علم المسيح

الفصل الخامس



الفصل الخامس

الفصل الخامس

يسوع المسيح هو الكائن السرمدى

 

بينا سابقاً أن الله
وصف ذاته، فى العهد القديم، وأعطى لنفسه أسم ولقب “الكائن”، “الذى
يكون”، “يهوه”، “أهيه”، الكائن الدائم الوجود عله وسبب
كل وجود، السرمدى، الحى الابدى مصدر الحياه ونبعها. وهنا، فى هذا الفصل، نبين قول
السيد المسيح عن نفسه وأقوال الرسل، فى العهد الجديد، عن كونه هو نفسه، يسوع
المسيح، هو ذاته “الكائن” “الذى يكون”، “يهوه”،
“أهيه” السرمدى، الذى لا بدايه له ولا نهايه، الموجود أبداً، من الأزل
وإلى الأبد، الكائن الحى الدائم الوجود “الكائن والذى كان والذى يأتى”(1)،
نبع الحياه ومصدرها، خالق الكون وكل ما فيه ومدبره
:

1- أقوال يسوع المسيح عن كونه السرمدى:

لم تكن بدايه الرب يسوع
المسيح، هى الحبل به وميلاده من العذراء فى لحظة معينة من الزمان ويوم معين فى
التاريخ البشرى، فهذه كانت بدايه تجسده وظهوره على الأرض فى الجسد وأنما هو،
بلاهوته، كان موجوداً سابقاً قبل الخليقه، من الأزل، بلا بدايه، كان موجود أبداً.
يقول هو عن نفسه
:

C “لأنى قد نزلت من السماء ليس لأعمل مشيئتى بل
مشيئه الذى أرسلنى”(2).

C “أنا هو الخبز الحى الذى نزل من السماء”(3).

C “فأن رأيتم ابن الإنسان صاعداً حيث كان
أولاً”(4).

C “خرجت من عند الآب وأتيت إلى العالم”(5).

C “والآن مجدنى أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذى
كان لى عندك قبل كون العالم”(6).

C “لأنك أحببتنى قبل إنشاء العالم”(7).

فى الآيات الثلاث
الأولى يؤكد السيد المسيح أنه “نزل” من السماء، كان فى السماء قبل أن
ينزل إلى الأرض. وفى الرابعه يؤكد أنه خرج “من عند الآب”، وهذا القول
أكده للتلاميذ “من عند الآب خرجت”(8) ولليهود “لأنى خرجت من قبل
الله وأتيت”(9)، وفى كل الأحوال يؤكد على وجوده السابق فى السماء. ولا يعنى
بقوله “نزلت أنه محدود فى المكان، وخلو الأرض منه عندما كان فى السماء، وخلو
السماء منه عندما نزل إلى الأرض، لأنه بلاهوته غير محدود فى المكان، وهذا ما أكده
بقوله
:

C “وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذى نزل من السماء
ابن الإنسان الذى هو فى السماء”(10).

فهو يؤكد أنه لم يكن
هناك أحد فى السماء قبله وأنه برغم نزوله من السماء إلا أنه كان فى نفس الوقت فى
السماء وعلى الأرض، بلاهوته
.

وفى الآيتين، الخامسه
والسادسه، يعلن أنه كان موجوداً قبل “كون العالم”، “قبل إنشاء
العالم”، أى قبل الخليقه، وبالتالى منذ الأزل. ومن أروع وأبلغ ما قاله عن
وجوده السرمدى
:

 C “قبل أن يكون ابراهيم أنا كائن”(11).

وهذا القول جعل اليهود
يغضبون ويحنقون عليه ويقرروا موته رجماً بالحجاره “فرفعوا حجاره
ليرجموه”(12). لماذا؟ لأنهم أعتقدوا أنه يجدف على الله وينسب لنفسه ما لله
ويسمى نفسه بأسم الله، اى يقول أنه الله(13). كيف ذلك؟

أولاً: يقول أنه قبل أن
يوجد ابراهيم، قبل أن يولد ابراهيم، قبل أن يأتى أبراهيم إلى الوجود (حوالى 2000
سنه قبل تجسد المسيح)، كان هو موجوداً. هم يعرفون أن عمره لا يصل إلى خمسين سنه
“ليس لك خمسون سنه بعد”(14)، وهو يؤكد على وجوده السابق، قبل ابراهيم.
وهذا يعنى أنه كان موجوداً قبل التجسد والميلاد من العذراء، وبالتالى فهو ليس مجرد
بشر، بل أسمى من ذلك
.

ثانياً: أنه يقول
بالحرف الواحد “أنا كائن”، حرفياً “أنا اكون” = “إيجو
إيمى
– Ego eimi” – “I Am”، وهو هنا يستخدم نفس التعبير الذى عبر الله به عن نفسه لموسى
النبى، ويعطى لنفسه نفس الأسم واللقب الذى عبر به الله عن نفسه “اأهيه”،
“يهوه”، “الكائن الذى يكون”. وهذا ما جعل اليهود يثورون عليه
ويحنقون لأنهم أدركوا أنه يعنى “أنه يهوه”، “أنه أهيه”،
“الكائن الذى يكون”. فهذا الأسم لا يمكن أن يطلق على غير الله ذاته
والذى يقول “يهوه هذا أسمى ومجدى لا أعطيه لآخر”(15).

ثالثاً: كما أن استخدام
السيد المسيح للزمن الحاضر (المضارع) “أكون
am – eimi ” يدل على
الوجود المستمر، بلا بدايه وبلا نهايه: “الكائن” دائماً، والذى
“كان” أزلاً بلا بدايه، والذى سيكون “يأتى” أبداً بلا نهايه،
فى الماضى بلا بدايه، والحاضر دائماً، والمستقبل بلا نهايه. ويؤكد السيد على وجوده
السرمدى هذا بقوله أيضاً
:

C “أنا هو الأول والآخر والحى وكنت ميتاً وها أنا
حى إلى ابد الأبدين، ولى مفاتيح الهاويه والموت”(16).

C “أنا هو الألف والياء. البدايه والنهايه. الأول
والآخر”(17).

C “القدوس الحق الذى له مفتاح داود الذى يفتح ولا
أحد يغلق ولا أحد يفتح”(18).

وفى هذه الآيات يؤكد
السيد المسيح ويصف نفسه ب 1- الأول والآخر؟ 2- الحى إلى الأبد؟ 3- الذى له مفاتيح
الحياة والموت؟ 4- القدوس الحق
:

أولاً: الأول والآخر هو
الله وحده الذى قال فى سفر أشعياء
:

C “أنا الأول وأنا الآخر ولا إله غيرى”(19).

C “أنا يهوه وليس آخر. لا إله سواى… ليس غيرى.
أنا يهوه واليس آخر”(20).

C “لأنى أنا الله وليس آخر. الإله وليس
مثلى”(21).

C ويتساءل الله قائلاً “هل يوجد إله
غيرى؟”(22)، “أليس أنا الرب ولا إله آخر غيرى؟”(23). وتجيب البشرية
قائلة: “وحدك الله وليس آخر. ليس إله”(24). وهذا تأكيد مطلق على أنه لا
يوجد إلا واحد هو الله، لا إله غيره ولا مثله ولا قبله ولا بعده “قبلى لم
يصور إله وبعدى لا يكون”(25)، ومع ذلك يقول المسيح أنه هو ذاته “الأول
والآخر”، “الألف والياء”، “البداية والنهاية”. هو الأول
وهو اللف وهو البداية، كل شىء والذى هو ذاته بلا بداية، الأزلى. وهو الآخر والياء
والنهاية، الله يؤكد أنه لا إنه لا إله غيره، فهو الإله الواحد السرمدى، والسيد
المسيح يؤكد أنه هو هذا الواحد، الأول والآخر، الألف والياء، البداية والنهاية،
الذى كان والكائن والذى يكون، السرمدى
.

ثانياً: يعلن الرب يسوع
المسيح إنه “الحى”، “الحى إلى أبد الأبدين”، أى “الحى
القيوم”، وأن “له الحياة فى ذاته”(26) و”فيه كانتا
الحياة”(27) كما أنه معطى الحياة ومانحها للخليقة “أنا هو القيامة
والحياة”(28)، هو الحى السرمدى، الحى القيوم، الحى أبداً، الذى له الحياة فى
ذاته ومعطى الحياة للكون، للخليقة كلها
.

والله فى القديم يصف
نفسه ب “الحى” الذى “يحيى ويميت”، “الحى القيوم”،
“الحى إلى أبد الأبدين
“:

C “حبى أنا يقول يهوه”(29)، “حى أنا يقول
السيد الرب”(30).

C “الإله الحى القيوم إلى الأبد”(31).

C “أنا أنا هو وليس إله معى. أنا أميت وأحى… حى
أنا إلى الأبد”(32). وفى سفر الرؤيا يوصف اله ب “الحى إلى أبد الأبدين
“:

C “الحى إلى أبد الأبدين الذى خلق السماء وما فيها
والأرض وما فيها والبحر ومافيه”(33).

C “يخر الربعة والعشرون شيخاً قدام الجالس على
العرش ويسجدون للحى إلى أبد الأبدين”(34).

وهنا يوصف الله الآب
والرب يسوع المسيح بصفات واحده ولقب واحد هو “الحى القيوم”، الله هو
الحى القيوم، الحى الباقى، الدائم، إلى الأبد، والذى يحيى ويميت، الخالق، ويسوع
المسيح هو الحى القيوم، الذى له الحياة وفيه الحياة ومعطى الحياة. بل ويصف سفر
الرؤيا الله والرب يسوع المسيح بصفة واحدة ولقب واحد هو “الحى إلى أبد
الأبدين
“.

ثالثاً: يعلن الرب يسوع
المسيح أنه هو الذى له “مفاتيح الهاوية والموت”، والذى “له مفتاح
داود الذى يفتح ولا أحد يغلق ويغلق ولا أحد يفتح”(35)، والذى له مفاتيح ملكوت
السموات”(36). والمفاتيح هنا ترمز إلى سلطانه على الحياة والموت، وسلطانه على
السماء والأرض، وأنه هو وحده الذى يفتح ويغلق دون أن يكون لأحد سلطان عليه، فهو
صاحب السلطة الوحيد. وهناك مثل ربانى يقول: “يوجد أربعة مفاتيح ممسوكة فى يد
الله لا يعطيها لملاك ولا لسيراف (أحد الساروفيم)(37): مفتاح المطر ومفتاح الطعام
ومفتاح القبور ومفتاح المرأة العاقر(38). والمسيح يمسك فى يده جميع المفاتيح فى
السماء وعلى الأرض
.

رابعاً: ويعلن الرب
يسوع المسيح أيضاً أنه “القوس الحق”(39). والقدوس لقب من ألقاب الله
بأعتباره مصدر القداسة “أسمى القدوس”(40)، “أسمه قدوس”(41)،
“الإله القدوس”(42)، “ساكن الأبد القدوس أسمه”(43). والسيد
المسيح يصف نفسه بالقدوس الحق”، وسفر الرؤيا يصف الله الآب بنفس اللقب
“القدوس والحق”(44). كما يصف الوحى الالهى الرب يسوع المسيح ب
“القدوس البار(45)، “فتاك القدوس”(46)، “القدوس الذى دعاكم”(47)،
وقال الملاك للعذراء “القدوس المولود منك”(48)ن كما وصف السيد أيضاً
بأنه “قدوي بلا شر ولا دنس”(49). الله هو القدوس والرب يسوع المسيح هو
القدوس، ومع أنه الكتاب يقول “ليس قدوس مثل يهوه”(50)،فالكتاب نفسه يقول
أن الرب يسوع المسيح هوهو “يهوه القدوس”، وأروع مثال على ذلك هو تسبحه
السرافيم فى سفر أشعياء، فقد رأى أشعياء النبى “يهوه الصبؤوت” جالس على
العرش وحوله السرافيم يسبحونه قائلين “قدوس قدوس قدوس رب الجنود (يهوه صبؤوت)
مجده ملء كل الأرض”(51). وقال القديس يوحنا الرسول أن الذى رآه أشعياء هذا،
والذى تسبحه السرافيم هو الرب يسوع المسيح؟ “قال أشعياء هذا حين رأى مجده
وتكلم عنه”(52).

2- أقوال رسل المسيح عن كونه السرمدى:

1- جاء فى مقدمة الانجيل للقديس يوحنا قول الوحى
الالهى
:

C “فى البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان
الكلمة الله. هذا كان فى البدء عند الله. كل شىء به كان وبغيره لم يكن شىء مما
كان. فيه كانت الحياة”(53).

وتعبر الآيه الأولى من
هذه الفقرة “فى البدء كان الكلمة” عن وجود الرب يسوع المسيح السابق
وأزليته بصورة رائعة، ويتركز جوهر هذه الأزلية، هذا الوجود السرمدى فى ثلاثة عناصر
هى: “البدء” و “كان” و “كل شىء به كان” إلى جانب
كونه الحياة “فيه كانت الحياة” ومانحها
.

أولاً: فى البدء: هنا
ليس بداءاً زمنياً، إنما هو بدء ما قبل البدء السابق للخليقة، البدء السابق لعملية
الخلق ووجود المخلوقات
.

فالذى كان فى البدء هو
الخالف الذى “كل شىء به كان”، والذى كان قبل الكون، والذى قال عن نفسه
أنه كان “قبل كون العالم”(54). وبالرغم أن البدء هنا يلمح إلى البدء فى
سفر التكوين “فى البدء خلق الله السموات والأرض”(55)، إلا أن
“البدء” هنا يسبق بدء التكوين، الخلق. البدء فى سفر التكوين هو
“بدء التكوين، الخلق، الخلق، بدء عملية أخلق ذاتها، والذى يبدأ من هذه
النقطة، الخلق، نازلاً إلى ما بعد ذلك فى دورة الزمن. و”البدء” هنا،
البدء الذى كان فيه الكلمة موجوداً، هو “بدء” ما قبل البدء، البدء الذى
لا بداية، بدء،له الازل. أنه البدء الذى يذكر وجود الكلمة فبل الخليقة ويرجع
للوراء إلى ما قبل الزمن، إلى الأزل الذى لا بداية له، إلى الأبدية
.

والكلمة الذى كان فى
البدء هو الكائن السرمدى بلا بداية والذى وصف نفسه بالأول الذى قبله لا يوجد شىء،
والبداية الذى بلا بداية له ولا زمن “غير المبتدىء الأبدى. غير الزمنى. الذى
لا يحد”(56). وكما يقول عنه ميخا النبى باروح القدس “ومخارجه منذ القديم
منذ أيام الأزل”(57).

C يقول هيلارى أسقف بواتييه (315-67/368م):

ما هى قوة هذه الكلمات “فى البدء كان
الكلمة”؟ قروناً ولت دهوراً أنقضت، أتخذ أى بدء تشاؤه ومع ذلك لا يمكن أن
تشمله بزمن”(58).

ثانياً: “كان
الكلمة”، والفصل “كان
en” جاء فى
الزمن الماضى الناقص، ير التام، الدال على حالة كانت مستمرة، ويتضمن أستمرار
الوجود، الوجود المستمر فى الماضى. وهذا يعنى أنه قبل أن يبدأ البدء كان الكلمة
موجوداً، ويمكن أن تترجم الآية حرفياً “عندما بدأ البدء كان الكلمة موجوداً
هناك”(59)، وهذا يعادل ويساوى القول “الكلمة يسبق الزمن أو
الخليفة”(60). فكان هنا تشير إلى الوجود المطلق لارتباطها بالبدء وبالخالق
.

ومعنى نص الآية كاملاً:
أنه فى البدء، وقبل الخلق، كان الكلمة موجوداً وهوالخالق ذاته، الذى كان موجوداً
من الأزل بلا بداية قبل أن يقوم بعملية الخلق، كان موجوداً، وكان هو العنصر
الفعال، الخالق، بدء البدء. ويتكرر الفعل “كان
_ en” فى هذه
الآية، عن الكلمة، أربع مرات
:

فى البدء كان… الكلمة كان… وكان الكلمة…
كان فى البدء
“.

وفى هذه المرات الأربع
تشير إلى ما قبل الخلق والزمن إلى الأزل إلى الأبدية، فقد كان هو فى البدء عند
الله، و “كان” هو الله، “كان” قبل وجود للخليقة و
“كان” هو الخالق، “كل شىء به كان” أى بالكلمة، الرب يسوع
المسيح، و “كان” فى هذه الآية “كل شىء به كان” فى أصلها
اليونانى “صار
– egeneto”، وحرفياً “جاء إلى الوجود”، “وبغيره لم يكن شىء
مما كان (صار – جاء إلى الوجود
– egeneto”. اذاً، فهو
الذى كان “موجوداً، والخليقة لم تكن قد جاءت إلى الوجود، فهو الخالق، الذى
خلق الخليقة “كل شىء به كان (جاء إلى الوجود)” و “بغيره لم يكن شىء
مما كان (جاء إلى الوجود
)”.

ويؤكد الوحى الالهى أنه
هو، الكلمة، الرب يسوع المسيح، نبع الحياة ومصدرها بقوله “فيه كانت
الحياة”(61)، فهو معطى الحياة للخليقة سواء كانت مادية (جسمانية) أو أخلاقية،
وهو معطى الحياة الأبدية لكل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية”(62)،
“الذى يؤمن بالابن له حياة أبدية”(63)، “من يؤمن بى فله حياة
أبدية”(64). هو مصدر نبع، الحياة ومبدأها. وهذا ما عبر عنه القديس يوحنا
الرسول بالروح القدس بقوله
:

 C “الذى كان من البدء، الذى سمعناه الذى
رأيناه بعيوننا الذى شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة. فأن الحياة أظهرت
ونشهد ونخبركم بالحساة الأبدية التى كانت عند الآب وأظهرت لنا”(65).

فالكلمة، كلمة الله،
الرب يسوع المسيح “كان” عند الله الآب، كان من البدء عند الله الآب، كان
بلا بداية، من الأزل، كان أبداً، فهو الحياة الأبدية، الذى كان قبل كل شىء وهو
الذى كون، خلق أوجد كل شىء هو الذى جاء بكل شىء إلى الوجود، خلق كل شىء
.

2- جاء فى الرسالة إلى كولوسى قول الوحى الالهى:

الذى هو صورة الله غير المنظور بكر كل خليقة.
فأنه فيه خلق الكل ما فى السموات وما على الأرض ما يرى وما لايرى سواء كان عروشاً
أم سيادات أم رياسات أم سلاطين. الكل به وله قد خلق. الذى هو قبل كل شىء وفيه يقوم
الكل”(66).

وفى هذه الآيات الثلاث
يكشف لنا القديس بولس بالروح القدس عن أربعة القاب، أربع صفات للرب يسوع المسيح هى
:

1- صورة الله.

2- البكر.

3- الخالق.

4- الأزلى.

1- صورة الله: يتكرر تعبير “صورة الله”
للرب يسوع المسيح ثلاث مرات
:

C “المسيح الذى هو صورة الله”(67).

C “الذى هو صورة الله غير المنظور”(68).

C “الذى إذ كان فى صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون
مساوياً لله”(69). وصورة الله مثل كلمة الله هو الله ذاته، وكما دعى السيد
المسيح كلمة الله “ويدعى أسمه كلمة الله”(70) بمعنى أنه الله “وكان
الكلمة الله”(71)، دعى أيضاً “صورة الله” بمعنى أنه الله. ويستخدم
الوحى الإلهى فى الآيتين الأولى والثانية النص اليونانى “إيكون
_ Eikon”، “Eikon Tou Theou”، صورة، صورة الله، وهذا النص يعنى:

أ- “صورة طبق
الأصل” والتى تعنى بالنسبة للرب يسوع المسيح، أو تجلى الذات الالهية فى شخصه،
بمعنى أن “طبيعة الله وجوهره (كينونته) أعلنت، ظهرت فيه”(72) كما
خبر”(73)، “هو الذى أخبر عنه” وكما عبر القديس بولس بالروح، أيضاً
“لأناره معرفة مجد الله فى وجه يسوع المسيح”(74).

ب- كما يعنى
“الشبه الدقيق”، الصورة الزيتية، أو الفوتوغرافية، أو الصورة المنقولة
على العملة (النقود المعدنية)، أو صورة الشخص المنعكسة فى المرآة. والمسيح هو
“صورة الله” بمعنى أنه الصورة الدقيقة لله الآب، مثل صورة الملك على
العملة، أو الانعكاس كما يظهر الشخص فى المرآة(75)، فهو نفسه “بهاء مجد الله
ورسم جوهره” أشعاع مجد الله، وصورة جوهر الله
.

وفى الآية الثالثة
يستخدم النص اليونانى “مورفى
_ Morehe” والذى يعبر
عن طبيعة الكيان وشخصه(76)، والذى يشير إلى الظهور الخارجى الذى يوصل للجوهر(77)،
وهنا يُ عبر عن الكيان الجوهرى لله(78)، ولذا فالتعبير “صورة الله” فى
هذه الآية مترجم فى
NIV “فى نفس طبيعة الله In
The Very Nature Of God”
أى “الذى إذ كان فى نفس طبيعة
الله”(79).

ويسبق قوله “صورة
الله
– Morphe Theou” عبارة “الذى إذ كان – Hos
en”
، و “كان” هنا
ليست فى الماضى البسيط
“Eimai”(80)، بل فى الزمن المستمر والذى يعنى هنا الوجود من البدء أسبقية
الوجود، الذى كان موجوداً دائماً، بصفة مستمرة فى حالة الأستمرار، مثل قوله
“فى البدء كان الكلمة”. ويلى ذلك أيضاً قوله أنه، المسيح، “مساوياً
لله” الآب. ولا يساوى الله إلا الله، كلمة الله، صورة الله، الذى له نفس
طبيعة وجوهر الله. هو الذى كان دائماً ويكون دائماً وسوف يكون أبداً، الأزلى
الأبدى، السرمدى
.

2- البكر: أستخدمت كلمة “بكر فى العهد الجديد
عن السيد المسيح يمعنى السيادة والسمو والتفوق فى كل شىء
:

 C “الذى هو البداءة بكر من الأموات لكى يكون
هو متقدماً فى كل شىء”(81).

 C “متى أدخل البكر إلى العالم يقول ولتسجد
له كل ملائكة الله”(82).

 C “يسوع المسيح الشاهد الأمين البكر من
الأموات ورئيس ملوك الأرض”(83).

وفى هذه الآيات يشير
الوحى الالهى إلى أسبقية فى الزمن وسمو وسيادة وتفوق فى المكانة، المكانة السامية.
وفى هذه الآية، “بكر كل خليقه”، تعنى وجود المسيح السابق لكل خليقة،
السابق فى الوجود والزمن. وهو أيضاً فوق كل خليقة فى المكانة السامية والكرامة.
وتركز الآية بصفة خاصة على سموه وسيادته، فهو “البكر فوق كل خليقة”(84).
وهو فوق كل خليقة لأنه خالقها ومدبرها، ومن ثم تدين له الخليقة بوجودها ومعناها
.

3- خالق الكون: “فأن فيه خلق الكل ما فى
السموات وما على الأرض ما يُرى وما لا يُرى سواء كان عروشاً أم سيادات أم رياسات
أم سلاطين. الكل به وله قد خلق”. كما سبق وقيل “كل شىء به كان (كون)
وبغيره لم يكن شىء مما كان (كون _ جاء إلى الوجود _ خلق)”.(85
)،

وأيضاً “ورب واحد
يسوع المسيح الذى به جميع الأشياء ونحن به”(86)، ويستخدم الوحى الإلهى فى هذه
الآيات، وخاصة الأولى ثلاثة حروف جر “فيه – به – له” بمعنى لاهوتى دقيق.
“فيه خلق الكل” بمعنى أنه سبب وعله كل شىء سبب وجود كل شىء وخالقه،
الخالق الذى أوجد، خلق، كل شىء، جاء به إلى الوجود. كل شىء خلق فيه، فهو الأصل
والمصدر والمبدىء.و “الكل به”، “كل شىء به كان وبغيره لم يكن شىء
مما كان.. كوُن العالم به”(87)، “الذى به جميع الأشياء ونحن به”،
هو خالق الكون وما فيه، الذى كونه، صنعه، جاء به إلى الوجود، خالق السماء وما فيها
من كائنات روحية غير مرئية والأرض وما فيها وما عليها من كائنات مرئية، الكون كله
من أصغر جزء فى الذرة إلى أكبر المجرات ما يُرى وما لا يُرى، ما نعرفه وما لا
نعرفه. هو الذى كان فى البدء وقبل البدء الزمنى، كان من الأزل، البداءه والمبدىء
الذى جاء بالكون وما فيه إلى الوجود
.

والكل خلق له أيضاً
“الكل به وله قد خُلق”، هو الخالق للكون وهو الغاية والهدف الذى يتجه
إليه ويتحرك نحوه كل شىء لخدمة وتحقيق أرادته وتسبيحه وتمجيده، سواء شاء أم ابى.
وقد جاء فى سفر الرؤيا قول الوحى الإلهى أن جميع الكائنات تصرخ أمامه قائلة
:

C “بصوت عظيم مستحق هو الحمل (المسيح)… أن يأخذ
القدرة والغنى والحكمة والقوة والكرامة والمجد والبركة… والسلطان إلى أبد
الأبدين”(88). فهو كما يقول الكتاب: الذى من أجله الكل وبه الكل”(89).

وعبارة “كل شىء فى
اليونانية
“Ta Panta” تُترجم أيضاً “الكون”. وتشير،
هنا إلى الكون، كل الخليقة المادية والروحية فى السموات والأرض، المرئية وغير
المرئية، عالم الملائكة، الكائنات الروحية، وعالم البشر وكل الكائنات الأرضية،
الكواكب والمجموعات الشمسية والمجرات، الكون كله. المسيح هو خالقه وهو ربه
“رب الكل”(90).

4- الأزلى: مقيم الكون مدبره: ويشير الكتاب بقوله
“الذى هو قبل كل شىء إلى وجوده السابق للخليقة، إلى أزليته، إلى وجوده الأزلى
قبل الكون، إلى سرمديته، كالأزلى بلا بداية وهو أيضاً الأبدى بلا نهاية
.

و”فيه يقوم
الكل”، “فيه قُوام(91) و (يتكون)(92) كل شىء بمعنى يتوحد ويتماسك
ويُدار، فهو الذى يجعل الكون متماسك والذى جعل للكون “نظاماً كاملاً متكاملاً
(Cosmos)
بدلاً
من اللاتكون(93). وهذا يساوى قوله “وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته”(94)،
والذى يعنى يحافظ على الكون ويبقيه ويديره فى حركته المستمرة، أى أن “كل
الأشياء (الكون
Tapanta) تتوقف على تماسكها فيه أو تبقى بتماسكها
فيه”(95)، وهو يدير الكون فى حركته المستمرة وتغيراته الدائمة، وكما قال أحد
العلماء
(Weiss) “مع الكل فى كل تغيراته وتحولاته فى كل
الدهور”(96).

4- جاء فى الرسالة إلى العبرانيين قول الوحى الإلهى:

C “يسوع المسيح هو هو أمساً واليوم وغلى
الأبد”(97
)

C “وأما عن الأبن كرسيك يا الله إلى دهر الدهور
قضيب أستقامة قضيب ملكك. أحببت البر وأبغضت الأثم من أجل ذلك مسحك الله إلهك بزيت
الأبتهاج أكثر من شركائك. وأنت يا رب فى البدء أسست الأرض والسموات هى عمل يديك.
هى تبيد ولكن أنت تبقى. وكلها كثوب تبلى وكرداء تطويها فتتغير ولكن أنت أنت وسنوك
لن تفنى”(98).

وتعبر هذه الآيات عن
أزلية الرب يسوع المسيح وأبديته، سرمديته، إلى جانب أنه خالق الكون، كما تعبر عن
كونه الحى الدائم إلى الأبد، وتخاطبه بلقب “الله”، “كرسيك يا
الله” وبأسم “يهوه”، “وأنت يا رب” هنا مقتبسه من مزمور
103 الذى يخاطب الرب، يهوه “باركى يا نفسى يهوه”. وتخاطبه بالذى كان فى
البدء “وأنت يارب فى البدء”، وبالحى القيوم، الباقى “أنت
تبقى”، وغير المتغير، والدائم إلى الأبد، والذى لا يفنى. ويتكرر فى الآيات
تعبيرى “هوهو” و “أنت أنت” للدلالة على الثبات وعدم التغير،
من الأزل وإلى الأبد، فى الماضى “أمساً” والحاضر “اليوم”،
والمستقبل “وإلى الأبد”. فهو الحى، القيوم، الأذلى، الأبدى، الباقى،
الدائم، البداية والنهاية، الأول والآخر، الألف والياء، الذى لا يفنى
.

5- جاء فى الرسالة إلى رومية قول الرسول بالروح
القدس
:

C “ومنهم المسيح حسب الجسد الكائن على الكل الهاً
مباركاً”(99).

فى الجزء الأول من
الآية يتحدث عن تجسد المسيح وأتخاذه جسداً من مريم العذراء ابنة داود وإبراهيم.
أما الجزء الثانى فيتحدث عن المسيح بلاهوته ك “الكائن على الكل” و
“الله المبارك”، هو “الكائن”، “يهوه”، “رب
الكل”. ويستخدم الوحى فى هذه الآية لتبين “الكائن على الكل” والذى
يساوى “يهوه رب الكل”، و “إلهاً مباركاً” والذى يترجم حرفياً
“الإله المبارك” و “الله المبارك” إلى الأبد
.

والخلاصة، كما جاء فى
الآيات السابقة أن الرب يسوع المسيح هو، الرب، رب الكل، الله، الأبدى، الأزلى،
السرمدى، الحى القيوم، الدائم، غير المتغير، الباقى، الخالق، المدبر، المعين،
المدير (الذى يدير الكون)، السيد، السامى، المتفوق، كلمة الله، صورة الله، رسم
جوهر الله، بهاء مجد اللهن رب الكون وخالقه ومدبره، القدوس، الحق، المبارك، البدء،
الأول، الآخر، الألف، الياء، الحياة، معطى الحياة، الذى له الحساة فى ذاته،
المحيى، المميت، القدير
.

 

 

(1) رؤ 8: 1.

(2) يو 38: 6.

(3) يو 51: 5.

(4) يو 62: 16.

(5) يو 28: 16.

(6) يو 5: 17.

(7) يو 24: 18.

(8) يو 27: 16.

(9) يو 42: 8.

(10) يو 13: 3.

(11) يو 58: 8.

(12) يو 59: 8.

(13) يقول الكتاب “من جدف على أسم يهوه فإنه يقتل. يرجمه كل
الجماعه رجماً. الغريب كالوطنى عندما يجدف على الأسم يقتل” (لا 16: 24).

(14) يو 27: 8.

(15) أش 8: 42.

(16) رؤ 17: 1،18.

(17) رؤ 13: 22.

(18) رؤ 7: 3.

(19) أش 6: 43.

(20) أش 5: 45،6.

(21) أش 9: 46.

(22) أش 8: 44.

(23) أش 21: 45.

(24) أش 14: 45.

(25) 10: 43.

(26) يو 26: 5.

(27) يو 4: 1.

(28) يو 25: 11.

(29) ى 6: 14.

(30) أش 18: 49.

(31) حز 11: 5.

(32) دا 26: 6.

(33) تث 32ك: 39،40.

(34) رؤ 6: 10.

(35) رؤ 10: 4.

(36) يو 18: 1.

(37) ملاك من طغمه السيرافيم (أش 2: 6).

(38) Vencent’s
Word Study Of The NT Vol. 2 P. 433

(39) رؤ 7: 3.

(40) لا 2: 22.

(41) مز 21: 33.

(42) أش 16: 5.

(43) أش 15: 57.

(44) رؤ 10: 6.

(45) أع 14: 3.

(46) أع 27: 4.

(47) 1 بط 15: 1.

(48) لو 35: 1.

(49) عب 26: 7.

(50) 1 صم 2: 2.

(51) أش 3: 6.

(52) يو 41: 12.

(53) 1 يو 3: 1.

(54) يو 5: 17.

(55) تك 1: 1.

(56) القداس الغريغورى.

(57) ميخا 2: 5.

(58) N & P. Fath.
2 nd S. Vol. 10 P.209
.

(59) Vencent’s W. S. NT P. 29.

(60) Ibid.

(61) يو 4: 1.

(62) يو 15: 3،16.

(63) يو 36: 3.

(64) يو 37: 6.

(65) 1 يو 1: 1،2.

(66) 15: 1-17.

(67) 2 كو 4: 4.

(68) كو 15: 1.

(69) فى 6: 2.

(70) رؤ 13: 19.

(71) يو 1: 1.

(72) Garbelein
Vol. 11 P. 123
.

(73) يو 18: 1.

(74) 2 كو 6: 4.

(75) Ibid.

(76) Ibid.

(77) Gaebelein
Vol. 11 P. 123
.

(78) Vencent’s
Vol. 3 P. 431
.

(79) الترجمة الدولية الحديثة.

(80)

(81) كو 18: 1.

(82) عب 6: 1.

(83) رؤ 5: 1.

(84) NIV.

(85) يو 3: 1.

(86) 1 كو 6: 8.

(87) يو 3: 1ن10.

(88) رؤ 12: 5،13.

(89) عب 10: 2.

(90) أع 36: 10.

(91) الترجمة اليسوعية الجديدة.

(92) الترجمة العربية الجديدة.

(93) Gaebelein
Vol. 11 P. 183
.

(94) عب 3: 1.

(95) Vencent’s
Vol. 4 P. 383
.

(96) Ibid.

(97) عب 8: 13.

(98) عب 8: 1-12.

(99) رو 5: 9.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى