علم التاريخ

إنشقاق ميليتيوس أسقف ليكوبوليس (أسيوط) بصعيد مصر



إنشقاق ميليتيوس أسقف ليكوبوليس (أسيوط) بصعيد مصر

إنشقاق
ميليتيوس أسقف ليكوبوليس (أسيوط) بصعيد مصر

الأنقسام
الميلاتى الذى واجة كنيسة الأسكندرية

حدث
هذا الأنقسام الذى يطلق عليه المؤرخون الأنقسام الميلاتى (الذى قام به ميليتيوس
أسقف ليكوبوليس (أسيوط) بصعيد مصر) إلى فى عصر البابا بطرس خاتم الشهداء، فقد بدأ عصر
هذا البابا بإضطهادات عنيفة أثارها الأمبراطور الجاحد دقليديانوس وأحد مساعدية
مكسميانوس، فاشعل نار الأضطهاد فى الأمبراطورية ضد المسيحيين فقتل كثيرون وهرب
البعض إلى الصحارى والجبال، وقبض على بعض الأساقفة وأودعوا السجون، وهدم الكنائس.

 

لماذا
تمرد وأنشق ميليتيوس؟

كان
هناك رأيين مختلفين الأول أوعز السبب إلى ميليتيوس وتبخيرة للأوثان والثانى أوعز
السبب إلى خلاف حول قبول المرتدين.. وأيا كان السبب فالمفروض ألا يؤدى إلى انشقاق
وتمرد وعصيان:

 

السبب
الأول: رأى البابا أثناسيوس الرسولى

ويقول
العلامة القمص تادرس يعقوب ملطى (1): ” سر هذا ألنقسام لا يزال غامضاً،
فالمخطوطات المصرية ومؤرخوا الأقباط وبعض مؤرخى العرب أعتمدوا على القديس أثناسيوس
الذى كتب هذا الموضوع بعد خمسين عاماً (2)، معلنا أن ميليتيوس بخر للأوثان فى عصر
الأضطهاد إنقاذاً لحياته، وإذ أوقع عليه البابا تأديباً قاوم، وعقد البابا مجمعاً
من الأساقفة بالأسكندرية أدان فيه مليتيوس وجرده، ولكن الأسقف لم يلجأ إلى مجمع
آخر ولا حاول المثول أمام نفس الأساقفة ليبرر موقفه، بل خلق أنشقاقاً ووضع على
عاتقه لآ أن يسيم كهنة فحسب بل أساقفة أيضاً ”

 

ودافع
أتباع ميليتيوس عن أسقفهم وقالوا: أن تصرفاته هذه كانت ضرورة حتمية بسبب هروب
البابا بطرس من موقعه أثناء الأضطهاد وسجن الكثير من ألأساقفة الوجه البحرى (3)

 

السبب
الثانى: رأى القديس أبيفيانيوس

ولكن
فيما يبدوا أن الخلاف بينهما عن قبول الأخوة المرتدين وأعتمد غالبية المؤرخين على
ما ورد عن هذا الموضوع فى كتابات القديس أبيفيانيوس (4) فأجمعوا على أنه خلال عام
304 سجن عدد من الأساقفة الأقباط المصريين من بينهم البابا ومليتيوس إلى حين، وقد
وقع الخلاف بينهما فى قبول الأخوة المرتدين فقد أتخذ مليتيوس موقفاً عنيفاً ضدهم
بينما كان البابا بطرس يقدر الضعف البشرى ويريد أن يكسبهم للأبدية، فأصر ميليتيوس
على طردهم من الكنيسة بغير رجعة ناظراً إليهم مثل جنود خونة فى مواجهة العدو (5)
ووصل الخلاف إلى درجة كبيرة بينهما وعندما شعر البابا أنه لا فائدة من النقاش مع
ميليتيوس الذى أصر على موقفه من الأخوة المرتدين وكانا الأثنين فى سجن واحد قيل
أنه وضع ” ستارة ” بينهما فى وسط الحجرة داخل السجن، مفضلاً أن يخسر
علاقته بالأسقف ولا يخسر خلاص الألوف من المرتدين إلى البد، ولكن حدث أنه من ضيق
الساقفة =داخل السجن إنضم غالبية الأساقفة والرهبان إلى جانب ملتيوس فى السجن إلى
حين،امتنع الفريقين عن الحديث (7)

 

ولم
ينتهى فكر ميليتيوس أسقف ليكوبوليس (أسيوط) إلى حد عدم قبول المرتدين ولكنه تمرد
على رئاسة البابا بطرس فأخذ يرسم كهنة فى إيبريشيات غيره من الأساقفة بل ورسم
أساقفة أيضاً عام 305 م، لكن كان هناك من الرهبان والأساقفة يؤيدون فكر البابا
بطرس خاتم الشهداء وحزنوا وهم فى السجن فأرسل أربعة أساقفة مسجونين الرسالة
التالية قبل أستشهادهم: ”

 

من
هيتيخوس وباخوميوس وثيؤدوسيوس وفيلاس إلى ميليتيوس وشريكنا الخادم فى الرب..
التحيتة

 

فى
بساطة الذهن نخبركم أنه نمى إلى علمنا عنك إشاعات لا تصدق، فقد أخبرنا زائرون عن
بعض المحاولات، لا بل والأعمال، تصدر عنك، غريبة عن النظام الإلهى والكنسى، هذه
التى لم نكن نود تصديقها من أجل ما فيها من تهور شديد وطياشة فقد شهد كثير من
زوارنا الحاليين بصدق ما سمعناة، ولم يترددوا عن تأكيد صحة هذه الوقائع فدهشنا جداً
وإلتزمنا أن نكتب إليك.

 

أننا
لا نستطيع أن نعبر عن مدى الضيق والحزن اللذين حلا بنا كجماعة وكأفراد عند سماعنا
بالسيامات التى قمت بها فى أيبارشيات ليست تحت سلطانك.

 

على
أى الأحوال، إننا لم نتأخر عن توجيه هذا اللوم إليك فى إختصار، فإنه يوجد قانون
الآباء والأجداد، الذى لا تجهلة، مؤسساً على أساس إلهى وكنسى هؤلاء إذ أرادوا أن
يرضوا الله بغيرة نحو الأعمال الحسنة وضعوا أنه لا يجوز للأسقف أن يقوم بالسيامة
فى غير ايبروشيته، وأستقروا على هذا.. هذا القانون الذى تسلمناه له حكمته وأهميته
القصوى.

 

1
– لكى يكون سلوك المتقدمين للسيامة وحياتهم بحق ممحصة بعناية فائقة.

2
– منعاً من أى أرتباك أو أضطراب، فكل منا لديه من الأعمال فى تدبير إيبارشية ما
يكفيه، عليه أن بسعى بإجتهاد باحثاً بعناية فائقة وأهتماتم شديد ليجد خداماً
مناسبين من بين اللذين عاش وسطهم كل حياته، وتدربوا على يديه.

 

أما
أنت فلم تعط أعتباراً لهذه الأمور، ولا تطلعت إلى مستقبل، ولا إلى شريعة
آباالطوباويين التى تسلموها عن السيد المسيح بالتتابع، ولا إلى كرامة أسقفنا
العظيم وأبينا بطرس الذى فيه جميعاً نضع الرجاء الذى لنا فى الرب يسوع المسيح، ولا
ترفقت بنا من أجل حبسنا فى السجن وما حل بنا من ضغوط وضيقات تاركين كل شئ دفعة
واحدة.

 

ومما
نقول: ما صنعته إنما لكى أحافظ على كثيرين بعد أن أرتد الكثير عن الإيمان، وصارت
القطعان فى عوز (الخدام) وهى متروكة بغير راعى.

 

وبالتأكيد
الأمر ليس كذلك، وهم ليسوا فى عوز شديد:

1-
فإن كثيرون من (الرعاة) يفتقدونهم كزائرين (للأيبارشية)

2
– وإن وجد شئ من الإهمال نحوهم فكان يليق أستخدام الطريق السليم بالأهتمام بواجبنا
نحوهم، إنهم يعرفون أنهم ليسوا فى حاجة إلى خدام، وهم لم يطلبوا ذلك، لقد عرفوا
أننا نقوم بعملنا الذى يتجسم فى تقديم الإرشاد لهم، بهذا تكون الحجة مرفوضة، إذ
يبدو كل شئ فى وضعه المناسب، وتعتبر كل الأمور تسير بأمانة حسنة.

 

لقد
صنعت بمبالغة لخداعات البعض وكلماتهم الباطلة، وصنعت تعديات متمما السيامات خلية،
فلو أن الذين معك قد ألزموك بحق، وفى جهلهم أساؤا للنظام الكنسى، فمن واجبك أنت أن
تسلك حسب النظام وتكتب غلينا فيكون تصرفك لا ئقاً.

 

إن
كان البعض قد حرضك لكى تصدقهم أكثر منا (الأمر الذى لا نجهلة إذ كثيرون يقدمون
لزيارتنا ويخرجون) فإننا نقول لك كان يجب عليك أن تستشير الأب الأول (البابا بطرس
خاتم الشهداء) وتأخذ منه تصريحاً.

 

إن
عدم مبالاتك بهذا كله، تاركاً العنان لنفسك فى تكهنات كثيرة، متجاهلاً كل أعتبار
لنا، فتقيم قادة للشعب، حتى خلقت، كما علمنا، أنقسامات بتصرفاتك التى لا مبرر لها،
ممارسات حتى السيامات، هذا كله أحزن الكثيرين، فإنك لم تقتنع أن تؤجل مثل هذه
التصرفات أو توقف تصميمك للحال عند سماعك لكلمات الرسول بولس النبى المطوب جداً،
اللابس المسيح، ورسولنا جميعاً، إذ يكتب لأبنه تيموثاوس المحبوب لديه للغاية..
قائلاً: لا تضع يدك على احد بالعجلة، ولا تشترك فى خطايا الاخرين ” (1 تى 5: 22)
وهكذا يظهر قلقه عليه، معطياً لنفسه مثالاً، وموضحاً له القانون الذى يلتزم به عند
إختيار المرشحين للسيامة بكل حرص ودقة، تحدث معه هكذا متطلعاً إلى المستقبل البعيد،
ونحن نكتب لك ذلك لكى نتأمل أن تلتزم بحدود القانون المملوء أماناً وسلاماً (8)

 

وتسلم
مليتيوس رسالة ألاباء الأساقفة المسجونين لكنه لم يعتم بهم ولم يذهب إليهم فى
السجن للأجتماع بهم ولم يلتقى بالطوباوى أب الاباء بطرس بل دخل إلى الأسكندرية (9)،
وهناك أكتشف آريوس وأسيذورس مطامعة وحبه فى الرئاسة وطمعه فى الستيلاء على كنيسة
السكندرية فاسرعا إليه فقام برسم كاهنين أحدهما فى السجن والآخر فى المناجم (10)
وظن أنه يقوم بالعمل الأسقفى فى غياب أسقفها الشرعى ورسم اساقفة على أيبراشيات
خالية أو هرب اساقفتها أثناء الأضطهاد.

 

وسمع
البابا بطرس خاتم الشهداء بهذه الأعمال فكتب رسالة إلى الشعب القبطى السكندرى فيها:

 


من بطرس إلى أخوته المحبوبين، المتأسسين فى اليمان بالله.. تحية.

 

لقد
وجدت تصرفات مليتيوس ليست للمصلحة العامة بالمرة، إذ لم يقتنع بالأساقفة القديسين
والشهداء، بل أقتحم إيبوشيتى مظهراً بذلك أنه يسحب الكهنة والموكلين بخدمة الفقراء
عن طوعى، مؤكداً رغبته فى الرآسة، بسيامته كهنة فى السجن يكونون تابعين له.

 

إحذروا
منه يا أولادى، ولا تكن لكم معه شركة إلى أن ألتقى به فى صحبة بعض الحكماء المتنين
ونرى ما يصبوا إليه، وداعاً (11)

 

ورجع
البابا الأنبا بطرس إلى الإسكندرية وقاوم ملتيوس، وحدث أنشقاقاً واسعا وأنقساماً ظل
مدة حتى أيام البابا الأنبا أثناسيوس.

 

ورأفة
بالتائبين الذين ارتدوا عن الإيمان لضعفهم أنتهز البابا بطرس فترة الهدوء التى
لحقت إعتزال دقليديانوس الحكم، فأصدر البابا بطرس خاتم الشهداء فى عيد القيامة 306
م أربعة عشر قانوناً تعالج قضية الجاحدين التائبين الراجعين إلى الإيمان المسيحى
وقد سميت هذه الرسالة الدورية ب ” الرسالة القانونية ” وقد حملت فى
كتباتها رفقاً بالساقطين (12)

 

وتم
تجريد كلتيوس فى مجمع محلى عقد بمدينة الأسكندرية، وحكم عليه المجمع بالتجريد من
رتبة الأسقفية، إلا أنه أهمل قرارات المجمع المحلى وأستمر فى رسامة كهنة وأساقفة
(13) وقد وجد له تأييداً واسعاً من المعترفين العاملين فى المناجم (14) (وهم الذين
لم ينكروا ألإيمان ولم يبخروا للأوثان وحكم عليهم بالعمل فى المناجم أشتهروا بأسم
المعترفين.

 

وذكر
البابا أثناسيوس أن عدد الأساقفة الذين تبعوه ورسمهم وصل عددهم 28 أسقفاً (15)

 

وفى
وسط هذا الأنقسام جهز الشيطان الزوان (أى النبات الغريب والفكر المخالف) زرعه فى
أرض مصر ونمت وترعرعت مع نبات الحقل حتى موعد الحصاد وأنضمت هذه الفئة مع
الأريوسيين فى مضايقة الكنيسة الوطنية القبطية التى اساس تبشيرها مار مرقس الرسول،
وأتباع ملتيوس لم يكن لهم فكر ولكنهم كانوا يطلبون السلطة والرئاسة الكنسية لهذا
قال المؤرخون: ” ما كان لأتباع ملتيوس أهمية تذكر سوى تأثيرهم كأساس أرتكزن
عليه الريوسية فى مراحلها الأولى، وكموضع إقلاق لأثناسيوس ” (16) وكان مما
فعلوه أنهم وقفوا مع الأريوسيين ولفقوا للبابا أثناسيوس عدة اتهامات علم 331 م
بقصد تشويه سمعته.

 

نهاية
الأنقسام

ولما
عرضت قضية الأنشقاق الميلاتى فى مجمع نيقية المسكونى 325 م أصدر المجمع رسالة
وجهها إلى أساقفة مصر وليبيا وبنتابوليس (الخمس مدن الغربية).. فقد تساهل المجمع
مع ملتيوس وقبلوه اسقفاً شرعياً بحيث لا يخرج من أيبارشيته على ألا يسيم كهنة أو
اساقفة فيما بعد (17)، اما الكهنة الذين سامهم فيعاد تثبيتهم من جديد ويعملوا تحت
حكم وسلطان بابا السكندرية، وفى حالى أحتياج أسقفية ما إلى أسقف، تعاد سيامة أحد
الأساقفة الذين سامهم ملتيوس، وكان من قرارات المجمع ألا يسام فى المستقبل أى أسقف
بغير حضور ثلاثة اساقفة وأشتراكهم فى السيامة (18)

 

=

المراجع

(1)
الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – كنيسة علم ولاهوت – طبعة تحضيرية 1986 م – القمص
تادرس يعقوب ملطى ص 58 -63

(2)
Mar SawiriuusYacoubThomas<
Metropelit of Beirut, Damascus and its conection for the Syrian Orthoodos: The
History of Syrian Antiochene Church, vol 2 p90- 3

مار
ساويرس يعقوب توما متروبوليت بيروت ودمشق وتوابعها للسريان الأرثوذكس، تاريخ
الكنيسة السريانية الأنطاكية ج2، ص 90 – 93

(3)
Gregorius Boulos Behman: Pope
Discorius of alexandria, Defender of the faith (444-454), Cair1968, p76-119 (in
areabic

 غرغوريوس
بولس بهنام مطران بغداد والبصرة، البابا ديسقوروس الأسكندرى، حامى الإيمان، 444 –
454 م القاهرة 1968 م ص 76 -119

(4)-Acta Conciliorum Oecumenicorum (A C O), Walter
de Gruyter & co, 1993, 11, i, p 91
.

(5)-G.B Behnam, Pg79

(6)-
A C O, 11, i, p35 V.C. Samuel: The
council of Chalcedon Re-examined, Indian Theological Library No.8, Madras,
1977, P15 n.36

(7)-
N&P.N Fathers, S.2 Vol 3, p 5

(8)-Eranistes means one who makes a garment from
discord rags, or it means a beggar

(9)-Rowan A. Greer Theodore of Mopsuestia,1961,
P935-36

(10)-
See Chapeters 1, 2[The Theogology
of St Athanasius and the theology of St Cyril.] 1

(11)-،G.B Beham P 81.

(12)-
V.C Samuel p16

(13)-
Ibid 16;Trever Gervasse Jalland’
The life and times of St leo the Great, S.P.C.K, 1941, p 215

(14)
John Murray; The Early History
Of the Church
،
1924 Vol 111, P16

(15)ACO 11, i, P100-101 paras. 225-230; Mansi V1,
652

(16)-G.B Behnam, P82-87

(17)ACO 11, i, P124; Samuel, P17, n 46

(18)Eduards Schwarts: Der Prozess Des Eutyches,
1929, P15

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى