علم المسيح

(9) شرح القديس أثناسيوس الرسولي لقوله: "صائراً أعظم من الملائكة "(6)



(9) شرح القديس أثناسيوس الرسولي لقوله: “صائراً أعظم من الملائكة<br /> “(6)

(9) شرح القديس أثناسيوس الرسولي لقوله:
صائراً أعظم من الملائكة
(6)

 


في الرسالة إلى العبرانيين يقول الرسول: ” صائراً أفضل من الملائكة بمقدار ما
قد ورث اسماً أكثر تميزاً عنهم ” (عب4: 1). ويقول بعد قليل ” من ثم أيها
الأخوة القديسون شركاء الدعوة السماوية، ركزوا انتباهكم جيداً على رسول ورئيس
كهنته اعترافنا يسوع، حال كونه أمينا للذي أقامه (عب1: 3،2). وفي سفر الأعمال
” فليعلم يقينا جميع بيت إسرائيل أن الله جعل يسوع هذا الذي صلبتموه أنتم
رباً ومسيحاً ” (أع36: 2).

 ”
أن القول الرسولي إذن يشير إلى الزمن الذي فيه ” كلمنا بواسطة ابنه “
. عندما قد
صار تطهير خطايانا أيضاً. فمتى ” تحدث إلينا في شخص ابنه “
. ومتى قد صار
” تطهير الخطايا “
. ومتى قد صار إنساناً إلا بعد الأنبياء
في الأيام الأخيرة؟ وبما أنه كان يقص قصة التدبير الخاص بكل منا. وكان يتكلم من
الأزمنة الأخيرة. فإنه لا ينقطع عن ذكر أن الله لم يكف عن التحدث إلى الناس خلال
الأزمنة الماضية، لأنه تحدث إليهم بواسطة الأنبياء. ولأن الأنبياء قد خدموا،
والشريعة أعلنت بواسطة الملائكة (عب2: 2). و
الابن أيضاً نزل
وجاء لكي يخدم (متى28: 20) لذا كان من الضروري أن يضيف: ” صائراً أعظم من
الملائكة بمثل هذا المقدار ” رغبة منه أن يوضح أن
الابن بقدر ما
يختلف عن العبد بقدر ذلك صارت خدمة
الابن أفضل من الخدمة التي
يقدمها العبيد.

 إذن.
بعد أن ميز الرسول بين الخدمة قديما وبينها حديثاً فأنه يقدم لليهود كاتباً وقائلاً
” صائراً أعظم من الملائكة بمثل هذا المقدار “، لهذا فإنه لم يعقد
مقارنة بينه وبين الكل (أي المخلوقات). بقوله أنه قد صار ” أعظم “
. أو ”
أكثر كرامة ” وذلك لكي لا يظن أحد بخصوصه وخصوصهم
أنهم أبناء جنس واحد. بل قد قال أنه ” أفضل ” وذلك لكي
يكون معروفاً، اختلاف طبيعة
الابن عن طبيعة المخلوقات… إذن، فلذلك فليست
هناك علاقة قرابة بين
الابن والملائكة وما دامت ليست هناك علاقة –
فلهذا فإن كلمة ” أفضل ” لا تذكر للمقارنة، بل بحصافة وفطنة بسبب اختلاف
طبيعة
الابن عن طبيعة
الملائكة. ونفس الرسول هو الذي فسر كلمة ” أفضل ” قائلاً أن هذا لا يكمن
في شئ آخر بل في الفرق بين
الابن والمخلوقات، كمن يقول أن هذا هو الابن، بينما
المخلوقات هم العبيد. وكما أن
الابن هو مع الآب ” جالس عن يمينه “.
هكذا فإن العبيد يظهرون أمامه، ” ويُرسلون ويخدمون “
.

 ”
وبما أن هذه الأقوال مكتوبة هكذا … فأنه يستدل منها أن
الابن ليس مخلوقاً،
بل بالأحرى هو كائن آخر غير كل المخلوقات. فهو ابن ذاتي للآب كائن في أحضانه. لأن
ما هو مكتوب أيضاً: ” صائراً ” لا يعنى أن
الابن مخلوق مثلما
تظنون أنتم. لأنه لو كان قد قيل ببساطة ” صائراً ” وسكت، لكان لدى
الآريوسيين عذر، حيث أنه قد تكلم من قبل عن
الابن موضحاُ من
خلال كل الفقرة أنه كائن آخر غير المخلوقات. لهذا لم يدون ” صائراً ”
بمعنى مطلق، بل ربط ” أعظم ” ب ” صائراً ” لأنه أعتبر أن هذا
القول ليس مختلفاً. عالماً أن من يقول ” صائراً ” عن من يُعترف به أنه
ابن ذاتي، كمن يقول عنه أنه قد صنع، وأنه ” أعظم ” ذلك لأن المولود لا
يتغير، حتى وأن قيل عنه أنه قد صار، أو أنه قد صنع.

 ”
إذن فإن كان الرسول قد قال ” أن
الابن أرقى بكثير من
الملائكة ” أو هو ” أعظم بدرجة أكبر ” لكان لكم العذر أن تقارنوا
الابن بالملائكة.
أما الآن فبقوله أنه ” أفضل ” وأنه يختلف بدرجة كبيرة بقدر ما يختلف
الابن عن العبيد،
فإنه يبين أنه مختلف عن طبيعة الملائكة.

 ومرة
أخرى، عندما يقول أنه هو ” الذي أسس جميع الأشياء ” (أنظر عب10: 1).
يبين أنه مختلف عن جميع المخلوقات. وبما أنه مختلف تماماً في جوهره عن طبيعة
المخلوقات. فأي مقارنة أو مضاهاة لجوهرة يمكن أن توجد بالمقارنة مع المخلوقات؟
لأنهم إن استعادوا

إلى ذاكرتهم من جديد شيئاً من هذا. فلا شك أن بولس سينفذها لهم عندما يقول: ”
لأنه لم من الملائكة قال قط. أنت أبنى وأنا اليوم ولدتك ” (عب5: 1). ويقول عن
الملائكة ” الصانع ملائكته أرواحاً وخدامه لهيب نار ” (عب7: 1).

 ”
فها هو ذا إذن يستخدم فعل ” يصنع ” عن المخلوقات وهو يقول عنها أنها
مصنوعة. أما بخصوص
الابن فلم يستخدم كلمة ” صنع ” ولا ”
صيرورة ” بل يقول عنه أنه ” الأبدي ” و ” الملك “، وكونه
الخالق عندما تكلم قائلاً: ” عرشك يا الله إلى دهر الدهور ” (عب8: 1). ”
وأنت يا رب في البدء أسست الأرض. والسموات هي عمل يديك. و
هي ستبيد
ولكنك أنت ستبقى ” (عب10: 1،11). ومن هذه الكلمات يمكنهم أن يفهموا
إن كانوا يريدون أن الخالق هو آخر غير المخلوقات. أما المخلوقات فهي شئ آخر غيره،
وأنه هو الله. أما تلك المخلوقات فقد صنعت من العدم. لأن ما يقوله هنا ” هذه
ستبيد “، لم يقله لأن الخليقة ستصير إلى زوال. بل لكي يبين طبيعة المخلوقات.
من النهاية التي ستؤول إليها “
. لأن تلك التي لها
قابلية الهلاك، حتى وإن لم تكن هلكت بعد
بسبب فضل ذاك الذي خلقها إلا أنها قد خلقت من العدم مما يشهد بأن هذه الأشياء لم تكن موجودة يوماً ما. من أجل هذا
إذن، حيث أن مثل هذه الأشياء لها مثل هذه الطبيعة فإنه يقال عن
الابن القول
” أنت ستبقى “
. لكي تتضح أبديته. لأنه
حيث أنه ليس فيه إمكانية الفناء، كما يحدث للمخلوقات
بل له الدوام إلى الأبد، فليس ملائماً أن يقال عنه: ” لم يكن
موجوداً قبل أن يولد “
. فإنه هو نفسه الموجود دائماً، والدائم
مع أبيه. وحتى لو لم يكن الرسول قد كتب هذا في الرسالة إلى العبرانيين إلا أنه في
رسائله الأخرى. بل كل الكتاب المقدس يحول دون تخيل مثل هذه التصورات عن ”
اللوغس – λογος. وحيث أن الرسول كتب هذا. وكما قد أتضح
من قبل. أن
الابن هو مولود
جوهر الآب، وأنه هو الخالق، وأن المخلوقات خلقت بواسطته. وأنه هو أيضاً ”
البهاء “
. و ” واللوغس – λογος ” و ” الصورة “.
وحكمة الآب “
. في حيث أن المخلوقات أحط من الثالوث. وهم
يساعدون ويخدمون. ولذلك فإن
الابن مختلف في النوع. ومختلف في الجوهر
بالنسبة إلى المخلوقات. وبالأحرى فإنه هو من ذات جوهر الآب ومن نفس طبيعته لذلك
فإن
الابن نفسه لم
يقل ” أبى أفضل منى ” حتى لا يظن أحد أنه غريب عن طبيعة الآب. بل قال
” أعظم منى ” (يو28: 14)، ليس من جهة الحجم ولا من جهة الزمن، بل بسبب
ميلاده من أبيه ذاته، فأنه حتى عندما يقال ” أعظم منى ” أظهر مرة أخرى
أنه من ذاتية جوهره (الذاتي)(7).

 ”
والرسول نفسه عندما قال ” صائراً أفضل من الملائكة بمثل هذا المقدار “
. لم يقل هذا
ليس لأنه أراد أولاً أن يقارن جوهر
اللوغس (λογος) بالمخلوقات لأنه لا يوجد وجه للمقارنة. أو بالأحرى فإن الواحد منهما غير الآخر
تماماً. ولأنه وهو يرى ” حضور
اللوغس (λογος) التجسدي ” إلينا، والتدبير الصائر منه عندئذ. فإنه يوضح أن اللوغس (λογος) ليس مشابها للذين سبقوا أن جاءوا قبله. وهذا لكي يوضح أنه
بقدر ما يختلف هو (
اللوغس – λογος) بحسب الطبيعة عن الذين أرسلهم قبله، بقدر ما كانت النعمة الصادرة
منه وبه أفضل أعظم من خدمة الملائكة. لأن العبيد كانوا مختصين فقط بالمطالبة
بالثمار وليس أكثر (متى34: 21). أما
الابن والسيد فكان يحق له أن
يصفح عن ديونهم وأن يسلم الكرم إلى آخرين.

 هذا
إذن الذي يذكره الرسول بعد ذلك، يوضح اختلاف
الابن عن
المخلوقات قائلاً: ” لذلك يجب أن نتنبه أكثر إلى ما سمعناه حتى لا نبتعد عنه.
لأنه إن كانت الكلمة التي نطق بها ملائكة قد صارت ثابتة وكل تعد ومعصية نال جزاء
عادلاً. فكيف ننجو أن أهملنا خلاصاً هذا مقداره؟ هذا الخلاص الذي بدأ الرب التحدث
به، ثم تثبت من الذين سمعوه ” (عب1: 2-2). فإن كان
الابن معدوداً
واحداً من المخلوقات، لما كان أفضل منهم، ولما أختص من يعصاه بأعظم قدر من العقاب
بسببه. لأنه في خدمة الملائكة لم يكن مسموحاً لأي واحد منهم أن يتمكن من معاقبة
المخالفين سواء بأكثر أو بأقل، بل كانت الشريعة واحدة، وكان الحكم واحداً بالنسبة
إلى المخالفين.

 ولكن
حيث أن
اللوغس
(
λογος) ليس معدوداً بين المخلوقات بل هو ابن الآب، لذلك فبقدر ما كان هو
أفضل، كلما كانت الأعمال الخارجة منه، أفضل ومغايرة، وكلما وجب أن تكون العقوبة
أشد. إذن دعهم ينتظرون النعمة الممنوحة عن طريق
الابن. وليدركوا
هذا المشهود له بواسطة الأعمال أنه مختلف عن المخلوقات وأنه وحده
الابن الحقيقي
الذي في الآب، والآب فيه.

 والشريعة
نطق بها بواسطة ملائكة، و
هي لم تكمل أحداً، بسبب احتياجنا إلى مجيء اللوغس (λογος) إلينا مثلما قال بولس (أنظر عب19: 7). أما مجيء اللوغس (λογος) فقد أكمل عمل الآب. (يو4: 17) وفي ذلك الوقت كان ” الموت قد
ملك من آدم إلى موسى ” (رو14: 5) أما حضور
اللوغس (λογος) فقد ” أبطل الموت ” (2تى 10: 1) ولم نعد بعد ”
نموت جميعاً في آدم، بل في المسيح سيُحيا الجميع ” (1كو22: 15) وعندئذ كان
ينادى بالشريعة من دان إلى بئر سبع. ” وكان الله معروفاً في اليهودية ”
(مز1: 76) وحدها. أما الآن فقد ” خرج صوتهم إلى كل الأرض ” (مز4: 19).
” وقد أمتلأت الأرض من معرفة الله ” (أش9: 11). ” والتلاميذ تلمذوا
كل الأمم ” (متى19: 28). واليوم تم المكتوب ” ويكون الجميع متعلمين من
الله ” (يو45: 6، أش13: 54).

 وفي
ذلك الوقت كانت تلك الشواهد مجرد مثال، أما الآن فقد ظهرت الحقيقة نفسها. وهذا
يفسره الرسول مرة أخرى بعد ذلك بشكل أوضح عندما يقول: ” على قدر ذلك قد صار
يسوع ضامناً كعهد أفضل ” (عب22: 7) ومرة أخرى يقول ” ولكن يسوع الآن قد
حصل على خدمة أفضل بمقدار ما هو وسيط لعهد أفضل قد تثبت على تعهدات أفضل ”
(عب6: 8)، و ” لأن الناموس لم يكمل شيئاً. ولكن يصير إدخال رجاء أفضل ”
(عب19: 7) ويقول مرة أخرى ” فكان يلزم أن أمثلة الأشياء التي في السموات تطهر
بهذه الأساليب، أما السماويات عينها فإنها تطهر بذبائح أفضل من هذه ” (عب23:
9). والآن إذن، فإن كلمة ” أفضل ” تشير كلية إلى الرب، الذي هو أفضل من
سائر المخلوقات. ومميزاً عنها. ذلك لأن ذبيحته أفضل، والرجاء فيه أفضل. والوعود
المعطاة بواسطته. ليست لمجرد مقارنتها كعظيمة أمام أخرى صغيرة، بل لكونها مختلفة
عن الأخرى بحسب طبيعتها. لأن مدبر هذه الأمور هو ” أفضل ” من المخلوقات.

 ”
وأيضاً قوله ” قد صار ضامناً “، أي الضمانة المعطاة منه لأجلنا. لأن
اللوغس (λογος) قد ” صار جسداً “، فإننا نعتبر ” الصيرورة ”
أنها تشير إلى الجسد، لأن ” الجسد مخلوق وهو مصنوع “
. وهكذا
أيضاً كلمة ” قد صار ” فإننا نفسرها بحسب مدلوها الثاني. وذلك بسبب
صيرورته إنساناً. وعلى المعارضين أن يعرفوا أنهم ينزلقون بسبب سوء نيتهم هذه.

 وليعرفوا
إذن أن بولس الذي عرفه ” كابن ” و ” حكمة ” و ” بهاء ”
و ” صورة ” الآب، لم يقصد أن جوهر ”
اللوغس – λογος ” قد ” صار ” بل تعتبر ”
الصيرورة ” هنا لخدمة ذلك العهد الذي كان فيه الموت سائداً يوماً، وهو قد
أبطل هذا الموت.

 وبحسب
هذا فإن الخدمة من خلاله قد صارت أفضل، إذ أيضاً ” لأن ما كان الناموس عاجزاً
عنه حينما كان ضعيفاً من ناحية الجسد، فالله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطيئة
ولأجل الخطيئة دان الخطيئة في الجسد ” (رو3: 8) نازعاً الخطيئة من الجسد.
الذي كان أسيراً لها على الدوام لدرجة أنه لم يستوعب الفكر الإلهي. وإذ جعل الجسد
قادراً على تقبل ”
اللوغس – λογος ” فإنه خلقنا حتى ” لا نسلك بعد بحسب الجسد بل بحسب الروح
. ونقول
ونكرر نحن ” لسنا في الجسد بل في الروح ” (رو9: 8)، وأن ابن الله جاء
” إلى العالم لا
لكي يدين العالم ” بل لكي يفدى الجميع
” ويخلص به العالم ” (يو17: 3). لأنه سابقاً إذ كان العالم
كمسئول وكان يدان بواسطة الناموس. أما الآن فإن اللوغس (λογος) أخذ الدينونة على نفسه، وبتألمه لأجل الجميع بالجسد. وهب الخلاص
للجميع. هذا ما رآه يوحنا فصاح قائلاً ” الناموس بموسى أعطى. أما النعمة
والحق فبيسوع المسيح صارا ” (يو17: 1). فالنعمة أفضل من الناموس، والحقيقة
أفضل من الظل “.

 ”
إذن. فإن ” الأفضل ” – كما سبق أن قيل، لم يكن ممكنا أن يصير بواسطة أي
شخص آخر بل بواسطة الابن ” الجالس عن يمين أبيه “
. وما الذي
يعنيه هذا سوى أصالة
الابن وأن ألوهية الآب هذه إنما هي ألوهية الابن؟

 فإن
الابن وهو مالك
ملكوت الآب، فإنه يجلس في ذات العرش مع الآب، ونراه مرتبطاً بألوهية الآب. إذن ف
اللوغس (λογος) هو الله، و ” الذي يرى الابن يرى الآب
” (يو9: 14). وهكذا فهو إله واحد.

 إذن
فبجلوس
الابن عن اليمين،
لا يعنى بذلك أن الآب على يساره بل يعنى أن ما يكون يميناً وكريماً في الآب، فهذا
أيضاً يكون للابن. وهو يقول ” كل ما هو للآب فهو لي ” (يو15: 16). ولذا
فإن
الابن وهو جالس
على اليمين يرى الآب نفسه على اليمين، بالرغم من أنه بصيرورته إنساناً يقول ”
أنى أرى الرب أمامي في كل حين، أنه عن يميني
لكي لا أتزعزع ”
(مز8: 16). وهذا يوضح أيضاً أن
الابن في الآب، والآب في الابن (أنظر
يو10: 14)، ولكون الآب على اليمين يكون
الابن على اليمين. ومثلما
يجلس
الابن على اليمين
يكون الآب في
الابن. والملائكة
يخدمون صاعدين ونازلين.

 أما
عن
الابن فيقول ”
ولتسجد له كل ملائكة الله ” (عب6: 1). عندما تقوم الملائكة بالخدمة يقولون
” أرسلت (بضم الألف) إليك ” (لو19: 1). ” الرب قد أوصى ”
(أنظر مز11: 91).

أما
الابن فإنه يقول
وهو في الصورة البشرية: ” الآب قد أرسلني ” (يو36: 5) وإنه ” أتى
لكي يعمل ”
(يو36: 5) ولكي ” يخدم ” (يو36: 5) إلا أنه لكونه ”
اللوغس – λογος ” و ” الصورة ” يقول ” أنا
في الآب والآب في ” (يو10: 14)، ” ومن رآني فقد رأى الآب ” (يو9: 14)
” والآب الحال في هو الذي يعمل الأعمال ” (يو10: 14). لأن الأشياء التي
نراها في تلك الصورة، فهذه
هي أعمال الآب. إن ما سبق أن قيل كان ينبغي
أن يخجل الذي يصارعون ضد الحق. ولكن إن كانوا بسبب ما كتب ” صائراً أفضل ”
يرفضون أن يفهموا أن ” صائراً ” إنما تقال عن
الابن في حالة
صيرورته إنساناً. أو تقال عنه بسبب الخدمة الأفضل التي صارت بالتجسد، كما قلنا. بل
يفهمون بهذه العبارة أن
اللوغس (λογος) مخلوق، فليسمعوا مرة أخرى بإيجاز هذه
الأقوال لأنهم قد نسوا ما كان قد قيل.

 ”
لأنه لو كان
الابن يحسب من
بين الملائكة، واستعملت كلمة ” صائراً ” عنه كما عن الملائكة. وإن كان
لا يختلف عنهم في شئ بحسب الطبيعة: ففي هذه الحالة، أما أن يكون الملائكة جميعاً
أبناء، أو يكون هو ملاكاً. وهكذا فإما أن الجميع يجلسون عن يمين الآب، أو أن يقف
الابن مع الملائكة
” كأحد الأرواح الخادمة المرسلة للخدمة ” (عب14: 1) مثله مثل الملائكة.

 ولكن
من الجهة الأخرى. إن كان بولس قد ميز بين
الابن والمخلوقات
قائلاً ” لأنه لمن من الملائكة قال قط أنت أبنى ” (عب5: 1). لأن
الابن قد خلق
السماء والأرض، أما الملائكة فإنهم قد خلقوا بواسطته، هو يجلس مع الآب، أم هم
فيقفون ويخدمون، فلمن لا يكون واضحاً أنه لم يستعمل ” صائراً ” عن جوهر
اللوغس – λογος، بل عن الخدمة الصائرة منه؟.

 فكما
أنه لأنه ”
اللوغس – λογος ” قد ” صار جسداً “، فإنه حينما
صار إنساناً، فإنه في خدمته ” قد صار أفضل بمثل هذا القدر ” من الخدمة
الصائرة من الملائكة. وبقدر ما يختلف
الابن عن العبيد،
والخالق عن المخلوقات هكذا فليكفوا عن اعتبار كلمة ” صائراً ” أنها عن
جوهر
الابن، لأن الابن ليس من بين
المخلوقات، وليعلموا أن ” صائراً ” إنما تشير إلى خدمته، والتدبير الذي
صار فعلاً.

 أما
كيف قد صار أفضل في الخدمة، إذ هو أفضل بالطبيعة عن المخلوقات فهذا يثبت مما سبق
أن قلناه، وأعتقد أنه يكفي لتخجيلهم. ولكنهم أن استمروا في إنكارهم، ففي هذه
الحالة يكون من المناسب أن نقاوم جسارتهم المتهورة، ونعارض أولئك بنفس الأقوال
التي قيلت عن الآب ذاته. وهذا يؤدى أما إلى تخجيلهم
لكي يكفوا
ألسنتهم عن الشر، وأما أن يعرفوا إلى أي مدى سحيق “.

 ونختم
موضوعنا هذا بالآيات التالية:

 ”
فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ،
وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ
. هَذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللَّهِ.
كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ. فِيهِ
كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ … كَانَ فِي
الْعَالَمِ، وَكُوِّنَ الْعَالَمُ بِهِ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ الْعَالَمُ … وَالْكَلِمَةُ
صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْداً كَمَا
لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ
، مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً … َللَّهُ لَمْ يَرَهُ
أَحَدٌ قَطُّ. اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ
خَبَّرَ
” (يو1: 1-18).



(6) عن كتاب
المقالة الأولى ضد الآريوسيين “، المركز الأرثوذكسي للدراسات
الآبائية، ترجمة أ. صموئيل كامل عبد السيد ودكتور نصحي عبد الشهيد. من ص 126 إلى
142. أما كلمة لوغوس بحروفها اليونانية (
λογος) فقد وضعناها نحن لتوضيح معناها الأصلي المترجمة عنه.

 

(7) في مواضع أخرى من المقالات الأربعة فسر القديس
أثناسيوس هذه الآية وآيات أخرى مشابهة بمعنى أن الآب أعظم من جسد الابن. (المقالة
7:3) (المغرب).

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى