علم الكتاب المقدس

13- علم الآثار ونقد الكتاب المقدس



13- علم الآثار ونقد الكتاب المقدس

13- علم الآثار ونقد الكتاب المقدس

المساهمات الأساسية في نقد الكتاب المقدس علم الآثار يعظم من شأن
الدراسة العلمية للنص

علم الآثار يعمل كمرجع في مجال الدراسات النقدية

علم الآثار يساعد في تفسير وشرح العديد من النصوص الكتابية

مدى مصداقية تاريخ العهد القديم

تأكيد علم الآثار للعهد القديم

علم الآثار يساعد في استكمال مناطق لم يتعامل معها الكتاب المقدس

علم الآثار يدعم ما سجله العهد القديم

الخلق – أثار إبلا

طوفان نوح

برج بابل

الآباء الأولون

سدوم وعمورة

تاريخ الخروج من مصر

شاول، وداود، وسليمان

الغزو الأشوري

السبي البابلي

أمثلة في العهد القديم يؤكدها علم الآثار

البرهان الأثري على أن موسى هو كاتب التوراة

قدم التوراة – أدلة داخلية

أدلة أثرية أخرى على قيام موسى بكتابة التوراة

 

قبلما
نبحث في المواقف السلبية لنقاد الكتاب المقدس، سيكون من المفيد أن نعلم ما الذي
ساهم به ذلك العلم حديث النشأة وهو علم الآثار في مجال نقد الكتاب. كما أن مواقف
بعض من النقَّاد يمكن أن تنهدم وتصير بلا قيمة منذ البداية، بسبب بعض الاكتشافات
الأثرية التي اسهمت في دحض نظرياتهم.

 

1(أ)
المساهمات الأساسية في نقد الكتاب المقدس

فيما
يلي بعض من مساهمات علم البحوث الأثرية في مجال نقد الكتاب المقدس.

 

1(ب)
علم الآثار يعظم من شأن الدراسة العلمية للنص

أسهمت
الاكتشافات الأثرية في تحليل النصوص المقدسة، وفهْم الكلمات ذات الصيغة الفنية
وتطوير قواميس أكثر اعتمادية.

 

2(ب)
علم الآثار يعمل كمرجع في مجال الدراسات النقدية (الراديكالية والمحافظة)

يناقش
ه. اولنسكي في كتابه «إسرائيل القديمة» الاتجاهات الحديثة التي نشأت وتطورت في
مجال النتائج السلبية لنقد الراديكاليين:

 

وجهات
النظر القديمة التي كانت تدَّعي أن قصص الكتاب المقدس مشكوك فيها وربما تكون أيضاً
مزيفة، إلا إذا تعززت بحقائق من خارج الكتاب المقدس، يحل محلها الآن آراء أخرى
تقول بأن السرد الكتابي أكثر احتمالاً أن يكون صادقاً عن أن يكون مزيفاً، إلا إذا
ظهرت أدلة أخرى قاطعة من مصادر خارج الكتاب المقدس تؤكد العكس.(
Orlinsky, AI,6)

 

ويؤكد
العالم اليهودي المصلح نيلسون جلويك «الأمر يستحق أن نؤكد أن أي كشف أثري لم يناقض
أبداً جملة واحدة مفهومة من جمل الكتاب المقدس».(
Glueck, as cited in montgomery,CFTM,6)

 

ويضيف
ل. جرولنبرج بأن الاكتشافات الأثرية تنير الخلفية لعدد كبير من الفقرات الكتابية،
«آراء (نقاد مدرسة النقد الوثائقي القدامى) اذدهرت بسبب تطبيق متسرع للنموذج
التطوري وتأسست على نقد الكتاب بشكل متعجل. وشكراً لجهود رجال الآثار التي مكَّنت
العلماء في العصر الحديث أن يكونوا على صلة لصيقة بالعالم الواقعي حيث تم انشاء
إسرائيل القديمة. وهذه الأيام.. كثير من الدارسين يشعرون بثقة متجددة للسرد البارع
الموجود في الأصحاحات 12-50 من سفر التكوين.. وبدأ الاعتقاد يسود أن قصص الآباء
الأولين لابد أن تكون مبنية على وقائع تاريخية.(
Grollenberg, AB,35)

 

رايموند
بومان الاستاذ بجامعة شيكاغو يلاحظ أن علم الآثار يساعد في تحقيق توازن ما بين
الكتاب المقدس وافتراضات النقَّاد: «أدى تأكيد الروايات الكتابية في معظم نقاطها
إلى تحقيق احترام أعظم للتقليد الكتابي وإلى مفهوم محافظ أكثر لتاريخ الكتاب
المقدس».

 

يتكلم
أ. أولمستيد في كتابه «التاريخ، العالم القديم والكتاب المقدس» عن ما كشفته
الفرضية الوثائقية: بينما يسعى نقاد الكتاب المقدس إلى نسج تشريحهم المتزايد
الدقيق، ويتجهون بأكثر سرعة لاتخاذ مواقف «اللاأدريين» تجاه الحقائق المسجلة، هذا
الاتجاه تحدَّته بشكل حاد تلك الاكتشافات الأثرية التي حدثت في الشرق الأدنى.(
Olmstead, HAWB,13)

 

ويكتب
البرايت في كتابه «علم الآثار يواجه النقد الكتابي» أن علم الآثار والمخطوطات عمل
على تأكيد تاريخية كثير من الفقرات والنصوص في أسفار العهد القديم.(
Albright, ACBC,181)

 

علم
الآثار لا يبرهن على أن الكتاب المقدس هو كلمة الله، كل ما يفعله هو أن يؤكد
تاريخية وموثوقية الروايات. ويمكن له أن يبين أن حدثاً معيناً يتناسب مع الزمن
الذي يحتويه. ويكتب ج. رايت أنه من المحتمل إننا لن نستطيع أبداً أن نبرهن على
وجود إبراهيم على الأرض.. لكن ما نستطيع أن نبرهن عليه هو أن حياته وزمنه، كما
تكشف عنها الروايات، تتناسب مع الظروف التي كانت سائدة في فترة الألفية الثانية
قبل الميلاد، ولكنها ليست بالتأكيد متوافقة مع أزمان موغلة في القدم.(
Wright,BA,40)

 

ويدرك
ميلر باروز قيمة البحوث الأثرية لإبراز موثوقية الكتب المقدسة ويقول: «الكتاب
المقدس يدعمه البحوث الأثرية المرة تلو الأخرى. بوجه عام، لاشك أن النتائج
الاستكشافية قد زادت من احترام مجموعة من التسجيلات التاريخية. وحقيقة أن الوثائق
الكتابية يمكن تفسيرها بالبيانات الأثرية فإن هذا متناسب مع الإطار العام للتاريخ،
وبالإضافة إلى التوثيق العام، مع ذلك، نجد أن التسجيل الكتابي يتأكد مراراً
وتكراراً في نقاط معينة. فأسماء الأماكن والأشخاص يتضح أنها فعلاً هي الصحيحة،
وتقع في الفترة الزمنية الصحيحة.

 

ويعلق
چوزيف فري ويقول إنه تصفح يوماً سفر التكوين وتأكد له أن كل الخمسين أصحاحاً تجد
ما يؤكدها في بعض الاكتشافات الأثرية – ويعتبر نفس الشيء حقيقي بالنسبة لباقي
أسفار الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد.(
Free, AB,340)

 

3(ب)
علم الآثار يساعد في تفسير وشرح العديد من النصوص الكتابية

علم
الآثار يعظِّم من معرفتنا عن الاقتصاد، الأدب، الاجتماعات، والخلفية السياسية
والاجتماعية لما يسجله الكتاب. ويساهم أيضاً في فهم الأديان الأخرى التي صاحبت تكوُّن
إسرائيل القديمة.

 

س.هورن.
الباحث الأثري، يعطينا مثلاً جيداً يوضح كيف أن الدلائل الأثرية تساعد في الدراسات
الكتابية:

 

ألقت
الاكتشافات الأثرية ضوءاً مثيراً على وقوع أورشليم في يد داود. وهذا نجده في (2صم
5: 6-8، 1أخ 11: 6) لكنها مذكورة بشكل غامض إذا لم نلجأ لمساعدة الدلائل الأثرية،
خذ مثالاً لذلك واقرأ صموئيل الثاني 6: 8 في وهو كالآتي: «وذهب الملك ورجاله إلى
أورشليم إلى اليبوسيين سكان الأرض، فكلموا داود قائلين لا تدخل إلى هنا مالم تنزع
العميان والعرج. أي لا يدخل داود إلى هنا. وأخذ داود حصن صهيون، هي مدينة داود،
وقال داود في ذلك اليوم إن الذي يضرب اليبوسيين ويبلغ إلى القناة والعمي والعرج
المبغضين من نفس داود». واذا أضفت إلى تلك الجملة ما جاء في أخبار الأيام الأولى
11: 6 التي تقول «.. أولاً يكون رأساً وقائداً فصعد أولاً يوآب ابن صروية فصار
رأساً».

 

منذ
عدة سنوات شاهدت رسماً يوضح غزو أورشليم حيث وضَّح الرسَّام رجلاً يتسلق ماسورة
معدنية على السور الخارجي المدينة. هذه الصورة كانت غريبة، لأن جدران المدن
القديمة ليس بها مواسير رغم أن بها فتحات صغيرة لطرد مياه المطر. وبعد وضوح هذا
الموقف أثرياً حرصت الطبعة المنقحة للكتاب المقدس أن تترجم 2صموئيل 5: 8 كالآتي: «وقال
داود في ذلك اليوم إن الذي يضرب اليبوسيين، ويصعد على مجاري المياه ويهاجم العمي
والعرج المبغضين من نفس داود».

 

كانت
أورشليم في تلك الأيام مدينة صغيرة تقع على قمة أحد التلال وكان وضعها له قوة
طبيعية لأنها كانت محاطة من جهات ثلاث بوديان عميقة. ولهذا تفاخر اليبوسيين
وأعلنوا أنه حتى العرج والعمي يستطيعون الدفاع عن المدينة ويصمدون أمام أي قوة
غازية. لكن تزويد المدينة بالمياه كان ضئيلاً، كان سكانها يعتمدون بشكل كلي على
نبع يقع خارج المدينة على الجانب الشرقي من التل.

 

ولذلك
فعندما أرادوا أن يحصلوا على المياه بدون النزول إلى النبع، بني اليبوسيون نظاماً
محكماً من القنوات خلال الصخور.. وبدأوا أولاً بأن حفروا قناة أفقية تبدأ من النبع
وتتقدم نحو منتصف المدينة وبعدما حفروا تسعين قدماً تنتهي في كهف طبيعي، من هذا
الكهف نصبوا أنبوباً رأسياً طوله 45 قدماً، وفي نهاية الأنبوب يصعد نفق مائل
لمسافة 135 قدماً وهو على هيئة سلم حجري وينتهي حتى سطح المدينة التي تبعد عن سطح
مياه النبع بمقدار 110 قدم. وكانوا يخبئون النبع من الخارج حتى لا يكتشفه العدو،
وليحصلوا على الماء كانت نساء اليبوسيين يهبطن من خلال النفق الهابط ليجلبن الماء
من الكهف، والذي تصله المياه بالتدفق الطبيعي خلال النفق الأفقي الذي يربط النبع
بالكهف.

 

مع
ذلك كان هناك سؤال محيِّر، فالاستكشافات التي قام بها الأثريان ماكلستر ودنكان منذ
أربعين سنة سابقة اكتشفت جداراً وبرجاً واعتقدا أنهما يعودان إلى زمن اليبوسيين
وداود بالتتابع. هذا الأثر الجداري كان يجري موازياً لحافة «تل أوفيل»، غرب مدخل
النفق، لذا ترك المدخل خارج جدران المدينة القديمة المحمية ومعرضاً بذلك لهجوم
وتدخُل العدو. لماذا لم يتم بناء النفق بحيث ينتهي وسط المدينة؟ هذا اللغز تمَّ
حله بالاكتشافات الحديثة التي أجرتها العالمة كاثلين كينيون في تل أوفيل، ووجدت أن
ماكلستر ودنكان قد أعطيا الجدار والبرج اللذين اكتشفاهما تواريخ مغلوطة. في الواقع
هذه الأشياء نشأت في العصر الهلليني، واكتشفت هي أن الجدار اليبوسي الأصلي يبعد
قليلاً أسفل انحدار التل وشرق مدخل النفق، وبهذا وُضع المدخل بأمان داخل حدود
المدينة القديمة.(
Horn, RIOT,
15-16
)

 

ويجب
على المرء أيضاً أن يتحقق بأن الاكتشافات الأثرية لم تفنّد بشكل كامل آراء النقاد
الراديكاليين. وكان محقاً عندما قال: «إنه ليس حقيقياً بالمرة أن ندَّعي بأن
الاتجاهات الأساسية لطرق النقد العلمي الحديث قد فقدت بالكامل».(
Burrows, WMTS,292)

 

مع
ذلك، فإن علم الآثار أوضح أن كثيراً من آراء النقاد الراديكاليين ليست صحيحة ووضعت
استنتاجاتهم تحت المساءلة، وهي التي كان يشار إليها كثيراً بأنها «النتائج المؤكدة
لأعلى درجات النقد».

 

ويعلق
البرايت على دليل مُلك سليمان المتسع، والذي أثاره النقاد الراديكاليين وكتب: «مرة
أخرى نجد أن مفاهيم النقاد الراديكاليين لنصف قرن مضى محتاجة إلى تصحيح بشكل جذري».(
Albright, NLEHPC, 22)

 

بعض
الناس يتمسكون بالرأي القائل بأن من يتمسكون بمظاهر ما فوق الطبيعة ومن يعارضونها،
لا يمكن لهم أبداً أن يتفقوا على نتائج البحوث الأثرية لأنهم موجودون على طرفي
نقيض. لذلك، استنتج البعض أننا نفسر الاكتشافات الأثرية طبقاً لوجهة نظرنا الخاصة.

 

وللتلخيص
نستنتج الآتي (1) علم الآثار لم يبرهن على صحة الكتاب المقدس، لكنه يؤكد تاريخيته
ويشرح عدداً من نصوصه و(2) علم الآثار لم يُفنِّد بشكل كامل آراء النقاد
الراديكاليين، لكنه تحدَّى كثيراً من فروضهم.

 

2(أ)
مدى مصداقية تاريخ العهد القديم

ليس
فقط بين أيدينا نسخ دقيقة من العهد القديم، لكن أيضاً محتويات هذه النسخ موثوق بها
تاريخياً.

 

1(ب)
تأكيد علم الآثار للعهد القديم

ويقول
وليم ف. ألبرايت أحد أبرز علماء الآثار: ليس هناك أدنى شك في أن علم الآثار قد
أثبت الموثوقية التاريخية للعهد القديم. (
Albright, ARI, 176)

 

أما
الأستاذ ه. ه. رولي فيقول: يكنّ العلماء اليوم احتراماً أكبر لقصص الآباء أكثر من
ذي قبل، ولا يرجع ذلك إلى أنهم يعتنقون أفكاراً أكثر اعتدالاً ولكن لأن البراهين
أكدت ذلك. (
Rowley, as cited in
Wiseman, ACOT, in Henry, RB, 305
).

 

وهذا
يلخصه لنا ميريل أونجر قائلاً: لقد أعاد علم آثار العهد القديم اكتشاف أمم بأكملها
وأحيا صورة شعوب هامة وبصورة مذهلة جداً سد ثغرات تاريخية مضيفاً الشيء الكثير إلى
الصورة الكتابية. (
Unger, AOT, 15)

 

يقول
السير فريدريك كنيون: ومن ثم يمكننا القول بأنه فيما يتعلق بهذا الجزء من العهد
القديم الذي كان يوجه إليه بشكل رئيسي النقد اللاذع في النصف الثاني من القرن
التاسع عشر، فإن البراهين التي أتى بها علم الآثار قد أعادته إلى وضعه الأول كما
رفعت من قيمته فأصبح أكثر وضوحاً في ضوء معرفة خلفياته وأطره. ولم يقل علم الآثار
كلمته الأخيرة بعد، ولكن النتائج التي حققها حتى الآن تؤكد ما يدل عليه الإيمان من
أن الكتاب المقدس لا يلقى سوى التأييد من المعرفة المتزايدة. (
Kenyon, BA, 279)

 

لقد
قدَّم علم الآثار كماً غزيراً من البراهين التي تثبت بالدليل المادي صحة النص
المازوري الذي لدينا. كتب برنارد رام يقول عن ختم إرميا:

 

قدم
علم الآثار أيضاً البراهين على صحة النص المازوري الذي لدينا. إن ختم إرميا، الذي
كان يستخدم لوضع أختام القار على جرار الخمر ويرجع إلى القرن الأول أو الثاني
الميلادي، منقوش عليه كما في إرميا 48: 11، وهو يوافق بوجه عام النص المازوري.
ويشهد هذا الختم للدقة التي انتقل بها النص منذ العصر الذي صنع فيه هذا الختم وعصر
تدوين هذه المخطوطات. علاوة على ذلك تؤكد كل من بردية روبرتس التي ترجع إلى القرن
الثاني ق.م.، وبردية ناش التي ترجع، طبقاً لتقدير ألبرايت، إلى عام 100 ق.م.، النص
المازوري الذي لدينا. (
Ramm,
CITOT, 8-10
)

 

ويؤكد
وليم ألبرايت أنه يمكننا الاطمئنان إلى أن النص الأصلي للكتاب المقدس العبري، رغم
إمكانية تعرضه للتغير، قد حفظ لنا بدقة لا تضاهى في أي من آداب الشرق الأدنى..
تؤكد الأضواء الكثيرة التي تلقى الآن من قِبَل الأدب الأوجاري
Ugaritic على الكتابات الشعرية العبرية للكتاب المقدس في مختلف عصورها على
قِدَم كتابتها والدقة المذهلة التي انتقلت بها (
Albright OTAAE, as cited in Rowley, OTMS, 25)

 

كتب
الأثري ألبرايت بشأن صحة الأسفار المقدسة التي كشف عنها البحث الأثري قائلاً: ترجع
أحداث التوراة التي بين أيدينا الآن إلى زمن أقدم بكثير من التاريخ التي نُقِلت
وحِرِّرت فيه أخيراً، ولا زالت الاكتشافات الجديدة تؤكد الدقة التاريخية وقِدَم
المادة الأدبية للتفاصيل الموجودة بها.. وبناء عليه يكون من المغالاة في النقد
إنكار السمة الموسوية الأساسية للتقليد التوراتي. (
Dodd, MNTS, 244)

 

ويعلق
ألبرايت علي ما اعتاد النُقَّاد قوله:

 

حتى
وقت قريب سرت العادة بين المؤرخين الكتابيين على اعتبار قصص الآباء في سفر التكوين
من اختلاق الكتبة الإسرائيليين في المملكة المنقسمة أو أنها قصصاً رواها الرواة
ذوي الخيال الواسع في حفلات السمر الإسرائيلية إبان القرون التي أعقبت احتلالهم
للبلاد. ويمكن ذكر أسماء لعلماء بارزين كانوا ينظرون إلى كل أحداث سفر التكوين
11-50 على أنها تعكس تدويناً لأحداث مختلفة كتبت في فترة متأخرة أو على الأقل أنها
تصور للأحداث والظروف التي وقعت في الماضي البعيد في ظل المملكة الحالية، وهي
الأحداث التي لا يعرف عنها الكتَّاب اللاحقون شيئاً. (
Albright, BPFAE, 1, 2)

 

إلا
أن هذا كله قد تغيَّر الآن، يقول ألبرايت: غيَّرت الاكتشافات الأثرية التي جرت منذ
عام 1925م كل هذا. وفيما عدا بعض العلماء القلائل المتعنتين فيما مضى، ليس هناك
مؤرخ كتابي واحد لم يتأثر بالتراكم السريع للمعلومات التي تؤيد الموثوقية
التاريخية لقصص الآباء. فطبقاً لما ورد في سفر التكوين كان الآباء الإسرائيليين
الآوائل على صلة وثيقة بالشعوب شبه البدوية في عبر الأردن وسوريا وحوض نهر الفرات
وشمال الجزيرة العربية في القرون الأخيرة من الألفية الثانية ق.م. والقرون الأولي
من الألفية الأولي ق.م. (
Albright,
BPFAE, 1, 2
)

 

ويمضي
ميللر باروز قائلاً:

 

لنستوضح
الأمر يجب أن نميز بين نوعين من البراهين العام والخاص. فالبرهان العام هو مسألة
توافق دون إثبات نقاط محددة. ومعظم ما ناقشناه من تفسير وتوضيح يمكن اعتباره كذلك
برهاناً عاماً. وهنا تتفق الصورة مع الإطار ويتناغم اللحن مع الإيقاع. وقوة هذا
البرهان تراكمية، فكلما وجدنا أن ملامح صورة الماضي التي يقدمها لنا الكتاب المقدس،
حتى لو لم تكن الإشارة إليها مباشرة، تتفق مع ما نعرفه من خلال علم الآثار، كلما
كان انطباعنا لمصداقية الكتاب المقدس بشكل عام أقوى، إذ أن الأساطير والقصص
الخيالية لابد لها من التكشف أخيراً من خلال الأخطاء والتناقضات التاريخية. (
Burrows, WMTS, 278).

 

2(ب)
علم الآثار يساعد في استكمال مناطق لم يتعامل معها الكتاب المقدس

المثال
الجيد لذلك هي فترة ما بين العهدين، عصر الملوك، والحروب والإمبراطوريات التي لم
تذكرها الأسفار المقدسة.

 

لكن
يلزمنا أن نسجل هنا تحذيراً، فنحن كثيراً ما نسمع الجملة التي تقول: «علم الآثار
يبرهن على صحة الكتاب المقدس». إن علم الآثار لا يمكن له أن يبرهن على ذلك إذا كنت
تقصد «أنه يبرهن على أنه موحى به من الله»، لكن إذا كنت تقصد أنه «يظهر بعض
الأحداث المذكورة في الكتاب المقدس بأنها تاريخية» فإن الجملة تكون بهذا الشكل
صحيحة.

 

إذن
فعلم الآثار يساهم في مجال نقد الكتاب، لكن ليس في منطقة الوحي والنبوات، إنما في
مجال التأكد من الدقة التاريخية والثقة في الأحداث المسجَّلة. دعنا نفترض أن لوحي
الحجر التي كُتبت عليها الوصايا العشر قد تم العثور عليها، هنا علم الآثار يستطيع
أن يبرهن على أنها فعلاً هي لوحي الحجر التي كتبت عليها الوصايا العشر، وأنها تعود
إلى عهد موسى، لكنه لن يستطيع البرهنة على أن مصدر الوصايا العشر هو الله ذاته.

 

كتب
ميلر باروز: «علم الآثار يستطيع أن يخبرنا الكثير عن طبوغرافية حملة عسكرية، لكنه
لا يستطيع أن يخبرنا شيئاً عن طبيعة الله».(
Burrows, WMTS,290)

 

في
كتابه «علم الآثار وتاريخ الكتاب المقدس» يشرح لنا الأثري جوزيف فري صلة علم
الآثار بالكتاب المقدس، ويقول: «لقد أشرنا سابقاً أن هناك العديد من فقرات الكتاب
المقدس التي حيَّرت الخبراء قد أفصحت عن مدلولاتها عند ظهور بوادر بعض الاكتشافات
الأثرية والتي ألقت ضوءاً جديداً عليها. وبمعنى آخر، علم الآثار يثير النص المقدس،
وبذلك يقدم مساهمة فعَّالة في تفسير الكتاب. وبالإضافة إلى التنوير، ساهم هذا
العلم في تأكيد صحة عدد من الفقرات التي رفضها النقَّاد باعتبارها ليست تاريخية أو
أنها مخالفة للحقائق المعروفة.(
Free,
ABH,1
)

 

3(أ)
علم الآثار يدعم لما سجله العهد القديم

 

1(ب)
الخلق – آثار إبلا

 

الأصحاحات
الافتتاحية لسفر التكوين (1-11) كان يُظن أنها تفسيرات أسطورية مشتقة من الصور
الأولى للقصة التي ذاعت في الماضي البعيد بمنطقة الشرق الأدنى، لكن هذا الرأي
اختار أن يلاحظ مظاهر التشابه بين سفر التكوين وقصص الخلق في الثقافات القديمة
الأخرى. إذا افترضنا انشقاق الجنس البشري من عائلة واحدة بالإضافة إلى الوحي العام
مع بعض الآثار التاريخية الحقيقية، فإننا في هذه الحالة نستطيع أن نتوقع أن نعثر
على بعض ملامح القصة الأصلية هنا أو هناك، ولكن هنا تكون الاختلافات لها أهمية
كبرى.

 

تشرح
الحكايات البابلية والسومرية موضوع الخلق بأنه نتاج صراع بين آلهة محدودة، وعندما
ينهزم واحد منهم فهو ينشطر إلى نصفين، حينئذ ينبع نهر الفرات من عين هذا الإله
وينبع نهر دجلة من العين الأخرى. وخلقت الإنسانية من دم إله شرير مخلوط بالطين –
هذه النوعية من القصص توضح نوع الخلط والإضافات المتوقع حدوثها عندما يتحول التاريخ
ليصبح أسطورة.

 

الأقل
احتمالاً هو الملاحظة التي تقول إن التطور الأدبي سوف ينقل هذه الأسطورة لتصبح هي
الرواية الرفيعة الرصينة التي نجدها في سفر التكوين في الأصحاح الأول. الافتراض
العام يقول إن السرد العبري ليس سوى نسخة مبسطة من الأسطورة البابلية، لكن هذا نوع
من الخداع، في الشرق الأدني القديم كانت القاعدة السائدة حيث أن السرد البسيط
للقصص يتحول (بالمزينات والإضافات) إلى أساطير متقنة، لكن ليس العكس. لذا فالدليل
يعضد وجهة النظر التي تقول إن سفر التكوين ليس من الأساطير التي صُنعت خلال مسيرة
التاريخ. وربما تكون الروايات في الكتاب المقدس هي التاريخ الذي تحوَّل إلى أساطير.

 

الاكتشافات
الأثرية الجديدة التي عثر عليها في إبلا تضيف إلى هذه الحقيقة، فقد عثر على مجموعة
كبيرة من الألواح يزيد عددها على ستة عشر ألفا، ويزيد عمرها عن الأسطورة البابلية
بحوالي ستمائة عام، واللوح التي بها قصة الخلق بها ملامح مشابهة للغاية لما ورد في
سفر التكوين، حيث تتكلم عن كائن واحد خلق السموات والقمر والنجوم والأرض. لقد آمن
الناس في إبلا في الخلْق من العدم. الكتاب المقدس يحتوي على أقدم طبعة غير مزينة
أو مبهرجة عن قصة الخلْق وفيه الحقائق مدوَّنة بدون ذلك التشوية والمبالغات التي
نلمسها في الأساطير الأخرى.(
Geisler,
BECA,48-49
)

 

هناك
اكتشاف أثري يتصادم مع النقد الكتابي، عُثر عليه حديثاً وسمى ألواح إبلا. هذا
الاكتشاف تمّ في شمال سوريا بواسطة اثنين من أساتذة جامعة روما، عالم الأثار باولو
ماثيا، ومحلل النقوش جيوفاني باتينانو، وكان الحفر في مكان يدعي تل مردوخ وقد بدأ
سنة 1964 وفي سنة 1968 اكتشفا تمثال للملك إبيت-ليم، والنقش عليه يشير إلى عشتار،
وهي الآلهة التي «نورها يسطع في إبلا».

 

وبلدة
إبلا القديمة هذه وصلت إلى أعلى مراحل المجد سنة 2500 ق.م وبلغ عدد سكانها يومها
260000 نسمة، وقد ُدمرت سنة 2250 ق.م على يد نارام شن حفيد الملك سرجون العظيم.

 

الأهمية
المبررة لألواح إبلا هي أنها متوازية ومتطابقة مع الأصحاحات الأولى من سفر التكوين،
مع ذلك فإنها مضللة نوعاً ببعض الضغوط السياسية اللاحقة. والتقارير المنشورة عنها
تقدم لنا العديد من السطور المؤيدة للرواية الكتابية.

 

هناك
عدد من الألواح مدوَّن عليها أسماء مثل أور، سدوم، وعمورة، وبعض أسماء الآلهة
الوثنية المذكورة في الكتاب المقدس مثل بعل.

 

ويذكر
اومتلنج أن «ألواح إبلا اشارت كثيراً إلى أسماء وجدت في سفر التكوين شاملاً في ذلك
اسم آدم وحواء ونوح».(
Dahood,
AETRBR,55-56
)

 

ومن
أرشيف إبلا نقرأ من أهم الاكتشافات الأثرية التي تتكلم عن الخلْق خارج الكتاب
المقدس. وكتابات إبلا تسبق الأساطير البابلية بحوالي ستمائة سنة، وفيها تصوير مدهش
للخْلق يقارب بشكل مدهش لما هو مدوَّن في سفر التكوين، فيها أن هناك إلهاً واحداً
هو الذي خلَق السموات والقمر والنجوم وكذلك الأرض. وبعمل مقارنة بين الروايتين
يتضح أن ما ورد في سفر التكوين هو الأقدم لكنه بدون مزينات وفيه تفصيل للحقائق بلا
أي نوع من الفساد الأسطوري وتقول ألواح إبلا أيضاً إن الخْلق تمَّ من العدم، معلنة:
«أنت هو سيد السماء والأرض، عندما لم تكن الأرض، أنت خلقتها. عندما لم يكن ضوء
النهار، أنت خلقته..»(
Elba Archives, 259).

 

وقال
جيسلر: «من أهم ما تضمنته روايات إبلا هو أنها دمرت الاعتقاد الخطير في تطور
التوحيد بالله من صور أقدم من ذلك. هذا التطور المفترض للدين كان معروفاً منذ أيام
تشارلز داروين (1809-1882). وجوليوس ويلهوزن (1844-1915) والآن نعلم أن التوحيد
كان موغلاً في القِدَم، وأيضاً فإن قوة دليل إبلا تدعِّم وجهة النظر التي تقول إن
الأصحاحات الأولى من سفر التكوين تعتبر من التاريخ وليس من الأساطير». (
Geisler, BECA, 208)

 

هناك
حصيلة أخرى من اكتشافات إبلا حيث وجهت هذه التسجيلات ضربة موجعة لمعتنقي الفرضية
الوثائقية التي تقول إن موسى لم يكن في استطاعته أن يكتب أسفاره الخمسة لأن
الكتابة لم تكن معروفة في زمانه، والنقاد الذين يؤيدون أن الفترة التي ظهر فيها
موسى (1400 ق.م أي بعد مملكة إبلا بحوالي 1000 سنة) كانت قبل أي معرفة بالكتابة،
لكن هذه الاكتشافات أوضحت أنه حتى قبل ظهور موسى بألف سنة كانت الكتابة معروفة
وسُجلت بها القوانين، العادات، والأحداث. وإبلا تقع تقريباً في نفس المنطقة التي
كان يعيش فيها موسى والآباء الأولون.

 

ومدرسة
النقد العالي من بين تعاليمها ليس فقط أن الفترة التي عاش فيها موسى لم تكن
الكتابة معروفة فيها، ولكن أيضاً تعتبر مجموعة القوانين الكهنوتية والتشريعية
المسجلة في الأسفار الخمسة الأولى أكثر تطوراً من أن تكون مكتوبة بيد موسى، وأن
الشعب الإسرائيلي في ذلك الحين كان بدائياً، وأن تلك التسجيلات عرفت وكتبت خلال
النصف الأول من فترة الحكم الفارسي (538-331 ق.م).

 

مع
ذلك فإن ألواح إبلا احتوت على مواد قضائية تشريعية كثير منها مشابه لما ورد في سفر
التثنية (مثال على ذلك تثنية 22: 22-30) والتي نسب إليها النقِّاد أنها تسجيلات
متأخرة.

 

وهناك
مثال إضافي عن مساهمات اكتشاف إبلا تختص بما ورد في الأصحاح 14 من سفر التكوين
والذي اعتبر لسنوات طويلة بأنه لا يمكن الوثوق به من الناحية التاريخية. فانتصار
إبراهيم على كدرلعومر والملوك الأربعة وصفت بأنها خيالية، وكذلك فإن الخمس مدن
المذكورة وهي (سدوم، عمورة، أدمة، صبوئيم، وصوغر) خيالية.

 

مع
ذلك فإن تسجيلات إبلا تشير إلى هذه الخمس مدن في السهل بنفس الترتيب الذي ظهرت فيه
في سفر التكوين 14، وهي تعكس مستوى الكتابات الأدبية التي كانت سائدة أيام الآباء
والتي توضح أنه قبل حدوث الكارثة التي أشار إليها تكوين 14، كانت المنطقة غنية
بمواردها وناجحة كما ذكر في السفر تماماً.

 

2(ب)
طوفان نوح

وكما
هو الحال بالنسبة لقصة الخلْق، فإن قصة الطوفان في سفر التكوين تتسم بالواقعية
والخلو من الأسطورة بالمقارنة بروايات هذه القصة لدى الشعوب القديمة الأخرى، مما
يدل على صدقها. وتدل أوجه التشابه بين هذه الروايات على وجود أساس تاريخي لها وليس
على انتحال موسى لها. وتختلف الأسماء بين هذه الروايات. فنوح يدعي (زيوسودرا) عند
السومريين ويدعي (أوتنابيشتيم) عند البابليين. أما القصة الأساسية فلا تختلف.
فهناك رجل يأمره الله أن يبني فلكاً بمواصفات معينة لأن الله سوف يهلك العالم
بالطوفان. وبالفعل يقوم هذا الرجل بذلك فينجو من الطوفان ويقدم الذبائح عند خروجه
من الفلك. وعندئذ يستجيب الإله (أو الآلهة) نادماً على إهلاك الحياة ويقطع عهداً
مع الإنسان. وهذه الأحداث الأساسية تشير إلى الأصل التاريخي للقصة.

 

ونجد
قصة مشابهة لتلك في أنحاء العالم المختلفة. فقصة الطوفان يذكرها الإغريق والهندوس
والصينيون وسكان المكسيك والهنود الحمر وسكان هاواي. وتشير إحدى قوائم الملوك
السومريين إلى الطوفان كعلامة تاريخية فاصلة. فبعد ذكر أسماء ثمانية ملوك عاشوا
لفترات طويلة (عشرات الآلوف من السنين)، نجد هذه العبارة التي تقطع التسلسل السردي
للملوك: ثم (أغرق الطوفان الأرض).

 

هناك
أسباب قوية للاعتقاد بأن سفر التكوين يقدم القصة الأصلية. أما الصور الأخرى للقصة
فتشتمل على الكثير من الزيادات والتفصيلات التي تدل على تشويه القصة. وفي سفر
التكوين وحده نجد سنة الطوفان، بالإضافة إلى التواريخ الخاصة بحياة نوح. وفي
الواقع فإن سفر التكوين يبدو وكأنه يوميات أو سجل للأحداث التي مر بها الفلك.
فالسفينة البابلية المكعبة لم تكن لتنقذ أحداً، إذ أن الأمواج المتلاطمة كانت
ستضربها من كل جانب. ولكن فلك الكتاب المقدس كان على شكل مستطيل واسع وطويل ومنخفض
حتى يمكنه أن يقاوم عنف الأمواج جيداً. أما فترة سقوط الأمطار في القصص الوثنية
(سبعة أيام) فلا تعد فترة كافية لما تشير إليه هذه القصص من دمار. فقد ارتفعت
المياه فوق قمم الجبال لمسافة سبعة عشرة ألف قدم، ومن المنطقي أن تكون فترة هطول
الأمطار أطول من ذلك. أما الفكرة البابلية التي مفادها أن مياه الطوفان انحسرت في
يوم واحد فهي أيضاً غير منطقية.

 

وأحد
الاختلافات الهامة بين سفر التكوين والصور الأخرى لهذه القصة هو أن البطل في هذه
القصص يمنح الخلود والمجد. أما الكتاب المقدس فينتقل إلى ذكر خطية نوح. والقصة
التي تسعى إلى تقديم الحق هي فقط التي يمكن أن تشتمل على الإقرار بهذه الواقعة.

 

البعض
اقترح أن الطوفان كان شديداً لكنه محلي، مع ذلك هناك أدلة چيولوچية تدعِّم الطوفان
الذي غمر الأرض كلها، فهناك أجزاء من هياكل حيوانات وجدت في شقوق أرضية عميقة في
أنحاء عديدة من الأرض، والطوفان هو أفضل تفسير لهذه الظاهرة، وهو يشرح أيضاً كيف
أن هذه الشقوق حدثت، ونجدها حتى في تلال مرتفعة قد تمتد من 140-300 قدم، ونظراً
لعدم اكتمال أي هيكل عظمي، لذا يمكن بكل ارتياح استنتاج أن هذه الحيوانات (مامون،
دببة، ذئاب، عجول، ضباع، وحيد القرن، غزلان، وحيوانات أخرى أصغر حجماً) لم تسقط
حية في هذه الشقوق، ولا أن تكون قد سقطت هناك بفعل التيارات المائية، مع ذلك فإن
الكالسيوم الذي يغلف هذه العظام المختلفة يدل على أن جميعها قد وقعت تحت المياه،
مثل هذه الشقوق اكتشفت في أماكن عديدة حول العالم. هذا الدليل يوضِّح أن الطوفان
كان قصير المدى وعنيف، وحادثة مثل هذه يمكن أن تفعل كل هذا على مدى سنة واحدة.(
Geisler, BECA,49-50)

 

3(ب)
برج بابل

هناك
أدلة قوية الآن تؤكد أن العالم كان يتكلم بلغة واحدة في يوم من الأيام. والأدب
السومري يشير إلى ذلك كثيراً. كما يعتبر اللغويون أن هذه النظرية لها فائدة كبرى
في تصنيف اللغات، لكن ماذا عن البرج والبلبلة التي حدثت عند برج بابل؟ (تك 11).
علماء الآثار اكتشفوا أن الملك أور-نامو ملك أور مذ سنة 2044- 2007 ق.م، اعتقد أن
هناك أوامر صدرت له لبناء زيجورات عظيم (معبد على هيئة برج) كمظهر عبادة لإلهة
القمر نانات. ويسجل لنا أحد الأعمدة الحجرية الذي يبلغ عرضه خمسة أقدام وطوله عشرة
أقدام نوعية عمل الملك أور – نامو، حيث توجد عليه لوحة تبين هذا الملك وهو جالس
وبين يديه سلة بها طين ليبدأ بها بناء البرج العظيم، وهذا يوضح أيضاً مدى خضوعه
للإلهة حيث يبدو في مظهر العامل البسيط.

 

وقد
عثر أيضاً على لوحة مكتوب عليها أن إنشاء البرج قد أغضب الإلهة، لذا قامت الإلهة
ببعثرة وتدمير ما بناه هؤلاء العمال، وجعلوا كلامهم غريباً. وهذا مشابه بشكل مدهش
لما ورد في الكتاب المقدس.

 

يؤمن
العلماء المحافظون بأن موسى هو الذي كتب الأصحاحات الأولى من سفر التكوين، لكن كيف
يتسنى له أن يكتب عن هذه الحادثة التي جرت قبل مولده بزمن طويل؟ هناك احتمالان،
الأول، يمكن لله أن يكشف له عن تلك الأحداث بطريقة تفوق الطبيعة، كما يفعل عندما
يكشف الأمور المستقبلية بالوحي والأحلام، ويمكن أيضاً أن يكشف عن الماضي بنفس
الأسلوب. الاحتمال الثاني وهو الأرجح، تحديداً، هو أن موسى جمع وحرَّر معلومات
قديمة عن هذه الحادثة، وهذا لا يتعارض مع الكتاب، فقد فعل لوقا هذا الأمر في
إنجيليه (لو 1: 1-4).

 

ويقول
ب. وايزمان بكل الاقتناع إن الفقرات التاريخية في سفر التكوين كتبت أولاً على
ألواح طينية ومررت من جيل إلى جيل، وكان على كل قائد أن يكون مسئولاً عن حفظها
وعلى جعلها متماشية مع زمنه. ويضيف وايزمان، بأن الدليل على ذلك موجود في التوراة،
حيث يوجد تكرار زمني لبعض الكلمات والجمل، ولاسيما الجملة التي تقول «هذه مواليد..
(انظر تك 2: 4، 6: 9، 10: 1، 11: 10)، وأن كثيراً من الألواح القديمة انتظم
ترتيبها وذلك بجعل أولى الكلمات في أي لوحة جديدة تماثل آخر كلمة في اللوحة
السابقة. وهناك تقييم أدبي لسفر التكوين، وذلك بمقارنته بالآداب القديمة الأخرى،
وهذا يحدد أن جمعه وتحريره لم يكن في زمن أبعد من زمن موسى. ومن المحتمل أن يكون
هذا السفر ليس إلا تاريخ عائلي سجله الآباء وحُرر في صورته النهائية على يد موسى.(
Geisler, BECA,50)

 

4(ب)
الآباء الأولون

بينما
نجد أن الروايات الخاصة بحياة كل من إبراهيم وإسحق ويعقوب لا تمثل صعوبة شديدة كما
هو الحال مع الأصحاحات السابقة عنهم في سفر التكوين، إلا أن قصتهم اعتبرت يوماً
أسطورية لأنها تبدو كما لو كانت غير متناغمة مع الأدلة المعروفة عن تلك الفترة. مع
ذلك، كلما تعمقت المعلومات، فإن هذه الحكايات تتوثق وتتأكد.

 

الشرائع
القانونية التي اكتشفت عن فترة إبراهيم توضِّح لماذا تردد إبراهيم في طرد هاجر
بعيداً عن خيمته، إذ أنه كان ملزماً بإعالته. فلم يحدث هذا الأمر بالطبع سوى عندما
صدرت إليه أوامر عليا من الله ليطردها.

 

تذكر
رسائل ماري أسماء مثل أبامرام (أبرام)، ويعقوب – إيل. وبالرغم أن هذا لا يشير إلى
الشخصيات التوراتية، إلا أنها على الأقل تشير إلى أن هذه الأسماء كانت متداولة في
هذا الزمن. هذه الرسائل تدعِِّم أيضاً المعلومات الخاصة بالحرب المذكورة في سفر
التكوين 14 حيث تحارب خمسة ملوك مع أربعة آخرين. وأسماء هؤلاء الملوك تبدو كأنها
متطابقة مع الأمم الشهيرة في ذلك الوقت، مثلاً في سفر التكوين 14: 1 يذكر اسم ملك
وهو أريوك، وتشيررسائل ماري إلى ملك اسمه أريوك. كل هذه الأدلة تدعم أن مصادر
المواد المذكورة في سفر التكوين قام بها شخص كان يعيش في زمن إبراهيم».(
Geisler, BECA,50)

 

5(ب)
سدوم وعمورة

كان
من المعتقد أن تدمير سدوم وعمورة من الأمور الخيالية. حتى كشف الدليل الأثري أن
الخمس مدن المذكورة بالتوراة كانت بالفعل مراكز تجارية نشطة بالمنطقة، وكانت
مواقعها الجغرافية هي بالضبط كما وصف الكتاب المقدس. وكذلك يظهر أن وصف التوراة
لنظام الحكم يبدو أنه ليس أقل دقة. تشير الأدلة أيضاً إلى تواجد نشاط بركاني، وأن
طبقات الأرض المختلفة قد انفجرت وتشتت عالياً في الهواء. فالبيتوفين منتشر بدرجة
عالية هناك، والوصف الدقيق يبرهن على أن الكبريت (أحد مخلفات البيتوفين) قد سقط
على تلك المدن التي رفضت الله، وهناك أدلة أخرى توضح أن الصخور الرسوبية قد اختلطت
مع بعضها البعض بفعل الحرارة الهائلة. وهناك دلائل نراها فوق جبل سدوم تؤكد أن
الحريق والتدمير الهائل الذي حدث في ذلك الزمن البعيد، ربما حدث بسبب انفجار خزان
بترولي أسفل البحر الميت واشتعل ودمّر، مثل هذا التفسير لا يقلل من شأن القيمة
إلاعجازية للحدث، لأن الله يسيطر على قوى الطبيعة كما أن وقت حدوث أي حادث، كذلك
شكل الانذار وظهور الملائكة، كل هذا يوضِّح الطبيعة الإعجازية للحدث. (
Geisler, BECA,50-51)

 

6(ب)
تاريخ الخروج من مصر

واحد
من أكثر الأسئلة غموضاً التي تخص علاقة إسرائيل مع مصر هي متى حدث الخروج من مصر
في اتجاه فلسطين؟، وثمة تاريخ رسمي مقبول بوجه عام لدخول الإسرائيليين أرض كنعان: حوالي
ما بين سنة 1230 – 1220 ق.م. ومن جانب آخر فإن الكتب المقدسة تعِّلم في ثلاث فقرات
مختلفة (1مل6: 1، قض 11: 26، أع 13: 19-20). إن الخروج حدث سنة 1400 ق.م، وأن
الدخول إلى أرض كنعان حدث بعدها بأربعين سنة، ورغم استمرار الخلاف، فإنه لم يعد
هناك سبب منطقي لقبول تاريخ 1200 ق.م.

 

وقد
جرت عدة اعتراضات بأن مدينة رعمسيس المذكورة في خروج 1: 11 سميت كذلك باسم الملك
رمسيس الأول، وأنه لم يكن هناك مشروعات لمباني ضخمة في دلتا النيل قبل سنة 1300 ق.م.
وأنه لم تنشأ أي مدينة عظيمة في كنعان من القرن التاسع عشر حتى القرن الثالث عشر
قبل الميلاد. مع ذلك، فإن الاسم رعمسيس منتشر في التاريخ المصري، ورمسيس العظيم هو
رمسيس الثاني وليس هناك أية معلومات عن رمسيس الأول، وأيضاً ربما لا يشير الأسم
المذكور في الكتاب المقدس إلى مدينة ولكن إلى منطقة. في التكوين 47: 11 يذكر اسم
رعمسيس ليشرح أنها دلتا النيل حيث عاش يعقوب وأبناؤه.

 

يقترح
الآن بعض العلماء أن إعادة تفسير البيانات تطلب تغييراً لتاريخ العصر البرونزي،
وإذا حدث هذا، سوف يتضح ان عدداً كبيراً من المدن الكنعانية التي اكتشفت قد دمرت
بواسطة الإسرائيليين، والاكتشافات الحديثة أوضحت بالدليل القاطع أن أواخر العصر
البرونزي استمر لمدة أطول مما كان يظن، لذا فإن نهايته تقترب من سنة 1400 أكثر من
كونها في سنة 1500 ق.م. هذا الترتيب سوف يقرب بين حدثين كان يظن أنهما يتباعدان
بقرون من الزمن: وهما سقوط مدن كنعان ودخول الشعب لأرض كنعان.

 

هناك
تغيير آخر ربما يكون لازماً للنظرة التقليدية لتاريخ مصر. فالتسلسل التاريخي
للعالم القديم كله مبني على نظام وتواريخ ملوكها، والتي كان يظن أنها استقرت. مع
ذلك، يؤكد كل من العالمين فيليكوفسكي، وكورفيل أن هناك 600 سنة في هذا التسلسل
التاريخي يجب أن تستبعد من أحداث الشرق الأدنى، لقد أوضح كورفيل أن قائمة ملوك مصر
لا يجب النظر إليها كعمل مكتمل. فهو يعتقد أن بعض الملوك المذكورين في القائمة لم
يكونوا بالفعل فراعنة، لكنهم كانوا موظفين من الطبقة العليا. لقد افترض المؤرخون
أن كل عائلة ملكية تلي العائلة التي سبقتها بشكل مباشر، وبدلاً من ذلك كانت الكثير
من قوائم العائلات يذكر فيها نواب الفراعنة الذين عاشوا في الوقت نفسه ضمن العائلة
السابقة. وبتفعيل هذا النظام الجديد يكون تاريخ الخروج حوالي سنة 1450 ق.م، وهذا
يجعل التواريخ الإسرائيلية الأخرى تتناسب مع الملوك المصريين. هذا الدليل ليس
نهائياً، لكن لم يعد هناك أية أسباب تدعو إلى المطالبة بوقت متأخر لحادث الخروج.(
Geisler, BECA, 51)

 

7(ب)
شاول وداود وسليمان

كان
شاول أول ملك لإسرائيل وكان له حصن في جبعة تمَّ الكشف الأثري عنه. وأحد أهم
الاكتشافات أن المقلاع كان واحداً من الأسلحة الأساسية التي استخدمت في تلك الأيام.
ولا يرتبط هذا فقط بحادثة انتصار داود على جليات ولكن أيضاً بالإشارة التي وردت في
القضاة 20: 16 إلى أنه كان هناك سبع مائة رجل من الرماة المحنكين الذين يرمون
الحجر بالمقلاع على الشعرة ولا يخطئون.

 

وعند
موت شاول، يخبرنا سفر صموئيل أن عتاده وضع في معبد عشتاروث (إلهة الخصب عند
الكنعانيين) في بيت شان، بينما يسجل لنا سفر أخبار الأيام أن رأسه وضِعت في معبد
داجون إله الغلَّة عند الفلسطينيين. وكان يعتَقَد أن هذه الأحداث ليست صحيحة. إذ
كيف يمكن للشعوب المتعادية أن يكون لها معابد في نفس الموضع. إلا أن الاكتشافات
الأثرية أعلنت وجود معبدين في نفس الموقع يفصل بينهما رواق، أحدهما لداجون والآخر
لعشتاروث. ويبدو أن الفلسطينيين قد اتخذوا من آلهة الكنعانيين آلهة لهم.

 

إن
أحد أهم الإنجازات التي تمت في عهد الملك داود هو الاستيلاء على أورشليم. وكان
الشك في رواية الكتاب المقدس يرتكز على أن الإسرائيليين دخلوا المدينة عن طريق نفق
يؤدي إلى بِرْكة سلوام. إلا أنه كان يعتَقَد أن البِرْكة كانت تقع خارج أسوار
المدينة في ذلك الوقت. ولكن الاكتشافات التي جرت في 1960م كشفت على أن الأسوار
كانت تمتد إلى ما وراء البِرْكة.

 

والمزامير
التي تنسب لداود يقال عنها كثيراً إنها ُكتبت فعلاً في وقت متأخر، لأنه من تحليل
نصوصها وُجد أن فيها ما يدل على وجود نقابات تجمع الموسيقيين (مثلاً: إخوان قورح)،
مثل هذه التنظيمات تدعو الكثيرين إلى الظن أن انشاء المزامير يعود لزمن الميكابيين
في القرن الثاني قبل الميلاد، لكن بعد الاكتشافات التي حدثت في رأس شمرا، يعرف
الآن أن مثل هذه التنظيمات كانت منتشرة في سوريا وفلسطين في أيام داود.

 

ولم
يكن عهد سليمان أقلّ عطاءً. لم تستطع البعثات الأثرية أن تعمل في موقع هيكل سليمان
لأنه يقع بالقرب من أحد الأماكن الإسلامية المقدسة وهو قبة الصخرة. إلا أن ما تمَّ
الكشف عنه بالنسبة لمعابد الفلسطينيين التي شيدت في عصر سليمان يتطابق مع الأوصاف
المذكورة لها في الكتاب المقدس فيما يتعلق بالتصميم والزخرفة والمواد المستخدمة.
أما الأثر الوحيد الذي تبقي من الهيكل وتمَّ اكتشافه هو إحدي التحف الأثرية
الصغيرة وكان عبارة عن رمانة في نهاية قضيب تحمل النقش التالي: خاص بهيكل يهوه.
وتمَّ اكتشافه لأول مرة في متجر بأورشليم عام 1979 وتمَّ التحقق منه عام 1984 ووضع
في المتحف الإسرائيلي عام 1988م.

 

أما
الاكتشافات التي تمت في جازر عام 1969 فقد شملت التنقيب في طبقة كثيفة من الرماد
كانت تغطي ذلك التل. وقد أسفر التنقيب في هذا الرماد عن اكتشاف قِطَع أثرية عبرية
ومصرية وفلسطينية. وهذا يوحي بأن الحضارات الثلاث قد وجدت هناك في وقت واحد. وقد
حير ذلك الباحثين كثيراً حتى أدركوا أن الكتاب المقدس يؤكد هذا الكشف تماماً: «صعد
فرعون ملك مصر وأخذ جازر وأحرقها بالنار وقتل الكنعانيين الساكنين في المدينة
وأعطاها مهراً لابنته امرأة سليمان». (1 ملوك 9: 16). (
Geisler, BECA, 51, 52)

 

8(ب)
الغزو الأشوري

لقد
تكشفت الكثير من الحقائق عن الأشوريين بعد اكتشاف ستة وعشرين ألفاً من الألواح
الأثرية في قصر أشور بانيبال، ابن أسرحدون، الذي سبى الممالك الشمالية عام 722 ق.م.
وتخبرنا هذه الألواح عن الكثير من غزوات الأمبراطورية الأشورية كما تسجل ألوان
العقاب الفظيعة التي كانوا ينزلونها بمن يقاوموهم.

 

وتؤيد
العديد من هذه السجلات صحة الكتاب المقدس. لقد ثبت صحة كل إشارات العهد القديم
لملوك أشور. ورغم أن سرجون لم يكن معروفاً لفترة من الزمن، إلا أنه بعد اكتشاف
قصره وفحص محتوياته، وجد رسماً جدارياً لمعركة ذكرت في إشعياء 20. كما تخبرنا
المسلة السوداء لشلمنأسر بالمزيد من المعلومات عن الشخصيات الكتابية، فيظهر ياهو
(أو مبعوثه) وهو ينحني أمام ملك أشور.

 

ومن
أهم الاكتشافات ما يختص بحصار سنحاريب لأورشليم. إذ مات الآلاف من جنوده وتشتت
الباقون عندما حاول الاستيلاء على المدينة، وكما تنبأ إشعياء لم يكن قادراً على
غزوها. وإذ لم يستطع المفاخرة بانتصاره العظيم آنذاك، وجد سنحاريب ما يحفظ به ماء
وجهه دون الاعتراف بالهزيمة فكتب في سجلاته: (
Geisler, BECA, 52)

 

أما
حزقيا، اليهودي، فإنه لم يخضع لقوتي. فقد حاصرت 46 من مدنه القوية وحصونه ذات
الأسوار وعدداً لا يحصى من القرى الصغيرة المجاورة. وأخذت إلى السبي منهم 150، 200
من البشر صغاراً وكباراً، رجالاً ونساءً، ومن الخيول والبغال والحمير والجمال
والماشية الكبيرة والصغيرة ما لا يعد واعتبرتها غنيمة. أما هو فقد جعلته أسيراً في
أورشليم، المقر الملكي له، مثل عصفور في قفص. (
Pritchard, ANET, as cited in Geisler, BECA, 52)

 

9(ب)
السبي البابلي

لقد
تأكدت العديد من حقائق العهد القديم التاريخية والتي تتعلق بالسبي البابلي. وقد
أثبتت السجلات التي وُجدت في الحدائق المعلقة أن يهوياكين وأبناءه الخمسة قد
أُعطوا مؤناً ومكاناً ليعيشوا فيه، وكانوا يُعاملون معاملة طيبة (2ملوك 25: 27-
30). وقد تسبَّب اسم بيلشاصر في مشاكل عديدة ليس فقط بسبب عدم وجود أي ذكر له، بل
أيضاً لأنه لم يكن مدرجاً في سجل ملوك بابل. على كل حال إن نبونيدس (آخر ملوك
الكلدانيين)ترك سجلاً أنه عين ابنه، بيلشاصر (دانيال 5)، ليحكم لعدة سنوات أثناء
غيابه، ومعنى ذلك فإن نبونيدس كان لايزال ملكاً، أثناء حكم بيلشاصر للعاصمة.
وأيضاً فإن مرسوم (سيرس) كما هو مسجل على يد عزرا يبدو متناسباً مع نبوات إشعياء
إلى درجة كبيرة تقترب من التطابق، وبذلك تكون الدائرة قد اكتملت وأكدت المذكور في
الكتاب المقدس في كل التفاصيل الهامة. (
Geisler, BECA, 52)

 

4(أ)
أمثلة في العهد القديم يؤكدها علم الآثار

يقول
ألبرايت «بلاشك أن التقليد العبري كان على صواب عندما تتبع الآباء بشكل مباشر منذ
أن كانوا بوادي «بالخ» في شمال غرب بلاد ما بين النهرين. وهناك توافق بين ما سجله
الكتاب المقدس ومع ما اكتشف من آثار عندما تتبعوا رحيل هؤلاء الناس من بلاد العراق.(
Albright, BPFAE,2)

 

وموضوع
آخر، طبقاً لما سجلته التوراة وكانت الأرض كلها لساناً واحداً ولغة واحدة (تك 11: 1)
قبل برج بابل. وبعد بناء البرج وتدميره بَلبَل الله كل لغات العالم (تك 11: 9).
وهناك كثير من علماء اللغة اليوم يؤكدون الأصل الواحد لكل لغات العالم. ويذكر
«الفريدو تروميتي» أنه يمكن له أن يتتبع ويبرهن على الأصل المشترك لكل اللغات.
وأيضاً يؤكد ماكس مولر الأصل العام لكل اللغات، اما اوتوجسيارس فإنه يذهب بعيداً
لدرجة أنه يقول بأن اللغة أعطيت بشكل مباشر للإنسان من قَبل الله.(
Free,ABH,47)

 

في
سلسلة نسب عيسو، هناك ذكر لمن يدعَون الحوريين (تك 36: 20) وفي وقت ما كان من
المقبول به أن هؤلاء الناس هم «ساكنو الكهوف» وذلك للتشابه بين اسم حوران والكلمة
العبرية التي تعني «كهف». مع ذلك، فقد اكتشفت دلائل تؤكد أن هؤلاء الناس كانوا
مجموعة متميزة من المحاربين الاشدَّاء وكانوا يعيشون في منطقة الشرق الأدنى في زمن
الآباء.(
Free,ABH,72)

 

أثناء
البحوث الأثرية التي جرت في أريحا (1930- 1936) وجد جاستنج شيئاً مدهشاً لدرجة أنه
جهَّز محضراً وقَّع هو عليه ومعه اثنان من معاونيه. وكتب هذا العالِم ما اكتشفه
قائلاً: «بالنسبة للحقيقة الأساسية، فلاشك فيها: جدران المدينة وقعت كلية إلى
الخارج بحيث يتيسر للمهاجمين أن يتخطوا الأنقاض ويدخلوا المدينة، لكن لماذا قيل إن
هذا حدث غير عادي؟ لأن جدران أي مدينة تُهاجم لا تسقط أسوارها إلى الخارج بل إلى
الداخل. مع ذلك فإنك عندما تقرأ يشوع 6: 20 تجد فيه «سقط السور في مكانه وصعد
الشعب إلى المدينة كل رجل مع وجهه وأخذوا المدينة».(
Garstang,FBHJJ,146)

 

نحن
نجد أن سلسلة نسب إبراهيم كلها تاريخية. ورغم ظهور بعض الأسئلة عما إذا كانت هذه
الأسماء تمثِّل أفراداً أم هي أسماء مدن، هناك شيء أكيد بالنسبة لإبراهيم: إنه كان
فرداً وكان له وجود. وكما كتب باروز قائلاً: «كل الأمور تدل على أننا أمام شخصية
تاريخية، إن اسمه لم يذكر في أي مصدر أثري لكن اسمه يظهر في بابل كاسم شخصي في نفس
الفترة التي كان ينتمي إليها».(
Burrows,
WMTS, 258-259
)

 

وقد
جرت محاولات مبكرة لتحريك زمن إبراهيم إلى القرن الخامس عشر أو الرابع عشر قبل
الميلاد، وهو وقت متأخر. ومع ذلك، فإن ألبرايت يشير إلى أنه بسبب تلك المعلومات
المذكورة أعلاه واكتشافات أخرى، لدينا قدر كبير من الأدلة التي تختص باسمه ومكانه
وكل هذه الأدلة تقريباً تأتي في صالح التاريخ الأقدم الملائم للتقليد الكتابي.(
Garstang, FBHJJ,9)

 

يقول
باروز أيضاً: «بالرغم أنه ليس من المتوقع أن نصل إلى معلومات أثرية تدل على القصص
المذكورة عن الآباء، إلا أن العادات الاجتماعية الواردة في تلك القصص تتوافق
تماماً مع الفترة التي ظهر فيها هؤلاء الآباء. (
Burrows, WMTS, 275-79)

 

كثير
من الدلائل ظهرت من الاكتشافات الأثرية التي تمت في نوزو وماري، وقد سلَّط الضوء
أيضاً على الشعر واللغة العبرية بفضل أعمال أوجاريت. كما أن الشرائع الموسوية كانت
يوجد ما يشابهها عند الحيثيين، والأشوريين، والسومريين. ومن خلال هذه الاكتشافات
نستطيع أن نتخيل حياة العبرانيين، وذلك بسبب صلتهم مع الدول المجاورة لهم. وكما
قال ألبريت «هذا إسهام هام، يجب أن يختفي من أمامه أي شيء آخر».(
Albright, OTAAE, as cited in Rowley, otms, 28)

 

هذه
الاكتشافات جعلت الباحثين مهما كانت معتقداتهم يؤكدون الطبيعة التاريخية للحكايات
المنسوبة للآباء.

 

وجوليوس
ويلهوزن وهو ناقد كتابي معروف من القرن التاسع عشر، اشار إلى أن الرواية التي تقول
إن هناك مرحضة من النحاس تبدو كالمرأة لم يكن مدخلاً أصيلاً للعهد الكهنوتي،
وبذكره ذلك وضع خيمة الاجتماع في وقت متأخر جداً عن زمن موسى. مع ذلك ليس هناك سبب
قوى لاستخدام هذا الزمن المتأخر (500 ق.م) فهناك أدلة أثرية خاصة اكتشف بها
المرايا البرونزية فيما يعرف بعصر الامبراطورية المصرية (1500-1400 ق.م)، لذلك نجد
أن تلك الفترة معاصرة تماماً لموسى والخروج.(
Free, ABH, 108)

 

يلاحظ
هنري موريس قائلاً: «بالطبع مازالت هناك مشاكل قائمة فيما يختص بالتناغم الكامل
بين الاكتشافات الأثرية، والكتاب المقدس، ولكنها ليست اختلافات حادة. ولا يمكن
القول إن الأكتشافات المستقبلية لن تسهم في حل تلك المشاكل. يجب أن يكون واضحاً
تماماً، وبسبب الحجم الضخم من الأدلة المؤيدة فيما يختص بتاريخ الكتاب المقدس وهذه
الازمنة، في حين لا يوجد اليوم أي اكتشاف أثري اثبت أن الكتاب المقدس مخطيء في أي
نقطة».(
Morris, BMS, 95)

 

ويختتم
جيسلر بقوله: «في كل فترة من فترات تاريخ الكتاب، نجد أن هناك أدلة جيدة يمدنا بها
علم الآثار وتدل على أن الكتاب يدلي بالحق. وفي أحيان كثيرة، يعكس الكتاب معلومات
قيمة تجعلنا نفهم الزمن والعادات التي يشرحها. وفيما شكّ الكثيرون في مدى دقة
التوراة، فإن مرور الزمن واستمرار البحوث قد دلَّت على أن كلمة الله قد تمَّ دعمها
أفضل من دحضها. في الحقيقة، بينما هناك آلالاف من الاكتشافات الأثرية الخاصة
بالعالم القديم وقد دعمت بوجه عام، وغالباً في تفاصيل تختص بصورة الكتاب، مع ذلك
لا يوجد أي تعارض بينها وبين الكتاب المقدس».(
Geisler, BECA,52)

 

ويضيف
هنري موريس «إن قِدَم تواريخ الكتاب المقدس بالمقارنة بالكتابات القديمة الأخرى،
وبالإشارة إلى الافتراضات المسبقة التي انتشرت في القرن التاسع عشر، كل هذا دعى
كثير من الباحثين على الأصرار على أن تاريخ الكتاب في جزء كبير منه ليس سوى مجموعة
من الأساطير. وطالما أنه لم يكن هناك شيء متاح سوى نسخ من الكتابات القديمة لتقييم
التواريخ السالفة، نقول أن هذه التفسيرات ربما يكون مغالى فيها. مع ذلك، فإننا
الآن ليس في مقدورنا أن نرفض التواريخ الأساسية في الكتاب، على الأقل منذ أيام
إبراهيم بسبب الاكتشافات الأثرية المدهشة.(
Morris, MP,300)

 

5(أ)
البرهان الأثري على أن موسى هو كاتب التوراة

 

أ(ب)
قدم التوراة – أدلة داخلية

 

أفضل
اتجاه موضوعي للحكم على تأريخ وثيقة كتابية يمكن الحصول عليه من خلال فحص الأدلة
الداخلية – فهناك دلائل يمكن الكشف عنها بمقارنتها مع الأحوال التي كانت سائدة في
زمنها، أحوال خاصة بالجغرافيا والطقس، بقايا النباتات والحيوانات المنتشرة في
المكان، من هذه الدلائل يمكن للباحث أن يكوِّن صورة معقولة وتقديرية للمكان
والزمان لأصل الوثيقة محل البحث.(
Archer,
SOT,101
)

 

هناك
أدلة داخلية قوية خاصة بالتوراة، سواء بالنسبة لشكلها أو محتواها، وأنها في الواقع
أقدم من القرن التاسع حتى الخامس قبل الميلاد وهو التاريخ الذي يتمسك به بعض
النقّاد.

 

وفيما
يلي بعض الأدلة الداخلية التي تدل على قِدَم التوراة:

 

1(ج)
المكان الصحراوي الذي يصفه أسفار الخروج واللاويين والعدد

 

من
الواضح أن كل من أسفار الخروج، اللاويين، والعدد تختص جميعاً بشعب يتجول في
الصحراء، وليس شعباً من المزارعين استوطنوا أرضهم الموعودة منذ قرون مضت، والا فإن
الوصف التفصيلي لخيمة الاجتماع المتنقلة يصبح أمراً شاذاً. والتعليمات الدقيقة
للغاية لحل الخيام (عدد 2: 1-31) والمسير في الطريق (عدد 10: 14-20) سوف تكون غير
مناسبة لأمة ساكنة في مكانها، لكن هي في الواقع عبارة عن إجراءات لازمة لتجربة
العيش في الصحراء.

 

وفي
هذه الأسفار نجد أن الإشارات الصحراوية وفيرة للغاية، يشمل ذلك التعليمات الصحيحة
اللازمة للعيش في الصحراء (تث 23: 12و13)، وكذلك إرسال التيس المخصص لذبيحة الخطية
إلى الصحراء (لا 16: 10). (
Archer,
SOT,106-108
)

 

2(ج)
التأثير المصري في أجزاء من التوراة

كثير
من المواد في سفر التكوين والخروج بها خلفية مصرية واضحة، ونحن نتوقع ذلك إذا كانت
التوراة مكتوبة بيد موسى (تربى في بلاط فرعون مصر) بعد وقت قصير من خروج
الإسرائيليين من مصر.

 

لكن
يصعب علينا أن نشرح كيف تمت كتابتها، كما يدَّعي بعض النقاد، بعد أربعمائة سنة من
الخروج (انظر كتاب ابراهام يهودا: «لغة التوراة في صلتها بالمصريين»، وهو عمل يشرح
الخلفية المصرية في قصص موسى ويوسف).

 

هذا
التأثير المصري نجده في ثلاثة اتجاهات مختلفة:

 

1(د)
الجغرافيا

جغرافية
مصر وسيناء معروفة لمن كتب التوراة (تك 37: 10). وهناك أماكن كثيرة موثقة كشفت
عنها البحوث الأثرية، وقد أشار إليها كاتب التوراة. وعلى العكس، فإن هذا الكاتب
يعلِّم القليل عن الأراضي الفلسطينية وجغرافيتها، ومعلوماته البسيطة عنها استمدها
عن طريق تعليم الآباء. فمثلاً في تكوين 13 عندما يود الكاتب أن ينقل صورة لأرض
كنعان فإنه يقارنها بأرض مصر (آية 10)، وبشكل مشابه عندما يشير إلى حبرون فإنه
يدعوها باسمها القديم وهو قريات أربع (تك 23: 2) ويشرح الكاتب تأسيسها في سفر
العدد 13: 22 ويشير إلى صوعن المصرية. والإشارة إلى شاليم وهي مدينة من شيشم التي
هي في أرض كنعان، ليس مناسباً لكاتب سكن في أرض كنعان لمدة طويلة. إن كاتب التوراة
يعتقد بوجه عام أن أرض فلسطين عبارة عن أرض جديدة سوف يدخلها الإسرائيليون في
المستقبل.(
Archer, SOT,16)

 

وهذه
الإشارات إلى جغرافية مصر نجدها واضحة تماماً في السفر الثاني، فكاتب سفر الخروج
له معرفة تامة بالأراضي المصرية، فهو يعلم ما هي أوراق البردي (خر 2: 3). وطبيعة
نهر النيل، وعلى معرفة وثيقة برمل الصحراء (خر 2: 12) ويعرف أماكن مدن كثيرة مثل
رعمسيس وسكوت (خر 12: 37) وإيثام (خر 13: 20) وفم الحيروث (خر 14: 2). وما ذكره
سفر الخروج في 14: 3 أنه «استغلق عليهم القفر» يوضح المعرفة الوثيقة للكاتب
بجغرافية مصر، والواقع أن الأصحاح 14 من سفر الخروج لا يمكن فهمه دون معرفة كاملة
بجغرافية مصر. (
Raven, OTI, 109)

 

2(د)
الأسلوب التعبيري

يلاحظ
أرشر الآتي: استخدم كاتب سفر التكوين والخروج كلمات كثيرة ذات نطق مصري قديم أكثر
من أي سفر آخر في العهد القديم، مثلاً:

 

(أ)
كلمة «أبرك» (تك 41: 43 – وقد ترجمت «اركعوا»)، وهي كلمة مصرية، بالرغم من تعدد
التفسيرات لهذه الكلمة.

(ب)
موازين ومقاييس باللغة المصرية القديمة مثل: زيريت، ايفه

(ج)
ورق البردي: كيميت.

(د)
القمح: كمحو (وهو نوع من الخبز المصري).

(ه)
التيل الجيد: سس.

(و)
النيل- النهر: تي-رو (التي أصبحت في القبطية «إيور»). (
Archer, SOT,102-03)

 

وهذا
الكاتب استخدم أيضاً أسماء مصرية محددة، مثال ذلك:

فوطي
فارع (تك 41: 45، 46: 20)

فوطيفار
(الاسم المختصر) (تك 37: 36، 39: 1).

صفنات
فعنيح: وهو الاسم الفرعوني ليوسف، وترجمته هي «مخلص العالم»، وهو لقب مناسب ليوسف
لأنه أنقد مصر من المجاعة.

أسنات:
(تك 41: 45 و50) وهي زوجة يوسف وفي (تك 41: 45 و50، 46: 20) هو الاسم المصري
القديم لمنطقة هليوبوليس.

فيثوم:
(خر 1: 11،) ومن المحتمل أن (بي-توم) المصرية قد ذكرت على آثار الأسرة التاسعة
عشرة تماماً كما في سفر الخروج.(
Raven,
OTI, 107-8
)

 

3(د)
أسماء ملوك مصريين

قليل
من علماء المصريات اتفقوا مع بعض النقَّاد الراديكاليين الذي أكدوا أنه لوكان
الكاتب من العصر المتأخر لكان بالتأكيد قد ذكر أسماء الملوك المصريين المعاصرين له.
وفي الحقيقة أن غياب مثل تلك الأسماء من الأدب العبري وحتى عصر سليمان يؤكد
الكتابة المبكرة للتوراة، فقد كانت العادة في اللغة الرسمية للأسر الملكية المصرية
الحديثة أن يطلق على الملك لفظ بسيط وهو «الفرعون» وذلك بدون الربط ما بين اسمه
ولغته، وعندما كان الإسرائيليون في مصر توافقوا مع تلك العادة. (
Archer, SOT,105)

 

وهنا
شيء يستحق الذكر يؤكد قِدَم كتابة التوراة، وذلك لأنها تذكر ما كان يلبسه الملوك
الفراعنة حال تملُّكهم وهما الخاتم الملكي وطوق من الذهب حول رقبتهم كإشارة إلى
سلطتهم الجديدة (تك 41: 42، إش 3: 10و12؛ 8: 2و8و10؛ دا 5: 29). ولم يكن هذا
معروفاً لدى الإسرائيليين لكنه كان موجوداً في مصر القديمة وبلاد فارس وبابل.

 

3(ج)
اصطلاحات مهجورة في اللغة

من
المعروف أن هناك كلمات وعبارات في التوراة أصبحت مهجورة ولم تستخدم بعد العصر
الموسوي.

 

وفيما
يختص بالأصحاح 15 من سفر التكوين يعلق ألبرايت بقوله:

 

«ما
تم سرده في هذا الأصحاح عن العهد الذي كان بين يهوه وإبراهيم به عدد من الألفاظ
المهجورة، وقد قام أ. سبيسر بدراسة مدى قدم هذا الأصحاح. هنا أمامنا مثال يوضح
المكان الأساسي للعهود في الدين اليهودي، وهو بين الله والإنسان الذي قطع على نفسه
عهداً طبقاً لشروط معينة، منها أن الله سوف يحميه هو وعائلته في مقابل قَسَم
بالإخلاص المطلق، وهو نوع بدائي من معاهدات السيادة المطلقة.. وفي العصر البرونزي
المتأخر، كانت كلمة «بيريتو» وبالعبرية «بيريت» تعني معاهدة أو اتفاق. وقد ظهرت
تلك الكلمة في سوريا ومصر (حيث هي كلمة سامية تختص بالديون والقروض) عندما يكون
هناك عقد بين صاحب عمل وعمال واستئجار جهدهم بموجب عقود مكتوبة، وهي من الكلمات
المهجورة بعد ذلك.(
Albright,
BPFAE, 8
)

 

هناك
أيضاً أماكن في العهد القديم ذكرت عنها أمور بسيطة للغاية مما قد لا يخطر على بال
كاتب متأخر أن يسردها.. مثال على ذلك، عندما انفصل يوسف ومعه بعض المصريين عن أخوة
يوسف وهم على المائدة، ذكرت في الكتاب المقدس ملاحظة تشير إلى أن المصريين لا
يقدرون أن يأكلوا طعاماً مع العبرانيين لأنه رجس عند المصريين (تك 43: 32). هل
يمكن لكاتب متأخر أن يذكر مثل تلك الملاحظة؟(
Raven, OTI, 109)

 

على
أساس الدليل السابق يشرح لنا آرشر هذا الموقف بقوله: «بالحكم باستخدام الدليل
الداخلي لنص التوراة، نصل إلى نتيجة خلاصتها أن مؤلف هذا النص لابد أن يكون من
سكان مصر (وليس من سكان فلسطين) وهو شاهد معاصر للخروج والتيه في البرية، وعلى
درجة عالية من العلم والتعليم والمهارات الأدبية». (
Archer, SOT, 101)

 

2(ب)
أدلة أثرية أخرى على قيام موسى بكتابة التوراة

 

1(ج)
الأدب العبري المتأخر

 

تدَّعي
بعض وجهات النظر النقدية الخاصة بالنقد العالي أن الأدب العبري، في معظم أجزائه
متأخر نسبياً، وهذا نلمسه عندما نقرأ ما كتبه ج. ماكنزي عندما قال: «من الأمور
المقبولة بوجه عام أنه لم يكتب أدب إسرائيل بشكل واسع قبل أن يجلس داود على عرش
المملكة».(
Mckenzie, as cited in
Laynon, JOVCB, 1073
)

 

لكن
بسبب الاكتشافات الحديثة، ظهرت دلائل تختص بآداب الشرق الأدنى، ومنها يمكن بكل
ارتياح أن تنسب كتابة التوراة إلى وقت مبكر عما كان يظن سابقاً، ووصف الأحداث
القديمة به كان يتم في وقت حدوثها أو بعدها بقليل، وهذا يختص من فترة النقل
الشفاهي قبل كتابتها، ومن المعروف أن النقل الشفاهي كان يستخدم لإعلام الناس
بالمادة وليس لحفظها فقط، طالما أن هناك سجلاً مكتوباً.

 

لذا
فمما لاشك فيه، أن معظم ما كتب في العهد القديم يرجع لتاريخ قديم جداً.(
Horrison, OTT,18-19)

 

2(ج)
الشرائع الموازية للشريعة التوراتية

 

تمت
اكتشافات عديدة لشرائع موازية في أماكن أخرى من بلاد ما بين النهرين، وقد تبين أن
كثيراً من القوانين والتشريعات المسجلة في التوراة أقدم عهداً مما كان يظن سابقاً.
ونحن نذكر هنا ثلاثة أمثلة لتوضيح ذلك:

 

1(د)
شريعة العهد

 

يقول
مندنهال:

 

يصعب
تصوُّر تواجد تشريع قانوني فيه اختلاف كبير عما نعرفه عن الثقافة الكنعانية كمثل
ما يوجد في شريعة العهد (خر 21-23). كانت المدن الكنعانية غالباً تجارية وتتركب من
طبقات اجتماعية متصلبة.. أما شريعة العهد فلا تظهر فيه الطبقات الاجتماعية،
وبالنسبة لما ذكر عن العبيد، فهؤلاء لا يعتبرون من أفراد المجتمع، ماعدا ما هو
مذكور عن الابنة التي تباع كأمَة أو الزوجة العبدة (وهي محمية تماماً بالقانون).
إنما تعكس شريعة العهد التوراتي العادات والالتزامات الأخلاقية والدينية للمجتمع
الإسرائيلي (وربما لمجموعة خاصة من المجتمعات الإسرائيلية التي كانت تعيش في
الشمال) قبل ظهور الملكية.. طالما أنها تعرض خليطاً من قوانين الحالات وقوانين
الضرورة (سواء كانت فنية أو سياسية) التي يمكن أن نتلمسها في القوانيين الحيثية
وبلاد ما بين النهرين، وهناك دراسات تدَّعي أن هذه الشريعة أتت متأخراً، أو أنها
تكوين مصطنع أُخذ من مصادر متنوعة. لكن هذه الفكرة يمكن أن تنسب إلى براعة منطقية
أكثر من كونها حقيقة تاريخية.(
Mendenhall,
LCIANE, 13-14
)

 

وقد
أكد ألبرايت أيضاً قِدَم شريعة العهد التوراتي:

 

«أكثر
من ذلك فإن قانون (اشنونا) وهو أقدم من شريعة حامورابي بحوالي قرنين، يشمل صورة
مماثلة وموازية للشريعة التوراتية المبكرة (خر 21: 35 تتعامل مع موضوع تقسيم
الثيران إذا حدثت معركة قاتلة بين الحيوانات). ولأن قانون (ايشنونا) يعتبر بالنسبة
لأي نظرية منطقية أقدم من كتاب عهد الرب بحوالي خمسة قرون، لذا فإن هذا التشابه
والتوازن يجعل وثيقة عهد الرب تقع في العصر البرونزي وليس الحديدي، وتبعاً لذلك
فإنها تتناسب مع العصر الموسوي.

 

2(د)
صفقات الأرض المسجلة في (تكوين 23)

 

يناقش
آرشر مدى قِدَم هذا الموضوع بالذات ويقول: «نجد في الأصحاح 23 من سفر التكوين أن
إبراهيم وهو مصمم على شراء جزء كبير من أرض عفرون الحثي، بدلاً من اقتصار تملُّكه
على مغارة المكفيلة وما حولها من أرض، وعندما اكتشف القانون الحثي (تاريخه من سنة
1300 ق.م) مدنا بمعلومات مدهشة، وفيه أن مالك الأرض بالكامل يجب أن ينفذ بعض
الواجبات كأنه إقطاعي، ويشمل ذلك أيضاً أن يباشر بعض مظاهر التدين نحو الآلهة
الحثية الوثنية، لذلك فمن الواضح أن إبراهيم رفض أن يشتري أكثر من جزء من أرض
عفرون لكي يتجنب أي تورط مع آلهة غريبة غير يهوه. هذه الحكاية تعكس مدى تمسك
القانون الحثي بتطبيقاته، وهي أيضاً تثبت أن ما حدث كان يسبق سقوط المملكة الحثيثة
التي حدثت في القرن الثالث عشر قبل الميلاد. (
Archer, SOT,161)

 

3(د)
ثلاث عادات أشير إليها في سفر التكوين

 

يشير
أرشر إلى ثلاث عادات ثبت قِدَمها ومذكورة في سفر التكوين (الأصحاح 16، 27، 31 على
التوالي). وقد أكد علم الآثار أن كثيراً من العادات التي وردت في سفر التكوين كانت
شائعة في الألفية الثانية قبل الميلاد وليس الألفية الأولى.

 

وقد
قام العالم نوزي باكتشاف عديد من الوثائق القانونية التي يرجع تاريخها إلى القرن
الخامس عشر قبل الميلاد تتكلم عن: اعتبار الأطفال المولودين من الجاريات كأبناء
شرعيين (كما فعل إبراهيم مع هاجر)، وأن الوصية الشفهية للموصي وهو على سرير الموت
تعتبر ملزمة (كما حدث مع إسحق ويعقوب). والحاجة إلى أن يكون هناك أصنام خاصة بكل
عائلة (كما حدث مع راحيل عندما سرقت أصنام بيت أبيها).(
Archer, SOT, 107)

 

3(ج)
ختام

يجب
أن يكون واضحاً أن علم الآثار فعل الكثير ليس فقط ليقلل من شأن الفرضية الوثائقية،
لكن أيضاً ليدعم حقيقة أن موسى هو الذي كتب التوراة.

 

وعن
التوراة يكتب ألبرايت «الاكتشافات الحديثة الآن تدعِّم الدقة التاريخية للتوراة،
وكذلك قِدَم وثائقها بكل تفاصيلها الصغيرة». ويضيف ألبرايت بشأن ما نقرأه عن
الآباء الأولين: «لا يوجد أي دليل ظهر يناقض أي فعل خاص بتقاليدهم التي كانت سائدة
في زمنهم». ويحذر ألبرايت قائلاً: «إنه شيء مؤسف أن ينكر أحد السمة الشخصية
الواضحة لموسى فيما هو مسجل في التقاليد التوراتية». (
Albright, AP, 224)

 

ويمدنا
ميريديث كلاين بخلاصة متميزة بقوله: «قصة القرن العشرين الخاصة بالاكتشافات
الأثرية التوراتية هي قصة أسكات الجعجعة الصوتية العالية لمؤيدي فلهوزن في العصر
الحديث، من خلال الصوت الهاديء الذي ظهر من شهادة الدراسات الأثرية القديمة. وعقدة
القصة سوف تتضح أكثر لو أحجم النقاد عن ترديد تعاليمهم التقليدية، لكن الجميع الآن
مضطر أن يعترف بأن السرد التوراتي عن الآباء والعهد الموسوي ملازم للألفية الثانية
قبل الميلاد وليس الألفية الأولى، وأن التتابع الزمني لأسفار الشريعة، والأنبياء
قد تأكد تماماً وبات واضحاً بلاشك.
(Kline, CITMB,139)

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى