اللاهوت الدفاعي

4- الكلمة (o` lo,goj – Logos) كما جاء في الإنجيل للقديس يوحنا



4- الكلمة (o` lo,goj – Logos) كما جاء في الإنجيل للقديس يوحنا

4- الكلمة (o` lo,gojLogos) كما جاء في الإنجيل للقديس يوحنا

 

وعلى
عكس ما جاء في الفلسفة اليونانية وفلسفة فيلو عن اللوجوس فقد كتب القديس يوحنا
بالروح القدس عن اللوجوس الإلهي، كلمة الله الذي من ذات الله وفي ذات الله، نطق
الله العاقل وعقله الناطق. فقد كان القديس يوحنا هو التلميذ الحبيب ” التلميذ
الذي كان يسوع يحبه ” (يو19: 26؛ 20: 2؛ 21: 7)، وهو الذي اتكأ على صدر
المخلص ” التلميذ الذي كان يسوع يحبه وهو أيضا الذي اتكأ على صدره وقت العشاء
” (يو21: 29)، ” فاتكأ ذاك على صدر يسوع ” (يو13: 25)، ومن ثم فقد
كان هو التلميذ المحبوب القريب من قلب الرب يسوع المسيح والذي ركز على حوارات الرب
يسوع المسيح مع الكتبة والكهنة والفريسيين والتي أشار فيها كثيرا إلى لاهوته
وتجسده. وقد عرف القديس يوحنا من خلال أحاديث الرب يسوع المسيح وحواراته مع هؤلاء
في الهيكل أنه، الرب يسوع، هو ” الكلمة “، ” كلمة الله الأزلي الذي
لا بداية له ولا نهاية “، وأنه ” الله ” أو ” الكائن الإلهي
“، و ” الابن الذي من نفس جوهر الله الآب “، وأنه ” الحياة
“؛ ” فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس ” (يو1: 4)، و ”
معطي الحياة “؛ ” الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية ” (يو3: 36)،
” الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية ” (يو6: 47)، وأنه
” نور العالم ” (يو8: 12)، ” النور الذي يضيء في الظلمة ”
(يو1: 5)، ” أنا قد جئت نورا إلى العالم حتى كل من يؤمن بي لا يمكث في الظلمة
” (يو12: 46)، و ” الابن الوحيد الجنس الذي في حضن الآب ” (يو1: 18)،
والذي ” من الآب “؛ ” كما لوحيد من الآب ” (يو1: 14)، وأنه
” ابن الله “؛ ” ونحن قد آمنّا وعرفنا انك أنت المسيح ابن الله
الحي ” (يو6: 69)، و ” ابن الله الوحيد “؛ ” الابن الوحيد
الذي هو في حضن الآب ” (يو1: 18)، ” بهذا أظهرت محبة الله فينا أن الله
قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به ” (1يو4: 9)، الموجود قبل يوحنا
المعمدان ” هذا هو الذي قلت عنه يأتي بعدي رجل صار
قدامي لأنه كان قبلي
” (يو1: 30)، والموجود قبل إبراهيم: ” قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن ” (يو8: 58)،
والموجود ” قبل الخليقة كالخالق “؛ ” كان
في العالم وكوّن العالم به ولم يعرفه العالم
” (يو1: 10)، والموجود في
الذات الإلهية، في ذات الآب ” أنا في الآب والآب فيّ ” (يو14: 10و11)،
والذي يتبادل المجد المتساوي مع الآب ” والآن
مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم

” (يو17: 5)، والذي
يتبادل الحب الإلهي مع الآب في الذات
الإلهية ” لأنك أحببتني قبل أنشاء (كون – تأسيس) العالم ” (يو17: 24)،
والذي يرسل الروح القدس من ذات الآب ” ومتى جاء
المعزي الذي سأرسله أنا
إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو
يشهد لي ” (يو15: 26)، والذي يعمل كل أعمال الله الآب”.لان مهما عمل ذاك
(الآب) فهذا يعمله الابن كذلك ” (يو5: 19)، ” أبي يعمل حتى الآن وأنا
اعمل ” (يو5: 17)، وبالتالي فهو المساوي للآب في الجوهر بل ومن نفس الجوهر
عينه الذي للآب ” قال أيضا أن الله أبوه معادلاً (مساوياً) نفسه بالله ”
(يو5: 18)، والذي ناداه توما ” ربي وإلهي ” (يو20: 28). كما أدرك القديس
يوحنا بالروح أنه ” الإله الحق والحياة الأبدية ” (1يو5: 20)، وأنه الذي
كان من البدء ولكنه تجسد وظهر لنا على الأرض كإنسان ” والكلمة صار جسدا وحلّ
بيننا ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الآب مملوءا نعمة وحقا ” (يو1: 14)،
” الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته
أيدينا من جهة كلمة الحياة. فان الحياة أظهرت وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة
الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا. الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به لكي يكون
لكم أيضا شركة معنا. وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح ”
(1يو1: 1-3). وأنه جاء إلى العالم ليبذل نفسه فدية عن حياة العالم ” هكذا أحب
الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة
الأبدية. لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلّص به العالم
” (يو3: 16و17)، فقد كان ” هو بالحقيقة المسيح مخلّص العالم ” (يو4:
42)، ومن ثم فقد كتب القديس يوحنا بالروح: ” يا أولادي اكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا. وان اخطأ احد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار
وهو كفارة لخطايانا.ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضا ” (1يو1: 1و2).

 كما
وصف نفسه بالاسم الإلهي الذي عرّف الله به ذاته وكشف فيه عن كينونته ووجوده الدائم
الأزلي الأبدي لموسى النبي عندما سأله، موسى، عن اسمه ومعناه
ومغزاه: ”
فقال الله لموسى أهيه الذي أهيه. وقال هكذا تقول لبني إسرائيل أهيه
(
hy<ßh.a,(o` w’n = الكائن) أرسلني
إليكم وقال الله أيضا لموسى هكذا تقول لبني إسرائيل يهوه (
hw”ùhy>ku,rioj) اله آبائكم اله
إبراهيم واله اسحق واله يعقوب أرسلني إليكم. هذا اسمي إلى الأبد وهذا ذكري إلى
دور فدور
” (خر3: 13-15). و تعني عبارة
أهيه الذي أهيه –
hy<+h.a,(rv<åa] hy<ßh.a,(“، ” أكون الذي أكون ” أو ”
الكائن الذي يكون “، وترجمت في اليونانية ” أنا هو الكائن –
evgw, eivmi o` w;n – إيجو إيمي هو أوُن “، ومنها اسم الفاعل
” يهوه –
hw”ùhy> ” والذي ترجم في اليونانية ” ku,rioj = رب = Lord“. واسم ” يهوه ” هذا لم يستخدم لغير الله
كما يقول الكتاب بلسان الله ذاته: ” أنا الرب (يهوه) هذا اسمي ومجدي لا
أعطيه لآخر
” (اش42: 8). وقد عرف جميع الأنبياء بالروح وآمنوا أن
” يهوه ” هو اسم الله وحده: ” ويعلموا انك اسمك يهوه
(مز83: 18)، ” فيعرفون أن اسمي يهوه ” (ار16: 21)، ” يهوه
اسمه
” (ار33: 2)، ” والرب اله الجنود يهوه اسمه
(هو12: 5)، ” يهوه اله الجنود اسمه ” (عا4: 13)، ” يهوه
اسمه
” (عا5: 8؛ 9: 6).

 وقد
أعطى الرب يسوع المسيح لنفسه هذا الاسم مؤكدا أنه هو نفسه ” يهوه ” الرب
الإله ” كلمة يهوه: ” قال لهم يسوع الحق الحق
أقول لكم قبل أن يكون إبراهيم
أنا كائن ” (يو8: 58). وقد
استخدم هنا نفس التعبير ”
evgw. eivmi,
(
ego eimi) = أنا كائن أو أكون “، والذي استخدمته الترجمة اليونانية
لقول الله عن نفسه: ” أنا كائن =
evgw, eivmi o` w;n“. وقد كرر الرب يسوع المسيح هذا التعبير أو هذا الاسم مرات
كثيرة مرتبطا بكونه الإله وكلمة الله:

U ” فقال لهم يسوع أنا هو (evgw. eivmi,) خبز الحياة ” (يو6: 35).

Uأنا هو (evgw. eivmi,) الخبز الذي نزل من السماء ” (يو6: 41).

Uأنا هو (Egw, eivmi) خبز الحياة ” (يو6: 48).

Uأنا هو (evgw. eivmi) الخبز الحي الذي نزل من السماء ” (يو6: 51).

Uأنا هو (evgw. eivmi) نور العالم ” (يو8: 12).

U ” أن لم تؤمنوا أني أنا هو (Egw, eivmi) تموتون في خطاياكم ” (يو8: 24).

U ” متى رفعتم ابن الإنسان فحينئذ تفهمون أني أنا هو (evgw. eivmi)” (يو8: 28).

Uأنا هو (evgw. eivmi) الباب ” (يو9: 10).

Uأنا هو (Egw, eivmi) الراعي الصالح ” (يو10: 11).

Uأنا هو (evgw. eivmi) القيامة والحياة. من آمن بي ولو مات فسيحيا ” (يو11:
25).

U ” أقول لكم الآن قبل أن يكون حتى متى كان تؤمنون أني أنا
هو
(
evgw. eivmi) ” (يو13: 19).

U ” قال له يسوع أنا هو (evgw. eivmi) الطريق والحق والحياة ” (يو14: 6).

Uأنا هو (Egw, eivmi) الألف والياء البداية والنهاية يقول الرب الكائن والذي كان والذي
يأتي القادر على كل شيء
” (رؤ1: 8).

U ” لا تخف أنا هو (evgw. eivmi) الأول والآخر ” (رؤ1: 17).

Uأني أنا هو (evgw. eivmi) الفاحص الكلى والقلوب ” (رؤ2: 23).

Uأنا هو (evgw. eivmi) الألف والياء البداية والنهاية ” (رؤ21: 6).

 كما
تكلم عن كونه الابن من الآب، الذي من الآب والذي في الآب، في حضن الآب والواحد مع
الآب في الجوهر، وفي ذات الآب قبل كل خليقة، وعن حقيقة كونه ابن الله، الابن من
الآب، هذه الحقيقة التي لا يعرفها أحد ولا يقدر أن يعلن عنها أحد غير الابن ذاته
فقال مؤكداً: ” كل شيء قد دفع إليّ من أبي. وليس احد يعرف من هو الابن إلا
الآب ولا من هو الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له ”
(لو10: 22)،
أي أن معرفة الآب والابن لا تتم إلا عن طريق الابن، لماذا؟ يعلل هو ذلك بأنه يعرف
الآب لأنه منه ” أنا أعرفه لأني منه ” (يو7: 29)، فهو
الذي ” من الآب ” و ” في الآب “؛ ” أني
أنا في الآب والآب فيّ … أني في الآب والآب فيّ
” (يو14: 10و11)،
الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو خبر ” (يو1: 18)،
والكائن في
ذات الآب: والآن مجدني أنت أيها الآب عند
ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم
… أيها الآب أريد أن هؤلاء
الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا لينظروا مجدي الذي أعطيتني لأنك أحببتني
قبل إنشاء العالم
” (يو5: 17و24)
، والموجود قبل كل وجود ” قبل
أن يكون إبراهيم أنا أكون
(كائن) ” (يو8: 58)، وكما أعلن عن نفسه:
أنا هو الألف والياء البداية والنهاية
” (رؤ21: 6)، “ أنا الألف
والياء. البداية والنهاية. الأول والآخر
” (رؤ22: 13).

 كما
تكلم عن الآب باعتباره الآتي منه، من الآب، من عند الآب، من ذاته، وغير المنفصل
عنه، الواحد معه، والمساوي له في كل شيء، بل واستخدم كلمة ” الآب
” باستمرار سواء في حديثه عن الله أو في حديثه مع الله بطريقة تؤكد العلاقة
الفريدة بين الآب والابن؛ ففي الإنجيل للقديس مرقس (36: 14) ينادي الآب بالتعبير
الآرامي ” أبا “؛ ” يا أبا
الآب
” الذي يعني ”
daddy“،أي أباه
بصفة خاصة، أبيه الذي هو منه، وهو لقب لم ينادي به أحد الله من قبل (رو15: 8وغل6: 4).
ودائما يقول ” أبي وأبيكم ” (يو17: 20) ولم يقل قط ” أبانا“.
وقد فهم اليهود من أحاديثه عن علاقته الخاصة بالله الآب: ” فأجابهم يسوع أبي يعمل حتى الآن وأنا اعمل. فمن اجل
هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه. لأنه لم ينقض السبت فقط بل قال أيضا
أن الله أبوه معادلاً (مساوياً) نفسه بالله.
فأجاب يسوع وقال لهم الحق
الحق أقول لكم لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئا إلا ما ينظر الآب يعمل. لان مهما
عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك
. لان الآب يحب الابن ويريه جميع ما هو يعمله.
وسيريه أعمالا أعظم من هذه لتتعجبوا انتم. لأنه كما أن الآب يقيم الأموات ويحيي
كذلك الابن أيضا يحيي من يشاء. لان الآب لا يدين أحدا بل قد أعطى كل الدينونة
للابن
” (يو17: 5-22)، “ لأنه
كما أن الآب له حياة في ذاته كذلك أعطى الابن أيضا أن تكون له حياة في ذاته

(يو26: 5)، ولما قال لهم: “ أنا والآب واحد
فتناول اليهود أيضا حجارة ليرجموه. أجابهم يسوع أعمالا كثيرة حسنة أريتكم من عند
أبي. بسبب أي عمل منها ترجمونني. أجابه اليهود قائلين لسنا نرجمك لأجل

عمل حسن بل لأجل تجديف. فانك وأنت إنسان تجعل نفسك إلها

(يو30: 10-33)، “ ولكن أن كنت اعمل فان لم تؤمنوا
بي فآمنوا بالأعمال لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الآب فيّ وأنا فيه

(يو38: 10).

 وكان
يقول لهم: ” لو كنتم قد عرفتموني لعرفتم أبي أيضا. ومن الآن تعرفونه وقد
رأيتموه. قال له فيلبس يا سيد أرنا الآب وكفانا. قال له يسوع أنا معكم زمانا هذه
مدته ولم تعرفني يا فيلبس. الذي رآني فقد رأي الآب فكيف تقول أنت أرنا الآب.
ألست تؤمن أني أنا في الآب والآب فيّ
. الكلام الذي أكلمكم به لست أتكلم به من
نفسي لكن الآب الحال فيّ هو يعمل الأعمال ” (يو7: 14-10)، ” الذي يبغضني
يبغض أبي أيضا ” (يو23: 15). كما يؤكد أن كل ما للآب هو له: ” كل ما
للآب هو لي
” (يو15: 16)، ويخاطب الآب بقوله: ” وكل ما هو لي فهو
لك. وما هو لك فهو لي
” (يو10: 17و11).

 ومن
ثم فقد عرف القديس يوحنا، التلميذ الذي كان الرب يحبه والذي اتكأ على صدر الرب
يسوع المسيح بالروح القدس، وعرف حقيقة لاهوته، وحقيقة كونه الكلمة، اللوجوس، كلمة
الله، الذي في ذات الله والذي من نفس طبيعته وجوهره وواحد معه في الجوهر، أي له
نفس الجوهر عينه الذي لله الآب، وكشف عنه بالروح القدس لذا لم يتأثر لا بالفلسفة
اليونانية ولا بفلسفة فيلو بل بروح الله، روح الرب يسوع المسيح (في1: 19)، فقد عاش
بنفسه ورأى وسمع ولمس ” الكلمة “، ” كلمة الحياة “؛ ”
الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من
جهة كلمة الحياة. فان الحياة أظهرت وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة
الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا
” (1يو1: 1و2).

 وقد
بدأ القديس يوحنا بالروح القدس مقدمة الإنجيل بقول الوحي الإلهي: ” في
البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند
الله. كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان. فيه كانت الحياة
” (يو1:
1-3). والكلمة هنا هو الرب يسوع المسيح نفسه حيث يقول في نفس الفقرة ”
والكلمة

صار
جسدا وحل بيننا ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الآب مملوء نعمة وحقاً
” (يو1: 14)، كما جاء عنه في سفر الرؤيا ” ويدعى اسمه كلمة الله
” (رؤ19: 13).

 والكلمة
هنا، في حقيقته وجوهره، يختلف تماما عن الكلمة عند فلاسفة اليونان وعند فيلو
اليهودي، كما بينّا أعلاه، فالكلمة عند هؤلاء الفلاسفة، غير واضحة المعالم سواء في
تعريفها أو كينونتها. ولكن الكلمة هنا هو الذي كان أصلا مع الله، في ذات الله، بلا
بداية، وكان هو الله، والواحد معه في الجوهر والطبيعة، ومع ذلك فهو كأقنوم مميز عن
الله الآب. هو مُعلن الله الآب؛ ” الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي في
حضن الآب هو خبر” (يو1: 18)، وصورة الله الآب غير المرئي ” صورة الله
غير المنظور ” (كو1: 15)، وهو بهاء مجد الله وصورة جوهره ” الذي وهو
بهاء مجده ورسم جوهره ” (عب1: 2)، والذي كلمنا الله به ” كلمنا في هذه
الأيام الأخيرة في أبنه ” (عب1: 1)، هو الذي خلق كل شيء ” الله خالق
الجميع بيسوع المسيح ” (أف3: 9)، كالمولود من الآب ” الابن الوحيد الذي
في حضن الآب “، والذي صار جسدا ” والكلمة صار
جسدا وحلّ بيننا ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الآب مملوءا نعمة وحقا

” (يو1: 14). أنه ” الكلمة الإلهي الذي في ذات الآب ومن ذات الآب،
الكلمة الذي هو الله الابن”.

 وتعبر
الآية الأولى من هذه الفقرة ” في البدء كان الكلمة
Ven avrch/| h=n o` Lo,goj ” عن وجود، الكلمة، الرب يسوع المسيح السابق وأزليته بصورة
رائعة، ويتركز جوهر هذه الأزلية، وهذا الوجود الأزلي الأبدي في ثلاثة عناصر هي: ”
في البدء ” و ” كان ” و ” كل شيء به كان
” إلى جانب كونه الحياة ” فيه كانت الحياة ” فهو معطي
الحياة ومانحها. ويأتي اسم الكلمة هنا كفاعل ويتكرر كاسم الفاعل في هذه الفقرة
ثلاث مرات، كما يستخدم الفعل ” كان ” اربع مرات للتعبير عن
الكينونة أكثر من التعبير عن الزمن؛ ” كان في البدء “، ” كان مع
الله “، ” كان هو الله “، و ” هذا كان في البدء عند الله”.

(1)
في البدء كان –
Ven avrch/| h=n
en
archee een
“: والبدء هنا
ليس بدءاً زمنياً، إنما هو بدء ما قبل البدء، أي البدء السابق للخليقة، البدء
السابق لعملية الخلق ووجود المخلوقات. فالذي كان في البدء هو الخالق الذي خلق
الخليقة ” كل شيء به كان ” (يو1: 3)، والذي كان قبل الكون، والذي
قال عن نفسه أنه كان ” قبل كون العالم ” (يو17: 5). فهو الخالق
الذي كان موجودا قبل الخليقة ” الكل به وله قد خلق.
الذي هو قبل كل شيء وفيه يقوم الكل ” (كو1: 16و17)، ” من
قبل أن تولد الجبال أو أبدأت الأرض والمسكونة منذ الأزل إلى الأبد أنت الله ”
(مز90: 2).

 وبالرغم
أن البدء هنا يلمح إلى البدء في سفر التكوين ” في البدء (
tyviÞarEB. – براشيت – والذي هو مترجم في اليونانية evn avrch/|) خلق الله السموات والأرض ” (تك1: 1)، وبرغم أنه وضع الكلمة
(
lo,goj) بدلاً من الله (~yhiÞla/ – إيلوهيم) كالخالق، مؤكداً أن الكلمة هو الخالق، فقد خلق الله
الخليقة بكلمته ” بكلمة الرب خلقت السموات ” (مز33: 6)، إلا أن هذا
البدء ” هنا، في هذه الآيات، يذهب إلى ما وراء، إلى ما قبل
الزمن والخليقة(62)،
البدء الذي يسبق بدء التكوين، بدء الخلق. ويستخدم هنا الفعل (كان –
h=neen) من فعل الكينونة (أكون – eivmi,) في الزمن الماضي الناقص، غير التام، والذي يفيد الاستمرار في
الماضي إلى الوراء، إلى اللازمن والأبدية، البدء الذي لا يوصل لأي بداية لله أو
الكلمة (الابن)، لأن الله لا بدء له. البدء في سفر التكوين هو؛ بدء التكوين، بدء
الخلق، بدء عملية الخلق ذاتها، والذي يبدأ من هذه النقطة، الخلق، نازلاً إلى ما
بعد ذلك في دورة الزمن. و ” البدء ” هنا، البدء الذي كان فيه
الكلمة موجوداً، هو ” بدء ” ما قبل البدء، البدء الذي لا بداية
له، لا بدء له، الأزل. أنه البدء الذي يذكر وجود الكلمة قبل الخليقة ويرجع للوراء
إلى ما قبل الزمن، إلى الأزل الذي لا بداية له، إلى الأبدية. في هذا البدء كان
الكلمة موجوداً ” في البدء كان الكلمة “، أي أنه هو كائن وموجود
وخالق الوجود قبل هذا البدء كما يقول الكتاب: ” فانه فيه خلق الكل ما
في السموات وما على الأرض ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشا أم سيادات أم رياسات
أم سلاطين. الكل به وله قد خلق. الذي هو قبل كل شيء وفيه يقوم الكل
(كو1: 16و17).

 والكلمة
الذي كان في البدء هو الكائن الأزلي الأبدي بلا بداية والذي وصف نفسه بالأول الذي
ليس له قبل ولا بداية، قبله لا يوجد شيء، والبداية الذي بلا بداية لها ولا زمن: ”
أنا الألف والياء. البداية والنهاية. الأول والآخر ” (رؤ22: 13)، أو
كما نصلي في القداس الغريغوري: ” غير المبتدىء الأبدي. غير الزمني. الذي
لا يحد
“. وكما يقول عنه ميخا النبي بالروح القدس ” ومخارجه منذ
القديم منذ أيام الأزل
” (مي5: 2).

 يقول
هيلاري أسقف بواتييه (315-67/368م): ” ما هي قوة هذه الكلمات ” في البدء
كان الكلمة؟ “، قروناً ولت دهوراً أنقضت، أتخذ أي بدء تشاؤه ومع ذلك لا يمكن
أن تشمله بزمن “(63).

 ويقول
القديس كيرلس عمود الدين في تفسيره لهذه الفقرة: ” ” في البدء كان
الكلمة ” لا يوجد ما سبق البدء. إذا ظل البدء بالحق بدءاً، لأن بدء البدء
مستحيل
، وإذا تصورنا أن شيئاً ما سبق البدء تغير البدء ولم يعد بدءاً بالمرة.
وإذا تصورنا أن شيئاً يمكن أن يسبق البدء، فإن اللغة الإنسانية سوف لا تمكننا من
الكلام لأن ما سبق البدء هو البدء المطلق والحقيقي ويصبح ما بعد ذلك ليس بدءاً
بالمرة.

 إذاً
لا بدء للبدء حسب دقة المنطق، وتظل حقيقة البدء غير مدركة، لأن إدراكها يجعل البدء
يفقد كونه أنه البدء. وحيث أننا مهما عدنا إلى الوراء فأننا نعجز عن الوصول إلى
البدء مهما حاولنا، فإن هذا يعني أن الابن لم يخلق بالمرة، بل هو كائن مع الآب
لأنه ” كان في البدء”. وإذا كان في البدء فأين هو العقل الذي يستطيع أن
يتخطى كلمة ” كان ” ويتصور أن الابن جاء إلى الوجود في الزمان،
إن كلمة ” كان ” سوف تظل كما هي ” كان ” تتحدى
وتسبق كل البراهين، بل تجوز أمام كل الأفكار التي تحاول عبثاً أن تدركها
.

 ليس من
الممكن أن نعتبر ” البدء ” خاصاً بزمان مهما كان، لأن الابن
الوحيد هو قبل كل الدهور، والطبيعة الإلهية تغلق حدود الزمن، فهي كما هي لا تتغير
حسبما قيل في المزمور عن الله: ” أنت هو وسنوك لن تفنى ” (مز102: 27)،
فالبدء الذي يمكن قياسه بالزمان أو المسافات سوف يتعداه الابن، فهو لا يبدأ في
زمان أو مكان بل هو بلا حدود فهو بالطبيعة الله ويصرخ ” أنا هو الحياة
” (يو14: 6)، ومع أن كل بداية لا يمكن أن تكون بلا نهاية لأن البداية تسمى
بداءة من زاوية خاصة وهي وجود نهاية لها، وكذلك النهاية تسمى نهاية بسبب وجود
بداية لها. وهذه البداية خاصة بالزمان والمسافة، ففي الزمان والمسافة. البداية
تعني نهاية والعكس. أما بالنسبة للابن فالبدء ليس بدءاً زمنياً ولا جغرافياً، فهو
أزلي وأقدم من كل الدهور، ولم يولد من الآب في الزمان لأنه ” كان ” مع
الآب
، مثل الماء في الينبوع، أو كما قال هو ” خرجت من عند الآب وقد أتيت
إلى العالم ” (يو16: 28). فإذا اعتبرنا الآب المصدر أو الينبوع، فإن الكلمة
كان فيه لأنه حكمته وقوته وصورة جوهره وشعاع مجده. وإذا لم يكن وقت كان الآب فيه
بلا حكمة وكلمة وصورة وشعاع. فإنه من الواضح أن الابن الذي هو حكمة وكلمة وصورة
الآب وشعاع مجده أمر لا يحتاج إلى إقرار منا، فهو أزلي مثل الآب الأزلي، وإلا كيف
يوصف بأن صورته الكاملة ومثاله التام، إلا إذا كان له بوضوح ذات الجمال الذي هو
على صورته “(64).

(2)
و ” كان الكلمة
h=n o` lo,goj een ho
logos
“، والفعل ”
كان –
νeen ” جاء في الزمن الماضي الناقص، غير التام، الدال على حالة
كانت مستمرة في الماضي، ويتضمن هنا في هذه الآيات استمرار الوجود، الوجود المستمر
في الماضي. إلا أن الفعل هنا لا يركز على الزمن بقدر ما يركز على كينونة الكلمة
الدائمة في ذات الله الآب، فهو في كينونة دائمة خارج الزمن. وهذا يعنى أنه قبل أن
يبدأ البدء كان الكلمة موجوداً، ويمكن أن تترجم الآية حرفياً ” عندما بدأ
البدء كان الكلمة موجوداً هناك “(65)،
وهذا يعادل ويساوى القول ” الكلمة يسبق الزمن أو الخليقة(66).
فكان هنا تشير إلى الوجود المطلق لارتباطها بالبدء وبالخالق. ومعنى نص الآية
كاملاً: أنه في البدء، وقبل الخلق، كان الكلمة موجوداً وهو الخالق ذاته، الذي كان
موجوداً من الأزل بلا بداية قبل أن يقوم بعملية الخلق، كان موجوداً، وكان هو
العنصر الفعال، الخالق، بدء البدء. وقد بين الرب يسوع المسيح نفسه ذلك عندما خاطب
الآب قائلاً: ” والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي
عندك قبل كون العالم
… لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم ” (يو17: 3و24).
وهنا يتكلم عن وجوده السابق لتكوين وخلق العالم والمجد المتبادل بينه وبين الآب،
في الذات الإلهية. ويتكرر الفعل ” كان –
νeen ” في هذه الآية، عن الكلمة، أربع مرات: ” في البدء
كان
(
ν) … الكلمة كان (ν) … وكان (ν) الكلمةهذا كان (ν) في البدءou-toj h=n evn avrch/| “،
عند الله
pro.j to.n qeo,n“.

 وفي
هذه المرات الأربع تشير إلى ما قبل الخلق والزمن إلى الأزل الذي لا بدء له، إلى
الأبدية، فقد ” كان –
ν ” هو في البدء عند الله، و ” كانνهو الله، و ” كانν ” قبل وجود الخليقة و ” كانν ” هو الخالق، ” كل شيء به كانpa,nta diV auvtou/ evge,neto “، أي بالكلمة، الرب يسوع المسيح، وكل شيء هنا تعني كل شيء
بمفرده واحداً واحداً كقوله: فأنه فيه خلق الكل ” (كو1: 15)، و ” كان
” في هذه الآية ” كل شيء به كان ” في أصلها اليوناني ”
evge,netoegeneto – صار “، وحرفياً ” جاء إلى الوجود “، ”
وبغيره لم يكن شيء مما كان (صار
جاء إلى الوجود egeneto)؛ أي كل شيء به جاء إلى الوجود ” به تكون كل شيء، وبغيره
لم يتكون أي شيء مما تكون
“. إذاً، فهو الذي كان ” موجوداً “،
والخليقة لم تكن قد جاءت إلى الوجود، فهو الخالق، الذي خلق الخليقة؛ ” كل شيء
به كان (صار – جاء إلى الوجود) “، و ” بغيره لم يكن شيء مما كان – صار
(جاء إلى الوجود)”.

 يقول
القديس إيريناؤس أسقف ليون ” هل أنت أيها الإنسان كائن غير مخلوق وهل كنت
موجودا مع الله دائماً كما كان كلمته
(67).

 و
” الكلمة –
lo,goj
“؛

هنا كما يؤكد الوحي الإلهي هو الرب يسوع المسيح، نبع الحياة ومصدرها بقوله ” فيه
الحياة
كانت
evn auvtw/| zwh. h=n. ” (يو1: 4)، فهو معطى الحياة للخليقة سواء كانت مادية
(جسمانية) أو أخلاقية، وهو معطى الحياة الأبدية لكل من يؤمن به.

 هو
مصدر ونبع الحياة ومبدأها. وهذا ما عبر عنه القديس يوحنا الرسول بالروح القدس
بقوله: ” الذي كان من البدء (
O h=n avpV avrch/jho een apo’ archis arxis)، الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من
جهة كلمة الحياة. فان الحياة أظهرت ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند
الآب وأظهرت لنا
” (1يو1: 1و2).

(3)
” وكان الكلمة عند الله –
kai.. o` lo,goj h=n pro.j to.n qeo,n “: وهنا يستخدم تعبيران ” وكان الكلمة – kai.. o` lo,goj h=n ” و ” عند الله – Θεόν τὸν πρὸς “؛ فيستخدم نفس الفعل ” كان – h=neen ” الناقص، أي أنه كان عند الآب أو مع الآب بلا بداية، كما
يستخدم حرف الجر ” عند –
pro.j
pros “، وهذا الحرف المستخدم هنا ” pro.jpros ” لا يعني
مجرد قرب بل علاقة شخصية حميمة، فيقول أحد العلماء ”
pro.j … تعني أكثر من مجرد ” مع “، وهي
مستخدمة بانتظام للتعبير عن حضور شخص مع أخر(68). أي أن المعنى هنا هو أن
الكلمة كان ” عند ” الله وهذا يؤكد المساواة بين الآب والابن في الوجود
والجوهر. والذي يعني مع الله، في ذات الله، فالكلمة، كلمة الله، الرب يسوع المسيح
” كان –
h=neen ” عند الله الآب، كان من البدء عند الله الآب، كان بلا بداية،
من الأزل، كان أبداً، فهو الحياة الأبدية، الذي كان قبل كل شيء وهو الذي كون، خلق
أوجد كل شيء هو الذي جاء بكل شيء إلى الوجود، خلق كل شيء(69).

 يقول
القديس كيرلس عمود الدين: ” لندرك حذر هذا الذي حمل الروح في داخله، لقد كتب
أن الكلمة كان ” في البدء
evn avrch “، أي ” في الله الآب “، ولكن لأن عين ذهنه
قد استنارت، لم يجهل أن البعض سوف يقومون بجهل شديد ليدعوا أن الآب والابن واحد
وأنهما غير متمايزين إلا في الأسماء فقط، وأنه وليس في الثالوث أقانيم. وتمايز
الأقانيم يعني أن الآب هو فعلاً آب وليس أبناً وكذلك الابن هو ابن وليس أباً، حسب
كلمة الحق …0 وضد هذه الهرطقة يسلح نفسه لكي يقضى عليها ويهاجم من جانب بقوله
” في البدء كان الكلمة ” ثم يهاجم من جانب آخر بقوله ” والكلمة
كان عند الله ” وفي كلتا العبارتين استخدم فعل ” كان
” لضرورة تأكيد أن ميلاده كان أزلياً. وبقوله ” والكلمة كان عند
الله
” أكد
أنه متمايز وأقنوم آخر غير أقنوم الآب
الذي معه الكلمة.

 والذين
ينكرون الأقانيم لا يدركون أن الواحد الذي بلا أقانيم لا يمكن أن نقول أنه ” معه
” أو كان ” معه“، فهو وحده بذاته. هذا الأمر يستدعي مناقشة
الهرطوقي لكي يدرك أن ادعاءه لا يتفق مع المعرفة الصحيحة وسوف نعلم في المقاطع
التالية من خلال أسئلة واضحة ومحددة خطأ الهراطقة …

 الابن
هو من الجوهر نفسه مع الآب، والآب هو من الجوهر نفسه مع الابن، وكلاهما مساوي ومثل
الآخر تماماً بلا تغيير حتى أننا نرى الآب في الابن، والابن في الآب. وكلاهما يشرق
من خلال الآخر مثلما قال المخلص نفسه ” الذي رآني فقد رأي الآب، وأنا في الآب
والآب فيَّ ” (يو14: 9، 10). ومع أن الابن في الآب والآب في الابن وهو مثل
الآب الذي ولده تماماً في كل شيء، ويعلن الآب في ذاته بلا نقص، إلا أن هذا لا يعني
أن الابن فقد أقنومه المتميز، ولا أن الآب فقد أقنومه الخاص به، فالتماثل التام
بين الأقانيم لا يعني اختلاط الأقانيم حتى أن الآب الذي منه يولد الابن يصبح بعد
ذلك أبناً، ولكن الطبيعة الإلهية الواحدة نفسها هي للأقنومين مع تمايز كل منهما
حتى أن الآب هو الآب والابن هو الابن وأيضاً الروح القدس يحسب معهما إلهاً مثل
الآب والابن “(70).

(4)
ثم يقول ” وكان الكلمة الله –
kai. qeo.j h=n o` lo,goj “، أي أن الكلمة هو نفسه الله. وقد أفترض البعض
بناء على ما زعمه آريوس وما ترجمه شهود يهوه لقوله في هذه العبارة، والتي ترجموها
وكان الكلمة إلهاً ” على أساس أن كلمة ” الله –
qeo.j ” هنا لا تسبقها أداة تعريف “، أي أن الكلمة هو إله
بمعنى أنه ليس من جوهر الله بل أقل من الله وتالي له!! وهنا يقول العلماء، علماء
اللغة واللاهوت:

 تأتي
كلمة ” الله –
qeo.jtheos ” الأولى في هذه الآية ” وكان
الكلمة عند الله
” معرفة بأداة التعريف ”
to.n qeo,n “، والتي تجعل الاسم يشير
إلى الشخص، إلى شخصيته، وهذا غير موجود أمام
theos الثانية الخاصة بالكلمة ” وكان الكلمة الله – kai. qeo.j h=n o` lo,goj “، وهذا صحيح، ولكن يقول العلماء: ” عندما وضعت
أداة التعريف أمام كلمة ثيؤس (
qeo.j
theos “؛ ” to.n qeo,n
“، الأولى قصد بها شخص الآب، وعندما لم توضع أداة التعريف أمام كلمة ثيؤس
qeo.jtheos
” الخاصة بالكلمة ” وكان الكلمة الله –
kai. qeo.j h=n o` lo,goj ” قصد الجوهر الإلهي ذاته “(71). أي أنه هنا يقصد أن
الكلمة هو من نفس جوهر الله الآب ذاته، فهو الله، الكلمة. وهنا فرق بين أنه قصد
الشخصية في الأولى وقصد الجوهر في الثانية، فالكلمة، الابن، في الذات الإلهية ليس
هو الآب، بل هو في حضن الآب ” الابن الوحيد الذي في حضن الآب
(يو1: 18)، وواحد مع الآب ” أنا والآب واحد ” (يو30: 10)، ومن
ذات الآب ” أنا في الآب والآب فيّ ” (يو14: 10)، وفي ذات الآب
ومن جوهر الآب، من نفس جوهر الآب، إذا فعندما يقول “
وكان الكلمة الله ” يركز على جوهره الإلهي وأنه من نفس
جوهر الآب.

 كما
أن في قوله ” وكان الكلمة الله –
kai. qeo.j h=n o` lo,goj “، يقول علماء اللغة أن الفاعل هنا ليس هو ” الله qeo.jqeo.j ” بل ”
الكلمة –
o` lo,goj ” لذا وضع أداة التعريف أما الكلمة ” o` lo,goj ” لأنه الفاعل، فالكلمة مبتدأ والله خبر الجملة، ومن هنا فقد
كان يعني أنه في لاهوته مثل الله الآب ومن نفس جوهره ”
He was the same as God “، وأيضا: ” the Word was fully God“.

 كما
أن هذا الإدعاء الكاذب مبني أساساً على فكر شهود يهوه المنحرف المثيل بفكر آريوس
ومن تبعوه الذين اعتمدوا على الأسلوب الجدلي السفسطائي وتركوا الحق الإلهي فسقطوا
في أخطاء لاهوتية ولغوية كثيرة جداً!!

1
– لأن في تركيب الجملة اليوناني في قوله ” وكان الكلمة الله –
kai. qeo.j h=n o` lo,goj ” التعريف يكون لفاعل الجملة (the subject) … وهو هنا ” الكلمة – ο
λογος

The Logos ” وعليها يقع التعريف وليس كلمة ” الله – qeo.j“.

2
– كما أن هناك في اليونانية ما يسمى بقاعدة كولويل وتعريفها أن حالة الرفع عندما
تأتي خبراً في الجملة (
predicate
nominative
) يعرف بال التعريف إذا
جاء، الاسم، بعد فعله، أما إذا جاء قبل فعله فلا يحتاج إلى أداة التعريف (وهنا
يكون من الممكن وضعها أو عدم وضعها)، ويظل معرفا سواء بها أو بدونها. وهذا ينطبق
على كلمة ”
qeo.j – الله – God ” التي تسبق الفعل ” h=n – كان ” في الآية الأولى من يوحنا.

3
– وهناك ما يعرف بالاسم الكيفي (
qualitative) أو الوصفي، وهذا الاسم لا يحتاج إلى أداة تعريف قبله، وهو هنا في
هذه الفقرة ” الله ” لأنه يعطي للكلمة صفته
ووصفه كالله.

ومن
هنا فقد وردت في الترجمات اللاهوتية كالآتي:

In the beginning, the Word was existing

And the Word was in fellowship with
God the Father

And the Word was as to His essence
absolute deity

 

” في البدء كان الكلمة موجوداً.
وكان الكلمة مع الله الآب. وكان للكلمة نفس جوهر لاهوته المطلق”.

In
the beginning the Word already existed

The
Word was with God, and the Word was God

 

” في البدء كان
الكلمة موجودا، وكان الكلمة عند الله، وكان الكلمة الله”.

In the beginning was the one who is called the Word. The
Word was with God and was truly God.

في
البدء كان الذي يدعى الكلمة، وكان الكلمة عند الله وكان (الكلمة) إلها حقيقياً.

At
the beginning God expressed himself. That personal expression, that word, was
with God, and was God, and he existed with God from the beginning

في
البدء عبر الله عن نفسه، وهذا التعبير الذاتي، الكلمة، كان عند الله، وكان الله،
وكان موجودا مع الله منذ البدء.

In
the beginning
was the Word, and the Word was with God and the Word
was fully God

في
البدء كان الكلمة، وكان الكلمة عند الله، وكان الكلمة كاملاً في لاهوته.

THE Logos existed in the very beginning, the Logos was
with God, the Logos was divine

كان
الكلمة موجودا منذ البدء الباكر، وكان الكلمة عند الله، وكان الكلمة إلهياً.

in principio erat Verbum et Verbum erat
apud Deum et Deus erat Verbum

وتقول
الترجمة اللاتينية، الفولجاتا: ” في البدء كان الكلمة (الفعل) وكان الكلمة
عند الله وكان الله هو الكلمة “، واستخدمت الترجمة هنا تعبير ”
Verbum ” والذي يعني في اللاتينية ” الكلمة و العقل
والفعل “(72)،
من منطلق أن الكلمة هو الفاعل أو الخالق والخالق هو الله الذي خلق كل شيء بكلمته
” كل شيء به كان ” (يو1: 3)، ” الكل به وله قد خلق. الذي هو قبل كل
شيء وفيه يقوم الكل ” (كو1: 16و17).

 أما الترجمة القبطية
والتي يعول عليها شهود يهوه فتقول:

ϧⲉⲛ
⳿ⲧⲁⲣⲭⲏ ⲛⲉ ⲡⲓⲥⲁϫⲓ ⲡⲉ ⲟⲩⲟϩ ⲡⲓⲥⲁϫⲓ ⲛⲁϥⲭⲏ ϧⲁⲧⲉⲛ ⲫϮ ⲟⲩⲟϩ ⲛⲉ ⲟⲩⲛⲟⲩϮ ⲡⲉ ⲡⲓⲥⲁϫⲓ.

في
البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة إلها ” ويقول علماء اللغة
القبطية أن الترجمة استخدمت هنا كلمة ”
ⲟⲩⲛⲟⲩϮ – أونوتي ” والتي تعني الإله كطبيعة، ” اللاهوت
“، أي وكان الكلمة إلهيا له نفس لاهوت الآب.

 ومن
ثم يقول القديس كيرلس عمود الدين: ” ليس فقط بأن ” الكلمة عند الله
” بل ” وكان الكلمة الله ” لكي تعلن وجوده مع الله وتمايزه
عن الآب وأنه أقنوم آخر غير أقنوم الآب، ولكن في نفس الوقت الله، ومن الجوهر نفسه
الذي للآب وهو منه بالطبيعة لأنه إله من إله. لأنه من غير المعقول أن يكون اللاهوت
واحداً ولا يكون هناك تماثل تام في الصفات الإلهية بين الأقانيم أو أن لا تكون
الأقانيم متساوية، لذلك يقول عن الابن أنه ” كان الله ” ولم يصبح
كذلك في وقت معين، بل كان دائماً وأزلياً الله، لأن ما يحدث في الزمان أو ما لا
وجود أزلي له، ثم يوجد بعد ذلك، لا يكون إلهاً بالطبيعة.

 فإذا
كان الكلمة موجوداً منذ الأزل ” بكلمة كان ” ومساوً للآب في الجوهر لأنه
الله، فمن ذا الذي يشك في ألوهيته ولا يحل به العقاب. أو من يظن أنه أقل من الآب
أو مختلف عن الآب الذي ولد منه، فمن لا يرتعد من هذا الانحدار في الكفر ويتجاسر
وينطق بهذه الأمور للآخرين وهم ” لا يفهمون ما يقولون
ولا ما يقررونه ” (1تي 1: 7)(73).

(5) كما أن هناك
حقيقة جوهرية
وهي أن كلمة ” الله – qeo.jGod ” والتي تعني الله ذاته، لا يأتي دائما قبلها أداة تعريف بل
وردت في حالات كثيرة بدون أداة تعريف وكانت تعني الله، الذات الإلهية، وليس مجرد
” إله ” وترجمت في جميع الترجمات ” الله –
God“.
وفيما يلي نذكر أربعة أمثلة من عشرات الأمثلة في العهد الجديد لكلمة ” الله –
qeo.jGod ” التي أتت غير معرفة بأداة التعريف (ο, η, τό) تؤكد هذه الحقيقية:

(1)
” وأما الله فما سبق وأنبأ به بأفواه جميع أنبيائه أن يتألم المسيح قد
تممه هكذا ” (أع3: 18)، وهنا يستخدم ”
o` de. (also) qeo.j – الله أيضاً “، بدون أداة تعريف.

(2)
” والله العارف القلوب شهد لهم معطيا لهم الروح القدس كما لنا أيضاً ”
(أع15: 8). وتأتي كلمة ” الله ” هنا (
kai. o` kardiognw,sthj qeo.j) وعبارة “ kai. o`
kardiognw,sthj
“، تعني ”
العارف القلوب –
heart knower“. وقد ترجمها شهود يهوه في العربية ” أما الله
” (ص 223) وفي الإنجليزية ”
God has fulfilled
” (1184)، ولم يترجموها ” إله أو
a god
” لأنه لم تسبقها أداة تعريف.

(3)
” ولكن أن كان أثمنا يبيّن بر الله فماذا نقول ألعل الله الذي يجلب
الغضب ظالم ” (رو3: 5)، وهنا تترجم كلمة ”
qeou/ dikaiosu,nhn ” التي وردت فيها كلمة ” الله – qeou ” بدون أداة تعريف ” الله ” وليس ” إله – a god“. وترجمتها ترجمة شهود يهوه ” بر الله – God righteousness,s
” ولم تترجمه ” إله أو
a
god
” لأنه لم تسبقها
أداة تعريف.

(4)
” من سيشتكي على مختاري الله. الله هو الذي يبرر ” (رو8: 33)، وقد وردت
كلمة ” الله ” هنا بدون أي أداة تعريف: ”
evklektw/n qeou/“. وقد ترجمها شهود يهوه ” مختاري الله، الله هو – God,s Chosen ones? God is The One “، هكذا ” الله ” وليس ”
إله أو
a god(74).

 كما
قام شهود يهوه في ترجمتهم المعروفة بترجمة العالم الجديد سواء الإنجليزية أو
العربية بترجمة العديد من الآيات تضم كلمة ” الله ” التي وردت بدون أداة
تعريف، خاصة في حالة الإضافة حيث يأتي المضاف إليه بدون أداة تعريف، وترجموا
” الله –
God ” وليس ” إله – a god “، وفيما يلي
خمسة أمثلة من هذه الآيات كما ترجموها في ترجمتهم العربية والإنجليزية:

(1)
” من بولس، عبد يسوع المسيح المدعو ليكون رسولا، والمفرز لبشارة الله
” (رو1: 1)، والتي وردت في اليونانية ”
euvagge,lion qeou/ “، وترجموها في الإنجليزية ” God,s good news “، أي ترجموها ” الله – God
” وليس ” إله –
a god“.

(2)
” إلى جميع من هم في روما من أحباء الله ” (رو1: 7)، و ” الله
” في اليونانية ”
avgaphtoi/j qeou/ ” بدون أداة تعريف، وترجموها في الإنجليزية ” God,s beloved ones“.

(3)
” لأني لا أخجل بالبشارة؛ أنها قدرة الله للخلاص ” (رو1: 16)،
وهي في اليونانية ”
du,namij ga.r qeou/ “، قدرة الله أو قوة الله، بدون أداة تعريف، وترجموها في
الإنجليزية ”
God,s power“.

(4)
” فأنه فيه يكشف بر الله ” (رو1: 17)، والتي وردت في اليونانية ”
dikaiosu,nh ga.r qeou/ “، وفي الإنجليزية ” God, Righteousness“.

(5)
” الله لم يره أحد قط ” (يو1: 18)، والتي جاءت في اليونانية ”
Qeo.n ouvdei.j e`w,raken
pw,pote
“، وفي الإنجليزية
no man has seen God
at any time
“. 

 وفي جميع
هذه الأمثلة وغيرها الكثير ترجموا كلمة ”
Θεὸς ” التي جاءت غير معرفة أو مسبوقة بأداة تعريف ” الله
” بالعربية ”
God ” مبتدئة بحرف كبير Capital letter وتعني
الله، ولم يترجموها لا ” إله ” بالعربية ولا ”
a god ” بالإنجليزية.

 والغريب
أن شهود يهوه أنفسهم ترجموا قول توما للمسيح ” ربي وإلهي –
ο
Κύριός μου
καὶ ο Θεός
μου

” في العربية ” ربي وإلهي ” وفي الإنجليزية ”
my Lord and my God “، وأوقعوا أنفسهم في تناقض غريب!!

(62) Robertson New
Testament Word pictures. John. 1.1

(63) N & P. Fath. 2 nd S. Vol. 10 P.209

(64) مركز
دراسات الآباء، شرح إنجيل يوحنا ج1.

(65) Vencent’s W. S. NT P. 29

(66) Ibid

(67) Ag. Hear. B.2.25.3

(68) The Gospel of St. John,” The Expositors
Greek Testament
1: 684

(69) يقول
العالم شناكنبرج: إن ” عند =
pro.j
” لا تفيد هنا الحركة تجاه هدف ما بل إن
pro.j تأتي معادلة والتبادل أحياناً مع para. tw/ qew/|/| كما قالها المسيح في صلاته: ” والآن مجدني أنت أيها
الآب عند ذاتك =
para. seautw/|
بالمجد الذي كان لي عندك =
para. Soi
قبل كون العالم ” (يو17: 5). الآب متى المسكين شرح إنجيل القديس يوحنا. ص 33.

(70) شرح
إنجيل يوحنا ج 1.

(71) H.E. Dana and Julius Mantey, in their A Manual Grammar of the Greek New Testament,

(72) D. P. Simpson, M. A. Classic Latin Dictionary, 635.

(73) شرح
إنجيل يوحنا.

(74) وهذا الشكل
اللغوي شائع الاستخدام في العهد الجديد.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى