اللاهوت العقيدي

الفصل الأول



الفصل الأول

الفصل الأول

نصوص وترتيبات إفخارستية من القرنين الأول والثاني

أولاً: صورة
الإفخارستيا في “الديداخي”
سنة 80100م

خدمة يوم الأحد بحسب
طقس الديداخي (سنة 80100م)

(وهي تمثل فكر الكنيسة
العام في نهاية القرن الأول):

وهو ما وصلنا مسجَّلاً
في الوثيقة الكنسية الهامة المعروفة باسم “الديداخي” أو “تعليم الرسل
الاثني عشر”.

فبعد أن يذكر الكاتب في
الفصلين 9و10 ترتيب طقس الأغابي، وقد أوردناه بكامله سابقاً، يعود في الفصلين
14و15 ويذكر ترتيبات الإفخارستيا مع التمسُّك بعدم الإفصاح عن مضمون صلواتها
وترتيبها باعتبار أنها من الأسرار الممنوع إذاعتها كتابةً.

ونحن هنا نستثني من
الطقس الإفخارستي الوارد في “الديداخي” ما جاء باسم
» الإفخارستيا «في الفصول
السابقة لذلك، وبالتحديد في فصلي 9و10، باعتبار أن الترتيب الذي جاء في هذين
الفصلين يُفصح غالباً عن طقس الأغابي.

ونحن نورد هنا ما جاء فقط
في الفصل 14 باعتبار أنه هو وحده المختص بالإفخارستيا.

وقد اعتمدنا في تقريرنا
هذا، بعد بحث طويل مُضنٍ للغاية، على رأي العالِم
Dom Connolly([1]) وكذلك
العالِم
Kattenbusch والعالِم Gregory
Dix
(راجع أيضاً بحث الأغابي).

فصل 14:

[أمَّا يوم
الرب (الأحد) فهو
ما للرب خاصةً
(كِيرياكِنْ)
اجتمعوا فيه، لتكسروا
الخبز، وتصلُّوا الإفخارستيا،
بعد أن تعترفوا
بخطاياكم
لتكون ذبيحتكم طاهرة،

وليكفّ عن
الاجتماع معكم كل مَنْ كان في خلاف مع أخيه حتى يتصالحا معاً
لكي
لا تتنجَّس
ذبيحتكم،

لأن هذه الذبيحة هي الذبيحة التي قال عنها الرب: » لأن في كل مكان وكل وقت
قدِّموا لي
ذبيحة طاهرة لأني ملك كبير، يقول الرب، واسمي عجيب بين الأمم «(ملا 1: 11و14).]

فصل 15:

[أقيموا
لأنفسكم
أساقفة وشمامسة يكونون لائقين بالرب، أُناساً ودعاء غير محبين للمال،
مؤتمنين ومختبرين،

لكي يقيموا
لكم هم أيضاً هذه الخدمة
التي يقوم بها
الأنبياء والمعلمون.

ولا
تحتقروهم (بسبب عدم وجود المواهب الظاهرة فيهم مثل الأنبياء)، بل فليكونوا
مكرَّمين
مثل الأنبياء والمعلمين أيضاً].

ملاحظات:

في الفصلين
9و10 أعطت الديداخي تحديداً للصلوات اللازمة على كأس الأغابي وخبز الأغابي والشكر
الواجب بعد الشبع من وليمة الأغابي. أمَّا هنا فلا تُعطَى أي صلاة. لماذا؟ لأن
الأغابي يصلِّي فيها الشعب بنفسه (في غياب المسئول)، أمَّا هنا

أي الإفخارستيا
فلا يصلِّي الشعب بل الأساقفة
والشمامسة، والشعب يقول “آمين” فقط.

والديداخي مكتوبة لتكون كتاباً لإرشاد الشعب خاصةً، وذلك عن كيفية العبادة
وما يلتزم أن يقوم به. ولكن لا يوجَّه فيه تعليمات للإكليروس أو المسئولين عن
الصلوات. لذلك تكتفي الديداخي، في ترتيب طقس الإفخارستيا، بإعطاء الإرشادات التي
من اختصاص الشعب فقط، ونلخِّصها كالآتي:

1
ارتباط الإفخارستيا بيوم الرب.

2    
ارتباط الإفخارستيا بالاجتماع العام (كنيسة)
sunacqšntej.

3    
الاعتراف بالخطايا.

4    
مصالحة كاملة قبل التناول.

أمَّا طقس
الديداخي من جهة شرحها للإفخارستيا فهو كالآتي: تنبه ذهن الشعب إلى أن:

1
الذبيحة طاهرة (كررت ذلك ثلاث مرات) ولكن للأطهار فقط (الذين يعترفون بخطاياهم
ويكونون في مصالحة مع جميع الناس).

2
تُقام يوم الرب، والذي دُعي يوم الرب خاصةً
بسبب
هذه الإفخارستيا “كيرياكين كيرِيُّو”.

3
الاعتراف قبل الإفخارستيا حتمي، حتى تصبح الذبيحة طاهرة بالنسبة للمتناولين منها.

4
الصلح قبل إقامة الإفخارستيا أمر حتمي ويقع تحت مسئولية مباشرة من الكنيسة كلها.

5
كسر الخبز قبل كأس الإفخارستيا، وهذا عكس ما وَرَد في فصلي 9و10 عن الأغابي. فهنا
إفخارستية واضحة، ومجيء كسر الخبز قبل كأس الشكر يوضح اختلاف ما ورد هنا عما ورد
في فصلي 9و10 تماماً.

حدود
الإفخارستيا في “الديداخي”:

أولاً: أمَّا
الحدود الفاصلة بين وليمة الأغابي وطقس الإفخارستيا، في حالة تتابعهما معاً في نفس
المكان والزمان، فهي مذكورة بكل عناية ووضوح. إذ في نهاية وليمة الأغابي، وبحسب ما
تقول الديداخي، حينما
يمتليء الآكلون ويشبعون،
يقدِّمون صلاة شكر على الأكل الذي أكلوه. وهنا الحدود النهائية للأغابي.

ثم تعود
الديداخي وتقول في فصل (6: 10) تحت رقم 12: [كل مَنْ هو طاهر فليتقدَّم والذي ليس
طاهراً فليتُب]. هنا وبعد الامتلاء والشبع يبدأ طقس آخر تماماً هو طقس الإفخارستيا.
وهنا يدعو الشماس الطاهرين فقط، أي المستعدين بالتوبة والاعتراف، للاشتراك فيه حيث
ينعزل غير المستعدين للاشتراك في سر الإفخارستيا
أولئك الذين تعتبرهم الديداخي لا يزالون محتاجين إلى توبة أي لم يمارسوا الاعتراف
بعد.

ويُلاحَظ
في طقس
الإفخارستيا هذا الذي تسبقه وليمة الأغابي، أنه لا يكون بالضرورة
داخل الكنيسة، كذلك فإن له مناسباته الاجتماعية الخاصة التي تناسب الأكل والشرب.
وهو طبق الأصل مما يُجرَى الآن في الكنيسة تحت اسم إقامة قداس خصوصي يحضره أشخاص
أخصاء معيَّنون تحت دافع خصوصي ويتكفَّلون بكل لوازم الإفخارستيا، أمَّا الفارق
الوحيد بين ما جاء في الديداخي في هذا الشأن وبين القداس الخصوصي الجاري الآن فهو
أنه في زمن الديداخي كان يُجرى في البيوت حيث يُستدعى الأسقف أو الكاهن لذلك.
وغالباً كان الطقس يُجرى مبسَّطاً للغاية.

ثانياً: وهنا
تعطينا الديداخي أيضاً ترتيباً آخر لإفخارستيا بدون أغابي، تحددها زماناً ومكاناً
عن وليمة الأغابي. فهي تحدِّد لها يوم الأحد، وتُمعِن في تحديد يوم الأحد أن لا
يكون مجرد اسم فقط
لأن يوم
الأحد اسمه “كيرياكي” أي يوم الرب
إذ تقول
“كل يوم الرب”،
» يوم (الأحد) الذي “للرب
خاصةً”
«أي أنه
مخصص للعبادة في الكنيسة ولإقامة الإفخارستيا.

هنا تكون
الإفخارستيا ليست لأجل أكل وشرب وامتلاء أو ظروف خاصة لشخص ما، بل تقديم ذبيحة
طاهرة، حيث تشدِّد الديداخي وتكرر ثلاث مرات أن الإفخارستيا هنا ذبيحة طاهرة.

ثالثاً: كذلك
هنا تحتِّم الديداخي بضرورة الاعتراف بالخطايا قبل إقامة الإفخارستيا، الأمر الذي
أغفلته نهائياً في حالة وليمة الأغابي في الفصلين 9و10.

وهنا
تنبهنا الديداخي إلى أمرٍ هام وخطير، وهو أن ذبيحة الإفخارستيا طاهرة للأطهار فقط،
وهذا ما سوف نسمعه في القداس بعد ذلك “القُدْسات للقديسين”. أي أن كل مَنْ اعترف
بخطاياه وغُفرت له وتطهَّر ضميره، تصبح الإفخارستيا له طاهرة، أي للتقديس والتطهير.
أمَّا كل مَنْ لم يعترف بخطاياه ولم يُقلع عنها لتُغفر له وكان ضميره غير طاهر
أمام الله، فإن الإفخارستيا لا تكون له ذبيحة للتطهير ولا تُقبل شركته فيها
للطهارة أو للتطهير بل تكون للدينونة والضعف والمرض بل والموت، كقول القديس بولس
الرسول.

بل وتزيد
الديداخي في مسئولية الداخلين في شركة الإفخارستيا أن
يكونوا
رُقَباء على بعضهم،
فلا يسمحوا لأحد يعرفون أنه في
خطيئة أو في خصومة مع آخر أن يتقدَّم للشركة معهم، لأن شركة غير الطاهر تلوث أيضاً
الباقين:
«لئلاَّ تتنجَّس ذبيحتكم!!». وهذا أمر
خطير للغاية، فوجود المتهاونين والمستبيحين والنجسين داخل القدَّاس واشتراكهم في
الذبيحة يتسبب في ضرر يعمُّ الجميع!!! ومن هنا دخلت ضرورة القُبلة الجماعية أو
المصالحة العامة كمقابل حتمي للاعتراف العام الذي كان يُجرَى علناً في العصور
الأُولى
([2]).

رابعاً: الديداخي
هنا تطالب الكنائس التي لم يُرسَم فيها أساقفة وشمامسة بعد بضرورة أن يقوموا بهذا
الإجراء بعد التيقن من استحقاق المتقدمين لهذه الخدمة. والسؤال الذي يتبادر إلى
الذهن هو هذا: فمن ذا الذي كان يُقيم الإفخارستيا في هذه الكنائس قبل رسامة
الأساقفة والشمامسة؟

هنا يظهر
بوضوح زمن الديداخي بالتحديد أنها كانت في العصر الأخير من أيام الرسل وبداية
العصر بعد الرسولي، وذلك قبل نهاية القرن الأول، لأن ببداية القرن الثاني كانت
جميع الكنائس يرأسها أساقفة. إذاً، الديداخي كُتبت حينما كان الأنبياء والمعلِّمون
يقومون بهذه الخدمة باعتبارهم معيَّنين من الله باختيار وتزكية الروح القدس،
ببرهان الآيات التي كانت تُجرى على أيديهم والمواهب التي كانت منسكبة عليهم.

وهنا، كما
سبق وقلنا
بداية عصر الانتقال من خدمة
الليتورجيا والإفخارستيا وبقية الخدمات الإلهية في الكنيسة على يد رجالٍ ملهَمين
بالروح القدس مختارين ومعيَّنين من قِبَل الله بشهادة مواهبهم، إلى خدام رسميين يختارهم الشعب بعد تزكية وصلاة وصوم وفحص وتدقيق.
ويُلاحظ أنه
يحدِّد “أساقفة وشمامسة”
بدون قسوس!! لأن المعروف بحسب قانون الكنيسة الأول الذي عرفناه من
القديس إغناطيوس الأنطاكي أن الإفخارستيا لا يقيمها
إلاَّ أسقف، وقد أفرد لهذا الموضوع الكاتب
الروسي “نيقولاي أثناسييف” كتاباً خاصاً أسماه “مائدة الرب” (مترجمة إلى
العربية
منشورات النور لبنان).

والقارىء
للديداخي يستطيع أن يدرك حقيقة هذا الكلام بكل يقين، ونحن نقدم له بعض مقتطفات من
كلام الديداخي الذي قدمته في الفصول ما بين وصف وليمة الأغابي في فصلي 9و10 وبين
وصف سر الإفخارستيا في فصلي 14و15.

ففي الفصل
الحادي عشر تقول الديداخي:

[رحِّبوا
بكل مَنْ يأتيكم ليعلِّمكم كل الأشياء المذكورة
قبلاً. غير أنه إذا حاد المعلِّم عن التعليم إلى
ما يناقضه، فلا تُصغوا إليه (الكلام هنا يتضح منه أنه لا يوجد أسقف في الكنيسة ولا
كاهن ولا شماس بالمرة، حيث يُطلب من الشعب أن يسهر على نفسه، بمقتضى الأناجيل
والرسائل والتقليد التي بين أيديهم فقط).]

[فليرحَّب
بكل رسول (لا يقصد الرسل الاثني عشر بل المبشرين الجائلين) يزوركم ترحيبكم بالرب،
على أن يُقيم عندكم يوماً واحداً لا غير.]

[لا
تمتحنوا نبياً ولا تحكموا في أمره وهو يتكلَّم بالروح (حالة الغيبوبة)، لأن كل
خطيئة تُغفر، وأمَّا هذه فلا تُغفر.]

[كل نبي
يأمر بالمائدة (أي يطلب أن تُقام وليمة أغابي) وهو يتكلَّم بالروح لا يأكل منها،
وإلاَّ فهو نبي كاذب. (معروف أن الأغابي لا تُقام إلاَّ بأمر الأسقف، وذلك بحسب
ترتيب القديس إغناطيوس الأنطاكي (استشهد سنة 110م)، إذاً، فالديداخي تمثل عصراً
قبل عصر القديس إغناطيوس، أو هي تغطِّي المرحلة بين بولس الرسول والقديس إغناطيوس.]

[كل نبي
ثبت صِدْقهُ (أي صِدْقُ تعاليمه) وهو يُقيم سر الكنيسة (الإفخارستيا) ويعيش
عالمياً غير أنه لا يعلِّم الآخرين، أن يعملوا ما يعمله هو، لا تحكموا فيه بينكم
لأن دينونته هي مع الله (لقد تحيَّر العلماء جميعاً في ترجمة هذه الجملة، ولكن
استطعنا بروح التقليد الذي استلمناه من الكنيسة أن نترجم هذه الجملة، وهي واضحة،
وقد ذكرها الرب في تعاليمه حينما قال:
» على
كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون، فكل ما قالوه لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه
ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا
« مت 23: 2و3).]

وفي الفصل
الثالث عشر تقول الديداخي:

[كل نبي
حقيقي يرغب في الإقامة بينكم فهو مستحق طعامه، وكذلك المعلِّم الحقيقي.

ومن ثم،
تأخذ كل بواكير نتاج المعصرة والبيدر والبقر والغنم وتعطيها للأنبياء، لأنهم بين
ظهرانيكم رؤساء كهنة (ومعروف أن هذا هو ما يُقدَّم للأسقف والكاهن. وهذا دليل آخر
قوي على أن الكنائس التي تخاطبها الديداخي لم يكن قد رُسم عليها بعد أساقفة أو
كهنة أو شمامسة).]

ثم تعود
الديداخي بعد ذلك وتقول (في الفصل 15 كما هو مدون سابقاً):

[أقيموا
لكم أساقفة وشمامسة جديرين بالرب، رجالاً ودعاء غير محبين للمال صادقين ومختبرين،
فهم يخدمون لكم خدمة الأنبياء والمعلمين (أي إقامة الأسرار والإفخارستيا).]

وهكذا
نلخِّص ما قلناه: إن الديداخي تقدِّم لنا أقدم صورة للأغابي في وضعها الرسولي،
موضحةً للشعب كل ترتيبها وصلواتها حرفياً، ولكنها تفصلها عن الإفخارستيا الملازمة
واللاحقة لها، بحسب نفس الترتيب الذي كشفه القديس بولس الرسول في رسالته إلى أهل
كورنثوس، ثم تعطينا صورة أخرى رسولية لإقامة الإفخارستيا، حرَّة من الأغابي، أي
منفصلة عنها تماماً، في يوم الأحد خاصةً، للشعب عامةً وليست للأخصاء، ولكن دون أي
إفصاح عن مضمون النصوص والممارسات السرية في كيفية التقديس، لأنها لا تتبع الشعب
فهي ممارسات كهنوتية محضة.

 

ثانياً: صورة
للإفخارستيا سنة 96م

الاصطلاحات الإفخارستية
الواردة في رسالة القديس كليمندس الروماني

وذلك من واقع رسالته
إلى أهل كورنثوس التي كُتبت في خريف سنة 96م

في نهاية اضطهاد
الإمبراطور دوميتيان، أي أواخر القرن الأول

 

في الفصلين
40و41:

1 [وإنه
ليليق بنا أن نعمل كل شيء حسب الترتيب المعيَّن له، كما أوصى الرب بذلك. فالرب
حدَّد أوقاتاً معينة بخصوص تقدمة الصعائد وتأدية الخدمة الخاصة به، وليس كأنها
بدون اهتمام أو نظام، ولكن في حدودها المعيَّنة وساعاتها المحددة. كما أوصى بمن
يقوم بمثل هذه، واين تُقام، فإنه هو بنفسه قام بتحديدها بإرادته الأعظم، حتى إذا
تمت تأدية هذه الأمور بتقوى وبحسب مسرته الصالحة تكون مقبولة أمامه. وكذلك الذين
يقدمون قرابينهم في أوقاتها المعينة يصيرون مباركين ومقبولين، فطالما هم يتبعون
وصايا الرب لا يخطئون.

لأن (الرب)
أوصى بخدمته الخاصة (ترؤس الليتورجية) لتكون من نصيب كبير الكهنة (الأسقف)،
وللقسوس عيَّن لهم مواضعهم، وعلى (اللاويين) الشمامسة ألقى (دياكونية) خدمات خاصة
بهم. أمَّا العلماني (الذي من الشعب)
فيتبع القانون الموضوع للعلمانيين (الشعب).

وعلى كل
واحد منكم، أيها الإخوة، كلٍّ بحسب ترتيبه
(طَغْمَته)
أن يؤدِّي الإفخارستيا
eÙcariste…tw (يشترك في تقديم صلوات الشكر) لله بضمير صالح،
ولا يتعدَّى حدود قانون خدمته
(ليتورجيته) =
leitourg…aj.]([3])

هنا إشارة
واضحة إلى قدم وأصالة نظام الخدمة داخل الكنيسة ودقة ترتيب الرتب الكنسية وأصول
الخدمة ذاتها باعتبار أنها تسليم من الرب يسوع نفسه، فيما يختص بإقامة الإفخارستيا
وليتورجيتها. وهذا في الواقع هو علة الوقار الخاص الذي نراه حتى الآن بكل هيبته
الأُولى.

وتليق هنا
الإشارة إلى النص الوارد في إفخارستيا الشهيد يوستين، والمشابه في معناه لما جاء
هنا على لسان القديس كليمندس الروماني، حيث يقول القديس يوستين الشهيد:

[وعندما
يفرغ الرئيس من تقديم صلوات الشكر (الإفخارستيا)
وكذلك الشعب
من التعبير عن تقديم موافقتهم (آمين)
يبدأ من
ندعوهم شمامسة يوزعون … إلخ.]
([4])

2 [لذلك
ونحن نُتَّهَم بخطيئة ليست بصغيرة إذا كنا نرفض (أو نطرد) أشخاصاً أتقياء
سبق
أن قدَّموا الصعائد المختصة
بخدمة الأسقف…]([5])

هنا يؤكد
العلاَّمة
Lightfoot أن هذه إشارة إلى تقدمة القرابين في الإفخارستيا باعتبار أن مَنْ
يشترك في تقدمة القرابين يتقدَّس ضمناً، فما بالك إذا كان هو مقدِّمها.

3 [وينبغي
أن نلتفت إلى كل جماعة ملائكية كيف يقفون باستعداد خدمة مشيئته، كما يقول الكتاب: “ألوف
ألوف قيام حوله وربوات ربواتٍ يقدِّمون له الخدمة. يصرخون قائلين قدوس قدوس قدوس
رب الصباؤوت، الخليقة كلها ممتلئة من مجده” وهكذا ليتنا نجتمع معاً بانتباه قلبي
وباتفاق الأصوات
ولجاجة نصرخ نحوه
باشتياق
بفم واحد حتى نؤهَّل لشركة مواعيده العظمى
والثمينة.]

يُلاحَظ
هنا أن كليمندس الروماني يبدو أنه يقتبس من سفر دانيال (10: 7) وسفر إشعياء (3: 6)
معاً عن
خدمة
تقديس الملائكة في التسبحة الشاروبيمية. ولكن في الحقيقة وهو يردد جزءاً من صميم
خدمة الليتورجية في زمانه المسماه
Sanctus أي الثلاث تقديسات، وهي بنفسها التي وردت بعد ذلك تواتراً في
إفخارستيات لاحقة، وبالأخص في الليتورجيات القبطية.

ومن الملاحظات الهامة
جداً اكتشاف بعض الاصطلاحات هنا ذات المدلول الغني في التعبيرات الليتورجية
المستخدَمة في أقوال القديس كليمندس الروماني لأول مرة، والتي دخلت في استعمال
الكنيسة بصفة عامة ورسمية بعد ذلك، مثل:

(أ) SÚnaxij سيناكسيس، أي “اجتماع” المؤمنين
لأداء الليتورجيا.

(ب) ™ktenîj وتعني “بغيرة”، “بحرارة”، “بلجاجة”. وقد وردت
عدة مرات في قداس القديس يعقوب الرسول (وهو أصل القدَّاس المدوَّن في الكتاب
الثامن من قوانين الرسل) وذلك بمعنى “اللجاجة” (فيما يختص بالصلاة أو التسبيح
وخاصة في الثلاث التقديسات).

(ج) ™x ˜nÕj
stÒmatoj
= من فم واحد (تعني الهارموني في
التسبيح للتشبُّه بالملائكة). وقد وردت عدة مرات في قداس القديس باسيليوس الطقس
البيزنطي.

4 تعبيرات
أخرى ليتورجية مستخدمة الآن، وقد جاءت في صلاة كليمندس (فصل 61: 38):

[حصن الذين
في المخاطر، خلاص الذين في اليأس … لأنك أنت يا رب معين لنا وناصر، خلِّص الذين
في الشدائد، المنسحقين أشفق عليهم، أقم الساقطين، الذين في بؤس الحاجة ساعدهم،
المرضى اشفهم، رُدّ الضالين من شعبك، أشبع الجياع، حلّ المأسورين، أقم الضعفاء،
عزِّ صغيري القلوب.]

[افتح عيون قلوبنا …، ميناء الذين في العاصف …، يُتعجَّب منك بالمجد، …
رؤوف رحيم.]

وهنا يبدو
واضحاً أن القديس كليمندس الروماني يردِّد مع كلماته بعض الصلوات المحفوظة من
صلوات الخدمة.

وقد وردت
هذه الطلبات بعينها في القدَّاسات المصرية منذ القرون الأولى (انظر ليتورجية دير
البلايزا التي سيأتي ذكرها).

5 وفي
نهاية صلواته يقول القديس كليمندس في الفصل 64:

[كل نفس دُعي
عليها اسمك العظيم القدوس.]

هنا يشير القديس
كليمندس إلى
الدعاء باسم الله (الثالوث) على الإنسان المعمَّد.
ونحن نستخدم هذا الاصطلاح كثيراً في القداس القبطي، وخاصةً في مرد الكاهن المساعد
على الكاهن الخديم بعد قراءة المجمع في قداس القديس مرقس الرسول:

[كن غافراً
لآثامنا لأجل طلباتهم المقدَّسة ولأجل اسمك المبارك الذي دُعي علينا.]

 

ثالثاً: صورة
للإفخارستيا قبل سنة 107م

الاصطلاحات
والترتيبات الإفخارستية

الواردة في
رسائل القديس إغناطيوس الشهيد سنة 30
107م.

 

[إن بقي
أحد خارج حدود المذبح، فإنه لا ينال من الخبز الإلهي.]
([6])

[اجتهدوا
أن تجتمعوا معاً كثيراً وباستمرار
لتقديم الإفخارستيا وتمجيد
الله.
]([7])

[اجتمعوا
واشتركوا معاً كلٌّ في دوره (طقسه) … لتكسروا الخبز الواحد الذي هو
دواء
الخلود وترياق عدم الموت،
لكي نحيا إلى الأبد في المسيح يسوع.]([8])

[اسمحوا
لكي أنسكب سكيباً ذبيحة لله طالما يوجد الآن مذبح قائم مستعد، حتى يكون لكم وأنتم
في خوروس محبتكم
تسبحة (من جهتي)
للآب في
المسيح يسوع.
]([9])

[إني أشتهي
خبز الله الذي هو جسد المسيح الذي كان من نسل داود، كما أشتهي دمه شراباً الذي هو
هو الحب غير الفاسد.]
([10])

[اهتموا
إذاً لكي تحفظوا إفخارستية واحدة لأن لربنا يسوع المسيح جسداً واحداً، وكأساً
واحداً للشركة في دمه، ويوجد مذبح واحد، كما يوجد أسقف واحد مع القسوس والشمامسة
رفاقي في الخدمة.]
([11])

رسائل
القديس إغناطيوس (30
107م) تحوي
أيضاً بعض نصوص واصطلاحات إفخارستية، وهي تعطينا صورة لممارسة الإفخارستيا في
أوائل القرن الثاني:

(1) نلاحظ
أن القديس إغناطيوس هو أول مَنْ أشار إلى عشاء الرب السرِّي بكلمة
«إفخارستيا»([12]) ذات كأس
للشركة في الدم بصورة واضحة محددة ومستمرة. وقد أوضح أنها هي المعروفة ب«كسر
الخبز»
([13]).

وهنا يقطع القديس
إغناطيوس خط الرجعة على العلماء الذين طالما تشككوا في أن اصطلاح
» كسر الخبز «كان يعني
ممارسة سر العشاء بدون خمر، ولكن نقول ونكرر القول إن “السر” كان يُسمَّى “كسر
الخبز” عندما كان يبتدىء ب“كسر الخبز”، فلما انتقل كسر الخبز بعد صلاة الإفخارستيا
على الكأس وتصدَّرت الإفخارستيا السر صار يسمَّى سر الإفخارستيا.

(2) كذلك فإن القديس
إغناطيوس هو أول مَنْ أكد بشدة على حتمية “الإفخارستيا الواحدة”([14])،
أي لا تُكرَّر (في يوم تقديمها) بالنسبة لمقدِّمها وهو الأسقف، أو بالنسبة
للمتناولين منها، وذلك إشارة إلى وحدة الجسد (الخبزة الواحدة والكأس
الواحد) والمسيح الواحد (الذي يمثله الأسقف) والمذبح الواحد (المؤمنين).

(3) الإفخارستيا لا
يمكن أن يقيمها أحد إلاَّ الأسقف أو من يعيِّنه الأسقف([15]).

(4) الإفخارستيا هي
خدمة عامة يشترك فيها كل الشعب، وفيها تُصلِّي الكنيسة بأكملها([16]).

(5) المؤمنون المجتمعون
مع الأسقف في الإفخارستيا يكوِّنون «مذبحاً»
= qusiast»rion مقدساً روحياً([17]).

(6) إن كل
الذبائح الروحانية في الكنيسة تتمركز في الإفخارستيا، والإفخارستيا هي وليمة عيد
بالشركة في جسد المسيح ودمه
([18])!

 

رابعاً: صورة
للإفخارستيا سنة 112م

التعبيرات
والممارسات الإفخارستية كما جاءت في خطاب

والي “بيثنية”
بليني سنة 112م. إلى الإمبراطور تراجان
([19])

 

ومضمون
تقرير هذا المؤرِّخ الذي قدَّمه للإمبراطور بخصوص المسيحيين هو:

[لقد
أعلنوا لي أنهم قد
اعتادوا أن يجتمعوا في يوم محدد في
الفجر قبل بزوغ النور؛
ومن بين عبادتهم ما يرتلونه فيما
بينهم بالدور تسبحة للمسيح كإله، وكذلك فإنهم يرتبطون
بعهدٍ سرِّي sacramento ليمتنعوا عن جرائم معينة، ثم في اجتماع آخر يلتئمون مرة أخرى من
أجل وليمة عامة ليس فيها أي ضرر، وهذه توقَّفوا عنها بعد منشور الإمبراطور الذي
يحرِّم قيام اجتماعات في النوادي.
]

وقد قام
العالِم الآبائي
Lightfoot([20]) بدراسة
محتويات
تقرير بليني. وهو يعتقد أنه يعطي الدليل على انفصال الأغابي عن الإفخارستيا في هذا
الزمن حيث الاجتماع الذي يُعقد في الفجر قبل بزوغ النور (الساعة الثالثة صباحاً
كما يذكر كاسيان)
([21])،
هو لإقامة خدمة الإفخارستيا بتسابيحها.
أمَّا الاجتماع الآخر الذي يُعتقد أنه
كان في المساء، فهو عشاء الأغابي.

والمعروف أن منشور
الإمبراطور كان بخصوص منع الاجتماعات الليلية.

والمعروف
على وجه التأكيد أن اليوم المحدد للإفخارستيا كان هو يوم الأحد بحسب ما يقرره سفر
الأعمال ورسائل القديس إغناطيوس الأنطاكي وبرناباس.

أمَّا
بخصوص التسبيح الذي كان يقوم به المسيحيون قبل الفجر
فيما بينهم
بالدور،
فهو إشارة إلى طريقة “الأنتيفونا” (طريقة المرابعة: ربع بحري وربع
قبلي على كل من المنجليتين). ويقرر العالِم “لايتفوت” أن هذه الطريقة مأخوذة عن
العبادة داخل المجامع اليهودية
([22]).

ولكن يعترض
على هذا التفسير العالِم “دوم كونوللي” ويشايعه العالِم “سراولي”، إذ يعتقدان أن
«هذا
التسبيح فيما بينهم بالدور»
يشير إلى الصلوات التي يقدِّمها
المسئول نحو المسيح ومردات الشعب على ذلك.

أمَّا
العهد الذي يقطعونه على أنفسهم للإمتناع عن بعض الجرائم، فهو إشارة إلى تعهدات
المعمودية التي كانت تُمارَس بكثرة وربما قبل كل إفخارستيا بالنسبة للمعمَّدين
الجدد.

 

خامساً: صورة
للإفخارستيا سنة 150م

أولاً: خدمة
يوم الأحد بحسب القديس يوستين الشهيد سنة 150م

(يمثل فكر
الكنيسة من وجهة نظر الشعب)

ثانياً: خدمة
الإفخارستيا التي تُقام للمعمَّدين

 

أولاً: خدمة
يوم الأحد بحسب القديس يوستين:

[ في اليوم الذي
يُقال له “الأحد” لنا اجتماع عام يحضره المواطنون سواء كانوا في المدينة أو في
قرية.

تُقرأ ميامر الرسل (وهي الأناجيل بحسب توضيح يوستينوس
الشهيد في احتجاجه الأول
فصل 61)، أو كتابات الأنبياء بقدر
ما يتسع الوقت (يُلاحَظ في أع 7: 20 أن بولس الرسول بدأ القراءة والوعظ من العشية
وأطال حتى منتصف الليل). وعندما ينتهي القارىء:


يقوم الرئيس بالوعظ داعياً إلى اقتفاء أثر هذه الأمثلة التي اتبعت الحق. وبعد ذلك،


نقوم جميعنا واقفين ونقدِّم صلوات. وبعد أن ننتهي من صلواتنا،


يُقدَّم (للرئيس) الخبز والخمر والماء،


والذي يترأس الجماعة يقدِّم أيضاً صلوات طلبات وصلوات شكر على قدر استطاعته
Ósh dÚnamij aÙtù.

الشعب يعبِّر عن موافقته بكلمة
“آمين”.


توزَّع الإفخارستيا (“خبز الإفخارستيا” و“خمر الإفخارستيا”) ويشترك فيها كل
الحاضرين.


الغائبون يُرسَل لهم نصيبهم (من الإفخارستيا) بواسطة الشمامسة (انقطع هذا الطقس
وحُرِّم بواسطة المجامع).


يتبرع الأغنياء بما يريدون، حسب رغبتهم.


يُحفظ ما يُجمع في حوزة الرئيس.]
([23])

ملاحظات:

1
ارتباط الإفخارستيا
بيوم الأحد.

2
ارتباط الإفخارستيا
“باجتماع عام”
هو المعروف بلغة الليتورجيا باسم
SÚnaxij سيناكسيس Synaxis،
وأول مَنْ ذكر هذا الاسم هو القديس كليمندس الروماني.

3ليتورجيا
الكلمة:
فصول من العهد الجديد والعهد القديم
.

4
عظة على الفصول المقروءة.

5
صلوات المؤمنين (طلبات)، (الأواشي)، صلوات (مثل
صلاة الصلح وبقية الصلوات حتى كلمة “أخذ خبزاً على يديه”).

6
تقديم (الخبز والخمر):
Offertory (على المذبح)، وليس قدام الهيكل كما هو حاصل الآن.

7صلوات
الشكر للرئيس
(الأسقف) على الخبز والخمر (صلوات البركة وما يتبعها).

8الاشتراك
في تناول الإفخارستيا.

9جمع
تبرعات
(الأسبوع) الأحد.

(انتهى ترتيب ليتورجية
يوستين الشهيد)

ثانياً: خدمة
الإفخارستيا للمعمَّدين في أيام يوستين الشهيد:

[1
أمَّا بخصوصنا نحن، فعندما نعمِّد الشخص الذي يكون قد آمن نضمُّه إلينا، ثم نقوده
إلى المكان الذي تكون فيه الجماعة التي تسمَّى “الإخوة” مجتمعين.

2
ثم نصلِّي بلجاجة معاً من أجل نفوسنا، ومن أجل المعمَّد، ومن أجل كل الآخرين في كل
مكان، لكي نستحق معرفة الحق لكي بعمل الصلاح وبحفظ الوصايا نحصل على خلاصنا الأبدي.

3
وبعد هذه الصلوات نعطي بعضنا بعضاً قبلة السلام.

4
ثم يُحضر الخبز وكأس الخمر الممزوج بالماء إلى رئيس جماعة الإخوة.

5
فيأخذها ويعطي التسبيح والمجد لأب الخليقة باسم الابن والروح القدس.

6
ويقدِّم صلاة شكر طويلة من أجل البركات التي تفضَّل الله ومنحها لنا.

7
وعندما ينتهي من الصلوات وصلاة الشكر، يوافق كل الشعب الحاضر بقولهم “آمين”. وكلمة
“آمين” هي عبرية تعني “هكذا يكون”.

8
فعندما يشكر الرئيس ويجاوب الشعب “آمين”، يقوم الذين ندعوهم شمامسة بتوزيع جزءٍ من
كُلٍّ من الخبز والخمر الإفخارستي الممزوج بالماء على كل الحاضرين، ويحملون ذلك
أيضاً إلى الذين تغيَّبوا.]
([24])

(أ)
الاصطلاحات الإفخارستية في دفاع القديس يوستين الشهيد،

وحواره الأول
ضد تريفو اليهودي:

ولكي نعطي
تسلسلاً واضحاً للتقليد الإفخارستي، يلزمنا أن نستخلص كل العبارات والاصطلاحات
التي استخدمها يوستين الشهيد في دفاعه عن الإيمان وفي حواره الأول مع تريفو، لأنها
تكمِّل لنا الصورة التي قدَّمها هذا الشهيد المبارك عن طقس إقامة الإفخارستيا

طبعاً بدون أن يذكر ما هي الصلوات أو العبارات التي كانت تُستخدم في إقامة
الإفخارستيا.

فهنا في
دفاعه وحواره نستطيع أن نجمع الشيء الكثير
والمهم جداً من تقليد الإفخارستيا وصلواتها
واصطلاحاتها وشرحها، الذي كان يحفظه هذا الشهيد في قلبه كميراثٍ إيماني ولاهوتي.

فهذا
الميراث الإفخارستي المتوارث عند الشهيد يوستين سنة 150م، نجده ينتقل بجُمَله
وكلماته ونفس تركيبه ليصبح بعد ذلك جزءاً في الليتورجية التي قدَّمها لنا هيبوليتس
سنة 215م. فإذا أدركنا أن يوستينوس ورث هذا المفهوم الإفخارستي عمن قبله، أدركنا
في الحال أن ما قدَّمه هيبوليتس

هو امتداد يقيني لما سلَّمه الرسل.

(ب) لغة
الإفخارستيا في دفاع وحوار القديس يوستين الشهيد:

1
[الرئيس يرسل إلى فوق التسبيح والمجد (لله) لأب الخليقة باسم الابن والروح القدس.]
([25])

2
[(إننا بعملنا الإفخارستيا) هو لكي نقدِّم الشكر لله، في نفس الوقت، من أجل خلقة
العالم وكل ما فيه، ومن أجل الإنسان، ولأنه خلَّصنا من الشر (آلام الخطية التي
وُلِدنا فيها)، ولأنه حلَّ (رباط) القوات والسلاطين

سحقهم سحقاً كاملاً بكونه خضع للآلام بإرادته وحده.]
([26])

(خاص
بالكاتب: هذا النص وارد بنفس كلماته في قدَّاس التقليد الرسولي لهيبوليتس.)
([27])

3
[لأنه كما أن بكلمة الله قد صار يسوع المسيح مخلِّصنا جسداً، وأخذ جسداً ودماً من
أجل خلاصنا، هكذا تسلَّمنا (علَّمونا) أن هذا الطعام (خبز وخمر الإفخارستيا) الذي
قُدِّم عليه الشكر بواسطة “صلاة الكلمة” التي انحدرت إلينا منه (من الرب) … هو
جسد ودم يسوع الذي صار جسداً. لأن الرسل في كلماتهم أو في ميامرهم التي كتبوها،
التي تُدعى الأناجيل، سجَّلوا أنه هكذا قد أُمروا أن يعملوا هذا أن يسوع أخذ خبزاً
وشكر وقال: اصنعوا هذا لذكري، هذا هو جسدي، وهكذا أيضاً أخذ الكأس وشكر وقال: هذا
هو دمي.]
([28])

4
[إن تقدمة الدقيق بحسب أمر العهد القديم من أجل الذين يتطهرون من البرص كانت
مثالاً لخبز الإفخارستيا الذي أمر يسوع المسيح ربنا أن نصنعه (أو نقدِّسه) لذكر
آلامه التي تحمَّلها من أجل البشر الذي به تتطهَّر نفوسهم (أرواحهم) من كل إثم.
حتى وبسبب ذلك نعطي الله الشكر أيضاً كونه خلق العالم وكل ما فيه من أجل الإنسان،
ولأنه خلَّصنا من الشقاء الذي كنا فيه، وحلَّ رباط السلاطين والقوات وحطَّمهم
تماماً بآلامه التي قبلها بإرادته وحده.]
([29])

5
[إن الذبائح التي نقدِّمها لله نحن الأمم في كل مكان، التي هي خبز الإفخارستيا
والكأس الذي للإفخارستيا أيضاً.]
([30])

6
[(إن الأساقفة) يرفعون هذه الإفخارستيا لأننا صرنا مستحقين لهذا أمامه.]
([31])

7
[إن رئيس الكهنة الأعظم صُلب عنا نحن المسيحيين جنس الكهنوت الأعظم لله بالحق…
لذلك فإن الله لا يقبل الذبائح من أي أحد إلاَّ من أيدي كهنته.]
([32])

ويُلاحَظ
هنا أن كل ما جاء في دفاع وحوار القديس يوستين هو من صميم لغة الليتورجيا، وهذا
يوضِّح لنا كيف كانت الليتورجيا مصدر معرفة وإلهام وشرح لكل اللاهوت.

(ج) ملاحظات
هامة على الليتورجيا والإفخارستيا في زمن القديس يوستين الشهيد،

ومقدار
تطابقها الشديد على ما هو قائم اليوم في الكنيسة:

يُلاحَظ
أنه يوجد تمييز واضح جداً بين خدمتين أساسيتين في إقامة الإفخارستيا، سواء في
وضعها العام يوم الأحد أو في وضعها الخاص بمناسبة وجود معمَّدين. هاتان الخدمتان
هما خدمة ليتورجية (قداس) الكلمة بالقراءة والوعظ، وخدمة تقديم الصعيدة بالخبز
والخمر. ولكل من الخدمتين صلوات خاصة وترتيب معين:

أولاً: خدمة
(قداس الكلمة) والمسمَّى الآن بقداس الموعوظين:

) يشتمل أولاً على
القراءة من الأناجيل والرسائل التي يسميها القديس يوستين الشهيد “ميامر الرسل”،
وكذلك قراءة من العهد القديم التي يسميها “الأنبياء”.

(ب) مدة
القراءة غير محدَّدة وبالتالي كميات القراءة.

(ج) الوعظ
ينصبُّ على موضوع القراءات.

(د) بعد
القراءة نقدِّم صلوات (طلبات) بحرارة:

1
من أجل مقدِّمي القرابين (من أجل أنفسنا).

2
من أجل المعمَّدين (والموعوظين).

3
من
أجل كل الآخرين في كل مكان.

(ه) بعد كل
الطلبات (والأواشي) نعطي بعضنا البعض قبلة السلام. هنا تنتهي خدمة أو ليتورجية
القراءة والوعظ بحضور الموعوظين.

ثانياً: خدمة
أو ليتورجية (قداس) تقديم الصعيدة:

(أ)
يُقدَّم الخبز والخمر (تقديم الحمل وهذا هو وضعه الصحيح الأول).

(ب) يأخذه
(رئيس الجماعة) ويعطي “التسبيح والمجد”
للآب والابن والروح القدس. (التي يقابلها الآن ما يقوله الكاهن وقت تقديم الحمل
“مجداً وإكراماً. إكراماً ومجداً للثالوث الكلِّي القٌدْس الآب والابن والروح
القدس”).

(ج)
الصلوات الطويلة التي تسبق التناول (وتشمل الآن: من صلاة الصلح وحتى التوزيع):

1
صلاة شكر طويلة من أجل خلقة العالم

والبركات التي تفضَّل الله ومنحها لنا.

2
الشكر من أجل
خلاص
الإنسان.

3
الشكر من أجل حلِّ رباط الشيطان وسحق قوته، وذلك بالصليب.

4
صلاة الرب التي قالها على الخبز والخمر بكلماتها المحددة المسلَّمة كأمر صادر من
الرب نفسه:
» اصنعوا هذا لذكري «

5 تقديس الخبز (لذكر آلام الرب التي تحمَّلها) الذي به تتطهر النفوس من كل خطية.

6 يوافق الشعب
بعد نهاية الصلوات بكلمة “آمين” التي تعبِّر عن شركة واتحاد في الذبيحة والإيمان.

7
توزيع الخبز والخمر (الجسد والدم) على الحاضرين والغائبين.

 

سادساً: صورة
للإفخارستيا سنة 180م

الإفخارستيا
في كتابات القديس إيرينيئوس

وبالأخص في
محاجاته ضد الهراطقة سنة 180م

 

1
الأسماء التي أطلقها على الإفخارستيا:

[(أ) “الإفخارستيا” ([33]).

(ب) “صعيدة
الكنيسة”
([34]).

(ج)
“الصعيدة الجديدة التي للعهد الجديد”
([35]).

(د)
“الذبيحة الطاهرة”.

(ه) تقديم
“باكورة الخلائق” من أجل “تقديس الخليقة”]!!

2
خطورة تقديم الذبيحة بدون استعداد داخلي ومصالحة كاملة مع الآخرين:

[لأنه إذا
كان إنسان يجتهد في تقديم ذبيحة بحسب أصول مظاهرها فقط، فمهما كان من أمر مراعاة
نظامها وتطبيق واجباتها، بينما يكون في داخل نفسه غير متوافق مع قريبه من جهة حقوق
الزمالة وأصولها، ولا هو تحت مخافة الله، فمثل هذا الذي يحتفظ بخطيئته سراً لا يظن
أن بإمكانه أن يخدع الله بتقديمه هذه الذبيحة تقديماً صحيحاً بحسب الظاهر، فهذه
الصعيدة لن تفيده شيئاً، إلاَّ إذا رفع الشر الذي حَبِل به في بطنه، وإلاَّ فإن
هذه الخطيئة ستتسبب بالأكثر، بسبب الرياء، في قتله نفسه.]
([36])

3
[وهكذا إذا قدَّمت الكنيسة ذبيحتها بفكرٍ واحدٍ متحد، فإن تقدمتها تُحسَب بحق أنها
طاهرة أمام الله]
([37]).

4
أثر التناول على جسد الإنسان في القيامة، وعقيدة “الاستدعاء”
و“التحوُّل”:

[كيف
يقولون إن جسم الإنسان بعدما يتغَّذى بجسد الرب ودمه يؤول إلى الفساد ولا يكون له
شركة في الحياة؟ (إيرينيئوس يخاطب الذين لا يؤمنون بقيامة الأجساد)].

5
[وأمَّا فكرنا نحن فهو مطابق للإفخارستيا، والإفخارستيا بالتالي هي التي تؤسِّس
فكرنا، لأننا نقول إننا نقدِّم لله
من الذي هو له، ونعلن هذا بشركتنا واتحادنا معترفين بقيامة الجسد والروح.

لأنه كما
أن الخبز الذي يخرج من الأرض حينما يقبل استدعاء الله
™p…klhsin (الدعاء باسم الله) فهو لا يعود مجرد خبز ساذج،
ولكن يصير إفخارستيا مكوناً من حقيقتين سماوية وأرضية، هكذا أيضاً أجسادنا حينما
نتناول الإفخارستيا لا تعود للفساد بل يكون لها رجاء القيامة للحياة الأبدية.]
([38])

[لأن الخبز
الذي
تُعمل الإفخارستيا عليه هو جسد الرب.]([39])

يُلاحَظ
هنا أن القديس إيرينيئوس يستخدم هنا كلمة
» عمل
الإفخارستيا
«بدل » الاستدعاء «

6
إقامة الإفخارستية، المذبح السمائي، الخدمة باستمرار بلا انقطاع:

[هكذا أعطى
اللوغس “الكلمة” للإنسان نفس هذا المفهوم لتقديم التقدمات له، فبالرغم من أنه ليس
هو بذاته في حاجة إليها، ولكن لكي يتعلَّموا كيف يخدمون الله.

وهذا هو الأمر من جهة مشيئته من نحونا لكي نقدِّم القرابين على مذبحه، باستمرار وبلا انقطاع… أمَّا المذبح فهو
في السماء
لأنه نحو هذا المكان نحن نوجِّه كل صلواتنا وتقدماتنا، والهيكل أيضاً هناك كما يقول القديس يوحنا الرائي في سفر الرؤيا: » وانفتح هيكل
الله … هوذا مسكن الله
مع الناس وهو
سيسكن معهم
«(رؤ 19: 11 و3: 21).]([40])

7
خلاص الأجساد وتجديدها لعدم الفساد وقيامتها في الحياة الأبدية:

[فإذا كانت
أجسادنا لن تبلغ الخلاص حقاً، فإنه لا يكون الرب قد فدانا بدمه، ولا تكون
“كأس
الإفخارستيا”
هي شركة دمه، ولا يكون الخبز الذي نكسره شركة
جسده … إنه أكَّد أن الكأس هي دمه الخاص الذي به يغذِّي دماءنا، وأن الخبز أسسه
جسداً له خاصاً الذي به ينمِّي أجسادنا: وأن كلاًّ من
الكأس
“الممزوج”
والخبز المخبوز عندما يتقبَّل “كلمة
(لوغوس) الله”،
فتصير الإفخارستيا دم وجسد المسيح التي منها
تنمو أجسادنا وتتقوم، كيف بعد ذلك يقولون إن جسدنا لا يكون قابلاً للحصول على نعمة
الله التي هي الحياة الأبدية.]
([41])

8
الإفخارستيا خدمة روحية، استدعاء الروح القدس، إظهار الخبز جسداً
والكأس دماً:

[إن تقدمة
(صعيدة) الإفخارستيا ليست جسدية ولكنها روحية، ولهذا الاعتبار هي طاهرة. لأننا نحن
نقدِّم الصعيدة لله من الخبز ومن كأس البركة مقدِّمين الشكر له كونه أمر الأرض أن
تُخرِجَ هذه الثمار من أجل إطعامنا.
وعندما نستكمل تقديم الصعيدة، نستدعي
™pikaloàmen (من ™p…klhsij)
الروح القدس حتى
يظهر (يُستعلن)
=
¢pof»nV هذه الذبيحة qus…an: الخبز جسداً للمسيح، والكأس دماً للمسيح؛ حتى
لكي يحصل المتناولون منها على مغفرة الخطايا والحياة الأبدية.

أمَّا
هؤلاء الذين يكملون هذه الصعائد (كل المشتركين فيها) ذِكراً (أو تذكاراً) للرب…
فإنما يكمِّلون خدمة بحسب الروح، وهم يُدعَوْنَ أبناء الحكمة.]
([42])



اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى