علم الكتاب المقدس

10- برهان الألوهية: القضية العظمى



10- برهان الألوهية: القضية العظمى

10- برهان الألوهية: القضية العظمى

مقدمة

دخول فريد في التاريخ البشري الشهادات الكتابية على الميلاد
العذراوي

شهادات كتابية أخرى عن الميلاد العذراوي

أقوال بعض الكتَّاب الآخرين

إذا أصبح الله إنساناً، نتوقع أن يكون بلا خطيئة

نظرة يسوع عن نفسه

شهادة أصدقائه

شهادة أعدائه

إذا أصبح الله إنساناً، نتوقع أن يظهر تواجده غير العادي في أفعال
غير عادية- وهي المعجزات

الشهادات الكتابية

تعليقات على معجزاته

الشهادات اليهودية المبكرة

لإسكات النقاد

إذا أصبح الله إنساناً، نتوقع أن يحيا حياة الكمال المطلق

ماذا يقول أصدقاؤه

ماذا يقول المعارضون

إذا أصبح الله إنساناً، فسوف تكون كلماته أعظم ما قيل

يذكره العهد الجديد

أعظم الكلمات

إذا أصبح الله إنساناً، نتوقع أن يكون تأثيره شاملاً ودائماً

إذا أصبح الله إنساناً، نتوقع أن يشبع الحاجات الروحية للإنسان

إذا أصبح الله إنساناً، نتوقع أن يقهر أشرس أعداء الإنسان، ومصدر
خوفه الدائم- وهو الموت

موته

دفنه

قيامته

 

(أ)
مقدمة

«إذا
أصبح الله إنساناً ماذا سيكون شكله؟»

«هل
حاز يسوع صفات الله؟»

لكي
نجيب على تلك الأسئلة، سوف يكون مناسباً أن نجيب على بعض الأسئلة الأخرى:

 

«لماذا
يتحتم أن يصير الله إنساناً؟»

 

يوجد
سبب فريد يمكن أن نستوعبه بشكل كامل. تصوَّر أنك تراقب فلاحاً وهو يحرث قطعة من
الأرض. ثم تشاهد تلاً يسكنه بعض النمل الذي سوف يتم حرثه في الدورة التالية للفلاح.
ولأنك أنت تحب النمل، تسرع إلى تل النمل لتحذر ساكنيه ذوي البنية الضعيفة، تبدأ
أولاً بأن تزعق وتحذرهم من الخطر القادم، لكنهم يستمرون في أداء عملهم المعتاد. ثم
تجرِّب معهم عدداً آخر من الاتصالات، لكن لا يبدو أن ذلك النمل المنشغل بأموره قد
سمع شيئاً. حينئذ تدرك أن الطريقة الوحيدة لتصل إليهم هي أن تصبح واحداً مثلهم.

 

خلال
كل التاريخ الإنساني، استعمل الله طرقاً مختلفة لتحقيق توصيل رسالته للبشرية.
وأخيراً أرسل ابنه للعالم. الآيات الأولى من الرسالة إلى العبرانيين تقول: «الله
بعد ما كلَّم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة، كلَّمنا في هذه الأيام
الأخيرة في ابنه» (عب 1: 1 و2). وكتب يوحنا في إنجيله «والكلمة صار جسداً وحلَّ
بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوءاً نعمة وحقاً، يوحنا شهد له
ونادى قائلاً هذا هو الذي قلت عنه إن الذي يأتي بعدي صار قدامي لأنه كان قبلي ومن
ملئه نحن جميعاً أخذنا. ونعمة فوق نعمة. لأن الناموس بموسى أعطي. أما النعمة والحق
فبيسوع المسيح صارا. الله لم يره أحد قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو
خبَّر» (يو 1: 14- 18).

 

أعطانا
الأنبياء كلمات الله. لكن يسوع هو ذاته كلمة الله في شكل إنسان، مظهراً الله لنا
بشخصه، وليس على هيئة ألفاظ. لقد أعطانا الله نفسه في شكل نستطيع فيه أن نلمسه، أن
نسمعه، أن نراه. لقد أعطانا يسوع الله ذاته وجعله في مستوانا، ثم رفعنا إلى أعلى
معه.

 

إن
الله لم يسع فقط للاتصال بنا، إنه أراد أن يعرِّفنا كم هو يحبنا. يقول يسوع: «لأنه
هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له
الحياة الأبدية. لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلص به
العالم» (يو 3: 16، 17).

 

والرسول
يوحنا يستخدم كلمات يسوع عندما كتب «بهذا أظهرت محبة الله فينا أن الله أرسل ابنه
الوحيد إلى العالم لكي نحيا به. في هذا هي المحبة. ليس أننا أحببنا الله بل أنه هو
أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا» (1يو 4: 9 و10).

 

في
كتابه «يسوع الذي لم أعرفه» يلتقط الكاتب فيليب يانسي هذه الفكرة ويعبر عنها بصورة
رائعة:

 

كان
اليهود يربطون الخوف بالعبادة.. وصنع الله مفاجأة عندما ظهر كطفل مولود في مذود
البقر. ما الذي يمكن أن يخيف من طفل حديث الولادة؟ في يسوع، وجد الله وسيلة لأن
ينتسب إلى البشر بطريقة لا تثير الخوف.

 

لقد
تعلمت ما هو التجسد عندما لاحظت حوض أسماك الزينة في بيتي.. كلما ظهر خيالي فوق
الوعاء، يبتعد السمك خائفاً ليحتمي ببيته، لقد أظهروا لي عاطفة واحدة، وهي الخوف.
وبالرغم أنني كنت أواظب على إطعامهم بشكل منتظم، ثلاثة مرات كل يوم، إلا أنهم
استجابوا لزياراتي هذه كأنما هي مشروع لتعذيبهم. ولم أستطع إقناعهم باهتماماتي
الحقيقية. ولكي أغيِّر من انطباعاتهم، أخذت أفكر، إن الأمر محتاج إلى نوع من
التجسد. إنني في حاجة إلى أن أتحول وأصبح سمكة لأتكلم معهم بلغة يفهمونها.

 

لكي
يتحول الإنسان ليصبح سمكة لا يقارن بتجسد الله ليصير طفلاً. ومع ذلك، وطبقاً
للأناجيل، هذا ما حدث في بيت لحم، الله الذي خلق المادة كلها اتخذ شكلاً مادياً
باستخدامها. كالفنان الذي يتحوَّل ويصير شكلاً في رسم يرسمه، أو كاتب المسرحية
الذي يتقمص شخصية في رواية يكتبها. لقد كتب الله قصة، لكنه استخدم شخصيات حقيقية
على صفحات التاريخ الحقيقي. الكلمة صار جسداً. (
Yancy, JNK, 37 – 39)

 

لكن
كيف تعلم الإنسانية أن رجلاً يدَّعي بأنه في الحقيقة هو الله؟ هناك طريقة وحيدة وذلك
من خلال النبوات التي تتحقق. الله يستطيع أن يتكلم مع البشر بلغتهم، وبأسلوب
أفكارهم، مخبراً إياهم عن ماذا يبحثون وكيف يجتهدون لمعرفة حقيقة أن يصير إنساناً،
وعندما يصبح إنساناً ويفي بتلك النبوات، سيتعلم العالم أنه هو الذي كان يتكلم،
وهذا هو ما فعله الله فعلاً.

 

إشعياء
النبي تنبأ أن المسيح- الله سوف يأتي (إش 9: 6 مقارنة مع مز 110: 1). وذكر الكتاب
المقدس في عديد من المرات عن مهمته قائلاً «إنها يجب أن تكمِّل» (انظر مت 2: 15 و17،
23 و13: 14).

 

لذلك،
إذا كان الله قد دخل التاريخ الإنساني ومشى وسطنا كإنسان، ما هي آثار تواجده التي
نتوقع العثور عليها؟ كيف نعلم أنه بالحقيقة كان عندنا على شكل بشري؟ أعتقد أننا
سوف نجد ثمان علامات تشير إلى تواجده التاريخي:

إذا
أصبح الله إنساناً، نتوقع منه:

1-
أن يظهر في تاريخ العالم بطريقة فريدة.

2-
يكون بلا خطيئة.

3-
يظهر تواجده غير العادي على شكل أعمال وأفعال غير عادية- وهي المعجزات.

4-
يعيش بشكل مثالي مقارنة بأي إنسان آخر عاش على الأرض.

5-
يتكلم بأعظم العبارات التي قيلت من قبل.

6-
يكون له تأثير ونفوذ شامل ودائم.

7-
يشبع الاحتياجات الروحية للإنسان.

8-
يتغلب على أشرس أعداء الإنسان ومصدر خوفه الدائم – وهو الموت.

 

في
قناعتي التامة، أُجزم بأنه في حياة يسوع المسيح نستطيع أن نجد هذه العلامات
الثماني معروضة. هو لا يعطينا أي سبب لنشكّ في كونه هو الله الذي أصبح إنساناً.
ومن الأمور الواضحة أنه وفَّى هذه التوقعات الثمانية الخاصة بتواجد الله في
التاريخ الإنساني.

 

2(أ)
دخول فريد في التاريخ البشري

كونفشيوس،
بوذا وكل البشر تمت ولادتهم بطريقة طبيعية: حيوان منوي للرجل يلقِّح بويضة الأنثى.
لكن هذا لم يحدث مع يسوع المسيح. لقد حملت به أمه وهي مازالت عذراء. هو بلا أب
بشري. الحمل العذراوي وولادة يسوع حادثان فريدان في التاريخ البشري.

 

1(ب)
الشهادات الكتابية التي تؤيد الميلاد العذراوي

الشهادات
الرئيسية المختصة بالميلاد العذراوي نجدها في إنجيل متى ولوقا. ومع ذلك، فإن
كتابات العهد القديم تنبيء بالحمل غير العادي للمسيح قبل مئات السنين من قيام متى
ولوقا بكتابة أناجيلهم. ولذلك فإن فكرة الميلاد العذراوي ليسوع يجب أن تتوافق مع
تواجد المسيح في كتاب العهد القديم. والنص المهم في هذا الشأن نجده في إشعياء 7: 14،
وربما يوجد أيضاً إشارة للحمل العذراوي في سفر (التكوين 3: 15).

 

1(ج)
سفر التكوين 3: 15

النبوءة
الأولى الخاصة بالمسيح نراها في سفر التكوين 3: 15. هنا يعد الله أن نسل المرأة
سوف يسحق رأس الحية.

 

ويخبرنا
الباحث في العهد القديم كلاوس ويسترمان أنه «منذ عهد إيريناوس، درج التقليد
المسيحي على تفهُّم هذا النص بأنه نبوة عن المسيح (ومريم). و«نسل المرأة يشير إلى
شخص مولود سوف يسحق رأس الحية التي زرعها شخص آخر وهو إبليس، الذي سوف يتصارع مع
«نسل المرأة» حتى يخضع له. هذا التفسير سار من إيريناوس ليستقر في تاريخ التفسيرات
في الكنيسة الكاثوليكية والإنجيلية. (
Westermann,
GAC, 260
)

 

ويتفق
معه چون والفورد الباحث الإنجيلي الأمريكي في كتابه «يسوع المسيح إلهنا» ويقول إن
الإشارة إلى نسل المرأة هي إشارة إلى ولادة ابن الله. وهو محور سلسلة النسب التي
أوردها لوقا. فالمخلِّص الآتي سوف يكون من نسل المرأة – الإنسان، وطالما أنه لم
يدَّعى بأنه نسل الرجل لذا فإن هذا يشير إلى الميلاد العذراوي الذي سوف يحدث (إش 7:
14، مت 1: 21 و22). وبالنسبة لآدم، جعل الأمر واضحاً كل الوضوح، فكل آماله في
المستقبل ستتركز على طفل من نسل المرأة، وأنه من خلال هذا الطفل سوف يحقق الله
الخلاص. (
Walvoord, JCOL, 57)

 

القس
الألماني اللوثري كارلهتز راباست أشار في كتاباته التي صدرت في منتصف القرن
العشرين مؤيداً النظرة التقليدية لتفسير التكوين 3: 15 «نسل المرأة.. في معناها
الدقيق الخالص تشير إلى العذراء مريم ونسلها، المسيح». (
Rabast, GADES, 120)

 

ويذكر
إدوارد يونج الباحث المتعمق في العهد القديم: هناك إشارة إلى المسيح لا يجب أن
نتجاهلها. مع ذلك، فإنه أمر حقيقي أن الإنسان الذي يحطِّم الشيطان سوف يكون
مولوداً من امرأة وهو يسوع المسيح الذي سوف يحقق الانتصار. إن نسل المرأة كما
نفهمه هو المخلِّص الذي سوف يوجه الضربة القاضية.

 

إتمام
النبوءة في سفر التكوين 3: 15 سيتحقق بقدوم يسوع المسيح، الذي كان في الحقيقة
مولوداً «من نسل المرأة» وهي القديسة مريم- وليس بذرة أي رجل.

 

2(ج)
إشعياء 7: 14

هناك
نبوءة واضحة في إشعياء 7: 14

 

«ولكن
يعطيكم السيد نفسه آية، ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل».

 

هناك
سؤالان محددان يبدأ بهما تفسير هذا النص. الأول هو، ما معنى كلمة (
ALMAH) (علْماه) العبرية، هي تعني «العذراء»؟ والسؤال الثاني هو، لمن
تشير «العذراء» المذكورة في النص؟

 

1(د)
ماذا تعني كلمة (علْماه)؟

يتحدد
معنى أي كلمة من سياق النص. مثلاً كلمة (
TRUNK) تعني مكان
التخزين في مؤخرة السيارة. عندما نقرأ الجملة التالية (وضعت السيدة شنطتها في
TRUNK السيارة)، أو نفهم أن تلك الكلمة تعني الأنف الطويل للفيل عندما
نقرأ الجملة التالية «رفع الفيل ال
TRUNK الخاص به والتقط الفول السوداني من يد الطفل». وبشكل مشابه نحاول
أن نفهم لفظة (علْماه) من سياق الجملة ككل. استخدمت تلك الكلمة في كتابات العهد
القديم سبع مرات لتشير إلى امرأة صغيرة في السن (تك 24: 43، خر 2: 8، مز 68: 25،
أم 30: 19، نش 1: 3، 6: 8، إش 7: 14). ويذكر إدوارد هندسون: «مع أنه أمر حقيقي أن
كلمة (علْماه) ليست هي الكلمة المعتادة لتدل على «عذراء»، إلا أن استخدامها دائماً
يدل على هذا المعنى». وأكثر من ذلك، فإن التفسير الكتابي لهذه الكلمة لا تعني
أبداً سيدة متزوجة، لكن تعني دائماً امرأة غير متزوجة (
Hindson, II,7)، وهذا نتوصل إليه باستعراض الفقرات التي وردت فيها هذه الكلمة في
الكتاب المقدس:

 

1(ه)
التكوين 24: 43

في
سفر التكوين 24 بعدما يصل عبد إبراهيم إلى ناحور يصلِّي إلى الله طالباً أن يلهمه
العثور على المرأة المناسبة لابن إبراهيم. والآية 16 تصف رفقة بأنها «امرأة صغيرة
السن»، وقد كانت حسنة المنظر جداً وعذراء (بتول)، لم يعرفها رجل «وبعد قليل يشير
إليها عبد إبراهيم في الآية 43 بأنها عذراء (علْماه)».

 

2(ه)
الخروج 2: 8

كتب
ريتشارد نيسن في شأن هذا النص:

 

الإصحاح
الثاني من سفر الخروج يتكلم عن حادثة إنقاذ الطفل موسى من النهر بيد ابنة فرعون.
وكانت أخت موسى (مريم) تراقب الموقف على البعد وأسرعت إلى بنت فرعون واقترحت عليها
أن تجد لها أمرأة عبرانية (أم موسى) لكي ترضع الطفل «فقالت لها ابنة فرعون اذهبي،
فذهبت الفتاة (علْماه) ودعت أم الطفل» (خر 2: 8).

 

الطريقة
التي تم بها تقديم مريم في أصحاح 2: 4 توحي بأنها لم تكن أكبر من موسى بسنوات
طويلة، وما يؤكده هو أنها كانت تحيا في كنف والديها في ذلك الحين.

 

يبدو
من هذا النص أن أي عنصر خاص بالعذرية البيولوچية في كلمة (علْماه) متضمن في السن،
فمريم يبدو أنها كانت في سنوات المراهقة، أي أنها مازالت عذراء.(
Niessen, V, 137)

 

وهذا
ما يؤكده ألبرت مايرز أن مريم أخت موسى «كانت بلا شك عذراء» (خر 2: 8) (
Myers, UAOT, 139)

 

3(ه)
مزمور 68: 25

في
هذا النص «في الوسط فتيات (علْماه) ضاربات الدفوف»، جزء من الاحتفال الذي صاحب
الملك حتى المذبح. في مجال تعليقه على ذلك النص، يذكر أن هذه الفتيات «بالتأكيد
لسن عاهرات أو غير طاهرات، لكن كن عفيفات وفي خدمة الله، طالما أنهن عذارى». (
Niessen, V, 138)

 

أكثر
من ذلك، فإنه طبقاً للعادات السامية، كانت الفتيات اللاتي لم يتزوجن بعد، يشاركن
في احتفالات الزواج والاحتفالات الأخرى بوجه عام. لذا فإن الإنسان يفترض أن
الفتيات الصغيرات اللاتي اشتركن في هذا الاحتفال كنَّ عذارى. (
Niessen, V, 138)

 

4(ه)
أمثال 30: 19

كاتب
هذا النص يذكر أربعة أشياء تعتبر «مدهشة جداً» بالنسبة له: الطريقة التي يطير بها
النسر في السماء، الطريقة التي يزحف بها الثعبان فوق الصخرة، الطريقة التي تسير
بها السفينة في عرض البحر، والطريقة التي يتبعها الإنسان مع (علْماه). في الآية 20
يقارن ما بين السيدة الشريرة، والعذراء الفاضلة. (
Hindson, II,7)

 

ويشير
هندسون في مجال تفسيره لأمثال 30: 19، يقول «المقارنة التي حدثت في الفقرات
التالية توضح الاختلافات ما بين البركات الطبيعية للفتاة الفاضلة بالمقارنة مع
المرأة الشريرة. لذلك، فإن الصورة هنا يجب أن تفسر بأنها تشير إلى فتاة عذراء». (
Niessen, V, 140)

 

ويفهم
نيسن هذا النصّ بشكل مماثل: «ما هو مثير للإعجاب هنا هو الغزل والافتتان والمحبة
بين الشاب وفتاته. وبالرغم أن النص لا يشير إلى عذرية الفتاة، إلا أنه يمكن افتراض
ذلك.

 

5(ه)
نشيد الأنشاد 1: 3

في
هذا الجزء من أغنية الحب الشعرية، تقول العروس وهي تصف عريسها «لرائحة أدهانك
الطيبة اسمك دهن مهراق، لذلك أحبتك العذارى (علْماه)». ويشرح چاك دير هذا النص
قائلاً «اسم الشخص يمثل صفاته أو سمعته. لذلك كان اقتران اسم سليمان بالدهن والعطر
توضح أن صفاته كانت محببة وجاذبة لأن يُحب، لهذا السبب، قالت هي، إن العذارى أحبتك.
(
Deere, SS, 1011, 1012)

 

والنساء
الأخريات اللاتي تجذبن للمحبوب بسبب صفاته لم يكنَّ متزوجات بل فتيات يرغبن في
تواجد العريس لكن فشلن في ذلك السعي. وكلمة (علْماه) هنا تشير إلى العذرية. (
Niessen, V, 140-41)

 

6(ه)
نشيد الأنشاد 6: 8

هذا
النص يشير إلى ثلاثة فئات من النساء في قصر الملك: الملكة، السريات، والفتيات
(علْماه). ويكتب نيسن قائلاً، الملكات بالطبع متزوجات، والسرايا طبقاً للقانون
العام مشابهات لزوجات زماننا هذا. أما (الفتيات) فمن الواضح أنهن مختلفات عن
المجموعتين من الزوجات، ومماثلات للنساء غير المتزوجات. وهنَّ كنَّ في خدمة الملكة،
وسوف يكون مصيرهن أن يتم اختيار بعضهن بعد ذلك كزوجات للملك. لذلك فمن الطبيعي أن
يكنَّ عذارى. وتأكد وهذا من استعراض الأحداث في سفر أستير 2. حيث جمع الملك
أحشويرش عدداً كبيراً من العذارى لكي يختار منهن ملكة جديدة (أس 2: 1- 4). كانت
الطهارة ضرورية للغاية لدرجة أن النسوة كن يمارسنَّ طقوساً خاصة للطهارة تمتد لسنة
كاملة (أس 2: 12 و13) قبل الدخول إلى الملك في غرفته. وعذريتهم ليست محل للتساؤل،
إنه أمر مفترض.

 

7(ه)
إشعياء 7: 4

بعد
قيامنا بدراسة كلمة (علْماه) في الكتب المقدسة اليهودية، يصل ديك ويلسون إلى
استنتاجين مهمين «الأول، كلمة (علْماه) على حد علمنا، لم تستخدم أبداً للتعبير عن
سيدة صغيرة في السن ومتزوجة، وثانياً طالما أنه من المفترض طبقاً للقانون العام أن
استخدام تلك اللفظة كان ومازال يعبر عن عذراء طاهرة، إلى أن يثبت أنها ليست كذلك.
إذن لدينا الحق أن نفترض أن رفقة وال (علْماه) في إشعياء 7: 14 وكل الأخريات من
ذلك الصنف كن عذارى، إلى أن يثبت العكس. وتوصل الباحث جريثم ماكين في كتابه
«المولد العذري للمسيح» إلى نفس تلك النتيجة «لا يوجد في السبعة حالات التي
استعملت فيها كلمة (علْماه) في كتابات العهد القديم ما يوحي بأنها استخدمت للتعبير
عن امرأة ليست عذراء. ونعترف بأن هذه اللفظة لا تعني مباشرة العذرية، كما توحي لنا
كلمة (بتول)، وأنها تعني بالأكثر فتاة صغيرة وهي في سن الزواج، لكن من جهة أخرى
ربما يشك الإنسان بالنسبة لاستخدام اللفظ، هل يمكن أن يكون استخدامها طبيعياً في
حالة عدم العذراوية». (
Machen,
VBC, 288
)

 

ويشاركه
في هذا الرأي ويليس بيتشر في مقالته الكلاسيكية «نبوءة الأم العذراء» بقوله
«المعاجم اليهودية تقول لنا إن استخدام لفظ (علْماه) هنا، والمترجمة عذراء، ربما
تشير إلى أي امرأة شابة، سواء كانت عذراء أم لا. وفيما يختص باشتقاقاتها
واستخدامها العام، ربما يكون الحال هكذا، لكن الكتاب المقدس استخدم هذه الكلمة في
كل حالة للإشارة إلى عذراء». (
Beecher,
PVM, 179-80
)

 

وبعبارات
أخرى، طالما أن كلمة (علْماه) تشمل داخلها العذرية في النصوص الأخرى التي ذُكرت
فيها، لذا يفترض أن استخدامها في نص إشعياء يشمل أيضاً العذرية. سياق هذا النص
يُعطي تأكيدات أخرى بأن ال (علْماه) التي تم التنبؤ بها يجب أن تكون عذراء.

 

1(و)
المنظور التاريخي

علامة
الميلاد العذراوي أتت في وقت حرج في تاريخ اليهودية، وطبقاً لإشعياء 7: 1 «رصين
ملك أرام صعد مع فقح بن رمليا ملك إسرائيل إلى أورشليم لمحاربتها، لكنهما فشلا في
ذلك، لكن آحاز ملك يهوذا في ذلك الحين تملَّكه الذعر والخوف وطلب المساعدة
العسكرية من أشور لكي يتجنب الهزيمة أمام الجيش الغازي، ويخبرنا نيسن بأن مشكلة
هذا الاختيار أن أشور كانت في ذلك الحين كانت قوة غاشمة أنانية، والتحالف معها قد
يعني فقدان يهوذا لاستقلالها، ولن يمر وقت طويل حتى يزاح الله من هيكل المقدس وتحل
محله آلهة أشور».

 

ويستمر
نيسن في قوله:

 

قابل
إشعياء الملك آحاز ليطمئنه بأن الله سوف ينقذ أورشليم ويحذره من الارتباط بحلف مع
أشور، كانت مهمة إشعياء ذات شقين: (أ) الملكان اللذان ينويان غزو يهوذا لم يكونا
سوى «شعلتين مدخنتين»، لذا ليس هناك خوف منهما (إش 7: 3- 9). (ب) ولكي يتبين أن
إشعياء ليس بالنبي الكاذب وأن الله لديه القوة لأن يخلِّص يهوذا، طُلب من آحاز أن
يطلب آية مؤكدة- لكن آحاز رفض (إش 7: 12).

 

كان
آحاز على علم بأنه تورط أمام إشعياء إذا قبل تلك الآية أو العلامة فإن هذا سوف
يعرِّضه إلى فقدان شرفه وتحدي الرأي العام الضاغط الذي يدعو لطلب النجدة من
الأشوريين، وهذا هو ما كان مصمماً علىه في كل الأحوال.. لقد رفض آحاز هذه العلامة
بسبب اعتبارات سياسية، وبسبب قلبه غير المصدِّق.. وبعد توبيخ آحاز، استمر إشعياء
في نقل الرسالة «ولكن يعطيكم (بصيغة الجمع) السيد نفسه آية: ها العذراء (علْماه)
تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئىل» (إش 7: 13). (
Niessen, V, 142- 43)

 

2(و)
طبيعة هذه العلامة

في
هذا النص، تُفهم هذه العلامة بأنها يجب أن تكون فوق العادة، شيء لا يمكن أن يحققه
سوى الله ذاته، معجزة. وكما يلاحظ مارتن (
Marin, 1, 1047)
في قوله «هي معجزة مؤكدة ومؤيدة لكلمة الله».

 

ولأن
آحاز رفض قبول هذه العلامة، يتكلم الله بنفسه عن ماهية هذه العلامة. لذا فإنه من
المعقول القول بأنه عندما يأتي الله بعلامته هذه، فإنها سوف تكون ذات طبيعة
إعجازية. ويعلق ج. الكسندر على هذا النص قائلاً: «إنه من المستبعد تماماً بعد
إرسال مثل هذا العرض (من الله إلى آحاز)، أن يكون تحقيق هذه العلامة في النهاية من
الأمور التي تحدث في العالم كل يوم. هذا الافتراض يتقوى ويتعزز بالوقار الذي نقل
فيه إشعياء تلك النبوءة، ليس كأنما هي حدث عادي أو طبيعي، لكن كشيء مثير للدهشة
عندما تلقى الرسالة في رؤية». (
Feinberg,
VBOT I, 254
).

 

ويقول
هندرسون «من المهم أن نلاحظ أن تلك العلامة (ولكن يعطيكم)، مقدمة إلى جمع من الناس،
ومن الواضح أنها ليست مقدمة لفرد واحد وهو آحاز الذي رفض العرض الأول. وفي عدد 13،
يقول إشعياء «اسمعوا يا بيت داود» ومن الواضح أن صيغة الجمع التي وردت في عدد 14
مرتبطة بما سبقها في عدد 13. ولأن النص يخبرنا بأن مملكة داود في خطر من جراء
الغزو القادم. لذا يمكن لنا القول بأن صيغة الجمع يقصد بها بيت داود الذي عليه
تسلُّم هذه العلامة. (
Hindson, II.6)

 

والآن
إذا أصبحت سيدة ما حاملاً بالطرق الطبيعية، فهذا لا يحقق شروط العلامة المعجزية.
چون كالفن المصلح الكبير يصيب الهدف في هذا الشأن عندما يقول: ما هو الأمر الغريب
إذا قال النبي إن امرأة قد حملت من جراء علاقتها الجنسية برجل؟ إنه من السخف أن
نعتبر تلك علامة ذات صفة إعجازية. دعنا إذن نفترض أن النصّ يدل على فتاة صغيرة سوف
تصبح حاملاً بالطريقة المعتادة، كل إنسان سوف ينظر باحتقار إلى هذا النبي، بعدما
قال ذلك. لذا فمن الواضح تماماً أنه يتكلم عن عذراء ستحبل وتلد، ليس بالطريق
العادي الطبيعي ولكن بقوة وتأثير الروح القدس. (
Calvin, CBP, 245)

 

والفحص
الدقيق لبعض الألفاظ المحددة في نص إشعياء 7: 14 تعزز رأي كالفن. الكلمة المكتوبة
باللغة العبرية وهي (
h-r-h) والتي تترجم «تحبل» في إشعياء 7: 14، ليست فعلاً أو اسم فاعل،
لكن صفة أنثوية مرتبطة مع اسم فاعل وتدل على أن المنظر واضح في عين النبي. وهذا
يعني أن تلك الكلمة واستخداماتها تشابه ما أبلغه الملاك لهاجر في البرية قبل عدة
قرون ماضية: «ها أنت حبلى فتلدين ابناً» (تك 16: 11). وبالاختصار، يجب ترجمة نص
إشعياء 7: 14 بالشكل الآتي «ها العذراء سوف تحمل وتلد ابناً».

 

يعلق
على ذلك هندسون:

 

من
الواضح أن اللفظة (
h-r-h) تشير هنا إلى الزمن المضارع.. والنظر إلى الزمان مهم جداً في
تفسير هذه الكلمة وكذلك النصّ. إذا كانت كلمة (علْماه) تعني «عذراء» وإذا كانت هذه
الفتاة حامل وعلى وشك ولادة طفل، لذا فهذه الفتاة مازالت عذراء، بالرغم أنها أصبحت
أم. تأمل في قدر التناقض الذي يمكن أن يحدث لو لم يشر هذا النص إلى ولادة طفل من
عذراء للمرة الأولى في التاريخ -وهو يسوع المسيح. العذراء حامل! كيف يتسنى لها أن
تكون حاملاً وهي مازالت عذراء؟ المعنى يدل على أن هذا الطفل سوف يكون معجزة وهو
مولود بلا أب، وبالرغم من حمل الأم فإنها مازالت عذراء. الكلمة (علْماه) «عذراء»
تدل على صيغة الزمن المضارع مشابهة ذلك كلمة (
h-r-h).
إذا كانت صيغة النص في زمن المستقبل، فليس هناك ضمان أن هذه العذراء سوف تلد ابناً
(في المستقبل)، سوف تظل كما هي عذراء، وليست زوجة. لكن إذا كان هناك (عذراء) ومعها
(ابن)، لا يمكن لنا أن نتهرب من استنتاج أن هذه ولادة عذرية. (
Hindson, II.8)

 

ويستخلص
نيسن من ذلك: «تعطينا العلامة في (إشعياء 7: 14) ما يفوق ما تقدمه لنا الطبيعة.
إنها لم تكن عرضاً بلا معنى، لكنها علامة متوافقة مع المناسبة ومتصلة بموضوع
استمرار دوام عائلة بيت داود المهددة بالانقراض بسبب الغزو الوشيك. أصعب العلامات
التي يتقدم بها الله في تلك المناسبة هي استحالة بيولوچية -وهي الحمل الإعجازي
لامرأة عذراء. وأصعب العلامات التي يمكن أن يعطيها الله ولها صلة باستحالة
بيولوچية -الحبل المعجزي لابن من فتاة عذراء بالمعنى البيولوچي للكلمة.

 

3(و)
دليل إضافي خاص بالترجمة

الكلمة
المقابلة لعذراء في اللغة اليونانية هي كلمة «بارثينوس»، وباللغة اللاتينية
«فيرجو». وإحدى الكلمات باللغة العبرية والتي تستعمل كثيراً هي (
betfl-h) أو «بتولاه»، وإذا كانت هذه الكلمة الأخيرة تعني عذراء أم لا،
فإنها دائماً ما كانت تفهم من واقع النصّ. ويلاحظ ديك ويلسون الآتي:

 

في
الترجمة السبعينية لنص إشعياء 7: 14 والذي ظهر قبل مولد المسيح بحوالي 200 سنة،
بينما اقتباس القديس متى لنفس النصّ في مت 1: 23 كان في منتصف القرن الأول
الميلادي، ترجمة البشيتا السيريانية ظهرت في القرن الثاني الميلادي، والفولجاتا اللاتينية
للقديس چيروم ظهرت في سنة 400م، كل هذه المصادر تقرن كلمة (علْماه) ب (بارثينوس)
أي عذراء أو مشتقاتها الأخرى مثل (بتولاه)، (فيرجو). وقد كانت ترجمة كلمة (علْماه)
باعتبارها عذراء مقبولة عند اليهود حتى زمن اقتباس متَّى للنص. (
Wilson, M,AI, 310-15)

 

ويكتب
هنري موريس في نفس النقطة:

 

«العلماء
الذين ترجموا العهد القديم إلى اللغة اليونانية السبعينية استخدموا الكلمة
اليونانية المقابلة لعذراء في ترجمة إشعياء 7: 14. وكذلك هو ما فعله متى عندما
استعار هذه الآية في (مت 1: 23) عندما تمت النبوءة بالفعل بولادة يسوع المسيح من
عذراء. (
Morris, BHA, 36)

 

ويتفق
مع هذا الرأي ب. وزرنتون: «من الصواب أن نقول إن كلمة (علْماه) لا تعبر مباشرة عن
أنها عذراء، لكن من الصعب بل ومن المستحيل تصوُّر السبب الذي دفع المترجمين للكتاب
المقدس السبعيني إلى استخدام كلمة بارثينوس للتعبير عن (علْماه)؟.(
Witherington III, BJ,64)

 

لذلك
فإن هذا الدليل يوضح بما لا يدعو مجالاً للشك أن (علْماه) في نبوءة إشعياء تعبر عن
فتاة عذراء صغيرة. ولا يوجد أي نوع من الفهم يمكن أن يبرر ترجمة تلك الكلمة بذلك
الأسلوب سواء كان اجتماعياً أو تاريخياً.

 

2(د)
ما هي ال (علْماه)؟

طالما
أننا قد حددنا بأن (علْماه) ليست سوى فتاة عذراء في سن الزواج والتي تصبح حاملاً
بوسائل تفوق الطبيعة، لذا يمكن لنا بكل اطمئنان أن نستنتج بأن هذه الشروط انطبقت
على العذراء مريم أم يسوع المسيح. وهندسون على حق عندما كتب «ليس هناك سوى مريم
التي تستطيع أن تحقق اشتراطات تلك النبوة، فالعذراء ليست هي زوجة إشعياء، وليست
زوجة آحاز أو حزقيال، أو أي فتاة أخرى. إن العذراء مريم هي الوحيدة التي سُجِّلت
في التاريخ والكتب المقدسة وينطبق عليها ذلك». (
Witherington III, BJ, 9).

 

بعض
دارسي الكتاب المقدس يدَّعون عكس هذه الآراء، ويحاولون تفسير نبوءة إشعياء بأنها
«كانت علامة مقدمة من الله إلى الملك آحاز توضِّح قرب غزو مملكة إسرائيل الشمالية
ويهوذا الجنوبية بواسطة ملك أشور- ولأن هذه العلامة تخصُّ آحاز، لذا فإنه من
المنطقي أن نستنتج بأن الميلاد سوف يكون في زمن الملك آحاز. لذلك، فإن هذا يستلزم
تحقيق جزئي لنبوة إشعياء 7: 14. (
Mueller,
VSC, 205-6
) بينما يبدو هذا الرأي
معقولاً للبعض، إلا أنني أعتقد بأنه ينتهك عدداً من النقاط.

 

أولاً،
لكي ينجح هذا الاتجاه يجب أن نعتبر أن (علْماه) لا تعني العذرية في نص إشعياء 7: 14،
وإلا فإن مؤيدي هذا الرأي سوف يواجهون بأمر مستحيل: ولادتان عذراويتان حدثتا في
التاريخ- واحدة أثناء حياة آحاز والأخرى الخاصة بأم يسوع. لكن توصَّلنا من قبل إلى
الدليل القاطع المعارض: الأدلة توضح بكل جلاء أن (علْماه) في نبوة إشعياء تعني
فتاة عذراء صغيرة في سن الزواج، وليس مجرد فتاة صغيرة، ف (علْماه) هي بالتحديد
عذراء تحبل.

 

ثانياً:
التحقيق العاجل الذي يدعونه لا يأخذ في حسبانه بشكل جدي الأزمنة النحوية التي وردت
في نص إشعياء 7: 14، والتي تصل بنا إلى اعتبار كلمة (علْماه) هي في نفس الوقت
عذراء حامل.

 

ثالثاً،
طبيعة العلامة في إشعياء 7: 14 لها خاصية تفوق الطبيعة فإن حمل امرأة بواسطة
العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة لا تكفي لتوثيق وإثبات كلمة الله. من المطلوب
حدوث معجزة، وولادة طفل من فتاة عذراء هي المعجزة.

 

رابعاً،
من السياق الأكبر لنص النبي إشعياء في الفقرات 6- 12، نستنتج أن عمانوئيل وهو
الطفل الذي وُلد من رحم عذراء، يجب أن يكون إنساناً إلهياً وليس مجرد إنسان (انظر
إش 9: 6، 7، 11: 1- 16). وليس هناك غير يسوع المسيح الناصري.

 

وأخيراً،
فإن النبوءة التي أُلقيت على مسامع الملك آحاز في (إش 7: 14)، كرئيس مؤقت على بيت
داود الملكي ومن سوف يليه من نفس البيت. وجزئياً، هذه النبوة صدرت لتبين لآحاز ومن
يلحقه أن بيت داود سوف يستمر ويعيش إلى الأبد. وهذا يدعِّم رأي حدوث تتميم النبوة
في المدى البعيد وليس القريب. ويؤكد الباحث شارلز فيبنرج هذه النقطة بقوله:

 

كان
آحاز ورجال بلاطه في خوف دائم من انقراض بيت داود وإحلاله بالحكم الأشوري. مع ذلك،
كلما طال الزمن اللازم للوفاء بذلك الوعد لبيت داود، كلما طالت مدة بقاء هذه
السلالة الملكية لترى بعينها تحقيق هذا النبوة وهذا ما عبَّر عنه الأستاذ الكسندر
أفضل تعبير: «.. إن التأكيد بأن المسيح سوف يولد في يهوذا، ومن العائلة الملكية،
ربما تكون علامة لآحاز، بأن مملكته لن تنتهي في عهده، وأن تحقيق هذه العلامة سيكون
في زمن بعيد. وكلما بعُد الوعد كلما كان تحقيقه قوياً في استمرارية يهوذا. لذا فإن
هذا الاستنتاج لا مفر منه. ليس هناك أساس قوي، سواء نحوياً، أو تاريخياً، أو
منطقياً للشك في المعنى الحقيقي، وهو أن الكنيسة في كل أجيالها كانت على حق في
اعتبار هذا النصّ كعلامة وتنبؤ واضح للحبل المعجزي ومسقط رأس يسوع المسيح». (
Feinberg, VBOTI, 258)

 

لذلك
يمكن لنا أن نتفهم عقيدة ولادة السيد المسيح المعروضة في العهد الجديد وارتباطها
بالتعليم والنبوءات التي كُتبت في اسفار العهد القديم.

 

3(ج)
إنجيلا متَّى ولوقا

نقرأ
في الأصحاحين الأولين من إنجيلي متَّى ولوقا عن الولادة المعجزية ليسوع المسيح،
ويركز تتابع الأحداث في إنجيل متَّى على أن والد يسوع الرسمي وهو يوسف النجار،
بينما في إنجيل لوقا يتركز على أم يسوع وهي مريم. ويقول الباحث چيمس بوزويل إن
الاختلاف بين هذين الاتجاهين هو أن مصدريهما مختلف. فبينما استقى متَّى معلوماته
من يوسف، أما لوقا فقد استقى معلوماته من مريم:

 

نرى
تسجيل الولادة العذراوية ليسوع في الإنجيل الأول والثالث. وما ذكره متَّى (1: 18-
25) مكتوب من وجهة نظر يوسف النجار. والعالم أور يقترح بأن رواية متَّى عن ميلاد
وطفولة يسوع ربما يكون قد استقاها مباشرة من شهادة يوسف.

 

وعلى
العكس فإن تسجيل لوقا، (لو 1: 26 – 28، 2: 1- 7)، يأتي من وجهة نظر مريم.. وربما
تكون هي إحدى شهود العيان، من بين «المعاينين وخداماً للكلمة» الذين أشار إليهم
لوقا في 1: 2 كمصدر من مصادر المعلومات التي حصل عليها.

 

يستنتج
وزرنتون من ذلك:

 

يجب
على الإنسان أن لا يفشل في تقدير الطابع اليهودي في كلا الروايتين الخاصتين بميلاد
يسوع أو المهارة التي وحَّد فيها الإنجيلان المواد من مصادرها إلى عرض مؤثر من
الأخبار المفرحة التي في يسوع. وكان شكل عرضيهما مختلفاً تماماً- حتى عندما
استخدما نفس عناصر العرض. هذا يدلل على أن الإنجيلين الأول والثالث لم يكونا
مسجِّلين للأحداث بشكل جامد لكنهما امتلكا مهارة في عرض موادهما. وقد استخدما هذه
المصادر لإلقاء الضوء على معتقداتهما اللاهوتية ونجحا في دمج هذه المواد على مستوى
أوسع، كُلٍ في إنجيله.

 

مع
اعترافنا باختلافات العرض، فإن كل من إنجيلي متى ولوقا يحتويان على تشابه ملحوظ،
وهذا يوضِّح أنهما متفقان في التفاصيل الأساسية كالحمل وولادة يسوع. وفي كتابه
«الميلاد العذراوي ليسوع» يسجل لنا العالم چيمس أور اثنتى عشرة نقطة اتفاق بين
البشيرين.

 

وإذا
كان هناك شيء نعتبره صحيحاً، فإن هذه النقاط تحمل في طياتها شهادة دقيقة على
توافقهما.

1-
يسوع وُلد في آخر أيام هيرودس الكبير (مت 2: 1 و13، لو 1: 5).

2-
لقد حملت به مريم بقوة الروح القدس (مت 1: 18 و20، لو 1: 35).

3-
أمه كانت عذراء (مت 1: 18 و20 و23، لو 1: 27 و34).

4-
كانت مريم مخطوبة ليوسف (مت 1: 18، لو 1: 27، 2: 5).

5-
يوسف كان من بيت داود (مت 1: 16، 20، لو 1: 27 و2: 4)

6-
وُلد يسوع في بلدة بيت لحم (مت 2: 1، لو 2: 4 و6).

7-
بإعلان إلهي دُعِى اسمه يسوع (مت 1: 21، لو 1: 31).

8-
أعلن عنه بأنه هو المخلِّص (مت 1: 21، لو 2: 11).

9-
علم يوسف مسبقاً بحالة مريم وأسبابها (مت 1: 18- 20، لو 2: 5).

10-
مع ذلك، اتخذ يوسف مريم كزوجة وتعهد بمسئوليات الأب كاملة لابنها (مت 1: 20 و24
و25 ولو 2: 5).

11-
البشارة والميلاد كان يصحبهما استعلانات ورؤى (مت 1: 20، لو 1: 26 و27).

12-
بعد مولد يسوع، سكن كل من يوسف ومريم في الناصرة (مت 2: 23، لو 2: 39). (
Orr, VBC, 36-37).

 

فيما
يختص بما سجله كل من متَّى ولوقا، يقول لنا العالم أور إنه بالرغم من ذكرهما
للأحداث من وجهة نظر مختلفة، وربما كل منهما معلوماته من مصدر مختلف، إلا أنهما
يتفقان في عدة حقائق جوهرية، وهذا هو ما يمثل أهمية وهو أن يسوع حُبل به من الروح
القس، ووُلد من مريم العذراء المخطوبة ليوسف، مع كامل معرفته بالأسباب. (
Orr,VBC,35)

 

تؤكد
الدلائل بقوة أن الروايات التي أوردها لنا متى ولوقا بُنيت على شهادة أساسية من
أحد أعضاء عائلة يسوع والتي تؤيد بالأكثر استنتاج أن الحبل بيسوع وولادته كانت
بالحقيقة وفاء للنبوة القديمة التي أوردها إشعياء. وكما كتب متَّى «وهذا كله كان
لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل. هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعون اسمه
عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا» (مت 1: 22 و23).

 

وبينما
يعتقد كثير من الباحثين أن إنجيل مرقس هو أول الأناجيل التي كتبت، إلا أنه من
المفيد أن نسترجع تلك الكلمات التي قالها إيريناوس، أسقف ليون سنة 180م وهو تلميذ
لبوليكاربوس، وهذا الأخير كان تلميذاً ليوحنا الحبيب. يعطينا إيريناوس الخلفيات
التي كُتبت في ظلها الأناجيل الأربعة وهو يؤكد على أن إنجيل متَّى، الذي يحوي
موضوع الميلاد العذراوي كُتب أولاً.

 

نشر
متَّى إنجيله بين العبرانيين بلغتهم الأصلية عندما كان بطرس وبولس يبشران بالإنجيل
في روما ويشيِّدان أسس الكنيسة هناك، وبعد رحيلهما (موتهما، حيث يؤكد الثقاة أنها
حدثت أيام حكم نيرون سنة 64 م)، انشغل مرقس في كتابة إنجيله الذي هو في الواقع
عبارة عن تعاليم بطرس. أما لوقا وهو تلميذ بولس فقد بدأ في تدوين إنجيله الذي بشر
به معلمه. ثم يلي ذلك يوحنا، تلميذ السيد، الذي اتكأ على صدره (يو 13: 25 و21: 20)
كتب إنجيله وهو مازال يعيش في أفسس في آسيا. (
Irenaeus, AH, 3.1.1)

 

كان
متَّى، جابي الضرائب السابق، وهو المعتاد على تدوين أدقّ الأمور، ربما كان في
الستين من عمره وأحسَّ بالحاجة الملحَّة، قرب نهاية حياته، أن يترك وراءه سجلاً
بكل ما جمعه وكتبه عن حياة يسوع. هو يبدأ سجله بعرض قائمة بسلسلة نسب يسوع وتسجيل
مفصَّل عن تصوُّر يسوع المعجزي في رحم العذراء:

 

«أما
ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا. لما كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا
وُجدت حبلى من الروح القدس. فيوسف رجلها إذ كان باراً ولم يشأ أن يشهرها أراد
تخليتها سراً. ولكن فيما هو متفكِّر في هذه الأمور إذا ملاك الرب ظهر له في حلم
قائلاً يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك. لأن الذي حُبل به فيها هو من
الروح القدس. فستلد ابناً وتدعو اسمه يسوع. لأنه يُخلص شعبه من خطاياهم. وهذا كله
لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل. هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعون اسمه
عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا» (مت 1: 18- 25).

 

1(د)
الرد على الاعتراضات

بعض
النقَّاد تجادلوا حول الدقة التاريخية لروايات الميلاد المؤكدة في إنجيلي متى
ولوقا، مثيرين ما يعتقدون أنه أخطاء واقعية، أو متعارضات لا حلَّ لها. أكثر الأمور
التي تظهر فيها هذه المعارضات تختص بسلسلة النسب المذكورة في كلا الإنجيلين، وكذلك
ذكر لوقا لكيرينيوس واكتتابه (مذكورة في الأصحاح الثالث).

 

فيما
يختص بسلسلة الأنساب المتعارضة «كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود» (مت 1: 1)،
بينما يمدنا لوقا بقائمة مختلفة لنسب يسوع، وهو على ما كان يظن ابن يوسف» (لو 3: 23).
ويشرح لنا چيمس مونتجومري بويس تلك المشكلة بشكل أفضل:

 

سلسلة
نسب متَّى تبدأ بإبراهيم حتى أربعة عشر جيلاً إلى أن يصل إلى داود. ويستعرض بعد
ذلك أحفاد داود حتى السبي البابلي وهم أربعة عشر جيلاً، وأخيراً يذكر أربعة عشر
جيلاً حتى يصل إلى «يعقوب أبي يوسف رجل مريم الذي وُلد منها يسوع الذي يدعى
المسيح». أما لوقا فإنه ينتقل من الأمام إلى الخلف. هو يبدأ بيوسف ويتراجع حتى
داود ثم إبراهيم. ثم يتراجع أكثر من ذلك حتى يصل إلى آدم، الذي دعاه ابن الله.

 

هناك
قسمان في سلسلة النسب التي ذكرها لوقا لا تمثلان مشكلة. لكن القسم الأخير -من
إبراهيم حتى آدم – لا نراها في سلسلة متى، لذلك لا يوجد هنا أساس للمقارنة.
بالنسبة للجزء الثاني من النسب – من داود حتى إبراهيم- فهو خال أيضاً من المشاكل
لأنه مماثل للأنساب التي نراها في إنجيل متى.

 

تظهر
الصعوبة في القسم الأول من قائمة لوقا. لأن لوقا يستعرض أجداد يوسف حتى يصل إلى
داود عن طريق ناثان وهو أحد أبناء داود، بينما يتتبع متى نفس السلسلة لكن من خلال
سليمان ابن داود، لذا فإننا نجد اختلافاً في كل أسماء هذا القسم.

 

حقيقة
أن هناك خطين منفصلين لا يمثلان أي مشكلة. نحن يمكننا أن نفهم كيف أن ابنين لداود
يمكن لهما أن يعطياننا شجرتين مختلفتين من الأبناء. لكن الصعوبة تنشأ من أن كل من
متى ولوقا يدَّعي أن يوسف سليل من شجرة عائلة معينة. لوقا يقول إن يوسف ابن هالي
(3: 23)، بينما متى يقول إن يوسف ابن يعقوب (1: 16) وكليهما لا يمكن أن يكون
صحيحاً. (
Boice, CC, 40- 41)

 

ولقد
أعد علماء اللاهوت عدة حلول لهذه المشكلة:

 

1(ه)
التبني مقابل الخلقة الطبيعية

أقدم
الحلَّ الأقدم الذي قدمه أفريكانوس، ووصلنا من خلال المؤرخ الكنسي القديم يوسابيوس.

 

يعلِّق
على هذه النظرية: المتخصص في دراسة العهد الجديد هاورد مارشال قائلاً:

 

استخدم
أفريكانوس فكرة التبني والخلقة الطبيعية، واستخدم موضوع «زواج الأخ بزوجة أخيه بعد
موته» ليوفِّق بين سلسلتي النسب. وطبقاً للمعلومات التي قال إنه استقاها من خلفاء
القديس يعقوب، أخو يسوع، يقول أفريكانوس إن متان (مت 1: 15) تزوج بالسيدة إيثا
وأنجب منها ابن هو يعقوب، وعندما مات متان، تزوجت أرملته من مَلْكي (لو 3: 24)
وهذا أنجب هالي (لو 3: 23، لاحظ أن أفريكانوس لا يعلم كما هو واضح بالنسل الذي أتى
بين مَلْكي وهالي في قائمة لوقا وهم متثات ولاوي). وتزوج الأخ الثاني غير الشقيق
وهو هالي، لكنه توفى بدون إنجاب، لذا تزوج أخوه يعقوب من أرملته طبقاً للشريعة
اليهودية، وبذلك يكون ابنه الطبيعي وهو يوسف ابناً لهالي طبقاً للشريعة. (
Marshall, GL, 158)

 

هذا
النوع من الزواج مشروح في الكتاب المقدس (تثنية 25: 5 و6، تكوين 38: 8- 10، سفر
راعوث). ويشرح هذه النوعية الخبير في دراسة التوراة والتر ليفيلد قائلاً:

 

الأرملة
التي يموت زوجها بدون أن تنجب منه يمكن لها أن تتزوج أخاه، لذلك الابن المولود من
الزواج الثاني ينسب للزوج الأول المتوفي لكي يستديم اسمه على الأرض. وفي النسب
يمكن أن يسمى هذا الولد إما باسم أبيه الحقيقي أو القانوني. ويوسف دعي بأنه ابن
لهالي في قائمة لوقا لكن كابن ليعقوب في قائمة متَّى. وفي الشريعة اليهودية يمكن
أن يكون كل من هالي ويعقوب إخوة غير أشقاء، أي أن أمهما واحدة لكن الآباء مختلفون.
وربما مات هالي وتزوج يعقوب أرملته. (
Liefeld,
L, 861
)

 

يجادل
مارشال هذه النظرية ويقول: «إنها ليست مستحيلة.. لكنها غير محتملة، ولا سيما إذا
قبلنا القائمة العادية للوقا». (
Marshall,
GL, 158
)

 

2(ه)
الأب مقابل الجد

هناك
نظرية أخرى تقدم بها د. نيتلهورست تقول: «قائمة النسب في لوقا من خلال أب يوسف،
أما في متَّى فإنها تمسك بخيط جد يوسف من جهة أمه».

 

ويضيف
هذا العالم:

 

«أن
يستبعد متَّى أم يوسف من قائمة النسب فهذا ليس بالأمر الغريب طالما أنه من قبل وضح
أن متَّى استبعد عدداً من الناس في قائمته. مثلاً عندما يكتب متَّى في 1: 8 أن
«يورام ولد عزيا. لكن عندما قورنت قائمته بما هو مدوَّن في (أخبار الأيام الأول 3:
10- 12) يتضح أنه استبعد ثلاثة أشخاص هم أخزيا ويوآش وأمصيا. لقد ترك متَّى أسماءً
لكي يصل إلى الشكل الهيكلي لشجرة النسب التي يرغب فيها: «فجميع الأجيال من إبراهيم
إلى داود أربعة عشر جيلاً، ومن داود إلى سبي بابل أربعة عشر جيلاً، ومن سبي بابل
إلى المسيح أربعة عشر جيلاً» (مت 1: 17).

 

لذلك
فإنه ليس من غير المعقول أن نفترض قيام متَّى بترك وإهمال اسم والدة يوسف لكي يصل
إلى الشكل الهيكلي الذي ترتضيه. وأكثر من ذلك، هناك في قائمته أسماء أربعة من
النساء -ثامار، وراحاب، وراعوث وبثشبع. وهي حقيقة قد تقودنا إلى فكرة أنها ربما
تكون سلسلة نسب تعتمد على النساء أساساً. (
Nettelhorst,GL, 171- 72).

 

بينما
قد تكون وجهة النظر تلك حقيقية، فإنه من المستغرب أن يذكر متَّى أسماء أربعة من
النساء ومع ذلك يترك اسم السيدة التي من المفترض أن تكون هي حجر الأساس لشجرة
النسب، وإذا كان في حاجة للتغاضي عن بعض الأسماء بسبب الشكل الهيكلي، لماذا يسقط
أهم الأسماء – وهو اسم والدة يوسف النجار؟

 

3(ه)
يوسف مقابل يوسف

يضع
جريشام ماكين أمامنا حلاً آخر اقترحه عليه اللورد أ. هارفي: «وهي نظرية اكتسبت
أكبر دعم في أيامنا الحديثة» ويلخصها لنا بويس قائلاً: «كلا شجرتي النسب في لوقا
ومتَّى هما ليوسف النجار، لكن شجرة متَّى توضِّح أحفاد داود القانونيين، وهو الخط
الذي يبين من تولَّوا مثلاً الحكم أو أوشكوا على ذلك إذا كان الملك قد استمر. أما
لوقا فقد أعطانا الخط الأبوي المعتاد». (
Boice, CC,41).

 

هذا
الاقتراح له بعض المزايا، لكن، كما يخبرنا مارشال (
Marshall, GL, 159): «هذا الحل يعتمد على الحدس والتخمين- وليس هناك طريقة تبرهن ما
إذا كان هذا الحدث مطابقاً للواقع أم لا. وللأسف لا يوجد إثبات أو عدم إثبات لهذه
النظرية».

 

4(ه)
يوسف مقابل مريم

ربما
أفضل الحلول وهي من أقدمها، يقول وزرينتون إنها ظهرت على الأقل منذ عام 1490م:

 

«من
الأمور التقليدية افتراض أن قائمة نسب متَّى تقتفي أثر نسب يسوع من خلال يوسف
(نسبه القانوني)، بينما قائمة لوقا تهتم بنسبه من خلال مريم (نسبه الطبيعي). وهذا
الحل يجد دعماً من الحقيقة التي تقول إن متَّى ركز في تسجيله للأحداث على دور يوسف
أكثر من مريم، بينما كانت تسجيلات لوقا تجعل من مريم المحور الأساسي في الدراما.
وهذا أيضاً ينسجم مع التخمين القديم الذي يقول بأن يوسف هو مصدر كثير من حكايات
مولد يسوع عند متَّى، بينما مريم هي المصدر الذي استقى منه لوقا معظم معلوماته. (
Witherington II, BJ, 65)

 

كل
من جيسلر وهاو يتبنيان هذا الموقف كحلّ للاختلاف بين قائمتي النسب. وتفضيلهم لهذا
الموقف وأسباب قبولهم له تضيف وتدعم من ملاحظات وزرينتون:

 

قائمة
الأنساب عند لوقا ومتى مختلفتان، إحداهما تتبع نسبه عن طريق الأب القانوني وهو
يوسف، والأخرى من خلال أمه وهي مريم. متَّى يمدنا بالخط الرسمي للنسب، طالما أنه
يقدم يسوع لليهود الذين يهتمون بالمسيح اليهودي والذي من شروطه أن يكون من نسل
إبراهيم وداود» (مت 1: 1). أما لوقا وأمامه جمع كبير من اليونانيين، يقدم يسوع
بأنه الرجل الكامل (وهو مطلب يوناني يتفق مع معتقداتهم)، لذا هو يتعقب نسب يسوع
حتى الرجل الأول وهو آدم» (لو 3: 38).

 

أن
يقوم متَّى بتسجيل قائمة نسب ليسوع من ناحية الآب، بينما يتتبع لوقا هذا النسب من
ناحية الأم فذلك يدعمه عدد من الحقائق. أولاً، بينما تواصل كل من القائمتين التقدم
حتى داود: إلا أن متَّى ينسب يسوع إلى يوسف (أبيه القانوني) ويصل به حتى الملك
سليمان، والذي يرث منه المسيح الملك وعرش داود (2صم 7: 12). وفي الجانب الآخر، كان
هدف لوقا أن يرى الناس المسيح كإنسان عادي، لذا هو يصل بنسبه إلى ناثان ابن داود،
ثم إلى والدته مريم، والتي من خلالها يمكن أن يظهر إنسانيته الكاملة، وكونه
مخلِّصاً للعالم.

 

أكثر
من ذلك، فإن لوقا لم يقل أنه يصل نسب يسوع بيوسف، بل يسجل أن يسوع «وهو على ما كان
يظن» (لو 3: 23) إنه ابن ليوسف، بينما هو في الواقع ابن لمريم. أيضاً، فإن لوقا
يسجل نسب مريم لأن هذا يتناسب مع تأكيده المستمر على النساء في إنجيله، والذي دُعي
«إنجيل النساء».

 

وأخيراً،
فإن احتواء كل من القائمتين على نفس الأسماء على وجه العموم (مثل شلتائيل وزربابل
مت 1: 12، لو 3: 27) لا يثبت أنهم نفس الأشخاص. أولاً، هي ليست من الأسماء غير
المتداولة، وأكثر من ذلك، حتى إذا كانت نفس سلسلة النسب، فإن لوقا قد كرر اسمي
يوسف، ويهوذا» (لو 3: 26 و30). (
Geisler,
WCA, 385- 86
)

 

يقبل
الباحث الكتابي جليسون أرشر هذا الحل، ويضيف من عنده بعض الدعم:

 

يعطي
متَّى (1: 1- 16) سلسلة نسب يسوع عن طريق يوسف، الذي كان هو سليلاً للملك داود.
ولأن يسوع هو الابن الذي تبنَّاه يوسف، لذا فإنه يصبح وارثاً له قانونياً. لاحظ
بدقة ما ورد في الآية 16 «ويعقوب ولد يوسف رجل مريم التي وُلد منها يسوع الذي
يُدعى المسيح».

 

وهذا
شكل في العرض لا يتوافق مع ما سبقه في سرد قائمة أجداد يوسف: «إبراهيم ولد إسحق،
وإسحق ولد يعقوب، الخ». لكن لم يذكر أن يوسف ولد يسوع، لكن يشار إليه بأنه «رجل
مريم التي وُلد منها يسوع».

 

في
لوقا 3: 23- 38، من جانب آخر يسجل قائمة نسب مريم نفسها، ويصل بنا حتى إبراهيم ثم
آدم وبداية التاريخ الإنساني. وهذا يبدو متضمناً في الآية 23: يسوع.. «كان يظن أنه
ابن يوسف». هذه الكلمة (كان يظن) توضح أن يسوع لم يكن الابن الطبيعي ليوسف، بالرغم
أن كل معاصريه يعلمون أنه ابنه. وهذا يدعو إلى تركيز الانتباه على الأم مريم، التي
هي الوالد الوحيد ليسوع من خلال عدد من الأسلاف. لذا ذكرت سلسلة نسبها بدءاً من
هالي، الذي هو يعتبر حمو يوسف، بينما أب يوسف هو يعقوب (مت 1: 16). وخط نسب مريم
ينتهي إلى ناثان وهو ابن لبثشبع زوجة داود. لذلك فإن يسوع من نسل داود وبشكل طبيعي
من خلال ناثان، ومن سليمان من الناحية القانونية. (
Archer, EBD, 316)

 

مازال
هناك أدلة أخرى تؤيد هذا الحل نسمعها من الباحث دونالد جراي بارنهاوس:

 

هناك
قائمتان للنسب. يسير الخط متوازياً من إبراهيم حتى داود، لكن يسير متَّى هابطاً
حتى يسوع عن طريق سليمان ابن داود، بينما يسير لوقا حتى يسوع عن طريق ناثان ابن
داود. وبشكل آخر، كل من القائمتين تمثلان نسب أخين، والأبناء حينذاك يُعتبرون من
أبناء العمومة. وعندما ذكرت أن قائمة لوقا تختص بالعذراء مريم وقائمة متَّى خاصة
بيوسف، لست فقط أتَّبع التقليد الراسخ للكنيسة في العالم، كما ذكر الدكتور أور،
لكن أعطي هنا التفسير الوحيد الذي يتماشى مع الحقائق. والنقطة الأساسية في
الاختلاف ترجع إلى أن قائمة الملك سليمان هي القائمة الملكية، بينما قائمة ناثان
هي القائمة القانونية..

 

لكن
أكبر دليل يقع في اسم معين ذكره متَّى: وهو اسم يكنيا. وهذا الاسم هو الذي يبين
لماذا كانت سلسلة نسب يسوع متصلة بيوسف النجار، وهو يثبت أن يوسف لا يمكن أن يكون
أباً ليسوع، وإذا كان هذا صحيحاً فإن يسوع ليس هو المسيح. إن استخدام هذا الاسم هو
دليل قطعي أن يسوع هو ابن لمريم ولكنه ليس ابناً ليوسف. يكنيا هذا كان ملعوناً من
الرب مما حرم كل نسله من المطالبة بحق الحكم.

 

نحن
نقرأ في (إرميا 22: 30) «اكتبوا هذا الرجل عقيماً لا ينجح في أيامه لأنه لا ينجح
من نسله أحد جالساً على كرسي داود وحاكماً بعد في يهوذا». وفعلاً لم يملك أحد من
أبنائه السبع على العرش (1 أخ 3: 17 و18). ولم يصبح أحدهم ملكاً بسبب لعنة الله.
وإذا كان يسوع ابناً ليوسف، لكان إذن ملعوناً وما أصبح هو المسيح.

 

من
جانب آخر، فإن فرع ناثان لم يكن هو الخط الملكي. وأي ابن يولَد من صلب هالي سوف
يواجه بحقيقة تواجد خط ملكي ثم ينازع أي ادِّعاء يأتي من سلالة ناثان. لكن كيف تم
حلُّ تلك المعضلة؟ لقد حُلَّت بطريقة سهلة للغاية، مما سبب الارتباك لجماعة
اللاأدريين الذين يبغون تمزيق الكتاب المقدس إرباً إرباً. والإجابة على ذلك كالآتي:
السلالة الخالية من اللعنة أنجبت هالي وابنته العذراء مريم وكذلك يسوع المسيح، لذا
هو له استحقاقات هذه السلالة وهو ينتهي بها. أما السلالة الملعونة فقد أنجبت يوسف
وتنتهي عند سليمان، ومن ضمن أبناء يوسف أحدهم يعتبر ابنه من الناحية القانونية،
ويعتبر أحد المستحقين لوراثة الملك. لكن كيف يتم تصحيح تلك المسألة؟ هناك لعنة
تلحق بسلالة، والأخرى ينقصها الحق في وراثة الملك.

 

لكن
عندما حلَّ الله الروح القدس في رحم العذراء مريم وُولد يسوع بدون الاستعانة بأب
أرضي، كان هذا الطفل الوليد من سلالة داود طبقاً للجسد، وعندما تزوج يوسف مريم وشمل
الطفل الوليد برعايته وحبه، معطياً إياه اللقب الذي ورثه منذ جده سليمان، هنا أصبح
السيد المسيح هو المسيح الرسمي، المسيح الملكي، المسيح غير الملعون، المسيح
الحقيقي، المسيح الوحيد. وانتهى عنده تسلسل النسل، وأي إنسان يدخل العالم مدَّعياً
أنه قد وفَّى الاشتراطات، سوف يكون كاذباً وابناً للشيطان. (
Barnhouse, MR, 45- 47)

 

يستخلص
ليفيلد من ذلك: «لدينا وفرة من الاحتمالات وليس العكس. لذلك فإن نقص التأكيدات
نتيجة للمعلومات غير الكاملة، يجعلنا غير محتاجين لأن نتوقع الخطأ في أي من قائمتي
النسب».(
Liefeld,L,861)

 

ربما
لا توجد معلومات كافية لحلَّ الاختلاف بين قائمتي متَّى ولوقا بشكل مؤكد، لكن من
المؤكد أن فك الاشتباك بينهما ليس بالأمر العسير، لذلك فإنهما لا يمثلان عقبة
حقيقية في السرد الكتابي لميلاد يسوع العذراوي.

 

4(ج)
شهادات كل من مرقس ويوحنا وبولس

يجادل
النقَّاد كثيراً بأنه طالما أن الإشارة إلى الميلاد العذراوي ليسوع في العهد
الجديد لا نجده سوى في إنجيلي متَّى ولوقا، فإن هذا الاعتقاد ليس حيوياً لرسالة
كنيسة العهد الجديد. أعتقد أن هؤلاء النقاد قصيري النظر، وأن هناك أدلة أخرى في
العهد الجديد تشير إلى الميلاد العذراوي لكن أولاً، هناك بعض المنطق المغلوط في
مجادلاتهم تحتاج إلى الاستجلاء. ويخبرنا وليم تشايلد، الأستاذ الفخري في اللاهوت
التاريخي «ما هو واضح في متَّى ولوقا هو أيضاً واضح وجلِّي في بولس ويوحنا». (
Robinson, WSYTIA,n.p.)

 

وكتب
روبرت جروماكي أن:

 

لا
يمكن الدفاع عن محاولة تبدأ بالصمت ثم تندرج إلى نفي الاعتقاد، أو من الصمت إلى
الجهل بالمعتقدات. الرسل لم يسجلوا كل ما علموا به أو علَّموه. وفي الحقيقة، ما
ندعوه الحوار الصامت الذي ينادي به التحرريون قد يعود عليهم بالعكس طالما أن بولس
لم يذكر اسم أب ليسوع، هل يعني أنه كان يعتقد بأن يسوع ليس له أب إنساني؟ الكثيرون
يعتبرون أن الصمت هو موافقة ضمنية وإذا كان بولس والآخرون لا يعتقدون في الميلاد
العذراوي، ألم يكن في مقدورهم تصحيح الحكايات المبكرة الخاصة بهذا الشأن؟ دليل
الصمت يمكن استخدامه في كلا الاتجاهين، في الواقع، لا اعتراف أو إنكار يجب أن
ينبني على الحوار الصامت. (
Gromacki,
VB, 183
)

 

كتب
كليمنت روجرز قائلاً:

 

بينما
أن الميلاد العذراوي أشير إليه في بدايات الإنجيل الأول والثالث، إلا أنه لا يوجد
في إنجيل مرقس. أو، كما صيغت بشكل عام، إن مرقس «لم يكن يعلم شيئاً عن ذلك»،
بالرغم أن إنجيله هو الأول في التسجيل واستخدمه الآخرون وهناك أدلة قوية تقول إن
إنجيل مرقس ليس سوى تسجيل لمواعظ وتعاليم بطرس التي سمعها منه، هو يمثل ما كان
يعتبره القديس بطرس ضرورياً ونافعاً لإلقاء العظات على الجموع، مثل ما كان يفعله
بولس عندما وعظ في أريوس باغوس وأثينا وأورشليم وأنطاكية وروما.

 

ومن
ثم، ولأسباب واضحة، كان موضوع الميلاد العذراوي ليسوع ليس من الأمور التي يجب أن
ينادى بها في تلك العظات، ولاسيما أن والدته كانت مازالت على قيد الحياة، ومن
الممكن أنها كانت معروفة لهؤلاء المستمعين. كانت الدعوة الرئيسية أن يسوع أعطى
وحقق العلامات التي وضعها، وفوق كل شيء، أحداث آلامه. (
Rogers, CM, 99- 101).

 

ومن
الجانب الآخر، يذكر ميلارد أريكسون:

 

حقيقة،
يوجد عنصر في إنجيل مرقس يعتبره البعض بأنه إشارة إلى أنه علَّم عن الميلاد
العذراوي وهذا نجده في (مر 6: 3). وفي النص الموازي له في إنجيل متى نقرأ أن أهل
الناصرة تساءلوا «أليس هذا ابن النجار؟» (مت 13: 55)، ولوقا «أليس هذا ابن يوسف؟»
(لو 4: 22)، مع ذلك نقرأ في مرقس «أليس هذا هو النجار ابن مريم، وأخو يعقوب ويوسي
ويهوذا وسمعان. أوليست أخواته ههنا عندنا؟». هنا نلمس أن مرقس يتحاشى الإشارة إلى
يسوع كابن ليوسف. وخلافاً لمن يقرأ كل من إنجيلي متى ولوقا، الذين ذكروا الميلاد
العذراوي في بدايات أناجيلهم، فإن القاريء لإنجيل مرقس لن يعلم بهذا الأمر. لذا هو
يختار كلماته بكل دقة لكي لا يعطي انطباعاً خاطئاً. النقطة الهامة لنا أن ذكر مرقس
للأحداث لا يعطينا أي أساس مهما كان لنستنتج أن يوسف هو أب ليسوع. لذلك، بالرغم أن
مرقس لا يمدنا بحقيقة الميلاد العذراوي إلا أنه لا يعارضه أو ينفيه. (
Erickson, CT, vol2, 750-51)

 

في
الواقع، أعتقد أن القديس يوحنا يذكر الميلاد المعجزي ليسوع وذلك باستخدامه لفظة
(ابنه الوحيد) في يوحنا 3: 16.

 

ويعلق
على هذه النقطة چون رايس قائلاً:

 

كان
يسوع يشير إلى نفسه دائماً بأنه «ابن الله الوحيد». والآن، فإن كلمة «الابن» هي
تعبير إنساني، يشير إلى دور الذكر في مولد الطفل. إنها تشير إلى الميلاد الطبيعي
للبشر. لقد أصرَّ يسوع على أنه ليس من نسل يوسف لكن هو مولود من الله. وكلمة «
Monogenes: وحيد الجنس» مذكورة ست مرات في العهد الجديد تشير إلى يسوع كابن
وحيد للآب، وفي مرتين أشار يسوع لنفسه بنفس الكلمة! لاحظ أن يسوع لا يقول بأنه
مولود من الله، بل يقول بأنه الوحيد الذي وُلد منه. ولا يوجد أحد من قبل وُلد من
عذراء، وبالمعنى الروحي، أن المسيحيين «مولودين.. ثانية لرجاء حي» (1بط 1: 3)، لكن
معنى أن يكون يسوع مولوداً من الله، فهذا لم يحدث مثله لأحد من قبل أو بعد. من
الواضح أن يسوع يقول بأنه مولود من الآب السماوي وليس من أب بشري. (
Rice, IJG, 22- 23)

 

سلسلة
النسب التي يذكرها القديس يوحنا تقول «في البدء». من وجهة نظر الوجود الإلهي، لذا
لا يتعامل هنا مع الميلاد العذراوي: «في البدء كان الكلمة.. والكلمة صار جسداً»
(يو 1: 1 و14).

 

وبالمثل
وبالنسبة لبولس «عرف بولس القديس لوقا جيداً، وكان رفيقه في السفر لمدة طويلة،
وكان معه في روما. ولوقا هو المصدر الرئيسي لرواية مولد السيد. وبالطبع علم بها
القديس بولس، ومن الطبيعي وقد عرفها، لذا يتكلم عن السيد قائلاً: «أرسل الله ابنه
مولوداً من امرأة» وليس من رجل (غل 4: 4). (
Rogers CM, 101)

 

أليس
من المستغرب أن العديد من الناس يحتفلون بأعياد الكريسماس كل سنة بدون أن يكونوا
على وعي كامل بتفرُّد الحدث الذي يحتفلون به: طفل وُلد من عذراء!.

 

2(ب)
شهادات كتابية أخرى عن الميلاد العذراوي

 

1(ج)
الوقت

هناك
اعتبار هام يختص بما سجَّلته الأناجيل، وهو الوقت الذي كُتبت فيه. ونظراً للوقت
المبكر الذي كتبت فيه، لم يكن الوقت كافياًِ حينذاك لنشأة الأساطير لتحكي عن
الميلاد العذراوي للمسيح. لذلك، علينا أن نلاحظ الدلائل في تعاليم الكنيسة الأولى
الخاصة بموضوع الميلاد العذراوي. وهناك سؤالان يثاران بخصوص تلك الحقيقة: كيف برز
موضوع حمل عذراء في وقت مبكر طالما أنه ليس مبنياً على حقائق؟ وإذا لم تكن
الأناجيل تاريخية، فكيف قُبلت على مستوى العالم في ذلك الوقت المبكر؟.

 

وبخصوص
اعتقاد الكنيسة الأولى في الميلاد العذراوي يكتب جريشام ماكين: «وحتى.. إذا لم
يذكر العهد الجديد أي شيء عن هذا الموضوع، فإن شهادة القرن الثاني سوف تبين أن
الاعتقاد في الميلاد العذراوي قد برز، على الأقل، قبل نهاية القرن الأول الميلادي».
(
Machen, VBC, 44)

 

كان
قانون إيمان الرسل هو أول القوانين الإيمانية في الكنيسة الأولى، وبالنسبة للميلاد
العذراوي ويقول هذا القانون إن يسوع «حُبل به من الروح القدس ووُلد من العذراء
مريم». وفيما يختص هذا الإيمان الشامل للكنيسة يكتب أريكسون قائلاً:

 

صيغة
(قانون إيمان الرسل) التي نستخدمها الآن نشأت أولاً في فرنسا في القرن الخامس أو
السادس الميلادي، لكن جذورها الأولى تعود إلى أبعد من ذلك. هو في الواقع يعود إلى
الاعتراف عند المعمودية وهو اعتراف روماني قديم، والميلاد العذراوي سواء في الصيغة
المبكرة أو المتأخرة لهذا القانون الإيماني. وما أن بلغ منتصف القرن الثاني حتى
ساد الشكل المبكر لهذا القانون الإيماني، ليس فقط في روما، لكن أيضاً بواسطة
ترتليان في شمال أفريقيا وإيريناوس في فرنسا. كان تواجد عقيدة الميلاد العذراوي
يلقي تأييداً من الكنيسة في روما، وهي كنيسة مهمة وكبيرة له دلالة خاصة. (
Erickson, CT, vol 2.747)

 

كان
يوجد في الكنيسة الأولى، عدد قليل يعترض على الميلاد العذراوي. بعض هذه الهرطقات
تتصل بجماعة من اليهود المسيحيين تدعى الأبيونيين، يوجد بعض منهم قبل بالميلاد
العذراوي، إلا أن عدداً آخر منهم لم يقبله. وهؤلاء المعترضون كانوا يرفضون استخدام
الكنيسة للآية التي وردت في إشعياء 7: 14 الخاصة بنبوة العذراء التي ستلد ابناً.
وقالوا بأنه يجب ترجمة النص بأنه «امرأة شابة». (
Rogers, CM, 105) وخلافاً لتلك الجماعة، كانت باقي الكنيسة تؤمن بالميلاد العذراوي
للمسيح واعتبرتها من معتقداتها الأصيلة. ويكتب چيمس أور في تلك النقطة: «خلافاً
لجماعة الأبيونيين.. وبعض من طائفة الغنوسيين، لا أحد من مسيحيي الأيام الأولى لم
يقبل بعذراوية ميلاد المسيح من القديسة مريم كجزء أصيل من عقيدتهم.. ولدينا أدلة
كافية تؤكد أن هذه العقيدة كانت جزءاً من الاعتقاد العام للكنيسة». (
Orr, VBC, 138)

 

عند
الحديث عن الكنيسة الأولى، يقول أرستيد: «كل ما نعرفه عن العقائد السائدة في الجزء
الأول من القرن الثاني يتفق مع الإيمان بعذراوية مريم، وهذا كان يمثل جزءاً هاماً
من الإيمان المسيحي». (
Aristides,
AA, 25
)

 

2(ج)
شهادة آباء الكنيسة الأولى

من
الأمور المهمة في تاريخ الكنيسة الأولى هو الاعتقاد في عذراوية الميلاد في شهادات
الآباء الأولين. في سنة 110م، كتب أغناطيوس أسقف مدينة أنطاكية السورية في كتابه
«رسالة إلى الأفسسيين» قائلاً «لأن إلهنا يسوع المسيح كان.. حبل به في رحم مريم..
بالروح القدس». (
GEAF, 18: 2) وكتب أيضاً «الآن فإن عذراوية مريم، ومن وُلد منها.. هي من
الأسرار والغوامض التي يُنطق بها في كل أنحاء العالم، لقد صنع الله ذلك سراً». (
Wells, OH, 19: 1) وأغناطيوس استمد تعليمه من يوحنا الرسول.

 

يقول
إريكسون بأن أغناطيوس بكلامه هذا كان يعارض جماعة من الناس يدعون الدوسيتيين،
هؤلاء الناس كانوا ينكرون طبيعة المسيح البشرية وأنه إجتاز فعلاً ولادة بشرية
وعانى من الآلام. بالنسبة لهم كان يسوع قدوساً لكن ليس إنساناً. فتحدَّى أغناطيوس
هذه الهرطقة بإصداره «ملخص الحقائق الخاصة بالمسيح». من ضمن تلك الحقائق كان
«الاعتقاد بدوام عذراوية القديسة مريم كأحد الأسرار التي لا يُنطق بها».

 

وتبعاً
لما يقوله إريكسون:

 

هناك
عدد من الملاحظات تجعل من هذا الاعتقاد شأناً أعظم:

 

(1)
لأن أغناطيوس كان يكتب معارضاً هذه الجماعة، فإن تعبير «مولود من امرأة (كما في
غلاطية 4: 4) مفيد له أكثر من «مولود من عذراء».

 

(2)
أن هذا الاحتجاج لم يكتبه إنسان مبتديء، لكن كتبه أسقف الكنيسة الأولى لمسيحيي
الأمم.

 

(3)
كتب هذا في حدود سنة 117م. وكما يلاحظ جريشام ماكين عندما قال: «عندما نجد إن
أغناطيوس يُصدِّق على الميلاد العذراوي ليس كأمر جديد لكن كأمر بديهي، كأحد
الحقائق المقبولة الخاصة بالمسيح، ومن الواضح أن الاعتقاد في الميلاد العذراوي كان
سائداً قبل نهاية القرن الأول». (
Erickson,
CT, vol.2, 747-48
)

 

ويكتب
كليمنت روجرز «لدينا دليل آخر يوضح أن الإيمان الذي جاهر به أغناطيوس لم يكن
جديداً عليه. لأننا نعلم بأن ميلاد المسيح العذراوي الذي يؤمن به المسيحيون كان
يُهاجم من الآخرين. فمثلاً كان هناك سيرينيوس المعارض المعاصر للقديس يوحنا، ويقال
إن يوحنا تقابل مع هذا الرجل في الحمامات العامة وصاح: «دعنا نهرب لكي لا ينطبق
علينا الحمَّام بسبب تواجد سيرينيوس، عدو الحقيقة، المتواجد هنا». هذا الرجل، كما
أخبرنا إيريناوس كان يُعلِّم بأن المسيح وُلد من علاقة يوسف بمريم. (
Rogers, CM,105)

 

وهناك
أيضاً شهادة بعض الكُتَّاب الذين ظهروا بعد أيام الرسل، ومنهم أرستيدس الذي كتب في
سنة 125م عن الميلاد العذراوي «هو ابن الله في الأعالي، والذي تصوِّر في الروح
القدس، أتى إلينا من السماء، ووُلد من عذراء عبرانية وأخذ جسدا ًمنها.. وهو الذي
حسب الجسد وُلد من جنس العبرانيين، بقوة الله التي حلَّت على العذراء مريم». (
Aristides, AA, 32)

 

ويعطينا
چاستن مارتر في سنة 150م دليلاً مطولاً عن الحبل المعجزي ليسوع «معلمنا يسوع
المسيح، لم يولد نتيجة لتزاوج جنسي.. نزلت قوة الله على العذراء وظللتها، وجعلتها
وهي مازالت عذراء حاملاً.. لأنه، بقوة الله حُمل به من عذراء.. بإرادة الله، ولد
ابنه يسوع المسيح من العذراء مريم». (
Apology
1: 21- 33; Dialogue with trypho the Jew
)

 

كان
ترتليان من أبرز المتكلمين باللغة اللاتينية والذي أعتنق المسيحية وكان مدافعاً
عنها، يخبرنا أن تلك العقيدة لم توجد فقط في أيامه (200م) بل إنه اعتقاد مسيحي
كانت تأخذ به كل الكنائس. وقد اقتبس هذه العقيدة أربع مرات (مريم العذراء). (
Rogers, CM, 103)

 

3(ج)
الشهادة اليهودية المبكرة

كما
كان متوقعاً، كانت هناك مجادلات تنفي الولادة العذراوية، وقد أثار اليهود معظمها.
إن هدفنا هنا هو إبراز أنه في الأيام الأولى للكنيسة كان هناك محاربات خارجية تختص
بموضوع الولادة العذراوية ليسوع المسيح، وبسبب هذه النزاعات، ولكي تظهر وتثار،
فلابد أن الكنيسة كانت تبشر بالميلاد المعجزي ليسوع.

 

يقول
إيثيلبرت شتوفر: «في قائمة نسب ظهرت قبل سنة 70م، ذكر فيها أن يسوع ابن غير شرعي
لامرأة متزوجة. ومن الواضح أن الإنجيلي متَّى كان على علم بمثل تلك القوائم وكان
يحاربها باستمرار. وبعد ذلك حرص حاخامات اليهود على دعوة يسوع بأنه ابن زنى.
وادَّعوا بأنهم يعلمون اسم والده وهو المدعو بانثيرا. وفي الكتب اليهودية القديمة
نجد تكراراً لاسم: (يسوع ابن بانثيرا). ويعدِّد كلسس سنة 160 ميلادياً تفصيلات
أكثر عن العلاقة المزيفة ما بين مريم وعضو الجيش الروماني بانثيرا». (
Stauffer, JH, 17).

 

وفي
الكتاب اليهودي «تولدوث جيشو» الذي ظهر في القرن الخامس (أو بعد ذلك) توجد قصص
خيالية عن يسوع، وهو يذكر أن يسوع من «أصول غير شرعية، بسبب العلاقة التي نشأت بين
أمه والمدعو بانثيرا». (
Orr, VBC,
146
)

 

يكتب
المتشكك اليهودي هيو شونفيلد: «قال شمعون بن عزاي إنه وجد مخطوطة أنساب في أورشليم،
وكان مكتوب فيه «فلان الفلاني ابن حرام (
Schaff, HCC, 139
وشمعون هذا كان يعيش في نهاية القرن الأول وبداية الثاني». وطبقاً لما أورده
شونفيلد فإن هذه المخطوطة كانت موجودة أيام حصار أورشليم سنة 70 ميلادية. وفي
السجلات اليهودية القديمة يذكر يسوع بدلاً من «فلان الفلاني». ويستمر شونفيلد في
قوله «ليس هناك اعتراض على ما جاء في هذه المخطوطة، إلا إذا حرصت القائمة المسيحية
لسلسلة الأنساب أن تدلل على أن ميلاد المسيح لم يكن طبيعياً». (
Schonfield, AH, 139, 140)

 

وطبقاً
لمرجع شمعون، يقول شونفيلد إن الهجوم ضد يسوع «باعتبار أنه كان غير شرعي، يرجع إلى
تاريخ مبكر». (
Schonfield, AH, 140)

 

يكتب
أوريجانوس (
C, A.D, 185- C. AD.
254
) في مجال رده على كلسوم:

 

مع
ذلك، دعنا نعود، إلى الكلام الذي ينطق به اليهود، وهو أن أم يسوع توصف بأنها قد تم
تخليتها من قِبَّل خطيبها النجار، واتُهمت بأنها كوَّنت علاقة مع الجندي المسمى
بانثيرا. دعنا نتدبَّر ما إذا كان هؤلاء الذين لفَّقوا هذه الأسطورة بأن مريم
أنشأت علاقة محرَّمة مع بانثيرا وأن النجار تخلَّي عنها، لم يكونوا عمياناً عندما
دبَّروا هذه التهمة لكي يتخلصوا من الحبل المعجزي بالروح القدس. ولأن طبيعة هذه
المعجزة الخارقة، لم تجعلهم غير قادرين على ابتكار أكاذيب أخرى تطغي على حقيقة أن
يسوع لم يولد بطريقة عادية، ولا مفرَّ لمن رفضوا ميلاده المعجزي أن يخترعوا بعض
الأكاذيب، لكن هناك حقيقة ناصعة تقول إنهم لم يفعلوا ذلك بطريقة حقيقية، لكن
جعلوها كجزء من الرواية التي تقول بأن مريم لم تحمل بيسوع عن طريق يوسف. وجعلوا
بذلك تلك القصة الملفقة واضحة أمام أعين الناس الذين يستطيعون بكل سهولة أن
يتحققوا من القصص الخيالية ويكتشفونها. هل من المعقول أن هذا الرجل الذي كان
دائماً يسارع لفعل كل ما هو نافع للبشرية، أن لا يكون مولده معجزياً، بل يكون
ميلاداً مشيناً وغير شرعي؟ لذا فمن المحتمل أن هذا الشخص الذي، عاش حياة أكثر
طهارة من عديد من الناس (لكي يتجنب أن يسيء للمسألة إذا قال «كل الناس»)، وأن يكون
في حاجة لجسد مماثل للجسد البشري، المميز بين أجساد البشر بل هو جسد أكثر سمواً
ورفعة من الآخرين. (
Origen, CC, 1:
32- 33
)

 

والمعارضات
ظهرت حتى في الأناجيل ذاتها «أليس هذا هو النجار ابن مريم وأخو يعقوب ويوسي ويهوذا
وسمعان. أوليست أخواته ههنا عندنا» (مر 6: 3). وكتب في هذا ايثيلبرت شتوفر قائلاً:
«ما ظهر في إنجيل مرقس يؤيد ذلك الموقف. فاليهود لديهم عادات محددة لإطلاق الأسماء
على المولودين، فاليهودي يسمى باسم أبيه (يوحنا بن ساكاي مثلاً) حتى إذا مات أبوه
قبل ولادته. ويسمى باسم أمه إذا لم يعرف من هو الأب». (
Schonfield, AH, 16)

 

وأكثر
من ذلك،

 

نعلم
أنه مذكور في ال (لوچيا) أن يسوع اتُّهم بأنه «سكير وأكول». ولابد أن هناك أساساً
لإطلاق هذه التهمة. لأنها تتفق تماماً مع اتجاهات يسوع ورد فعل الفريسيين تجاهه.
والآن، هذه الإهانة الخاصة يطلقها يهود فلسطين على الشخص الذي له صلات غير شرعية،
والذي تفضحه طريقة تصرُّفه في الحياة، وسلوكه الديني يحكم مولده المشكوك فيه. هذا
هو الإحساس الذي سيطر على الفريسيين واتباعهم عندما استعملوا تلك الجملة والتي
تعني أنه «ابن غير شرعي». (
Schonfield,
AH, 16
)

 

توضح
التصورات اليهودية ولصق تهمة اللاشرعية على المسيح (قبل سنة 70م) أنه كان هناك شك
وسطهم من ناحية أبوَّتُّه. وهذا واضح لأن الكنيسة المسيحية بعد أربعين سنة على
الأكثر من موت يسوع، كانت تعلم بالتأكيد شيئاً عن الحدث غير العادي الذي صاحب
مولده- وبالتحديد ولادته من عذراء.

 

4(ج)
القرآن

يشار
دائماً ليسوع في القرآن بأنه عيسى ابن مريم، أو ابن مريم. ويكتب في ذلك شتوفر
قائلاً «يلاحظ السيد عبد الله بدوي المتخصص في تفسير القرآن بأن العادة السامية في
تسمية الأشخاص توضح أن الشخص يسمى باسم أمه إذا لم يعرف اسم الأب. لكن هذا الاسم
وشرح معناه قُصد ذكره في القرآن بشعور إيجابي تماماً. ينظر إلى يسوع في القرآن
بأنه ابن للعذراء مريم التي ولدت بكلمة من عند الله. (
Schonfield, AH, 17- 18)

 

يشير
القرآن بكل وضوح عن الميلاد العذراوي لمريم، في سورة مريم الآية 20. وطبقاً لهذه
الفقرة، عندما أعلن لمريم أنها سوف تحمل بغلام، أجابت «كيف يكون هذا، لأنني عذراء
ولم يمسني بشر» ويستمر الحديث إلى أن يقول «إنه أمر سهل بالنسبة إليَّ (الله)» ثم
«نفخ فيها من روحه».

 

3(ب)
أقوال بعض الكُتَّاب الآخرين

على
أساس الأدلة المتاحة، من المهم لنا أن نستجلي آراء بعض كُتَّاب العالم عن دخول
يسوع غير العادي للتاريخ الإنساني.

 

يكتب
جريفيث توماس قائلاً: «الداعم الرئيس لهذا المعتقد (الميلاد العذراوي) هو ضرورة
تسجيل تفرَّد حياة يسوع». (
Griffith
Thomas, CIG 125
)

 

ويذكر
هنري موريس:

 

إنه
من المناسب أن من صَنع معجزات عديدة أثناء حياته، والذي قدَّم نفسه على الصليب
كفارة عن خطايا كل البشر، والذي قام بعد ذلك بجسده من الأموات محققاً بذلك بشريته
الفريدة بالدخول إلى العالم بطريقة فريدة.

 

إذا
كان هو حقاً مخلصنا، يجب أن لا يكون مجرد إنسان عادي، مع أنه ابن الإنسان، ولكي
يموت من أجل خطايانا، يجب أن يكون هو ذاته بدون خطية، ولكي يكون بلا خطية في
التطبيق، يجب أن يكون بلا خطية كطبيعة. إنه لم يرث الطبيعة البشرية التي سقطت تحت
لعنة وقيود الخطية كما يحدث مع كل بني آدم. لذا كان واجباً أن يكون مولده معجزياً.
فنسل المرأة زُرع في رحم العذراء، كما قال الملاك «الروح القدس يحلُّ عليك وقوة
العلي تظللك. فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله» (لو 1: 35).

 

ليس
فقط كان الميلاد العذراوي حقيقياً لأننا تعلمناه من الكتاب المقدس، لكن أيضاً لأنه
هو النوع الوحيد من الولادات المتوافقة مع شخصية وعمل يسوع المسيح، وكذلك خطة الله
لخلاص العالم الضائع.

 

وعندما
نقول إن هذه المعجزة مستحيلة، فبذلك ننكر وجود الله أو ننكر قدرته على ضبط خليقته.
(
Morris, BHA, 38)

 

لتلخيص
دليل الميلاد العذري ليسوع، يقول جريشام ماكين «لذلك هناك أساس قوي، كما نعتقد،
لأن نتمسك بأن السبب في أن الكنيسة المسيحية اعتقدت في ولادة يسوع بدون أب بشري هو
أنه من الطبيعي أن يكون ميلاده إلهي. (
Machen, VBC, 269)

 

ويستنتج
كليمنت روجرز أن «كل الأدلة تتجه نحو إثبات الميلاد المعجزي ليسوع المسيح».

 

لقد
كان دخول السيد إلى عالمنا فريداً في نوعه. (
Rogers, CM, 115)

 

3(أ)
إذا أصبح الله إنساناً، نتوقع أن يكون بلا خطيئة

 

1(ب)
نظرة يسوع عن نفسه

في
إحدى المرات، سأل يسوع جمهوراً معادياً له «من منكم يبكتني على خطية؟» (يو 8: 46).
ولم يتلق أي جواب. فعندما دعاهم لإدانته، بقيَ هو في مكانه ووجِد بريئاً في
استطاعته أن يشجع الفحص العام لأنه كان بلا خطية.

 

وقال
أيضاً «لأني في كل حين أفعل ما يرضيه» (يو 8: 29). وهو أبوه السماوي. من الواضح أن
يسوع عاش في اتحاد كامل مع الله.

 

إن
إحساس المسيح بالطهارة والنقاوة شيء مدهش، وهذا يختلف تماماً عن تجربة باقي
المؤمنين بالله، وكل مسيحي يعلم أنه كلما جاهد في الاقتراب من الله، كلما كان
إدراكه لخطاياه أعظم. مع ذلك، لم يكن الأمر هكذا بالنسبة ليسوع. لقد عاش ملتصقاً
بالله أكثر من أي فرد آخر، ومع ذلك كان حراً من شعوره بالذنب أو الخطيئة.

 

وإلحاقاً
لهذا الخط من التأملات، قيل لنا عن التجارب التي تعرَّض لها يسوع (لو 4) لكن لم
نقرأ عن أي خطايا يكون قد ارتكبها. لم نسمع أبداً وهو يعترف أو يطلب المغفرة عن أي
عمل خاطيء ينسب إليه، بالرغم أنه يطالب تلاميذه دائماً بذلك. ويبدو أنه ليس لديه
أبداً إحساس بالذنب الذي يلازم الخطية والتي تعتبر طبيعة متواجدة في باقي أعضاء
الجنس البشري.

 

ويكتب
س. جيفرسون «أفضل الأسباب التي تؤيد عدم تعرض يسوع للخطية هي حقيقة أنه سمح لأخلص
أصدقائه أن يظنوا فيه كذلك. في كل أقواله لا نرى ظلاً للأسف أو حتى شيئاً صغيراً
من تأنيب الضمير أو مجرد قدر من الأسى بسبب تقصير أو فعل مخالف. لقد علَّم الآخرين
بأن ينظروا لأنفسهم كخطاة، وأكد بكل وضوح أن قلب الإنسان شرير، وأخبر تلاميذه أنهم
عندما يصلُّون يجب أن يطلبوا مغفرة ذنوبهم، لكنه لم يتكلم أبداً كما لو كان يعاني
بأقل قدر من التأنيب، وأن ما يفعله ليس أكثر من كونه باعثاً لسرور الآب. (
Jefferson, CJ, 225)

 

ويذكر
فيليب شاف في هذا الشأن قائلاً «إنها حقيقة لا يمكن إنكارها، سواء من كلامه أو
تصرفاته، إنه عرَّف نفسه بأنه خالي تماماً من الخطية أو الذنب. التفسير المنطقي
لهذه الحقيقة هو أن المسيح لم يكن أبداً من الخطاة».(
Schaff,PC,40)

 

ونستمع
إلى شهادة أخرى صادرة من أ. جارفي «إذا وجدت أي خطية سرية فيه، أو حتى ذكر لخطية
سابقة، فإن هذا يوضح أن هناك جموداً أخلاقياً وتناقضاً لا يمكن إصلاحه في
الإدراكات الأخلاقية التي تبرز في تعاليمه». (
Garvie, HCA,97)

 

ويضيف
س. جيفرسون «لا يوجد ما يدل على أن يسوع كان يشعر بالذنب لارتكابه لأي خطية».

 

ويخبرنا
چون ستوت «شخصية يسوع تكشف تماماً أفكاره ومعتقداته. من الواضح هنا أن يسوع صدَّق
نفسه بأنه بلا خطية، كما صدق بنفسه أنه هو المسيح وابن لله». (
Stott, BC,39)

 

ويشهد
المؤرخ الشهير كينث سكوت لا توريت «هناك صفة أخرى في يسوع، وهي غياب أي شعور بأنه
ارتكب خطية أو فساد.. إنه أمر بالغ الأهمية عندما نلاحظ أخلاقياته الحساسة. هو
الذي طلب من أتباعه أن يطلبوا دائماً غفران خطاياهم وآثامهم، لكن ليس هناك أي
إشارة إلى حاجته هو الشخصية لغفران أي خطايا، ولا طلب للعفو سواء ممن كانوا
يتعاملون معه أو من الله». (
Latovrette,
HC, 47
)

 

2(ب)
شهادة أصدقائه

عندما
نستعرض الكتاب المقدس كله، نكتشف إن كل شخصياته كان بها نقائص وذلات. ولم يُقرأ عن
أي بطل يهودي عظيم بدون لوم، ولا حتى داود ملك إسرائيل العظيم، أو موسى المخلص
العبراني الشهير. وحتى في العهد الجديد فإن نقائص التلاميذ مذكورة في كل سفر، لكن
مع ذلك لا نقرأ عن أي خطية تمس يسوع. وهذا شيء يفوق التصور إذا أدركنا أن يسوع كان
محاطاً بالتلاميذ معظم وقته وكل يوم من أيام خدمته وهي ثلاث سنوات تقريباً. وعندما
تدرك أن تلاميذه عاشوا ملاصقين له طوال ذلك الوقت، وأن ميراثهم اليهودي يؤكد موضوع
خطايا الإنسان والحاجة إلى العمل الخلاصي لله، فإنه أمر لا يصدَّق أن يجدوا أبداً
أي خطأ ارتكبه سيدهم. بالتأكيد كان في مقدورهم أن يلاحظوا ولو حركة خاطئة عندما
خدموا تحت إرشاده، لكن شهادتهم في هذا الشأن لم تذكر أي شيء من هذا.

 

أثناء
اتصالهم المستمر به، لم يجدوا أي خطايا تمسه كما هو الشأن معهم. لقد ثاروا على
بعضهم البعض، وغضبوا وتناقشوا بكل حدة، لكنهم لم يلاحظوا مثل تلك الأمور في سيدهم
يسوع. وبسبب خلفياتهم اليهودية البحتة، فإنه من الصعب عليهم أن يقولوا بأنه بلا
خطية، إلا إذا كان هو بالفعل كذلك.

 

وأكثر
المخالطين له، وهما يوحنا وبطرس، يؤكدان أنه بلا خطية. في 1بطرس 1: 19«بل بدم كريم
كما من حمل بلا عيب ولا دنس».

 

1بطرس
2: 22 «الذي لم يفعل خطية ولا وُجد في فمه مكر».

 

1يوحنا
3: 5 «وتعلمون أن ذاك أظهر لكي يرفع خطايانا وليس فيه خطية».

 

قال
يوحنا الحبيب إن أي إنسان يقول بأنه بلا خطية، فهو كاذب، وهو يَّدعي أيضاً أن الله
كاذب أيضاً. مع ذلك، فإن يوحنا أيضاً شهد بشخصية يسوع التي بلا خطية عندما قال
«ليس فيه خطية» (1يو 3: 5). وحتى ذاك الذي يعتبر مسئولاً عن موت يسوع، يشهد ببراءة
وقداسة يسوع. هوذا يهوذا وبعدما خان يسوع، يعترف ببر السيد وشمَله ندم شديد، وقال
«قد أخطأت إذ سلمت دماً بريئاً» (مت 27: 3 و4). «لأنه (أي الله) جعل الذي لم يعرف
خطية (يسوع) خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه» (2كو 5: 21).

 

وتعليقاً
على تلك الفقرة، يقول موراي هاريس:

 

يبدو
أن بولس كان يهدف في قوله هذا إن يسوع أصبح ذبيحة خطية مقدمة عنا. لكن هو لم تمسه
أي خطية. إن التعبير عن المسيح الذي بلا خطية أمر مبهر، وكل خطية ذنبها مريع وأهم
نتائجها هو الانفصال عن الله.

 

لذا
قال بولس من أعماقه «جعله الله.. خطية لأجلنا» تصريح بولس بعدم تواجد أي خطية في
المسيح، يمكن أن نقارنه بما قاله بطرس (1بط 2: 22) الذي اقتبس من (إش 53: 9)
ويوحنا (1يو 3: 5)، وكذلك كاتب الرسالة إلى العبرانيين (عب 4: 15، 7: 26)، وكما أن
«بر الله» هو أمر خارج عن نطاق البشر، فإن حمل الخطية التي حملها المسيح عنَّا
تعتبر أيضاً خارجة عن طبيعته. إنه لم يعرف الخطية التي ربما يكون مصدرها اتجاه أو
فعل أو قول خاطيء. (
Harris 2C, vol.10,354)

 

وكاتب
الرسالة إلى العبرانيين يضم صوته إلى تلك الدعوة قائلاً: «لأنه ليس لنا رئيس كهنة
(يسوع المسيح) غير قادر أن يرثي لضعفاتنا بل مجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية» (عب 4:
15). والباحث في العهد الجديد فيليب هيوس يستحضر أمامنا المعاني العميقة وراء هذا
النص بقوله:

 

التجربة
في حد ذاتها تعتبر أمراً محايداً: أن تجرب فهذا لا يعني الصلاح أو السقوط في
الخطيئة، لأنه ما يتضمنه التعرض للتجربة هو الاختبار: لكن الإثبات، والصلاح يتحقق
عند مقاومة التجربة والتغلب عليها، بينما الخطيئة تكمل عند الإذعان والاستسلام.
لذا تعرض كاهننا الأعظم للتجربة يشبه تماماً ما قد نتعرض له نحن. من البداية حتى
النهاية وُضع هو في اختبار، إما بإغراء الاهتمام بالذات، أو الاعتراف العالمي به،
أو الطموح للحصول على القوة، وذلك عندما حاصره الشيطان في البرية (مت 4: 1)، أو
عندما تعرَّض للتجربة في البستان لكي يتراجع بدلاً أن يقدم على تلك المهمة المخيفة
التي عرضت عليه (مت 26: 38)، أو بالاقتراحات التي انهالت عليه وهو معلَّق متألم
فوق خشبة الصليب «إذا كنت ابن الله فانزل عن الصليب» (مت 27: 40).. كل حياته على
الأرض كانت عبارة عن اختبار وبرهان على صلاحه: وهذا ما أخبر به تلاميذه المخلصين،
عندما اقترب وقت الجلجثة، لأن هؤلاء الرجال استمروا معه وهو يتعرض للتجارب (لو 22:
28). هو لم ينتصر فقط على التجربة، لكن عندما تحقق له ذلك اكتسب أعمق مشاعرنا
الخاصة بضعفاتنا، وفي نفس الوقت أوضح لنا أن الوهن والضعف الإنساني فيه تتجلى قوة
الله وانتصار نعمته (2كو 12: 9).

 

إن
كاهننا الأعلى لم يجز فقط الاختبارات الصعبة التي مرت عليه، لكنه حقق الانتصار على
كل تجربة، وكان هذا واضحاً عندما أضيفت العبارة التي تقول «الذي بلا خطية». معنى
هذه الصفات له دلالة كبرى. وهو أمر فريد، فلو سقط يسوع في التجربة وخضع لها فإنه
سيحتاج هو أيضاً إلى كفارة عن خطاياه، ولذلك لن يختلف عن رؤساء الكهنة في الزمن
القديم الذين كانوا يقدمون التضحيات كفارة عن خطاياهم الشخصية أولاً (عب 7: 27)،
ولن يكون أفضل منهم عندما كانوا ينوبون عن الشعب في الحصول على الخلاص الدائم.
وهناك أمر آخر بالنسبة له، حيث بتقديم ذبيحة عن نفسه سيكون هو بذلك الضحية والمضحي
أيضاً، وإذا تعرَّض للخطية فعلاً، سيؤدي هذا إلى تعجيزه في تقديم نفسه كحمل الله
الذي بلا عيب ويجعله غير مقبول عند الله (1بط 1: 19، أف 5: 2، يو 1: 29). (
Hughes, CEH, 172- 73).

 

3(ب)
شهادة أعدائه

واحد
ممن صلبوا معه شهد عن عدم تعرَّض يسوع للخطية. في لوقا 23: 41، واحد من اللصوص
وبَّخ زميله قائلاً «أما هذا فلم يفعل شيئاً».

 

وبيلاطس
أيضاً وجد أن يسوع بريء.. وبعد مساءلته وتدبير تلك التهم الباطلة الموجهة إليه،
قال بيلاطس للقادة الدينيين ولباقي الشعب الثائر: «ها أنا قد فحصت قدامكم ولم أجد
في هذا الإنسان علَّة مما تشتكون به عليه» (لو 23: 14). وحتى بعدما صرخ الشعب
الغاضب مطالبين بصلبه، تساءل بيلاطس وهو غير مصدق «فأي شرَّ عمل هذا. إني لم أجد
علَّة للموت» (لو 23: 22).

 

وأعلن
قائد المئة الروماني الواقف بجوار الصليب «بالحقيقة كان هذا الإنسان باراً» (لو 23:
47).

 

كان
أعداء يسوع يداومون توجيه الاتهامات له في محاولة منهم لإدانته عن خطأ ارتكبه، لكن
لم ينجحوا أبداً في مسعاهم (مر 14: 55 و56). ويخبرنا القديس مرقس عن أربعة من هذه
الانتقادات (مر 2: 1- 3: 6).

 

أولاً،
اتهمه أعداؤه بأنه ارتكب معصية عندما غفر خطية إنسان. مع ذلك، إذا كان يسوع قدوساً
فهو لديه السلطة والقدرة لأن يغفر الخطايا.

 

ثانياً،
لقد ارتعبوا عندما وجدوه يخالط الخطاة، العشارين، الزناة وأمثالهم. كثير من القادة
الدينيين ظنوا أنه يجب على الأبرار أن لا يختلطوا مع الأشرار. ردَّ يسوع على هذه
التهمة بالإشارة إلى أنه طبيب أتى ليشفي الخطاة (مر 2: 17).

 

ثالثاًً،
اتَهم يسوع بأنه يكسر أحد قواعد اليهودية لأنه هو وتلاميذه لم يصوموا كالفريسيين.
أجاب يسوع بقوله إنه لا حاجة لهم لأن يصوموا، لكن عندما يترك تلاميذه، سوف يكون مقرراً
عليهم أن يصوموا.

 

وأخيرا،
حاول النقَّاد أن يجدوا خطأ في ممارساته، لأنه كسر التقليد الذي يحتم ترك العمل
يوم السبت وذلك عندما شفى الناس وأكل السنابل في ذلك اليوم المقدس. مع ذلك، فإن
يسوع دافع عن نفسه وأعماله بالإشارة إلى المغالطات التي تزخر بها تقاليدهم.
بالتأكيد كان يسوع مطيعاً لقوانين الله. ومن جهة أخرى، لأنه هو ذاته «سيد يوم
السبت». لقد اختار أن لا يطيع التقاليد الإنسانية التي في الحقيقة غطت على التفسير
الحقيقي والنيات التي قصدها الله.

 

1(ج)
تأكيد التاريخ

حياة
يسوع التي بلا خطية جذبت الناس طول عشرين قرناً من الزمان. لقد صمدت أمام الفحص
الانتقادي، واكتسبت إليها عقول وأفئدة البشر من كل الأنواع والفئات والأديان
المختلفة. مثلاً، في الديانة الإسلامية صوِّر يسوع في القرآن بأنه بلا خطية (سورة
مريم، فقرة 19). فالملاك جبريل حضر لمريم وأخبرها بأن ابنها عيسى سيكون «وجيهاً في
الدنيا» أي أنه خال من الخطية.

 

يؤكد
المؤرخ الكنسي فيليب شاف أنه بالنسبة للمسيح «هوذا قدوس قديسي العالم كله» «لم يعش
أبداً إنسان لم يضر العالم إلا يسوع فقط لم يسيء لأحد، ولم يستغل أحداً. ولم ينطق
بأي جملة مسيئة، ولم يفعل أبداً أي خطأ». (
Schaff, PC, 36-37)

 

الانطباع
الأول الذي نتلقاه من حياة يسوع هو نقاؤه الكامل بلا خطية في عالم يسبح في الخطية.
وهو بمفرده، امتاز بنقاوة الأطفال غير الملوثة سواء في فترة شبابه أو رجولته.
ولذلك كانت الحمامة والحمل هما المفضلان إليه في ضرب الأمثال». (
Schaff, PC, 35)

 

في
كلمة واحدة، نقول إنه الكمال المطلق الذي رفع من صفاته إلى أعلى مكانة، متفوقاً
على أي بشر وجعل منها استثناءً في الكون كله، إنه المعجزة الأخلاقية في التاريخ.
إنه المثال الحي للنموذج المثالي للفضيلة والقداسة، وأعظم مثال لكل ما هو طاهر
وحسن ونبيل في نظر الله والإنسان». (
Schaff,
PC, 44
)

 

«هكذا
كان يسوع الناصري، إنساناً كاملاً وهو في الجسد، والعقل، والروح، مع ذلك فهو مختلف
عن البشر، يمتاز بصفات أخلاقية متفردة منذ طفولته الرقيقة حتى رجولته الناضجة، وهو
يسير دائماً في اتحاد كامل مع الله، غامراً الإنسان بكل حبه، خال من كل خطية أو
ذلل، بريء وقدوس، مكرِّساً كل جهده لتحقيق المثل العليا، معلماً وممارساً لكل
الفضائل في نماذج مدهشة، مختتماً أطهر حياة مع أسمى أنواع الموت، ونعرفه دوماً منذ
ذلك الحين بأنه المثال الكامل الوحيد لكل ما هو حسن ومقدس». (
Schaff, PC, 73)

 

ويضيف
چون ستوت قائلاً: «إنكار الذات هذا الذي نلمسه فيه وهو يخدم الله والإنسان هو ما
يسميه الكتاب المقدس بالحب. ليس هناك منفعة شخصية من هذا الحب. وعصارة هذا الحب هو
التضحية بالنفس. أسوأ الناس يزين حياته بومضات مؤقتة من النبل والإحسان، لكن حياة
يسوع سطعت بوهج دائم ومبهر. كان يسوع بلا خطية لأنه أنكر ذاته، مثل هذا التصرف
نسميه الحب. ونعلم أن الله محبة». (
Stott,
BC, 44- 45
)

 

ويقول
ولبر سميث «نعلم أن الصفات المدهشة التي تحلَّى بها يسوع في حياته الأرضية تنقصنا
جميعاً، ويتعرف عليها الكل بأنها أخلاقيات لا تُقدر بثمن، فهي ليست سوى الفضيلة
المطلقة، أو لنعبِّر عنها بشكل أفضل، نقول إنها الطهارة الكاملة، القداسة الأصيلة،
وبالنسبة ليسوع ليست هي سوى العيش بلا خطية». (
Smith, HYCH, 7).

 

لكي
يعيش الفرد بلا خطية ليس بالأمر السهل، لكن يسوع عاشها وكما يلاحظ ولبر سميث: «عاش
خمسة عشر مليوناً من الدقائق على الأرض، وسط جيل شرير وفاسد. وكل فكر، كل عمل، كل
غرض وأي جهد سواء كان خاصاً أو عاماً، منذ أن فتح عينيه وهو طفل صغير وحتى موته
على الصليب، كان متوافقاً مع الله ويحظى بقبوله، لم يضطر سيدنا يوماً أن يعترف
بخطية».(
Smith, HYCH,8-9)

 

«حياة
يسوع، وكل حرف نطق به تحوَّل إلى فعل وعمل. والعظات التي ألقاها، ترجمت حياته بكل
بساطة على هيئة لغة». (
Mead, ERQ,
60
)

 

يقول
برنارد رام «انتهج يسوع حياة كاملة من القداسة باعتبار أنه الله المتجسد». (
Ramm, PCE, 169) وهذا الأمر له أهمية خاصة، وقد عبَّر عن ذلك هنري موريس قائلاً: «إذا
كان الله ذاته متجسداً في ابنه الوحيد، الذي لا يستطيع أن يصل إلى الدرجات العليا
للقداسة، لذا فإنه جهد لا طائل من ورائه أن تبحث عن معنى الخلاص في أي مكان في
الكون». (
Morris, BHA, 34)

 

مع
ذلك، فإننا نقول إن جريفث توماس كان على حق عندما قال إننا في يسوع نجد المستوى
الإلهي الذي يربط يسوع بالله، فلا يتركه حتى للحظة واحدة. لقد كان بلا خطية.. إذا
لم تكن حياة المسيح بدون خطية، فمن الواضح أنه لن يكون ذاك المخلِّص الذي يخلِّص
العالم من الخطية». (
Griffith
Thomas, CIC, 17
)

 

نقرأ
فيما كتبه فيليب شاف: «كلما كان الإنسان أكثر قداسة، كلما زادت حاجته للعفو
والغفران، وكان أكثر إدراكاً أنه ناقص في مستويات الكمال والسمو. لكن يسوع، وله
نفس طبيعتنا ومعرض للتجربة مثلنا، لم يخضع لأي تجربة، لم يكن هناك سبب لأن يأسف
لكلمة أو فكر أو عمل قام به، لم يكن محتاجاً أبداً لمغفرة، أو تغيير أو تقويم، لم
يقع في حالة من عدم الانسجام مع أبيه السماوي. كل حياته كانت مخصصة في عمل تام
وكامل نحو تحقيق مجد الله والسعادة الأبدية لإخوته من البشر». (
Shaff, HCC, 107)

 

يقول
وليم إيلزي شاننج، «لا أعرف أي فضل دائم ومخلص إلا الكمال الأخلاقي الذي يشعّ من
يسوع المسيح». (
Mead, ERQ, 51) هذا كله هو النتيجة المدهشة التي يحكي عنها التاريخ عن الله-
الإنسان، يسوع المسيح.

 

2(ج)
شهادة بعض أشهر المتشككين

يقول
الباحث الفرنسي چان چاك روسو «عندما وصف أفلاطون رجله الخيالي الذي يتمتع بالبر
والعدل، والمحمَّل بكل عذابات الذنوب، لكنه يتمتع بأعظم الفضائل، هو يصف هنا يسوع
المسيح». (
Shaff, PC, 145)

 

والفيلسوف
الشهير والمعلم چون ستيوارت مل يتساءل «لكن من مِن تلاميذه أو من أهتدوا إلى
الإيمان قادر علي ابتكار تلك الأقوال التي تنسب إلى يسوع، أو يتخيل تلك الحياة
والشخصية التي كشفت عنها الأناجيل؟ الإجابة المتوقعة هو لا أحد. فيسوع الأناجيل هو
يسوع التاريخ». «يسوع هو أكثر الناس كمالاً ظهر على وجه الأرض» هذا ما نطق به رالف
والدو أمرسون. (
Mead, ERQ, 52)

 

أيضاً
يقول المؤرخ وليم ليكي «هو (يسوع).. لم يكن فقط المثال الكامل للفضيلة، لكنه كان
أقوى محفِّز على تطبيقها». (
Lecky,
HEMAC,8
)

 

ويكتب
ولبر سميث «وحتى دافيد شتراوس، أكثر خصوم الإنجيل عداوة ومرارة، والذي تسببَّت
كتاباته في تدمير الإيمان بالمسيح أكثر من كتابات أخرى في الأزمنة المعاصرة- حتى
شتراوس هذا وانتقاداته المسيئة وإنكاره لكل ما يختص بالمعجزات، اضطر أخيراً وفي
نهاية حياته على الاعتراف بأن يسوع يتمتع بالكمال الأخلاقي «هذا المسيح.. هو شخصية
تاريخية وليس أسطورية، هي شخص وليس رمزاً.. سيظل دائماً المثل الأعلى للأديان التي
تصل إلى أذهاننا، ولا توجد قداسة كاملة بدون وجوده في القلب».(
Smith, HYCH,11)

 

ولكي
نختتم بحثنا نتذكر قول برنارد رام «الكمال الذي بلا خطيئة هو ما نتوقعه من الله
المتجسد، وهذا ما نجده كله في يسوع المسيح. حيث تتوافق الفروض مع الواقع والحقيقة».

 

4(أ)
إذا أصبح الله إنساناً، نتوقع أن يظهر تواجده غير العادي في أعمال غير عادية- وهي
المعجزات

 

1(ب)
الشهادات الكتابية

قال
يسوع «اذهبا وأخبرا يوحنا بما رأيتما وسمعتما: إن العمي يبصرون والعرج يمشون
والبرص يطهرون والصمّ يسمعون والموتى يقومون والمساكين يبشرون» (لو 7: 22). لقد
أوضحت المعجزات التي صنَّفها يسوع قدرة متنوعة من قوته ومجده: قوة تتحكم في
الطبيعة، قوة فوق المرض، فوق الشياطين، قوة للخلق وقوة فوق الموت ذاته. ما فعله
حقق به النبوات وأشارت نحوه بأنه هو المسيح الذي تنبأت به الكتب المقدسة.

 

من
ضمن المعجزات ذات الطبيعة الخارقة التي قام بها (
Stott, BC, 500):

 

معجزات
الشفاء الجسدي


شفاء أبرص (مت 8: 2- 4، مر 1: 40- 45، لو 5: 12- 15)


شفاء مشلول (مت 9: 2- 8، مر 2: 3- 12، لو 5: 18- 26).


حماة بطرس (مت 8: 14- 17، مر 1: 29- 31).


ابن خادم الملك (يو 4: 46- 53).


شفاء مشلول بركة بيت حسدا (يو 5: 1- 9).


إنسان يده يابسة (مت 12: 9- 13، مر 3: 1- 6، لو 6: 6- 11).


شفاء أصمَّ أعقد (مر 7: 31- 37).


أعمى في بيت صيدا (مر 8: 22- 25، في أورشليم (يو 9)، بارتيماوس (مر 10: 46- 52).


عشرة بهم برص (لو 17: 11- 19).


أذن ملخس المقطوعة (لو 22: 47- 51).


نزف دم (مت 9: 20- 22، مر 5: 25- 34، لو 8: 43- 48).

 

معجزات
في مجال الطبيعة


الماء يتحول إلى خمر في عرس قانا الجليل (يو 2: 1- 11).


تهدئة الريح (مت 8: 23- 27، مر 4: 35- 41، لو 8: 22- 25).


صيد وفير من السمك (لو 5: 1- 11، يو 21: 6).


إشباع الجموع: إشباع 5000 (مت 14: 15- 21، مر 6: 34- 44، لو 9: 11- 17، يو 6: 1-
14)


إشباع
4000 (مت 15: 32- 39، مر 8: 1- 9).


السير فوق الماء (مت 14: 22- 23، مر 6: 45- 52، يو 6: 19).


نقود من جوف سمكة (مت 17: 24- 27).


شجرة تين تجف (مت 21: 18- 22، مر 11: 12- 14).

 

معجزات
إقامة الأموات


ابنة يايرس (مت 9: 18- 26، مر 5: 35- 43، لو 8: 41- 56)


ابن الأرملة (لو 7: 11- 15).


لعازر في بيت عنيا (يو 11: 1- 44).

 

2(ب)
تعليقات عن معجزاته

يقول
بول ليتل «باشر يسوع قوته المتحكمة في قوى الطبيعة والتي ليست في مقدور أحد سوى
الله الذي أوجد تلك القوى». (
Little,
KWYB, 51
)

 

يقول
أيضاً فيليب شاف إن معجزات المسيح كانت «بشكل مناقض تماماً لأعمال المشعوزين أو
الحكايات السخيفة التي وردت في الأناجيل الأبوكريفية. كان يصنع تلك المعجزات بلا
تفاخر، وبكل بساطة وسهولة التي تتوافق مع شخصيته».(
Schaff, HCC,105)

 

ويعلق
على ذلك جريفيث توماس مستكملاً الحديث «من الملاحظ أن إحدى الكلمات التي تكررت في
ذكر المعجزات بالأناجيل هي، «أعمال» (ايرجا) لقد كانت هذه الأعمال هي المعبِّر عن
حياته وعن كيانه».(
Thomos, CTC,50)

 

ويضيف
توماس قائلاً «يقودنا البحث بكل جلاء إلى أنه: إذا تواجد إنسان غير عادي، فهل معنى
هذا بالضرورة قيامه بأعمال تفوق الطبيعة؟ إن شكل هذه الأعمال التي تنسب إليه،
وكذلك فضائلها التي صاحبت حدوثها، بالمقارنة ستكون تافهة بالنسبة لرسالته، وتأكيده
على أولوية الروح كل هذه الأمور تبدو منسجمة ومتفقة مع أعمال وأداء تلك الشخصية الفذة
وهو يسوع المسيح». (
Thomas, CIC,
54
)

 

ويتفق
فيليب شاف على هذا التأكيد قائلاً: «كل المعجزات التي قام بها تدل بشكل طبيعي عن
شخصيته، وكان يصنعها بنفس السهولة التي نؤدي بها أعمالنا اليومية»،.. كانت معجزاته،
بلا استثناء، تنجز بأنقى الدوافع وتهدف أساساً لمجد الله ونفع الإنسان، هي معجزات
يظهر فيها الحب والرحمة، وهي مليئة بالإرشادات والمعاني وتتوافق مع شخصيته ومهمته».
(
Sahff, PC, 91)

 

ويذكر
ف. شاس الآتي:

 

السبب
والهدف لمعجزات السيد المسجلة في الأناجيل هي نفسها في كل معجزة. وإيضاح هذه
المعجزات تجدها منتشرة في كل الأناجيل. لكن عندما نقارن بعضها بالبعض، نكتشف فيها
جميعاً وحدة غير مقصودة. كلها جميعاً تغطي مساحة عمل السيد كمخلِّص، وهادفة إلى
تجديد كل عنصر من عناصر الإنسان المعقدة وتعيد له سلامه وأمنه الطبيعي. لم تعرض
هذه المعجزات في الأناجيل كهدف أوَّلي مخطط لإظهار كرامة وقوة يسوع، فإن هذا العمل
ليس أخلاقياً وربما يشير إلى بعد أسطوري لكن يسوع كان مختلفاً تماماً عن ذلك. (
Rice, IJG, 404)

 

يكتب
أ. جارفي «المعجزات متوافقة ومتجانسة تماماً مع شخصية وضمير يسوع، إنها لم تكن
أبداً تأكيدات خارجية لكن تكوين وبناء داخلي يكشف حب الآب السماوي، وكذلك رحمته
ولطفه الذي نكتشفه فيه هو، المحبوب ابن الله، والأخ العطوف المحب لجنس البشر». (
Rice, IJG, 51- 52).

ويختتم
توماس كلامه قائلاً،

 

«شخصية
يسوع هي المعجزة العظمى، إن الخط الحقيقي للفكر يناقش ويبحث عن المسيح في المعجزات،
وليس المعجزات في المسيح».(
Thomas,
CIC,49
)

 

والإسلام
أيضاً يعترف بقدرة المسيح الإعجازية، والقرآن يذكر شيئاً عنها (سورة المائدة،
الآية 110). وهو يتكلم عن المسيح الذي يفتح أعين العميان والمرضى بالبرص ويقيم
الموتى.

 

3(ب)
الشهادات اليهودية المبكرة

كتب
إثيلبرت شتوفر في كتابه «يسوع وقصته»: «نجد إشارات متعددة عن معجزات يسوع في الكتب
اليهودية الخاصة بالقانون والتاريخ. وحوالي عام 95م، تكلم الحاخام أليعازر بن
هيركانوس الذي من اللدة عن الفن السحري ليسوع. وحوالي نفس الفترة (95- 110م)
نتلامس مع الشعائر الطقسية التي تقول «لقد مارس يسوع السحر وقاد إسرائيل إلى
الضلال، وحوالي عام 110م نسمع عن مجادلة انتشرت بين اليهود الفلسطينيين عن تساؤل
مؤداه، هل مسموح لأحد أن يشفي المرضى باسم يسوع. والآن، فإن الشفاء المعجزي باسم
يسوع يعني أن يسوع ذاته قد استخدم هذا الأسلوب». (
Stauffer, JHS, 10)

 

وفي
نفس التاريخ تقريباً لدينا شهادة بخط الامبراطور الروماني الجاحد چوليان (361-
363م) الذي يعتبر من أقدم المعارضين للمسيحية، يقول: «يسوع.. الذي يحتفل به منذ
ثلثمائة عام، لم يفعل شيئاً مذكوراً في حياته يدعو لشهرته، إلا إذا ظن أحدهم أن
مجرد علاج العرج أو العمي أو إخراج الأرواح في قرى بيت صيدا وبيت عنيا هي أشياء
هامة». وهكذا يُنسب چوليان بكل سذاجة للسيد المسيح قدرته على عمل المعجزات.(
Schaff, PC, 133)

 

4(ب)
لإسكات النقد

يكتب
برنارد دام: «إذا كان في مقدرة المعجزات أن تحقق الإدراك الحسي فإنها تصبح حينذاك
مادة للشهادة، وإذا شهدت بذلك بكل دقة، فإن الشهادات المسجلة تكون في تلك الحالة
لها نفس حجية الأدلة ومماثلة للخبرات الحقيقة للأحداث الواقعة» (
Ramm, PCE, 140). وهذا يجعل من معجزات يسوع حقيقة مؤكدة، لأنها صُنعت جميعاً أمام
العامة من الناس، وبذلك أصبحت عرضة للفحص والتمييز بمعرفة أي فرد، بما فيهم
المتشككين أيضاً.

 

وكمثال،
دعنا نتأمل في السرد الكتابي لإقامة لعازر من الأموات، يلاحظ في ذلك برنارد رام
عندما قال «لو أن حادثة إقامة لعازر من الأموات كان قد شاهدها يوحنا بالفعل
وسجَّلها بكل أمانة وهي مازالت حديثة وواضحة في الذاكرة، لذا تبعاً لقوة هذه
الدليل، نقول إن ما كتبه يعتبر مساوياً لحالة تواجدنا معه ورؤيتنا للمعجزة وهي
تحدث». (
Ramm, PCE, 140- 41)

 

من
الواضح أن أعداء المسيح لم يعارضوا إقامة لعازر من الأموات، لكنهم حاولوا قتله
أمام كل من يؤمن به (يو 11: 48).. لذلك فإن معاصري يسوع، بمن فيهم أعدائه، نسبوا
إليه المقدرة على صنع المعجزات.

 

مع
ذلك، نسب إليه أعداؤه تلك المقدرة الإعجازية إلى عمل الشيطان، بينما فَهِم أصدقاؤه
بأن تلك القوة يستمدها من الله (مت 12: 24). وفي مجال الرد على التهمة الموجهة
إليه بأن قدرته على صنع المعجزات شيطانية الأصل، قال يسوع: «كل مملكة منقسمة على
ذاتها تخرب. وكل مدينة أو بيت منقسم على ذاته لا يثبت. فإن كان الشيطان يخرج
الشيطان فقد انقسم على ذاته. فكيف تثبت مملكته؟» (مت 12: 25 و26).

 

وعلى
أساس دليل الشهادات المتاحة، نرى أن معجزات الإنجيل لا يمكن أن نتغاضى عنها بحجة
أن المعجزات الوثنية تميزت بالمبالغة والخرافة. وحقيقة أن بعض المعجزات مزيفة لا
يعني أنها جميعاً ليست حقيقية.

 

ولا
يمكن لنا أن نرفض معجزات يسوع، وفي الوقت نفسه نتمسك ببعض المظاهر المسيحية. يوضح
س. لويس هذا الأمر قائلاً، «أعتقد أن كل أساسيات الديانة الهندوسية سوف تظل ثابتة
في مكانها حتى لو خصمنا منها معجزاتها، وهكذا بالنسبة لباقي الأديان، ما عدا
المسيحية لأنها عبارة عن قصة معجزة كبرى». (
Lewis, M, 83)

 

في
المسيحية، لا تعتبر المعجزات كشيء هامشي يمكن أن نستبعدها كأنها شيء لا أهمية له.
وكان برنارد رام محقاً عندما قال «يصدِّق تابعو الأديان الأخرى معجزات المسيح،
لأنهم يؤمنون بوجود الدين المسيحي. لكن في الديانة اليهودية، تعتبر المعجزات كجزء
من وسائل تحديد الدين الحقيقي. والتحديد له أهمية كبرى، فإسرائيل وُجدت في العهد
القديم بسلسلة من المعجزات، وأُعطيت لها الشريعة مصحوبة بأعاجيب مدهشة، وكثير من
الأنبياء عُرفوا بأنهم المتكلمون باسم الله لأنهم كانوا قادرين على صنع المعجزات.
ويسوع لم يأت ليعظ فقط ولكن ليصنع المعجزات، والتلاميذ كانوا يصنعون الأعاجيب من
حين لآخر، وكان دور المعجزات هو توثيق الدين في كل نقطة منه. (
Ramm, PCE, 142- 43)

 

ولذلك
كما لاحظ چون. أ. برودس يجب علينا «أن نتناول الأناجيل كما هي.. وإذا كان يسوع
الناصري لم يقم بصنع الأعمال الخارقة، فإننا نقول حينذاك إنه كان يتكلم باطلاً (
Broadus, JN, 72)، وإما أنه تكلم كما لم يتكلم أحد قبله وكانت شخصيته متكاملة ولا
يشوبها شائبة.. فمن ثم نجد أمامنا خيارين لا ثالث لهما إما أن يكون قد صنع
المعجزات وإما أن كل كلامه باطل».

 

ويوافق
على ذلك أ. جارفي قائلاً: «المسيح الذي هو ابن الله، والذي يسعى ليكون مخلِّصاً
للإنسان والذي لم يصنع أي معجزة، سوف يكون أقل وضوحاً وصدقاً من المسيح الذي ذكرته
الأناجيل». (
Garvie, HCA, 73)

 

يسوع
كان صانع للعجائب لأن قوة الله سكنت فيه كابن لله.

5(أ)
إذا أصبح الله إنساناً، نتوقع أن يحيا حياة الكمال المطلق

1(ب)
ماذا يقول أصدقاؤه

قال
سكوت: «في كل الأحوال، كان يسوع إنساناً، وأكثر من إنسان».

 

وكتب
أ. فيربيرن في كتابه «فلسفة الديانة المسيحية» «يسوع، في كلمة واحدة هو الألوهية
المتجسدة على هيئة إنسانية وتحت طائلة الزمن، والآن فإن هذا يعتبر تصوراً غير عادي،
وهذا التصور حدث بالوسائل الإعجازية التي تجسدت في التاريخ الشخصي، ولم يكن هناك
فكرة تعلو عن ذلك». (
Fairbairn,
PCR, 326
)

 

وقال
توماس: «كانت حياته مقدسة، كلمته حقيقية، كل كيانه وشخصيته تجسيد للحق. لم يتواجد
على وجه الأرض من يفوق يسوع الناصري أصالة وحقاً».

 

وقال
هيوثراس كما نقلها لنا فرانك بالارد: «لا توجد حياة نبيلة أخرى سجلها التاريخ
الإنساني كان لها من التأثيرات الطيبة، ولا أي شخصية أخرى تهتم بكل كيانها بما هو
عالي القيمة وراقي المعنى مثل يسوع».

 

يتساءل
چون يونج في كتابه «يسوع التاريخي» قائلاً «كيف حدث هذا؟ أن يتفرد عن كل الناس
بكماله الروحي؟ فإن ما صنعه الله من أجل تثبيت فكرة الألوهية والفضيلة على الأرض
في زمن واحد وفي حالة واحدة، كان يمكن لله بالتأكيد أن يفعله في وقت وزمان آخر إذا
كان يسوع إنساناً فقط. فإن الله قادر على وضع أمثلة بشرية أخرى متعددة وفي أزمنة
مختلفة تتميز بأنها مماثلة ليسوع تقوم بتصحيح مفاهيم البشر، وترشد الناس وتصحح
مسار العالم. لكنه لم يفعل هذا». (
Young,
CH, 243
)

 

وكتب
كارنجي سمبسون:

 

نحن
لا نضعه تحديداً في موقف مقارنة مع الآخرين، عندما نقرأ اسمه في قائمة تبدأ باسم
كونفشيوس وتنتهي باسم جوته، نشعر أنها إهانة لأنها أقل صدقاً وتنافى التصرف اللائق.
فيسوع ليس واحداً من مجموعة عظماء العالم. تكلم عن الإسكندر الأكبر أو شارل الكبير
أو نابليون العظيم كما تشاء.. لكن يسوع يختلف. إنه ليس العظيم، ولكنه الوحيد. هو
بكل بساطة يسوع، ولا أضيف على ذلك شيئاً.. هو بعيد عن مدى تحليلنا، هو مربك
للقوانين التي تشرح لنا طبيعة الإنسان، هو يجبر ناقدينا لأن ينطووا على أنفسهم، هو
يروِّع أرواحنا. هناك قول نطق به شارلز لامب.. «إذا حضر شكسبير إلى هذه الغرفة
فسوف نقوم جميعاً ونلتف حوله، لكن إذا ظهر يسوع في نفس الغرفة فإننا سوف نركع
جميعاً لنقبل أهداب ثوبه». (
Quoted
in Stott, BC, 36
)

 

يذكر
جريفيث توماس «يمثل لنا يسوع تدخلاً إلهياً لمصلحة الإنسان، وفي لحظة محددة من
تاريخ العالم. وفي هذه المعجزة الخالدة الخاصة بشخص المسيح نقف ونتأمل. هو يمتلك
كل العناصر الجيدة التي تميز الآخرين، وليس كثيراً علينا أن نقول إنه لا ينقصه أي
عنصر هام يرى الناس أنه ضروري في بناء الأخلاق الإنسانية الحميدة». (
Thomas, CIC, 11)

 

ويلاحظ
فيليب شاف «لم يضعف حماسه ليصبح مجرد عاطفة هوجاء، ولا ثباته واستقراره ليصبح
نوعاً من العناد، ولا أريحيته لتصبح ضعفاً وهواناً، ولا رقته تحوَّلت إلى مجرد
انسياق عاطفي، وكرامته لم تتحول أبداً لتصبح نوعاً من الكبرياء والادِّعاء، ومحبته
للآخرين لم تتحول إلى درجة من التعوَّد والتآلف، وإنكاره لذاته لم يصبح أبداً كآبة،
وضبط النفس إلى صراحة. لقد جمع في صفاته براءة الطفل مع قوة الرجل، مدمجاً حبه
الخالص لله مع جهد دؤوب لتحقيق مصلحة الإنسان، الحب الخالص للخاطيء مع قسوة لا
هوادة فيها موجهة نحو الخطية، كرامة مسيطرة مع التواضع الأخاذ، الشجاعة المقدامة
مع الحذر الحكيم، الحزم الجازم مع الرقة المحببة». (
Schaff, PC, 63)

 

يقول
الباحث اليهودي كلوزنر «كان يسوع يهودياً أكثر من اليهود وأكثر يهودية من هليل
نفسه». (
Klausner, YH, 1249)

 

كان
يسوع معروفاً على مستوى العالم بأنه علَّم أسمى المباديء وأكثرها نقاءً، لا
تضاهيها المباديء والمثل الأخلاقية التي وردت على ألسنة أعظم رجال العهد القديم
وتضعها جميعاً في الظلال. (
Schaff,
PC, 44
)

 

ويعلن
جوهان جوتفريد «يسوع المسيح في المفهوم الكامل السامي هو التحقيق المتكامل للنموذج
الإنساني».

 

ويقول
ج. روس بإسهاب:

 

هل
فكرت أبداً في المكانة العجيبة التي يحتلها يسوع بالنسبة للنماذج الإنسانية الخاصة
بالجنسين؟ لا يجرؤ أحد أن يدعو يسوع بأي أسلوب مشين، مع ذلك فإنه بالنسبة للصفات
يقف فوق الجميع، وإذا تيسر للفرد أن يستخدم تعبيراً مثل الوسطية بين الجنسين، فإن
إنسانيته الواعية هي عبارة عن تجمَّع صادق وأمين للنماذج العليا التي قد نكتشفها
في الجنسين. لم تجد أي امرأة أية صعوبة مقارنة بالرجال في التماس النموذج الأعلى
من حياته، ومهما اتَّصف رجل بصفات الشجاعة، العدل، الحكم وما قد يتواجد في الجنس
الأنثوي من حساسية، طهارة وبُعد نظر، فإننا نجدها جميعاً متجمعة في يسوع، لكن بدون
المعوقات التي قد تقف في سبيل تنمية الفضائل المتعارضة المتواجدة في شخص واحد. (
Ross, UJ, 23)

 

ويؤكد
ذلك و. جريج بقوله: «يتمتع يسوع بطبيعة موهوبة نادراً ما نقابل مثيلاً لها في
الكمال والطهارة، وتوافق مطلق للعناصر الذهنية والسلوكية التي تحمل في طياتها رؤية
واضحة والتي تتصاعد لتصل إلى مرحلة عليا من التنبؤ والمعرفة المستقبلية». (
Ballard, MU, 152)

 

قال
نابليون بونابرت: «إنني أعرف الرجال، لكن أقول لك إن يسوع المسيح ليس مجرد رجل.
ولا يوجد مجال للمقارنة بينه وبين أي رجل في العالم. لقد أنشأ الإسكندر وقيصر
وشارلمان وأنا أيضاً «الإمبراطوريات» لكن لمن ننسب عبقرياتنا؟ إنها ليست سوى القوة.
لكن يسوع المسيح أسس امبراطوريته بالحب، وفي هذه الساعة بالذات هناك ملايين من
البشر مستعدون للموت من أجله». (
Mead,
ERQ, 56
)

 

ويعترف
ثيودور باركر الوجودي المشهور بذلك فيقول «يجمع المسيح في ذاته أسمى المباديء
وأقدس الممارسات، وبذلك حقق كل أحلام الأنبياء والمفكرين، فهو يقف خالياً من أي
تميزات خاصة بالعمر، أو الوطن أو العشيرة، ويتفوق علينا بعقيدة جميلة كالنور ذاته،
سامية كأنما هي السماء، حقيقية كالله. لقد مرت ثمانية عشر قرناً منذ بزغت شمس
الإنسانية في يسوع. يا له من رجل، أي طائفة استطاعت أن تتمكن من أفكاره، وفهمت
طرقه وطبقتها تطبيقاً كاملاً في حياتها؟». (
Ballard, MU, 252)

 

إن
تأثير يسوع كان من القوة بحيث اضطر البشر أن يقفوا إما معه أو ضده. مع ذلك نرى
الكثيرين غير مهتمين بسلوك أي من الفريقين، إنه مسلك لا منطق فيه البتة.

 

«يشار
إلى المسيح في القرآن (آل عمران، آية 45) بأنه أعظم الكل في العالم الحالي والآتي
أيضاً».

 

وقد
تساءل بسكال: «من الذي علَّم الإنجيليين مزايا الروح البطولية الكاملة والتي
رسموها بكل دقة في يسوع المسيح؟». (
Wolff,
SMIJCU, 29
)

 

ويذكر
شاننج كما جاء بكتاب «معجزات عدم الإيمان» لفرانك بالارد الآتي: «لا أعرف ما الذي
يمكن إضافته لرفع درجة الإعجاب والاهتمام والحب التي يمكن أن ننسبها ليسوع». (
Ballad, MU, 252)

 

وكتب
برنارد رام «يسوع المسيح بصفته الله- الإنسان هو أعظم شخصية عاشت على الأرض، لذلك
فإن تأثيره الشخصي على الآخرين هو أكثر من تأثير أي شخص آخر في العالم». (
Ballard, MU, 173)

 

وربما
استطاع فيلبس بروكس أن يختصر كل تلك الأفكار بقوله: «يسوع المسيح هو تنازل
الألوهية، وتمجيد للإنسانية».

 

2(ب)
ماذا يقول المعارضون

يذكر
لنا المؤرخ فيليب شاف في مجال تعليقه على الأديب الألماني جوته: «ها هنا نجد
أمامنا عبقرياً فذاً، وشخصية مختلفة تماماً، لكنه لا يمكن أن يُتهم بالتحيز لأي
دين، هذا الرجل أخذ يستعرض في أواخر حياته المجال الواسع للتاريخ، وأُجبر أن يعترف
بقوله إذا تجلَّت القوة الإلهية في العالم، فإننا سنجدها مركَّزة في يسوع المسيح».
وأن «العقل الإنساني، مهما كان مجال تقدمه في أي فرع من فروع الحياة، لن يتجاوز
أبداً علو المثل والآداب المسيحية كما تشع وتبرق في الأناجيل». (
Schaff, HCC, 110)

 

«أنا
أقدِّر أن الأناجيل أصيلة تماماً، لأنه يبرق منها عظمة السمو التي تصدر من شخص
يسوع المسيح، وهو ذو طبيعة إلهية لم نتلامس مع مثيلها على الأرض». (
Ballard, MU, 251)

 

كتب
المؤرخ الشهير ه. ج. ويلز شهادة مؤثرة عن يسوع المسيح: «كان عظيماً في رأي تلاميذه،
وفيما يختص بما نطق به، ألا نندهش من ذلك الشعور الذي غشيَ الأغنياء والموسرين
وأصابهم بالذعر والخوف من أمور غريبة، إنهم يشاهدون أموالهم وهي تتأرجح أمام
أعينهم بسبب تعاليمه؟ ربما يكون الكهنة والحكام والأغنياء قد فهموه جيداً أكثر من
تابعيه، لقد كانت تتساقط منهم كل المميزات التي اختصوا بها أنفسهم، كان هو مماثل
لصياد الأخلاق يحاول ويجاهد في تخليص الإنسانية من الأقذار الغارقة فيها لتتعايش
مع النور الفائق لمملكته حيث لا اهتمام فيها بالملكية، الامتيازات، الرفعة والعظمة
والأسبقية والتصدُّر. في الحقيقة لن تجد فيها أي حافز أو مكافأة سوى الحب. أليس من
المدهش أن أصاب الناس العمى المؤقت وارتفع نحيبهم وهم يقفون ضده؟ أليس عجيباً أن
الكهنة أدركوا أنه لا مجال للاختيار بينهم وبين هذا الرجل، يجب أن يفنى إما هو أو
مهنتهم ككهنة؟ أليس عجيباً أن الجنود الرومان، وهم يواجهونه ويندهشون بذلك الذي
يحلِّق فوق قدرَّات تفكيرهم ويهدد كل نظمهم، فيضطروا أن يلجأوا إلى نوبات من الضحك
الهستيري، ثم يتوِّجونه بإكليل من الشوك ويلبسونه أرجواناً ويجعلون منه ملكاً بكل
سخرية قاتلة؟

 

لأنك
إذا تناولته بكل الجدية، فإنك في تلك الحالة تدخل عالماً غير مريح، فيه تهجر
عاداتك، وتضبط شهواتك ومشاعرك، ثم تختبر سعادة فائقة..

 

أليس
مدهشاً أنه حتى يومنا هذا، فإن هذا الجليلي كبير ولا تستطيع قلوبنا الصغيرة أن
تحيط به؟ (
wells, OH, 535- 36)

 

عندما
سئل ويلز عن الشخص الذي ترك أكبر انطباع في التاريخ، أجاب، إذا قارنَّا هذا الشخص
بالمعايير التاريخية، فإن يسوع المسيح حينذاك يأتي أولاً». (
Ramm, PCE, 163)

 

وقال
أرنست رينان «مهما كانت عجائب المستقبل، فإن يسوع لن يتفوق عليه أحد». (
Ross, UJ, 146)

 

يشير
توماس كارليل إلى يسوع قائلاً: «هو أعظم رمز إلهي، وهو أعلى من أي مقاييس بشرية
توصل إليها الإنسان. هو له شخصية دائمة الحضور وغير محدودة، ويتطلب التعرُّف على
أبعادها البحث الدائم والمستمر. (
Schaff,
PC, 139
)

 

ويتساءل
روسو « هل هذا الشخص الذي وردت قصته في الأناجيل هو بالفعل إنسان؟ يالها من حلاوة،
ما أعظم طهارة تصرفاته! كم هي عظيمة التأثير تعليماته! وما هذا السمو الذي يغلِّف
حكمته؟ يا لها من حكمة عميقة عندما نقرأ عظاته! يا له من حضور ذهني، وما هذه
العدالة الأصيلة التي نجدها في ردوده!، إذا كانت حياة وموت سقراط حدثت لفيلسوف،
فإن حياة وموت المسيح حدثت لإله». (
Ballard,
MU, 251
)

 

6(أ)
إذا أصبح الله إنساناً، فسوف تكون كلماته أعظم ما قيل

 

1(ب)
ما يذكره العهد الجديد

قال
يسوع عن كلماته «السماء والأرض تزولان، ولكن كلامي لا يزول» (لو 21: 33).

 

وكان
أمراً طبيعياً بالنسبة لجمهور المستمعين إليه أن «يندهشوا من تعاليمه» (لو 4: 32).
حتى القائد الروماني صرخ قائلاً «لم يتكلم إنسان هكذا».

 

2(ب)
أعظم الكلمات

كتب
شولم آش: «يسوع المسيح هو الشخصية العظيمة في كل زمان.. لا معلم آخر سواء كان
يهودياً، مسيحياً أو بوذياً أو غيره – مازال يعلِّم ومازالت تعاليمه هي المرشد
الأساسي للعالم كله الذي نعيش فيه. المعلمون الآخرون ربما لديهم ما يقولونه
لجمهورهم الشرقي أو الغربي، لكن كل عمل أو كلام صدر من يسوع كان له قيمة لنا
جميعاً. هو أصبح نور العالم كله. لماذا لا أشعر إذن، بالفخر بذلك؟». (
Mead, ERQ, 44)

 

كتب
ج. ج رومانيس:

 

عندما
نأخذ في اعتبارنا الأقوال الكثيرة التي نطق بها يسوع- أو نُسبت إليه- نجد أنفسنا
منجذبين أن لا نتجاهل أي واحدة منها. قارن بين كلمات يسوع المسيح وأقوال باقي
المفكرين القدامى، ستجد أنه حتى أفلاطون الذي عاش قبل المسيح بأربعمائة سنة، ربما
كان متميزاً جداً عنه من ناحية الأفكار الفلسفية، لكنه مع ذلك لا يقارن بالمسيح.
اقرأ «محاورات أفلاطون» ولاحظ مدى اختلافه مع الأناجيل من ناحية مقدار الأخطاء بكل
أنواعها، ومن ثم يجب أن نعترف بأن الأناجيل تحتوي على أعلى درجات المنطق البشري في
ارتباطه بالروحانية. (
Ross,UJ,157)

 

ويخبرنا
چوزيف باركر: «بعدما نقرأ عن أفكار ومعتقدات كل من أفلاطون وسقراط وأرسطو، نشعر
فوراً بمدى اختلافها بالمقارنة بأقوال المسيح، ونكتشف أن الفرق بينها كالفرق ما
بين التساؤل والكشف. «على مدى ألفين من السنوات، كان يسوع هو نور العالم، وأي من
كلماته لم يجرؤ الزمن على تجاهلها». (
Morris,
BHA, 28
)

 

وكتب
ف. هورت «كلمات يسوع كانت جميعاً جزءاً كاملاً من نفسه وكيانه، وإذا فكَّرت أن
تسحبه منها، فإنها تصبح جميعاً بلا معنى». (
Hort, WTL, 207)

 

«لكن
كلمات وأعمال يسوع متكاملة بشكل مدهش، ونحن نثق في هذه الأقوال ونحكم عليها بأنها
الحقيقة الصادرة منه لأنها تكشف عن شخصيته. وعندما يستخدم يسوع ضمير المتكلم (أنا)
«أما أنا فأقول لكم» فهو حينذاك يقف خلف كل كلمة ينطق بها بصدق وعناية شخصية. وإذا
كانت كلماته وأعماله ذات رسالة تبشيرية تدعو للخلاص، فهو تعمّد أن تكون كذلك،
وطالما أنه يتعمد ذلك إذن عليه أن يعبر عن نفسه بكلمات تدعو للخلاص». (
Gruenler, JPKG, 96)

 

«كلمات
يسوع لها قيمة دائمة بسبب شخصيته، إنها ستظل خالدة لأنه هو خالد». (
Thomas, CIC, 44)

 

ويقول
برنارد رام:

«من
الناحية الإحصائية، تعتبر الأناجيل من أعظم الأعمال الأدبية التي كتبت على مدى
الأجيال كلها، فقد قرأها أكبر عدد من الناس، واقتبس من أقوالها أكبر عدد من
المؤلفين، وتُرجمت إلى كل لسان، وتمَّ التعبير عنها بمختلف أنواع الفنون، وأُلِّفت
عنها أكبر عدد من القطع الموسيقية. هي تفوق أي كتب كتبها الإنسان في أي قرن أو بلد.
كلمات يسوع ليست عظيمة إذا قورنت إحصائياً بكلمات أي شخص آخر، لكن هي تُقرأ أكثر،
وتُستعار أكثر، وتُحب أكثر، وتُصدق أكثر، وتُترجم إلى لغات أكثر لأنها هي أعظم
الأقوال التي نطق بها أحد على الأرض. لكن أين نجد هذه العظمة؟ هذه العظمة تستقر في
الروحانية الصافية الواضحة التي تتفاعل بشكل محدد واثق بكل المشاكل التي تطرأ على
القلب البشري. وتحديداً من هو الله؟ هل يحبني؟ ما الذي أفعل لأرضيه؟ كيف ينظر
لخطاياي؟ وكيف يتم غفرانها؟ إلى أين سأذهب بعد موتي؟ كيف أعامل الآخرين؟ لا تتفوق
أي كلمات نطق بها البشر على كلمات يسوع، لأنه لم يتمكن أحد من قبل أن يجيب على تلك
الأسئلة الحيوية كما أجاب عنها يسوع. هي نوعية من الكلمات والأجوبة التي نتوقع
صدورها من الله، ونحن الذين نؤمن بألوهية يسوع ليس لدينا مشكلة في تفسير هذه
الكلمات التي خرجت من فمه. (
Ramm,
PCE, 170- 71
)

 

«لم
يحدث من قبل أن وقف متكلم وحيداً وهو ينطق بكلمات رائعة مثلما حدث مع يسوع، ولم
يكن في مقدور أحد أن يتوقع تحقيقها. لكن ونحن نستكشف ما حدث خلال القرون الماضية
ندرك كيف أنها تحققت بالفعل. لقد صيغت كلماته على هيئة قوانين، معتقدات، أمثال،
وتعزيات، ولم يسقط حرف واحد منها. هل يوجد أي معلم بشري ادَّعى يوماً أن لكلماته
كل هذه الدرجة من الاستمرارية والخلود؟». (
Maclean, GBS, 149)

 

خطوات
الحكمة البشرية سوف تظهر وتضمحل، والامبراطوريات سوف تقوم ثم تفنى، لكن وحتى نهاية
الأيام سيظل المسيح كما هو «الطريق والحق والحياة». (
Schaff, HCC, 111)

 

تعاليم
المسيح كاملة من كل النواحي، من الأفكار المنتظمة حتى ضبط الإرادة، وفي هذه النقطة
بالذات، أشار جريفيث توماس أن رسالة المسيح لن تختفي أبداً، وكل جيل سيدرك أنها
كلمات متجددة ومثيرة. (
Thomas,
CIC, 36
)

 

ويؤكد
ذلك مارك هوبكنز: «لم تقم ثورة من قبل وأثَّرت في المجتمع يمكن مقارنتها بالتأثير
الذي أحدثته كلمات يسوع». (
Mead,
ERQ, 53
)

 

ويتفق
في ذلك و. س. بيك عندما كتب:

 

يقال
أحياناً أن كل ما قاله يسوع نطق به آخرون من قبله. ودعنا نقبل بأن هذا صحيح، ماذا
إذن؟ إذا كانت الحقيقة قد تحددت، فإن الجدارة والاستحقاق تقع في مجال ترديدها، وأن
تستخدم تلك الحقيقة بطريقة جديدة متكاملة. لكن هناك اعتبارات أخرى يجب أن نلتفت
إليها: لم نجد من قبل أي معلم استطاع أن يستبعد تماماً التافه والمؤقت والمزيف في
الأنظمة التي بشَّر بها. ولا استطاع أحد أن يركِّز في أقواله عما هو خالد وعالمي
ويربطها جميعآً في تعاليم تظهر فيها تلك الحقائق كإنما قد وجدت مستقرها الصحيح
أخيراً. هذا يوضح الفرق بين التعاليم الأخرى التي جمعت من هنا وهناك وتعاليم
المسيح. لكن كيف أنه ولا واحد من هؤلاء استطاع أن يقارن تعاليمه بما نطق به
المسيح؟ ربما يعطينا هؤلاء بياناً بحقائق الحياة مماثلة لما جاء به يسوع، لكن
للأسف نجدها مختلطة بكل ما هو تافه وسخيف. كيف أمكن لهذا النجار الذي لم يحصل على
أي تدريب مسبق، وليس على علم بآداب وتعاليم اليونان، وولِدَ من جنس كان معلموه
يتّصفون بضيق الأفق والتعصب والجهل والتحذلق، بينما هو كان أكبر معلم للمباديء
السامية عرفه العالم؟ وهذا السمو جعل منه أهمّ شخصية عرفها تاريخ العالم؟ (
Peake, CNT, 226- 27)

 

ويختتم
جريفيث توماس قائلاً:

 

مع
أنه لم يتلق أي تدريب تعليمي من الربيين اليهود، لم يظهر عليه أي نوع من الخجل أو
الإحساس بالنقص، ولم يتردد أبداً في الإعلان عما وجده حقيقياً وبدون أن يفكر في
نفسه أو في جمهوره. هو تكلم بدون خوف في كل مناسبة سنحت له، هو لم يخش النتائج ولم
يهتم سوى بالنطق بالحق وتوصيل رسالة أبيه المكلَّف بها. كان قوة تعاليمه تصل إلى
شغاف القلوب بسهولة بالغة «فبهتوا من تعليمه لأن كلامه كان بسلطان» (لو 4: 32).
القوة الروحية لشخصيته الآسرة جسَّدت نفسها في كلماته وجعلت من مستمعيه مسحورين
تماماً. وبذلك لا نندهش عندما نقرأ عما أحدثه كلامه من تأثير بالغ «لم يتكلم قط
إنسان هكذا مثل هذا الإنسان» (يو 7: 46). كانت البساطة وكذلك العمق والمباشرة
والشمول والحق الذي يغلف كل تعاليمه التي ختمت في قلوب مستمعيه علامة مميزة،
وأظهرت قناعتهم بتواجدهم في حضرة معلِّم لم يظهر أحد قبله متفوقاً عليه لذلك فإن
التعاليم الواردة في الإنجيل والتأثيرات التي خلقها المعلم بنفسه في قلوب الناس
تجعلنا غير مندهشين عندما مرت سنوات تالية دعت رسول الأمم أن يستحضر هذه الأشياء
ويقول «متذكرين كلمات الرب يسوع» (أع 20: 35). نفس هذا التأثير حدث لكل الأجيال
منذ أيام المسيح وتلاميذه، وباعتبار كامل لشخصه كأساس المسيحية، وجب أن ينصبّ
الاهتمام الأعظم على تعاليمه.

 

7(أ)
إذا أصبح الله إنساناً، نتوقع أن يكون تأثيره شاملاً ودائماً

لكي
نكون متأكدين، نقول إن شخصية يسوع المسيح حفرت تأثيراً بالغاً في الإنسانية جمعاء.
وحتى بعد مرور ألفين من الأعوام، فإن تأثيره لم يخفت أبداً، وكل يوم هناك أشخاص
يتقابلون معه في خبرات ثورية.

 

والمؤرخ
العالم كينيث سكوت لا توريت قال: «كلما مرت القرون، تتجمع الأدلة الموثُّقة عن مدى
تأثير يسوع في التاريخ، فهو الأكثر تأثيراً في عالمنا هذا، ويبدو أن هذا التأثير
في تصاعد مستمر». (
Latourette,
AHR, 272
)

 

ويضيف
فيليب شاف قائلاً:

 

يسوع
الناصري هذا وهو بلا مال أو سلاح، هزم الملايين بالمقارنة بما فعله الإسكندر
الأكبر أو نابليون العظيم، هو بدون علوم نعرفها أو تعليم منهجي، وأضفى على البشرية
نور معرفة الإنسان والله أفضل من كل الفلاسفة والدارسين. وبدون فصاحة المدارس،
تحدث بكلمات كلها حياة لم ينطق بها أحد من قبل، وأحدث تأثيراً لم يبلغه أبداً عتاة
الخطباء والشعراء، وبدون أن يكتب سطراً واحداً، جعل ملايين الأقلام تتابع خطواته
في حركة دائبة، وحققت بحوراً من العظات، الخطب، والمناقشات، والمعلومات، والفنون،
وأناشيد الشكر والحمد أكثر مما حققه جيش من رجال العصر القديم والعصر الحديث. (
Schaff, PC, 33)

 

«ما
زال تأثير يسوع المسيح على البشرية اليوم قوياً مشابهاً في ذلك ما كان عليه الموقف
عندما عاش وسط الناس». (
Scott,
JMSH, 29
)

 

يقول
شاف «لم تستمر حياة يسوع التبشيرية سوى حوالي ثلاث سنوات. مع ذلك فإن تلك السنوات
ركَّزت أعمق المعاني في تاريخ الأديان. ولم تمر حياة عظيمة أبداً بمثل تلك الخفة،
والهدوء، والتواضع، والبعد الكامل عن دمدمة واضطراب العالم، وأيضاً لم تنته حياة
ولها كل تلك الشهرة العالمية والفائدة المستمرة الدائمة». (
Schaff, HCC, 103)

 

وكتب
توماس قائلاً: «عندما غادر يسوع هذا العالم، أخبر تلاميذه أنه بعد رحيله سيصنعون
أعمالاً مدهشة أكثر مما صنعها هو، وبمرور القرون على المسيحية ثبت أن أقواله كلها
صحيحة، فأعمال أعظم أُنجزت، وأن يسوع المسيح يحقق الآن أعمالاً عظيمة تفوق ما فعله
عندما كان معنا على الأرض، فهو يخلِّص أرواحاً، يغير نفوساً، يعدِّل أخلاقاً،
ويلهم الاهتمام بكل الإنسانية. هو يصنع دائماً الأفضل، الأحقّ، الأعلى في الحياة
الإنسانية وتقدُّمها.. لذلك نحن على يقين من دعوتنا إلى توجيه الاهتمام بتأثير
يسوع على مدى الأجيال، لأنه هو الأعظم، الأكثر مباشرة، المبرهن على أن المسيحية هي
المسيح. إنه من المستحيل علينا أن نعتبر هذه المسألة فقط كحدث تاريخي، لأنها تمس
الحياة في كل نواحيها إلى يومنا هذا». (
Thomas, CIC, 121)

 

المتشكك
وليم ليكي ذكر في كتابه «تاريخ القوة الأخلاقية الأوروبية منذ أغسطس حتى شارلمان»:

 

الأفلاطونيون
يحثون الناس أن يقلدوا الله، والرواقيون ينصحون بتتبع العقل والمنطق، والمسيحيون
إلى محبة المسيح. الرواقيون المحدثون كثيراً ما كانوا يربطون ما بين اشتياقهم
للكمال مع حياة حكيم مثالي، وهوذا ابيكتاتوس يحفِّز تلاميذه أن يستحضروا في
أذهانهم صورة شخصية متميزة ويتخيلوه دائماً بجوارهم، لكن أعظم ما توصَّل إلىه
الرواقيين هو نماذج للتقليد، لكن الإعجاب بها لم يلهمهم أبداً ولم يتعمق تأثيره في
نفوسهم. لكن هذا الأمر كان محجوزاً للمسيحية لكي تقدم للعالم الشخصية النموذجية
وبالرغم من التغيرات التي حدثت خلال عشرين قرناً مضت، فإن هذه الشخصية ألهمت قلوب
الناس بحبٍّ متقد، قادر على العمل والتفاعل في كل الأعمار، الأمم، الأمزجة والظروف.
هو ليس فقط نموذج للفضيلة لكنه أكبر محفِّز للسير قُدماً فيها، كان له تأثير مدهش
لدرجة أنه يمكن القول بكل الصدق إنه في خلال ثلاث سنوات من العمل الدؤوب فعلت
فعلها في تجديد وتلطيف الإنسانية أفضل من كل مقالات الفلاسفة مجتمعين، وكذلك نصائح
المثاليين. هو في الحقيقة منبع كل ما هو طاهر ونقى في الحياة المسيحية. ووسط كل
الشرور والأخطاء، ووسط الاضطهاد والتعصب الذي تواجهه الكنيسة، فإنها حفظت سالمة في
شخص ومثال منشئها الذي حقق لها مبدأً دائماً للتجدد والتطور». (
Lecky, HEMAC, 8)

 

ويصرِّح
جريفيث توماس: «هو الأكثر تأثيراً في العالم هذه الأيام، لذا فإنه يوجد، كما قيل،
إنجيل خاص قد كتب فعلاً- وهو أعمال يسوع المسيح في قلوب وحياة الناس والأمم. (
Thomas, CIC,117)

 

ويقول
نابليون:

 

«المسيح
هو وحده الذي نجح في رفع عقول وأفئدة الناس نحو غير المرئي من الأمور، متجاوزاً عن
عامل الوقت أو الزمن. وخلال فترة عشرين قرناً مضت، طالب يسوع بأكثر الأمور صعوبة
من الآخرين، طلبه يشبه ما يطالب به الفيلسوف من أصدقائه، أو الآب من أبنائه أو
العروس من عريسها، أو الرجل من أخيه، إنه يطالب بالقلب البشري، وهو ينوي أن يحتفظ
به كله لنفسه. هو يطالب به بدون أدنى شرط، وما أن يحدث هذا، فإن قواه وملكاته
ستلحق بامبراطورية المسيح. كل من يؤمن به بإخلاص يستشعر هذا الحب الغامر نحوه. هذه
الظاهرة لا يمكن حصرها، هي خارج حدود قوة الإنسان الفكرية وخارج حدود الوقت الذي
هو المدمر الأعظم الذي، لا يستطيع أن يقف حائلاً أمام قوته أو يضعف من مداه. (
Ballard, MU, 265)

 

نقتبس
مرة أخرى من أقوال نابليون: «طبيعة تواجد المسيح غامضة، لكن هذا الغموض يتفق مع
مطالب الإنسان – ارفض هذا التواجد فيصبح العالم في نظرك لغزاً محيراً، صدِّقه
فيصبح سهلاً عليك أن تتفهم تاريخ جنسنا البشري». (
Mead, ERQ, 56)

 

«لا
يستطيع الإنسان أن يدرك أنه منذ أيام المسيح، وبالرغم من كل التقدم الفكري، لم
يقدم لنا العالم أي نموذج مثالي آخر».(
Hunter, WWJ, 35)

 

يقول
ر. ج. جرونلر «عصب أي مجتمع هو في إعلان أن يسوع له مكانة واعتبار عالميين، وحيثما
وأينما تم المناداة به، يتقابل الناس مع تماسكه وإنسانيته ويصبحون بالفعل في حضرة
الله». (
Hort, WTL, 25)

 

«الأديان
الأخرى لديها معاييرها وطرقها المثالية التي تشرح بها القيم الإنسانية المختلفة،
لكن جميعها لم تصل إلى قامة المسيح، سواء في استجلاء الحقيقة أو الجاذبية الطاغية
أو القوة المدهشة. رسالة يسوع مذهلة بسبب تكيفها العالمي، وهي مقبولة للجميع
ومناسبة لكل الناس من البالغ إلى الطفل. إن تأثيرها يستغرق الزمن كله وليس فقط
الزمن الذي ظهرت فيه، السبب هو أنها تؤكد كثيراً على الاتجاهات الذهنية والأخلاقية
نحو الله والإنسان، وهذا ما يجذب إليها العالم كما لم يفعل دين آخر. المسيح يطلب
منا التوبة، الإيمان والحب. (
Thomas,
CIC, 35
)

 

ويضيف
توماس «أكثر ما هو عجيب ومدهش لعشرين قرناً مرت في التاريخ، هو قوة حياته وتأثيرها
البالغ على الكنيسة المسيحية». (
Thomas,
CIC, 104
)

 

توجد
أديان أخرى لها ملايين من التابعين، لكنه أمر حقيقي أيضاً أن وجود وتطور الكنيسة
شيء نادر في التاريخ. هناك حقيقة أخرى، هي أن المسيحية جذبت إليها أعظم المفكرين
في الجنس البشري، ولم يعيقها أبداً التقدم العلمي والمعرفة الإنسانية». (
Thomas, CIC, 103)

 

قال
أ. م. فيربيرن «أكثر الحقائق أهمية في تاريخ عقيدته هو حضوره الدائم ونشاطه الدائب.
هو كان نواة الحقيقة القادرة على التمدن والتطور. تحت كل أشكالها، وفي كل أزمانها،
ومن خلال كل تقسيماتها فإن المبدأ الواحد يتشابه في حقيقته ووحدته، وكلها جميعاً
تتجه نحو تقديم الحب والإجلال له». (
Fairbairn,
CMT, 380
)

 

وقال
چورچ بانكروفت «أرى اسم يسوع المسيح مكتوباً في قمة كل صفحة من صفحات التاريخ
الحديث». (
Mead, ERQ, 50).

 

وحتى
بعد مرور ألفين من الأعوام، اضطر دافيد شتراوس أن يعترف قائلاً: «يظل يسوع هو أعلى
النماذج الدينية على مدى تفكيرنا، ويتعذر الحصول على التقوي والورع بدون حضوره في
القلب». (
Schaff, PC, 142)

 

وعبَّر
عن ذلك وليم شاننج قائلاً: «المفكرون وأبطال التاريخ تتراجع ذكراهم في مخيلتنا
تدريجياً، والتاريخ يضع سجل أعمالهم في صفحات أقل ثم أقل، لكن الزمن ليس بقادر على
محو اسم وأعمال وكلمات يسوع المسيح».

(Mead, ERQ, 51)

 

ومن
أرنست رينان استخرجنا هاتين الاستعارتين، «يسوع هو أعظم عبقرية دينية عاشت على
الأرض، وجماله خالد وملكه لا نهاية له، وبكل المقاييس هو فريد من نوعه ولا شيء
يقارن به، والتاريخ ليس مفهوماً بدونه». «أن يدَّعى نجار جليلي أنه نور العالم وأن
يظل معروفاً بعد مرور قرون عديدة، فذلك لا يمكن تفسيره بدون ألوهيته». (
Mead, ERQ, 57)

 

وفي
مقال نشر بمجلة تايم كتب چورچ باتريك: «أعطى يسوع التاريخ بداية جديدة، كل البلاد
هي بلده، وفي كل مكان يظن الناس أن وجهه هو أجمل الوجوه -ويشبه وجه الله. وعيلد
مولده يحتفل به العالم كله، وفي يوم موته ينصب صليب في خط سماء كل مدينة».

 

وفي
مقال آخر بعنوان «المسيح غير المقارن» نقرأ:

منذ
أكثر من عشرين قرناً وُلد رجل بالمخالفة لكل قوانين الحياة، هذا الرجل عاش فقيراً
وتم تنشئته بشكل غامض، إنه لم يسافر لمسافات بعيدة، ومرة وحيدة تجاوز فيها حدود
وطنه حيث يعيش، وذلك أثناء فترة نفيه وهو طفل. كان لا يمتلك الثروة أو النفوذ،
وأقرباؤه لم يكونوا من ذوي الحيثية، ولم يتدرب أو ينتظم في مدرسة عامة. في طفولته
أدهش ملكاً، وفي صباه أذهل المعلمين، وفي رجولته سيطر على قوى الطبيعة ومشى فوق
الماء كأنما يمشي على الرصيف، وأمر البحر ليسكت فسكت، شفى الجموع بدون علاج، ولم
يطالب بدفع أجر نظير خدماته.

 

هو
لم يكتب أبداً أي كتاب، مع ذلك فإن كل مكتبات البلد لا يمكن أن تحتوي كل ما كُتب
عنه، هو لم يكتب في حياته أغنية، ومع ذلك أمد العالم بألحان لأغنيات تفوق ما كتبه
عدد كبير من المؤلفين. إنه لم ينشيء كلية، لكن كل المدارس إذا وضعت جنباً إلى جنب
لا تستطيع أن تفخر بأن بها عدداً يماثل من تخرج على يديه. إنه لم يقد جيشاً أبداً،
ولم يدرِّب جندياً، ولا أطلق ناراً، مع ذلك لم يتيسر لأي قائد أن يكون لديه عدد
مماثل من المتطوعين الذي يأتمرون بأمره، وجعل العاصين يلقون بأسلحتهم أرضاً،
ويستسلمون بدون طلقة رصاص واحدة.

 

وهو
لم يمارس العلاج النفسي أبداً، مع ذلك عالج رجال ونساء من كسيري القلوب أكثر مما
عالجه الأطباء في المكان القريب والبعيد، ومرة كل أسبوع تتوقف عجلة التجارة وتسرع
الجموع إلى أماكن العبادة ليقدموا له التبجيل والاحترام.

 

أسماء
رجال الدولة المتكبرين في العصر القديم من أهل اليونان وروما ظهروا ثم اختفوا،
وأسماء علماء وفلاسفة ولاهوتيين من أهل الماضي ظهروا أيضاً ثم اختفوا، لكن اسم هذا
الرجل مازال يلمع أكثر وأكثر. وبالرغم أن الزمن قد فارق بمقدار عشرين قرناً بين
جيل هذه الأيام وبين منظره وهو معلق على الصليب، مع ذلك فهو مازال حياً، وهيرودس
لم يقهره والقبر لم يستطع أن يمسك بتلابيبه، هو يقف فوق أعلى قمم المجد السماوي،
يعلن عنه الله وتعرفه الملائكة، ويعبده القديسون، وتخاف منه الشياطين، لأنه هو
مسيحنا الحي. إلهنا ومخلصنا». (كاتب مجهول)

 

هنا
نجد رجلاً وُلد في قرية مجهولة، وهو ابن لسيدة ريفية، ونما في قرية أخرى. عمل
كنجار حتى بلغ الثلاثين من العمر، ثم ولمدة ثلاث سنوات أصبح واعظاً متجولاً. لم
يمتلك أبداً منزلاً. لم يكتب أبداً كتاب. لم يحصل على وظيفة. لم تكن له عائلة. لم
يذهب أبداً لكلية. ولم تطأ قدماه أرض مدينة كبيرة. هو لم يسافر لمسافة مائتي ميل
بعيداً عن البلد التي وُلد فيها. هو لم يصنع إحدى الأمور التي تميز العظماء عادة.
هو لم يكن لديه أوراق اعتماد سوى نفسه.. وهو في شرخ الشباب انقلب عليه الرأي العام
الشعبي، وأصدقاؤه هجروه، وأحدهم أنكره، وتحوَّل إلى صفوف الأعداء. جاز محاكمة
ظالمة كلها سخرية منه وسُمرت يداه ورجليه بالمسامير على صليب بين لصين. وأثناء
موته ألقى منفذو الحكم قرعة على الشيء الوحيد والذي امتلكه -وهو الرداء. وعندما
مات أُنزل من على الصليب ووُضع في قبر مستعار منحه إياه صديق شفوق.

 

مرت
عشرون قرناً، أتت ثم اختفت. وهو الآن حجر الزاوية للجنس البشري كله وقائد منظومة
التطور.. إنني لا أبالغ إذا قلت إن كل الجيوش التي سارت على أقدامها، وكل الأساطيل
التي بنيت وكل البرلمانات التي شُيِّدت، وكل الملوك الذين انتصبوا على العروش لو
وضعوا جميعاً ما استطاعوا التأثير في حياة الإنسان كما فعلت تلك الحياة الوحيدة.
(كاتب مجهول)

 

8(أ)
إذا أصبح الله إنساناً، نتوقع أن يشبع الحاجات الروحية للإنسان

يقول
أوتو بروك في كتابه «خلف علم النفس» «يحتاج الإنسان أن يتلامس مع شيء أكثر من
نفسه».

 

والأديان
الرئيسية تشهد لاحتياجات الإنسانية، وأهرامات المكسيك ومعابد الهند تعتبر أمثلة
واضحة تعبر عن بحث الإنسان لتحقيق حاجاته الروحية.

 

وهذا
ما قاله مارك توين شارحاً به فراغ الإنسان:

 

«منذ
ولادة الإنسان وحتى موته، يسعى للحصول على شيء له أفضلية عظمى يضمن به سلامة عقله
ومشاعره وضميره- هو أن يحقق الراحة الروحية لنفسه.

 

وقال
المؤرخ فيشر: «هناك صرخة في الروح، لكن العالم لا يستجيب لها». ويصرخ توما
الأكويني قائلاً: «عطش الروح القلقة هو البحث عن السعادة، مع ذلك فإن هذا العطش لن
يطفئه سوى الله وحده».

 

وحتى
الآن هناك ألوف وملايين في هذه الأيام، كما في كل العصور، يشهدون لقوة وعظمة
المسيحية في التعامل مع خطاياهم وآثامهم. هذه الحقيقة تقف صامدة أمام الاختبار
وتحمل خلاصتها لكل من يريد أن يتعلم. (
Thomas, CIC, 119)

 

ويخبرنا
برنارد رام: «التجربة المسيحية فقط هي التي تستطيع أن تمد الإنسان بخبرة متكافئة
مع طبيعته كروح حر.. وأى شيء أقل من الله يترك روح الإنسان في حالة ظمأ، جوع، قلق،
إحباط ونقص. (
Ramm, PCE, 215)

 

ونقرأ
ما كتبه فيليب شاف، «وقف يسوع ضد التحزب لأي جماعة أو قبيلة، وضد الخزعبلات
المنتشرة عند معاصريه وفي وطنه، لقد خاطب القلب العاري للإنسان وتلامس مع ضميره».
(
Schaff, HCC, 104 -5)

 

«طوبى
للجياع والعطاش إلى البر لأنهم يشبعون» (مت 5: 6).

 

«إن
عطش أحد فليقبل إليَّ ويشرب»» (يو 7: 37).

 

«ولكن
من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد. بل الماء الذي أعطيه يصير
فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية». (يو 4: 14).

 

«سلاماً
أترك لكم، سلامي أعطيكم. ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا. لا تضطرب قلوبكم ولا
ترهب». (يو 14: 27).

 

«أنا
هو خبز الحياة. من يقبل إلى فلا يجوع ومن يؤمن بي فلا يعطش أبداً» (يو 6: 35).

 

«تعالوا
إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم» (مت 11: 28).

 

«أما
أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل» (يو 10: 10).

 

يقول
چورچ شفايتزر في كتابه: «عشرة علماء ينظرون للحياة»:

 

لقد
غيَّر الإنسان من عالمه بطريقة مدهشة، لكنه لم يستطع تغيير نفسه. ونظراً لأن
مشكلته هذه روحانية، وطالما أن الإنسان يميل بطبعه للشر (كما يؤكد التاريخ) لذا
فالطريقة الوحيدة التي يستطيع أن يتغير بها الإنسان هي عن طريق الله. وإذا خصَّص
الإنسان نفسه ليسوع المسيح، فعندئذ فقط بهذه الطريقة المعجزية يستقر الأمل لإنسان
العصر المهدد بالنشاط الذري، والكثافة الإعلامية والعالم المضطرب. (
Schweitzer, TSLL,n.p.)

 

يخبرنا
أ. ماتسون:

 

«مهما
كانت متاعبي كعالِم، رجل أعمال، مواطن، زوج وأب، فإنني دائماً ما أعود لمعملي
لأرفع قلبي نحو يسوع المسيح مستعرضاً قدرته على الحفظ والمساندة». (
Schweitzer, TSLL,n.p.)

 

يقول
طالب بجامعة بتسبرج: «مهما كانت مظاهر الفرح والسرور التي عايشتها حتى الآن، فإنها
لا تتساوى أبداً مع الابتهاج والسلام الذي يمنحه لي يسوع المسيح منذ أن دخل حياتي
ليقود ويحكم ويرشد». (
Ordonez,
IWBBNIS, n.p
.).

 

ومما
قاله ر.ل. مكستر، أستاذ علم الحيوان بجامعة هويتون:

 

«عندما
يطبق العالم مباديء علمه، فإنه يصدِّق ما يطِّبقه لأنه وجد الدليل على صدق التجربة.
أنا أصبحت مسيحياً لأنني وجدت في نفسي حاجة ملحة لا يمكن أن تتحقق إلا في يسوع
المسيح. كنت محتاجاً للغفران وقد منحه لي، احتجت للمصاحبة فصار هو صديقي، احتجت
للتشجيع فقدمه لي».(
Schweitzer,
TSLL,n.p
.)

 

قال
بول چونسون: «لقد شكَّل الله في داخلنا فراغ غريب- فراغ تشكَّل في صورة الله. ولن
يشغل هذا الفراغ سوى الله ذاته. تستطيع أن تشغل هذا الفراغ بالمال، البيوت، الثروة،
القوة، الشهرة أو أي شيء آخر تريده في هذا الفراغ. لكنها جميعاً لن تتوافق. ليس
سوى الله الذي يمكن أن يشغله، ويتوافق معه ويرضيه». (
Johnson, MP, n.p.)

 

ويقول
وولتر هيرون من جامعة أوهايو: «دائماً ما أشغل نفسي بمطالب فلسفية.. ومعرفة المسيح
هي الحياة ذاتها بالنسبة لي، لكن هي نوع جديد من الحياة، هي الحياة الوفيرة كما
وعد الله بها». (
Schweitzer, TSLL,
n.p
.)

 

ويخبرنا
فرانك أولنت رجل الإعلان: «ثم طلبت من يسوع المسيح أن يأتي لحياتي ويستقر فيها.
وللمرة الأولى في حياتي أشعر بارتياح كامل. وانتهت حياة الفراغ الكامل التي كنت
أعرفها، ولم أشعر بعدها بالوحدة أبداً. (
Allnutt, C, 22)

 

ويقول
ج.س. مارثين لاعب كرة البيسبول «لقد وجدت السعادة وتحقيق كل ما أصبو إليه في يسوع
المسيح». (
Martin, CC, n.p.)

 

9(أ)
إذا كان الله إنساناً، نتوقع منه أن يقهر أشرس أعداء الإنسان ومصدر خوفه الدائم-
وهو الموت

 

1(ب)
موته

لم
يضطر يسوع أن يسلِّم حياته، والدليل لذلك نجده في متى 26: 53 و54، كان لديه القوة
المتاحة لأن يفعل ما يريد. ويؤكد يوحنا 10: 18 ذلك: «ليس أحد يأخذها (حياتي) مني
بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضاً. هذه الوصية
قبلتها من أبي». هنا نرى أن يسوع مات باختياره بسبب خطايا الجنس البشري كله.

 

ويشهد
جريفيث توماس بأن موت يسوع المسيح لم يكن انتحاراً، ألم يقل: «أضعها أنا من ذاتي؟»،
لقد كان موته تطوعياً. نحن كبشر نعاني، لكنه هو ليس في حاجة لأن يعاني من أي شيء.
كلمة واحدة منه كانت كفيلة أن تنقذ حياته. وموته لم يكن صدفة، لسبب واضح هو أنه
كان متوقعاً، مذكوراً في الكتب المقدسة، ومستعداً له بطرق مختلفة. ومرة أخرى، نقول
إنه لم يكن موت مجرمين، لأنه لن يوجد شاهدين يتفقا على التهم الموجهة إليه. أعلن
بيلاطس بأنه لا يجد فيه علَّة للموت، وحتى هيرودس لم ينطق بأي كلمة ضده لذلك، فإنه
لم يكن موتاً عادياً. (
Thomas,
CIC, 61
)

 

هناك
حقيقة أخرى هامة خاصة بموته يحكي عنها و.روبنسون «لأنه لم يوجد رجل عادي في كل
تاريخ البشر كان لديه القدرة على فقدان حياته بإرادته الحرة كما فعل إلهنا يسوع
(لو 23: 46).. يستخدم كل من لوقا ويوحنا أفعال نحوية يمكن تفسيرها أن يسوع بشكل
معجزي أسلم الروح في يد الآب عندما سدَّد أجرة الخطية. كانت هناك معجزة تجري فوق
جبل الجلجثة يوم الجمعة، كما حدثت تلك المعجزة الأخرى في فجر يوم الأحد».

 

2(ب)
دفنه

«ولما
كان المساء جاء رجل غني من الرامة اسمه يوسف. وكان هو أيضاً تلميذاً ليسوع. فهذا
تقدم إلى بيلاطس وطلب جسد يسوع. فأمر بيلاطس حينئذ أن يعطى الجسد» (متى 27: 57 و58).

 

«وجاء
أيضاً نيقوديموس الذي أتى أولاً إلى يسوع ليلاً وهو حامل مزيج مر وعود نحو مئة
منا» (يوحنا 19: 39).

 

«فاشترى
كتاناً فأنزله وكفَّنه بالكتان ووضعه في قبر كان منحوتاً في صخرة ودحرج حجراً على
باب القبر. وكانت مريم المجدلية ومريم أم يوسى تنظران أين وُضع» (مرقس 15: 46 و47).

 

«فرجعن
وأعددن حنوطاً وأطياباً. وفي السبت استرحن حسب الوصية» (لوقا 23: 56).

 

«فمضوا
(أي حرَّاس الفريسيين) وضبطوا القبر بالحرَّاس وختموا الحجر» (متى 27: 66).

 

3(ب)
قيامته

كتب
ف. وستكوت «في الحقيقة، إذا أخذنا في اعتبارنا كل الأدلة المتجمعة فليس كثيراً
علينا القول إنه لا توجد حادثة تاريخية مؤيدة بعدة طرق مختلفة أكثر من قيامة
المسيح من الأموات.(
Westcott, GR,4-6)

 

ونقرأ
لما كتبه هنري موريس «حقيقة قيامته هي أهم حدث في التاريخ، ولذلك فإنه من المناسب
أن نقول: إن القيامة هي أكثر الحقائق تأكيداً في التاريخ». (
Morris, BHA, 46)

 

يسوع
لم يتنبأ فقط بموته، لكن أيضاً تنبأ بقيامته بالجسد. فهو الذي قال «انقضوا هذا
الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه» (يوحنا 2: 19). هنا يقصد بقوله الهيكل أنه جسده.

 

ومرة
أخرى يكتب موريس: «هو بمفرده، من دون العالم كله هزم الموت بنفسه. وبكل قواعد
تقديم الأدلة، فإن قيامته الجسدية من القبر يمكن أن نحكم عليها بأنها أفضل الحقائق
المؤكدة في كل التاريخ، لأنه هو الذي قال: «أنا هو القيامة والحياة»، وقال أيضاً: «إني
أنا حي فأنتم ستحيون» (يوحنا 11: 25، 14: 19).
Morris, BHA, 28))

 

قيامة
المسيح هي ختم قيامتنا. فشفاء يسوع للمرضى ليست رخصة لنا لنؤمن بأنه سوف يشفي كل
منا اليوم، وأيضاً فإن إقامة لعازر من الموت لا تضمن لنا الخلود. إنها قيامة
المسيح كأول الراقدين هي وحدها القادرة على فتح القبور، ويتوقع المؤمنون الحياة
الأبدية: «فالذي أقام المسيح من الأموات سيحيي أجسادكم المائتة أيضاً» (رو 8: 11).
(
Ramm, PCE, 185- 86)

 

بعد
قيامة يسوع، أمكن للتلاميذ أن يقيموا الموتى من خلال قوته (أع 9: 40 و41). وهكذا
نرى أنه هو أعطى الحياة للآخرين بعد موته.

 

والدليل
يوضح أن يسوع حي (عب 13: 8). وأنه «يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي
هكذا كما رأيتموه منطلقاً إلى السماء». (أع 1: 11).

 

«لكن
يسوع المسيح ابن الله الأبدي ومخلِّص العالم الموعود به، قد قهر الموت». (
Morris, BHA, 46)

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى