بيلاطس: ”
وأي شر عمل؟” فأجابه اليهود: ” انه ساحر؛ وباسم بعلزبوب، رئيس الشياطين،
يخرج الشياطين، وكلّ الأمور تخضع له “. وقال بيلاطس: ” ليس بفعل روح
نجسة، بل بفعل قدرة الله، طرد الشياطين “. وقال اليهود لبيلاطس: ” نرجو
سموّك أن تأمر بمثوله أمام محكمة، لتستمع إليه “.

 وإذ نادى بيلاطس
رسولاً، قال له: ” ليِؤت بيسوع إلى هنا وليُعامَلْ بلطف “. فمضى الرسول،
وإذ وجد يسوع، سجد له، وبسط أرضاً الرداء الذي كان يلبسه، قائلاً: ” يا
سيَّد، أُدخُلْ سائراً عليه، لأن الحاكم يطلبك “. فقال اليهود لبيلاطس بصيحات
عظمية، وقد رأوا ما فعله الرسول: ” لمَ لم تُبلغْه، بصوت بشير، الأمر بالمجئ
بدلاً من أن ترسل إليه رسولاً؟ فالرسول سجد له، وقد رآه، وبسط أرضاً أمامه الرداء
الذي كان يحمله بيده، وقال له: ” يا سيَّّد، الحاكم يستدعيك “. فقال بيلاطس
للرسول، منادياً إياه إليه: ” لمَ تصرّفت هكذا؟”

 فقال الرسول: ”
عندما أرسلتني إلى أُورشليم لدى إسكندر، رأيت يسوع جالساً على حمار، وأطفال
العبرانيين يصيحون، ممسكين سُعَفاً بأيديهم: ” سلام، يا ابن داود “.
وكان آخرون يبسطون ثيابهم على دربه، قائلين: ” سلام للذي في السماوات؛ مبارك
الآتي باسم الربّ! “. وأجاب اليهود الرسول صائحين: ” أن أطفال
العبرانيين هؤلاء كانوا يعبَّرون بالعبرية؛ فكيف فهمتَ، أنتَ اليوناني، كلمات قيلت
في لغة ليست لغتك؟” فأجاب الرسول: ” سألت احد اليهود وقلت له: ماذا
يصيحون بالعبرية؟ فشرح لي ذلك “. عندها قال بيلاطس: ” ما هو الهتاف الذي
ينطقون به بالعبرية؟ فأجاب اليهود: ” هوشعنا “. وقال بيلاطس: ” ما
هو معناه؟” فأجاب اليهود: ” معناه: يا ربّ سلام! “. وقال بيلاطس: ”
انتم أنفسكم، تؤكدون أن الأطفال كانوا يعبَّرون هكذا؛ فبماذا الرسول مذنب إذاً؟ “.
فصمت اليهود.

 وقال الحاكم للرسول: ”
أُخرُجْ، وأدخلْه بأي طريقة تشاء “. ومضى الرسول نحو يسوع، وفعل نفس ما فعله
في المرة السابقة، وقال له: ” يا سيَّد، أُدخُلْ، فالحاكم يناديك “. وإذ
دخل يسوع، انحنت الصور التي كان يحملها حملة الأعلام فوق راياتهم من تلقائها وسجدت
ليسوع. وعندما رأى اليهود أن الصور انحنت من تلقائها لتسجد ليسوع احتجوا بقوة على
حملة الأعلام. عندها قال بيلاطس لليهود: ” عجباً، انتم لا تحيّون يسوع، الذي
انحنت الصور للسلام عليه، لكنكم تصيحون في وجه حملة الرايات، كما لو أنهم بأنفسهم
أحنّوا أعلامهم وسجدوا ليسوع “. فقال اليهود: ” لقد رأيناهم يتصرّفون
على هذه الصورة “. وأنادى الحاكم حملة الأعلام، وسألهم لماذاَ فعلوا ذلك.
فأجابوا بيلاطس: ” نحن يونانيون وعبيد الهياكل؛ فكيف نسجد له؟ أن الرايات
التي نمسكها انحنت من تلقائها وسجدت له “.

 وقال بيلاطس لرؤساء
المجمع وشيوخ الشعب: ” اختاروا بأنفسكم رجالاً أقوياء وصلاباً فيمسكون
الرايات، ولنرى إنْ كانت ستنحني من تلقاء ذاتها “. واختار شيوخ اليهود اثني
عشر رجلاً أقوياءً جداً، ووضعوا الرايات في أيديهم، ووقفوا في صفوف (كل منها) من
ستة رجال أما عرش الحاكم. وقال بيلاطس للرسول: ” خذ يسوع إلى خارج مقرّ
القضاء، وأدخلْه بعد ذلك “. وخرج يسوع من المقرّ مع الرسول. وتوجّه بيلاطس
إلى الذين يمسكون الرايات، وقال لهم مُقْسماً بتحية قيصر: ” إذا انحنت
الرايات حين يدخل، فسوف اقطع رؤوسكم!” وأمر الحاكم بإدخال يسوع مرةً ثانية.
وفعل الرسول كما فعل من قبل وتوسل لًيسوع أن يدخل ماشيا على منديله، الذي بسطه على
الأرض. وفعل يسوع ذلك، وعندما دخل، انحنت الرايات وسجدت له.

2 – بيلاطس يتعاطف مع
يسوع:

 ولما رأى بيلاطس ذلك،
استولى عليه الرعب، وبدأ النهوض من فوق كرسيه. ولما كان يفكَّر بالنهوض من فوق
كرسيه، أرسلت إليه امرأة بيلاطس، المدعوة بروكولة، لتقول له: ” لا تفعل شيئاً
في حق هذا الرجل البار، لأنني تألّمت كثيراً هذه الليلة بسببه “. وقال بيلاطس
لكل اليهود، وقد سمع ذلك: ” تعلمون أن زوجتي تخاف الله وتهتم كثيرا بعادات
اليهود معكم “. فقالوا له ” نعم نحن نعرف ذلك “. فقال بيلاطس لقد
أرسلت إليّ قائلة ” لا تفعل شيئاً في حق هذا الرجل البار، لأنني تألّمت
كثيراً هذه الليلة بسببه “. فأجاب اليهود بيلاطس: ” ألَم نَقُلْ لك انه
ساحر؟ وها هو قد أرسل رؤيا إلى زوجتك “. وقال بيلاطس ليسوع، منادياً إياه: ”
ألا تسمع ما يقولونه عليك؟ ولا تجيب بشئ؟ “. فأجاب يسوع: ” لو لم تكن
لهم القدرة على الكلام، لما كانوا يتكلمون، لأن كل إنسان له القدرة على فمه ليقول
أشياء
خيَّرة أو شريرة “.

 فأجاب شيوخ اليهود
وقالوا ليسوع: ” ماذا نقول؟ أولاً، انك وُلدت من الزَّنا؛ ثانياً، وسبب مولدك
في بيت لحم قُتلَ الأطفال؛ ثالثاً، أن أباك يوسف وأُُمك مريم هربا إلى مصر، لأنهما
لم يكونا يثقان بالشعب”.

 وكان بعض اليهود
الموجودين هناك، والذين كانوا أقلّ شراً من الآخرين، يقولون: ” لا نقول أنه
وُلد من الزَّنا، لأننا نعلم أن مريم خُطبَت ليوسف، ولم يولد من الزَّنا “. فقال
بيلاطس لليهود الذين كانوا يقولون أن يسوع وُلد من الزَّنا: ” هذا الكلام
كاذب، فقد كانت هناك خطوبة كما يشهد بذلك أشخاص من بينكم “. فقال حنانيا
وقيافا لبيلاطس: ” الجمهور كلّه يصرخ انه وُلدَ من الزَّنا، وانه ساحر. هؤلاء
دخلاء (متهوَّدون) وتلاميذه “.

 فدعا بيلاطس حنانيا
وقيافا إليه وقال لهم: ” ما معنى دخلاء (متهوَّدون)؟ ” فأجابا: ”
الذين وُلدوا أغريق وأصبحوا الآن يهوداً “. وهنا قال لعارز وأستيريوس،
وانطونيوس، ويعقوب، وصموئيل، وإسحق وفينيس، وكريسبوس وأغريبا، وأَمينيوس ويهوذا: ”
لسنا دخلاء (متهوَّدين)، بل نحن أبناء اليهود، ونقول الحقيقة؛ فقد حضرنا خطوبة
مريم “.

 فدعى بيلاطس إليه
بيلاطس الرجال الأثنى عشر الذين قالوا أنه لم يوُلد من زنا، وقال لهم: ”
آمركم، بسلام قيصر، أن تُعلنوا أن كنتم تقولون الحقيقة، وإذا كان هو لم يولد من
الزَّنا “. فقالوا لبيلاطس: ” شريعتنا تحظَّر علينا القَسم، فذلك خطيئة؛
مُرْ هؤلاء بأن يُقسموا بسلام قيصر بأن ما نقوله كاذب، فنكون قد استحققنا الموت ”
فقال بيلاطس لحنانيا وقيافا: ” لماذا لا تجيبا على ذلك؟ فقالوا لبيلاطس: ”
هل تُصدَّق هؤلاء الرجال الأثنا عشر الذين قالوا انه لم يولد من الزَّنا، بدلاً
منا جمعياً الذين نقول انه ساحر، ويزعم انه ملك وابن الله؟”

 وأمر بيلاطس الشعب كله
بالخروج فيما عدا الرجال الاثني عشر الذين قالوا أن يسوع لم يولد من الزَّنا،
وأقام يسوع جانباً، وقال لهم: ” لأي سبب يريد اليهود إهلاك يسوع “.
فأجابوه: ” أنهم يحسدونه لأنه يشفي يوم السبت “. قال بيلاطس: ”
يريدون إذاً إهلاكه من اجل عمل صالح؟” فأجابوا: ” نعم، يا سيَّد “.

3 – مملكتي ليست من هذا
العالم:

 وخرج بيلاطس من مقرّ
القضاء، وهو ممتلئ بالغضب، وقال لليهود: ” استشهد الشمس على أنني لم أجد
شيئاً يستوجب العقاب في هذا الرجل “. فأجاب اليهود الحاكم: ” لو لم يكن
ساحراً، لما سلّمناه لك “. فقال لهم بيلاطس: ” خذوه أنتم وأحكموا عليه
بحسب ناموسكم “. فقال اليهود لبيلاطس: ” لا يجوز لنا أن نقتل أحد “.
فقال بيلاطس لليهود: ” هل منعكم الله وسمح لي؟ “.

 وعاد بيلاطس إلى مقرّ
القضاء ونادى يسوع وحده وقال له: ” أأنتَ ملك اليهود؟” فقال يسوع
لبيلاطس، مجيباً: ” أمنْ عندك تقول ذلك، أم آخرون قالوه لكَ عني؟” أجاب
بيلاطس يسوع: ” أَلعلي أنا يهودي؟ أن أُمتك ورؤساء الكهنة أسلموك إليّ؛ فماذا
فعلت؟”. أجاب يسوع: ” مملكتي ليست من هذا العالم؛ لو كانت مملكتي من هذا
العالم، لقاوم خدّامي، ولما أُسلمْتُ لليهود؛ لكن مملكتي ليست هنا “. قال
بيلاطس: ” أنتَ إذاً ملك؟”. فأجاب يسوع: ” أنتَ تقول ذلك، نعم، أنا
ملك. لهذا وُلْدتُ ولهذا أتيتُ لأشهد للحق، وكلّ من هو في الحق سيسمع صوتي “.
قال بيلاطس: ” ما هو الحق؟ “. فأجاب يسوع: ” الحق يأتي من السماء “.
قال بيلاطس: ” ألا يوجد حق على الأرض؟ “. فقال يسوع لبيلاطس: ”
أُنظُرْ كيف أن مَنْ يقولون الحق على الأرض يحاكمهم مَنْ لهم السلطان على الأرض “.

4 – بيلاطس يبرىء نفسه
من دم المسيح:

 وخرج بيلاطس، تاركاً
يسوع داخل مقرّ القضاء، ومضى إلى اليهود وقال لهم: ” أنني لا أجد فيه أي إثم “.
أجاب اليهود: ” لقد قال: ” أستطيع تدمير الهيكل في ثلاثة أيام أقيمه “.
فقال لهم بيلاطس: ” أي هيكل؟ “. وأجاب اليهود: ” الذي بناه سليمان
في ستة وأربعين عاماً، وقال انه يستطيع هدمه وإعادة بنائه في ثلاثة أيام “.
فقال لهم بيلاطس: ” أنا برئ من دم هذا الرجل البار؛ أُنظروا ما عليكم أن
تفعلوا “. فقال اليهود: ” دمه علينا وعلى أولادنا “.

 فدعى بيلاطس إليه
الشيوخ والكهنة واللاويين، وقال لهم سراً: ” لا تتصرّفوا هكذا؛ فبرغم
اتهاماتكم، لم أجد فيه شيئاً يستحق الموت، في ما تأخذون عليه من شفاء وانتهاك حرمة
السبت “. وقال الكهنة واللاويون والشيوخ لبيلاطس: ” إذا جدّف إنسان على
قيصر ماذا يستحق؟”. فقال لهم: ” يستحق الموت “. فقالوا له ”
وهذا الرجل جدّف على الله “.

 عندها أمر الحاكم
اليهود بالخروج من مقرّ القضاء، ونادى يسوع وقال له: ” ماذا أفعل معك؟ “.
فقال يسوع لبيلاطس: ” تصرّف كما يتوجّب عليك “. فقال بيلاطس ليسوع: ”
كيف عليّ أن أتصّرف؟ “. أجاب يسوع: ” أن موسى والأنبياء تنبّأوا بهذه
الآلام وبقيامتي “. وقال اليهود وقد سمعوه يقول ذلك لبيلاطس: ” أَتريد
الاستماع أكثر إلى تجديفاته؟ أن شريعتنا توضح أن الرجل إذا أخطأ في حق قريبه،
يتلقّى أربعين ضربةً إلا واحدة، وان المجدَّف يعاقب بالموت “.

 فقال لهم بيلاطس: ”
إذ كان كلامه تجديفياً، فخذوه وقودوه إلى مجمعكم، وحاكموه بحسب شريعتكم “.
وقال اليهود لبيلاطس: ” نريد أن يُصلب “. فقال لهم بيلاطس: ” لم يفعل
شيء ليصلب “. وعندما استدار بيلاطس رأى يهوداً يبكون، فقال: ” ليس كل
الجمع يريد أن يموت “. فقال الشيوخ لبيلاطس: ” أتينا مع الجمع كلّه
ليموت “. وقال بيلاطس لليهود: ” ماذا فعل ليستحقّ الموت؟” فأجابوا:
” لأنه قال انه ملك وابن الله “.

5 – نيقوديموس يدافع عن
يسوع:

 ولكن جاء رجل واقترب
من الحاكم، اسمه نيقوديموس، وقال: ” أرجوك أن تسمح لي، برأفتك، أن أقول بضع
كلمات “. فقال له بيلاطس: ” تكلَّمْ “. قال نيقوديموس: ” قلت
لشيوخ اليهود، وللكتبة، وللكهنة، واللاويين، ولكلّ جموع اليهود في المجمع: أي شكوى
توجّهونها ضد هذا الرجل؟ لقد كان يصنع معجزات كثيرة وباهرة، لا يصنع مثلها أحد؛
ولم يصنع مثلها أبداً. فاصرفوه ولا تفعلوا به أي شر؛ فإذا كانت هذه المعجزات من
الله، فستكون ثابتة؛ وإذا كانت من البشر، فسوف تنقض. أن موسى، الذي أرسله الله إلى
مصر، صنع معجزات أمره الله بالقيام بها في حضرة فرعون، ملك مصر، وكان هناك ساحران،
هما يَمْنيس ومَمْبريس، وقد حاولا القيام بمعجزات موسى نفسها، لكنهما لم يستطعيا
تقليدها كلّها، وأعتبرهما المصريون إلهَين. لكن، لأن المعجزات التي صنعاها لم تكن
من الله، هلكا، هما ومَنْ آمنوا بهما. والآن، إصرف هذا الرجل، لأنه لا يستحقّ
الموت “. وقال اليهود لنيقوديموس: ” لقد أصبحت تلميذه، وتتكلم من اجله “.
فقال لهم نيقوديموس: ” هل الحاكم الذي يتكلّم أيضاً لمصلحته هو تلميذه؟
أَلَمْ يكلَّفه قيصر بالحكم بالعدل؟ “. وكان اليهود يشتعلون غضباً، ويُصرُّون
بأسنانهم ضد نيقوديموس، وقالوا له: ” آمنْ به، وتقاسَمْ مصيره نفسه “.
فقال نيقوديموس: ” آمين. فلأتقاسَمْ مصيره نفسه، كما تقولون ذلك “.

6 – شهادة الذين صُنعت
لهم معجزات ليسوع:

 وتقدّم آخر من اليهود
وسأل الحاكم أن يأذن له بالكلام، فقال بيلاطس: ” ما تريد أن تقوله، قُلْه “.
وتكلّم ذلك اليهودي هكذا: ” منذ ثمانية وثلاثين عاماً، كنت طريح فراشي وكنت
في استمرار فريسة آلام عظمية وفي خطر الموت. وجاء يسوع، وشفي كثيرين من الذين بهم
مس شيطاني والناس المصابين بعاهات متنوَّعة. وقد حملني بعض الشبّان في سريري
ونقلوني إليه. وإذ رآني يسوع ثارت شفقته، وقال لي: ” قُمْ، إحملْ سريرك،
وامش. وعلى الفور شفيت تماماً؛ وحملت سريري ومشيث “. وقال اليهود لبيلاطس: ”
إساله في أي يوم شفي “. فأجاب: ” يوم السبت “. فقال اليهود: ”
أما كنا نقول انه كان يشفي المرضى ويطرد الشياطين يوم السبت؟ “.

 وتقدّم يهودي آخر
وقال: ” كنت أعمى منذ الولادة؛ وكنت أسمع الكلام ولا أرى أحداً. ومرّ يسوع،
فخاطبته صارخاً بصوت عال: يا ابن داود، إرحَمْني! فأشفق عليّ، ووضع يده على
عينَيَّ، وعلى الفور استعدت النظر “.

وتقدّم آخر وقال: ”
كنت متقوَّساً، فقوَّمني بكلمة “.

وتقدّم آخر أيضاً وقال:
” كنت أبرص فشفاني بكلمة “.

7 – شهادة فيرونيكة
نازفة الدم:

 وقالت امرأة اسمها
فيرونيكة: ” منذ اثني عشر عاماً كنت مصابة بنزف دم، فلمست طرف ردائه وعلى
الفور توقّف نزف دمي “. وقال اليهود: ” بحسب شريعتنا لا يجوز لامرأة
الإدلاء بشهادة “.

8 – بيلاطس يرتعب:

 وأخذ بعض الآخرين من
جمع اليهود يصرخون، رجالاً ونساءً: ” هذا الرجل نبيّ، والشياطين تخضع له! “.
فقال لهم بيلاطس: ” لماذاَ لا تخضع الشياطين لكهنتكم؟ “. فأجابوا: ”
لا ندري “. وقال آخرون لبيلاطس: ” لقد أقام لعازر، الذي كان ميتاً منذ
أربعة أيام، وأخرجه من القبر “. فارتعب الحاكم عندما سمع ذلك، وقال لليهود: ”
ماذا يفيدنا سفك الدم البري؟ “.

9 – جلد يسوع وصلبه
وإطلاق باراباس:

 ونادى بيلاطس
نيقوديموس والاثني عشر رجلاً الذين كانوا يقولون أن يسوع لم يولد من الزَّنا،
وخاطبهم بيلاطس هكذا: ” ماذا أفعل، فسينشب تمرد في صفوف الشعب؟ “.
فأجابوا: ” لا ندري، ليرّوا بأنفسهم “. واستدعى بيلاطس جموع اليهود،
وقال لهم: ” تعلمون أنني، بحسب العادة، أطلق لكم سجين في يوم عيد الفطير.
ولدي الآن في السجن قاتل شهير، يُدعى بارّاباس، ولا أجد في يسوع شيئاً يستحق
الموت. مَنْ تريدون أن أُطلقَ لكم؟ “. فأجابوا كلّهم صارخين: ” أطلقْ
لنا بارّاباس!” فقال بيلاطس: ” ماذا أفعل إذاً بيسوع، الملقَّب بالمسيح؟”
فصرخوا كلّهم: ” ليُصْلَبْ! “. وقال اليهود أيضاً: ” إذا أطلقتَ من
يزعم انه ملك وابن الله فلا تكون صديق لقيصر؛ فهل تريده أن يكون ملكاً بدلاً من
قيصر “.

 وهنا قال لهم بيلاطس،
وهو منفعل وغاضب: ” لقد كنتم دوماً أُمةً عاصية، وقاومتم مَنْ كانوا مؤيدين
لكم “. فقال اليهود: ” مَنْ هم الذين كانوا مؤيدين لنا؟ “. أجاب
بيلاطس: ” إلهكم، الذي نجّاكم من عبودية المصريين القاسية، وقادكم عبر البحر
كما فوق باليابسة، والذي أعطاكم، في الصحراء، المَنَّ ولحم السلوى طعاماً لكم،
والذي أخرج من صخر ماءً لإروائكم، وبالرغم من أفضاله الكثيرة، فلم تكفُّوا عن
الثورة ضد إلهكم، لذا أراد إهلاككم. فصلّى موسى من أجلكم، لئلا تهلكوا. وتقولون
الآن أنني أكره الملك “. ونهض للخروج عن كرسي القضاء. لكن اليهود كلّهم
صرخوا: ” نعلم أن قيصر ملكٌ وليس يسوع. لأن المجوس قدّموا له هدايا كما يقدم
لملك. وإذ علم هيرودس من المجوس أن ملكاً وُلدَ، أراد إهلاكه. فأخذه أبوه، يوسف
وأُمَّه، عندما علم بذلك، وهربوا إلى مصر. وقتل هيرودس أطفال اليهود الذين وُلدوا
في بيت لحم “.

 وإذ سمع بيلاطس هذه
الكلمات، ارتعب، وعندما عاد الهدوء في صفوف الشعب الذي
كان يصرخ،
قال: ” هل الحاضر هنا هو الذي كان يطلبه هيرودس؟ “. فأجابوا: ” انه
هو “. فتناول بيلاطس ماءً وغسل يدَيه أمام الشعب وهو يقول: أنا برئ من دم هذا
البار؛ فكَّروا بما تفعلون “. وأجاب اليهود: ” دمُه علينا وعلى أولادنا!
“. وهنا أمر بيلاطس باقتياد يسوع إلى أمام كرسي القضاء الذي كان يجلس عليه،
وتابع بهذه العبارات، مُصدراً الحكم على يسوع: ” أن أُمتك انكرتكَ ملكاً.
وبناءً عليه آمُرُ أولاً بأن تُجلَد بحسب تشريعات الرؤساء القدامى “. وأمر
بعد ذلك بأن يُصلَب في المكان الذي أُوقف فيه، مع شقَّيين، اسماهما ديْسماسْ
وجسْتاسْ.

10 – صلب يسوع بين
لصين:

 وخرج يسوع من مقرّ
القضاء واللصّان معه. وعندما وصل إلى المكان المدعو جُلْجُثَة، عرّوه من ثيابه
وألبسوه قطعة قماش، ووضعوا على رأسه إكليل شوك، وجعلوا بين يدَيه قصبة. وصلبوا معه
اللصيَّن إلى جانبَيه، ديماس إلى يمينه وجسْتاس إلى يساره. وقال يسوع: ” يا
أبتاه، إغفرْ لم واعف عنهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون “. وتقاسموا ثيابه
بينهم. وكان الشعب حاضراً، والرؤساء والشيوخ والقضاة يسخرون من يسوع، قائلين: ”
لقد أنقذ الآخرين، فليُنقذْ نفسه؛ إذا كان ابن الله، فلينزلْ عن الصليب “.
وكان الجنود يهزأون به، ويقَّدمون له شرابا خلاً ومرّاً، قائلين: ” إذا كنت
ملك اليهود، أنقذْ نفسك بنفسك “. وطعن جنديّ، اسمه لُوجان جبنه،
متناولاً حربةً، فخرج منه دمٌ وماء.
وأمر الحاكم بأن يُكتَب، على لافتة،
استناداً إلى تهمة اليهود، بأحرف عبرانية، ويونانية ولاتينية: ” هذا هو ملك
اليهود “.

 وقال له أحد اللصَّين
اللذين كانا مصلوبَين، واسمه جسْتاس: ” إذا كنت المسيح، فأنقذْ وإيانا “.
وأنّبه ديماس قائلاً: ” أَلا تخشى الله، وأنتَ تحت الحكم نفسه؟ أننا نتلقّى
العقاب العادل على ما ارتكبناه، أما هو، فلم يفعل شيئاً من السوء “. وعندما
وبّخ رفيقه، قال ليسوع: ” أُذكُرْني، يا سيَّد، في ملكوتك “. فأجابه
يسوع: ” الحق الحق، أقول لك، أنك ستكون معي اليوم في الفردوس “.

 

11 – يا أبتاه في يدَيك
استودع روحي:

 وفي نحو الساعة
السادسة من النهار، انتشرت ظلمات على الأرض كلّها حتى الساعة التاسعة. وأظلمت
الشمس، وإذا بحجاب الهيكل ينشقّ من أعلى إلى أسفل قسمَين. ونحو الساعة التاسعة،
صاح يسوع بصوت عال: ” إيلي، إيلي، لما شَبَقْتني”، أي: ” إلهي،
إلهي، لماذا تركتني؟ “. وبعد ذلك قال يسوع: ” يا أبتاه في يدَيك استودع
روحي “. ولما قال ذلك وأسلم الروح. وعندما رأى قائد المئة ما حدث مجّد الله،
قائلاً: ” لقد كان هذا الرجل باراً “. وعاد الحاضرون كلّهم، قارعين
صدورهم, وقد أقلقهم ما رأَوا. ونقل قائد المئة ما حدث إلى الحاكم؛ ولما سمعه
الحاكم استولى عليه حزن شديد، ولم يأكلا ولا شربا ذلك اليوم. واستدعى بيلاطس
اليهود وقال لهم: ” هل رأيتم ماذا حدث؟ “. فأجابوا الحاكم: ” كان
هناك خسوف للشمس كالمعتاد “.

 وكان كل معارفه وكذلك
النسوة اللواتي تبعنه من الجليل واقفين من بعيد. وإذا برجل اسمه يوسف، وهو رجل صدَّيق
وصالح، ولم يشارك في اتهامات اليهود ورداءاتهم، وكان من الرّامة، وهي من اليهودية،
وكان ينتظر ملكوت الله، هذا الرجل طلب من بيلاطس جسد يسوع. ولما أنزله عن الصليب،
لفّه في كَفَن نقيًّ جداً، ووضعه في قبر جديد تماماً كان قد بناه لنفسه، ولم
يُدفَن فيه أحد.

12 – محاكمة اليهود
لنيقوديموس ويوسف الرامي:

 ولما علم اليهود أن
يوسف طلب جسد يسوع، كانوا يبحثون عنه وعن الرجال الاثني عشر الذين صرّحوا بأن يسوع
لم يولد من الزَّنا، وعن نيقوديموس والآخرين، الذين مثلوا أمام بيلاطس، وشهدوا
لأعمال يسوع الصالحة. وكان الجميع مختبئين، لكن نيقوديموس وحدة أظهر نفسه لهم،
لأنه كان رئيساً لليهود، وقال لهم: ” كيف دخلتم المجمع؟ “. فأجابوه: ”
وأنتَ، كيف دخلت المجمع وقد شهدت عنه؟ فليكُنْ نصيبك معه في الدهور الآتية “.
فأجاب نيقوديموس: ” آمين، آمين، آمين “.

 وأظهر يوسف نفسه كذلك
وقال لهم: ” لماذا أنتم ساخطون عليَّ لطلبي من بيلاطس جسد يسوع؟ فها أنا قد
وضعته في قبري الخاص، ولففته بكفن نقيًّ جداً، وأقمتُ حجراً عظيماً إلى جانب
المغارة. لقد أسأتم التصرُّف ضد البار الذي صلبتموه، وطعنتموه بحربة “.

 ولما سمع اليهود ذلك،
أمسكوا بيوسف وسجنوه، حتى انقضى الاحتفال بالسبت. وقالوا له: ” نحن لا نستطيع
أن نفعل شيئاً ضدك في هذا الوقت، لأن يوم السبت قد حل. نعلم أنكَ غير مستحق لقبر،
لكننا سنترك لحمك لطيور السماء ووحوش الأرض “. فأجاب يوسف: ” هذه
الكلمات شبيهة بكلمات جوليات المتغطرس، الذي قاوم الله الحيّ وضربه داود. فقد قال
الله بصوت النبي: ” لي النقمة أن أجازي يقول الرب “. فغسل بيلاطس،
القاسي القلب، يدّيه في سطوع الشمس، صائحاً: ” أني بريء من دم هذا البار “.
وقد أجبتم: ” دمه علينا وعلى أولادنا “. أنا أخشي الآن أن يثقل غضب الله
عليكم وعلى أولادكم، كما قلتم ذلك “.

 وعندما سمع اليهود
يوسف يتكلّم هكذا استشاطوا غضباً، فأمسكوا به، وسجنوه في زنزانة لا نافذة فيها.
وأقام فيها. وأقام حنانيا وقيافا حراساً على الباب ووضعا ختمهما على المفتاح.
وتداولا مع الكهنة واللاويين ليتجمّعوا كلّهم يوم السبت،وفكّروا بأي ميتة يعاقبون
يوسف. وحين اجتمعوا، أمر حنانيا وقيافا بأن يؤتى بيوسف، وإذ نزعا الختم، فتحا
الباب، فلم يجدا يوسف في الزنزانة التي سجناه فيها. فأُصيب المجلس كلّه بالذهول،
لأنهم وجدوا الباب مختوماً. وانسحب حنانيا وقيافا.

13 – قيامة المسيح
ورواية الجنود:

 امتلأ الجميع دهشةً،
ودخل المجمع احد الجنود الذين أُقيموا لحراسة القبر، وقال: ” ونحن ساهرين على
قبر يسوع، زلزلت الأرض، ورأينا ملاك الربّ ينزع حجر المدفن ويجلس عليه. وكان وجهه
يلمع مثل الصاعقة؛ وثيابه بيضاء مثل الثلج. ولبثنا مثل أموات من الرعبً. وسمعنا
الملاك يقول للنسوة الآتيات إلى مدفن يسوع: ” لا تخفن، أعلم أنكن تطلبن يسوع
المصلوب؛ لقد قام، كما تنبّأ بذلك. تعالين، وانظرن الموضع الذي كان موضوعاً فيه،
فخرجن وسارعن إلى تلاميذه وقالوا لهم انه قام من بين الأموات، وانه سيسبقكم إلى
الجليل؛ هناك ترَونه “.

 فاستدعى اليهود كل
الجنود الذين كانوا مكلفين بحراسة يسوع، وقالوا لهم: ” مَنْ هن تلك النسوة
اللواتي كلَّمهن الملاك؟ لماذا لم تقبضوا عليهن؟ “. فأجاب الجنود: ” لا
ندري مَنْ كانت تلك النسوة فقد كنا كأموات، من فرط ما كان الملاك يوحي إلينا
بالخوف؛ فكيف كان يمكننا القبض على تلك النسوة؟”.

 وقال اليهود: ”
حي هو الربّ! أننا لا نصدّقكم “. وأجاب الجنودُ اليهود: ” لقد رأبتم
يسوع يصنع كثيراً من المعجزات، ولم تصدّقوا ذلك؛ فكيف تصدّقون كلامنا؟ أنكم أجبتم
بالقول: ” حي هوَ الربّ!”، لأنه حي هو الربّ الذي سجنتموه. فقد علمنا
أنكم سجنتم يوسف ذاك الذي طيَّب جسد يسوع، في زنزانة وختمتم بابها، وعندما جئتم
تطلبونه، لم تجدوه. سلّمونا يوسف الذي سجنتموه، فنسلَّمكم يسوع، الذي كنا نحرسه في
المدفن “. وأجاب اليهود: ” سنسلَّمكم يوسف؛ سلَّمونا يسوع، لأن يوسف في
مدينة الرّامة “. وأجاب الجنود: ” وكما أن يوسف في الرّامة، كذلك يسوع
في الجليل، مثلما سمعنا الملاك يعلن ذلك للنسوة “.وعندما سمع اليهود ذلك
خافوا، وقالوا في ما بينهم: ” عندما يعرف الشعب هذا الحديث، يؤمن الجميع
بيسوع “. ومن ثم فقد جمعوا مبلغاً ضخماً من المال، وأعطوه للجنود، قائلين: ”
قولوا أن تلاميذ يسوع جاءوا ليلاً وسرقوا جسده ونحن نيام. وإذا علم الحاكم بيلاطس
بذلك، نهدَّئه نحوكم، ولن يُتَعرَّض لكم “. فأخذ الجنود المال، وقالوا ما
أوصاهم به اليهود.

14 – صعود يسوع إلى
السماء:

 وجاء كاهن اسمه
فيْنيْه، وعدّاس الذي كان معلَّم مدرسة، ولاويّ اسمه أجَّيْه، وهم الثلاثة من
الجليل إلى أُورشليم، وقالوا لرؤساء الكهنة ولكل الذين كانوا في المجمع: ” أن
يسوع الذي صلبتموه، رأيناه يتكّلم مع أحد عشر من تلاميذه، وقد كان جالساً في
وسطهم، على جبل الزيتون وقال لهم: ”
فاذهبوا وتلمذوا
جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. من يؤمن ويعتمد يخلص
“.
وحين قال ذلك لتلاميذه، رأيناه يصعد إلى السماء “.

 وعند سماع رؤساء
الكهنة والشيوخ واللاويون لأولئك الرجال الثلاثة ذلك، قالوا: ” مجَّدوا إله
إسرائيل، واشهدوا على أن ما رأيتم وسمعتم صحيح “. فأجابوا: ” حيّ هو ربّ
آبائنا، إله إبراهيم، وإله إسحق، وإله يعقوب! لقد سمعناه يتكلّم مع تلاميذه،
ورأيناه يصعد إلى السماء؛ أننا نقول الحقيقة. إنْ صمتنا على أننا سمعنا يسوع يلقي
ذلك الخطاب على تلاميذه، وعلى أننا رأيناه يصعد إلى السماء، نرتكب خطيئة “.
فنهض رؤساء الكهنة على الفور وقالوا لهم: ” لا ترووا لأحد ما قلتم عن يسوع “.
وأعطوهم مبلغاً ضخماً من المال. وأرسلوا ثلاثة رجال معهم ليعيدوهم إلى بلدهم، ولا
يكون لهم أي مقام في أُورشليم.

 واجمتع اليهود كلّهم
وانهمكوا في ما بينهم بتأملات خطيرة، قائلين: ” ما الذي حدث في إسرائيل؟ “.
فقال لهم حنانيا وقيافا معزَّيَين إياهم: ” هل علينا أن نصدَّق الجنود الذين
كانوا يحرسون قبر يسوع، والذين قالوا لنا أن ملاكاً دحرج باب القبر؟ فربما يكون
تلاميذه هم الذين قالوا لهم ذلك وأعطوهم مالاً كثيراً لحملهم على التعبير هكذا
والتغاضي عن خطف يسوع. اعملوا أن حتى لا يصدق أحد كلام هؤلاء الغرباء مطلقاً،
لأنهم أخذوا منا مبلغاً كبيراً، وقالوا في كل مكان ما نصحناهم بقوله. وربما ينكثوا
وعدهم لنا كما نكثوا بتلاميذ يسوع “.

15 – شهادة نيقوديموس
ويوسف ليسوع:

 ونهض نيقوديموس وقال: ”
يا أبناء إسرائيل تتكلّمون في الاستقامة، بالرغم أنكم سمعتم كلّ ما قاله أولئك
الرجال الذين كانوا يُقسمون بشريعة الربّ. قالوا: ” لقد رأينا يسوع يتكلّم مع
تلاميذه على جبل الزيتون ورأيناه يصعد إلى السماء “. ويعلَّمنا الكتاب
المقدَّس أن إيليا المغبوط خُطف إلى السماء، و قال لهم أَليشع عندما استنطقه أبناء
الأنبياء الذين كانوا يسألونه: ” أين أخانا إيليا؟ “. انه خُطفَ. فقال
له أبناء الأنبياء: ” ربما خطفه الروح ووضعه على جبال إسرائيل. بل لنَخْتَرْ
رجالاً يذهبون معنا ولنبحث في جبال إسرائيل؛ فربما وجدناه “. واخذوا أليشع،
وساروا ثلاثة أيام، فلم يجدوا إيليا. والآن، أنصتوا إليّ، يا أبناء إسرائيل،
ولنُرسلْ رجالاً إلى جبال إسرائيل، فربما خطف الروحُ يسوع، وربما وجدناه، فنكفَّر
عن ذنوبنا “.

 وراق رأي نيقوديموس
للشعب كلّه، فأرسلوا رجالاً، وهؤلاء الرجال بحثوا عن يسوع دون أن يجدوه، وقالوا
عندما عادوا: ” لم نجد يسوع في الأماكن التي جُبْناها، لكننا وجدنا يوسف في
مدينة الرّامة “. واغتبط الرؤساء والشعب كلّه، وقد سمعوا ذلك، ومجّدوا إله
إسرائيل لأنهم وجدوا يوسف الذي سجنوه في زنزانة، ولم يعثروا عليه ثانيةً. فجمع
رؤساء الكهنة جموعا كثيرة من الناس وقالوا: ” كيف يمكننا أن نأتي بيوسف إلينا
والتحدُّث إليه؟ “. وتناولوا ورقاً وكتبوا ليوسف، قائلين: ” السلام لك
ولكلّ الذين هم معك. نحن نعلم أننا أخطأنا في حق الله وحقك. تكرَّمْ إذا بالمجئ
إلى آبائك وابناك، لأن خطفك ملأنا دهشةً. نعلم أننا قصدنا قصداً شريراً ضدك، فحماك
الربّ وخلّصك من نوايانا الشريرة. ليكن السلام معك، أيها السيَّد يوسف، أيها الرجل
المحترم بين الشعب كلّه “. واختاروا سبعة رجال، أصدقاء ليوسف، وقالوا لهم: ”
عندما تصلون إلى يوسف، أدُّوا له تحيّة السلام، وسلّموه الرسالة “. ولما وصل
الرجال ليوسف، حَيَّوه، وسلَّموه الرسالة: وبعدما قرأها يوسف، قال: ” مباركٌ
الرب الإله الذي حفظ إسرائيل من إراقة دمى. كُن مباركاً، يا إلهي، الذي حميتني
بجناحيك “. وقبل يوسف الرسل واستقبلهم في منزله.

 وفي الغد، انطلق يوسف
معهم، راكباً حماراً، ووصلوا إلى أورشليم. وحين علم اليهود بقدومه، هرعوا جميعاً
إلى أمامه، صائحين وقائلين: ” السلام لوصولك، أيها الأب يوسف! “.
فأجابهم: ” ليكن سلام الرب مع الشعب كله. وقبلوه كلهم. واستقبلهم نيقوديموس
في منزله، مرحباً بهم بإكرام عظيم ومجاملة.

 وفي الغد، الذي كان
يوم التوطئة، قال حنانيا وقيافا ونيقوديموس ليوسف ” مجد إله إسرائيل، وأجب
على كل ما سنسألك عنه، لقد كنا ثائرين عليك، لأنك دفنت جسد الرب يسوع، وسجناك في
زنزانة ولم نعثر عليك ثانية، وهذا ملأنا دهشة وأخافنا جداً إلى أن رأيناك ثانية.
إرو لنا إذاً، في حضرة الله، ما حدث “.

 أجاب يوسف: ”
عندما سجنتموني مساء يوم الفصح، وبينما كنت أتضرع في وسط الليل، حدث وكأن المنزل
رُفِعَ في الفضاء، ورأيت يسوع لامعاً كالبرق، فاستولى على الرعب وسقطتُ أرضاً،
فرفعني يسوع فوق الأرض، أخذا بيدي، وكان العرق يكسو جبيني ولما مسحت وجهي، قبلني
وقال لي: ” لا تخف شيئاَ، يا يوسف، تطلع إلى، وأنظرْ، فهذا أنا “.
وتطلعت وصحت: ” يا سيدي إيليا! ” فقال لي: ” لستُ إيليا، بل أنا
يسوع الناصري الذي دفنت جسده “. فأجبته ” ارني القبر الذي وضعتك فيه “.
فقادني يسوع، ممسكاً بيدي، إلى الموضع الذي دفنته فيه. وأراني الكفن والقماش الذي
لففتُ به رأسه. عندها عرفت أنه كان يسوع، فسجدت له، وقلت: ” مبارك الآتي باسم
الرب “. وقادني يسوع، ممسكا بيدي، إلى منزلي في الرامة، وقال لي: ”
السلام معك، ولا تخرج من منزلك، مدة أربعين يوماً، وسوف أعود إلى تلاميذي “.

16 – طلب الرجال
الثلاثة الذين شاهدوا صعود يسوع:

 عندما سمع رؤساء
المجمع والكهنة واللاويون كلمات يوسف، أصيبوا بالذهول، وسقطوا أرضاً على وجوههم
كالأموات، وصاموا حتى الساعة التاسعة، وواجه نيقوديموس ويوسف حنانيا وقيافا
والكهنة واللاويون وقالوا لهم أنهضوا وقفوا على أرجلكم وذوقوا خبزا وقووا أنفسكم،
لأن غداً سبت الرب. فنهضوا وصلوا لله وأكلوا وشربوا وذهبوا كل إنسان إلى بيته.

 وفي السبت جلس
المعلمون والكهنة واللاويون وسألوا بعضهم البعض قائلين: ” ما هي هذه الآية
التي ظهرت في أورشليم؟ فنحن نعرف أبا يسوع وأمه “. وقال المعلم لاوي: ”
أعرف أن أباه وأمه كانا شخصين يخافان الله، ولم يحنثا في قسمهما، ويدفعان العشور
ثلاث مرات في السنة، وعندما ولد يسوع أحضره والداه إلى هذا المكان وقدما قرابين
ومحرقات لله، وعندما أخذه الكاهن الأعظم سمعان بين يديه، قال: ” الآن، يا رب،
أطلق عبد بسلام حسب قولك، لأن عيني قد رأتا خلاصك الذي أعددته قدام جميع الشعوب،
نور ينير الأمم ومجداً لشعبك إسرائيل “. وباركهم سمعان وقال لمريم أمه:
” سأنبأك بأخبار سارة بخصوص هذا الطفل “. فقالت مريم ” أخبار سارة،
يا رب؟ “. فقال سمعان: ” أنظري، فقد وُلد لهلاك كثيرين وقيامهم وعلامة
مخالفة. وسيجوز في نفسك سيف أيضاً لتُعرف أفكار قلوب كثيرين”.

 فقالوا للمعلم لاوي
” كيف عرفت هذه الأمور؟ فقال لهم لاوي: ” أعلموا أليس منه عرفت الناموس؟
“. فقال الجمع له: سنرى أباك. فأرسلوا لأبيه وسألوه فقال لهم: ” لماذا
لا تصدقون أبني؟ المغبوط والمبارك سمعان هو الذي علمه الناموس. فقال الجمع: ”
أيها الربي لاوي هل ما قلته صحيح؟ فقال لهم ” نعم صحيح “.

 فقال رؤساء المجمع
والكهنة واللاويون بين أنفسهم: ” لنُرسلْ، إلى الجليل، في طلب أولئك الرجال
الثلاثة الذين جاءوا وأخبرونا أنهم رأوا صعوده، وليخبرونا كيف رأوه يصعد “.
ووافق الجميع على ذلك فأرسلوا إلى الرجال الثلاثة الذين ذهبوا من قبل إلى
الجليل
وقالوا لهم: ” قولوا للربي عداس والربي فينيس والربي أنجيوس: سلام لكم ولكل
الذين معكم، لقد أرسلنا إليكم لهذا المكان المقدس في أورشليم لأنه قام سؤال عظيم
في هذا المجمع “.

 وعندما ذهب الرجال إلى
الجليل وجدوهم جالسين حول الناموس، فحيوهم بسلام فقال لهم الرجال الذين في الجليل
الذين جاءوا إليهم: ” سلام لكل إسرائيل “. ثم قالوا لهم ” لماذا
أتيتم؟ “. فقال الذين أُرسلوا: ” المجمع يدعوكم إلى المدينة المقدسة
أورشليم “. وعندما سمع الرجال أنهم مطلوبين من المجمع صلوا لله وأكلوا مع
الرجل وشربوا ونهضوا وجاءوا بسلام إلى أورشليم.

 وفي الغد أجتمع المجلس
في المجمع واختبروهم قائلين: ” هل رأيتم يسوع جالساً على جبل
Mamilch وهو يعلم تلاميذه الأحد عشر، ورأيتموه يصعد؟ “. فأجاب الرجال
وقالوا: ” كما رأيناه صاعداً نخبركم “.

 فقال حنانيا: ”
دعوهم كل واحد بعيدا عن الآخر حتى نرى أن كانت كلماتهم متفقة أم لا. فأبعدوهم الواحد
عن الآخر واستدعوا عداس أولاً وقالوا له: ” كيف رأيت يسوع يصعد؟ “. فقال
عداس: ” بينما كان يجلس على جبل
Mamilch رأينا سحابة ظللته هو وتلاميذه، وحملته سحابة إلى السماء، فسقط
تلاميذه على وجوههم على الأرض “. فدعوا فنيس الكاهن وسألوه أيضاً قائلين:
” كيف رأيت يسوع يصعد؟ “. فأجاب بنفس الإجابة. فسألوا أنجايوس، فأجاب هو
أيضاً بنفس الإجابة. فقال الجمع: ” أنه مكتوب في ناموس موسى: على فم أثنين أو
ثلاثة تقوم الشهادة “.

 وحين تم ذلك وجاء
أولئك الرجال الثالثة واستنطقوا، أجابوا بصوت واحد: ” حي هو الرب إله
إسرائيل، لأننا رأينا بوضوح يسوع مع تلاميذه على جبل الزيتون عندما كان يصعد إلى
السماء “. فقال أبوسيم الكاهن: مكتوب في الناموس: وسار أخنوخ مع الله ولم
يوجد لأن الله أخذه “. فقال المعلم يايروس وسمعنا أيضاً عن موت المغبوط موسى
ولم نره، لأنه مكتوب في ناموس الرب: ” و
مات موسى حسب
قول الرب ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم “. وقال الربي لاوي: ” وكيف
كان الأمر ألم يقل الربي سمعان عندما رأى يسوع: ” هذا الطفل وضع لسقوط وقيام
كثيرين في إسرائيل وعلامة تقاوم؟ “. فقال الربي إسحق: ” مكتوب في
الناموس: ” ها أن أرسل رسولي أمام وجهك، الذي يتقدم أمامك ليحفظك في كل طريق
جيدة لأن أسمي وضع هناك “.

 فقال
حنانيا وقيافا: ” حسنا قلتم هذه الأمور المكتوبة في ناموس موسى أنه لم يرى
أحد موت أخنوخ ولا سمى أحد موت موسى، ولكن يسوع تكلم أمام بيلاطس ونعلم أننا رأينا
البصق واللطم على وجهه ووضع العسكر أكليلا من الشوك على رأسه، وأنه جُلد وأدين
أمام بيلاطس، وأنه صلب في مكان الجمجمة بين لصين وأعطوه مراً ليشرب مع خلاً، وطعنه
لنجينوس الجندي بحربة فقي جنبه، وأن أبننا المكرم يوسف طلب جسده، وكما قال فقد قام
ثانية وأن ثلاثة من المعلمين قالوا: ” رأيناه يصعد إلى السماء “. وأن
الربي لاوي تكلم وشهد لهذه الأمور التي قالها الربي سمعان وقال: ” هذا الطفل
قد وضع لقيام وسقوط كثيرين في إسرائيل وعلامة تقاوم “.

 وقال كل
المعلمين لشعب الرب: ” إذا كان هذا الأمر قد حدث من قبل الرب، وهو عجيب في
أعيننا، فستعرفون بالتأكيد يا بيت يعقوب أنه مكتوب: ” ملعون كل من علق على
خشبة “. ويقول كتاب مقدس آخر: ” الآلهة التي لم تصنع السموات والأرض
ستفنى “.

 فقال
الكهنة واللاويون الواحد للآخر: ” إذا بقي ذكره حتى اليوبيل فأعلموا أنكم
ستسودون للأبد ويقيم لنفسه شعباً جديداً. ثم حث رؤساء المجمع والكهنة واللاويون كل
إسرائيل قائلين: ” ملعون الرجل الذي يعبد ما صنعته يد الإنسان، وملعون هو
الرجل الذي يعبد المخلوق بجوار الخالق. فقال كل الشعب: آمين، آمين.

 فسبح كل
الشعب ورنموا للرب قائلين: ” مبارك الرب الذي أعطى راحة لإسرائيل بحسب كل ما
تكلم. فلم تسقط كلمة واحدة إلى الأرض من كلامه الصالح الذي تكلم به لعبده موسى.
ليكون الرب إلهنا معنا كما كان مع آبائنا، ولا يتخلى عنا ولا يمنعنا من تحول
قلوبنا إليه والسير في كل طرقه وحفظ وصاياه وأحكامه التي أوصى بها آبائنا. وليملك
الرب على كل الأرض في ذلك اليوم. وليكن إله واحد وأسمه واحد، وليخلصنا الرب إلهنا.
فلا يوجد مثلك يا رب، أنت عظيم يا رب، وعظيم هو اسمك. أشفنا يا رب

بالقوة، وسنشفى. خلصنا يا رب وسنخلص. لأننا نصيبك وميراثك. لأن الرب
لا يتخلى عن شعبه لأجل اسمه العظيم. لأن الرب جعلنا شعبه. وعندما رنموا هذه
الترنيمة ذهبوا كل واحد إلى بيته ممجدين الله.

 

الجزء
الثاني

النزول إلى
الجحيم

17- قيامة ابنا سمعان
من الموت:

 وقال يوسف ناهضاً
لحنانيا وقيافا: ” أنتما على حق بالتعجب، لأنكما تعلمان أن يسوع رؤى قائماً
من الموت وصاعداً إلى السماء. وينبغي الاندهاش أكثر من أنه لم يقم فقط، بل وأقام
من القبر موتى كثيرين آخرين وعدد كبير من الأشخاص ورأوهم في أورشليم فأنصتا إلى
الآن، لأننا نعلم جميعاً أن الكاهن الأعظم المغبوط سمعان حمل يسوع وهو طفل بين
يديه في الهيكل وسمعان هذا رزُق ابنين، أخوين أبا وكنا جميعاً شاهدين عندما ماتا،
وحضرنا دفنهما. هيا وانظراً قبريهما، لأنهما مفتوحان، وابنا سمعان في بلدة الرامة،
عائشان في التضرع، أحياناً نسمع صيحاتهما، لكنهما لا يكلمان أحداً وهما صامتان
كالأموت، تعالا، لنمض إليهما ولنصطحبهما إلى أهلنا بأقصى اعتبار، وإذا سألناهما
بإلحاح، فربما كلمانا عن سر قيامهما “.

 عند هذه الكلمات،
ابتهج الجميع، وذهب حنانيا وقيافا، ونيقوديموس ويوسف وغيمالائيل إلى المدفنَين “.
ولم يجدوا الميتَين فيهما، لكنهم إذ قصدوا مدينة الرّامة، وجدوهما جاثَيين
فقادوهما إلى أُورشليم إلى المجمع، وقد قبَّلوهما باحترام عظيم وبمخافة الله.
وبعدما أُقميت الأبواب، تناولوا كتاب الشريعة، ووضعوه بين أيديهما، وحلفوهما بالله
أدوناي وبإله إسرائيل الذي تكلّم بالشريعة وبالأنبياء قائلين: ” إذ كنتما
تعلمان انه هو الذي أقامكما من بين الأموات، فقولا لنا كيف قمتما “. ولما سمع
كارينوس ولوسيوس هذه المناشدة، ارتجفا بشدّة، وتأوّها من عمق قلبهما، متأثَّرَين
كلّيا. ورسما إشارة الصليب بإصبعهما على لسانهما، ناظرَين إلى السماء. وعلى الفور
تكلّما، قائلين: ” أعطونا رزمَتي ورق لنكتب ما رأينا وسمعنا “.
فأعطَوهما إياهما. وإذ جلسا، كتب كلٌّ منهما، قائلاً:

 

18 – إعلان أسرار نزول
المسيح الجحيم:

 ” أيها الربّ
يسوع المسيح، قيامة الموتى والحياة، إسمَحْ لنا بإعلان أسرار عظمتك التي أتممتها
بموتك على الصليب، لأننا نوشدنا باسمك. لأنك أمرتَ عبيدك بألا نروى لأحد خفايا
جلالك الإلهي كما أظهرتها في الجحيم. عندما كنا مع آبائنا كلّهم، موضوعين في عمق
الظلمات، لفَّنا فجأة بهاء ذهبيّ كما الذي للشمس، وأنارنا ضوء رائع. وعلى الفور
ارتعش فرحاً آدم، أبو الجنس البشري كلّه، وكذلك الآباء والأنبياء كلّهم، وقالوا: ”
هذا النور، أن خالق النور مَنْ وعدنا بأن يرسل إلينا نوراً لا أُفول له، ولا نهاية”.

19 – شهادة اشعياء
النبي:

 ” وصاح اشعياء
النبيّ، وقال: ” انه نور الآب، ابن الله، كما تنبّأتُ بذلك، عندما كنت علي
أرضي الأحياء: أرض زبولون وأرض نفتاليم. ما وراء الأُردن، الشعب الجالس في الظلمات
سيُبصر نوراً عظمياً؛ وعلى مَنْ هم في منطقة الموت، يلمع الموت، يلمع النور.
والآن، ولمع من أجلنا نحن الذين كنا جالسين في الموت. وفيما كنا نهتزُّ كلّنا
فرَحاً في النور الذي أضاءَنا، اقترب منا سمعان، أبونا، وقال لنا كلّنا، وهو يهتز
فرَحاً: ” مجَّدوا الرب يسوع المسيح، ابن الله، لأنني تلقّيته وليداً في
يديَّ في الهيكل، ومسوقاً من الروح القدس، مجَّدته وقلت: أن عينَيَّ رأتا الآن
الخلاص الذي هيَّأته في حضور الشعوب كلّها؛ نوراً يتجلى للأُمم ومجداً لشعبك
إسرائيل “.

 ” وكان جمهور
القديسين كلّه، يهتزُّ حبوراً عندما سمع هذه الأشياء. ومن ثمّ، وصل فجأةً رجل يشبه
ناسكاً، فسأله الجميع: ” مَنْ أنتَ؟” وأجابهم، وقال: ” أنا يوحنا،
صوت العليّ ونبيّه، مَنْ يسبق قُبلَة مجيئه ليُهيّئ سُبُلَه، وليُعطي علم الخلاص
لشعبه من أجل مغفرة الخطايا. وإذ رأيته آتياً إليَّ، دفعني الروح القدس، فقلت:
هوذا مَنْ يرفع خطايا العالم. وقد عمَّدته في نهر الأردن، ورأيت الروح القدس ينزل
عليه في هيئة حمامة. وسمعت صوتاً من السماوات يقول: هذا هو ابني الحبيب، الذي به
سررت، له اسمعوا. والآن، سبقتُ وجهه، ونزلتُ أُبشركم بأن ابن الله بنفسه قد قام
وسيزورنا عما قليل آتياً إلينا نحن الجالسين في الظلمات وفي ظل الموت “.

 

20 – رواية شيث:

 ” وعندما سمع
الأب آدم، أول المخلوقين، هذه الأشياء، وهي أن يسوع عُمَّد في الأردن، قال لابنه
شيث: ” ارو لأبنائك، الآباء والأنبياء، الأشياء كلّها التي سمعنا من رئيس
الملائكة ميخائيل، حين أرسلتُك إلى أبواب الفردوس، لتتوسّل الرب أن يسمح بأن يُعطي
ملاكُه زيتاً من شجرة الرحمة، وان تدهن جسدي عندما كنتُ مريضاً “. فقال شيث
وهو يقترب من الآباء القديسين ومن الأنبياء: ” أنا، شيث، عندما كنتُ أتضرع
أمام الربّ على أبواب الفردوس، إذا بملاك الربّ، ميخائيل، يظهر لي، قائلاً: الربّ
أرسلني إليك، أنا أسهل على الجسد البشري. أقول لكَ هذا، يا شيث، لا تصلَّ بالدموع،
ولا تطلب زيت شجرة الرحمة لتدهن أباك آدم بسبب أوجاع جسده، فلن تستطيع، في أي شكل،
أن تأخذ منه إلا في الأيام الأخيرة، وإلا عندما تكون قد تّمت خمسة آلاف وخمسمئة
سنة؛ عندها يأتي ابن الله، ملؤه الحب، إلى الأرض، ويُقيم جسد آدم، ويُقيم في الوقت
نفسه أجساد الموتى. ولدى قدومه، يُعَمَّد في الأردن. وعندما يخرج من ماء الأُردن،
في ذلك الوقت يدهن بزيت رحمته كلّ الذين يؤمنون به، وزيت الرحمة يكون لجيل الذين
يجب أن يولدوا بالماء وبالروح القدس للحياة الأبدية. إذاك يسوع المسيح، ابن الله،
المملوء حباً، نازلاً من السماء، يُدخِل أبانا آدم الفردوس إلى قرب شجرة الرحمة. ”
وأحس الآباء والأنبياء بفرح عظيم، وقد سمعوا هذه الأشياء التي كان يقولها شيث.

21 – الشيطان وأمير
الموت:

 ” وعندما كان
القدَّيسون كلّهم يهتزّون حبوراً، إذا بالشيطان، أمير الموت ورأسه، يقول لأمير
الجحيم: ” استعدَّ أنتَ بنفسك للقبض على يسوع الذي يباهي بأنه المسيح، ابن
الله، والذي هو رجل يخشى الموت، طالما انه يقول: نفسي حزينة حتى الموت. لأنه
قاومني في أمور عدّة، ورجال كثيرون حوّلتهم عمياناً، عرجاً، صماً، بُرصاً،
وعذَّبتهم بشياطين مختلفة، شفاهم بكلمة. والذين أتيتُك بهم موتى، خطفهم منك “.

 ” فقال أمير
التتر، مجبياً الشيطان: ” مَنْ هو هذا الأمير القوي إلى هذا الحدّ، والذي
يخشى مع ذلك الموت؟ فأقوياء الأرض كلّهم أخضعتهم قوتي، عندما أتيتَ بهم منقادين
بسلطانك. فأنْ كنتَ إذاً قوياً، فمَنْ هو يسوع هذا الذي يقاومك، وهو يخشى الموت؟
إذا كان قوياً بهذا المقدار في إنسانيته، فأنني أقول لكَ حقاً، انه قوي تماماً في
ألوهيته، وما من أحد يستطيع مقاومة قدرته. وعندما يقول انه يخشى الموت، يريد
خداعك، والويل لكَ في الأزمان الأبدية.

 وأجاب الشيطان، أمير
الموت، وقال: ” لِمَ تتردّد في القبض على يسوع هذا، خصمك وخصمي؟ فقد جرّبتُه
وأثرتُ ضده شعبي اليهودي القديم، مهُجيا إيّاه حقداً وغضباً؛ وشحذت حربة الاضطهاد
مزجتُ مرّاً وخلاً، ودفعتُ إلى إعطائه ليشرب، ودفعت إلى تحضير الخشبة لصلبه
ومساميرَ لثقب يدَيه وقدَميه، وموته قريب، وسوف آتيك به خاضعاً لك ولي “.

 ” وأجاب أمير
الجحيم وقال: ” قلت لي انه هو مَن انتزع مني موتى. كثيرون هنا احتجزهم، وفيما
كانوا يعيشون على الأرض، خطفوا مني موتى، لا بقدرتهم الخاصة، بل بالصلوات التي
كانوا يوجَّهونها إلى الله، وإلههم العليّ القدير انتزعهم مني. مَنْ هو إذاً يسوع
هذا الذي انتزع مني موتى، بكلمته؟ ربما هو الذي أحيا، بكلمته الحاسمة، لعارز، الذي
كان ميتاً منذ أربعة أيام، ملؤه النتانة وفي انحلال، والذي كنتُ أسجنُه ميتاً “.

 ” وأجاب الشيطان،
أمير الموت، وقال: ” انه يسوع هذا بالذات”

 ” فقال أمير
الجحيم، وقد سمع ذلك: ” أتوسل إليك بقوتك وقوتي، ألا تأتي به إليّ. فعندما
سمعتُ قوة كلمته، ارتجفتُ، وقد استولي عليّ الرعب، وفي الوقت نقسه اضطرب معي
خدّامي الكفرة كلّهم. أننا لم نستطع الاحتفاظ بلعارز، بل خرج من بيننا، مُفلتا منا
بكلّ رشاقة النسر الحياة أعادته حياً على الفور. هكذا أعلم الآن أن هذا الرجل الذي
استطاع إنجاز هذه الأشياء هو الله القوي في سلطانه، والقادر في الإنسانية، وملَّخص
الجنس البشري، فإذا أتيت به إليّ، فسوف يُطلق كلّ الذين أحتجزهم هنا محبوسين في
قسوة السجن، ومقيَّدين بأغلال خطاياهم غير المُحطَّة، وسوف يقودهم بألوهيته إلى
الحياة التي ستدوم كما الأبدية “.

 

22 – دخول المسيح إلى
الجحيم:

 ” وفيما كانا
يتكلمان هكذا، الشيطان وأمير الجحيم، حدث صوتٌ مثل الرعود وضجيج الإعصار: ”
أيها الرؤساء، إرفعوا أبوابكم، وارتفعي، أيتها الأبواب الأبدّية، فيدخل ملك المجد “.

 ” وإذ سمع أمير الجحيم
ذلك، قال للشيطان: ” ابتعدْ عني واخرُجْ من مساكني؛ إذ كنت مقاتلاً قوياً،
فقاتل ضد ملك المجد. إنما ما الأمر بينك وبينه؟ ورمى أَميرُ الجحيم الشيطان خارج
مساكنه. وقال أمير الجحيم لخدّامه الكفرة: ” أَغلقوا أبواب الفولاذ القاسية،
وادفعوا مزاليج الحديد، وقاوموا ببسالة خوفاً من أن نؤسر، نحن الذين نحرس الأسرى “.

 ” لكن لدى سماعه
ذلك، قال جمهور القدَّيسين كلّه لأمير الجحيم بصوت تأنيب: ” إفْتَحْ أبوابك،
ليدخل ملك المجد. ” وصاح داود، ذلك النبّي الإلهي، قائلاً: ” أَلمْ
أتنبّأ لكم، عندما كنتُ على أراضى الأحياء، بأن مراحم الربّ ستشهد له، وان آياته
ستُنبئ به أبناء البشر، لأنه حطّم أبواب الفولاذ وكسر مزاليج الحديد؟ لقد انتزعها
من طريق الأثم. ومن ثمّ قال نبيٌّ آخر، هو اشعياء، كذلك للقدَّيسين كلّهم: أَلَمْ
أتنبَّأ لكم، عندما كنتُ على أراضى الأحياء بأن الموتى يستيقظون ومَنْ هم في
القبور يقومون، ومَنْ هم في الأرض يهتزّون فرحاً، لأن النّدى الآتي من الربّ أين
شوكتك؟ وقال القدَّيسون كلّهم لأمير الجحيم، وقد سمعوا كلمات اشعياء هذه: ”
إفْتَحْ أبوابك؛ الآن، أنت عديم القوة، منهزماً ومصروعاً “. وحدث صوت كما صوت
الرعود، قائلاً: ” أيها الرؤساء، إرفعوا أبوابكم، وارتفعي، أيتها الأبواب
الأبدية، فيدخل ملك المجد “.

 ” فقال أمير
الجحيم، وقد لاحظ أن الصحية سُمعت مرتين، كما لو انه جاهلا: ” مَنْ هو ملك
المجد هذا؟ فقال داود، مجيباً لملك الجحيم: أعرف كلمات هذه الصيحة، فهي نفسها التي
تنبّأت بها بوحيٍ من روحه. والآن ما سبق وقلتُ، أكرَّره لك: أن الربّ القويّ
والقادر في القتال، هو ملك المجد، والربّ نظر من السماء إلى الأراضي، ليسمع نواح
مَنْ هم مسجونون، وليُطلقَ أبناء مَنْ أُعدموا. والآن، يا أمير الجحيم الدَّنِس
والبَشع، إفْتَحْ أبوابك، ليدخل ملك المجد “. وإذ قال داود هذه الكلمات لأمير
الجحيم، دخل ربّ الجلال بغتةً في هيئة رجل، وأضاء الظلمات الأبدية، وكسر الأغلال
التي لم تكن محطَّمة، وزادنا معونة قوةٍ لا تُقهَر، نحن الذين كنا جالسين في أعماق
ظلمات الآثام، وفي ظلّ موت الخطايا.

23 – ملك المجد يسحق
الموت:

 ” واستولى الرعب
على أمير الجحيم وعلى الموت ومأمورَيهما الكفرة، وقد رأَوا ذلك، مع خدّامهم
القساة، عندما رأَوا الضياء الباهرَ لنورٍ قويًّ إلى هذا الحدّ، والمسيحَ فجأة في
مساكنهم، وصاحوا قائلين: ” لقد هزمتنا. مَنْ أنتَ، أنتَ الذي أرسله الربّ
لبلبلتنا؟ مِنْ أنتَ، أنتَ الذي من دون إصابة فساد، وبتأثير جلالك الذي لا
يُقاوَم، استعطت هدم قدرتنا؟ مَنْ أنتَ أنتَ، البالغ الكبَر والبالغ الصَّغَر،
البالغ الأّتضاع والبالغ السموّ، الجندي والقائد، المحارب الرائع في هيئة عبد؟ ملك
المجد الميت والحيّ الذي حمله الصليب معُدَماً. أنتَ الذي لبثتَ ميتاً ممدَّداً في
القبر والذي نزل حيّاً إلينا؟ وكل مخلوقٍ ارتجف في موتك، وكل الكواكب تزعزعت، والآن
أصبحتَ حراً بين الموتى، وتُبلبل جوقاتنا. مَنْ أنتَ، أنتَ، الذي يفكُّ الأسرى
ويغمر بنور ساطع مَنْ أعمتهم ظلمات الخطايا؟

 ” وصاحت بالمثل جوقات
الشياطين كلّها التي أُصيبت بفزع مشابه، بخضوع خائفٍ وبصوتٍ إجماعيّ، قائلةً: ”
من أين أنتَ، يا يسوع، أيها الرجل البًالغ القدرة وصاحب الجلال البالغ الرَّفعة،
البالغ السطوع، الذي بلا عيب والطاهر من الجريمة؟ فهذا العالم الأرضي الذي كان
دوماً خاضعاً لنا حتى الآن، الذي كان يدفع لنا إتاوات لممارساتنا المنكرة، لم
يُرْسلْ إلينا أبداً ميتاً كهذا، ولم يخصَّص هدايا مماثلة للجحيم؟ مَنْ أنتَ إذاً،
أنتَ الذي اجتزت بلا خوفٍ حدود مناطق نفوذنا، ولا ترهب فقط عذاباتنا، بل وتحاول
فوق ذلك إطلاق كل الذين نحتجزهم في أغلالنا؟ ربما أنتَ يسوع ذاك الذي يقول
الشيطان، أميرنا، انكَ بموتِِكَ على الصليب، ستنال قدرةً لا حدود لها على العالم
بأسره “.

 ” عندها حرم ملك
المجد الجحيم من قدرته كلّها وقاد آدم إلى الجلاء نوره، ساحقاً في جلاله الموت تحت
قدمَيه، وقابضاً على الشيطان.

24 – إخضاع الشيطان:

 ” إذاك قال أمير
الجحيم للشيطان، موبَّخا إيّاه بملامات عنيفة: ” يا بعل زبوب، يا أمير اللعنة
ورأس الدمار، يا سخرية ملائكة الله، يا نفلية البارين، ماذا أردت أن تفعل؟ لقد
أردتَ صلبَ
ملك المجد، الذي بهلاكه وموته وعدتنا بغنائم عظمية جداً؟ أَتجهل كيف تصرّفتَ في
جنونك؟ فها أن يسوع هذا يبدَّد، بسطوع أُلوهيته، ظلمات الموت كلّها؛ لقد حطّم
أعماق أمتن السجون، وهو يُطلق الأسرى، ويُفرجُ عمَّن هم مسجونون؛ ها أن كل الذين
كانوا ينوحون تحت وطأة عذاباتنا يشتموننا، ونحن مُثْقلون بلعناتهم. أن
إمبراطورياتنا وممالكنا هُزِمَت، وما عدنا نوحي بالهلع، للجنس البشري.

 ” أنهم على
العكس، يتهدّدوننا ويشتموننا، أولئك الذين، موتى، ما استطاعوا أبداً إظهار تكبُّرٍ
أمامنا وما استطاعوا أبداً الإحساس بلحظة حبورٍ خلال أسرهم.

 ” أيها الشيطان،
يا أميرَ الشرور كلّها، يا أبا الكفرة والعصاة. ماذا أردت أن تفعل؟ أن الذين يئسوا
من الخلاص ومن الحياة، منذ البدء حتى الآن، ما عادوا يُسمعون نواحاً، وأيٌّ من
أنّاتهم لا تُصدي، ولا نجد أي دموعٍ اثر على وجه أيًّ منهم.

 ” أيها الأمير
الشيطان، يا مالك مفاتيح الجحيم، لقد خسرت الآن بخشبة الصليب تلك الثروات التي
حصلتَ عليها بخشبة الإخلال بالواجب وخسارة الفردوس، وحبورك كلّه تبدَّد عندما
علّقت على الصليب ذلك المسيح، يسوع، ملك المجد، وتصرّفت ضد نفسك وضدي. إعْلَمْ من
الآن فصاعداً كم من أوجاع أبدية وعذابات لا متناهية مخصَّصة لك تحت حراستي التي لا
تعرف نهاية.

 ” أيها الشيطان،
يا أمير الأشرار كلّهم، يا صانع الموت وأصل التكبُّر، كان عليك أولاً أن تبحث عن
ملامة صحيحة توجّهها إلى يسوع هذا، وبما انكَ لم تحدْ فيه أي إثم، لِمَ تجرّأت من
دون سبب على صلبه ظلماً والإتيان بالبرئ والبار إلى منطقتنا؟ وقد خسرتَ سيئي
العالم بأسره، وكفرته وظالميه “.

 ” وبينما كان
أمير الجحيم يتحدّث هكذا إلى الشيطان، إذاك قال ملك المجد لأمير الجحيم: ” أن
الأمير الشيطان سيكون تحت سلطانك مدى الدهور بدلاً من آدم وأبنائه، الذين هم
صدَّيقيّ “.

25 – الربّ يبارك آدم:

 ” وبسط الربّ
يده، وقال: ” تعاَلوا إليَّ، يا قدَّيسيّ كلكم، الذين أنتم صورتي وشبهي. أنتم
الذين أُدِنتم بالخشبة، والشيطان والموت، وسوف ترَون أن الشيطان والموت مُدانان
بالخشبة “. وعلى الفور اجتمع القدَّيسون كلّهم تحت يد الربّ. وممسكاً بيد
آدم، قال له الربّ: ” السلام لكَ مع أبنائك كلّهم، صدَّيقيّ “.

 ” وإّذ جثا عند
ركبتَي الربّ، توسل إليه ساكباً دموعاً، قائلاً بصوتٍ عالٍ: ” يا ربّ، سوف
أُمجَّدُك، لأنكَ قبلتني ولم تجعل أعدائي ينصرون عليّ. يا ربّ، يا إلهي، صرخت
إليك، فشفيتَني، يا ربّ. أخرجتَ نفسي من الجحيم، وخلّصتني بعدم تركي مع أولئك
الذين يهبطون إلى الهاوية. أَنشدوا تسابيح الربّ، أنتم كلّكم الذين هم قدَّيسوه،
واعترفوا لذكرى قداسته. لأن الغضب في سخطه، والحياةَ في مشيئته “.

 ” وقال قدَّيسوا
الله كلّهم بالمثل بصوت إجماعي، جاثين عند ركبتَي الربّ. لقد وصلتَ، يا مخلص
العالم، وأتممتَ ما أنبأت به بشريعتك وبأنبيائك. افتديتَ الأحياء بصليبك، ويموت
الصليب، هبطتَ إلينا لتنتزعنا من الجحيم ومن الموت، بجلالك. يا ربّ، كما انك وضعتَ
عنوان مجدك في السماء، ورفعتَ إشارة الخلاص، صليبك على الأرض، كذلك يا ربّ ضَعْ في
الجحيم إشارة انتصار صليبك، لئلا يعاود الموت الغلبة “.

 ”
ورسم الربّ، باسطاً يده، إشارة صليب على آدم وعلى قدَّيسيه كلّهم، وممسكاً بيد آدم
اليمنى، ارتفع من الجحيم. وتبعه القدَّيسون كلّهم. عندها صاح النبي داود بقوّة: ”
أنشدوا للربّ نشيداً جديداً، لأنه صنع أشياء باهرة. يمينه وذراعه أنقذتانا. الربّ
عرَّف بخلاصه؛ كشف عرَّف بخلاصه؛ كشف عدله في حضور الأُمم. وأجاب جمهور القدَّيسين
كلّه، قائلاً: هذا المجد للقدِّيسين كلّهم. آمين. سبحوا الله. وعندها صاح النبي
حبقوق، قائلاً: لقد خرجت لخلاص شعبك، ولإنقاذ مختاريك. ” وأجاب القدَّيسون
كلّهم، قائلين: ” مباركٌ الآتي باسم الربّ الإله، والذي ينيرنا “. وصاح
النبي ميخا بالمثل، قائلاً: ” أيٌّ إله موجودّ مثلك، يا ربّ، رافعاً الأثام
وماحياً الخطايا؟ والآن تكبح علامة غضبك، لأنك تجنح أكثر إلى الرحمة. لقد أشفقت
علينا، وغفرتَ خطايانا، وألقيتَ آثامنا كلّها في هاوية الموت، كما أقمست بذلك لآبائنا
في الأيام العابرة “. وأجاب القديَّسون كلّهم، قائلين: ” انه إلهنا إلى
الأبد وإلى الآبدين، سوف يحكمنا في الدهور كلّها. آمين. سبَّحوا الله “.
وكذلك الأنبياء كلّهم تالين مقاطع من أناشيدهم القديمة المخصَّصة لتسبيح الربّ،
والقدَّيسون كلّهم.



(1) تُرجم هذا الكتاب عن عدة ترجمات إنجليزية وأن كنا قد
اعتمدنا في ترجمته أيضاً وبدرجة كبيرة على ترجمة الأستاذ اسكندر شديد السابق ذكرها
.

– 170 –

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى