علم

التغيير الذى أتمه الصليب فى علاقة الإنسان بالموت



التغيير الذى أتمه الصليب فى علاقة الإنسان بالموت

التغيير
الذى أتمه الصليب فى علاقة الإنسان بالموت

من
كتاب تجسد الكلمة

القديس
اثناسيوس الرسولى

 

التغيير
الذى أتمه الصليب في علاقة الإنسان بالموت.

1
إن كان كل تلاميذ المسيح يزدرون بالموت وجميعهم يواجهونه بقوة، ولم يعودوا بعد
يخشونه، بل بعلامة الصليب وبالإيمان بالمسيح يطأونه كميت، فإن هذا برهان غير قليل،
بل بالحرى دليل واضح على أن الموت قد أُبيد وأن الصليب قد صار هو الغلبة عليه، وأن
الموت لم يَعُد له سلطان بالمرة بل قد مات حقًا .

2
فقديما، قبل المجىء الإلهي للمخلّص، كان الموت مرعبًا حتى بالنسبة للقديسين، وكان
الجميع ينوحون على الأموات كأنهم هلكوا . أما الآن، بعد أن أقام المخلّص جسده، لم
يعد الموت مخيفًا لأن جميع الذين يؤمنون بالمسيح يدوسونه كأنه لا شئ، بل بالحرى
يُفضّلون أن يموتوا على أن ينكروا إيمانهم بالمسيح، لأنهم يعرفون بكل يقين أنهم
حينما يموتون فهم لا يفنون بل بالحرى يحيون عن طريق القيامة ويصيرون عديمي فساد .

3
أما ذلك الشيطان الذى بخبثه فرح قديمًا بموت الإنسان فإنه الآن وقد نُقِضت أوجاع
الموت، فالوحيد الذى يبقى ميتًا حقًا هو الشيطان، والبرهان على هذا هو أن الناس قبل
أن يؤمنوا بالمسيح كان يرون الموت مفزعًا ويجبنون أمامه، ولكنهم حينما انتقلوا إلى
إيمان المسيح وتعاليمه فإنهم صاروا يحتقرون الموت احتقارًا عظيمًا لدرجة أنهم
يندفعون نحوه بحماس ويصبحون شهودًا للقيامة التى انتصر بها المخلّص عليه. إذ بينما
لا يزالون صغار السن فإنهم يدرّبون أنفسهم بجهادات ضد الموت، مسارعين إليه، ليس
الرجال منهم فقط بل والنساء أيضًا. وقد صار الشيطان ضعيفًا حتى أن النساء اللواتي
انخدعن منه قديمًا، فإنهن الآن يسخَرون منه كميت وعديم الحركة.

4
وكما يحدث حينما يهزم ملك حقيقي طاغية ويربط يديه ورجليه، فحينئذ يهزأ به كل
العابرين، ويضربونه ويزدرون به ولا يعودون يخافون غضبه ووحشيته، بسبب الملك الذى
غلبه، هكذا الموت أيضًا إذ قد هزمه المخلّص وشهّر به على الصليب وربط يديه ورجليه،
فإن جميع الذين هم فى المسيح، إذ يعبرون عليه، فإنهم يدوسونه وفى شهادتهم للمسيح
يهزأون به، ويسخرون منه، مردّدين ما قد قيل عنه فى القديم ” أين غلبتك يا موت،
أين شوكتك يا هاوية ” .

———————-

1
انظر فصل 28/2.

2
الموت الذي من نتيجته ” انحلال الجسد ” (28/2) وانفصال النفس عن الجسد
(ضد الوثنيين 2: 33) هو نفسه قد أُبيد ومات.

3
عن أن موت الصليب هو علامة نصرة على الموت. انظر فصل 22.

4
عن سيادة الموت وسلطانه كملك على البشر بعد سقوطهم. انظر فصل 4/4، فصل 8/2. وفي
فصل 10/1 يعطى القديس أثناسيوس تشبيهًا آخر للموت بأنه لص سطى على مدينة الملك.

5
عن أن الموت الذى اختاروه للمسيح للمبالغة في تحقيره كان بالذات علامة للانتصار
على الموت نفسه انظر فصل 24/4.

6
يصف القديس أثناسيوس ما كان يفعله البشر قديمًا حيال الأموات منهم. انظر ضد
الوثنيين10/3.

7
يسجل يوستينوس المدافع والشهيد موقف المسيحيين وعدم خوفهم من الموت قائلاً: “لأنى
أنا أيضًا عندما كنت بعد أدرس تعاليم أفلاطون، وكنت أرى المسيحيين المفترى عليهم
وهم غير خائفون من الموت ولا من الأشياء التي ترهب الإنسان، تيقنت أنه من المستحيل
أن تكون حياة هؤلاء الناس مليئة بالشرور والملذات كما يُفترى عليهم ” (الدفاع
الثانى 12/1).

1
الموت الذي كان يهدد البشر بالفناء والعدم أصبح بواسطة المسيح كالعدم ” وكأنه
لا شئ “، ولم يعد المؤمنون بالمسيح يعيشون تحت تهديد الفناء والعدم بالموت.

2
انظر فصل 21/1.

3
الشيطان كان يحسد الإنسان على عطية عدم الموت ولهذا يذكر القديس ” أثناسيوس أن
الموت دخل إلى العالم بحسد إبليس ” انظر فصل 5/2.

4
انظر أع 24: 2.

5
يستخدم القديس أثناسيوس نفس هذا الفعل “يبقى” في فصل 5: 4 ليصف حالة
الإنسان بعد السقوط.

6
يعود القديس أثناسيوس للحديث عن شجاعة الشهداء في مواجهة الموت وذلك في الفصول29،
48

7
يستخدم القديس أثناسيوس فعل “
Ðrm£n “ ” يندفعون ” في فصل 2: 31 من مقالته ضد الوثنيين وذلك
ليفرق بين الإنسان العاقل والمخلوقات غير العاقلة (الحيوانات) فيقول: “.. إن
الإنسان هو وحده الذي يفكر فيما هو خارج عن نفسه، ويعلل الأشياء غير الموجودة
أمامه فعلاً ويتأمل ويختار الأفضل، لكن الحيوانات غير العاقلة ترى فقط ما هو
أمامها ولا تستجيب إلاّ بما تقع عليه أعينها حتى لو كانت النتائج ضارة بها. بينما
لا “يندفع
Ðrm£ ” الإنسان بمجرد رؤيته لشئ ما بل يحّكم فكره فيما يراه
بعينيه ” والقصد واضح من استخدام القديس أثناسيوس لنفس الفعل في سياق حديثه
عما يفعله المؤمنون بالمسيح تجاه الموت إذ يريد أن يوضح أن رد فعلهم أمام الموت
ليس بلا وعى بل بإدراك حقيقى وإيمان بأن الموت لا سلطان له عليهم بعدما أُبيد بموت
المسيح وقيامته.

1
في فصل 4: 55 يعطى القديس أثناسيوس تشبيهًا آخر للملك ليوضح به أيضًا خضوع البشر
للملك الحقيقى وتركهم للطاغية المزيف.

2
كلمة شوكة في الأصل اليونانى هى “
TÒ kšntron
” وتعنى “ذَنبَ” العقرب أو “ذَنبَ” النحلة الذى يلدغ .
والمعنى هنا في الآية أنه بقوة المسيح أُبطلت قدرة الموت والهاوية على إيذاء
المؤمنين بالمسيح. وهذه الآية وردت في رسالة بولس الرسول إلى أهل كورنثوس الأولى
هكذا ” أين شوكتك ياموت أين غلبتك يا هاوية” 1كو 55: 15. راجع فصل 21
فقرة 2.

3
هوشع 14: 13.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى