علم التاريخ

عصر الروم الذهبي 843-1025



عصر الروم الذهبي 843-1025

عصر
الروم الذهبي 843-1025

سيف
الدولة الحمداني

دولة
الحمدانيين: (942-1003) ولم يقع أي تمزيق جديد في جسم الدولة العباسية في أيام
المعتضد (892-902) والمكتفي (902-908). ولكن في عهد المقتدر (908-932) عادت الدولة
إلى ما كانت عليه من التفكك ثم أضاع القاهر (932-934) والراضي (934-940) والمتقي
(940-944) والمستكفي (944-946) آخر ولاياتهم فاضمحلت بذلك سلطة الخليفة الزمنية
بكاملها.

وكان
بين الطامعين في الملك والسلطان في أثناء هذا الانحلال بعض القبائل البدوية
العربية. ولعل أشهر هؤلاء بنو تغلب. فإن كبيرهم الأمير عبدالله بن حمدان تمكن في
السنة 905 في عهد المكتفي في الاستئثار بالسلطاة في الموصل ونواحيها. وتمكن ولده
حسن وعلي في السنة 942 من انتزاع اللقبين ناصر الدولة الأول وسيف الدولة الثاني.
وتوغل سيف الدولة في الجزيرة في السنة 937. وفي السنة 944 دخل حلب وأسس فيها دولة
دامت حتى السنة 1003. وبقي ناصر الدولة في الموصل يسكن الفتن في بغداد بينما هبّ
سيف الدولة يمتشق حسام -سيف- الإسلام في وجه الروم. وما فتئ كذلك حتى أدركته
المنية في السنة 967.

ولما
استقر سيف الدولة في حلب وجعلها عاصمة لملكه وقاعدة لأعماله الحربية تحوّل القتال
الرئيسي بين الروم والمسلمين من جبهة أرمينيا إلى خط جديد امتد من قليقية حتى
دياربكر. وانتقلت المبادرة في هذه الحروب إلى الروم. ويرى رجال الاختصاص أن انتصار
الروم على المسلمين في القرن العاشر لم يكن نتيجة ضعف العباسيين فحسب بل أنه تأتى
عن تجدد عند الروم وتيقظ وتنشط وأن هؤلاء وإن اختلفوا في العنصر فقد اتحدوا في
الأرثوذكسية وفي المفاخرة بأمجاد ماضية وشعروا بوجوب إعادة النظر في أنظمتهم
السياسية والاجتماعية والاقتصادية وبوجوب اتقان الجيش وتكميله ليأتي بالفائدة
المطلوبة. فالروم في القرن العاشر في نظر هؤلاء كانوا في يقظة ونشاط لا في غفلة
وانقسام.

وأثقل
الحمدانيون كاهل العشائر الضاربة في الجزيرة بالضرائب وبين هؤلاء بنو حبيب. وكان
بنو حبيب تغالبة أيضاً فشق عليهم الأمر فانقبضوا ثم خرجوا للقتال. فجرّد عليهم
ناصر الدولة في السنة 935 فقهرهم. فعولوا على الرحيل. فقاموا عشرة آلاف فارس
بنسائهم وأولادهم وعبيدهم وقطعوا الحدود والتجأوا إلى الروم وعادوا إلى المسيحية
دين الجدود. وحذا حذوهم غيرهم من عشائر الجزيرة.

وفي
السنة 938 سجل سيف الدولة انتصاره الأول على الروم أمام حصن زياد فدخله عنوة. ثم
خرج منه يقاتل فأدركه الروم بين حصن زياد وحصن سلام فدارت الدائرة على الروم فيما
يظهر وتغنى أبو فراس بالنصر. وفي السنة 939 أنفذ الروم حملة إلى القوقاس لتأديب
الكرج -جورجيا حالياً- لأنهم امتنعوا عن غزو المسلمين على الرغم من كونهم
أرثوذكسيين يدينون بدين الفسيلفس. فاستنجد الكرج الحمدانيين. فهبّ سيف الدولة في
بلاد الروم فأصبح زعيم الجهاد الأكبر وعدو المسيحية عند الروم. وشغلت سيف الدولة
ما بين السنة 940 والسنة 944 مشاغل في عاصمة الخلافة كان محورها السلطة العليا
فانقض على الروم على قيليقية في خريف السنة 940 ووصلوا إلى منطقة كفرتوتة. ثم
شغلوا في أوروبة فتراجعوا. وعادوا في مطلع السنة 942 فانطلقوا في سهول قيليقية حتى
حدود سورية. ثم انقض غرغون في خريف هذه السنة نفسها على مقاطعة دياربكر فاستولى
على ميافارقين كما سبق وأشرنا. وكان ما كان من أمر المنديل. وفي السنة 944 دخل سيف
الدولة حلب وحمص وانتزعها من يد الأخشيديين فانطلق الروم في منطقة مرعش ومنقطة
بغراس حتى مداخل أنطاكية. فردّ سيف الدولة بإغارة في منطقة عرابسوس.

وجاءت
السنة 946 فتبادل الخصمان الأسرى عند لامس سلفكية. وفي ربيع السنة 948 خرج الروم
من ملاطية وسميساط واتجهوا نحو الجزيرة ليستولوا على ممر الحدث مرعش. فصمد سيف
الدولة في معركة جلباط الوارد ذكرها في إحدى قصائد أبي فراس. وفي الربيع التالي
949 ظهر لاوون بن فوقاس أمام الحدث محاصراً فدخلها عنوة ودكّ حصونها. واستولى
الروم أيضاً على مرعش وقاتلوا عند أسوار طرسوس. وحملوا على جزيرة اقريطش ولكن دون
جدوى. وفي ربيع السنة 950 قام سيف الدولة إلى الجزيرة يتفقد شؤونها فانقض لاوون بن
فوقاس على شمال سوريا حتى مداخل أنطاكية وحاصر بوقة في سهل العمق فهب محمد بن ناصر
الدولة لقتاله ولكنه فشل فشلاً ذريعاً.

 

خرشنة
والمصيبة: (950) وعاد سيف الدولة إلى حلب يستعد للقتال فجمع ثلاثين ألفاً واصطحب
ثلاثة من الشعراء “المتنبي وأبا فراس وأبا زهير المهلهل” ونهض إلى مرعش
فملاطية فاحتل صارخة وقتل وسبى وأحرق. وأراد العودة إلى حلب. ثم علم أ، لاوون ابن
فوقاس قد حشد في منطقة خرشنة
Charsianon فعاد إليه وأنزل به خسارة كبيرة. ثم اتجه نحو الجنوب فصمد له
الروم في درب الجوزات بين الألبستان والحدث. ومرت طلائع سيف الدولة ولم يحرك الروم
ساكناً. ثم أقبل سيف الدولة فوجد الممر مقطوعاً فأمطره الروم حجارة وصخوراً
وسهاماً. ثم لحق به الروم ثانية وثالثة وأرهقوه فتفرق رجاله ففر هارباً نحو حلب
فعرفت هذه الحرب بغزوة المصيبة.

 

يوحنا
جيمسكي: وفي السنة 958 بدت علامات الضعف في مقاومة سيف الدولة. وتسلّم قيادة الروم
يوحنا جيمسكي
Jean Tzimisces “يوحنا شمشيق” فأحرز انتصارات متتالية في الجزيرة
العليا واحتل أكثر مدنها. ثم حاصر سميساط على الفرات الأعلى وأنزل بسيف الدولة
سلسلة من الهزائم وبعد السنة 960 أضاف الروم إلى ملكهم كل ما وقع شرقي الفرات
جاعلين من هذه المناطق ثيمة الجزيرة.

 

احتلال
أقريطش: (960-961) وكان لقسطنطين السابع ولد اسمه رومانوس وتزوج وهو ابن سبع عشر
سنة بابنة اسمها ثيوفانو. وكانت ثيوفانو تكره العيشة بين حماتها وبنات حميها.
فأوعزت إلى زوجها رومانوس فدس السم لوالده قسطنطين. وشرب منه جرعة فلم يعش قسطنطين
إلا سنة واحدة. وكان رومانوس الثاني منصبّاً على الشهوات والملاهي فاتكل على زوجته
في إدارة الأمور وعلى رجل اسمه يوسف ابرينكاس
Bringas.
ولمس ابرينكاس ضعف العرب ورأى الظرف ملائماً لإرجاع أقرطيش إلى حوزة الروم. فأعدّ
نيقيفوروس فوقاس أسطولاً عظيماً وجيشاً كبيراً واقتحم الخندق فدخلها عنوة في ربيع
السنة 961 ثم استولى على الجزيرة بأسرها. ونقل إليها جاليات يونانية وأرمنية
واستدعى نيقن مطانويتا القديس المبشر ليكرز فيها باسم المسيح وينصّر سكانها
المسلمين.

 

مغارة
الكحل: (960) وأحب سيف الدولة أن يغتنم هذه الفرصة السانحة فجهز ثلاثين ألفاً وقام
بهم إلى خرشنة. فأسرع لاوون فوقاس إلى تلال طوروس يسد عليه طريق العودة وكمن له
عند ممر اندراسوس
Andrasos “مغارة الكحل” فهزمه فيه. وعظمت غنائم لاوون فأسر عدداً
كبيراً من المسلمين وأطلق سراح جميع من كان قد وقع في الأسر من الروم.

 

عين
زربا وحلب: (962) ورأى نيقيفوروس أن يستغل الكارثة التي حلَّت بسيف الدولة فيفتتح
قيليقية أكبر المعاقل البحرية الإسلامية بعد اقريطش وأقرب الطرق إلى سورية. فجال
جولة موفقة في مطلع السنة 962 واستولى في اثنين وعشرين يوماً على خمسين بلدة أو
حصناً. وعاد في أول الصوم الكبير إلى قبدوقية. وأعاد الكرّة في الخريف فافتتح عين
زربة. ولم يقوَ سيف الدولة على الصمود في وجهه عند ممرات الأمانوس فتدفقت جيوش
نيقيفوروس إلى سهول سورية حتى منبج على الفرات. ثم حاصر نيقوفوروس حلب أحد عشر
يوماً (20-31 كانون الأول 962) فاقتحم سورها ولكنه لم يقوَ على القلعة. وعاد إلى
القسطنطينية بغنائم عظيمة. وعلم بوفاة رومانوس الثاني وهو في طريقه إلى العاصمة.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى